بنية المطالع في المعلقات PDF

Summary

This document discusses the structure of introductions (matali’) in pre-Islamic Arabic poetry, specifically focusing on the ‘Mu’allaqat’. It examines the common patterns and elements found in these poetic introductions, relating them to the social and cultural contexts of the time.

Full Transcript

‫الدرس الثاني‪:‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫صدً القصيد إنما ابتدأ فيها‬ ‫أن " ُمق ِّ ّ‬ ‫لا عن بعض معاصريه ًّ‬ ‫لقد ع ّلل ابن قتيبة نق ً‬ ‫بذكر الديار والدمن واآلثار‪ :‬فبكى وشكا‪ ،‬وخاطب الربع‪ ،‬واستوقف الرفيق؛‬ ‫ليجعل ذلك سببًا ا لذكر أ...

‫الدرس الثاني‪:‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫صدً القصيد إنما ابتدأ فيها‬ ‫أن " ُمق ِّ ّ‬ ‫لا عن بعض معاصريه ًّ‬ ‫لقد ع ّلل ابن قتيبة نق ً‬ ‫بذكر الديار والدمن واآلثار‪ :‬فبكى وشكا‪ ،‬وخاطب الربع‪ ،‬واستوقف الرفيق؛‬ ‫ليجعل ذلك سببًا ا لذكر أهلها الظاعنين عنها؛ إذ كان نازلة العمد في الحلول‬ ‫والظعن‪ ،‬على خلف ما عليه نازلة المدر من انتقالهم من ماء إلى ماء‪،‬‬ ‫وانتجاعهم الكأل‪ ،‬وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان‪ ،‬ث ًّم وصل ذلك بالنسيب‬ ‫ً نحوه القلوب‪ ،‬ويصرف إليه الوجوه"ابن قتيبة‪ ،‬الشعر والشعراء‪20-1 ،‬‬‫(‪ )...‬ليُ ِّميل‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫مقص ِّدي القصائِِّد بذكر الديار‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وإذاً‪ ،‬فقد َنبَّه النقاد القدماء لعلة ابتداء‬ ‫ووصف الدمن‪ ،‬والوقوف على الربوع يبكونِ لديها‪ ،‬ويشكونِ من َِتح ُّمل أهلها‬ ‫عنها‪ ،‬ومزايلة األحبة إياها فيذكرونِ األيام الخوالي‪ ،‬واألزمان المواضي؛ وما‬ ‫كانوا َن ِّعموا به فيها من اللحظات السعيدات‪ ،‬مع الحبيبات الوامقات‪ :‬إما‬ ‫بالنظرات والرنوات‪ ،‬وإما بتبادل أسقاط الحديث‪ ،‬وأما بنيل أكثر من ذلك‬ ‫ن تذرافًا‪ ،‬وتهيم بهم الصبابة‪،‬‬ ‫كل ذلك فتذرف منهم العيو ِ‬‫ن ِ‬ ‫منهنِ‪...‬يذكرو ِ‬ ‫وترتعش في أعماقهم العواطف‪ ،‬وتلتعج في قلوبهم المشاعر‪ ،‬فينهال عليهم‬ ‫ال‪ ،‬كما تنهال من أعينهم الدموع الغزار حتى تبلِ‬ ‫الشعر الجميل انهيا ً‬ ‫ِّ‬ ‫محامَلهم‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ي الذي لم يك نظامه ينهض على االستقرار‬ ‫وكان هذا الد ْي ُدن ِّجِّبلًِة في ذلك المجتمع البدو ِ‬ ‫كما كان ذلك مفترضِاً في الح واضر العربية مثل مكة‪ ،‬ويثرب‪ ،‬وصنعاء‪ ،‬والحيرة‪،...‬‬ ‫لمدافع الماء‪ ،‬وارتشافًِا‬ ‫ِّ‬ ‫وإنما كان ينهض على نظام التظعان‪ :‬انتجاعًِا للكأل‪ ،‬والتماسًِا‬ ‫لمنابعها‪ ،‬وارتواء بما في غدرانها؛ فكان المقام ال يكاد يستقرِ بهم قرُارِه‪.‬وعلى الرغم من‬ ‫يعرف‬ ‫ُِ‬ ‫أن تلك المقامات التي كانت تقع لهم على عيونِ الماء وغدران األمطار ال َدَِّي َِ‬ ‫ار‬ ‫ِ‬ ‫ُم َدَِد أزمنتها؛ فإننا نفترض‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أنها كانت ال تزيد عن الشهرين والثالثة‪.‬وعلى‬ ‫الم ْم ِّر َعِ ِِّة إالِ أنها كانت ُم ْج ِّزئ ًِة‬ ‫ُ‬ ‫اعي‬‫ر‬ ‫الم‬ ‫و‬ ‫ان‬‫ر‬ ‫الغد‬ ‫بتلك‬ ‫ى‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫ق‬ ‫َ‬‫ت‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬ ‫التي‬ ‫المدد‬ ‫هذه‬ ‫ر‬‫ص‬‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ق‬ ‫الضطرام عالقات غرامية بين فتيات وفتيان ما أشدِ ما كانت قلوبهم تهفو للحبِ وتتعلقِ‬ ‫أهل عشيرة‪ ،‬لقيام تلك الحياة‬ ‫أقارب و ِِّ‬ ‫َِ‬ ‫به‪.‬وغالبًِا ما كانت تلك العالقات الغرامية تقع بين‬ ‫ي‪.‬وربما كانت تقع بين أجنبيِ عن القبيلة‬ ‫الع َشر ِ‬ ‫البدوية المتنقلة على النظام القبلي أو َ‬ ‫المتنقلة بإحدى فتياتها‪....‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ظاهر؛ و ِ‬ ‫إال‬ ‫ٍ‬ ‫وخفيًِا غير‬ ‫معلن‪َّ ،‬‬‫‪ ‬وغالبِاً ما كان ذلك الحب يظلِ مكتوماًِ غير ٍ‬ ‫فهي المآسي للحبيبين االثنين‪...‬ذلك بأنِ العرب كانوا ُيح ِّرمونِ على َمن‬ ‫يحب فتاة ويشتهر حبُّه إياها أن ُيْق ِّدم على اختطابها من أهلها‪.‬وكانوا‬ ‫ُِّ‬ ‫ن ذلك من الفضائح وملطخات الشرف‪.‬وإنا ال نحسب أنِ أولئك‬ ‫ُّ‬ ‫يعدو ِ‬ ‫حب‬ ‫ن واألطالل‪ ،‬وخصوصًِا أوائلهم‪ ،‬لمجرد ِ‬ ‫الشعراء كانوا يصفونِ ِّ‬ ‫الد َم َِ‬ ‫ن عواطفهم الجيِاشة‪،‬‬ ‫الوصف‪ ،‬وإمتاع المتلقين؛ وإنما كانوا يصورو ِ‬ ‫ويعبرونِ عن تجاربهم الحميمة من خالل أشعارهم‪.‬من أجل ذلك كثي ًِار ما‬ ‫كنا ُنْلفيهم يذكرونِ أسماء المواضع التي يقع حوالها الطلل البالي الذي‬ ‫وم ْرِّوَيات‬ ‫رض‪،‬‬ ‫األ‬ ‫بات‬ ‫زايلته الحبيبة وتحملت عنه إلى سوائه من مخ ِّ‬ ‫ص‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫األودية‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ولكننا نحسب أنِ ِّذ ْكر أسماء النساء الحبيبات (زهير‪ِ :‬‬ ‫أم‬ ‫أوفى؛ لبيد‪ :‬نوار؛ عنترة‪ :‬أم الهيثم؛ الحارث بن حلزة‪:‬‬ ‫هند‪ ).....‬في المعلقات خصوصًِا لم يكن يعني أن تلك‬ ‫األسماء كانت تنصرف حقًِا إلى حبيبات الشعراء‪ ،‬وإالِ‬ ‫ك بهم فتكًِا ذريعًِا‪.‬وإنما‬ ‫ال َو ِّحياً‪ ،‬وُفِّت َِ‬ ‫ُرَّبما كانوا ُقِّتُلوا قت ًِ‬ ‫هي‪ ،‬في تمثلنا على األقل‪ ،‬أسماءِ رمزية ال تعني إالِ‬ ‫سم ًِة دالة على نساء بدونِ تخصيص للنسب‪ ،‬وال تدليل‬ ‫كل قبيلة عربية كان‬ ‫على االنتماء العائليِ الحقيقي؛ ففي ِ‬ ‫يوجد عدد ال يحصى من النساء ممن كن َيتَ َكَّنين أو‬ ‫أم الهيثم‪ِِّ ،‬‬ ‫وهْندِاً‪...‬‬ ‫ونوا اًر‪ ،‬و َِّ‬ ‫ُم أوفى‪َ ،‬‬ ‫َيتَسمين أَِّ‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫أن ظاهرة الطلل في الشعر العربي قبل اإلسالم الذي اتخذها له دْأبِاً لم‬ ‫والحق َِّ‬ ‫تأتِ عبثًا؛ و ال لمجرد البكاء على عهود ماضية‪ ،‬و ْأزُم ٍِن خالية؛ وال لمجرد‬ ‫ِّ‬ ‫الحنين والتعلق بالمكان؛ فتلك جوانب عاطفية وقد تناولها الناس قديمًِا وحديثِاً‬ ‫من ابن قتيبة إلى نقاد عهدنا هذا؛ وإنما الذي يجب التوقف لديه هو أن هذه‬ ‫الطلليات‪ ،‬أو المطالع الطللية‪ ،‬أو المقدمات الطللية‪ -‬فبكلِ عبر النقاد فيما‬ ‫نحسب ‪-‬كانت جزءًِا من تلك الحياة البدوية‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫الضنكة التي كان نظامها ينهض على إجبارية التنقل من‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫الشظَفة‪،‬‬ ‫الرعوية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫غديرِ إلى غدير‪.‬وكانت القبيلة ربما‬ ‫اد إلى واد‪ ،‬ومن‬ ‫عى إلى مرعى‪ ،‬ومن و ٍِ‬ ‫مر ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فجأة عن مستقرها من منزلها إذا خشيت العدوان عليها‪ ،‬أو‬ ‫اضطرت إلى التنقل ًِ‬ ‫اإلغارة المبيتة ضدها كما جاءت‪ ،‬مثالً‪ ،‬بعض ذلك قبيلة بني ٍِ‬ ‫أسد حين‬ ‫صِّب َحها امرؤ القيس طلبًِا بثأر أبيه‪.‬‬ ‫وج َس ْتِ أن ُي َ‬ ‫َت َّ‬ ‫أبو الفرج األصبهاني‪ ،‬كتاب األغاني‪.91- 81-9 ،‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ولما كان نظام حياتهم ينهض على الترحال‪ ،‬وعلى التكيف بطقس الصحراء‬ ‫القاسي الجاف؛ فقد كانوا يجتزئون بأقل ما يمكن التبلّ ًُغ به في الطعام والشراب‬ ‫ل ما يمكن التدثّر به من وجهة أخراةًٍ‪.‬فكانوا‪ ،‬في باديتهم‪ ،‬أقدر‬ ‫من وجه ٍة‪ ،‬وبأق ًّ‬ ‫على االجتزاء بأيسر الطعام وأ ْشظ ِّف ًِّه وأسوئه كأ ْك ِّله ًُم ْال ِّعًْل ِّهز‪ ،‬والحيّات‪،‬‬ ‫ظ والمجدوح‪ ،‬فكانوا أقدر الناس على‬ ‫ل الشراب وأخبثه كالف ًّ‬ ‫والجراد‪ ،‬وبأق ًّ‬ ‫احتمال الجوع‪ ،‬والظمأ‪ ،‬ووعثاء األسفار‪ ،‬وأصبرهم على التنقّل في مجاهل‬ ‫الصحراء‪.‬‬ ‫(ابنًقتيبة‪ً،‬كتابًالعربًفيًالر دًّعلىًالشعوبي ّة‪ً،‬منشورًضمنً"رسائلًالبلغاء" بجمعًمحمدًكردًعلي‪ً،‬صً‪,365‬‬ ‫‪‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ل م ّكة‪ ،‬والطائف‪ ،‬ويثرب‪،‬‬ ‫ولم تكن تلك الحواضر العربية القديمة‪ ،‬القليلة‪ ،‬مث ًُ‬ ‫والحيرة‪ ،‬وصنعاء‪ ،‬كافي ًةا ألن تش ًّع بحضارتها‪ ،‬واستقرارها‪ ،‬ونظامها‬ ‫القار‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫الحضر ًّ‬ ‫ي‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ي من أن العرب كانوا‬ ‫وعلى غير ما يحاول أن يثبت أستاذنا نجيب محمد البهبيت ًّ‬ ‫على حظ عظيم من الحضارة والرقي والتعلم‪ :‬فإننا نميّز بين الحياة في القرى‪،‬‬ ‫سواء قومً ت ُ ْف ِّع ُم ُه ًُم الحساسية بالحياة‪ ،‬وتطبع‬ ‫ً‬ ‫والحياة في البادية القاحلة‪.‬وال‬ ‫الحب‪ ،‬كما تطبع مشاعرهم بالغلظة والقسوة لدى‬ ‫ّ‬ ‫عواطفهم بالرقة لدى‬ ‫التعرض للمهانة والضيم؛ قومً يحرصون على الموت كحرصهم على الحياة ال‬ ‫يبالون أن يُ ْقتُلُوا أو يُ ْقتلُوا‪ :‬حبً الضيف ِّش ْن ِّشنت ُ ُه ًْم ‪-‬يراجع تاريخ الشعر العربي‬ ‫حتى آخر القرن الثالث للهجرة (مجازات مختلفة)‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫‪ ‬وإكرامه جبلَّت ُ ُهم‪ ،‬ورعي الذمام ُخلُقُهم‪ ،‬والوفاء بالعهد طبعهم‪ ،‬وفصاحة‬ ‫مجدهُم‪ ،‬وذكاء الجنان هبة الطبيعة إياهم‪...‬وقوم ينتلقون من ف ًّ‬ ‫ج إلى‬ ‫اللسان ْ‬ ‫فج‪ ،‬ومن كنف إلى كنف دون أن يستقر لهم قرار‪ ،‬ال يكادون يصطحبون‬ ‫الّ ال ُم ِّحلّت()‪- )(.‬تراجع إحالة رقم ‪ 6‬من إحاالت المقدمة‪.‬‬ ‫أثناء تظعانهم إ ً‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ل كل ذلك‪ ،‬أو بعضه على األقل‪ ،‬تجسده هذه المطالع الطلليّة التي وردت‬ ‫ولع ًّ‬ ‫في القصائد التي عرفت في تاريخ النقد العربي تحت مصطلح "المعلقات"‪ ،‬أو‬ ‫ضل‬‫"السبع الطوال" التي تسميها العرب أيضًا ا "الس ُموط"‪ ،‬فيما يزعم المف ّ‬ ‫يً (انظر القرشي‪ ،‬جمهرة أشعار العرب‪ ،‬ص‪).34.‬‬ ‫الضب ّ‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫قد الحظنا أن بنبة كل معلقة تقوم على ثلثة عناصر ال تكاد تعدوها‪ ،‬وال تكاد‬ ‫ًّ‬ ‫منهن تبتدئ بذكر الطلل أو وصفه‪ ،‬ثم ذكر الحبيبة‬ ‫تمرق عن نظامها‪ :‬إذ كلً‬ ‫ووصفها‪ ،‬ثم االنتقال‪ ،‬من بعد ذلك‪ ،‬إلى الموضوع‪.‬وال نستثني من هذا النظام‬ ‫إالًّ معلقة عمرو بن كلثوم التي تخرق العادة بابتدائها بالغزل‪ ،‬ثم وصف الطلل‪،‬‬ ‫قبل االنطلق إلى الفخر‪.‬وعلى الرغم من خرق هذا الترتيب‪ ،‬فإن المعلقة تظ ًّ‬ ‫ل‬ ‫محافظة على البنية الثلثية العناصر‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وما عدا ذلك فامرؤ القيس يبتدئ معلقته بوصف الطلل‪ ،‬أو البكاء على الربوع‬ ‫ي بالنساء فيتوقف خصوصًا ا لدى حادثة‬ ‫الدارسة‪ ،‬ثم يتدرج إلى الغزل الجسد ًّ‬ ‫دارة جلجل‪ ،‬لينتهي إلى الفرس والليل‪ ،‬والمطر ووصف القفر‪ ،‬أو طبيعة البلد‬ ‫العربية اليمنية خصوصًا ا‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫بينما نلفي زهيرًاا يبتدئ بالطلل‪ ،‬ويعوج على الغزل‪ ،‬وينتهي إلى وصف‬ ‫أن طرفة‪ ،‬هو أيضاا‪ ،‬يبتدئ معلقته بذكر‬ ‫الحرب والتزهيد فيها‪.‬على حين ًّ‬ ‫الطلل‪ ،‬ويثنّي بالغزل‪ ،‬وينتهي إلى وصف الناقة واالفتخار بنفسه وبشيمه‪،‬‬ ‫وبإقباله على تبذير ماله في شراب الخمر‪ ،‬واإلقبال على الملذّات‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫الّ بعض ذلك لبيد الذي يبتدئ بوصف الطلل‪ ،‬ويثنّي بالتوقف لدى‬ ‫وال يأتي إ ً‬ ‫وينوه بمكانتها‪ ،‬ويختم معلقته‬ ‫ّ‬ ‫ويمجدها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الغزل‪ ،‬لينتهي إلى الناقة فيصفها‬ ‫بوصف البقرة الوحشية وصفًا ا دقيقًا ا قائماً ا على تجربة و ُمجسدًاا لمعرفة؛ ولكن‬ ‫على أساس ما لناقته بتلك البقرة الوحشية من علقة‪ ،‬والتي منها التشابه في‬ ‫السرعة‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫أما عمرو بن كلثوم فيخالف جميع أصحاب السموط‪ ،‬كما سبقت اإلشارة‪،‬‬ ‫بابتدائه بالغزل‪ ،‬ث ًّم تعريجه على وصف الطلل‪ ،‬قبل االنتهاء إلى الفخر بنفسه‪،‬‬ ‫واالعتداد بقومه‪ ،‬في حماسة عجيبة‪ ،‬وغضبة عربية رهيبة‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وأما عنترة بن شداد فإ ّنا ألفيناه يبتدئ معلقته بوصف الطلل‪ ،‬قبل أن ينزلق إلى‬ ‫الحديث عن امرأة يجتهد في إغرائها به لينتهي‪ ،‬آخر األمر‪ ،‬إلى وصف فرسه‬ ‫ي‬ ‫ن تجاوبه معه في المعارك‪ ،‬وقدرته العجيبة على فهمه‪ ،‬وإدراكه الذك ًّ‬ ‫وح ْ‬ ‫س ًِّ‬ ‫ُ‬ ‫لما كان يريده منه وهو يجندل األبطال في ساحة الوغى‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫الّ بعض ذلك الضيع حيث يبتدئ بوصف الطلل‪،‬‬ ‫وال يأتي الحارث بن ح ّلزة إ ً‬ ‫والتثنية بوصف حبيبته هندٍ‪ ،‬قبل االنتهاء إلى وصف الناقة التي ينزلق منها‬ ‫إلى وصف الحرب وشدائدها وأهوالها‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫فكأن نظام البناء العا ًّم في هذه المعلقات يقوم على‪:‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫الطلل ‪-‬المرأة ‪ -‬الفرس‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫الطلل ‪-‬المرأة ‪ -‬البعير‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫الطلل ‪-‬المرأة ‪ -‬الحرب‬ ‫‪‬‬ ‫الطلل ‪-‬المرأة ‪-‬الماء‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫الطلل ‪-‬المرأة ‪-‬الفخر‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫لكننا‪ ،‬لدى اختصار هذه النظرة إلى بنية هذه المعلقات‪ ،‬نلفيها؛ في أغلبها‪،‬‬ ‫بأن ال ُج ْزءً الثالث من كل معلقة‬ ‫تنهض على‪ :‬الطلل‪ -‬الغزل ‪-‬الحرب‪.‬ذلك ًّ‬ ‫يمثّل‪ ،‬غالباا‪ ،‬إما الحرب صراحة‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫كما يمثل ذلك في معلقات زهير‪ ،‬والحارث بن ح ّلزة‪ ،‬وعنترة؛ وإ ّما شيئًا ا من‬ ‫ملزماتها كما يتمثل بعض ذلك في وصف الفرس وجوبان القفار ليلا‪،‬‬ ‫إن هذه المواضيع‪ ،‬كما نرى‪ ،‬هي‬ ‫ضارية حيث ًّ‬ ‫ومعاشرة الذئاب والوحوش ال ّ‬ ‫أدنى ما تكون إلى الحرب‪ ،‬وأبعد ما تكون عن السلم‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وكما يتمثل في الفخر الملتهب الذي يصادفنا في معلقة عمرو بن كلثوم‬ ‫خصوصًا ا‪.‬وإذن‪ ،‬فهناك خمس معلقاتٍ‪ ،‬على األق ّل‪ ،‬ينتهين بالحديث عن‬ ‫الحرب‪ ،‬إما بصورة مباشرة‪ ،‬وإما بصورة غير مباشرة‪.‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ومثل هذه السيرة تمثل‪ ،‬بصدق‪ ،‬الحياة العربية قبل ظهور اإلسلم حيث كان‬ ‫البقاء لألقوى ال لألصلح‪ ،‬والوجود لألشجع ال لألجبن‪ ،‬إ ًْذ لم ًُ‬ ‫تك أي قبيل ًٍة‬ ‫ى عن الحرب إما بشنّها هي الغارة على سوا ِّئها؛ وإما بتعرضها‪ ،‬هي‬ ‫بمنأ اً‬ ‫شنها عليها قبيل ًةا أخرى ُمعادية‪.‬‬ ‫نفسها‪ ،‬لغارًٍة ت ُ‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وذلك همً آخر الهموم التي كانت تضْطرً القبائل العربيّة البدويّة إلى التّظعان‬ ‫مستقر ينهض على نظام‬ ‫ٍ ًّ‬ ‫على وجه الدهر‪ ،‬والتي كانت تحول دون قيام مجتمع‬ ‫ل هذه العلقات كانت تنهض على ما يسميه‬ ‫أن ك ًّ‬ ‫ي‪.‬وقد نلحظ‪ ،‬أثناء ذلك‪ًّ ،‬‬ ‫مدن ًّ‬ ‫األناسيّون (األنثروبولوجيون) "نظام القرابة"‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وأن الخصب يرتبط باألرض‪ّ ،‬‬ ‫وأنً‬ ‫أن الماء يرتبط بالخصب‪ًّ ،‬‬ ‫كما أننا نلحظ ًّ‬ ‫وأن المرأة نلفيها في مركز اهتمام‬ ‫ًّ‬ ‫األرض ترتبط باإلخصاب لدى المرأة‪،‬‬ ‫ل ذلك يحدث في وسط يتغيّر عبر الرتُو ِّ‬ ‫ب‪،‬‬ ‫النصوص الشعريّة الجاهلية‪.‬وك ًّ‬ ‫ًْ‬ ‫ولكن داخل حيز مغلق ال يعدوه‪.‬‬ ‫س عليه االنتقال والتحول‪،‬‬ ‫مار ًُ‬ ‫ويُ ُ‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫ونتوقف اآلن لدى طللية امرئ القيس لنحاول قراءتها من الوجهتين‬ ‫ونَؤَّ ِّول معًا ا‪.‬ولعلَّنا‪ ،‬ببعض هذا‬ ‫االنثروبولوجية وال ِّسمائياتيَّة‪ ،‬لنصف ُ‬ ‫س ِّبقْنا إليها‪ ،‬قديمًا ا وحديثًا ا‪.‬‬ ‫السعي‪ ،‬أن نضيف شيئًا ا إلى القراءات الكثيرة التي ُ‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وقبل أن نثبت األبيات الستة الطلليلة المرقسيّة‪ ،‬نو ًّد أن نومئ إلى أننا ال نريد‬ ‫أن ننزلق إلى الحديث عن انتماء هذه األبيات أو عدم انتمائها حقًا ا إلى امرئ‬ ‫القيس‪ ،‬وذلك على أساس ما ا ّدعت قبيلة كلب من أنها المرئ قيسها المعروف‬ ‫بابن ال ُحمام‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وقل إن شئت ابن ُحمام‪ ،‬وقل إن شئت ابن ِّخدام (بالدال المهملة)‪ ،‬وقل إن‬ ‫تحرف المحرفين فتقول‪:‬‬ ‫شئت ابن ِّخذام (بالذال المعجمة)‪.‬ولعلك تستطيع أن ّ‬ ‫ًُ‬ ‫إثبات ذلك أو نفيه إال بدراسة معمقة‬ ‫ابن حزام‪ ،‬وابن حذام إذ من العسير‬ ‫صح المرئ القيس الكندي‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ومتأنية لخصائص النسيج للنص الشعري الذي‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫فبذلك وحده يمكن النفي أو اإلثبات‪.‬أما باألخبار والروايات فإنها اضطربت‬ ‫سندً‪ ،‬وإما بأنها‬ ‫وساءت بحيث يعسر االستنامة إليها‪ ،‬وذلك إما بانقطاعها عن ال َّ‬ ‫صب (االنتماء القبلي)‪ ،‬وأما بورودها في إطار تبيين من هو هذا‬ ‫مظنونة بالتع ّ‬ ‫ابن ُحمام الذي ورد ذكره في بيت امرئ القيس الشهير‪...‬‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وكيف يص ّدق عاقل ًّ‬ ‫بأن ابن ُحمام هذا أو أي اسم‬ ‫آخر كما رأينا (كان يعايش امرأ القيس؛ ّ‬ ‫وأنً هذا‬ ‫استولى على شيء من شعر ذاك‪ ،‬وال نعرف من‬ ‫الّ أبياتًا ا قليلة جدًا ا مروية‪ ،‬من حيث اشتهر‬ ‫شعره إ ً‬ ‫امرؤ القيس وسار شعره في اآلفاق؟‬ ‫بنية المطالع في المعلقات‬ ‫وكيفًيمكنًأنًيكونًشاعرًفيًذلكًالمستوىًالعاليًمنًالشعريةً(وذلكًإذاً‬ ‫ص ّدقناًماًزعمتًأعرابًك ْل ٍ‬ ‫بًمنًأنًاألبياتًالخمسةًاألولىًمنًمعلقةًامرئً‬ ‫القيسًهيًله) ثمًيضيعًشعرهًكله‪ً،‬ويبقىًشعرًمعاصريهًوصديقهًامرئً‬ ‫القيس؟‬ ‫مقدّمة امرئ القيس‬ ‫ب ومنز ٍل‬ ‫نبك من ذكرى حبي ٍ‬ ‫قفا ِ‬ ‫ِب ِس ْق ِط ا ِل َلوى بين الدُّخو ِل فَ َحو َمل‬ ‫فالم ْقرا ِة لم َي ْع ُ‬ ‫ف ر ْس ُمها‬ ‫فتوض َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫أل‬ ‫ِلما نس َجتْها من جنوب و َ‬ ‫ش ْم ِ‬ ‫مقدّمة امرئ القيس‬ ‫ًاآلرامًفيًعرصا ِّتها‬ ‫ِّ‬ ‫ترىًبعر‬ ‫وقيعانِّها‪ً،‬كأنهًحبًفُ ْلفُ ًِّ‬ ‫ل‬ ‫كأنّيًغداةًالبي ِّْنًيومًتح َّملُوا‬ ‫فًح ْنظ ًِّ‬ ‫ل‬ ‫لدىًس ُمرا ًِّ‬ ‫ت الح ّ‬ ‫يًناقِّ ُ‬ ‫مقدّمة امرئ القيس‬ ‫يًمطيَّ ُه ْمً‬ ‫ًبهاًصح ِّبيًعل َّ‬ ‫ْ‬ ‫وقوفا ا‬ ‫ًأسى‪ً،‬وتج َّم ًِّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يقولون‪ :‬الًت ْه ْ‬ ‫لك‬ ‫ّ‬ ‫وأنً ِّشفائيًعبْرةً ُمهزاقةً‬ ‫ًم ْنً ُمع ّو ِّل؟( )‬ ‫ًدارس ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫فهلًعندًر ْس ٍم‬ ‫مقدّمة امرئ القيس‬ ‫الناص ملحمة الحنين العارم على خمسة أمكنة هي‪ :‬سقط اللوى‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫يقيم‬ ‫الدارسً الذي ي ْعنيه‪،‬‬‫ِّ‬ ‫الر ْسم‬ ‫وتوضح‪ ،‬والمقراة‪.‬ذلك ًّ‬ ‫بأن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وال َّد ُخول‪ ،‬وحومل‪،‬‬ ‫والربع البالي الذي كان يضني قلبه ويبريه؛ إنما هو ِّس ْقطً ال ِّّلوى الواقع بين هذه‬ ‫َّ‬ ‫المواضع األربعة‪.‬فكأنه واسطة ِّع ْق ِّدها‪ ،‬وجوهرة قلدتها‪.‬فالحبيب الذي من‬ ‫أجله استبكى أصحابه بعد أن كان هو بكاه‪ ،‬كان يثوي بهذا الربع الدارس الذي‬ ‫بالحب‪ ،‬وأزماناً ا حافلة‬ ‫ًّ‬ ‫ت مفعم ًةا بالسعادة‪ ،‬وأوقاتًا ا غامرًةا‬‫ضى فيه لحظا ًٍ‬ ‫طالما ق ّ‬ ‫بالملذّات‪.‬‬ ‫مقدّمة امرئ القيس‬ ‫الدار رسماً ا دارساا‪ ،‬وربعًا ا خالياا‪ ،‬تقطنه اآلرام وتسرح فيه‪ ،‬بعد أن‬ ‫ًُ‬ ‫لقد اغتدت‬ ‫كانت غاني ًةا حافلة‪ ،‬ومكتظ ًةا بأهلها عامرة‪.‬واآلية على دروسها ب ْع ًُ‬ ‫ض هذا الذي‬ ‫تراه من بع ِّرها الذي ت ْحت ِّفل به عرصاتها‪ ،‬وتمتلئ به قيعانها؛ فإذا هو كأنه حبً‬ ‫فلفل طريح‪.‬‬ ‫مقدّمة امرئ القيس‬ ‫لقد تح ّمل األحبة إذًاا أياديً سبأ فما أنت فاعل؟ لو كنت تدري أين ي َّم ُموا لكنت‬ ‫صت آثارهم؛ ولو كنت تعلم إلى أين ذهبوا اللتمست ديار ُهم‪...‬لكن كيف‬ ‫قص ْ‬ ‫قرارهُم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تدري‪ ،‬ماال يُ ْدرى؟ وكيف يجوز لك ذلك وهم ر َّحلً نُ ِّقّلً‪ :‬ال ي ّ‬ ‫ستقرً‬ ‫ف دارهم‪ :‬اليومً هنا‪ ،‬وغدًاا هناك‪ ،‬وبعد غ ٍدً هنالك‪.‬اليوم في هذا الوادي‬ ‫وال ت ُ ْعر ًُ‬ ‫الخصيب‪ ،‬وغدًاا في ذاك الم ْرج ال ُم ْم ِّر ً‬ ‫عِّ‪.‬‬ ‫مقدّمة امرئ القيس‬ ‫صباا‪ ،‬وواديك ُم ْعشباا‪،‬‬ ‫دهاك أيتها الحبيبة الذاهبة وقد كان ر ْب ُعك ُم ْخ ِّ‬‫ًِّ‬ ‫فماذا‬ ‫ت مراسيها بذي ر ْمرًام! وحتى قلنا وقلت‪:‬‬ ‫وناديك ُم ْم ِّرعاا؛ حتى قلنا وقلت‪ :‬ع ِّلق ًْ‬ ‫حلولي ال ّليالي واأليام‪.‬لكن واحسرتاه!‬ ‫بهذا الوادي ت ْ‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser