الأقليات في الإسلام PDF
Document Details
Uploaded by PersonalizedHeliotrope1019
د. راغب السرجاني
Tags
Summary
هذا البحث يتناول حقوق الأقليات في الإسلام، ويوضح كيف كفل الإسلام حقوقهم في ظلِّ التشريع الإسلامي. يوضح البحث التعامل مع الأقليات، ويحذر من الظلم أو انتقاص حقوقهم، ويُعرِضُ مواقفًا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه الأقليات غير المسلمة.
Full Transcript
![](media/image2.jpeg) **في ظلِّ التشريع الإسلامي حظيت الأقلِّيَّة غير المسلمة في المجتمع المسلم بما لم تحظَ به أقلِّيَّة أخرى في أي قانون وفي أي بلد آخر من حقوق وامتيازات؛ وذلك أن العَلاقة بين المجتمع المسلم والأقلِّيَّة غير المسلمة حكمتها القاعدة الربَّانيَّة التي في قوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ...
![](media/image2.jpeg) **في ظلِّ التشريع الإسلامي حظيت الأقلِّيَّة غير المسلمة في المجتمع المسلم بما لم تحظَ به أقلِّيَّة أخرى في أي قانون وفي أي بلد آخر من حقوق وامتيازات؛ وذلك أن العَلاقة بين المجتمع المسلم والأقلِّيَّة غير المسلمة حكمتها القاعدة الربَّانيَّة التي في قوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} \[الممتحنة: 9\].** **فقد حدَّدت هذه الآية الأساس الأخلاقي والقانوني الذي يجب أن يُعامِل به المسلمون غيرهم، وهو البرُّ والقسط لكل مَن لم يناصبهم العداء، وهي أُسُس لم تعرفها البشريَّة قبل الإسلام، وقد عاشت قرونًا بعده وهي تقاسي الويل من فقدانها، ولا تزال إلى اليوم تتطلَّع إلى تحقيقها في المجتمعات الحديثة فلا تكاد تصل إليها؛ بسبب الهوى والعصبيَّة والعنصريَّة.** **قد كفل التشريع الإسلامي للأقليات غير المسلمة حقوقًا وامتيازات عِدَّة، لعلَّ من أهمِّهَا كفالة حرية الاعتقاد، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} \[البقرة: 256\]. وقد تجسَّد ذلك في رسالة [الرسول](https://islamstory.com/ar/cat/591/the-prophet) صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتاب من أهل اليمن التي دعاهم فيها إلى الإسلام؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: \"\... وَإِنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لا يُفْتَنُ عَنْهَا\...\".\ ولم يكن التشريع الإسلامي لِيَدَعَ غير المسلمين يتمتَّعون بحرِّيَّة الاعتقاد ثم من ناحية أخرى لا يسنُّ ما يحافظ على حياتهم، باعتبارهم بَشَرًا لهم حقُّ الحياة والوجود، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: \"مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرِحْ رَائِحَةَ الْـجَنَّةِ\".** **وقد حذَّر صلى الله عليه وسلم مِن ظُلمهم أو انتقاص حقوقهم، وجعل نفسه الشريفة خصمًا للمعتدي عليهم، فقال: \"مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ حَقًّا، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ\".\ ومن روائع مواقفه صلى الله عليه وسلم كذلك في هذا الشأن، ما حدث مع الأنصار في خيبر؛ حيث قُتِل عبد الله بن سهل الأنصاري رضي الله عنه، وقد تمَّ هذا القتل في أرض اليهود، وكان الاحتمال الأكبر والأعظم أن يكون القاتل من اليهود، ومع ذلك فليست هناك بيِّنة على هذا الظنِّ؛ لذلك لم يُعاقِب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اليهود بأي صورة من صور العقاب، بل عرض فقط أن يحلفوا على أنهم لم يفعلوا! فيروي سهل بن أبي حَثْمَةَ رضي الله عنه أنَّ نفرًا من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرَّقوا فيها، ووجدوا أحدَهم قتيلاً، وقالوا للذين وُجِدَ فِيهِمْ: قَدْ قَتَلْتُمْ صاحبنا. قالوا: ما قتلنا ولا عَلِمْنَا قاتلاً. فانطلقوا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، انطلقنا إلى خَيْبَرَ فوجدْنَا أحدَنا قتيلاً. فقال: \"الْكُبْرَ الْكُبْرَ\". فقال لهم: \"تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؟\" قالوا: ما لنا بيِّنةٌ. قال: \"فَيَحْلِفُونَ\". قالوا: لا نرضى بِأَيْمَانِ اليهود. فَكَرِهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبْطِلَ دمه، فَوَدَاهُ مائةً من إبل الصَّدقة.\ وهنا قام الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يتخيَّله أحدٌ.. فقد تولَّى بنفسه دَفْعَ الدِّيَةِ من أموال المسلمين؛ لكي يُهَدِّئ من روع الأنصار، ودون أن يظلم اليهود؛ فلتتحمَّل الدولة الإسلاميَّة العِبْءَ في سبيل ألاَّ يُطَبَّقَ حَدٌّ فيه شُبْهَةٌ على يهودي!** **وقد تكفَّل الشرع الإسلامي بحقِّ حماية أموال غير المسلمين؛ حيث حرَّم أخذها أو الاستيلاء عليها بغير وجه حقٍّ، وذلك كأنْ تُسْرَق أو تُغْصَب أو تُتْلَف، أو غير ذلك ممَّا يقع تحت باب الظلم، وقد جاء ذلك تطبيقًا عمليًّا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، حيث جاء فيه: \"وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهِمْ جِوَارُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ\...\".\ وأروع من ذلك حقُّ الأقلية غير المسلمة في أن تَكْفُلَهَا الدولةُ الإسلاميَّة من خزانة الدولة - بيت المال - عند حال العجز أو الشيخوخة أو الفقر؛ وذلك انطلاقًا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: \"كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ\"\[9\]. على اعتبار أنهم من رعاياها كالمسلمين تمامًا، وهي مسئولة عنهم جميعًا أمام الله تعالى.\ وفي ذلك روى أبو عبيد في (الأموال) عن [سعيد بن المسيب](https://islamstory.com/ar/artical/22497/%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%A8-%D8%B3%D9%8A%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86)أنه قال: \"إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْيَهُودِ فَهِيَ تُجْرَى عَلَيْهِمْ\".\ ومما يُعَبِّرُ عن عظمة الإسلام وإنسانية [الحضارة الإسلامية](https://islamstory.com/ar/cat/413/%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9) في ذلك الصدد، ذلك الموقف الذي تناقلته كتب السُّنَّة النبويَّة؛ وذلك حين مَرَّتْ على الرسول صلى الله عليه وسلم جنازة فقام لها، فقيل له: إنه يهودي. فقال صلى الله عليه وسلم: \"أَلَيْسَتْ نَفْسًا\".\ وهكذا كانت حقوق الأقليات غير المسلمة في الإسلام وفي الحضارة الإسلامية؛ فالقاعدة هي: احترام كل نفس إنسانيَّة طالما لم تَظلم أو تُعَادِ.** **د.راغب السرجاني** **[أقلية الروهينغا المسلمة بين مطرقة العسكر وسندان الحكم المدني]** **لا يمكن لأي توصيف أن يعبّر عن وضع الروهينغا في ميانمار إلا أنهم أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، فهم منبوذون من بلدهم، بلا جنسية، ويفرون منذ عقود، ليصبح الخوف خبزهم اليومي. هذه الأقلية المسلمة التي يبلغ عدد أفرادها نحو مليون، محرومة من حق المواطنة في ميانمار، وهي تعرضت لسلسلة طويلة من المجازر وعمليات التهجير، ليتحول أبناؤها إلى أقلية مضطهدة بين أكثرية بوذية وسلطة غير محايدة. وتعتبرهم الحكومة في ميانمار، أنهم \"مهاجرون غير شرعيين من بنغلادش\"، بينما تصنفهم الأمم المتحدة بـ\"الأقلية الدينية الأكثر تعرضاً للاضطهاد\".** **الروهينغيا أقلية عرقية أغلبيتها من المسلمين يبلغ عدد أفرادها 1.1 مليون نسمة ويعيش معظمهم في ولاية أراكان، غربي ميانمار، على الحدود مع بنغلاديش هؤلاء المسلمون السنّة يتحدثون شكلاً من أشكال الشيتاغونية، وهي لهجة بنغالية مستخدمة في جنوب شرق بنغلادش. ومع أنهم قد عاشوا في ميانمار لأجيال، إلا أن حكومة ميانمار تصر على أن جميع أفراد الروهينغيا هم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش. وترفض الاعتراف بهم كمواطنين، ما يجعل معظمهم، بالنتيجة، بلا جنسية.** **وفي 2012، اندلعت توترات بين الروهينغيا وبين أغلبية سكان الولاية من أراكان- وهم في أغلبيتهم الساحقة من البوذيين- وتحولت إلى أعمال تمرد وشغب، وأدت إلى هرب عشرات الآلاف، جلهم من الروهينغيا، من ديارهم، وإلى لجوئهم إلى مخيمات للنازحين يتفشى فيها البؤس. ولا يستطيع من يعيشون في المخيمات مغادرتها، كما إنهم معزولون عن التجمعات السكانية الأخرى.** **وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، وعقب هجمات دموية على مراكز متقدمة للشرطة من قبل مسلحين من الروهينغيا، في شمال ولاية أراكان، شن جيش ميانمار حملة عسكرية قمعية ضد مجتمع الروهينغيا بأسره. وقامت منظمة العفو الدولية في حينها بتوثيق انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ضد االروهينغيا، بما في ذلك أعمال قتل غير مشروع، واعتقالات تعسفية، وعمليات اغتصاب، واعتداء جنسي على النساء والفتيات، وإحراق ما يربو على 1,200 مبنى، بما فيها مدارس ومساجد. وفي ذات الوقت، خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن هذه الأفعال قد ترقى إلى مرتبة جرائم ضد الإنسانية.** **يُعتبر أفراد أقلية الروهينغا أجانب في ميانمار وهم ضحايا العديد من أنواع التمييز، مثل العمل القسري والابتزاز والتضييق على حرية التنقل وقواعد زواج ظالمة وانتزاع أراضيهم. كما يتم التضييق عليهم في مجال الدراسة وباقي الخدمات الاجتماعية.** **ولا يزال اللاجئون في مخيماتهم البائسة يتطلعون إلى العودة الآمنة إلى مدنهم وقراهم، واستئناف حياتهم الطبيعية الكريمة مع أطفالهم وعائلاتهم. لكن هذه العودة تكاد تصبح أملاً مستحيلاً بسبب المخاطر الأمنية وغياب الضمانات القانونية والسياسية التي تمنحهم الأمان والثقة بسبب الواقع الدولي والإقليمي الذي يزداد تعقيداً وسط مخاوف من أن تصبح قضية هذه الأقلية المنكوبة أزمة منسيّة.** **.**