🎧 New: AI-Generated Podcasts Turn your study notes into engaging audio conversations. Learn more

��الثقافه_الاسلاميه_المستوي_الاول_�.pdf

Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...

Full Transcript

‫الثقافة اإلسالمية‬ ‫بني األصالة واملعاصرة‬ ‫تأليف الدكتور‬ ‫بدوي بن علي الزهراني‬ ‫‪ 1439‬هـ ‪2018 -‬م‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬...

‫الثقافة اإلسالمية‬ ‫بني األصالة واملعاصرة‬ ‫تأليف الدكتور‬ ‫بدوي بن علي الزهراني‬ ‫‪ 1439‬هـ ‪2018 -‬م‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪2‬‬ ‫املقــدمــة‬ ‫أما بعد‬ ‫احلمد هلل وحده‪ ،‬وصىل اهلل وسلم وبارك عىل خري خلقه‪ ،‬وعىل آله وصحبه من بعده‬ ‫عاملي‪ ،‬غايته تقديم رسالة احلضارة اإلسالمية‬ ‫ّ‬ ‫فإن اإلسالم منذ أيامه األوىل كان واضح املعامل بأنّه دي ٌن‬ ‫كل الوضوح يف جانبي عاملية الدعوة‬ ‫املكي واضحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫للعامل أمجع‪.‬ومنذ الوهلة األوىل كانت لغة القرآن‬ ‫بغض الطرف عن وطنه وقومه‬ ‫جنس اإلنسان‪ِّ ،‬‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وإنسانية هذا الدّ ين؛ الذي خياطب اإلنسان َ‬ ‫َّاس َب ِش ًريا‬ ‫(و َما َأ ْر َس ْلن َ‬ ‫َاك إِالَّ كَا َّف ًة ِّللن ِ‬ ‫ِ‬ ‫(و َما َأ ْر َس ْلن َ‬ ‫َاك إِالَّ َر مْ َ‬ ‫ح ًة ِّل ْل َعالمَني)‪ ،‬وقوله‪َ :‬‬ ‫ولونه؛ كام يف قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫موج ٌه للناس كافة يف شتى بقاعهم وبلداهنم‪،‬‬ ‫َونَذ ًيرا )‪ ،‬وقوله‪( :‬إِ ْن ُه َو إِالَّ ذك ٌْر ِّل ْل َعالمَني) وهذا اخلطاب ّ‬ ‫وخمتلف أزماهنم‪ ،‬وكل أجناسهم وألواهنم وقومياهتم‪.‬‬ ‫كل األديان‬ ‫قائم بمصالح الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومهيم ٌن عىل ِّ‬ ‫ويف هذا داللة وإشارة وإيعاز بأن هذا الدّ ين ٌ‬ ‫وشاهدٌ عليها‪.‬وبالتايل إذا كان ديننا عاملي؛ فحضارتنا وثقافتنا عاملية؛ تستوعب بني اإلنسان مجيع ًا‪ ،‬وال‬ ‫اط ُم ْست َِقي ٍم‬ ‫تستطيع حضارة وال ثقافة أخرى دوهنا أن تفوقها أو تقوم مقامها‪ُ ( :‬ق ْل إِنَّنِي هدَ يِان رب إِ ىَل رِص ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ يِّ‬ ‫َ‬ ‫يم َحنِي ًفا)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫دينًا ق َي اًم م َّل َة إِ ْب َراه َ‬ ‫بكل ماضيها التليد‪ ،‬وحارضها املجيد‪،‬‬‫ومن هنا تكمن أمهية الثقافة اإلسالمية بمصادرها وركائزها‪ِّ ،‬‬ ‫وعامليتها احل ّقة‪ ،‬يف تقدّ م الفرد املسلم واملجتمع املسلم بل واإلنسانية مجعاء‪ ،‬وتقديم ّ‬ ‫كل ما من شأنه تزكية‬ ‫أرواحهم‪ ،‬وتنمية عقوهلم‪ ،‬وهداية أفكارهم إىل الرصاط املستقيم الذي به سعادهتم يف الدنيا ونجاهتم‬ ‫يوم الدّ ين‪.‬‬ ‫إن األمم تُقاس رفع ًة وانخفاض ًا بمقوماهتا الفكرية واألخالقية‪ ،‬وإنجازاهتا العلم ّية‪.‬واحلكم عىل ّ‬ ‫أي‬ ‫إنسان إنام يكون بام يملك من رصيد أخالقي وفكري وسلوكي‪ ،‬ورصيد علمي ومعريف وثقايف‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت الثقافة من وظيفة األدباء‪ ،‬واملفكرين‪ ،‬والناقدين‪ ،‬والباحثني والرتبويني‪ّ ،‬‬ ‫فإن العلم يضطلع به‬ ‫اخلرباء والعلامء‪ ،‬بحسب جوانب اختصاصهم‪.‬فالثقافة يغلب عليها طابع العموم واالستغراق‪ ،‬أما‬ ‫العلم فيغلب عليه جانب التخصص ّية واملنهج ّية‪.‬‬ ‫دور بارز‪ ،‬وأثر كبري‪ ،‬يف تكوين ثقافات الشعوب‪ ،‬ونامء وزكاء عقول أفرادها‪ ،‬ويشكّل‬ ‫بأن للعلم ٌ‬ ‫وال شك ّ‬ ‫العلم يف ثقافتنا اإلسالمية املكانة األسنى عىل خارطتها‪ ،‬ولكي يكون هذا العلم عل ًام نافع ًا؛ فال علم بال‬ ‫أدب‪ ،‬وال خت ّل ٍق‪ ،‬وال عمل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪3‬‬ ‫ومن هنا تم تقديم هذا الكتاب للطالب اجلامعي ليكون رافد ًا علمي ًا‪ ،‬ومنهج ًا أكاديمي ًا‪ ،‬ومسامه ًا معنوي ًا‬ ‫له يف صياغة فكره‪ ،‬وتنمية و ْعيه‪ ،‬وتغذية روحه‪ ،‬وزكاء عقله‪.‬‬ ‫ارتكز الكتاب عىل ثالثة حماور رئيسة أال وهي‪ :‬علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة‪ ،‬مبادئ‬ ‫العلوم الرشعية‪ ،‬آداب الطالب املرع ّية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وباحث عميل‪ ،‬عىل اإلحاطة‬ ‫ٍ‬ ‫كطالب علمي‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫كل حمور منها يفتح للطالب آفاق ًا علم ّية وعمل ّية‪ ،‬تعينه‬ ‫بثقافته اإلسالمية‪ ،‬وإدراك أهم مبادئ العلوم الرشعية‪ ،‬والتأدب بآداب طالب العلم املرع ّية‪.‬‬ ‫ونأمل بإذن اهلل بعد دراسته هلذا الكتاب أن حيقق األهداف التعليمية التي وضعت ِّ‬ ‫لكل قسم من األقسام‬ ‫الثالثة‪.‬‬ ‫ونسأل اهلل َّ‬ ‫جل وعال اإلخالص واخلالص‪ ،‬والقبول واإلقبال‪ ،‬كام نسأله أن جيعل هذا الكتاب من العلم‬ ‫النافع‪ ،‬والباقيات الصاحلات‪.‬‬ ‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‬ ‫املؤلف‬ ‫الدكتور‪ /‬بدوي بن عيل الزهراين‬ ‫كلية الرتبية – جامعة جدة‬ ‫‪[email protected]‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪4‬‬ ‫يشتمل الكتاب عىل ثالثة أقسام رئيسة هي كالتايل‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة‬ ‫القسم الثاين‪ :‬مبادئ العلوم الرشعية‬ ‫هيةكالتايل‪:‬‬ ‫رئيسةاملرع ّي‬ ‫الطالب‬ ‫آداب‬ ‫أقسام‬ ‫الثالث‪:‬ثالثة‬ ‫يشتمل القسم‬ ‫الكتاب عىل‬ ‫القسم األول‬ ‫علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة‬ ‫القسم الثاين‬ ‫مبادئ العلوم الرشعية‬ ‫القسم الثالث‬ ‫آداب الطالب املرع ّية‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪5‬‬ ‫األهداف التعليمية للقسم األول‬ ‫(علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة)‬ ‫بعد دراسة الطالب هلذا القسم بوحداته الثالث؛ يرجى أن يكون قد أدرك األهداف التي ُر ِسمت له‪،‬‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫‪1-1‬القدرة عىل حترير مصطلح الثقافة لغ ًة واصطالح ًا‪ ،‬وحتديد املقصود من مفهوم الثقافة‬ ‫ٍ‬ ‫بوجه خاص‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بوجه عام‪ ،‬ومفهومها اإلسالمي‬ ‫‪2-2‬معرفة مصادر الثقافة اإلسالمية الرشعية واملعرفية‪.‬‬ ‫‪3-3‬االطالع عىل خصائص الثقافة اإلسالمية التي مت ّيزها عن غريها‪.‬‬ ‫‪4-4‬اإلملام باملصطلحات املقاربة ملصطلح الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ومعرفة العالقة بينهام‪.‬‬ ‫‪5-5‬توضيح معنى األصالة واملعارصة وموقف ثقافتنا اإلسالمية منهام‪.‬‬ ‫‪6-6‬معرفة أبرز املواقف املعارصة للمثقف املسلم من الثقافات األخرى‪ ،‬وبيان املوقف‬ ‫الصحيح منها‪ ،‬وهو املوقف الوسطي؛ موقف النقد والتقويم‪.‬‬ ‫‪7-7‬توضيح الرؤية الشمولية لإلسالم‪ ،‬وإبراز النظرة التكاملية للحياة‪ ،‬ولفت نظر الطالب‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪6‬‬ ‫القسم األول‪ :‬علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة‬ ‫القسم األول‪ :‬علم الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة‬ ‫ويشتمل على ثالث وحدات‪:‬‬ ‫ويشتمل عىل ثالث وحدات‪:‬‬ ‫ ‪-‬الوحدة األوىل‪ :‬مدخل ومتهيد إىل علم الثقافة اإلسالمية‬ ‫الوحدة األولى‬ ‫ ‪-‬الوحدة الثانية‪ :‬الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعارصة‬ ‫الثقافات األخرى‬ ‫املسلم من‬ ‫اإلسالمية‬ ‫املثقف‬ ‫الثقافة‬ ‫موقفعلم‬ ‫مدخلالثالثة‪:‬‬ ‫ومتهيد إلى‬ ‫ ‪-‬الوحدة‬ ‫الوحدة الثانية‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة‬ ‫الوحدة الثالثة‬ ‫موقف املثقف املسلم من الثقافات األخرى‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪7‬‬ ‫مدخل ومتهيد إلى علم الثقافة اإلسالمية‬ ‫الوحدة األولى‬ ‫أوالً‪ :‬تعريف علم الثقافة اإلسالمية‬ ‫أ‪ -‬العلم لغة‬ ‫ـم‪ ،‬و َم ْع ُلو ٌم‪ ،‬ويراد به‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نقيض اجلهل‪ ،‬وهو مصدر مرادف للفهم واملعرفة‪َ ،‬عل َم َي ْع َل ُم ع ْل ًمـا‪ ،‬فهو َعال ٌ‬ ‫فكل إدراك ُيسمى علمـ ًا‪ ،‬أو هو نور يقذفه اهلل يف القلب‪.‬‬ ‫إدراك حقيقة اليشء‪ُّ ،‬‬ ‫والعلم لغة يأيت أيض ًا و ُيراد به‪ :‬اليقني‪ ،‬والشعور‪ ،‬واألثر‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬والظن‪.‬‬ ‫أي‪َ :‬أ ْش َع ْرتُه وع ّلمته تعليماً ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال اخلليل بن أمحد‪« :‬ما َعل ْم ُت بخربك‪ ،‬أي‪ :‬ما شعرت به‪ ،‬وأعلمته بكذا‪ْ ،‬‬ ‫وأدرك‪ ،‬فهذا علم» (‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫فأرشت إليه بأنه يف هذه اجلهة‪ ،‬فقد أعلمتَه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ولو سألك رجل عن طريق ما‪،‬‬ ‫احدٌ ‪َ ،‬يدُ ُّل َعلىَ َأ َث ٍر بِالشيَّ ْ ِء َيت ََم َّي ُز بِ ِه َع ْن َغيرْ ِ ِه‪...‬‬ ‫وقال ابن فارس‪« :‬ا ْلع ُ واللاَّ م والمِْيم َأص ٌل ص ِحيح و ِ‬ ‫َ ينْ َ ُ َ ُ ْ َ ٌ َ‬ ‫احدٍ‬ ‫اس و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل أن قال‪َ :‬وا ْل ِع ْل ُم‪ :‬ن َِق ُ‬ ‫اس ا ْل َع َل ِم َوا ْل َعلاَ َمة‪َ ،‬والدَّ ل ُيل َعلىَ َأنهَّ ُماَ م ْن ق َي ٍ َ‬ ‫يض الجْ َ ْه ِل‪َ ،‬وق َي ُ‬ ‫اس ُه ق َي ُ‬ ‫السلاَ ُم‪َ ،‬وإِ َّن بِ َذلِ َك ُي ْع َل ُم ُق ْر ُب‬ ‫ِ‬ ‫ض ا ْل ُقر ِاء‪( :‬وإِ َّنه َلع َلم لِلساع ِة)‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬يراد بِ ِه ن ُُز ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يسى َع َل ْيه َّ‬ ‫ول ع َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ ُ َ ٌ َّ َ‬ ‫ق َرا َء ُة َب ْع ِ َّ‬ ‫السا َع ِة‪َ.‬و َت َع َّل ْم ُت الشيَّ ْ َء‪ ،‬إِ َذا َأ َخ ْذ ُت ِع ْل َم ُه» (‪.)2‬‬ ‫َّ‬ ‫كل‬‫وقال الفيومي‪« :‬يقال ( َع ِل َم َي ْع َل ُم) إذا تي ّقن‪ ،‬وجاء بمعنى املعرفة أيض ًا‪ ،‬كمـا جاءت بمعناه ضمن ّ‬ ‫وإن حصل عن كسب‬ ‫واحد معنى اآلخر‪ ،‬الشرتاكهام يف كون كل واحد مسبوق ًا باجلهل؛ ألن العلم ْ‬ ‫احل ّقِ) أي‪َ :‬ع ِل ُموا» (‪.)3‬‬ ‫(مَّا َع َر ُفوا ِم َن َ‬ ‫فذلك الكسب مسبوق باجلهل‪ ،‬ويف التنزيل مِ‬ ‫وقال زهري يف معلقته (‪:)4‬‬ ‫س َق ْب َله ُ *** َو َلكنَّنِي َع ْن ِع ْل ِم َما فيِ َغ ٍد َع ِمي‬ ‫و َأ ْع َل ُم َما فيِ ا ْل َي ْو ِم َواألَ ْم ِ‬ ‫((( ينظر‪« :‬العني» (‪.)152 /2‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬معجم مقاييس اللغة» (‪.)109/4‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬املصباح املنري» (‪.)427 /2‬‬ ‫(((«ديوان زهري بن أيب سلمى» (ص‪.)5 :‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪8‬‬ ‫ب‪ -‬العلم اصطالح ًا‬ ‫املجرة‪.‬‬ ‫الذرة حتى علم ّ‬ ‫يطلق عىل‪« :‬جمموع املسائل واألصول الكل ّية التي جتمعها جهة واحدة»‪ ،‬من علم ّ‬ ‫كعلم النحو‪ ،‬علم الطب‪ ،‬ونحوها‪.‬‬ ‫و ُيطلق العلم عند أرباب الفنون املختلفة‪ ،‬و ُيراد به‪ :‬الفقه‪ ،‬وامللكة‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والتصديق‪ ،‬واملسائل‪،‬‬ ‫والقواعد‪ ،‬والظ ّن‪ ،‬وكل منها له موضعه الذي ُيرجع إليه‪.‬‬ ‫ومجعه (علوم) وهي‪« :‬املباحث التي تتناول موضوع ًا واحد ًا»؛ مثل‪ :‬علوم العربية‪ ،‬علوم الرشيعة‪ ،‬علوم‬ ‫الطبيعة‪ ،‬العلوم التجريبية‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الثقافة يف اللغة العربية‬ ‫املتتبع لكلمة (الثقافة) يف مصادر اللغة ومراجعها جيد أن أصلها من الفعل الثالثي (ثقف) بضم القاف‬ ‫ٍ‬ ‫ومعان حس ّية‪.‬وإن كانت داللتها عىل‬ ‫ٍ‬ ‫معان معنوية‬ ‫وكرسها‪.‬وتدور استعامالت العرب ملادة «ثقف» عىل‬ ‫األمور املعنوية أكثر من داللتها عىل احلس ّيات‪.‬‬ ‫وفهمه‪ ،‬وضبط‬ ‫أشهر املعاين املعنوية‪ :‬التهذيب والتأديب‪ ،‬الفطنة ِ‬ ‫واحل ْذق والذكاء‪ ،‬رسعة أخذ العلم‬ ‫ُ‬ ‫املعرفة املتلقاة‪.‬‬ ‫وأشهر املعاين احلس ّية‪ :‬إدراك اليشء وال ّظفر به‪ ،‬تقويم املعوج‪ ،‬التسوية‪ ،‬األخذ يف قوة‪ ،‬اإلصالح‪.‬‬ ‫ف الرجل َثقف ًا وثقافة أي‪ :‬صار حاذق ًا فطن ًا‪ ،‬و َثق ْف َت العلم إذا أرسعت أخذه‪ ،‬ويقال‪َ :‬ث َّقف‬ ‫يقال‪َ :‬ث ُق َ‬ ‫وقوم اعوجاجها‪.‬‬ ‫سواها َّ‬ ‫وهذبه‪ ،‬و َث ُق َ‬ ‫ف الرماح أي‪َّ :‬‬ ‫الصبي أي‪ :‬أ َّدبه َّ‬ ‫ ‪-‬هذا وقد وردت كلمة «ثقف» يف القرآن‪ :‬بام يتضمن هذه املعاين كقوله تعاىل‪( :‬فخذوهم واقتلوهم‬ ‫حيث ثقفتموهم) أي‪ :‬وجدمتوهم‪( ،‬رضبت عليهم الذ ّلة أينام ثقفوا) أي‪ :‬وجدوا‪ ،‬وقوله‪( :‬فإما‬ ‫تثقفنهم يف احلرب فرشد هبم من خلفهم) أي‪ :‬جتدنهّ م‪ ،‬وقوله‪( :‬ملعونني أينام ثقفوا) أي‪ :‬وجدوا‪،‬‬ ‫وقوله‪( :‬إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء) بمعنى‪ :‬يظفروا بكم‪.‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪9‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫وصف عبد اهلل بن أيب بكر ريض اهلل عنهام‪َ « :‬و ُه َو ُغلَ ٌم‬ ‫السنّة‪ :‬كام فيِ َحديث الهْ ْج َرة ْ‬ ‫ ‪-‬وجاءت يف ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‪َ ،‬و َث ُق ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ف " ( ) َأ ْي ُذو ف ْطنَة َو َذكَاء‪َ ،‬ف ِه ٌم َح َس ُن التلقني ملا يسمعه‪َ ،‬و َر ُج ٌل َثق ٌ‬ ‫‪1‬‬ ‫شاب َل ِق ٌن َث ِق ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َاج إِ َل ْيه‪َ.‬وفيِ َحديث أم َحكي ٍم بنت عبد املطلب‪ :‬إِنيِّ َح َص ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان‬ ‫ف‪َ.‬والمُْ َرا ُد َأ َّن ُه َثابِ ُت المَْ ْع ِر َفة بِماَ يحُ ْ ت ُ‬ ‫َو َث ْق ٌ‬ ‫ضيِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف َفماَ ُأ َع َّل ُم " ( ) أي‪ :‬حاذقة‪َ.‬وفيِ َحديث َعائ َش َة تَص ُ‬ ‫اها َر َ اللهَُّ َعن ُْهماَ ‪:‬‬ ‫ف َأ َب َ‬ ‫‪2‬‬ ‫َفماَ ُأ َك َّل ُم‪َ ،‬و َث َق ٌ‬ ‫اح‪ ،‬ت ُِريدُ َأ َّن ُه َس َّوى َع َو َج المُْ ْس ِلمني‪.)4(.‬‬ ‫ِ‬ ‫«و َأ َقا َم َأ َو َد ُه بِثِ َقافِ ِه» (‪)3‬؛ ال ِّث َق ُ‬ ‫اف‪َ :‬ما ُت َق َّو ُم بِه ِّ‬ ‫الر َم ُ‬ ‫َ‬ ‫ ‪-‬ووردت يف أشعار العرب‪:‬‬ ‫فهذا األعشى ميمون بن قيس يقول (‪:)5‬‬ ‫َاب ملِ ْث ِل َها لِ َينَا لهَ َا‬ ‫الر ك َ‬ ‫ِ‬ ‫َث ِق ٌ‬ ‫ف ‪ ،‬إ َذ ا نَا َل ْت َيدَ ا ُه َغن َ‬ ‫يم ًة *** َشدَّ ّ‬ ‫ ‬ ‫وهذا عمر بن أيب ربيعة يقول (‪:)6‬‬ ‫تيق لحَ َ َ‬ ‫ار ا‬ ‫َلو ُي ْبصرِ ُ ال َّث ْق ُ‬ ‫ف ال َب ِص ُري جبينَها *** َو َص َفا َء َخدَّ هيا ال َع َ‬ ‫ ‬ ‫الريض (‪:)7‬‬ ‫ّ‬ ‫وللرشيف‬ ‫*** َو أشـــْ َع َـر أ ّيا َمـ ُه بال ُع َلـى‬ ‫أخـال َق ُه‬ ‫أخ َث ّق َ‬ ‫ف ا َملجــدُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ ‬ ‫وللبهاء زهري (‪:)8‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ف اخلَ ّط ُّي إالّ ل ُي ْح َمال‬ ‫َوما ُأ ْغمدَ اهل ُّ‬ ‫ندي إالّ ل ُينْتَض *** َوما ُث ّق َ‬ ‫ ‬ ‫وملعروف الرصايف (‪:)9‬‬ ‫املعو َّج معتدالً‬ ‫ٍ‬ ‫وتبرصة *** ثقاف ًة ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وث َّقفوهم‬ ‫ ‬ ‫جتعل َ‬ ‫بتدريب ‪،‬‬ ‫((( «صحيح البخاري» (ح‪.)5807 :‬‬ ‫((( «تاريخ مكة» لألزرقي (‪.)316 /1‬‬ ‫((( «تاريخ دمشق» البن عساكر (‪.)390-389 /30‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬النهاية يف غريب احلديث واألثر» البن األثري (‪« ،)216/1‬لسان العرب» البن منظور مادة (ث ق ف) (‪« ،)19/9‬معجم‬ ‫مقاييس اللغة» البن فارس مادة (ثقف) (‪ ،)382/1‬و»املفردات» للراغب األصفهاين مادة (ثقف) (ص‪.)107 :‬‬ ‫((( «ديوان األعشى» (ص‪ )31 :‬البيت (‪ )39‬من قصيدته يف مدح معد يكرب‪.‬‬ ‫((( «ديوان عمر بن أيب ربيعة» (ص‪.)146 :‬‬ ‫((( «ديوان الرشيف الريض» (ص‪.)41 :‬‬ ‫((( «ديوان هباء الدين» (ص‪.)258 :‬‬ ‫((( «ديوان معروف الرصايف» (ص‪.)87 :‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪10‬‬ ‫نخلص من هذا ك ِّله أن ال َّثقافة يف ال ُّلغة هي‪« :‬الفهم‪ ،‬ورسعة التَّعلم‪ ،‬وضبط املعرفة املكتسبة؛ يف مهارة‪،‬‬ ‫وحذق‪ ،‬وفطنة»‪.‬‬ ‫د‪ -‬الثقافة يف اللغات األجنبية‬ ‫يدور معنى كلمة (الثقافة – ‪ )culture‬يف اللغات األجنبية يف أصلها الالتيني (‪ )colere‬عىل فالحة األرض‪،‬‬ ‫وتنمية حمصوالهتا‪.‬‬ ‫ثم أخذت هذه الكلمة تتوسع يف اللغات اإلنجليزية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬واألملانية؛ لتشمل تنمية األرض باملعنى‬ ‫احلس‪ ،‬وتنمية العقل‪ّ ،‬‬ ‫والذوق‪ ،‬واألدب باملعنى املعنوي‪.‬‬ ‫املا ّدي أو يّ‬ ‫ثم طور معناها فالسفة العصور احلديثة‪ ،‬فأصبحت تعني‪ :‬جمموعة عنارص احلياة‪ ،‬وأشكاهلا‪ ،‬ومظاهرها‬ ‫يف جمتمع من املجتمعات‪.‬‬ ‫اصطِلاَ ًحا‬ ‫هـ ‪ -‬ال َّث َقا َف ُة ْ‬ ‫ال إ ْثر جيل؛ هو الذي‬ ‫وترشبته جي ً‬ ‫ّ‬ ‫تراث األمم العقائدي‪ ،‬أو احلضاري‪ ،‬أو الفكري‪ ،‬الذي تر ّبت عليه‪،‬‬ ‫نطلق عليه اليوم اسم (الثقافة)‪ُّ.‬‬ ‫فكل أ ّمة هلا ثقافة حتيط هبا‪ ،‬تشكّل حياة أفرادها‪ ،‬وتؤ ّطر نظم حياهتا‪.‬‬ ‫وهذا املصطلح (الثقافة) مصطلح عرصي؛ بدأ حني أدخلت جامعات الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬مادة‬ ‫الثقافة ومسارها‪ ،‬ضمن ختصصاهتا اجلامعية‪ ،‬وكان ذلك عىل وجه التقريب مع منتصف القرن املايض‬ ‫امليالدي‪.‬وأصبح لدينا مؤمترات ثقافية‪ ،‬وندوات ثقافية‪ ،‬وكتب وموسوعات ثقافية‪.‬‬ ‫وكلمة (الثقافة) إذا ذكرت دون إضافتها إىل يشء فهي تعني‪ :‬اإلحاطة بجملة من العلوم واملعارف‪،‬‬ ‫تصور ًا عا ّم ًا ملالمح هذا الف ّن أو ذاك‪.‬‬ ‫والفنون التي تعطي ّ‬ ‫وحني تضاف فهي ختتلف بحسب ما ٌأضيفت إليه من األديان‪ ،‬أو العلوم‪ ،‬أو الفنون‪ ،‬أو البلدان‪ ،‬فتطلق‬ ‫عىل الثقافة اإلسالم ّية‪ ،‬أو الثقافة العربية‪ ،‬أو الغربية‪ ،‬أو العلم ّية‪ ،‬أو األدب ّية‪ ،‬أو السياسية‪ ،‬أو الطب ّية‪ ،‬أو‬ ‫القانونية ‪...‬وهكذا‪.‬‬ ‫مصطلح كثري التعريفات‪ ،‬ومن خالل استقراء تعريفات العلامء واملفكرين واملثقفني؛ يمكن أن‬ ‫ٌ‬ ‫الثقافة‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪11‬‬ ‫نعرف بمفهوم الثقافة اصطالح ًا فنقول هو‪« :‬مجلة العلوم‪ ،‬واملعارف‪ ،‬والفنون ا َّلتي يطلب احلذق هبا» (‪.)1‬‬ ‫وأما املثقف عىل وجه العموم؛ فقد تعدّ دت تعريفاهتم له‪ ،‬وك ّلها متقاربة‪ ،‬نورد منها ما ييل‪:‬‬ ‫‪«1-1‬الذي استقام عقله وفكره وخلقه؛ بالعلم واملعرفة»‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫يشء عن يشء”‪.‬‬ ‫كل يشء‪ ،‬ويعرف ّ‬ ‫‪“2-2‬الذي يعرف شيئ ًا من ّ‬ ‫ووسع دائرة اهتاممه عىل صعيد القراءة واملطالعة‪،‬‬ ‫‪“3-3‬شخص جتاوز ختصصه األسايس‪ّ ،‬‬ ‫وعىل صعيد التأثري”‪.‬‬ ‫إل ْسلاَ ِم َّي ِة‬ ‫و‪َ -‬م ْف ُهو ُم ال َّث َقا َف ِة ا ِ‬ ‫النّاظر يف تعريف العلامء واملفكرين والكتّاب اإلسالميني املعارصين ملفهوم الثقافة؛ جيد تباين ًا يف‬ ‫تعريفاهتم له‪ ،‬واملتم ّعن يكاد جيزم بأهنم مل جيمعوا عىل تعريف جامع مانع له؛ وما ذاك إال جلدّ ة هذا‬ ‫املفهوم ومصطلحه من جانب‪ ،‬والختالف تصوراهتم‪ ،‬وتعدّ د اجتاهاهتم من جانب آخر‪ ،‬وبالتايل ّ‬ ‫فإن ما‬ ‫صدر منهم من تعريفات ُت َعدُّ أغلبية ظن ّية‪ ،‬وليست كل ّية قطع ّية‪.‬‬ ‫ومن هنا عرفناه بتعريف نرى بأنه األقرب‪ ،‬واألشمل لــ «مفهوم الثقافة اإلسالمية»‪:‬‬ ‫جامع للمعارف‪ ،‬والعلوم‪ ،‬واملبادئ‪ ،‬والقيم‪ ،‬التي تُشكّل شخصية الفرد‪ ،‬وتصوغ هو ّية املجتمع‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫«اسم‬ ‫ٌ‬ ‫وفق مراد الشارع احلكيم‪ ،‬والرشع املطهر»‪.‬‬ ‫وعليه؛ فإن املث ّقف املسلم هو‪:‬‬ ‫«ا ُملدْ ِرك ملقاصد الدّ ين اإلسالمي‪ ،‬املتع ّلم ألحكامه‪ ،‬واملتأ ّدب بآدابه‪ّ ،‬‬ ‫املهذب بتعاليمه»‪.‬‬ ‫(((() ينظر‪« :‬املعجم الوسيط» مادة (ثقف) (‪ ،)98/1‬و»مقدمات يف ال َّثقافة اإلسالم َّية» مفرح القويس (ص‪.)36 :‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪12‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬مصادر الثقافة اإلسالمية‬ ‫تنقسم مصادر الثقافة اإلسالمية إىل قسمني‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬املصادر الرشعية‪ ،‬وهي‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة النبوية الصحيحة‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والقياس‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املصادر املعرفية‪ ،‬وهي‪ :‬التاريخ اإلسالمي‪ ،‬واللغة العربية‪ ،‬والرتاث اإلسالمي‪ ،‬واخلربات‬ ‫اإلنسانية النافعة‪.‬‬ ‫فالوحيان ‪-‬القرآن الكريم والسنّة النبوية‪َ -‬من َْجامن يمدّ ان املثقف املسلم بكل ما حيتاجه ثقاف ّي ًا‪ ،‬وعلم ّي ًا‪،‬‬ ‫وعمل ّي ًا‪ ،‬وأخالقي ًا؛ يساندمها يف ذلك بقية املصادر املذكورة‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬خصائص الثقافة اإلسالمية‬ ‫ثالث ًا‪ :‬خصائص الثقافة اإلسالمية‬ ‫معرفة اخلصائص التي ختتص به ثقافتنا اإلسالمية عام عداها من الثقافات يزيد الباحث واملثقف يقين ًا‬ ‫بأهنا الثقافة احل ّقة التي هي ُّ‬ ‫أحق باالتباع‪ ،‬والثقافة الثابتة يف زمن املتغريات‪ ،‬والثقافة األصيلة التي تتبنّى‬ ‫سعادة اإلنسان‪ ،‬وترسم له حياته‪ ،‬وهي الثقافة الصاحلة لكل زمان ومكان‪.‬وأبرز خصائصها ما ييل‪:‬‬ ‫أ‪ -‬الر ّبان ّية‬ ‫طمئن املثقف عىل صدق وسالمة هذه‬ ‫فهي ربان ّية املصدر‪ ،‬ساموية املشرْ َ ب‪ ،‬وهذا املصدر بحدّ ذاته ُي ْ‬ ‫الثقافة‪ ،‬التي تستمدّ خصائصها ومقوماهتا من الوحيني (الكتاب والسنّة)‪ ،‬وربانية الثقافة اإلسالمية‬ ‫يقصد هبا أمران‪:‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪13‬‬ ‫ربان ّية املصدر واملنبع‪ ،‬وربان ّية الوجهة والغاية‪.‬‬ ‫فكوهنا ربان ّية املصدر واملنبع؛ ألهنا أول مقومات النظام اإلسالم‪ ،‬فهو نظام رباين؛ صادر من اهلل لإلنسان‪،‬‬ ‫وعمل اإلنسان فيه هو تلقيه‪ ،‬وإدراكه‪ ،‬والتكيف به‪ ،‬وتطبيق مقتضياته يف احلياة البرشية‪.‬‬ ‫أما كوهنا ربان ّية الوجهة والغاية؛ فألن اإلسالم جيعل غاية اإلنسان األخرية‪ ،‬وهدفه البعيد‪ ،‬هو حسن‬ ‫الصلة باهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬واحلصول عىل مرضاته‪ ،‬فهذه غاية اإلنسان‪ ،‬ووجهة اإلنسان ومنتهى أمله‪،‬‬ ‫وسعيه‪ ،‬وكدحه يف احلياة‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ﵛ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﵚ الشورى‪٥٣-٥٢:‬‬ ‫مصدرها الر ّباين اإلهلي جيعلها منسجمة‪ ،‬ومتوائمة‪ ،‬ومتامهية مع الفطرة السليمة‪ ،‬ويقبلها العقل السليم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سى)‪.‬‬‫س َك ل ْل ُي رْ َ‬ ‫ألهنا‪( :‬ف ْط َر َة اللهَِّ ا َّلتي َف َط َر الن َ‬ ‫َّاس َع َل ْي َها)‪ ،‬وكذا فهي ُم َيسرّ ٌة يسهل فهمها‪ ،‬واتّباعها َ‬ ‫(و ُن َي رِّ ُ‬ ‫أي تناقص‪ ،‬أو تعارض‪ ،‬أو تضا ّد‪ُ ،‬بليت به كثري من الثقافات األرضية البرشية‪.‬‬ ‫كام جيعلها خالية من ّ‬ ‫الرقي‪ ،‬وتستمدّ هذه القوة الساموية؛ ال شك بأهنا أقوى ثقافات األرض وأرقاها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وثقافة تترشف هبذا‬ ‫ب‪ -‬الشمول والتكامل‬ ‫يتّصف الدين اإلسالمي الذي تقوم عليه ثقافتنا بالشمول والتكامل‪ ،‬وقد تناولت الثقافة اإلسالمية َّ‬ ‫كل‬ ‫مناحي احلياة املختلفة من العبادات‪ ،‬واملعامالت‪ ،‬واالجتامع‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬والقضاء‪ ،‬واحلكم‬ ‫الداخيل‪ ،‬والسياسة اخلارجية‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫كام أهنا أحاطت باإلنسان يف مجيع مراحل حياته املختلفة‪ ،‬ويف عالقاته املتعددة‪ ،‬واحتياجاته الروحية‬ ‫الداخلية‪ ،‬واملادية اخلارجية‪.‬‬ ‫وتعدُّ هذه اخلاصية بالغة األمهية يف بناء املنهج‪ ،‬فحينام تتعدد مفرداهتا لتشمل العقيدة‪ ،‬ومبادئ الرشيعة‪،‬‬ ‫واآلداب النبوية‪ ،‬والتقاليد اإلسالمية؛ فإهنا تساهم يف إمداد املثقف بام حيتاجه من تصورات سليمة‬ ‫نحو الكون‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬واحلياة‪ ،‬السيام يف هذا العرص الذي اتسم باملا ّدية التي أفرزهتا الفلسفات غري‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬والتي بنى عليها العلم مفاهيمه‪.‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪14‬‬ ‫ج‪ -‬التوازن والوسط ّية‬ ‫الثقافة اإلسالمية ثقافة متوازنة بني مطالب الروح واجلسد‪ ،‬والفرد واملجتمع‪ ،‬والدنيا واآلخرة‪ ،‬فهي‬ ‫متوسطة ومعتدلة‪ ،‬بال إفراط وال تفريط‪ ،‬وال مغاالة وال تقصري‪ ،‬ومل تغلب جانب عىل حساب جانب‬ ‫وأعطت ّ‬ ‫كل جانب ح َّقه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َت بني مجيع جوانب اإلنسان‪،‬‬‫وازن ْ‬ ‫آخر‪ ،‬بل َ‬ ‫قال تعاىل‪:‬ﵛﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﵚ (سورة القصص‪ :‬اآلية‪:‬‬ ‫‪.)77‬‬ ‫أبيه قال‪ :‬آخى النَّبِي ﷺ بني سل َن وأيب الدَّ ر ِ‬ ‫داء‪َ ،‬ف َز َار َسلماَ ُن‬ ‫ويف احلديث عن َعو ِن ب ِن َأيب جحي َف َة َعن ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ماَ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اج ٌة يف‬ ‫وك َأ ُبو الدَّ ْر َداء َل ْي َس له َح َ‬ ‫قالت‪َ :‬أ ُخ َ‬ ‫أ َبا الدَّ ْر َداء‪َ ،‬فر َأى ُأ َّم الدَّ ْر َداء ُم َت َب ِّذ َل ًة‪ ،‬ف َقال هلَا‪ :‬ما َش ْأنُك؟ ْ‬ ‫بآك ٍل َحتَّى ت َْأك َُل‪،‬‬‫قال‪َ :‬فإنيِّ ص ِائم‪َ ،‬ق َال‪ :‬ما َأنَا ِ‬ ‫فصن ََع له َطعا ًما‪ ،‬ف َق َال‪ :‬ك ُْل‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ ٌ‬ ‫فجا َء أ ُبو الدَّ ْر َداء‪َ ،‬‬ ‫الدُّ ْن َيا‪َ ،‬‬ ‫ب َي ُقو ُم‪ ،‬ف َق َال‪ :‬ن َْم‪َ ،‬ف َلماَّ ك َ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪َ :‬ف َأك ََل‪ ،‬ف َلماَّ َ‬ ‫َان من‬ ‫ب أ ُبو الدَّ ْر َداء َي ُقو ُم‪َ ،‬ق َال‪ :‬ن َْم فنَا َم‪ُ ،‬ث َّم َذ َه َ‬ ‫كان ال َّل ْي ُل َذ َه َ‬ ‫َ‬ ‫«إن لِ َر ِّب َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪ ،‬ولِنَ ْف ِس َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪،‬‬ ‫اآلن‪َ ،‬ف َص َّل َيا‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َس ْلماَ ُن‪َّ :‬‬ ‫قال َس ْلماَ ُن‪ُ :‬ق ِم َ‬ ‫آخ ِر ال َّل ْي ِل‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ط ك َُّل ِذي َح ٍّق َح َّق ُه»‪َ.‬ف َأتَى النَّبِ َّي ﷺ َف َذك ََر َذلِ َك َل ُه‪ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي صلىَّ اهلل عل ْيه‬ ‫وألَه ِل َك َع َلي َك ح ًّقا‪َ ،‬ف َأ ْع ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ (‪)1‬‬ ‫«صدَ َق َسلماَ ن» ‪.‬‬ ‫وس َّلم‪َ :‬‬ ‫ويتمثل توازهنا فيام ييل‪:‬‬ ‫‪1-1‬التوازن بني عامل الغيب الذي ال يدركه العقل‪ ،‬وعامل الشهادة الذي يقدر العقل عىل إدراكه‪.‬‬ ‫‪2-2‬التوازن بني فاعلية اإلنسان يف الكون‪ ،‬وصلة الكون باإلنسان‪.‬‬ ‫‪3-3‬التوازن بني العبادة والعمل‪ ،‬فللشعائر التعبدية وقتها‪ ،‬وللنشاط العميل جماله وميدانه‪.‬‬ ‫‪4-4‬التوازن بني الفرد واجلامعة‪ ،‬فال يطغى الفرد عىل اجلامعة‪ ،‬وال تأكل اجلامعة حقوق الفرد‪.‬‬ ‫((( «صحيح البخاري» (ح‪.)3780 :‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪15‬‬ ‫د‪ -‬ال ّثبات ُ‬ ‫واملر ْونَة‬ ‫تتميز الثقافة اإلسالمية بالرسوخ املطلق‪ ،‬والثبات التام يف قواعدها‪ ،‬وأصوهلا‪ ،‬ومصادرها‪ ،‬وقيمها‪ ،‬كام‬ ‫قال تعاىل‪:‬ﵛﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﵚ اجلاثية‪،١٨:‬‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬ﵛﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﵚ األنعام‪١٥٣:‬‬ ‫فهي ثابتة‪ ،‬ومستمرة؛ ألهنا تقوم عىل العقيدة‪ ،‬والعقيدة ثابتة ال تتغري‪ ،‬وال تتبدل‪ ،‬وال ختتلف باختالف‬ ‫األزمنة واألمكنة‪ ،‬ومع هذا فهي مرنة ال تقف جامدة أمام احلوادث واملستجدات‪ ،‬بل تتعامل مع القضايا‬ ‫الطارئة يف ِّ‬ ‫كل عرص؛ هلذا تبعث الطمأنينة يف حياة الفرد واملجتمع بأنه ال يعايش ثقافة تتأرجح‪ ،‬أو تتغري‬ ‫حسب األهواء‪ ،‬واألجواء‪ ،‬واملصالح‪ ،‬فقد ختم اهلل تعاىل باإلسالم الرشائع والرساالت الساموية كلها‪،‬‬ ‫وأودع فيه عنرص الثبات‪ ،‬واخللود‪ ،‬واملرونة‪ ،‬والتطور‪ ،‬وهذا دليل عىل صالح هذه الثقافة لكل زمان‬ ‫ومكان‪.‬‬ ‫وهذا الثبات متمثل فيام ييل‪:‬‬ ‫‪1-1‬الثبات عىل األصول والكليات‪.‬‬ ‫‪2-2‬الثبات عىل األهداف والغايات‪.‬‬ ‫‪3-3‬الثبات عىل القيم الدينية واألخالقية‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬اإلجياب ّية‬ ‫كل جانب من جوانبها‪ ،‬فهي ت ِ‬ ‫ُلزم اإلنسان بالعمل حسب‬ ‫متتاز الثقافة اإلسالمية بأهنا ثقافة إجيابية يف ّ‬ ‫طاقاته‪ ،‬وامكاناته‪ ،‬ومواهبه‪ ،‬وحتذر بشدة من التواكل‪ ،‬والتخاذل‪ ،‬والتكاسل‪.‬قال تعاىل‪ :‬ﵛ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﵚ الرعد‪.١١:‬‬ ‫وهلذا فهي ال ترىض أن يكون املسلم كسوالً‪ ،‬يعيش عىل هامش احلياة دون أن يؤ ّثر يف الكون واملحيط‬ ‫الذي حوله‪ ،‬وأن يؤثر يف النّاس‪ ،‬وأن يؤثر يف دنياه ودنيا غريه‪ ،‬وهلذا فليس املسلم يف ُع ْرف الثقافة‬ ‫السلبي الذي يعيش بعيد ًا عن أحداث احلياة وقضاياها‪ ،‬إنام هو ذلك اإلنسان‬ ‫اإلسالمية ذلك اإلنسان ّ‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪16‬‬ ‫املهتم بأمر املسلمني وشؤوهنم‪.‬وقد امتدح اهلل عز وجل‬ ‫ّ‬ ‫املسلم اإلجيايب يف عقيدته‪ ،‬اإلجيايب يف دعوته‪،‬‬ ‫األمة اإلسالمية ملا حتلت به من إجيابية فقال تعاىل‪ :‬ﵛﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ) ﵚآل عمران‪110 :‬‬ ‫وتتمثل إجيابيتها فيام ييل‪:‬‬ ‫‪1-1‬إشعار الفرد املسلم بأنه مك ّلف‪ ،‬وأن عليه أن يبذل قصارى جهده‪ ،‬وهو مع ذلك مزود‬ ‫باالستعدادات واملواهب واإلمكانيات‪ ،‬وأن اهلل سيعينه عىل عمله‪ ،‬واجتهاده‪ ،‬ويسدد خطاه‬ ‫ويؤيده بنرصه‪.‬‬ ‫‪2-2‬إشعار الفرد املسلم بضخامة مسؤوليته‪ ،‬وبأمهيته يف احلياة الدنيا‪ ،‬وأنه مل خيلق عبث ًا‪ ،‬وأن وجوده‬ ‫ال إجيابي ًا مستمر ًا يف ذات نفسه‪ ،‬ويف اآلخرين من حوله‪.‬‬ ‫فوق األرض يستوجب عم ً‬ ‫‪3-3‬اإلجيابية االجتامعية للمسلم‪ ،‬من خالل االهتامم بإخوانه ومشاركته هلم‪ ،‬سواء كانوا أقارب أو‬ ‫أرحام ًا أو جريان ًا‪ ،‬أو معارف‪ ،‬أو أصدقاء‪.‬‬ ‫بالسعي يف إيقاف كيد ومكر األعداء‪ ،‬والوقوف أمامهم؛ من خالل نرش‬ ‫‪4-4‬مطالبتها للمثقف املسلم ّ‬ ‫الوعي‪ ،‬وتبصري املجتمعات املسلمة بذلك املكر‪ ،‬وتلك املخططات‪.‬‬ ‫و‪ -‬الواقع ّية‬ ‫واقعي ٌة ألهنا ّ‬ ‫تعرف االنسان عىل حقيقته‪ ،‬وحقيقة الكون من حوله‪ ،‬وتدعوه للتعامل معه عىل النحو الذي‬ ‫بينته العقيدة اإلسالمية‪ ،‬ويف هذا اإلطار يقول اهلل تعاىل‪ :‬ﵛﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﵚ األنعام‪١:‬‬ ‫ال للحياة البرشية فوق األرض‪ ،‬وتتعامل مع احلياة اإلنسانية‬ ‫وهي واقعية ألهنا تقدّ م منهج ًا واقعي ًا شام ً‬ ‫ف اللهُّ َن ْف ًسا إِالَّ ُو ْس َع َها» البقرة‪.٢٨٦:‬‬ ‫عىل حقيقتها‪ ،‬وواقعيتها‪.‬قال تعاىل‪« :‬الَ ُي َك ِّل ُ‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪17‬‬ ‫ز‪ -‬العامل ّية‬ ‫هذه الثقافة رسالة إنسانية عا ّمة ال تفرق بني إنسان وآخر‪ ،‬من أجل لون‪ ،‬أو دم‪ ،‬أو موطن‪ ،‬فاإلسالم‬ ‫تقوض وحدة األ ّمة‪ ،‬وجعل معيار التفاضل بني الناس بالتقوى قال تعاىل‪( :‬إِ َّن‬ ‫كل دعوة عنرصية ّ‬ ‫حيارب ّ‬ ‫َأك َْر َمك ُْم ِعندَ اللهَِّ َأ ْت َقاك ُْم) سورة احلجرات‪.13 :‬‬ ‫والثقافة اإلسالمية ليست للعرب دون العجم‪ ،‬وال لألبيض دون األسود‪ ،‬وال للغني دون الفقري‪ ،‬إنهّ ا‬ ‫لكل زمان‪ ،‬ومكان؛ ملا‬ ‫ثقافة البرش ك ّلهم عىل اختالف أجناسهم‪ ،‬وألواهنم‪ ،‬وأوطاهنم؛ ألنهّ ا صاحلة ّ‬ ‫حتتوهيا من املبادئ السامية‪ ،‬والقيم الرفيعة التي جاء هبا اإلسالم إلسعاد البرشية مجعاء‪.‬‬ ‫تنبذ َّ‬ ‫كل أشكال التمييز‪ ،‬والتفرقة؛ من العنرص ّية‪ ،‬والطبق ّية‪ ،‬والفئو ّية‪ ،‬واجلهو ّية‪،‬‬ ‫فهي ثقافة عامل ّية ُ‬ ‫والطائف ّية‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫اإلسالمية‬ ‫والعالقة بينهام‬ ‫للثقافة للثقافة‬ ‫اإلسالمية‬ ‫مصطلحات مقاربة‬ ‫مقاربة‬ ‫رابع ًا‪ :‬رابع ًا‪:‬‬ ‫مصطلحات‬ ‫والعالقة بينهام‬ ‫املكون الثقايف للفرد‬ ‫ّ‬ ‫املقصود باملصطلحات املقاربة هي‪ :‬تلك املصطلحات ذات العالقة والتأثري يف‬ ‫املسلم‪ ،‬والثمرة املرتتبة عىل هذه العالقة‪.‬ومنها ما ييل‪:‬‬ ‫‪1-1‬الرتبية اإلسالمية‪:‬‬ ‫الرتبية لغة‪ :‬من الفعل َر َبا يربو أي‪ :‬زاد‪ ،‬ونام‪ ،‬وكذلك هي مصدر من الفعل ر َّبى ُيربيّ أي‪:‬‬ ‫ونمى‪ ،‬ومعانيها يف اللغة تدور يف إطار النّمو والتنشئة‪ ،‬والزيادة‪ ،‬والتزكية‪ ،‬والتطهري‬ ‫نشأ ّ‬ ‫والتأديب‪ ،‬واإلصالح‪.‬‬ ‫كل نشاط‪ ،‬وجمهود‪ ،‬وعمل‪ ،‬يقوم به اإلنسان يؤثر يف تكوينه‪ ،‬وطباعه‪،‬‬ ‫أما اصطالح ًا‪ّ :‬‬ ‫وتعامله‪ ،‬وتكيفه مع البيئة التي يعيش‪ ،‬ويتفاعل بام حوله إما بشكل إجيايب‪ ،‬أو سلبي‪.‬‬ ‫وتتأثر الرتبية بالكثري من العوامل التي تؤثر يف اإلنسان عىل نحو مبارش‪ ،‬أو غري مبارش‪ ،‬ويرى‬ ‫الكثري من خرباء الرتبية‪ ،‬وعلم االجتامع بأن الرتبية متطورة‪ ،‬وتتغري بتغري الزمان واملكان‪.‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪18‬‬ ‫مفهوم الرتبية اإلسالمية هو‪« :‬صياغة سلوك الفرد املسلم وشخصيته حسب مبادئ اإلسالم‬ ‫وأفكاره‪ ،‬وهذه املبادئ تقوم عىل االعتقاد والعمل» (‪.)1‬‬ ‫العالقة بني الرتبية والثقافة‪ :‬عالقة متالزمة؛ ففي بدايات املرحلة األوىل للتكوين الثقايف تبدأ‬ ‫الرتبية مع الشخص من بدايات طفولته‪ُّ ،‬‬ ‫وكل تربية يتلقاها يف تلك الس ّن املبكرة‪ ،‬تؤثر عليه‬ ‫بقية حياته‪ ،‬وتالزمه مالزمة ّ‬ ‫الظل يف عمره‪.‬لذا كانت الرتبية اإلسالمية رافد ًا أساسي ًا يف نقل‬ ‫الثقافة‪.‬‬ ‫والعالقة بينهام ال تقترص عىل اجلانب التعليمي‪ ،‬بل تتعدّ ى ذلك إىل الوسائل العملية؛ لتشمل‬ ‫كل املامرسات العمل ّية التي يقوم هبا املجتمع لتعزيز الثقافة يف أفراده من خالل الدراسة‬‫ّ‬ ‫النّظامية‪ ،‬أو األنشطة الالصف ّية‪ ،‬أو عقد املؤمترات‪ ،‬والندوات‪ ،‬والفعاليات‪ ،‬ونحوها‪.‬‬ ‫‪2-2‬الفكر اإلسالمي‪:‬‬ ‫مادة (فكر) يف اللغة الفاء‪ ،‬والكاف‪ ،‬والراء‪ :‬تر ّدد القلب يف اليشء‪ ،‬يقال‪ :‬تفكَّر‪ ،‬إذا َر َّد َد قلبه‬ ‫ِ‬ ‫معتربا‪ ،‬ورجل فِكِّري‪ :‬كثري الفكر‪ِ.‬‬ ‫كر يف األمور‬ ‫مقلوب عن ال َف ْرك‪ ،‬لكن يستعمل الف ُ‬ ‫ٌ‬ ‫والفك ُْر‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫املعنو َّية‪ ،‬وهو َف ْرك األمور وبح ُثها للوصول إىل حقيقتها‪.‬‬ ‫يف االصطالح‪« :‬إعامل العقل يف امل ْعلوم للوصول إىل معرفة جمهول» (‪.)2‬‬ ‫حقائق األمور التي أعمل فيها عقله؛‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان‬ ‫والفكر إما أن يراد به‪ :‬الكيفية التي يدرك هبا‬ ‫وهو هبذا املعنى يكون كاألداة‪ ،‬وهو املعنى املراد للفكر عند القدامى كالغزايل وابن سينا‬ ‫وغريهم‪.‬‬ ‫وإما أن يراد به ما نتج عن ذلك –أي‪ :‬عن إعامل العقل‪ -‬من تصورات ورؤى وأحكام‪،‬‬ ‫حول القضايا املطروحة‪ ،‬وخيتلف ذلك باختالف ضيق دائرة الفكر واتساعها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫العقل املسلم؛ من خالل تعامله مع النصوص‬ ‫وهو هبذا املعنى يشمل َّ‬ ‫كل‪« :‬ما أنتجه وينتجه‬ ‫‪3‬‬ ‫اإلسالمية‪َ ،‬و ْف َق منهج علمي»؛ وهذا هو مفهوم الفكر اإلسالمي ( )‪.‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬تربية اإلنسان املسلم» حسن مال عثامن (ص ‪.)16/15‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬معجم مقاييس اللغة» مادة (فكر) (‪« ،)446 /4‬املعجم الوسيط» مادة (فكر) (‪.)698 /2‬‬ ‫((( «دراسات يف الفكر اإلسالمي» أ‪.‬د‪ :‬أبو اليزيد العجمي (ص‪« ،)13-12 :‬جتديد الفكر اإلسالمي» حمسن عبد احلميد (ص‪،)18 :‬‬ ‫«الوجيز يف الثقافة» د‪ :‬فهد زايد‪ ،‬د‪ :‬حممد رمان (ص‪ )36 :‬بترصف‪.‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪19‬‬ ‫والعالقة بني الفكر والثقافة‪ :‬أن الثقافة أوسع مدلوالً من الفكر‪ ،‬وأن الفكر من أعظم الروافد‬ ‫التي متدّ الثقافة اإلسالمية بنتاج العقل املسلم‪ ،‬فهام متكامالن‪ ،‬وليسا متعارضان‪ ،‬فالفكر أحد‬ ‫والتطرف‪ ،‬والتبع ّية‬ ‫ّ‬ ‫مكونات الثقافة‪ ،‬كام أن الفكر اإلسالمي يعصم الثقافة من االنحراف‬ ‫واالنقياد لثقافات ُأ ْ‬ ‫خر‪ ،‬قد ال تتناسب والفطرة السليمة‪ ،‬والعقيدة الصحيحة‪.‬‬ ‫‪3-3‬الرتاث اإلسالمي‪:‬‬ ‫الرتاث لغة‪ :‬أصله ورث‪ ،‬ووراث‪ ،‬وأبدلت الواو تاء فصارت تراث ًا‪ ،‬ومصدره ورث يرث‬ ‫إرث ًا ومرياث ًا‪ ،‬والرتاث‪ :‬ما خيلفه الرجل لورثته من مال‪ ،‬أو جمد‪.‬والرتاث‪ ،‬واإلرث‪ ،‬واملرياث‬ ‫مرتادفة‪ ،‬وإن كان بعض اللغويني يرى أن املرياث يف املال‪ ،‬واإلرث يف احلسب (‪.)1‬‬ ‫كل ما خ ّلفته األ ّمة من إرث ديني‪ ،‬وثقايف‪ ،‬وأديب‪ ،‬وعلمي‪ ،‬وعامرين‪،‬‬ ‫ويف االصطالح‪ُّ « :‬‬ ‫وحضاري» (‪.)2‬‬ ‫لكل ما أنتجته احلضارة‬ ‫وأما الرتاث اإلسالمي كمفهوم فهو‪« :‬مصطلح شامل يتّسع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تراث سواء أكان بالعربية أم الرتكية أم الفارسية‬ ‫واملجتمعات املنتمية هلا‪ ،‬من‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالمية‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪ ،‬أم غريها من لغات اصطنعها املسلمون يف صياغة إنتاجهم املعريف» ( ) ‪.‬‬ ‫إن تراث األمة يم ّثل جذورها املمتدّ ة يف أعامق تارخيها‪ ،‬والفرق كبري والبون شاسع بني أ ّمة‬ ‫هلا جذور‪ ،‬وأمة ُمنْ َبتّة ال جذور هلا‪.‬‬ ‫فاألمم بامضيها قبل أن تكون بحارضها‪ ،‬والرتاث إما أن يكون ما ّدي ًا‪ ،‬وإما أن يكون معنوي ًّا‪،‬‬ ‫أن الرتاث بقسميه املادي واملعنوي أحد أهم‬ ‫ومن هنا فإن العالقة بني الرتاث والثقافة‪ّ :‬‬ ‫ماسة إىل‬‫مكونات الثقافة التي ال يمكن بحال من األحوال أن تستغني عنه‪ ،‬فنحن بحاجة ّ‬ ‫تراثنا األصيل كي نستقي منه ثقافتنا اإلسالمية‪ ،‬ونستلهم منه القيم السليمة‪ ،‬والتصورات‬ ‫واملبادئ الصحيحة‪ ،‬التي تعيننا عىل بناء احلارض‪ ،‬واسترشاف املستقبل‪.‬‬ ‫(((لسان العرب» (‪« ،)199 /2‬املعجم الوسيط» (‪.)1024/2‬‬ ‫((( «الرتاث واهلوية» د‪.‬عبد العزيز التوجيري (ص‪)12 :‬؛ بترصف‪.‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬الرتاث العريب» عبد السالم هارون (ص‪« ،)5-3 :‬نحو منهج للتعامل مع الرتاث اإلسالمي» حميي الدين عطية (ص‪-157 :‬‬ ‫‪.)161‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪20‬‬ ‫‪4-4‬احلضارة اإلسالمية‪:‬‬ ‫العرب تريد باحلضارة واملدن ّية‪ :‬ما يقابل البداوة‪ ،‬وتنطق بكرس احلاء وفتحها‪ ،‬وهي يف اللغة‪:‬‬ ‫احلض‪ ،‬وهم سكان املراكز العمرانية‪ ،‬وبذلك فاحلضارة يف اللغة‪ :‬تعني اإلقامة يف‬ ‫مشتقة من رَ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫احلرض وهي ضدّ البداوة ‪.‬‬ ‫يب‪ ،‬والفنّي‪ ،‬واالجتامعي التي‬ ‫العلمي‪ ،‬واألد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرقي‬ ‫ّ‬ ‫مصطلح يتناول مجلة من مظاهر‬ ‫ٌ‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫تتنقل من جيل إىل جيل يف جوانب احلياة املادية‪.‬وبالتايل فهي املظهر املا ّدي للثقافة‪ ،‬كام أن‬ ‫الثقافة هي املظهر العقيل للحضارة (‪.)2‬‬ ‫العالقة بني احلضارة والثقافة‪ :‬احلضارة تُعنى غالب ًا باجلانب املا ّدي‪ ،‬بينام الثقافة تُعنى باجلانب‬ ‫املعنوي‪ ،‬فاحلضارة هي املظهر املا ّدي للثقافة‪ ،‬والثقافة هي املظهر العقيل للحضارة‪ ،‬ومن هنا‬ ‫فاحلضارة استمرار للتقدّ م التقني (املا ّدي)‪ ،‬والثقافة استمرار للتقدّ م اإلنساين (‪.)3‬‬ ‫‪5-5‬الدراسات اإلسالمية‪:‬‬ ‫هو مصطلح نايشء يقصد به بشكل عام‪ُّ :‬‬ ‫«كل دراسة هلا عالقة باإلسالم باعتباره دين ًا‪ ،‬أو‬ ‫مسمى‪« :‬الدراسات اإلسالمية»‪.‬‬‫باعتباره تارخي ًا أو حارض ًا» فهو يندرج حتت ّ‬ ‫وبعد؛ فهذه املصطلحات مغايرة ملصطلح «الثقافة اإلسالمية»‪ ،‬لكنّها تتداخل معه وتشرتك‬ ‫يف عدد من املعاين‪ ،‬واملقاربات‪ ،‬واملصادر‪ ،‬واألهداف‪.‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬املصباح املنري» (ص‪« ،)140 :‬املعجم الوسيط» (‪ 181/1‬و‪.)859 /2‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬نحو ثقافة إسالمية أصيلة» د‪.‬عمر األشقر (ص‪.)32- 28 :‬‬ ‫عزت بيجوفيتش (ص‪.)96-94 :‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬ملحات يف الثقافة» لعمر اخلطيب (ص‪« ،)42 :‬اإلسالم بني الرشق والغرب» لعيل ّ‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪21‬‬ ‫أسئلة الوحدة‬ ‫أسئلة الوحدة‬ ‫أسئلة الوحدة‬ ‫‪« -1‬الذي استقام عقله‪ ،‬وفكره‪ُ ،‬‬ ‫وخ ُلقه‪ ،‬بالعلم واملعرفة» هو‪:‬‬ ‫أ‪ -‬املثقف‪.‬‬ ‫ب‪ -‬املفكر‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الفيلسوف‪.‬‬ ‫‪ -2‬من خصائص الثقافة اإلسالمية (اإلجيابية) وتعين‪:‬‬ ‫تعرف اإلنسان عىل حقيقته‪ ،‬وحقيقة الكون‪.‬‬ ‫أ‪ّ -‬‬ ‫ب‪ -‬تُلزم اإلنسان بالعمل حسب طاقاته‪ ،‬وإمكاناته‪ ،‬ومواهبه‪.‬‬ ‫ج‪ -‬التوازن بني مطالب الروح واجلسد‪ ،‬والفرد واملجتمع‪ ،‬والدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬صواب أم خطأ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬احلضارة غالب ًا تُعنى باجلانب املا ّدي‪ ،‬بينام الثقافة تُعنى باجلانب املعنوي ( )‪.‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪22‬‬ ‫واملعارصة‬ ‫واملعاصرة‬ ‫األصالة‬ ‫األصالة‬ ‫اإلسالمية بني‬ ‫اإلسالمية بني‬ ‫الثانية الثانية‪ :‬الثقافةالثقافة‬ ‫الوحدةالوحدة‬ ‫أوالً‪ :‬مدخل ومتهيد‬ ‫كل الثقافات مدينة لألديان يف تكوينها وتوجيهها‪ ،‬سواء أكان هذا الدين ساموي ًا أم وضعي ًا‪ ،‬كام هو‬ ‫ُّ‬ ‫وجيل يف ثقافة العرب حني جاءهم اإلسالم فكان له أثره العميق‬ ‫ٌّ‬ ‫واضح يف ثقافات الرشق والغرب‪،‬‬ ‫وتأثريه الشامل يف ثقافة أمتنا العربية‪ ،‬عن طريق عقائده اإليامنية‪ ،‬وشعائره التعبدية‪ ،‬وقيمه اخللقية‪،‬‬ ‫وأحكامه الترشيعية‪ ،‬وآدابه العملية‪ ،‬ومفاهيمه النظرية‪.‬‬ ‫وتشهد الساحة املعارصة اليوم توترات شديدة‪ ،‬بني ثنائيات عديدة‪ :‬التقليد والتجديد‪ ،‬املحافظة‬ ‫والتحديث‪ ،‬اجلمود والتحرر‪ ،‬الرجعية والتقدمية‪ ،‬األنا واآلخر‪ ،‬الداخل واخلارج‪ ،‬املحيل والعاملي‪،‬‬ ‫القديم واجلديد‪ ،‬الرتاث واحلداثة‪ ،‬ومنها األصالة واملعارصة‪.‬‬ ‫يوجد اآلن يف املجتمع اإلسالمي أقلية تدعو ترصحي ًا أو تلوحي ًا إىل تقليد الغرب مجلة وتفصيالً‪ ،‬هبدف‬ ‫اخلروج من وضعنا البئيس‪.‬إن بعضهم يفرس هذا امليل بالقانون االجتامعي الذي ذكره ابن خلدون‪،‬‬ ‫القايض‪ :‬بأن املغلوب جمبول عىل تقليد الغالب يف كل يشء‪ ،‬ومولع باالقتداء به (‪.)1‬‬ ‫إن أمتنا اإلسالمية عىل الصعيد الثقايف ال تبدأ من العدم بل هي تستند إىل إرث ثقايف غني باذخ‪ ،‬وما‬ ‫يشغلها اآلن هو‪ :‬كيف توائم بني هذا الرتاث وبني متطلبات العرص الذي نعيش فيه‪.‬هل تتمسك بالثقافة‬ ‫املتوارثة التي ألفتها أم هتجرها إىل ثقافة مستوردة؟ خطران يتهدداهنا ألهنا إن متسكت بالقديم مكتفية به‬ ‫عاشت خارج الزمان‪ ،‬وإن تلبست اجلديد بال روية عاشت خارج املكان‪.‬‬ ‫يوجد عىل الساحة اليوم تياران يتفقان يف اهلدف‪ ،‬حمو التخلف‪ ،‬ويفرتقان يف األسلوب؛ األصالة باملحافظة‬ ‫عىل املوروث‪ ،‬أم النبوغ يف إطار الرتاث اإلنساين املشرتك؟‬ ‫كان التيار األول يمثل القديم املوروث يف ثباته وشموخه‪ ،‬ويمثل التيار اآلخر اجلديد الوافد يف بريقه‬ ‫وإغرائه‪.‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة (ص‪.)73 :‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪23‬‬ ‫إهنا ثنائية مقبولة إذا أعطيت الكلمة حقها من الفهم والتحليل‪ ،‬وهي ثنائية التكامل‪ ،‬ال ثنائية التضاد‬ ‫والتقابل‪ ،‬فـ «لن متتد أغصاننا يف العرص حتى نعمق جذورنا يف الرتاث» (‪.)1‬‬ ‫إننا نستطيع أن نقدر للرتاث قيمته ودوره يف تكويننا النفيس واالجتامعي ونأخذ منه ما تقتضيه حاجتنا‬ ‫اليوم‪ ،‬وأن نقبل عىل الثقافة املعارصة فنقتبس من ثقافات اآلخرين ما حتتاج إليه ثقافتنا لتحقق معارصهتا‬ ‫ومواكبة الثقافات األخرى‪ ،‬فاملواءمة بني املوروث واجلديد حيفظ لألمة هويتها وجيدد طاقتها عىل النامء‬ ‫والتطور‪.‬‬ ‫إن الثقافة اإلسالمية هي إحدى الثقافات الكربى يف تاريخ البرشية‪ ،‬وهي مؤهلة اليوم الستئناف دورها‬ ‫حاضنة لقيم اخلري والعدالة واملساواة واملحبة والسالم ونابذة كل ما يشوه اإلنسان من صور الرش واجلور‬ ‫والعنرصية والظلم‪ ،‬وذلك من خالل صيغة مركبة متحركة متطورة ال تتنكر لألمس الغابر وال تغمض‬ ‫العني عن متطلبات اليوم والغد‪.‬‬ ‫ويأيت السؤال اإلشكالية‪ :‬كيف نوازن بني قديمنا وحديثهم؟ وبني تراثنا األصيل ومعارصهم الدخيل؟‬ ‫هل العالقة بني الرتاث القديم والوافد احلديث‪ ،‬أو بني األصالة واملعارصة‪ ،‬هي عالقة التضاد والتناقض؟‬ ‫فال أمل يف اجلمع بينهام‪ ،‬أم هي عالقة التنوع والتكامل وهنا يمكن اجلمع بينهام؟‬ ‫السؤال خطري‪ ،‬واجلواب مهم‪ ،‬والسيام يف هذه املرحلة‪ ،‬وقد أجاب عنه أناس بافرتاض التناقض بني‬ ‫األمرين‪ ،‬فاختار فريق الرتاث واألصالة‪ ،‬وعاشوا غرباء عن العامل والزمان‪ ،‬واختار آخرون العرص‬ ‫واحلداثة‪ ،‬وعاشوا غرباء عن األهل واملكان‪ ،‬وتر ّدد آخرون بني هؤالء وأولئك‪.‬‬ ‫((( «عطر السامء» عبد املعطي الدااليت (ص‪.)33 :‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪24‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬ماذا نعني باألصالة؟‬ ‫ٍ‬ ‫معان وهي‪ :‬اجلودة والثبات والقوة‪ ،‬االبتكار‬ ‫إن مفردة (األصالة) يف معاجم اللغة العربية‪ ،‬تدور حول‬ ‫(‪)1‬‬ ‫والتميز‪ ،‬العراقة‪.‬يقال‪ :‬رجل أصيل‪ :‬ثابت الرأي عاقل ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َأ ُصل الرأي أصالة‪ :‬جاد واستحكم‪ ،‬و َأص ْيل الرأي‪ :‬أي محُ ْكَمه‪ ،‬واألص ْي ُل‪ :‬من له ْ‬ ‫أص ٌل أي ن ََسب‪.‬‬ ‫أص ُل كل يشء ما يستند وجو ُد ذلك اليشء إليه‪ ،‬فاألب َأ ْصل‬ ‫واألص ُل‪ :‬أسفل اليش‪ ،‬ثم كثر حتى قيل‪ْ :‬‬ ‫ْ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫للولد ‪.‬‬ ‫واألصالة يف الرأي‪ :‬جودته‪.‬ويف األسلوب‪ :‬ابتكاره‪.‬ويف الن ََّسب‪ :‬عراقته (‪.)3‬‬ ‫ونعني باألصالة‪« :‬ارتباط الثقافة بأصوهلا‪ :‬لغ ًة وفكر ًا‪ ،‬تراث ًا وتارخي ًا‪ ،‬عقيد ًة ورشيعة»‪.‬‬ ‫ومتثل هويتنا التي مت ّيزنا عىل من سوانا‪ ،‬إ ْذ تقوم مقام البصمة من اإلنسان‪.‬‬ ‫إن فهم األصالة يقتيض ما ييل‪:‬‬ ‫‪1.1‬رضورة املعرفة والفهم لثقافتنا‪ :‬من مصادرها األصلية‪ ،‬ومن أهلها الثقات‪ ،‬وبأدواهتا ومناهجها‬ ‫اخلاصة‪.‬‬ ‫‪2.2‬االعتزاز باالنتامء العريب اإلسالمي‪ُّ :‬‬ ‫يعتز بعروبته وبإسالمه‪.‬فيشعر املثقف العريب املسلم‪ ،‬الذي‬ ‫ينتمي إىل ثقافة العرب واملسلمني‪ ،‬أنه عضو يف جسم هذه األمة‪ ،‬وأنه متحرر من عقدة النقص التي‬ ‫يعاين منها بعض الناس جتاه كل ما هو غريب‪.‬‬ ‫‪3.3‬العودة إىل األصول‪ :‬إىل أصولنا وجذورنا العقدية والفكرية‪ ،‬واألخالقية‪ ،‬ونسعى إىل حتويل‬ ‫اعتزازنا النظري والعاطفي إيل سلوك عميل‪.‬‬ ‫إن االعتزاز يصبح ظاهرة َم َر ِض ّية إذا ظل جمرد كالم يردد‪ ،‬وشعارات ترفع‪ ،‬وصيحات تتعاىل‪ ،‬لرسد‬ ‫األجماد‪ ،‬وتعظيم األجداد‪.‬‬ ‫‪4.4‬االنتفاع الواعي برتاثنا‪ :‬والغوص يف حضنه الزاخر‪ ،‬الستخراج آللئه وجواهره‪.‬وال يتصور من‬ ‫أمة عريقة يف احلضارة والثقافة أن هتمل تراثها وتارخيها األديب والثقايف‪ ،‬وتبدأ من الصفر‪ ،‬أو من‬ ‫((( ينظر‪« :‬لسان العرب» (‪.)16/11‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬تاج العروس» (‪.)447/27‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬املعجم الوسيط» (‪.)20/1‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬ ‫‪25‬‬ ‫التسول لدى غريها‪.‬‬ ‫إن الرتاث حيتوي احلق والباطل‪ ،‬والصواب واخلطأ‪ ،‬والسمني والغث‪.‬ولسنا مع الذين يضفون القدسية‬ ‫أو العصمة عىل كل ما مىض‪ ،‬وال مع خصومهم الذين ينأون بجانبهم عن كل موروث‪ ،‬ال ليشء إال ألنه‬ ‫قديم‪ ،‬ولكن البدَ من التخري واالنتقاء‪ ،‬السيام يف جمال الرتبية والتثقيف‪ ،‬أو جمال الدعوة والتوجيه‪ ،‬أو‬ ‫جمال احلكم والترشيع‪.‬‬ ‫ومن هنا كان البد من قراءة مستبرصة للرتاث‪ ،‬وفق معايري منضبطة تسهم يف هنضتنا وتقدمنا‪ ،‬وتأخذ‬ ‫بأيدينا نحو الرصاط املستقيم‪.‬‬ ‫ال نقرأ الشعر العريب فنأخذ من روائع التصوير‪ ،‬وبدائع التعبري‪ ،‬عن النفس والطبيعة واحلياة‪،‬‬‫فمث ً‬ ‫ونقتبس غوايل احلكم‪ ،‬ونرتك املديح املرسف‪ ،‬واهلجاء املقذع‪ ،‬والعصبية القبلية‪ ،‬واملجون املكشوف‪،‬‬ ‫والشك املتحري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ونحذر من اإلرسائيليات‪ ،‬واألقوال الفاسدات‪.‬‬ ‫نقرأ التفسري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ونحذر من املوضوعات والواهيات‪.‬‬ ‫ونقرأ احلديث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ونحذر من األغلوطات والتعصبات‪.‬‬ ‫ونقرأ الفقه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ونحذر من الشطحات والتطرفات‪.‬‬ ‫ونقرأ التصوف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ونحذر من اجلدليات والسفسطات‪.‬‬ ‫ونقرأ علم الكالم‪،‬‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬ماذا نعني باملعارصة؟‬ ‫عارص يعارص ُمعارصةً‪ ،‬فهو ُمعاصرِ ‪ ،‬واملفعول ُمعاصرَ ‪.‬عارصه‪ :‬إذا عاش‬ ‫َ‬ ‫املعارصة لغة‪ :‬مفاعلة من‬ ‫والسلوك‪ ،‬واإلفادة من ّ‬ ‫كل منجزاته العلم َّية‬ ‫معه يف عرص واحد‪.‬وهي‪« :‬معايشة احلارض بالوجدان ُّ‬ ‫والفكر َّية‪ ،‬وتسخريها خلدمة اإلنسان ورق ّيه» (‪.)1‬فهي تعني‪ :‬مواكبة العرص ومعايشته‪.‬أي‪ :‬أن يعيش‬ ‫عرصه وزمانَه‪ ،‬مع أهله األحياء‪ ،‬يفكّر كام يفكرون‪ ،‬ويعمل كام يعملون‪ ،‬يعايش األحياء ال‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان‬ ‫األموات‪ ،‬واحلارض ال املايض‪.‬‬ ‫((( ينظر‪« :‬معجم اللغة العربية املعارصة» (‪.)1508 /2‬‬ ‫الثقافة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة ‪ -‬املستوى األول ‪ -‬مبادئ وآداب‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser