التداوي بالصدقة وفعل المعروف PDF
Document Details
Uploaded by IndividualizedSnake
Open Learn Online Academy
عبد الرحمن بن نايف بن مطر الأسلمي الشمري
Tags
Summary
هذه رسالة تتحدث عن التداوي بالصدقة وفعل المعروف، وتُوضّح أهمية الصدقة في دفع البلاء والأمراض، وتقدم أمثلة من أقوال العلماء والفقهاء السابقين.
Full Transcript
تصنيف عبد الرحمن بن نايف بن مطر األسلمي الشمري سلّمه اهلل مدينة حائل 25حمرم 1445هـ j قال احلافظ ابن القيم ﵫ ُّ ( : وكل طبيب ال يداوي العليل ،بتفقد قلبه وصالحه ،وتقوية روحه وقواه ،بالصدق...
تصنيف عبد الرحمن بن نايف بن مطر األسلمي الشمري سلّمه اهلل مدينة حائل 25حمرم 1445هـ j قال احلافظ ابن القيم ﵫ ُّ ( : وكل طبيب ال يداوي العليل ،بتفقد قلبه وصالحه ،وتقوية روحه وقواه ،بالصدقة وفعل اخلري واإلحسان ،واإلقبال عىل ـتـطـبـب قارص ، ّ اهلل والدار اآلخرة ،فليس بطبيب ،بل ُم ومن أعظم عالجات املرض ُ : فعل اخلري واإلحسان . وهلذه األمور تأثري يف دفع ِ العلل ،وحصول الشفاء ، أعظم ِمن األدوية الطبيعية ،ولكن بحسب استعداد النفس وقبوهلا وعقيدهتا يف ذلك ونفعه )[.زاد املعاد ص ] 643 التداوي بالصدقة وفعل املعروف J احلمد هلل وبعد :فإن التداوي بالصدقة وفعل املعروف بني اخللق من أنفع أنواع الدواء وأعظم ما ُيبعد عنك الداء ، تقر به أعني كل حمب بإذن اهلل ، ويف هذه الرسالة اللطيفة ما ّ فلنبدأ عىل بركة اهلل . العالج بالصدقة يف قوله مالسلاو ةالصلا هيلع ( :داووا مرضاكم بالصدقة ) ، جــد ًا وليس حمصور ًا بالـامل فافهم . ّ وباب الصدقة واسع وأفضل أبـواب الصدقة « فيام أرى» يف زماننا هــذا هي : العلم الرشعي الصحيح بني الناس ،لغلبة اجلهلبث ِصدقـة ّ وانـتـشاره . 5 التداوي بالصدقة وفعل املعروف إن من قال اإلمام احلسن البرصي التابعي ﵫ َّ ( : ()1 تسمع بالفقه ف ُتحدِّ ث به ). َ الصدقة أن وقال احلافظ ابن رجب ﵫ ( :أفضل الصدقة : تعليم جاهل أو إيقاظ غافل ) . وقال اإلمام ابن تيمية ﵫ ( :قال احلسن البرصي ﵫ يف قوله تعاىل :ﱹﭢ ﭣ ﭤ ﱸ [البقرة ، ]3 :قــال : إن من أعظم النفقة نفقة ِ العلم أو نحو هذا الكالم ،ويف أثـر آخـر قال :نعمت العطية ونعمت اهلدية الكلمة من اخلري يسمعها الرجل ُفيهدهيا إىل أخ له ُمسلم ،ويف أثـر آخـر عن أيب الدرداء ﵠ ،قال :ما تصدق عبد بصدقة أفضل من موعظة يعظ هبا إخوان ًا له مؤمنني فيتفرقون وقد نفعهم اهلل هبا أو ما يشبه هذا الكالم . 6 ((( جزء اإلمام الرت ُقـفي برقم ( )34وسنده صحيح. التداوي بالصدقة وفعل املعروف وعن كعب بن عجرة ﵠ قال :أال أهدي لك هدية فذكر الصالة عىل النبي ﷺ ،وروى ابن ماجه يف ُسننه عن أيب هريرة ﵠ ،عن النبي ﷺ قال :أفضل الصدقة أن يتعلم الرجل ِعل ًام ثم يع ّلمه أخاه ا ُملسلم ،وقال معاذ بن جبل ﵠ :عليكم ِ بالعلم فإن طلبه عبادة ،وتع ّلمه هلل حسنة ،وبـذله ألهله قربة ،وتعليمه ملن ال يعلمه صدقـة ، والبحث عنه جهاد ،ومذاكرتـه تسبيح ) . قلت :وجـاء يف األثـر ( :ما تصدق الناس بصدقة أفضل ُ من ِعلم ُيـنـشـر ). وقال التابعي مكحول الشامي ﵫ ( :ما تصدق رجل بصدقة أفضل من ِعلم ُيـفـشـيـه ) . وقال العالمة الصنعاين ﵫ ( :وجه احلكمة من قوله : 7 « داووا مرضاكم بالصدقة « أهنا تدفع عن الفقري أمل احلاجة املتصدق بدفع أمل املرض ) . ّ والفـقـر ُ ،فيجازي التداوي بالصدقة وفعل املعروف قلت :وقاعدة الرشيعة مجعاء عىل أن اجلزاء من جنس ُ العمل يف كل ٍ يشء ،وهذا من رمحة اهلل سبحانه باخللق . قال فضالة بن زيد العدواين التابعي ﵫ ( :وال َدفع البالء واملصائب مثل إفادة الـامل ). وقال الفقيه إبراهيم النخعي التابعي ﵫ ( :كا ُنوا ٍ بيشء َد َف َع َعن ُه ). الر ُجل املظ ُلوم إذا َّ تصدق أن َّ يرون َّ قصص تأرخيية الس َلفي ﵫ ،قال : السفر للحافظ ِّويف ُمعجم َّ ( سمعت أبا احلسن عيل بن أيب بكر أمحد بن عيل الكاتب املـينـزي -ومـيـنـز من قرى َنـسا وهي من ُمدن خراسان وإليها ينسب اإلمام النسائي رمحه الباري -بدمشق يقول سمعت أبا بكر اخلبازي بنيسابور يقول :مرضت مرض ًا خطر ًا فـرآين جار يل صالح فقال :استعمل قول رسول اهلل : 8 داووا مرضاكم بالصدقة ،وكان الوقت ضيق ًا فاشرتيت التداوي بالصدقة وفعل املعروف بطيخ ًا كثري ًا ،واجتمع مجاعة من الفقراء والصبـيان فأكلوا ورفعوا أيدهيم إىل اهلل لجو زع ودعوا يل بالشفاء ،فو اهلل ما أصبحت ّإاّل وأنا يف كل عافية من اهلل ىلاعتو كرابت ) . ونقل البيهقي ﵫ يف ُ الش َعب ( :عن عيل بن احلسن ابن شقيق قال :سمعت ابن املبارك ﵫ وسأله رجل : يا أبا عبد الرمحن :قرحة خرجت يف ركبتي منذ سبع سنني ، وقد عاجلت بأنواع العالج ،وسألت األطباء فلم أنـتـفـع به . فقال ابن املبارك ﵫ :اذهب فانظر موضع ًا حيتاج الناس إىل املاء فاحفر هناك بئر ًا ،فإين أرجو أن تـنـبـع هناك عني ،ويمسك عنك الدم ،فـفعل الرجل فربأ ). ثم قال احلافظ البيهقي ﵫ ( :ويف هذا املعنى حكاية قرحة شيخنا احلاكم أيب عبد اهلل ﵫ -وهو صاحب ا ُملستدرك : -فإنه قرح وجهه وعاجله بأنواع املعاجلة فلم 9 يذهب وبقي فيه قريـب ًا من سنة ،فسأل األستاذ اإلمام التداوي بالصدقة وفعل املعروف أبو عثامن الصابوين ﵫ أن يدعو له يف جملسه يوم اجلمعة ، فدعا له وأكثر الناس التأمني ،فلام كان من اجلمعة األخرى أل َقت امرأة رقعة يف املجلس ،بأهنا عادت إىل بـيـتـها واجتهدت يف الدعاء للحاكم أيب عبد اهلل تلك الليلة ،فرأت يف منامها رسول اهلل ﷺ كأنه يقول هلا :قولوا أليب عبد اهلل يوسع املاء عىل املسلمني ،فجيئت بالرقعة إىل احلاكم أيب ّ عبد اهلل :فـأمر بسقاية املاء فيها وطرح احلمد يف املاء وأخذ الناس يف املاء . فام مرت عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء ،وزالت تلك القروح وعاد وجهه إىل ما كان ،وعاش بعد ذلك سنني ) . السـكري ( ت 167هــ ) ﵫ : وكان احلافظ أبو محزة ُّ ( إذا مرض الرجل من جريانه تصدق بمثل نفقة املريض بام ()1 ُرُصف عنه من ِ العلة ). 10 ((( وهذا من عزيز ِ الفقه وعظيم الفهم ومن شكر اهلل عىل مجيل سرته. التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال كعب األحبار التابعي الكبري ﵫ ( :سبحان اهلل : ()1 ختفيف من العذاب ). تصحيح لتصحيف مشهور وأمـا مـا ُيـروى عن اإلمام الشافعي ﵫ أنـه قال : لوباء ِمن ال َّتسبـيح ) ،فهذا ال يصح عـنـ ُه ، ( َمَل أر أنـفـع لِ َ وقد حصل بالعبارة تصحيف وحتريف ،وصواهبا : ـدهـن ِ بـه لوباء ِم َن الب َنفسج ُ ،ي َ ـع لِ ِ ( َمَل َأر شيئ ًا أنـ َف َ ـشـرب ) ،كام يف خامتة كتاب :آداب الشافعي ومناقبه و ُي َ للحافظ الكبري ابن أيب حاتم الرازي ﵫ ،والبنفسج نوع من النبات طيب الرائحة . العالج بفعل املعروف كل معروف صدقة بال شك ،وفعل املعروف واإلحسان 11 إىل اخللق من أسباب الشفاء والعالج التام بإذن اهلل ،وعىل ((( والتسبيح من الصدقة كام ثبت احلديث بذلك. التداوي بالصدقة وفعل املعروف العلامء ُ والفقهاء وأهل البصرية هذا املعنى تدور كلامت ُ واإليامن . قال العالمة املحقق ابن امللقن ﵫ يف رشحه للبخاري عند حديث بدء الوحي ما نصه : ( قوله ﷺ :زَ ِّم ُلوين زَ ِّم ُلوين ،فيه :إن مكارم األخالق، وخصال اخلري ،سبب للسالمة من مصارع السوء واملكاره، ورجي َلـ ُه سالمة الدِّ ين فمن َكـ ُث َ ـر خريه حسنت عاقبتهُ ، والدنيا ) . ُّ وقال ابن القيم ﵫ يف عدة الصابرين ( :ويف الصدقة فوائد ومنافع ال ُحُيصيها إال اهلل ،فمنها :أهنا تقي مصارع السوء ،وتدفع البالء ،حتى إهنا لتدفع عن الظامل ،قال إبراهيم النخعي ﵫ :وكانوا يرون أن الصدقة تدفع عن الرجل املظلوم ،وتُطفئ اخلطيئة ،وحتفظ املال ،وجتلب الرزق ، 12 وحسن الظن بـه ،وتُرغم وتُـفـرح القلب ،وتوجب الثقة باهلل ُ التداوي بالصدقة وفعل املعروف ُنميها ُ ، وحُتبب العبد إىل اهلل وإىل الشيطان ،وت ّ ُزكي النفس وت ّ العمر ،وتستجلب خلقه ،وتسرت عليه كل عيب ،وتزيد يف ُ أدعية الناس وحمبتهم ،وتدفع عن صاحبها عذاب القرب ، ُـهـون وتكون عليه ِظ ً ال يوم القيامة ،وتشفع ل ُه عند اهلل ،وت ِّ الدنيا واآلخرة ،وتدعوه إىل سائر أعامل الـبِ ّ ـر ، عليه شدائد ُّ فال تستعيص عليه ،وفوائدها ومنافعها أضعاف ذلك . قــــالــــوا :ولو مل يكن يف النفع واإلحسان إال أنه صفة اهلل ،وهو سبحانه ُحُيب من اتصف بموجب صفاته وآثارها ُ ،فيحب العليم ،واجلواد ،واحليي ،والستري ، أحب إليه من املؤمن الضعيف ُ ، وحُيب ُّ واملؤمن القوي العدل ،والعفو ،والرحيم ،والشكور ،والرب ،والكريم، فصفته الغنى واجلودُ ، وحُيب الغني اجلواد . 13 قـــالـــوا :ويكفي يف فضل النفع املتعدي بالـامل ،أن العمل ،فمن كسى مؤمن ًا كساه اهلل من اجلزاء عليه من جنس َ التداوي بالصدقة وفعل املعروف ُحلل اجلنة ،ومن أشبع جائع ًا أشبعه اهلل من ثامر اجلنة ،ومن سقى ظمآن ًا سقاه اهلل من رشاب اجلنة ،ومن أعتق رقبة أعتق اهلل بكل عضو منه عضو ًا من النار ،حتى فرجه بفرجه ،ومن الدنيا واآلخرة ). َي ّرّس عىل ُمعرسَ ،ي ّرّس اهلل عليه يف ُّ لع ِ بد األعامل ُجـنـدٌ لِ َ َ إن وقال ﵫ يف زاد املعاد ّ ( : وجـنـدٌ ع َليه وال ُب ّ ـد ). ُ وقال ﵫ يف بدائع الفوائد ( :فاملحسن املتصدق : وعسكر ًا يقاتلون عنه وهو نائم عىل فراشه، يستخدم ُجند ًا َ فمن مل يكن له جند وال عسكر ،ول ُه عدو ،فإنه يوشك أن يظفر بـه عدوه ،وإن تأخرت ُم ّدة الظفر واهلل املستعان ). وقال ﵫ يف طريق اهلجرتني ( :فإن اإلحسان يفرح القلب ،ويرشح الصدر ،وجيلب النِعم ،ويدفع النِقم ،وتركه 14 ُيوجب الغم والضيق ،ويمنع وصول النِعم إليه ). التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال ﵫ يف الزاد ( :وكان َهديه ﷺ يدعو إىل أرشح َ اإلحسان والصدقة واملعروف ،ولذلك كان ﷺ وأنعمهم قلباً ،فإن لِلصدقة َ طيبهم نفساً، َ اخللق صدر ًا ،وأ َ َو ِف ِ عل املعروف تأثري ًا عجيب ًا يف رشح الصدر ). وقال ﵫ يف حادي األرواح ( :ومفتاح حصول الرمحة :اإلحسان يف عبادة اخلالق ،والسعي يف نفع َعبيده ). وقال ابن سعدي ﵫ يف تفسريه ( :عنوان سعادة العبد :إخالصه للمعبود ،وسعيه يف نفع اخللق ). خللقَ ِع ُ يال إن ا َوقال العالمة القرايف املالكي ﵫ َّ ( : سيام يف أمـ ِر الدِّ ين وما اهلل ،وأقرهُبم إليه ُ ِ أنفعهم لعياله ،ال َّ ُ ()1 رجع إىل العقائد ). َي ُ وقال اإلمام ابن تيمية ﵫ يف األصفهانية ( :ومن 15 ُمُجع فيه الصدق والعدل واإلحسان :مل ُ يكن مما خيزيه ((( اإلحكام يف متييز الفتاوى عن األحكام ص.266 التداوي بالصدقة وفعل املعروف اهلل ،وصلة الرحم ،وقرى الضيف ،ومحل الكل ،وإعطاء املعدوم ،واإلعانة عىل نوائب احلق ،هي من أعظم أنواع الرب واإلحسان ،وقد ُعلم من ُسنة اهلل تعاىل :أن من جبله ّ ونزهه عن األخالق املذمومة ، اهلل عىل األخالق املحمودة ّ ، فـإنـه ال ُيـخـزيـه ...........،ومن ُ عظم نفعه للخلق ، وإحسانه إليهم ،كانت عاقبته عاقبة خري ). وقال ﵫ يف جمموع الفتاوى ( :واملسلمون يف مشارق األرض ومغارهبا قلوهبم واحدة ،موالية هلل ولرسوله ولعباده املؤمنني ،معادية ألعداء اهلل ورسوله وأعداء عباده املؤمنني ، وقلوهبم الصادقة ،وأدعيتهم الصاحلة ،هي العسكر الذي ال يغلب ،واجلند الذي ال خيذل ،فإهنم هم الطائفة املنصورة إىل يوم القيامة ). وقال ابن القيم ﵫ يف الداء والدواء ( :وقد دل 16 العقل والنقل ِ والفطرة وجتارب األمم عىل اختالف أجناسها التداوي بالصدقة وفعل املعروف رب العاملني وطلب التقرب إىل ّ ِ ومللها ونحلها ،عىل أن ُّ ِ خلقه ،من أعظم األسباب والرب واإلحسان إىل مرضاته ، ّ لكل خري ،وأضدادها من أكرب األسباب اجلالبة ُ لكل اجلالبة ُ دفعت نِقم ُة اهلل ،بمثل جلبت نِعم اهلل ،واس ُت ِ ُ رش ،فام اس ُت ِ والتقرب إليه ،واإلحسان إىل خلقه ). ُّ طاعته فعل املعروف حيقن الدماء ُـبـيـن بجالء أن صنائع ومن القصص اللطيفة التي ت ِّ املعروف تقي مصارع السوء واهللكات ( :ما ذكره القايض أبو النمر بن العنزي ﵫ قال :سافرت إىل اليمن فاتصلت ببعض سالطني اليمن ،فأتاه اخلرب بعصيان أهل بلد من بالده ،فركب وسار إليه ،وأنا صحبته ،وهو يف خلق 17 ليستبيحن دماءهم وأمواهلم، ّ كثري عىل الركاب ،وأقسم فرسنا حتى نزلنا عىل املدينة ،وأمر بالتأهب لقتاهلم . التداوي بالصدقة وفعل املعروف فـرأيـنـا امرأة قـد خرجت من املدينة ،وجاءت تتخطى السلطان وأنا عنده ،فسلمت عليه الناس حتى وصلت إىل ُّ فرحب هبا ،وأكرمها وأجلسهاُ ،ثم قال هلا :ما حاجتك؟ قالت :جئتك أسألك أن هتب يل هذه املدينة وأهلها، فقال :هؤالء قد أظهروا العصيان والشقاق ،وقد أقسمت أن استبيح دماءهم وأمواهلم ،فقالت :بل ترجع عن هذا إىل املعتاد من صفحك وكرم عفوك ،وهتب يل ذنبهم ودماءهم وأمواهلم ،فقال :ما أفعل وال أفسد مملكتي ،وأستدعي عصيان رعيتي بصفحي عن هؤالء املنافقني . فغضبت ،وقامت ،وقالت :نسيت حقي وحرمتي واطرحتني ،حتى أين أسألك يف مدينة من مدائنك لتقيض هبا حقي ،وال توجب سؤايل ،ثم و ّلت ،فأطرقُ ،ثم قال: ردوها ،فلام عادت اعتذر إليها وتلطفها ،وقال :قد وهبت ُّ لك البلد وأموال أهله ودماءهم ،وها أنا راحلُ ،ثم أمر 18 الناس بالرحيل وسار . التداوي بالصدقة وفعل املعروف فسألت عن تلك املرأة ،فقيل يل :إن هذه امرأة كانت تُرضعه ،وكان أبوه مالك هذه البالد ،فقام عليه أخوه فقتله ،وملك البالد ،وهذا إذ ذاك طفل ،فتط ّلبه عمه ليقتله، فخبته هذه املرأة بينها وبني ثياهبا ،وأخفته ،وخرجت به من فـربـتـه يف مخول ،واختفى حتى كرب ،وجار عمه عىل البلد َّ الرعية ،وأساء إليهم ،فوثبوا عليه قتلوه ،ونفذوا أحرضوا هذا وم ّلكوه عليهم كام ترى ،فهي ت ِّ ُـذكـره بام فعلته يف حقه، ()1 وهو َيرعى هلا ذلك الصنع ). قلت :ونظري هذه ما يف صحيح البخاري ،حني سقت ُ املرأة رسول اهلل ﷺ وأصحابه ﵤ وكانوا يف سف ٍر جهيد ( ،فكان املسلمون بعد ذلك ُيغريون عىل من حوهلا الرِّصم – اجلامعة من الناس- من املرشكني ،وال ُيصيبون ِّ 19 الذي هي منه ،فقالت يوم ًا لقومها :ما أرى أن هؤالء القوم ((( من كتاب :بغية الطلب من تأريخ حلب . التداوي بالصدقة وفعل املعروف يدعونكم عمد ًا ،فهل لكم يف اإلسالم ؟! فأطاعوها فدخلوا ()1 يف اإلسالم ) . وقال أبو منصور الثعالبي ﵫ يف يتيمة الدهر : (حدثني أبو بكر اخلوارزمي وأبو نرص بن سهل بن املرزبان وأبو احلسن املصييص ،فدخل حديث بعضهم يف بعض فزاد ونقص ،قالوا :كانت حالة املهلبي الوزير قبل االتصال بالسلطان حال ضعف وق ّلة ،وكان يقايس منها قذى عينه، ُّ وشجى صدره ،فبينام هو ذات يوم يف بعض أسفاره مع رفيق ل ُه من أصحاب اجلراب واملحراب ،إال أنه من أهل اآلداب، إذ لقي يف سفره نصباً ،واشتهى اللحم ،فلم يقدر عىل ثمنه، فقال ارجتاالً: فهذا العيش ما ال خري فيه أال موت ُيباع فأشرتيه خي ّلصني من العيش الكريه موت لذيذ الطعم يأيت أال ٌ 20 فنجاها فعلها للمعروف السابق مع الرسول وأصحابه. ّ ((( التداوي بالصدقة وفعل املعروف وددت لو آنني ّمما يليه إذا أبرصت قرب ًا من بعيد تصدق بالوفاة عىل أخيه ّ حر أال رحم املهيمن نفس ٍّ فاشرتى له رفيقه بدرهم واحد حلامً ،فأسكن به قرمه ، وحت ّفظ األبيات وتفارقا . ورضب الدهر رضباته ،حتى ترقت حالة املهلبي إىل أعظم درجة من الوزارة ...... ،وحصل الرفيق حتت كلكل من كالكل الدهر ،ثقل عليه بركه وهاضه عركه فقصد حرضته ،وتوصل إىل إيصال رقعة تتضمن أبيات ًا منها : مقال ّ مذكر ما قـد نسيه أال ُقل للوزير فدته نفيس موت يباع فأشرتيه ؟ أال ٌ أتذكر إذ تقول لضنك ٍ عيش فلام نظر فيها ّ تذكره ،وهزته أرحيية الكرم ،للحنني إليه، الصحبة فيه ،واجلري عىل من قال : ورعاية حق ُ 21 خل ِ شن ِ املنزل ا َ َمن كانَ ُ يألف ُهم يف أيرَسوا َذ َك ُروا َّ ِ إن الكرا َم إذا ما َ ُ التداوي بالصدقة وفعل املعروف وأمر ل ُه يف عاجل احلال بسبعامئة درهم ،ووقع يف رقعته : ﱹﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﱸ [البقرة، ]261 : ُثم دعا به وخلع عليه وق ّلده عم ً ال يرتفق به ،ويرتزق منه ). اجلزاء من جنس عملك وقال ابن القيم ﵫ يف حادي األرواح ( :والعبد ُكلام وكلام ِ عمل خري ًا ، وسع ل ُه يف اجلنة ُ ، الرب ّ ، وسع يف أعامل ّ ّ بـه هناك غراس وبنى ل ُه بناء ،وأنيشء له من ِ عمله ُغرس له ِ أنواع مما يتمتع بـه ). وقال رسول اهلل ﷺ ( :إن من الناس ناس ًا مفاتيح للخري مغاليق للرش ،و إن من الناس ناس ًا مفاتيح للرش مغاليق للخري ،فطوبى ملن جعل اهلل مفاتيح اخلري عىل يديه ،وويل 22 ملن جعل اهلل مفاتيح الرش عىل يديه ). التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال ابن بطال ﵫ يف رشحه عىل صحيح البخاري: ( قول رسول اهلل ﷺ :املالئكة ت ِّ ُصيِّل عىل أحدكم ما دام يف مصاله ،ما مل حيدث ،اللهم اغفر له اللهم ارمحه ،ال يزال حتبسه ،ال يمنعه أن أحدكم يف صالة ،ما دامت الصالة ُ ينقلب إىل أهله إال الصالة ،تفسري لقوله تعاىل :ﱹﯜ ﯝ ﯞﯟﱸ [غافرُ ، ]7 :يريد املص ِّلني ،واملنتظرين للصالة ، ويدخل يف ذلك من أشبههم يف املعنىّ ،ممن َحبس نفسه عىل أفعال الـبِ ِّ ـر ُك ّلها ). ()1 ويف صحيح البخاري ُمع ّلق ًا جمزوم ًا به :قال أبو الدرداء ﵠ( :إنام تقاتلون بأعاملكم). إن من أعظم األسلحة فتك ًا قلت :وفيه من لطيف ِ الفقهَّ : ُ بالعدو هي األعامل الصاحلة لإلنسان ،وهي جيش املؤمن وجنده الذي ُيـقـاتِـل ِ بـه ومعه ،فحاول أن تُكثر من جنودك. ُ 23 ((( وهبذا أيض ًا قال ابن امللقن ﵫ يف التوضيح لرشح اجلامع الصحيح. التداوي بالصدقة وفعل املعروف قال ابن تيمية ﵫ( :فإن الصدقة من جنس القتال، فاجلبان يرجف ،والشجاع يثبت ،وهلذا قال النبي ﷺ: وأما اخليالء التي حيبها اهلل ،فاختيال الرجل بنفسه عند احلرب ،واختياله بنفسه عند الصدقة ،ألنه مقام ثبات وقوة، فاخليالء تناسبه ،وإنام الذي ال حيبه اهلل ،املختال الفخور البخيل اآلمر بالبخل ،فأما املختال مع العطاء أو القتال ُفيحبه ). العالج بنية اخلري فقط وقال اإلمام اجلليل أمحد بن حنبل ﵫ :حدثنا عبد الرمحن سمعت ُ ابن مهدي ،عن جعفر ( ابن ُسليامن ُ الضبعي ) قال : إن ُصدور املؤمنني تَغيل مالك بن دينار ( التابعي ) يقول َّ ( : الفجور ُ ، واهلل وإن ُصدور ُ الف ّجار تَغيل بأعامل ُ رب َّ ، بأعامل ال ِّ ()1 مه ُ ومكم رمحكم اهلل ). تعاىل َيرى ُ 24 ((( كتاب الزهد ٍ بسند برصي صحيح. التداوي بالصدقة وفعل املعروف قلت :ومصداق ذلك ما ثبت مرفوعاً ( :إن اهلل ال ينظر ُ إىل أجسادكم وال إىل صوركم وأموالكم ،ولكن إنام ينظر ()1 إىل قلوبكم -وأشار بأصابعه إىل صدره -وأعاملكم ) . ﱹﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ وقال اهلل تعاىل : ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﱸ [اإلرساء.]25 : وثبت مرفوع ًا ( :إنام ِ العلم بالتعلم ،وإنام احللم بالتحلم ، يتحر اخلري ُي َ عطه ،ومن يـ َّتـق الرشَّ ُيو َقه ). ومن َّ وقال ﷺ ( :إن اهلل كتب احلسنات والسيئات ثم ّبنّي هم بحسنة فلم يعملها كتبها اهلل له عنده حسنة فمن َّ ذلك َ ، هم هبا وعملها كتبها اهلل له عنده عرش كاملة ،فإن هو َّ هم حسنات إىل سبعامئة ضعف إىل أضعاف كثرية ،و َمن َّ بسيئة فلم يعملها كتبها اهلل له عنده حسنة كاملة ،فإن هو 25 هم هبا فعملها كتبها اهلل له سيئة واحدة ). َّ ((( فــقـدَّ م النية عىل العمل ،والقلب حمل نظر الرب بال شك. التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال ابن تيمية ﵫ ( :قاعدة الرشيعة :أن من كان عازم ًا عىل الفعل عزم ًا جازم ًا ،وفعل ما يقدر عليه منه كان بمنزلة الفاعل ). وقال الصنعاين ﵫ يف التنوير َ ( :من كان صادق النية يف فعل أي خري ومنعه عنه مانع عدم االستطاعة ، أنه مثل من استطاع يف األجر ،وهذا مقتىض فضل اهلل وعدله ،ألنه ما عاق صادق النية ....وامتنع عنه إال لعائق القدر ). وقال احلافظ الكبري ابن كثري ﵫ يف تفسريه ( :و َمن ٍ بيشء وصدق مهَّه بفعله فهو يف احلقيقة كفاعله ). هم َّ ويف اآلداب الرشعية البن مفلح ﵫ ( :قال عبد اهلل ابن اإلمام أمحد بن حنبل رمحهام اهلل ألبيه يوم ًا أوصني يا أبت ،فقال :يا ُبني انو اخلري ،فإنك ال تزال بخري ما نويت 26 اخلري ). التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال اهلل تعاىل :ﱹﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﱸ [الفتح.]18 :فتأمل قوله :ﱹﮘ ﮙ ﮚ ﮛﱸ. ويف ُسنن ابن ماجة ﵫ :قال رسول اهلل ﷺ ُ ( : مثل اهلل ما ًال ِ وعل ًام ، رجل آتـاه ُ ٌ هذه ُ األمة كمثل أربعة نـفـر : هلل ورجل آتـاه ا ُ ٌ فهو يعمل ِ بعلمه يف ماله ُ ،ينفقه يف حقه . لت ِعل ًام و مل ُيؤتِه ما ًال ،فهو يقول :لو كان يل مثل هذا ِ ، عم ُ فيه مثل الذي يعمل . سواء . ٌ قال رسول اهلل ﷺ ُ : فهام يف األجـر اهلل ما ًال ومل ُيؤتِه ِعل ًام ،فهو ُ خيبط يف ماله ، ورجل آتـاه ُ ٌ اهلل ِعل ًام وال ما ًال ،فهو ورجل مل ُيؤته ُ ٌ ُينفقه يف غري حقه. لت فيه َ مثل الذي يعمل . يقول :لو كان يل مثل هذا ِ ، عم ُ 27 سواء ). ٌ فهام يف الوز ِر قال رسول اهلل ﷺ ُ : التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال ابن تيمية ﵫ ( :املؤمن إذا كانت له نـيـة ُأثيب عىل عامة أفعاله ،وكانت املباحات من صالح أعاملِه لصالح قـلـبـه ونـيـتـه ). ولـمـا مات الصحايب اجلليل عبد اهلل بن ثابت ﵠ ّ ألرجو أن ُ تكون َشهيد ًا ،أما ُ كنت قالت ابنته ( :واهلل إن ُ رسول اهلل ﷺ َّ : إن اهلل َ جهازك ،فقال ُ نت َق َ ضيت إنَّك قد ُك َ ()1 َقـد أو َق َع أجر ُه عىل قـدر نـيـتِ ِ ـه ). َّ وحكى ُ القشريي أن أمري خراسان َعمرو بن الليث الصفار ﵫ (ت 289هـ) رئي يف املنام ،فقيل ل ُه :ما فعل اهلل بك ؟ قال :أرشفت يوم ًا من جبل عىل جيويش ،فأعجبني كثرهتم ،فتم ّنيت أنني كنت حرضت مع رسول اهلل ﷺ ، ()2 فنرصته وأعنـته ،فشكر اهلل يل ،وغفر يل . 28 ((( من املسند لإلمام أمحد. ((( ذكرها الذهبي يف النبالء ( .) 517/12 التداوي بالصدقة وفعل املعروف فعل املعروف ينفع الكافر ويف اإلصابة البن حجر ﵫ ( :عن سليم الضبي ﵠ ،قال :قلت يا رسول اهلل ،إن أيب كان ُيقري عدها ،فقال ﷺ :أدرك الضيف ،ويفعل كذا وكذا :األشياء ّ اإلسالم؟ قلت :ال ،قال ﷺ :ليس بنافعه ،فلام رأى ما يب، قال ﷺ :إنه ال يزال ذلك يف عقبة ،ال ُيظلمون وال ُيستذ ّلون وال ُيفتقرون ). قلت :وهذا فيه دليل إن صنائع املعروف وفعل ُ صـح يف احلديث َّ الدنيا ،وقد اخلري تنفع حتى الكافر يف ُّ الدنيا ، بحسناتِ ِ ـه يف ُّ عنه ﷺ أنـه قال ( :وأما الكافر ُفي َ طعم َ حتى إذا أفىض إىل اآلخرة ،مل ُ يكن له َح ٌ سنة ُيعطى هبا 29 ()1 خري ًا ). ((( وهذا من عدل اهلل سبحانه وتعاىل. التداوي بالصدقة وفعل املعروف رضبات استباقية عالجية وقال رسول اهلل ﷺ( :صنائع املعروف تقي مصارع السوء ،والصدقة خفي ًا تطفئ غضب الرب ،و صلة الرحم زيادة يف العمر ،وكل معروف صدقة ،وأهل املعروف يف الدنيا، الدنيا ،هم أهل املعروف يف اآلخرة ،وأهل املنكر يف ُّ ُّ هم أهل املنكر يف اآلخرة ،وأول من يدخل اجلنة :أهل املعروف ). ويف صحيح ابن خزيمة ﵫ :قال رسول اهلل ﷺ: ـري من جن وال إنس وال (من حفر ماء مل يرشب منه كبد َح َّ طائر ،إال آجـره اهلل يوم القيامة ،ومن بنى مسجد ًا كمفحص قطاة أو أصغر ،بنى اهلل له بيت ًا يف اجلنة ). ـب اإلحسان عىل ُك ِّ ـل يشء ). إن اهلل َكـ َت َ ويف قوله ﷺَّ ( : قال احلافظ ابن امللقن ﵫ ( :ومن ذلك :اإلحسان 30 إىل اجلن ،مؤمنهم وكافرهم بدعائهم إىل اخلري ،وقد أكرمهم التداوي بالصدقة وفعل املعروف َ والروث لدواهبم ، الشارع وأقراهم ،بأن جعل العظم زادهم ، ()1 ولنا فيه أسو ٌة حسنة ). وقال ابن قتيبة ﵫ يف عيون األخبار( :وكان ابن عباس ﵠ يقول :صاحب املعروف ال يقع ،فإن وقع ال أوليته معروفاًّ ،إاّل وجـد ُمـــ ّتـــكـــأ ،وما رأيت رج ً ال أوليته سوءاًّ ،إاّل أظلم أضاء ما بيني وبينه ،وال رأيت رج ً ما بيني وبينه ). ﱹﭒﭓﭔ وأصل ذلك ُكله آيات من التنزيل منها : ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﱸ [النساء.]114 : ﱹﮕﮖﮗﮘﮙ وقوله سبحانه : 31 ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [احلج.]77 : ((( من املعني عىل تفهم األربعني. التداوي بالصدقة وفعل املعروف ﱹﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ وقوله سبحانه : ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﱸ [البقرة.]195 : وقـــولـــه :ﱹ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﱸ [املائدة.]93 : فضل املعروف بمراحل القدر الثالثة وسبحان اهلل العظيم :مل َأر شيئ ًا ينفع اإلنسان يف مراحل ُ القدر الثالث مثل ُصنع املعروف للخلق ،وإليك األمثلة : (قبل قدر اهلل) :ال شك أن من عقيدة املسلم اإليامن بالقضاء والقدر ،وهذا القضاء هو غيب بالنسبة لإلنسان ال يعلم به ّإاّل إذا وقـع ،والقدر منه اخلري ومنه الرش ،فقدر اخلري حمبوب وليس هو حديثنا ُهنا ،بينام قدر الرش مكروه 32 ال حيبه اإلنسان ،طيب كيف يتقيه وجيتنبه وال يقع عليه ؟! التداوي بالصدقة وفعل املعروف بصنع املعروف ألن من أسباب الوقاية من اجلواب ُ : تقدم. اآلفات واهللكات والطامات :صنائع اخلريات كام َّ (خالل قدر اهلل) :فإن ُكنت تُريد بقاء نِعم اهلل عليك ودوامها ،ودفع ما تكره عنكُ ، وحُتب أن يكون اهلل عىل ما تُريدُ ، فكن ل ُه عىل ما ُيريد ،قال اإلمام أمحد ﵫ ( :إن بت أن َيدُ وم ُ اهلل لك عىل ما ُحُت ُّب فدُ م ل ُه عىل ما ُحُي ُّب ). أحب َ َ وكام قيل ُ : الشكر يوجب املزيد من النعم ،واالستغفار يدفع النقم ،والشكر قيد املوجود ،وصيد املفقود ،والطاعة حتفظ املوجود ،وجتلب املفقود ،وهذا ال يكون إاَّلَّ بصنائع املعروف واخلريات. و ُيـروى عن الشهيد عيل بن أيب طالب ﵠ أنه قال كر والش ُ بالشكر ُّ ،إن ال ِّنعم َة ُم َو َّص ٌلة ُّ لرجل من مهدان َّ ( : 33 ـق باملزيد ،ومها مقرونان يف َق ٍ رن ،ف َلن ينقطع املزيدُ ُمـعـ َّل ٌ كر ِمن العبد ). الش ُ من اهلل حتى ِ ينقطع ُّ وقال اهلل الكريم :ﱹ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﱸ [إبراهيمُ ، ]7 : والشـكـر يكون باللسان والنية ويكون بالعمل ، ﱹﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ومن العمل فعل املعروف ، قـرت ،وإذا ُك ِفرت ِ ﯶ ﯷ ﱸ [سبأ ، ]13 :فالنعمة إذا ُشكرت َّ فـرت . َّ (بعد قدر اهلل) :بفعل املعروف أيضاً ،ألن البالء إذا نزل ال يرفعه إال فعل اخلري والطاعة ،قال ﷺ( :داووا مرضاكم بالصدقة) ،وأبواب الصدقة واسعة جـداً ،وهذا احلديث يدل عىل أن البالء ال ُيدفع إال بالعمل الصالح ، بمعنى :أن األمور القدرية الكونية ال تُدفع وال تُرفع رد إال باألمور الرشعية ،وقد ثبت يف احلديث ( :ال َي ُ الدعاء ) ،فافهم هذا جيد ًا فإنه من جليل ِ العلم القضاء إال ُّ ()1 ودقيقه . ((( وسيأيت بيان ذلك بالتفصيل بعد قليل. التداوي بالصدقة وفعل املعروف ﱹﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ وقال اهلل تعاىل : ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﱸ 35 [القصص.]28-20 : التداوي بالصدقة وفعل املعروف قلت :تأمل معي هذه القصة العجيبة والغريبة واخلامتة ُ اجلليلة : أ -خرج نبي اهلل من بالد ِمرص وحـده خـائـف ًا يرتقب خشية أن يفتك األعداء به . ب -ذهب لبالد َمدين وهو أعزب فقري . قال ابن عباس ﵠ ( :سار موسى ﷺ من ِمرص إىل َمدين ،ليس له طعام إال البقل وورق الشجر ،وكان حافياً ،فام وصل َمد َين ،حتى سقطت نعل قدمه ،وجلس يف ِ الظل ،وهو صفوة اهلل من خلقه ،وإن بطنه الصق بظهره من اجلوع ،وإن خرضة البقل ُلرُتى من داخل جوفه ،وإنه ملحتاج إىل ِشق مترة ﷺ ). جـ َ -صنع اخلري واملعروف لنساء ال يعرفهن . د -آل بـه ُصنع اخلري إىل أن ساقه اهلل سبحانه للرجل 36 الصالح . التداوي بالصدقة وفعل املعروف ال يكسب من خالله الرزق س – تزوج ،ووجـد َعم ً احلالل . ش -دخل َمدين فقرياً ،وخرج منها غنياً. بم ٍ حنة عظيمة ،وانتهت ص -بعد هذه القصة التي بدأت ِ بمنح ٍة أعظم وأكرم أصبح فيها كليم اهلل . َ قال اهلل تعاىل :ﱹ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁ ﮂ ﱸ [القصص.]30-29 : قلب األقدار لصاحلك من العالج العظيم عالج الصدقة وفعل املعروف يف احلقيقة هـــو :من 37 ُمعاجلة األقدار الكونية باألقدار الرشعية ،عالج قدر بقدر مضاد ،وهذه مسألة جليلة تتع ّلق بالتوحيد وغريها التداوي بالصدقة وفعل املعروف من أحكام الرشع املطهر ،وهي رد القضاء الكوين بالقدر الرشعي يف املايض واحلارض واملستقبل ،وهي من املسائل العظيمة الكبرية اخلطرية والتي ال تُغني هذه السطور اليسرية عمن أراد الزيادة منها ،وما يعقلها َّإاَّل العاملون . َ ﱹﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ يف قوله تعاىل : ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﱸ [الصافات.]144-139 : ٍ بسند برصي عن قتادة بن دعامة السدويس التابعي صح َّ ﵫ ،يف قوله تعاىل :ﱹ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﱸ ،قال : الرخاء َّ ، فنجاه اهلل بذلك . ( كان كثري َّ ِ الصالة يف ّ وقال :وقد كان يقال يف احلكمة :إن العمل الصالح يرفع ()1 صاحبه إذا ما َع َثر ،فإذا ُرُصع وجدَ ُمتكئ ًا ). 38 ((( رواه ابن جرير يف التفسري . التداوي بالصدقة وفعل املعروف وصح عن الضحاك بن قيس ﵠ أنه قال ( :اذكروا َّ اهلل يف الرخاء يذكركم يف الشدة ،فإن يونس كان عبد ًا صاحل ًا ذاكر ًا هلل ،فلام وقع يف بطن احلوت ،قال اهلل تعاىل :فلوال أنه كان من املسبحني للبث يف بطنه إىل يوم يبعثون ). قدم وقال احلسن البرصي التابعي ﵫ ( :لوال أنه ّ ()1 ال صاحل ًا للبث يف بطنه ). عم ً والدنيا ُمعاجلة ومن قواعد الرشيعة ُ الكربى يف الدِّ ين ُّ األمر بضده ،ونصوص الوحيني كثرية جد ًا بذلك : ﱹﯓﯔﯕﯖ فمن الكتاب العزيز قوله تعاىل : ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﱸ [البقرة.]104 : وقوله :ﱹ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ()2 ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﱸ [هود.]114 : 39 ((( فصنائع املعروف املاضية تقي مصارع السوء املستقبلية. ((( واحلسنات والسيئات كلها من األقدار. التداوي بالصدقة وفعل املعروف السنة حديث ( :أتبع السيئة احلسنة متحها). ومن ُّ وحديث ( :من حلف منكم فقال يف حلفه :والالت والعزى فليقل :ال إله إال اهلل ،ومن قال لصاحبه :تعال أقامرك فليتصدق بيشء ). ألن القامر خطيئة والصدقة حسنة متحها ،وهكذا يف كل ذنب أو قدر مكروه :اتبعه بالصدقة مبارشة ،والصدقة أمرها واسع جد ًا ،وكل معروف صدقة . وحديث ( :البصاق يف املسجد خطيئة وكفارهتا دفنها). وحديث املجاهد مع الوالدين ( :فارجع إليهام فأضحكهام كام أبكيتهام). ال التقطت وعن عبد اهلل بن َعمرو ﵠ ( :أن رج ً ديناراً ،فقال عبد اهلل :ال يؤوي الضالة إال ضال ،قال :فأهوى 40 به الرجل لريمي به ،فقال :ال تفعل ،قال :فام أصنع به؟ التداوي بالصدقة وفعل املعروف فرده إليه ،وإال ُـعـرفـه فإن جاء صاحبه ُ قال عبد اهلل :ت ِّ فتصدق به ). َّ وصـح عن ُعمر بن اخلطاب ﵠ أنه قال : َّ ومَتعددوا، ِ وانتضلواَ ، (أخيفوا اهلوا َّم قبل أن تُـخـيـفـكم، وفـرقـوا عن وشنوا ،واجعلوا الرأس رأسني، واخش ِ َ ِّ املنية ،وال ت ِ ُـلـثُّـوا بدار َمعجزة ،وأخيفوا احليات قبل أن تُـخـيـفـكم ،وأصلحوا مثاويكم ). وقال ابن كثري ﵫ يف تفسريه ( :واليشء ُيداوى بضده). وقال ابن اجلوزي ﵫ يف صيد اخلاطر( :وفصل اخلطاب يف هذا :أنـه ينبغي أن ُيـقـاوم املرض بضده ). وقال ابن تيمية ﵫ يف الفتاوى ( :أنفع ما للخاصة والعامة ِ : العلم بام خي ّلص النفوس مـن هـذه الورطات ، 41 وهو إتباع السيئات احلسنات ). التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال أيض ًا ﵫ ( :إن الصحة ُحُتفظ باملثل ،واملرض بالضد ،فصحة القلب باإليامن ُحُتفظ باملثل ،وهو ما ّ ُيدفع العلم النافع والعمل الصالح ،فتلك يورث القلب إيامن ًا من ِ أغذية ل ُه ). وقال العالمة إبراهيم بن إسحاق احلريب (ت 285هـ) ﵫ ( :أمجع ُعقالء كل ِم ّلة أنـه من مل جير مع القدر مل ()1 يتهنأ بعيشه ). وقـال العالمـة الصنعـاين ﵫ عنـد حديـث : (والصدقـة تُطفـئ اخلطيئـة ،كما ُيطفـئ الـماء النـار) ، نـصـه : ما ّ تسببت من فعل اخلطيئة يف اآلخرة، (أي :تُطفئ النار التي ّ أو أن اخلطيئة نار يف القلب ف ُتطفئها الصدقة ،فينبغي ملن ()2 التصدق عىل أثرها ). ُّ قارف خطيئة، ((( وسيأيت كالم اإلمام السختياين بمعناه. 42 ((( والصدقة من األمور الرشعية التي ُيعارض هبا القضاء الكوين الذي وقع. التداوي بالصدقة وفعل املعروف أن وقال ابن امللقن ﵫ ( :ومن ُل ِ طف اهلل تعاىل َّ ري عكسه: اد ٌر ،والكث ُ انقالب الناس ِم َن َ الـخـيـر إىل الرَّشَّ َن ِ َ محتي َسب َقت َغضبِي ). إن ر َ َّ وقال العالمة ابن القيم ﵫ ( :الفقيه ُّ كـل الفقيه، الذي يـر ّد القدر بالقدر ،ويدفع القدر بالقدر ،و ُيعارض فإن اإلنسان يعيش إال بذلكّ ، َ القدر بالقدر ،بـل ال يمكن اجلوع والعطش والربد وأنـواع الـمخـاوف والـمـحـاذيـر والـخلـق ك ّلهم ساعون يف دفع هـذا القدر ُ هي من القدر، ()1 بالقدر ). وقال أيض ًا ﵫ يف شفاء العليل ( :اآلالم واملشاق : إما إحسان ورمحة ،وإما عدل وحكمة ،وإما إصالح وهتيئة خلري حيصل بعدها ،وإما لدفع أمل هو أصعب منها ،وإما لتولدها عن لذات ونعم يولدها عنها أمر الزم لتلك اللذات ، 43 وإما أن يكون من لوازم العدل أو لوازم الفضل واإلحسان ، ((( وهذا من أنفس الكلامت. التداوي بالصدقة وفعل املعروف فيكون من لوازم اخلري التي إن عطلت ملزوماهتا فات بتعطيلها خري أعظم من مفسدة تلك اآلالم ). وقال ابن تيمية ﵫ يف الفتاوى ( :وهلذا قال الشيخ عبد القادر ﵫ :كثري من الرجال إذا دخلوا إىل القضاء والقدر أمسكوا ،وأنا انفتحت يل فيه روزنة ،فنازعت أقدار يكون ُمنازع ًا للقدر ال من ُ احلق باحلق للحق ،والو ُّيل َمن يكون ُموافق ًا له . وهذا الذي قاله الشيخ تكلم به عىل لسان املحمدية ، أي :أن املسـلم مأمـور أن يفعـل مـا أمـر اهلل بـه ويدفـع ما هنى اهلل عنه ،وإن كانت أسبا ُب ُه قد ُقـدِّ رت ،فيدفع قدر اهلل بقـدر اهلل ،كما جـاء يف احلديـث الـذي رواه الطبراين يف كتـاب الدعـاء عـن النبـي صلى اهلل تعـاىل عليـه وسـلم : إن الدعـاء والبلاء ليلتقيـان بين السماء واألرض ،ويف 44 الرتمذي :قيل يا رسول اهلل ،أرأيت أدوية نتداوى هبا ورقى التداوي بالصدقة وفعل املعروف نسرتقي هبا وتقى نتقيها ،هل ترد من قدر اهلل شيئ ًا ؟ فقال : هن من قدر اهلل . وإىل هذين املعنيني :أشار احلديث الذي رواه الطرباين أيض ًا عن النبي ﷺ أنه قال :يقول اهلل يا ابن آدم إنام هي أربع : واحدة يل وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحدة بينك وبني خلقي ؟ فأما التي يل :فتعبدين ال ترشك يب شيئ ًا ،وأما التي لك فعملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه ،وأما التي الدعاء وع َّ يل اإلجابة ،وأما التي بينك هي بيني وبينك فمنك ُّ ()1 وبني خلقي فأت إىل الناس بام حتب أن يأتوه إليك ). وقال ابن قتيبة (ت 276هـ) ﵫ ( :ولن تكمل احلكمة ـعـرف كل واحد منهام ِ والقدرة إال بخلق اليشء وضده ،ل ُـي َ بصاحبه ،فالنور ُيعرف بالظلمة ِ ، والعلم ُيعرف باجلهل ، واخلري ُيعرف بالرش ،والنفع ُيعرف بالرض ،واحللو ُيعرف 45 بـالـمـر ،لقول اهلل ىلاعتو كرابت :سبحان الذي خلق األزواج ُ ((( وهذا كالم جليل ال يفقهه أكثر الناس. التداوي بالصدقة وفعل املعروف كلها مما تنبت األرض ومن أنفسهم ومما ال يعلمون ،واألزواج : األضداد واألصناف ،كالذكر واألنثى ،واليابس والرطب ، وقال تعاىل :وأنه خلق الزوجني الذكر واألنثى ). وقال ابن مفلح ﵫ يف اآلداب ( :واعلم أن األصل يف العالج ويف ِحفظ الصحة وقوة البدن ،دفع َرَضر يشء بمقابله ،كالبارد باحلار ،والرطب باليابس وبالضد ،لـام يف ذلك من التعديل ودفع َرَضر كل كيفية أو أكثر بام ُيقابلها، ومن هذا ما يف الصحيحني عن عبد اهلل بن جعفر قال :رأيت رسول اهلل ﷺ يأكل الرطب بالقثاء ،وعن عائشة قالت :أرادت أمي أن تُسمنني لدخويل عىل رسول اهلل ﷺ، فلم أقبل عليها بيشء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب، فسمنت عليه كأحسن السمن ). وقال ابن تيمية ﵫ يف الفتاوى ( :التوبة من أعظم 46 احلسنات ،واحلسنات كلها مرشوط فيها اإلخالص هلل التداوي بالصدقة وفعل املعروف وموافقة أمره باتباع رسوله ،واالستغفار من أكرب احلسنات وبابه واسع . فمن أحس بتقصري يف قوله أو عمله أو حاله أو رزقه أو تق ّلب قلب :فعليه بالتوحيد واالستغفار ،ففيهام الشفاء إذا كانا بصدق وإخالص . وكذلك إذا وجد العبد تقصري ًا يف حقوق القرابة واألهل بالدعاء هلم واالستغفار . واألوالد واجلريان واإلخوان ،فعليه ُّ قال حذيفة بن اليامن ﵠ للنبي ﷺ :إن يل لسان ًا ذرب ًا عىل أهيل .فقال له :أين أنت من االستغفار ؟ إين ألستغفر اهلل يف اليوم أكثر من سبعني مرة ). ـواء والشــاهد منــه هــو :التقصــر الواقــع مــن العبــد سـ ٌ يف حــق اخلالــق أو يف حــق املخلــوق :كــوين ال ُبـــد منــه وال يســلم منــه البــر أبــــد ًا ،والتوبــة واالســتغفار ونحومهــا 47 مــن األعــال الصاحلــة رشعــي ،فــر َّد القضــاء الكــوين بالقدر الرشعي املأمور بـــه . التداوي بالصدقة وفعل املعروف الدعاء ) ، يرد القضاء إال ُّ صح احلديث ( :ال ُ قلت :وقد َّ ُ والدعاء رشعي فنعالج القدر بالرشع . والقضاء كوين ُّ ومن معاين ذلك :أن األمور الكونية القدرية مما قضاها اهلل يف سابق ِعلمه ووقع بعضها وبعضها مل يقع ،قـد تُـر ّد الدعاء وصنائع املعروف ونوايا اخلري باألمور الرشعية من ُّ والصدقة و ُنرصة الدِّ ين وغري ذلك من األمور الرشعية املأمور هبا العبد . والعكس بالعكس :فافهم وال ُ تكن من اجلاهلني ،فقدر السوء تستمطر به قدر السوء ،وقدر اخلري تستجلب به قدر اخلري ،ﱹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﱸ [الصف ، ]5 :ﱹ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﱸ [حممد ، ]17 :ﱹ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﱸ [الرعد ، ]11 :واهلل يف عون العبد مادام 48 يستمر يف عون أخيه ويداوم عىل ذلك . التداوي بالصدقة وفعل املعروف بالء َّإاَّل بذنب ،وال ُر ِفـع وال ُد ِفع َّإاَّل بتوبة صادقة ، فام نزل ٌ وصح باحلديث : َّ فتعرف عىل اهلل بالرخاء يعرفك بالشدة ، ( من رسه أن يستجيب اهلل له عند الشدائد والكرب ،فليكثر والدعاء من األمور الرشعية ،والبالء الدعاء يف الرخاء ) ُّ ، ُّ بأنواعه من الكونيات فافهم . وقد قال اهلل تعاىل :ﱹ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﱸ [احلجر.]99-97 : وقــال سبحانه :ﱹ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﱸ [طه.]130 : التحول ُّ والدنيا : ومن القواعد الرشعية ُ الكربى يف الدِّ ين ُّ من األقدار السيئة واألحوال الكرهية إىل عكسها متام ًا ،وال 49 يكون هذا التحول والتغري َّإاَّل بعد وقوع األقدار الكونية ، ف ُنعارضها بالرشعيات . التداوي بالصدقة وفعل املعروف واألمثلـة كثيرة :كتحول النائـم من رؤيـا يكرهها ،أو الناعس يف املسـجد والنعاس من الشيطان غالب ًا ،واالنتقال السـنة ، مـن دار الكفـر إىل دار اإلسلام ،ومـن البدعـة إىل ُّ ومـن املعصيـة للطاعـة ،ومـن الذنـب للتوبـة ،وهـذا يشـمل األسماء واهليئات واألوصاف القبيحة واجللسـات واألوضاع الكرهية وغري ذلك ،حتى يف العبادات كالصلوات ونحوها . ُ وأمرنا :عند اآليات الكونية من خسوف وكسوف وزالزل ونحومها بالصالة والصدقة واإلنابة ونحوها من الرشعيات . وإذا كانت الصالة هي احلل والتغيري من احلال السيئة ُـغـيـر ما َّ حـل بك إىل احلال احلسنة يف األمور الكونية ،أال ت ِّ من اهلموم والغموم والقلق واألرق واملرض ونحوها من أمورك الشخصية !!! فتـأمـل قليالً ،ﱹ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ 50 ﯡﯢﯣﯤﯥﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ التداوي بالصدقة وفعل املعروف ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﱸ [الرشح.]8-1 : أثر سلفي عجيب قال الفقيه الكبري أيوب بن أيب َمَتيمة َّ السختياين التابعي (ت 131هـ ) ﵫ ( :إذا َمَل َي ُك ْن ما تُريدُ َ ،فأ ِر ْد ما َي ُك ُ ون ). قال ُسليامن – ابن حرب بن َبجيل راوي اخلرب : -هذا يف ()1 ـل َيَش ٍء ). ُك ِّ وقال احلافظ ابن القيم ﵫ ( :فتبارك اهلل خالق هذا وهذا كام ظهرت هلم قدرته التامة يف خلق الليل والنهار ، والضياء والظالم ،والداء والدواء ،واحلياة واملوت ،واحلر والربد ،واحلسن والقبيح ،واألرض والسامء ،والذكر ((( من كتاب :املعرفة والتاريخ للفسوي ( )233/2وسنده برصي 51 صحيح ،وهذه كلمة عميقة وجليلة وعظيمة وخالصتها : رد القدر الكوين بالقدر الرشعي ،و ُمعاجلة القدر بقدر ُمضاد. التداوي بالصدقة وفعل املعروف واألنثى ،واملاء والنار ،واخلري والرش ،وذلك من أدل الدالئل عىل كامل قدرته وعزته وسلطانه وملكه ،فإنه خلق هذه املتضادات ،وقابل بعضها ببعض ،وس ّلط بعضها عىل بعض ،وجعلها حمال ترصفه وتدبريه وحكمته ،فخلو الوجود عن بعضها بالكلية ،تعطيل حلكمته وكامل ترصفه ()1 وتدبري مملكته ). وقال العالمة ابن رجب احلنبيل ﵫ ( :املؤمن يميش مع البالء كيف ما مشى به ،فيلني له فيق ّلبه البالء يمنة ويرسة ،فك ّلام أداره استدار معه ،فيكون عاقبته العافية من وحسن اخلامتة ،وتوقي ميتة السوء . البالء ُ فلهذا كان مثله كمثل السنبلة تفيئها الرياح يمنة ويرسة، فال ترضه الرياح كام يف أمثال العرب :إذا رأيت الريح عاصف ًا فتطامن ،أي :إذا رأيت األمر غالب ًا فاخضع له . 52 ((( من املدارج وهو كالم عظيم جد ًا ملن تأمله. التداوي بالصدقة وفعل املعروف وقال احلكامء :ال ُيرد العدو القوي بمثل اخلضوع له، ومثله مثل الريح العاصف يسلم منها الزرع لِلينه هلا ومعها، ويتقصف منها الشجر العظام النتصاهبا هلا . فإن الفاجر لقوته وتعاظمه يتقاوى َع َىَل األقدار، ويستعيص عليها ،كشجرة الصنوبر التي تستعيص َع َىَل الرياح ،وال تتطامن معها ،فتس ّلط عليه ريح عاصف ال ()1 يقوى عليها ،فتقلعه من أصله بعروقه فتهلكه ). 53 ((( من رسالته :غاية النفع . التداوي بالصدقة وفعل املعروف اخلامتة قلت :وال ختفى عليك قصة الفاروق ُعمر بن اخلطاب ُ ﵠ حني قال له السارق :رسقت بقدر اهلل !! فرد عليه بقوله :ونحن نقطع يدك بقدر اهلل ،واحلدود من الرشعيات ،ورسقته -ال ُحجته الواهيه فـانـتـبـه - ٌ وفرق بني من حيتج بالقدر عىل التي كانت من الكونيات ، باطله ،وبني من ُيعارضه باحلق ألجل احلق . وكم من أبناء جلدتنا من حيتج عىل تقصريه وفتوره وخذالنه يف ُنرصة هذا الدِّ ين بحجة هذا السارق وأن احلقوق ُ كثرية !! فينبغي ملن قدر عليهم أن يفعل فعل ُعمر ﵠ فيهم ، ووقتها تكون من جزاء السيئة بسيئة مثلها ،وما ربك ّ بظاّلم للعبيد . 54 رب العاملني تم واحلمد هلل ِّ التداوي بالصدقة وفعل املعروف الفهرس املقدمة 5......................................................................................................... العالج بالصدقة 5................................................................................... قصص تأرخيية 8....................................................................................... تصحيح لتصحيف مشهور11..................................................... العالج بفعل املعروف 11.................................................................. فعل املعروف حيقن الدماء17......................................................... اجلزاء من جنس عملك 22.............................................................. العالج بنية اخلري فقط 24................................................................... فعل املعروف ينفع الكافر 29.......................................................... رضبات استباقية عالجية30........................................................... فضل املعروف بمراحل القدر الثالثة 32.............................. قلب األقدار لصاحلك من العالج العظيم 37................... أثر سلفي عجيب 51............................................................................. اخلامتة54......................................................................................................... 55 الفهرس 55................................................................................................... تنسيق وإخراج فني ^crK 00966 56 897 3136