الثقافة الإسلامية - المستوى الأول - مبادئ وآداب PDF
Document Details
Uploaded by CheeryEuphemism226
جامعة جدة
2018
بدوي بن علي الزهراني
Tags
Summary
هذا كتاب دراسي عن الثقافة الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة للمستوى الأول. يتناول الكتاب مبادئ وآداب الثقافة الإسلامية، ومصادرها، وخصائصها، وموقفها من الثقافات الأخرى. يقدم الكتاب مناهج أكاديمية لتعزيز فهم الطالب للثقافة الإسلامية.
Full Transcript
الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة تأليف الدكتور بدوي بن علي الزهراني 1439هـ 2018 -م الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب...
الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة تأليف الدكتور بدوي بن علي الزهراني 1439هـ 2018 -م الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 2 املقــدمــة أما بعد احلمد هلل وحده ،وصىل اهلل وسلم وبارك عىل خري خلقه ،وعىل آله وصحبه من بعده عاملي ،غايته تقديم رسالة احلضارة اإلسالمية ّ فإن اإلسالم منذ أيامه األوىل كان واضح املعامل بأنّه دي ٌن كل الوضوح يف جانبي عاملية الدعوة املكي واضحة ّ ّ للعامل أمجع.ومنذ الوهلة األوىل كانت لغة القرآن بغض الطرف عن وطنه وقومه جنس اإلنسانِّ ، اإلسالمية ،وإنسانية هذا الدّ ين؛ الذي خياطب اإلنسان َ َّاس َب ِش ًريا (و َما َأ ْر َس ْلن َ َاك إِالَّ كَا َّف ًة ِّللن ِ ِ (و َما َأ ْر َس ْلن َ َاك إِالَّ َر مْ َ ح ًة ِّل ْل َعالمَني) ،وقولهَ : ولونه؛ كام يف قوله تعاىلَ : ِ ِ ِ موج ٌه للناس كافة يف شتى بقاعهم وبلداهنم، َونَذ ًيرا ) ،وقوله( :إِ ْن ُه َو إِالَّ ذك ٌْر ِّل ْل َعالمَني) وهذا اخلطاب ّ وخمتلف أزماهنم ،وكل أجناسهم وألواهنم وقومياهتم. كل األديان قائم بمصالح الدنيا واآلخرة ،ومهيم ٌن عىل ِّ ويف هذا داللة وإشارة وإيعاز بأن هذا الدّ ين ٌ وشاهدٌ عليها.وبالتايل إذا كان ديننا عاملي؛ فحضارتنا وثقافتنا عاملية؛ تستوعب بني اإلنسان مجيع ًا ،وال اط ُم ْست َِقي ٍم تستطيع حضارة وال ثقافة أخرى دوهنا أن تفوقها أو تقوم مقامهاُ ( :ق ْل إِنَّنِي هدَ يِان رب إِ ىَل رِص ٍ َ َ يِّ َ يم َحنِي ًفا). ِ ِ ِ ِ دينًا ق َي اًم م َّل َة إِ ْب َراه َ بكل ماضيها التليد ،وحارضها املجيد،ومن هنا تكمن أمهية الثقافة اإلسالمية بمصادرها وركائزهاِّ ، وعامليتها احل ّقة ،يف تقدّ م الفرد املسلم واملجتمع املسلم بل واإلنسانية مجعاء ،وتقديم ّ كل ما من شأنه تزكية أرواحهم ،وتنمية عقوهلم ،وهداية أفكارهم إىل الرصاط املستقيم الذي به سعادهتم يف الدنيا ونجاهتم يوم الدّ ين. إن األمم تُقاس رفع ًة وانخفاض ًا بمقوماهتا الفكرية واألخالقية ،وإنجازاهتا العلم ّية.واحلكم عىل ّ أي إنسان إنام يكون بام يملك من رصيد أخالقي وفكري وسلوكي ،ورصيد علمي ومعريف وثقايف ،وإذا كانت الثقافة من وظيفة األدباء ،واملفكرين ،والناقدين ،والباحثني والرتبوينيّ ، فإن العلم يضطلع به اخلرباء والعلامء ،بحسب جوانب اختصاصهم.فالثقافة يغلب عليها طابع العموم واالستغراق ،أما العلم فيغلب عليه جانب التخصص ّية واملنهج ّية. دور بارز ،وأثر كبري ،يف تكوين ثقافات الشعوب ،ونامء وزكاء عقول أفرادها ،ويشكّل بأن للعلم ٌ وال شك ّ العلم يف ثقافتنا اإلسالمية املكانة األسنى عىل خارطتها ،ولكي يكون هذا العلم عل ًام نافع ًا؛ فال علم بال أدب ،وال خت ّل ٍق ،وال عمل. ٍ الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 3 ومن هنا تم تقديم هذا الكتاب للطالب اجلامعي ليكون رافد ًا علمي ًا ،ومنهج ًا أكاديمي ًا ،ومسامه ًا معنوي ًا له يف صياغة فكره ،وتنمية و ْعيه ،وتغذية روحه ،وزكاء عقله. ارتكز الكتاب عىل ثالثة حماور رئيسة أال وهي :علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة ،مبادئ العلوم الرشعية ،آداب الطالب املرع ّية. ٍ وباحث عميل ،عىل اإلحاطة ٍ كطالب علمي، ُّ كل حمور منها يفتح للطالب آفاق ًا علم ّية وعمل ّية ،تعينه بثقافته اإلسالمية ،وإدراك أهم مبادئ العلوم الرشعية ،والتأدب بآداب طالب العلم املرع ّية. ونأمل بإذن اهلل بعد دراسته هلذا الكتاب أن حيقق األهداف التعليمية التي وضعت ِّ لكل قسم من األقسام الثالثة. ونسأل اهلل َّ جل وعال اإلخالص واخلالص ،والقبول واإلقبال ،كام نسأله أن جيعل هذا الكتاب من العلم النافع ،والباقيات الصاحلات. وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني املؤلف الدكتور /بدوي بن عيل الزهراين كلية الرتبية – جامعة جدة [email protected] الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 4 يشتمل الكتاب عىل ثالثة أقسام رئيسة هي كالتايل: القسم األول :علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة القسم الثاين :مبادئ العلوم الرشعية هيةكالتايل: رئيسةاملرع ّي الطالب آداب أقسام الثالث:ثالثة يشتمل القسم الكتاب عىل القسم األول علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة القسم الثاين مبادئ العلوم الرشعية القسم الثالث آداب الطالب املرع ّية الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 5 األهداف التعليمية للقسم األول (علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة) بعد دراسة الطالب هلذا القسم بوحداته الثالث؛ يرجى أن يكون قد أدرك األهداف التي ُر ِسمت له، وهي: 1-1القدرة عىل حترير مصطلح الثقافة لغ ًة واصطالح ًا ،وحتديد املقصود من مفهوم الثقافة ٍ بوجه خاص. ٍ بوجه عام ،ومفهومها اإلسالمي 2-2معرفة مصادر الثقافة اإلسالمية الرشعية واملعرفية. 3-3االطالع عىل خصائص الثقافة اإلسالمية التي مت ّيزها عن غريها. 4-4اإلملام باملصطلحات املقاربة ملصطلح الثقافة اإلسالمية ،ومعرفة العالقة بينهام. 5-5توضيح معنى األصالة واملعارصة وموقف ثقافتنا اإلسالمية منهام. 6-6معرفة أبرز املواقف املعارصة للمثقف املسلم من الثقافات األخرى ،وبيان املوقف الصحيح منها ،وهو املوقف الوسطي؛ موقف النقد والتقويم. 7-7توضيح الرؤية الشمولية لإلسالم ،وإبراز النظرة التكاملية للحياة ،ولفت نظر الطالب إليها. الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 6 القسم األول :علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة القسم األول :علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة ويشتمل على ثالث وحدات: ويشتمل عىل ثالث وحدات: -الوحدة األوىل :مدخل ومتهيد إىل علم الثقافة اإلسالمية الوحدة األولى -الوحدة الثانية :الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة الثقافات األخرى املسلم من اإلسالمية املثقف الثقافة موقفعلم مدخلالثالثة: ومتهيد إلى -الوحدة الوحدة الثانية الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة الوحدة الثالثة موقف املثقف املسلم من الثقافات األخرى الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 7 مدخل ومتهيد إلى علم الثقافة اإلسالمية الوحدة األولى أوالً :تعريف علم الثقافة اإلسالمية أ -العلم لغة ـم ،و َم ْع ُلو ٌم ،ويراد بهِ ِ ِ نقيض اجلهل ،وهو مصدر مرادف للفهم واملعرفةَ ،عل َم َي ْع َل ُم ع ْل ًمـا ،فهو َعال ٌ فكل إدراك ُيسمى علمـ ًا ،أو هو نور يقذفه اهلل يف القلب. إدراك حقيقة اليشءُّ ، والعلم لغة يأيت أيض ًا و ُيراد به :اليقني ،والشعور ،واألثر ،واإلشارة ،والظن. أيَ :أ ْش َع ْرتُه وع ّلمته تعليماً . ِ ِ ِ قال اخلليل بن أمحد« :ما َعل ْم ُت بخربك ،أي :ما شعرت به ،وأعلمته بكذاْ ، وأدرك ،فهذا علم» (.)1 َ فأرشت إليه بأنه يف هذه اجلهة ،فقد أعلمتَه، َ ولو سألك رجل عن طريق ما، احدٌ َ ،يدُ ُّل َعلىَ َأ َث ٍر بِالشيَّ ْ ِء َيت ََم َّي ُز بِ ِه َع ْن َغيرْ ِ ِه... وقال ابن فارس« :ا ْلع ُ واللاَّ م والمِْيم َأص ٌل ص ِحيح و ِ َ ينْ َ ُ َ ُ ْ َ ٌ َ احدٍ اس و ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ إىل أن قالَ :وا ْل ِع ْل ُم :ن َِق ُ اس ا ْل َع َل ِم َوا ْل َعلاَ َمةَ ،والدَّ ل ُيل َعلىَ َأنهَّ ُماَ م ْن ق َي ٍ َ يض الجْ َ ْه ِلَ ،وق َي ُ اس ُه ق َي ُ السلاَ ُمَ ،وإِ َّن بِ َذلِ َك ُي ْع َل ُم ُق ْر ُب ِ ض ا ْل ُقر ِاء( :وإِ َّنه َلع َلم لِلساع ِة)َ ،قا ُلوا :يراد بِ ِه ن ُُز ُ ِ ِ يسى َع َل ْيه َّ ول ع َ َُ ُ َ ُ َ ٌ َّ َ ق َرا َء ُة َب ْع ِ َّ السا َع ِةَ.و َت َع َّل ْم ُت الشيَّ ْ َء ،إِ َذا َأ َخ ْذ ُت ِع ْل َم ُه» (.)2 َّ كلوقال الفيومي« :يقال ( َع ِل َم َي ْع َل ُم) إذا تي ّقن ،وجاء بمعنى املعرفة أيض ًا ،كمـا جاءت بمعناه ضمن ّ وإن حصل عن كسب واحد معنى اآلخر ،الشرتاكهام يف كون كل واحد مسبوق ًا باجلهل؛ ألن العلم ْ احل ّقِ) أيَ :ع ِل ُموا» (.)3 (مَّا َع َر ُفوا ِم َن َ فذلك الكسب مسبوق باجلهل ،ويف التنزيل مِ وقال زهري يف معلقته (:)4 س َق ْب َله ُ *** َو َلكنَّنِي َع ْن ِع ْل ِم َما فيِ َغ ٍد َع ِمي و َأ ْع َل ُم َما فيِ ا ْل َي ْو ِم َواألَ ْم ِ ((( ينظر« :العني» (.)152 /2 ((( ينظر« :معجم مقاييس اللغة» (.)109/4 ((( ينظر« :املصباح املنري» (.)427 /2 (((«ديوان زهري بن أيب سلمى» (ص.)5 : الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 8 ب -العلم اصطالح ًا املجرة. الذرة حتى علم ّ يطلق عىل« :جمموع املسائل واألصول الكل ّية التي جتمعها جهة واحدة» ،من علم ّ كعلم النحو ،علم الطب ،ونحوها. و ُيطلق العلم عند أرباب الفنون املختلفة ،و ُيراد به :الفقه ،وامللكة ،واإلدراك ،والتصديق ،واملسائل، والقواعد ،والظ ّن ،وكل منها له موضعه الذي ُيرجع إليه. ومجعه (علوم) وهي« :املباحث التي تتناول موضوع ًا واحد ًا»؛ مثل :علوم العربية ،علوم الرشيعة ،علوم الطبيعة ،العلوم التجريبية ،وهكذا. ج -الثقافة يف اللغة العربية املتتبع لكلمة (الثقافة) يف مصادر اللغة ومراجعها جيد أن أصلها من الفعل الثالثي (ثقف) بضم القاف ٍ ومعان حس ّية.وإن كانت داللتها عىل ٍ معان معنوية وكرسها.وتدور استعامالت العرب ملادة «ثقف» عىل األمور املعنوية أكثر من داللتها عىل احلس ّيات. وفهمه ،وضبط أشهر املعاين املعنوية :التهذيب والتأديب ،الفطنة ِ واحل ْذق والذكاء ،رسعة أخذ العلم ُ املعرفة املتلقاة. وأشهر املعاين احلس ّية :إدراك اليشء وال ّظفر به ،تقويم املعوج ،التسوية ،األخذ يف قوة ،اإلصالح. ف الرجل َثقف ًا وثقافة أي :صار حاذق ًا فطن ًا ،و َثق ْف َت العلم إذا أرسعت أخذه ،ويقالَ :ث َّقف يقالَ :ث ُق َ وقوم اعوجاجها. سواها َّ وهذبه ،و َث ُق َ ف الرماح أيَّ : الصبي أي :أ َّدبه َّ -هذا وقد وردت كلمة «ثقف» يف القرآن :بام يتضمن هذه املعاين كقوله تعاىل( :فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم) أي :وجدمتوهم( ،رضبت عليهم الذ ّلة أينام ثقفوا) أي :وجدوا ،وقوله( :فإما تثقفنهم يف احلرب فرشد هبم من خلفهم) أي :جتدنهّ م ،وقوله( :ملعونني أينام ثقفوا) أي :وجدوا، وقوله( :إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء) بمعنى :يظفروا بكم. الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 9 ِ ِ ِ ِ وصف عبد اهلل بن أيب بكر ريض اهلل عنهامَ « :و ُه َو ُغلَ ٌم السنّة :كام فيِ َحديث الهْ ْج َرة ْ -وجاءت يف ّ ف فَ ،و َث ُق ٌ ِ ٍ ٍ ِ ف " ( ) َأ ْي ُذو ف ْطنَة َو َذكَاءَ ،ف ِه ٌم َح َس ُن التلقني ملا يسمعهَ ،و َر ُج ٌل َثق ٌ 1 شاب َل ِق ٌن َث ِق ٌ ٌ ِ َاج إِ َل ْيهَ.وفيِ َحديث أم َحكي ٍم بنت عبد املطلب :إِنيِّ َح َص ٌ ِ ِ ان فَ.والمُْ َرا ُد َأ َّن ُه َثابِ ُت المَْ ْع ِر َفة بِماَ يحُ ْ ت ُ َو َث ْق ٌ ضيِ ِ ِ ِ ِ اف َفماَ ُأ َع َّل ُم " ( ) أي :حاذقةَ.وفيِ َحديث َعائ َش َة تَص ُ اها َر َ اللهَُّ َعن ُْهماَ : ف َأ َب َ 2 َفماَ ُأ َك َّل ُمَ ،و َث َق ٌ اح ،ت ُِريدُ َأ َّن ُه َس َّوى َع َو َج المُْ ْس ِلمني.)4(. ِ «و َأ َقا َم َأ َو َد ُه بِثِ َقافِ ِه» ()3؛ ال ِّث َق ُ افَ :ما ُت َق َّو ُم بِه ِّ الر َم ُ َ -ووردت يف أشعار العرب: فهذا األعشى ميمون بن قيس يقول (:)5 َاب ملِ ْث ِل َها لِ َينَا لهَ َا الر ك َ ِ َث ِق ٌ ف ،إ َذ ا نَا َل ْت َيدَ ا ُه َغن َ يم ًة *** َشدَّ ّ وهذا عمر بن أيب ربيعة يقول (:)6 تيق لحَ َ َ ار ا َلو ُي ْبصرِ ُ ال َّث ْق ُ ف ال َب ِص ُري جبينَها *** َو َص َفا َء َخدَّ هيا ال َع َ الريض (:)7 ّ وللرشيف *** َو أشـــْ َع َـر أ ّيا َمـ ُه بال ُع َلـى أخـال َق ُه أخ َث ّق َ ف ا َملجــدُ ْ ٌ وللبهاء زهري (:)8 ِ ِ ف اخلَ ّط ُّي إالّ ل ُي ْح َمال َوما ُأ ْغمدَ اهل ُّ ندي إالّ ل ُينْتَض *** َوما ُث ّق َ وملعروف الرصايف (:)9 املعو َّج معتدالً ٍ وتبرصة *** ثقاف ًة ُ ٍ وث َّقفوهم جتعل َ بتدريب ، ((( «صحيح البخاري» (ح.)5807 : ((( «تاريخ مكة» لألزرقي (.)316 /1 ((( «تاريخ دمشق» البن عساكر (.)390-389 /30 ((( ينظر« :النهاية يف غريب احلديث واألثر» البن األثري (« ،)216/1لسان العرب» البن منظور مادة (ث ق ف) (« ،)19/9معجم مقاييس اللغة» البن فارس مادة (ثقف) ( ،)382/1و»املفردات» للراغب األصفهاين مادة (ثقف) (ص.)107 : ((( «ديوان األعشى» (ص )31 :البيت ( )39من قصيدته يف مدح معد يكرب. ((( «ديوان عمر بن أيب ربيعة» (ص.)146 : ((( «ديوان الرشيف الريض» (ص.)41 : ((( «ديوان هباء الدين» (ص.)258 : ((( «ديوان معروف الرصايف» (ص.)87 : الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 10 نخلص من هذا ك ِّله أن ال َّثقافة يف ال ُّلغة هي« :الفهم ،ورسعة التَّعلم ،وضبط املعرفة املكتسبة؛ يف مهارة، وحذق ،وفطنة». د -الثقافة يف اللغات األجنبية يدور معنى كلمة (الثقافة – )cultureيف اللغات األجنبية يف أصلها الالتيني ( )colereعىل فالحة األرض، وتنمية حمصوالهتا. ثم أخذت هذه الكلمة تتوسع يف اللغات اإلنجليزية ،والفرنسية ،واألملانية؛ لتشمل تنمية األرض باملعنى احلس ،وتنمية العقلّ ، والذوق ،واألدب باملعنى املعنوي. املا ّدي أو يّ ثم طور معناها فالسفة العصور احلديثة ،فأصبحت تعني :جمموعة عنارص احلياة ،وأشكاهلا ،ومظاهرها يف جمتمع من املجتمعات. اصطِلاَ ًحا هـ -ال َّث َقا َف ُة ْ ال إ ْثر جيل؛ هو الذي وترشبته جي ً ّ تراث األمم العقائدي ،أو احلضاري ،أو الفكري ،الذي تر ّبت عليه، نطلق عليه اليوم اسم (الثقافة)ُّ. فكل أ ّمة هلا ثقافة حتيط هبا ،تشكّل حياة أفرادها ،وتؤ ّطر نظم حياهتا. وهذا املصطلح (الثقافة) مصطلح عرصي؛ بدأ حني أدخلت جامعات الدول العربية واإلسالمية ،مادة الثقافة ومسارها ،ضمن ختصصاهتا اجلامعية ،وكان ذلك عىل وجه التقريب مع منتصف القرن املايض امليالدي.وأصبح لدينا مؤمترات ثقافية ،وندوات ثقافية ،وكتب وموسوعات ثقافية. وكلمة (الثقافة) إذا ذكرت دون إضافتها إىل يشء فهي تعني :اإلحاطة بجملة من العلوم واملعارف، تصور ًا عا ّم ًا ملالمح هذا الف ّن أو ذاك. والفنون التي تعطي ّ وحني تضاف فهي ختتلف بحسب ما ٌأضيفت إليه من األديان ،أو العلوم ،أو الفنون ،أو البلدان ،فتطلق عىل الثقافة اإلسالم ّية ،أو الثقافة العربية ،أو الغربية ،أو العلم ّية ،أو األدب ّية ،أو السياسية ،أو الطب ّية ،أو القانونية ...وهكذا. مصطلح كثري التعريفات ،ومن خالل استقراء تعريفات العلامء واملفكرين واملثقفني؛ يمكن أن ٌ الثقافة الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 11 نعرف بمفهوم الثقافة اصطالح ًا فنقول هو« :مجلة العلوم ،واملعارف ،والفنون ا َّلتي يطلب احلذق هبا» (.)1 وأما املثقف عىل وجه العموم؛ فقد تعدّ دت تعريفاهتم له ،وك ّلها متقاربة ،نورد منها ما ييل: «1-1الذي استقام عقله وفكره وخلقه؛ بالعلم واملعرفة». كل ٍ يشء عن يشء”. كل يشء ،ويعرف ّ “2-2الذي يعرف شيئ ًا من ّ ووسع دائرة اهتاممه عىل صعيد القراءة واملطالعة، “3-3شخص جتاوز ختصصه األسايسّ ، وعىل صعيد التأثري”. إل ْسلاَ ِم َّي ِة وَ -م ْف ُهو ُم ال َّث َقا َف ِة ا ِ النّاظر يف تعريف العلامء واملفكرين والكتّاب اإلسالميني املعارصين ملفهوم الثقافة؛ جيد تباين ًا يف تعريفاهتم له ،واملتم ّعن يكاد جيزم بأهنم مل جيمعوا عىل تعريف جامع مانع له؛ وما ذاك إال جلدّ ة هذا املفهوم ومصطلحه من جانب ،والختالف تصوراهتم ،وتعدّ د اجتاهاهتم من جانب آخر ،وبالتايل ّ فإن ما صدر منهم من تعريفات ُت َعدُّ أغلبية ظن ّية ،وليست كل ّية قطع ّية. ومن هنا عرفناه بتعريف نرى بأنه األقرب ،واألشمل لــ «مفهوم الثقافة اإلسالمية»: جامع للمعارف ،والعلوم ،واملبادئ ،والقيم ،التي تُشكّل شخصية الفرد ،وتصوغ هو ّية املجتمع، ٌ «اسم ٌ وفق مراد الشارع احلكيم ،والرشع املطهر». وعليه؛ فإن املث ّقف املسلم هو: «ا ُملدْ ِرك ملقاصد الدّ ين اإلسالمي ،املتع ّلم ألحكامه ،واملتأ ّدب بآدابهّ ، املهذب بتعاليمه». (((() ينظر« :املعجم الوسيط» مادة (ثقف) ( ،)98/1و»مقدمات يف ال َّثقافة اإلسالم َّية» مفرح القويس (ص.)36 : الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 12 ثاني ًا :مصادر الثقافة اإلسالمية تنقسم مصادر الثقافة اإلسالمية إىل قسمني: أوالً :املصادر الرشعية ،وهي :الكتاب ،والسنة النبوية الصحيحة ،واإلمجاع ،والقياس. ثاني ًا :املصادر املعرفية ،وهي :التاريخ اإلسالمي ،واللغة العربية ،والرتاث اإلسالمي ،واخلربات اإلنسانية النافعة. فالوحيان -القرآن الكريم والسنّة النبويةَ -من َْجامن يمدّ ان املثقف املسلم بكل ما حيتاجه ثقاف ّي ًا ،وعلم ّي ًا، وعمل ّي ًا ،وأخالقي ًا؛ يساندمها يف ذلك بقية املصادر املذكورة. ثالث ًا :خصائص الثقافة اإلسالمية ثالث ًا :خصائص الثقافة اإلسالمية معرفة اخلصائص التي ختتص به ثقافتنا اإلسالمية عام عداها من الثقافات يزيد الباحث واملثقف يقين ًا بأهنا الثقافة احل ّقة التي هي ُّ أحق باالتباع ،والثقافة الثابتة يف زمن املتغريات ،والثقافة األصيلة التي تتبنّى سعادة اإلنسان ،وترسم له حياته ،وهي الثقافة الصاحلة لكل زمان ومكان.وأبرز خصائصها ما ييل: أ -الر ّبان ّية طمئن املثقف عىل صدق وسالمة هذه فهي ربان ّية املصدر ،ساموية املشرْ َ ب ،وهذا املصدر بحدّ ذاته ُي ْ الثقافة ،التي تستمدّ خصائصها ومقوماهتا من الوحيني (الكتاب والسنّة) ،وربانية الثقافة اإلسالمية يقصد هبا أمران: الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 13 ربان ّية املصدر واملنبع ،وربان ّية الوجهة والغاية. فكوهنا ربان ّية املصدر واملنبع؛ ألهنا أول مقومات النظام اإلسالم ،فهو نظام رباين؛ صادر من اهلل لإلنسان، وعمل اإلنسان فيه هو تلقيه ،وإدراكه ،والتكيف به ،وتطبيق مقتضياته يف احلياة البرشية. أما كوهنا ربان ّية الوجهة والغاية؛ فألن اإلسالم جيعل غاية اإلنسان األخرية ،وهدفه البعيد ،هو حسن الصلة باهلل تبارك وتعاىل ،واحلصول عىل مرضاته ،فهذه غاية اإلنسان ،ووجهة اإلنسان ومنتهى أمله، وسعيه ،وكدحه يف احلياة. قال تعاىل :ﵛ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﵚ الشورى٥٣-٥٢: مصدرها الر ّباين اإلهلي جيعلها منسجمة ،ومتوائمة ،ومتامهية مع الفطرة السليمة ،ويقبلها العقل السليم، ِ ِ ِ سى).س َك ل ْل ُي رْ َ ألهنا( :ف ْط َر َة اللهَِّ ا َّلتي َف َط َر الن َ َّاس َع َل ْي َها) ،وكذا فهي ُم َيسرّ ٌة يسهل فهمها ،واتّباعها َ (و ُن َي رِّ ُ أي تناقص ،أو تعارض ،أو تضا ّدُ ،بليت به كثري من الثقافات األرضية البرشية. كام جيعلها خالية من ّ الرقي ،وتستمدّ هذه القوة الساموية؛ ال شك بأهنا أقوى ثقافات األرض وأرقاها. ّ وثقافة تترشف هبذا ب -الشمول والتكامل يتّصف الدين اإلسالمي الذي تقوم عليه ثقافتنا بالشمول والتكامل ،وقد تناولت الثقافة اإلسالمية َّ كل مناحي احلياة املختلفة من العبادات ،واملعامالت ،واالجتامع ،واالقتصاد ،واإلدارة ،والقضاء ،واحلكم الداخيل ،والسياسة اخلارجية ،وغريها. كام أهنا أحاطت باإلنسان يف مجيع مراحل حياته املختلفة ،ويف عالقاته املتعددة ،واحتياجاته الروحية الداخلية ،واملادية اخلارجية. وتعدُّ هذه اخلاصية بالغة األمهية يف بناء املنهج ،فحينام تتعدد مفرداهتا لتشمل العقيدة ،ومبادئ الرشيعة، واآلداب النبوية ،والتقاليد اإلسالمية؛ فإهنا تساهم يف إمداد املثقف بام حيتاجه من تصورات سليمة نحو الكون ،واإلنسان ،واحلياة ،السيام يف هذا العرص الذي اتسم باملا ّدية التي أفرزهتا الفلسفات غري اإلسالمية ،والتي بنى عليها العلم مفاهيمه. الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 14 ج -التوازن والوسط ّية الثقافة اإلسالمية ثقافة متوازنة بني مطالب الروح واجلسد ،والفرد واملجتمع ،والدنيا واآلخرة ،فهي متوسطة ومعتدلة ،بال إفراط وال تفريط ،وال مغاالة وال تقصري ،ومل تغلب جانب عىل حساب جانب وأعطت ّ كل جانب ح َّقه. ْ َت بني مجيع جوانب اإلنسان،وازن ْ آخر ،بل َ قال تعاىل:ﵛﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﵚ (سورة القصص :اآلية: .)77 أبيه قال :آخى النَّبِي ﷺ بني سل َن وأيب الدَّ ر ِ داءَ ،ف َز َار َسلماَ ُن ويف احلديث عن َعو ِن ب ِن َأيب جحي َف َة َعن ِ ْ َ َ َ ماَ ُّ ُ َْ ْ ْ ِ ِ ِ ِ اج ٌة يف وك َأ ُبو الدَّ ْر َداء َل ْي َس له َح َ قالتَ :أ ُخ َ أ َبا الدَّ ْر َداءَ ،فر َأى ُأ َّم الدَّ ْر َداء ُم َت َب ِّذ َل ًة ،ف َقال هلَا :ما َش ْأنُك؟ ْ بآك ٍل َحتَّى ت َْأك َُل،قالَ :فإنيِّ ص ِائمَ ،ق َال :ما َأنَا ِ فصن ََع له َطعا ًما ،ف َق َال :ك ُْلَ ، ِ َ ٌ فجا َء أ ُبو الدَّ ْر َداءَ ، الدُّ ْن َياَ ، ب َي ُقو ُم ،ف َق َال :ن َْمَ ،ف َلماَّ ك َ ِ قالَ :ف َأك ََل ،ف َلماَّ َ َان من ب أ ُبو الدَّ ْر َداء َي ُقو ُمَ ،ق َال :ن َْم فنَا َمُ ،ث َّم َذ َه َ كان ال َّل ْي ُل َذ َه َ َ «إن لِ َر ِّب َك َع َل ْي َك َح ًّقا ،ولِنَ ْف ِس َك َع َل ْي َك َح ًّقا، اآلنَ ،ف َص َّل َياَ ،ف َق َال َل ُه َس ْلماَ ُنَّ : قال َس ْلماَ ُنُ :ق ِم َ آخ ِر ال َّل ْي ِلَ ، ِ ط ك َُّل ِذي َح ٍّق َح َّق ُه»َ.ف َأتَى النَّبِ َّي ﷺ َف َذك ََر َذلِ َك َل ُه ،ف َق َال النَّبِ ُّي صلىَّ اهلل عل ْيه وألَه ِل َك َع َلي َك ح ًّقاَ ،ف َأ ْع ِ ْ َ ْ ْ ُ ()1 «صدَ َق َسلماَ ن» . وس َّلمَ : ويتمثل توازهنا فيام ييل: 1-1التوازن بني عامل الغيب الذي ال يدركه العقل ،وعامل الشهادة الذي يقدر العقل عىل إدراكه. 2-2التوازن بني فاعلية اإلنسان يف الكون ،وصلة الكون باإلنسان. 3-3التوازن بني العبادة والعمل ،فللشعائر التعبدية وقتها ،وللنشاط العميل جماله وميدانه. 4-4التوازن بني الفرد واجلامعة ،فال يطغى الفرد عىل اجلامعة ،وال تأكل اجلامعة حقوق الفرد. ((( «صحيح البخاري» (ح.)3780 : الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 15 د -ال ّثبات ُ واملر ْونَة تتميز الثقافة اإلسالمية بالرسوخ املطلق ،والثبات التام يف قواعدها ،وأصوهلا ،ومصادرها ،وقيمها ،كام قال تعاىل:ﵛﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﵚ اجلاثية،١٨: وقال تعاىل :ﵛﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﵚ األنعام١٥٣: فهي ثابتة ،ومستمرة؛ ألهنا تقوم عىل العقيدة ،والعقيدة ثابتة ال تتغري ،وال تتبدل ،وال ختتلف باختالف األزمنة واألمكنة ،ومع هذا فهي مرنة ال تقف جامدة أمام احلوادث واملستجدات ،بل تتعامل مع القضايا الطارئة يف ِّ كل عرص؛ هلذا تبعث الطمأنينة يف حياة الفرد واملجتمع بأنه ال يعايش ثقافة تتأرجح ،أو تتغري حسب األهواء ،واألجواء ،واملصالح ،فقد ختم اهلل تعاىل باإلسالم الرشائع والرساالت الساموية كلها، وأودع فيه عنرص الثبات ،واخللود ،واملرونة ،والتطور ،وهذا دليل عىل صالح هذه الثقافة لكل زمان ومكان. وهذا الثبات متمثل فيام ييل: 1-1الثبات عىل األصول والكليات. 2-2الثبات عىل األهداف والغايات. 3-3الثبات عىل القيم الدينية واألخالقية. هـ -اإلجياب ّية كل جانب من جوانبها ،فهي ت ِ ُلزم اإلنسان بالعمل حسب متتاز الثقافة اإلسالمية بأهنا ثقافة إجيابية يف ّ طاقاته ،وامكاناته ،ومواهبه ،وحتذر بشدة من التواكل ،والتخاذل ،والتكاسل.قال تعاىل :ﵛ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﵚ الرعد.١١: وهلذا فهي ال ترىض أن يكون املسلم كسوالً ،يعيش عىل هامش احلياة دون أن يؤ ّثر يف الكون واملحيط الذي حوله ،وأن يؤثر يف النّاس ،وأن يؤثر يف دنياه ودنيا غريه ،وهلذا فليس املسلم يف ُع ْرف الثقافة السلبي الذي يعيش بعيد ًا عن أحداث احلياة وقضاياها ،إنام هو ذلك اإلنسان اإلسالمية ذلك اإلنسان ّ الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 16 املهتم بأمر املسلمني وشؤوهنم.وقد امتدح اهلل عز وجل ّ املسلم اإلجيايب يف عقيدته ،اإلجيايب يف دعوته، األمة اإلسالمية ملا حتلت به من إجيابية فقال تعاىل :ﵛﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) ﵚآل عمران110 : وتتمثل إجيابيتها فيام ييل: 1-1إشعار الفرد املسلم بأنه مك ّلف ،وأن عليه أن يبذل قصارى جهده ،وهو مع ذلك مزود باالستعدادات واملواهب واإلمكانيات ،وأن اهلل سيعينه عىل عمله ،واجتهاده ،ويسدد خطاه ويؤيده بنرصه. 2-2إشعار الفرد املسلم بضخامة مسؤوليته ،وبأمهيته يف احلياة الدنيا ،وأنه مل خيلق عبث ًا ،وأن وجوده ال إجيابي ًا مستمر ًا يف ذات نفسه ،ويف اآلخرين من حوله. فوق األرض يستوجب عم ً 3-3اإلجيابية االجتامعية للمسلم ،من خالل االهتامم بإخوانه ومشاركته هلم ،سواء كانوا أقارب أو أرحام ًا أو جريان ًا ،أو معارف ،أو أصدقاء. بالسعي يف إيقاف كيد ومكر األعداء ،والوقوف أمامهم؛ من خالل نرش 4-4مطالبتها للمثقف املسلم ّ الوعي ،وتبصري املجتمعات املسلمة بذلك املكر ،وتلك املخططات. و -الواقع ّية واقعي ٌة ألهنا ّ تعرف االنسان عىل حقيقته ،وحقيقة الكون من حوله ،وتدعوه للتعامل معه عىل النحو الذي بينته العقيدة اإلسالمية ،ويف هذا اإلطار يقول اهلل تعاىل :ﵛﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﵚ األنعام١: ال للحياة البرشية فوق األرض ،وتتعامل مع احلياة اإلنسانية وهي واقعية ألهنا تقدّ م منهج ًا واقعي ًا شام ً ف اللهُّ َن ْف ًسا إِالَّ ُو ْس َع َها» البقرة.٢٨٦: عىل حقيقتها ،وواقعيتها.قال تعاىل« :الَ ُي َك ِّل ُ الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 17 ز -العامل ّية هذه الثقافة رسالة إنسانية عا ّمة ال تفرق بني إنسان وآخر ،من أجل لون ،أو دم ،أو موطن ،فاإلسالم تقوض وحدة األ ّمة ،وجعل معيار التفاضل بني الناس بالتقوى قال تعاىل( :إِ َّن كل دعوة عنرصية ّ حيارب ّ َأك َْر َمك ُْم ِعندَ اللهَِّ َأ ْت َقاك ُْم) سورة احلجرات.13 : والثقافة اإلسالمية ليست للعرب دون العجم ،وال لألبيض دون األسود ،وال للغني دون الفقري ،إنهّ ا لكل زمان ،ومكان؛ ملا ثقافة البرش ك ّلهم عىل اختالف أجناسهم ،وألواهنم ،وأوطاهنم؛ ألنهّ ا صاحلة ّ حتتوهيا من املبادئ السامية ،والقيم الرفيعة التي جاء هبا اإلسالم إلسعاد البرشية مجعاء. تنبذ َّ كل أشكال التمييز ،والتفرقة؛ من العنرص ّية ،والطبق ّية ،والفئو ّية ،واجلهو ّية، فهي ثقافة عامل ّية ُ والطائف ّية ،وغريها. اإلسالمية والعالقة بينهام للثقافة للثقافة اإلسالمية مصطلحات مقاربة مقاربة رابع ًا :رابع ًا: مصطلحات والعالقة بينهام املكون الثقايف للفرد ّ املقصود باملصطلحات املقاربة هي :تلك املصطلحات ذات العالقة والتأثري يف املسلم ،والثمرة املرتتبة عىل هذه العالقة.ومنها ما ييل: 1-1الرتبية اإلسالمية: الرتبية لغة :من الفعل َر َبا يربو أي :زاد ،ونام ،وكذلك هي مصدر من الفعل ر َّبى ُيربيّ أي: ونمى ،ومعانيها يف اللغة تدور يف إطار النّمو والتنشئة ،والزيادة ،والتزكية ،والتطهري نشأ ّ والتأديب ،واإلصالح. كل نشاط ،وجمهود ،وعمل ،يقوم به اإلنسان يؤثر يف تكوينه ،وطباعه، أما اصطالح ًاّ : وتعامله ،وتكيفه مع البيئة التي يعيش ،ويتفاعل بام حوله إما بشكل إجيايب ،أو سلبي. وتتأثر الرتبية بالكثري من العوامل التي تؤثر يف اإلنسان عىل نحو مبارش ،أو غري مبارش ،ويرى الكثري من خرباء الرتبية ،وعلم االجتامع بأن الرتبية متطورة ،وتتغري بتغري الزمان واملكان. الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 18 مفهوم الرتبية اإلسالمية هو« :صياغة سلوك الفرد املسلم وشخصيته حسب مبادئ اإلسالم وأفكاره ،وهذه املبادئ تقوم عىل االعتقاد والعمل» (.)1 العالقة بني الرتبية والثقافة :عالقة متالزمة؛ ففي بدايات املرحلة األوىل للتكوين الثقايف تبدأ الرتبية مع الشخص من بدايات طفولتهُّ ، وكل تربية يتلقاها يف تلك الس ّن املبكرة ،تؤثر عليه بقية حياته ،وتالزمه مالزمة ّ الظل يف عمره.لذا كانت الرتبية اإلسالمية رافد ًا أساسي ًا يف نقل الثقافة. والعالقة بينهام ال تقترص عىل اجلانب التعليمي ،بل تتعدّ ى ذلك إىل الوسائل العملية؛ لتشمل كل املامرسات العمل ّية التي يقوم هبا املجتمع لتعزيز الثقافة يف أفراده من خالل الدراسةّ النّظامية ،أو األنشطة الالصف ّية ،أو عقد املؤمترات ،والندوات ،والفعاليات ،ونحوها. 2-2الفكر اإلسالمي: مادة (فكر) يف اللغة الفاء ،والكاف ،والراء :تر ّدد القلب يف اليشء ،يقال :تفكَّر ،إذا َر َّد َد قلبه ِ معتربا ،ورجل فِكِّري :كثري الفكرِ. كر يف األمور مقلوب عن ال َف ْرك ،لكن يستعمل الف ُ ٌ والفك ُْر ٌ ً ُ املعنو َّية ،وهو َف ْرك األمور وبح ُثها للوصول إىل حقيقتها. يف االصطالح« :إعامل العقل يف امل ْعلوم للوصول إىل معرفة جمهول» (.)2 حقائق األمور التي أعمل فيها عقله؛ َ ُ اإلنسان والفكر إما أن يراد به :الكيفية التي يدرك هبا وهو هبذا املعنى يكون كاألداة ،وهو املعنى املراد للفكر عند القدامى كالغزايل وابن سينا وغريهم. وإما أن يراد به ما نتج عن ذلك –أي :عن إعامل العقل -من تصورات ورؤى وأحكام، حول القضايا املطروحة ،وخيتلف ذلك باختالف ضيق دائرة الفكر واتساعها. ُ العقل املسلم؛ من خالل تعامله مع النصوص وهو هبذا املعنى يشمل َّ كل« :ما أنتجه وينتجه 3 اإلسالميةَ ،و ْف َق منهج علمي»؛ وهذا هو مفهوم الفكر اإلسالمي ( ). ((( ينظر« :تربية اإلنسان املسلم» حسن مال عثامن (ص .)16/15 ((( ينظر« :معجم مقاييس اللغة» مادة (فكر) (« ،)446 /4املعجم الوسيط» مادة (فكر) (.)698 /2 ((( «دراسات يف الفكر اإلسالمي» أ.د :أبو اليزيد العجمي (ص« ،)13-12 :جتديد الفكر اإلسالمي» حمسن عبد احلميد (ص،)18 : «الوجيز يف الثقافة» د :فهد زايد ،د :حممد رمان (ص )36 :بترصف. الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 19 والعالقة بني الفكر والثقافة :أن الثقافة أوسع مدلوالً من الفكر ،وأن الفكر من أعظم الروافد التي متدّ الثقافة اإلسالمية بنتاج العقل املسلم ،فهام متكامالن ،وليسا متعارضان ،فالفكر أحد والتطرف ،والتبع ّية ّ مكونات الثقافة ،كام أن الفكر اإلسالمي يعصم الثقافة من االنحراف واالنقياد لثقافات ُأ ْ خر ،قد ال تتناسب والفطرة السليمة ،والعقيدة الصحيحة. 3-3الرتاث اإلسالمي: الرتاث لغة :أصله ورث ،ووراث ،وأبدلت الواو تاء فصارت تراث ًا ،ومصدره ورث يرث إرث ًا ومرياث ًا ،والرتاث :ما خيلفه الرجل لورثته من مال ،أو جمد.والرتاث ،واإلرث ،واملرياث مرتادفة ،وإن كان بعض اللغويني يرى أن املرياث يف املال ،واإلرث يف احلسب (.)1 كل ما خ ّلفته األ ّمة من إرث ديني ،وثقايف ،وأديب ،وعلمي ،وعامرين، ويف االصطالحُّ « : وحضاري» (.)2 لكل ما أنتجته احلضارة وأما الرتاث اإلسالمي كمفهوم فهو« :مصطلح شامل يتّسع ّ ٍ تراث سواء أكان بالعربية أم الرتكية أم الفارسية واملجتمعات املنتمية هلا ،من ُ اإلسالمية، 3 ،أم غريها من لغات اصطنعها املسلمون يف صياغة إنتاجهم املعريف» ( ) . إن تراث األمة يم ّثل جذورها املمتدّ ة يف أعامق تارخيها ،والفرق كبري والبون شاسع بني أ ّمة هلا جذور ،وأمة ُمنْ َبتّة ال جذور هلا. فاألمم بامضيها قبل أن تكون بحارضها ،والرتاث إما أن يكون ما ّدي ًا ،وإما أن يكون معنوي ًّا، أن الرتاث بقسميه املادي واملعنوي أحد أهم ومن هنا فإن العالقة بني الرتاث والثقافةّ : ماسة إىلمكونات الثقافة التي ال يمكن بحال من األحوال أن تستغني عنه ،فنحن بحاجة ّ تراثنا األصيل كي نستقي منه ثقافتنا اإلسالمية ،ونستلهم منه القيم السليمة ،والتصورات واملبادئ الصحيحة ،التي تعيننا عىل بناء احلارض ،واسترشاف املستقبل. (((لسان العرب» (« ،)199 /2املعجم الوسيط» (.)1024/2 ((( «الرتاث واهلوية» د.عبد العزيز التوجيري (ص)12 :؛ بترصف. ((( ينظر« :الرتاث العريب» عبد السالم هارون (ص« ،)5-3 :نحو منهج للتعامل مع الرتاث اإلسالمي» حميي الدين عطية (ص-157 : .)161 الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 20 4-4احلضارة اإلسالمية: العرب تريد باحلضارة واملدن ّية :ما يقابل البداوة ،وتنطق بكرس احلاء وفتحها ،وهي يف اللغة: احلض ،وهم سكان املراكز العمرانية ،وبذلك فاحلضارة يف اللغة :تعني اإلقامة يف مشتقة من رَ ()1 احلرض وهي ضدّ البداوة . يب ،والفنّي ،واالجتامعي التي العلمي ،واألد ّ ّ الرقي ّ مصطلح يتناول مجلة من مظاهر ٌ وهي: تتنقل من جيل إىل جيل يف جوانب احلياة املادية.وبالتايل فهي املظهر املا ّدي للثقافة ،كام أن الثقافة هي املظهر العقيل للحضارة (.)2 العالقة بني احلضارة والثقافة :احلضارة تُعنى غالب ًا باجلانب املا ّدي ،بينام الثقافة تُعنى باجلانب املعنوي ،فاحلضارة هي املظهر املا ّدي للثقافة ،والثقافة هي املظهر العقيل للحضارة ،ومن هنا فاحلضارة استمرار للتقدّ م التقني (املا ّدي) ،والثقافة استمرار للتقدّ م اإلنساين (.)3 5-5الدراسات اإلسالمية: هو مصطلح نايشء يقصد به بشكل عامُّ : «كل دراسة هلا عالقة باإلسالم باعتباره دين ًا ،أو مسمى« :الدراسات اإلسالمية».باعتباره تارخي ًا أو حارض ًا» فهو يندرج حتت ّ وبعد؛ فهذه املصطلحات مغايرة ملصطلح «الثقافة اإلسالمية» ،لكنّها تتداخل معه وتشرتك يف عدد من املعاين ،واملقاربات ،واملصادر ،واألهداف. ((( ينظر« :املصباح املنري» (ص« ،)140 :املعجم الوسيط» ( 181/1و.)859 /2 ((( ينظر« :نحو ثقافة إسالمية أصيلة» د.عمر األشقر (ص.)32- 28 : عزت بيجوفيتش (ص.)96-94 : ((( ينظر« :ملحات يف الثقافة» لعمر اخلطيب (ص« ،)42 :اإلسالم بني الرشق والغرب» لعيل ّ الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 21 أسئلة الوحدة أسئلة الوحدة أسئلة الوحدة « -1الذي استقام عقله ،وفكرهُ ، وخ ُلقه ،بالعلم واملعرفة» هو: أ -املثقف. ب -املفكر. ج -الفيلسوف. -2من خصائص الثقافة اإلسالمية (اإلجيابية) وتعين: تعرف اإلنسان عىل حقيقته ،وحقيقة الكون. أّ - ب -تُلزم اإلنسان بالعمل حسب طاقاته ،وإمكاناته ،ومواهبه. ج -التوازن بني مطالب الروح واجلسد ،والفرد واملجتمع ،والدنيا واآلخرة. -3صواب أم خطأ: أ -احلضارة غالب ًا تُعنى باجلانب املا ّدي ،بينام الثقافة تُعنى باجلانب املعنوي ( ). الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 22 واملعارصة واملعاصرة األصالة األصالة اإلسالمية بني اإلسالمية بني الثانية الثانية :الثقافةالثقافة الوحدةالوحدة أوالً :مدخل ومتهيد كل الثقافات مدينة لألديان يف تكوينها وتوجيهها ،سواء أكان هذا الدين ساموي ًا أم وضعي ًا ،كام هو ُّ وجيل يف ثقافة العرب حني جاءهم اإلسالم فكان له أثره العميق ٌّ واضح يف ثقافات الرشق والغرب، وتأثريه الشامل يف ثقافة أمتنا العربية ،عن طريق عقائده اإليامنية ،وشعائره التعبدية ،وقيمه اخللقية، وأحكامه الترشيعية ،وآدابه العملية ،ومفاهيمه النظرية. وتشهد الساحة املعارصة اليوم توترات شديدة ،بني ثنائيات عديدة :التقليد والتجديد ،املحافظة والتحديث ،اجلمود والتحرر ،الرجعية والتقدمية ،األنا واآلخر ،الداخل واخلارج ،املحيل والعاملي، القديم واجلديد ،الرتاث واحلداثة ،ومنها األصالة واملعارصة. يوجد اآلن يف املجتمع اإلسالمي أقلية تدعو ترصحي ًا أو تلوحي ًا إىل تقليد الغرب مجلة وتفصيالً ،هبدف اخلروج من وضعنا البئيس.إن بعضهم يفرس هذا امليل بالقانون االجتامعي الذي ذكره ابن خلدون، القايض :بأن املغلوب جمبول عىل تقليد الغالب يف كل يشء ،ومولع باالقتداء به (.)1 إن أمتنا اإلسالمية عىل الصعيد الثقايف ال تبدأ من العدم بل هي تستند إىل إرث ثقايف غني باذخ ،وما يشغلها اآلن هو :كيف توائم بني هذا الرتاث وبني متطلبات العرص الذي نعيش فيه.هل تتمسك بالثقافة املتوارثة التي ألفتها أم هتجرها إىل ثقافة مستوردة؟ خطران يتهدداهنا ألهنا إن متسكت بالقديم مكتفية به عاشت خارج الزمان ،وإن تلبست اجلديد بال روية عاشت خارج املكان. يوجد عىل الساحة اليوم تياران يتفقان يف اهلدف ،حمو التخلف ،ويفرتقان يف األسلوب؛ األصالة باملحافظة عىل املوروث ،أم النبوغ يف إطار الرتاث اإلنساين املشرتك؟ كان التيار األول يمثل القديم املوروث يف ثباته وشموخه ،ويمثل التيار اآلخر اجلديد الوافد يف بريقه وإغرائه. ((( ينظر :املقدمة (ص.)73 : الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 23 إهنا ثنائية مقبولة إذا أعطيت الكلمة حقها من الفهم والتحليل ،وهي ثنائية التكامل ،ال ثنائية التضاد والتقابل ،فـ «لن متتد أغصاننا يف العرص حتى نعمق جذورنا يف الرتاث» (.)1 إننا نستطيع أن نقدر للرتاث قيمته ودوره يف تكويننا النفيس واالجتامعي ونأخذ منه ما تقتضيه حاجتنا اليوم ،وأن نقبل عىل الثقافة املعارصة فنقتبس من ثقافات اآلخرين ما حتتاج إليه ثقافتنا لتحقق معارصهتا ومواكبة الثقافات األخرى ،فاملواءمة بني املوروث واجلديد حيفظ لألمة هويتها وجيدد طاقتها عىل النامء والتطور. إن الثقافة اإلسالمية هي إحدى الثقافات الكربى يف تاريخ البرشية ،وهي مؤهلة اليوم الستئناف دورها حاضنة لقيم اخلري والعدالة واملساواة واملحبة والسالم ونابذة كل ما يشوه اإلنسان من صور الرش واجلور والعنرصية والظلم ،وذلك من خالل صيغة مركبة متحركة متطورة ال تتنكر لألمس الغابر وال تغمض العني عن متطلبات اليوم والغد. ويأيت السؤال اإلشكالية :كيف نوازن بني قديمنا وحديثهم؟ وبني تراثنا األصيل ومعارصهم الدخيل؟ هل العالقة بني الرتاث القديم والوافد احلديث ،أو بني األصالة واملعارصة ،هي عالقة التضاد والتناقض؟ فال أمل يف اجلمع بينهام ،أم هي عالقة التنوع والتكامل وهنا يمكن اجلمع بينهام؟ السؤال خطري ،واجلواب مهم ،والسيام يف هذه املرحلة ،وقد أجاب عنه أناس بافرتاض التناقض بني األمرين ،فاختار فريق الرتاث واألصالة ،وعاشوا غرباء عن العامل والزمان ،واختار آخرون العرص واحلداثة ،وعاشوا غرباء عن األهل واملكان ،وتر ّدد آخرون بني هؤالء وأولئك. ((( «عطر السامء» عبد املعطي الدااليت (ص.)33 : الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 24 ثانيا ً :ماذا نعني باألصالة؟ ٍ معان وهي :اجلودة والثبات والقوة ،االبتكار إن مفردة (األصالة) يف معاجم اللغة العربية ،تدور حول ()1 والتميز ،العراقة.يقال :رجل أصيل :ثابت الرأي عاقل . ِ ِ و َأ ُصل الرأي أصالة :جاد واستحكم ،و َأص ْيل الرأي :أي محُ ْكَمه ،واألص ْي ُل :من له ْ أص ٌل أي ن ََسب. أص ُل كل يشء ما يستند وجو ُد ذلك اليشء إليه ،فاألب َأ ْصل واألص ُل :أسفل اليش ،ثم كثر حتى قيلْ : ْ ()2 للولد . واألصالة يف الرأي :جودته.ويف األسلوب :ابتكاره.ويف الن ََّسب :عراقته (.)3 ونعني باألصالة« :ارتباط الثقافة بأصوهلا :لغ ًة وفكر ًا ،تراث ًا وتارخي ًا ،عقيد ًة ورشيعة». ومتثل هويتنا التي مت ّيزنا عىل من سوانا ،إ ْذ تقوم مقام البصمة من اإلنسان. إن فهم األصالة يقتيض ما ييل: 1.1رضورة املعرفة والفهم لثقافتنا :من مصادرها األصلية ،ومن أهلها الثقات ،وبأدواهتا ومناهجها اخلاصة. 2.2االعتزاز باالنتامء العريب اإلسالميُّ : يعتز بعروبته وبإسالمه.فيشعر املثقف العريب املسلم ،الذي ينتمي إىل ثقافة العرب واملسلمني ،أنه عضو يف جسم هذه األمة ،وأنه متحرر من عقدة النقص التي يعاين منها بعض الناس جتاه كل ما هو غريب. 3.3العودة إىل األصول :إىل أصولنا وجذورنا العقدية والفكرية ،واألخالقية ،ونسعى إىل حتويل اعتزازنا النظري والعاطفي إيل سلوك عميل. إن االعتزاز يصبح ظاهرة َم َر ِض ّية إذا ظل جمرد كالم يردد ،وشعارات ترفع ،وصيحات تتعاىل ،لرسد األجماد ،وتعظيم األجداد. 4.4االنتفاع الواعي برتاثنا :والغوص يف حضنه الزاخر ،الستخراج آللئه وجواهره.وال يتصور من أمة عريقة يف احلضارة والثقافة أن هتمل تراثها وتارخيها األديب والثقايف ،وتبدأ من الصفر ،أو من ((( ينظر« :لسان العرب» (.)16/11 ((( ينظر« :تاج العروس» (.)447/27 ((( ينظر« :املعجم الوسيط» (.)20/1 الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب 25 التسول لدى غريها. إن الرتاث حيتوي احلق والباطل ،والصواب واخلطأ ،والسمني والغث.ولسنا مع الذين يضفون القدسية أو العصمة عىل كل ما مىض ،وال مع خصومهم الذين ينأون بجانبهم عن كل موروث ،ال ليشء إال ألنه قديم ،ولكن البدَ من التخري واالنتقاء ،السيام يف جمال الرتبية والتثقيف ،أو جمال الدعوة والتوجيه ،أو جمال احلكم والترشيع. ومن هنا كان البد من قراءة مستبرصة للرتاث ،وفق معايري منضبطة تسهم يف هنضتنا وتقدمنا ،وتأخذ بأيدينا نحو الرصاط املستقيم. ال نقرأ الشعر العريب فنأخذ من روائع التصوير ،وبدائع التعبري ،عن النفس والطبيعة واحلياة،فمث ً ونقتبس غوايل احلكم ،ونرتك املديح املرسف ،واهلجاء املقذع ،والعصبية القبلية ،واملجون املكشوف، والشك املتحري. ّ ونحذر من اإلرسائيليات ،واألقوال الفاسدات. نقرأ التفسري، ّ ونحذر من املوضوعات والواهيات. ونقرأ احلديث، ّ ونحذر من األغلوطات والتعصبات. ونقرأ الفقه، ّ ونحذر من الشطحات والتطرفات. ونقرأ التصوف، ّ ونحذر من اجلدليات والسفسطات. ونقرأ علم الكالم، ثالث ًا :ماذا نعني باملعارصة؟ عارص يعارص ُمعارصةً ،فهو ُمعاصرِ ،واملفعول ُمعاصرَ .عارصه :إذا عاش َ املعارصة لغة :مفاعلة من والسلوك ،واإلفادة من ّ كل منجزاته العلم َّية معه يف عرص واحد.وهي« :معايشة احلارض بالوجدان ُّ والفكر َّية ،وتسخريها خلدمة اإلنسان ورق ّيه» (.)1فهي تعني :مواكبة العرص ومعايشته.أي :أن يعيش عرصه وزمانَه ،مع أهله األحياء ،يفكّر كام يفكرون ،ويعمل كام يعملون ،يعايش األحياء ال َ اإلنسان األموات ،واحلارض ال املايض. ((( ينظر« :معجم اللغة العربية املعارصة» (.)1508 /2 الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة -املستوى األول -مبادئ وآداب