كتاب البيان والتبيين PDF

Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...

Summary

هذا الكتاب يحكي سيرة الجاحظ وحياته، ويُوضح ثقافته الواسعة، فضلًا عن وصف مُؤلفاته وكتبه المختلفة التي تُعدّ إضافة مُهمة للأدب العربي.

Full Transcript

## مكتبة عربية - أولى ### ١ - البيان والتبيين #### الجاحظ (ت ٢٥٥هـ) **ترجمة المؤلف:** - أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، شهرته الجاحظ بسبب جحوظ في عينيه. - اختلف المؤرخون في تاريخ مولده واتفقوا على وفاته عام ٢٥٥هـ. - عُمّر نحو ٩٦ عامًا أي أنه ولد على وجه التقريب عام ١٥٩هـ أو عام ١٦٠هـ با...

## مكتبة عربية - أولى ### ١ - البيان والتبيين #### الجاحظ (ت ٢٥٥هـ) **ترجمة المؤلف:** - أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، شهرته الجاحظ بسبب جحوظ في عينيه. - اختلف المؤرخون في تاريخ مولده واتفقوا على وفاته عام ٢٥٥هـ. - عُمّر نحو ٩٦ عامًا أي أنه ولد على وجه التقريب عام ١٥٩هـ أو عام ١٦٠هـ بالبصرة، أي في عصر المهدي. - امتد عمره فشهد ما وصل إليه المعتزلة من مجد سياسي وثقافي في عصر المأمون. - عاش بالبصرة وهي يومئذ مهد العلم ومنتدى الأدب، ومركز الإشعاع الثقافي في العالم الإسلامي كله. - أمضى طفولة شقية حيث توفي والده وهو صغير، وخلفه بلا ثروة يعيش منها. - الجو الثقافي للمدينة جعل من ذهابه إلى الكتاب ضرورة. - أظهر الصبي ذكاء خارقًا، ونهما حادًا إلى المعرفة. - لما اشتد ساعده أخذ يعمل إلى جانب العلم، ويتردد على سوق المربد قرب البصرة، وإليه يختلف الشعراء والخطباء. **ثقافته** - كان الجاحظ نهما إلى القراءة، لم يقع في يده كتاب إلا أتي عليه. - تتردد على حوانيت الوراقين ويبيت فيها للدرس والمطالعة. - قدرة فائقة على الحفظ والرواية. - معرفة واسعة، وثقافة منوعة بين دينية وأدبية عربية ويونانية فارسية وهندية. - عرف كتاب الخطابة لأرسطو بعض المعرفة. - عاش في عصر مليء بالقمم في كل فنّ. - عاصر من رجال الفقه والحديث مالكًا والشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري. - عاصر من الكتاب ابن المقفع وإبراهيم الصولي، وابن قتيبة، والمبرد، ومن علماء اللغة الخليل بن أحمد. - عاصر من الشعراء بشار بن برد، وأبا نواس، وأبا تمام والبحتري، وابن الرومي. - درس على الأصمعي، وأبي عبيدة، والأخفش. - التقى بالنظام، أبي إسحاق إبراهيم بن سيار، وتتلمذ عليه. - اتخذ الاعتزال مذهبًا، وأصبح أحد ثلاثة من كبار رجال المعتزلة، وله طائفة خاصة تنسب إليه تُسمى (الجاحظية). **حياته** - إلى جانب العلم المقروء كان صاحب رحلة. - أمضى حياته متنقلا بين البصرة وبغداد ورحل إلى دمشق. - زار أنطاكية، وثمة احتمال أنه جاء مصر. - أكسبه التنقل، وتنوع البيئة وتباين العيش، عمقا في التجربة، وشمولاً في النظرة، وخبرة واسعة بأحوال الناس. - كان الجاحظ دميم الخلقة، جهم الوجه جاحظ العينين. - بلغ فيهما الغاية، ومن ذلك لقبه. - الخليفة المتوكل عندما سمع بمنزلته من العلم والفهم، استقدمه ليؤدب ولده. - فلما رآه استبشع منظره، وصرفه بعشرة آلاف درهم. - هذه النقائص الجسمية كانت وراء دعابته ومرحه، وسخريته من نفسه وتندره بأعز أصدقائه. - أدرك أن المراوحة بين الجد والهزل تذهب رتابة الحياة، وتخفف من ثقلها. - كان لطيف الروح، فكه المحاضرة، صادق المواساة، سريع البديهة، متفائلا. - يسجل الفكاهة حتى لو كانت على نفسه. - انتقل إلى بغداد وتردد على مجالس العلماء والأدباء. - استطارت شهرته وسمع به المأمون فأراد أن يفيد منه. - كان قد قرأ له كتاب (الإمامة)، فاستدعى الجاحظ وأسند له ديوان الرسائل. - لم يبق فيه غير أيام ثلاثة، وتركه هاربًا بعقله وحريته. - لم يستطع أن يأخذ نفسه بنظم الدواوين وتقاليدها. - حين تولى المتوكل كان يكره المعتزلة وقبض على الجاحظ وقيده. - بعدها فك قيده واستقر بالبصرة مسقط رأسه، وأصيب بالفالج والنقرس. - يصف المبرد في كتابه الكامل الجاحظ في آخر أيامه فيقول: " دخلت على الجاحظ في آخر أيامه، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج لو حز بالمناشير ما شعر به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه، وأشد من ذلك ست وتسعون سنة أنا فيها". - لم يمت الجاحظ ضحية المرض، وإنما ذهب شهيد الكتب، إذ كان من عادته أن يضعها كالحائط محيطة به، وهو جالس بينها يقرأ، فانهالت عليه وقتلته ولحدته ميتا، بعد أن كانت شاغل حياته، وسلوة عقله. - ترك لنا ثروة من الكتب في موضوعات متنوعة متعددة. - كتب في موضوعات عقائدية، مثل كتاب الإمامة، وكتاب نظم القرآن، وكتاب الرد على اليهود، وكتاب الرد على النصارى. - كتب في موضوعات تدور حول معارضات كانت مطروحة في عصره، مثل كتاب القحطانية والعدنانية، وكتاب الموالي والعرب. - كتب في موضوعات اجتماعية مثل كتاب البخلاء. - كتب كتبا تغلب عليها السمة الأدبية، وإن كانت تجمع بين ثناياها أشتاتا من المعلومات وذلك مثل كتاب الحيوان، وكتاب البيان والتبيين **مخطوطات الكتاب:** - لدينا من مخطوطات الكتاب ست فيما نعلم. - أقدمها في مكتبة فيض الله بإسطنبول، برواية أبي جعفر البغدادي، في ۱۹۹ ورقة. - المخطوطة الثانية في مكتبة كوبريلي بإسطنبول أيضًا، وهي في جزأين الجزء الأول في ٣٥٦ صفحة والجزء الثاني في ٣٥٥ صفحة. - الثالثة نسخة دار الكتب المصرية، وهي في مجلد واحد يقع في ۷۰۰ صفحة. - النسخة الرابعة في دار الكتب المصرية وهي في مجلد واحد يقع في ٧٥١ صفحة. - المخطوطة الأخيرة توجد في المكتبة التيمورية في مجلد واحد تبلغ صفحاته ٥٨٨ صفحة وكتبت في خط فارسي. - أشك هل هذا كل ما وصلنا من مخطوطات" البيان والتبيين". - الكتاب كان معروفًا على امتداد العالم العربي. - أتصور أن عددًا من مخطوطاته مازال دفينا في خزائن الكتب. - الأمر يحتاج إلى المزيد من الجهد في تتبع آثار الجاحظ، لتعود بين أيدينا نصوصًا جادة كما صاغها صاحبها، بلا تحريف ولا إسقاط. **نشر الكتاب:** - نشر الكتاب لأول مرة بين سنتي ۱۳۱۱ هـ - ۱۳۱۳هـ، وقام بنشره في مجلدين حسن الفكهاني والشيخ محمد الزهري الغمراوي. - نشر بعد ذلك في ثلاثة مجلدات عام ۱۳۳۲ هـ بإشراف محب الدين الخطيب. - أخرجها حسن السندوبي في عام ١٣٤٥هـ، وتقع في ثلاثة مجلدات. - ظهرت بعد ذلك نشرة للكتاب في عام ١٣٦٧ هـ ١٩٤٨م، وقد قام بتحقيقها تحقيقا علميًا كاملا الأستاذ عبد السلام هارون. - ظهرت الطبعة الثالثة للكتاب عن مكتبة الخانجي بالقاهرة عام ١٩٦٨م. - ربما كان من أجل ما قدمه الأستاذ عبد السلام هارون للباحثين، فضلا عن التحقيق العلمي الأصيل، تلك الفهارس الكثيرة قدم فهارس تفصيلية، للخطب، والرسائل، والوصايا، والأشعار والأرجاز، والأمثال والأعلام، والبلدان التي تعين الباحث على البحث في يسر في كتاب تتراكم المعلومات فيه وتتشعب مثل كتاب البيان والتبيين. - **الكتاب:** - يعد كتاب البيان والتبيين وكتاب الحيوان من أواخر مؤلفات الجاحظ بعد أن أصابه الفالج. - على الرغم من إصابته بهذا المرض الذي ألزمه الفراش. - لم تفارقه قريحته المتوقدة، وذاكرته القوية، وفكاهاته الساخرة. - يرجع الدافع إلى تأليفه كتاب البيان والتبيين إلى أحد أمرين أو ربما إليهما معًا. **أسباب تأليف الكتاب:** - **الأول**: أن الجاحظ لم يكن حتى زمن تأليف هذا الكتاب، قد اختص البيان العربي ببحث شامل يبين فيه طاقات اللغة العربية في مجال التعبير، وفي مجال إقناع المستمع عن طريق المناظرة والخطابة. - اللونان الأدبيان اللذان كانا يمارسان في بيئة البصرة، حيث كثرت الخطابة والجدال والمناظرات بين طوائف الملل المختلفة. - **الثاني**: الرد على الشعوبية الذين كانوا يعيبون على العرب خطبهم وتقاليدهم في إلقاء تلك الخطب، ومنها الإمساك بالعصا مثلا. - نص الجاحظ في أكثر من موضع من الكتاب على أنه قد نصب نفسه مدافعا عن فصاحة العرب، داحضا بذلك اتهامات الشعوبيين. - ربما انبثق موضوع الرد على الشعوبيين في عقل الجاحظ أثناء تأليفه الكتاب ولم يكن الدافع الاصلي إلى تأليفه، فموضوعات الكتاب كانت كثيرًا ما تتولد عن طريق الاستطراد. **الموضوع الرئيسي:** - استنباط أصول البيان كما تحدث فيها السابقون. - نظرية محتوي كتاب تؤكد أن تحدث عن نعمة فصاحة اللسان، وعاب التشدق والتقعر، وانتقل من خلال الاستطراد إلى الحديث عن اختلاف لغة العرب في استعمال الألفاظ. - تحدث عن الخطابة مشيرا إلى أشهر الخطب والخطباء، ثم ينتقل بعد ذلك إلى البلاغة، ثم يتهيأ للدفاع عن فصاحة العرب ضد اتهامات الشعوبية. - لا تفوت الجاحظ في كل هذا فكاهته التي عرفت عنه، وهي تبدو جلية في أثناء حديثه عن نوادر الحمقى والمجانين. - الكتاب تدور مادته بدون شك حول الفصاحة والبلاغة. **منهج الكتاب:** - دأب الجاحظ في "البيان والتبيين"، وغيره من مؤلفاته، أن يرسل نفسه على سجيتها، لا يتقيد بنظام يترسمه، ولا بمنهج يلتزمه. - يبدأ الكلام في قضية ثم يدعها أثناء ذلك ليدخل في قضية أخرى، ثم يعود إلى ما أسلف، حتى ليصعب الاهتداء في جنبات مؤلفه إلى الفكرة والرأي لمن يبحث عنهما. - يشعر بذلك، ويعتذر عنه أحيانًا. - أدى ذلك إلى تكرار النصوص، والحديث عن الموضوع الواحد في أكثر من مكان. - التكرار في الباب نفسه، وقد يكون في الكتاب، في الجزء نفسه أو في جزء آخر منه. - علل الجاحظ استطراده بأنه صنع ذلك ليدفع الملل عن نفس القارئ. - علله الآخرون بأنه جاء نتيجة علمه الكثير، وأراه وليد تكوين الجاحظ الثقافي. - القائم على معرفة كل شيء، ومن أن الكتاب لم يُؤلف مرة واحدة، وإنما كتب فصولا متفرقة، في أزمنة متباعدة. - استحال أن يربطه خيط فكري واحد. - من الأخطاء التي وقع فيها أنه يأتي بالخبر في موضعه، فإذا به يورده هو نفسه في مكان آخر دون أن تكون هناك ضرورة تقتضي ذلك. **طريقة السرد والاستطراد:** - **أولاً:** أسلوب التلقين الشفاهي الذي يؤدي إلى الاستطراد بطبيعة الحال، والذي كان الوسيلة الأولى لتحصيل الثقافة في ذلك العصر، كان متحكما في عقول الباحثين. - **ثانيًا:** عندما نحا مفكرو ذلك العصر إلى تعريف مباحث العلوم، كالبلاغة مثلا اتسمت تعريفاتهم بالتشعب، وكان هذا يقتضي البحث عن نماذج من التراث العربي لتدعيم كل جانب من جوانب التعريف. - **ثالثا:** كان رصيد المفكرين، وعلى رأسهم الجاحظ، من التراث العربي هائلا، بحيث يمكننا أن نقول إن المادة كانت تنصب انصبابًا في أثناء تأليفهم دون أن يملكوا وقفها. **محتوى الكتاب:** - تحدث تحت عناوين ثلاثة البيان والبلاغة والخطابة. - عن قضية واحدة هي الكلام الجيد، خطبة أو جدلًا، أو حوارًا أو قصصًا. - البيان عنده كل شيء كشف لك قناع المعنى، والبلاغة تصحيح الأقسام واختيار الكلام، وحسن الاقتضاب عند البداهة، وحسن الإشارة. - في الخطابة ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار الحالات. - يجعل لكل طبقة من ذلك كلامًا، ولكل حالة من ذلك مقامًا. - وقف كتابه على الأدب الشفاهي بألوانه المتعددة. - لم يقصر بحثه على الأدب وحده، وإنما تعداه إلى الأديب نفسه، فدرسه تشريحًا وثقافة وتاريخا. - أفاض القول في الخطابة، وما تتطلبه من الجهر بالقول وترفيع الصوت، وفي الدمامة وتأثيرها في قدر الخطيب. - اكتمال أسنانه ونقصها أو سقوطها وما يجب أن يكون عليه أثناء الكلام من استخدام الإشارة، وارتفاع الصوت. - خص العصا كلازمة للخطيب بفصل خاص. - قدم لنا معلومات عن البلغاء والخطباء والفقهاء والأمراء. - لا يهتم بتراجمهم الشخصية وأخبارهم، بقدر ما يركز على تصورهم للبلاغة. - بسط القول عن علماء المعتزلة فما منهم إلا وأورد عنه خبرًا، أو ذكر له نادرة، كواصل بن عطاء، وترجم لبعض علماء الخوارج وخطبائهم في إيجاز. - أورد لخطبائهم نصوصا متعددة. - لم يتردد في الثناء على من عرف منهم، فيقول عن أستاذه أبي عبيدة معمر بن المثنى : " لم يكن في الأرض خارجي أعلم بجميع العلم منه". - عرض المشاهير الزهاد والكهان، وكل حديثهم أدب مسجوع. - لم يخص الشعر كفن مستقل إلا بصفحات قليلة. - خص ما قيل منه في مدح الخطب بباب مستقل. - لا يعني ذلك أن الشعر في كتابه قليل، فهو لا يكاد يبدأ رأيًا أو يورد خبرًا إلا وشحه بالبيت أو البيتين أو القصيدة كاملة. - في الكتاب مادة موفورة لدراسة عادات وتقاليد المجتمع الإسلامي في بغداد والبصرة على أيام الجاحظ. - يغترف مما حوله، ويلتزم الدقة في إيراده، حتى الألفاظ العامية يوردها كما هي. - استطراد الجاحظ وترسله اذ أخذ بلب القارئ، فإنه في الوقت نفسه، يجعل مهمة الباحث عسيرة. - معرفة ما في الكتاب وما يراد من روايته، جزء من فهم النص، تتطلب أناة في القراءة، ومعاودة لها. - أصبحت هذه الطريقة جزءًا من الجاحظ وأدبه، وانعكاسا لنفسيته ومزاجه. - حاول كثيرون تلخيص بعض كتب الجاحظ وتجريدها من الاستطراد، وما حوته من الاستشهاد، فانتهى بهم الأمر إلى العجز. - يعود الكتاب بين أيديهم جثة هامدة، لا شيء فيها من روح الجاحظ وفنه **قيمة الكتاب:** - كتاب البيان والتبيين يعد موسوعة في الأدب العربي تُغذي بثمرها القدماء والمحدثون. - اعتمد عليه كبار الكتاب القدماء الذين جاءوا من بعده، مثل ابن قتيبة في "عيون الأخبار"، وابن عبدربه في "العقد الفريد" وغيرهم. - رسم الطريق لمن جاء بعده في أسلوب التأليف الأدبي الذي هو جمع من كل شيء. - تصفح كتاب" الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيان التوحيدي المعتزلي الذي عاش في القرن الرابع، يجد أنه يحتوي كذلك على قدر هائل من المادة المتنوعة، شأنها في ذلك شأن كتب الجاحظ. - في العصر الحديث، فليس هناك باحث في أي جانب من جوانب التراث العربي لم يستعن بهذا الكتاب. - رجع هذا بطبيعة الحال إلى ما يحتوي عليه الكتاب من ثروة هائلة ومتنوعة من التراث العربي. - يصبح ما عيب على الجاحظ سببًا في إثراء العقول التي تبغي التزود من معين التراث العربي. ## ### نموذج ١ #### من كتاب البيان والتبيين ##### للجاحظ **باب** - من الخطب القصار من خطب السلف، ومواعظ من مواعظ النساك، وتأديب من تأديب العلماء - قال رجل لأبي هريرة النحوي : أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه، فقال: كفى بترك العلم إضاعة. - سمع الأحنف رجلا يقول: "التعلم في الصغر كالنقش في الحجر". - قال أبو الدرداء : " مالي أرى علماءكم يذهبون، وجها لكم لا يتعلمون". - قال الخليل: "تكثر من العلم لتعرف، وتقلل منه لتحفظ" . - يُقال: " يكتب الرجل أحسن مما يسمع، ويحفظ أحسن مما يكتب". - قال أعرابي: حرف في قلبك خير من عشرة في طومارك - أي الصحيفة - . - قال عمر بن عبد العزيز : " ما قرن شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة". - قدموا رجلاً من الخوراج إلى عبد الملك بن مَرْوَان لتُضرب عنقه، ودخل على عبد الملك ابن له صغير قد ضربه المعلم، وهو يبكي، فهم عبد الملك بالمعلم. - قال له الخارجي: دَعُوه يبكي فإنه أفتح لحرمه أي حلقه وأصح لبصره، وأذهب لصوته. - قال له عبد الملك: أما يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ قال الخارجي: ما ينبغي لمسلم أن يشغله عن قول الحق شيء ! فأمر بتخلية سبيله (٥٧). ### نموذج ٢ - وجملة القول أنا لا نعرف الخطب إلا للعرب والفرس. - أما الهند فإنما لهم معان مدونة، وكتب مخلدة، لا تضاف إلى رجل معروف، ولا إلى عالم موصوف، وإنما إلى كتب متوارثة، وآداب على وجه الدهر سائرة مذكورة. - لليونانيين فلسفة وصناعة منطق، وكان صاحب المنطق نفسه بكي اللسان. - غير موصوف بالبيان، مع علمه بتمييز الكلام وتفصيله ومعانيه، وبخصائصه، وهم يزعمون أن جالينوس كان أنطق الناس. - لم يذكروه بالخطابة، ولا بهذا الجنس من البلاغة. - في الفرس خطباء، إلا أن كل كلام للفرس، وكلَّ معنى للعجم، على طول فكرة واجتهاد رأي، وطول خلوة، وعن مشاورة ومعاونة، وعن طول التفكر ودراسة الكتب، وحكاية الثاني علم الأول، وزيادة الثالث في علم الثاني، اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم. - كل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام. - ليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكر ولا استعانة. - أن يصرف وهمه إلى الكلام. - رجز يوم الخصام. - يحدو ببعير. - يصارع في حرب. - أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد. - تأتيه المعاني أرسالا، وتنثال عليه الألفاظ انثيالا. - لا يقيده على نفسه، ولا يدرسه أحدًا من ولده. - كانوا أُميين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلفون. - كان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر. - كل واحد في نفسه أنطق، ومكانه من البيان أرفع، وخطباؤهم للكلام أوجد. - الكلام عليهم أسهل، وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ. - يحتاجوا إلى تدارس. - حفظ علم غيره، واحتذى على كلام من كان قبله. - لم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتصل بعقولهم. - من غير تكلف ولا قصد، ولا تحفظ ولا طلب. - شيء هذا الذي في أيدينا جزء منه، لبالمقدار الذي لا يعلمه إلا من أحاط بقطر السحاب وعدد التراب. - هو الله الذي يحيط بما كان والعالم بما سيكون. - ### نموذج ٣ - أبقاك الله - إذا ادعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد والأرجاز، من المنثور والأسجاع، من المزدوج وما لا يزدوج، فمعنا العلم أن ذلك، لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة، والرونق العجيب، والسبك والنحت، الذي لا يستطيع. - أشعر الناس اليوم، ولا أرفعهم في البيان أن يقول مثل ذلك إلا في اليسير، والنبذ القليل. - لا نستطيع أن نعلم أن الرسائل التي بأيدي الناس للفرس، أنها صحيحة غير مصنوعة، وقديمة غير مولدة. - كان مثل ابن المقفع وسهل بن هارون، وأبي عبيد الله، وعبد الحميد وغيلان، يستطيعون أن يولدوا مثل تلك الرسائل، ويصعنوا مثل تلك السير. - أخذت بيد الشعوبي وأدخلته بلاد الأعراب الخُلص، ومعدن الفصاحة التامة، ووقفته على شاعر مفلق، أو خطيب مصقع. - علم أن الذي قلت هو الحق، وأبصر الشاهد عيانًا ، هذا الفرق بيننا وبينهم. - فهمك الله، ما أنا قائل في هذا ، ثم أعلم أنك لم تَرَ قومًا قط أشقى من هؤلاء الشعوبية. - لا أعدى على دينه، ولا أشدَّ استهلاكًا لعرضه، ولا أطول نصبًا ولا أقل غنمًا من أهل هذه النحلة. - شفى الصدور منهم طول جثوم الحسد على أكبادهم، وتوقد نار الشنآن في قلوبهم، وغليان تلك المراجل الفائزة. - تسعر تلك النيران المضطرمة. - عرفوا أخلاق أهل كل ملة، وزي أهل كل لغة وعللهم، على اختلاف شاراتهم، وآلاتهم، وشمائلهم، وهيئاتهم، وما علة كل شيء من ذلك. - لم اجتلبوه ولم تكلفوه لأراحوا أنفسهم، ولخفت مؤونتهم، على من خالطهم. - ### ترجمة المؤلف: #### ٢ - كتاب الكامل ##### للمبرد (ت ٢٨٥هـ) - أخذ سيل التأليف ينهمر بعد الجاحظ، ولم يكن الكاتب منهم يقتصر على كتاب أو كتابين؛ كان كل منهم في حد ذاته موسوعة في علمه. - من بين هؤلاء كان المبرد. - ولد المبرد في البصرة سنة ۲۱۰ هـ عاش عصر الثقافة المزدهرة. - اسمه محمد بن يزيد الأزدي. - اختلف في سبب تسميته المبرد؛ بل اختلف فيما إذا كانت هذه الكلمة بفتح الراء أم بكسرها، وفيما إذا كان هذا اللقب مدحًا أم ذما. - فقيل: إنها بفتح الراء وتعني حسن الوجه، ذلك أنه يقال رجل مبرد ومقسم ومحسن إذا كان حَسَن الوجه. - ربما أيد ذلك ما اتفق المؤرخون عليه من أنه كان صاحب وجه جميل. - يقال إن الكوفيين لقبوه بالمبرد بفتح الراء المشددة، أي من البرودة، تهكما به بعد أن أصبح إمام النحويين البصريين. - يقال إن اللقب لم يكن مدحًا ولا ذما، بل اشتهر به في إثر حادثة معينة ذكرها أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الألقاب (٥٨). **تلمذة المبرد:** - تتلمذ المبرد على يد الجاحظ، فكان يجلس إليه ويستمع منه ويروي عنه. - كان المبرد يميل أكثر ما يميل إلى الثقافة اللغوية والنحوية فقد كان معظم أساتذته من علماء اللغة والنحو. - أخذ عن أبي عثمان المازني، إمام النحويين آنذاك. - أخذ عن أبي إسحق الزيادي، وأبي الفضل بن فرج الرياشي. - ثقافة المبرد لم يكن مصدرها هؤلاء الأساتذة فحسب، فقد كان مثل الجاحظ واسع الاطلاع على الكتب، شديد الحرص على اقتنائها. - بعد أن صار إمام النحويين البصريين بعد المازني. - تتلمذ عليه نفر ممن ذاع صيتهم في الدراسات اللغوية والنحوية، واتفقوا هؤلاء جميعًا على أن المبرد كان يمتاز بغزارة العلم، وفصاحة اللسان، ووضوح الشرح. - إلى جانب هذا كله كان يُكثر من حفظ الشعر، ذواقا له، وكان صديقا لأكثر شعراء عصره. - منهم أبو تمام، والبحتري، وابن الرومي. - مدحه ابن الرومي بقصيدة طويلة محفوظة ضمن مخطوطات دار الكتب المصرية. - أورد البارودي بعض أبياتها في مختاراته. - (**) ملخصها أن المبرد كان ذات يوم عند أبي حاتم السجستاني، ثم جاء رسول من قبل والي الشرطة يستدعيه لمنادمة الوالي، وكان المبرد يكره منادمته، فطلب من أبي حاتم أن يخبئه فخبأه في المزملة (وهي إناء كبير للتبريد)، فلما انصرف الرسول جعل أبو حاتم يصفق وينادي على المزملة المبرد المبرد، ثم تسامع الناس ذلك فلقبوه بهذا اللقب. **كتب المبرد:** - ترك ثروة من الكتب. - نُشر مثل كتاب الكامل، وكتاب الفاضل، وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن الكريم، وشرح لامية العرب، وكتاب المذكر والمؤنث. - لم يُنشر، مثل كتاب الروضة، وكتاب التعازي والمراثي. **طبعات الكتاب:** - طبع الكتاب في مصر والخارج عدة طبعات، مما يدل على مدى اهتمام العلماء والأدباء به. - طبع في ألمانيا في سنة ١٨٦٤م مع مقدمة وفهارس. - طبع في سنة ١٢٨٦هـ بالمطبعة العامرة بالقاهرة. - طبع سنة ١٢٨٦هـ بالآستانة. - في سنة ۱۸۸۱ م في ليبزج. - في سنة ١٣٥٥ هـ في مطبعة الحلبي بتحقيق الدكتور زكي مبارك والشيخ أحمد محمد شاكر. - ظهر في طبعة علمية محققة. - قام على ضبطها الأستاذان محمد أبو الفضل إبراهيم، والسيد شحاته ونشرت في أربعة مجلدات سنة ١٩٥٦م. **الكتاب:** - كان الكامل آخر ما ألف المبرد من كبريات كتبه، فتمثل فيه بوفاء وصدق ثقافة المبرد بكل جوانبها. - لغوية أو نحوية أو أدبية. - قدم لكتابه بمقدمة موجزة توضح على وجه التحديد مادة الكتاب والغرض من تأليفه، قَالَ : " هذا كتاب ألفناه، يجمع ضروبا من الآداب ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، ومثل سائر وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة، ورسالة بليغة، والنية فيه أن نفسر كل ما وقع فيه من الإعراب شرحًا وافيًا، حتى يكون هذا الكتاب بنفسه مكتفيا، وعن أن يرجع إلى أحد فيه تفسيره مستغنيا". - معنى هذا أن المبرد قد أتي بنصوص مختارة في كتابه لتخدم غرضًا لغويا أو نحويا. - مجال اهتمامه الأول كما ذكرنا. - يشير إلى أن تخصصات علماء هذا العصر كانت قد تحددت. - كان كل أديب يعرف مجال تخصصه، وبناء على ذلك كان يوظف المادة التي حفظها واستوعبها هو وغيره من رجال عصره. - الجاحظ قد أودع كتابه ( البيان والتبيين مجموعة من المختارات الأدبية الرائعة . - كان يهدف من ذلك إلى أن يستشهد بها على وجوه البيان والفصاحة والبلاغة التي استخلصها. - أما المبرد فإنه يستخدمها استخدامًا آخر، وذلك بقصد الكشف عن المشكلات اللغوية والنحوية. - تلك المشكلات التي أثارها المبرد، تعد في الحقيقة من قبيل البحث العام في اللغة والنحو. - كل هذا يدفعنا إلى القول بأن كتاب المبرد موسوعة لغوية ونحوية وليس مجرد شرح لنصوص أتى بها الكاتب. **كتاب (الكامل):** - يحمل طابع العصر الذي ألف فيه. - يميل إلى الاستطراد، وينتقل من قضية إلى أخرى. - دَوْرُه في النصوص الأدبية الجمع والاختيار إلى الشرح اللغوي، والتصويب النحوي. - تتبع دلالات اللفظ الواحد في وجوهها المختلفة. - عند جمهرة الأدباء والشعراء. **صفات المبرد:** - من لوازم المبرد في الشرح أن يتبع قوله بكلمة " يافتي" مما يوحي بأن الكتاب في الأصل أمالي ألقاها على طلابه. - يُقيد عوده بالمشيئة، حتى أن بعض العناوين جاءت مقرونة بها: " باب الحروف التي تكون استفهاما وخبرًا، وسنذكرها مفسرة في أبوابها إن شاء الله". **منهج الكتاب:** - يأتي بالنص، كأن يكون حديثا - كما فعل في أول الكتاب ثم يأخذ في شرحه لغويًا أو نحويًا. - مستشهدًا في ذلك بروائع من الشعر والنثر، فإذا فرغ من ذلك قدم نصا آخر، كأن يكون خطبة أو رسالة مشهورة لأحد الخلفاء والحكام. - التزم موقف الاعتدال من الخصومات السياسية العنيفة التي شهدها عصره بين الفئات المتصارعة، فلم يُشارك فيها عملاً، وبَعْدَ عن التحيز لأحد، فلم يضمن (الكامل شيئًا في ذم علي أو معاوية، ولم يورد لنا من رسائلهما ما يتضمن هذا الذم. - يقول في مقدمة كتابه : " والنية أن نفسر كل ما وقع عليه هذا الكتاب من كلام غريب، أو معنى مستغلق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحا وافيًا، حتى يكون هذا الكتاب بنفسه مكتفيًا". **محتوى الكتاب ** - يمكننا أن نلخص محتوى الكتاب فيما يلي: - مختارات من الشعر والنثر والأمثال والحكم. - ايضاحات لغوية. - شروح نحوية. - لمحات نقدية. - إذا كان الكتاب عمادة الأبحاث اللغوية والنحوية، فإن ما فيه من آراء نقدية يعد في الحقيقة على هامش النقد. - كثيرًا ما يعلق على أبيات الشعر بعبارات عامة تكشف عن ذوقه الشخصي. - لا تعالج قضية نقدية. **قضايا نقدية:** - مس ثلاث قضايا نقدية اهتمت بها كتب - البلاغة والنقد وقتلتها بحثًا، وهي قضية اللفظ والمعنى التي كانت تهم المعتزلة في عصره. - قضية الجديد والقديم. - قضية السرقات الشعرية. - يستخدم العبارات التي نألفها عند من توسع في هذه القضة النقدية، ومثال قوله ذلك: " معنى طريف وقد أ

Use Quizgecko on...
Browser
Browser