مبادئ علم الجرائم والعقاب PDF

Summary

هذا الكتاب يتناول مبادئ علم الإجرام والعقاب في المجتمعات الحديثة. يبحث الكتاب في أسباب وعوامل انتشار الجريمة، وكيفية التعامل مع المجرمين. يغطي الكتاب تطور الظاهرة الإجرامية عبر التاريخ، من المجتمعات القديمة إلى المجتمعات المعاصرة. ويقدم الكتاب أساليب البحث في علم الإجرام.

Full Transcript

‫مبادئ علمي الإجرام‬ ‫والعقاب‬ ‫‪1‬‬ 2 ‫مبادئ علمي الإجرام‬ ‫والعقاب‬ ‫كلية الحقوق – جامعة الفيوم‬ ‫الفرقة األولى‬ ‫دكتور‬ ‫دكتور‬ ‫عماد الشافعي‬ ‫عالء عبدربه‬ ‫أ...

‫مبادئ علمي الإجرام‬ ‫والعقاب‬ ‫‪1‬‬ 2 ‫مبادئ علمي الإجرام‬ ‫والعقاب‬ ‫كلية الحقوق – جامعة الفيوم‬ ‫الفرقة األولى‬ ‫دكتور‬ ‫دكتور‬ ‫عماد الشافعي‬ ‫عالء عبدربه‬ ‫أستاذ القانون الجنائي المساعد‬ ‫أستاذ القانون الجنائي المساعد‬ ‫كلية الحقوق جامعة الفيوم‬ ‫كلية الحقوق ‪ -‬جامعة الفيوم‬ ‫‪2025 - 2024‬‬ ‫‪3‬‬ 4 5 6 ‫الكتاب األول‬ ‫مبادئ علم االجرام‬ ‫مقدمة‬ ‫في المجتمعات القديمة ‪ Les sociétés premières‬يُعد‬ ‫فعل المجرم انتهاكا لقاعدة دينية أو مبدأ أخالقي أو تجاوز لما‬ ‫تعارف المجتمع عليه وأقره‪.‬وفي المجتمعات المعاصرة ‪Les‬‬ ‫‪ ،sociétés contemporaines‬تُعد الجناية أو الجنحة‪ ،‬حسب‬ ‫درجة جسامتها‪ ،‬جرائم جنائية ترفضها هذه المجتمعات بصرف‬ ‫النظر عن مدى تطابقها او اختالفها مع األعراف او العادات او‬ ‫حتى االخالق السارية في المجتمع‪ ،‬خصوصا في المجتمعات‬ ‫الغربية‪ ،‬فهذه المجتمعات أصبحت ترفض ان تحل القواعد‬ ‫األخالقية او الدينية محل النظام العام الذي تضعه الدولة وتفرض‬ ‫احترامه على أفراد المجتمع بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية‬ ‫او األخالقية‪ ،‬الن هذه المجتمعات تتعدد فيها المعتقدات والثقافات‬ ‫واالجناس فالبد من وجود قانون يُطبق على الجميع بصرف‬ ‫النظر عن اختالفهم‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬رد فعل المجتمع ‪La réaction sociale‬‬ ‫بطبيعة الحال‪ ،‬يثير فعل المجرم ردود افعال من المجتمع‬ ‫الذي يعيش فيه‪ ،‬غالبا ما تكون عنيفة‪ ،‬ولعل السبب في ذلك هو‬ ‫انتشار الظاهرة االجرامية في المجتمعات بصفة عامة‬ ‫والمجتمعات الغربية بصفة خاصة وهو ما تؤكده االحصائيات‬ ‫الجنائية المتعددة‪ ،‬فلقد انتشر جنوح األطفال واجرام الكبار على‬ ‫ح ًد سواء‪.‬‬ ‫ومع التطور الذي أصاب المجتمعات وتنوع وتعدد األبحاث‬ ‫والدراسات التي تبحث في أسباب وعوامل انتشار االجرام‪،‬‬ ‫أصبحت النظرة مختلفة للمجرم‪ ،‬فهو لم يعد كائنا ً مصابا ً‬ ‫‪D’antécédents‬‬ ‫"بالضرورة" بخلفية استثنائية‬ ‫‪7‬‬ ‫‪ exceptionnels‬مرتبطة بوراثته أو ساللته او انتمائه إلى طبقة‬ ‫‪Classes défavorisées‬في‬ ‫معينه‪" ،‬الطبقات المحرومة"‬ ‫المجتمع‪.‬‬ ‫ففي القرن التاسع عشر كانت النظرة للمجرم على انه ذو ‪-‬‬ ‫طبيعة خاصة بائسة – اما االن فالجريمة حقيقة اجتماعية وقد‬ ‫يكون أكثر األفراد تنوعا ً واختالفا ً مجرمين دون ضرورة ارتباط‬ ‫ذلك بطبيعة تكوينية او وراثية خاصة بالشخص‪.‬وفقا لهذا‬ ‫المفهوم المعاصر لإلجرام أصبح علم االجرام يهتم بالدراسة‬ ‫العلمية الموضوعية ألسباب وعوامل االجرام‪ ،‬وأصبح يتناول‬ ‫المجرم بالدراسة العلمية المجردة دون االعتماد على االحكام‬ ‫المسبقة هادفا من هذه الدراسة الى اقتراح استراتيجيات جديدة‬ ‫لتحسين طرق التعامل مع المجرمين يقدمها ألجهزة العدالة في‬ ‫المجتمع "الشرطة والنيابة العامة والقضاء"‪.‬‬ ‫ثاني ااً‪ :‬الاارفض األخالقااي للجريمااة ‪La réprobation‬‬ ‫‪morale‬‬ ‫يُثير ارتكاب بعض الجرائم االعجاب واالنبهار من بعض‬ ‫الفئات مثل جرائم سرقة البنوك باإلكراه واالنتقام من األشرار‬ ‫وغيرها من الجرائم التي يكون رفضها مختلطا ً ما بين االعجاب‬ ‫والخوف واالنكار‪ ،‬اال ان المجتمع يرى في النهاية ان المجرم قد‬ ‫تجاوز بفعله الحدود التي يأبى ان يتجاوزها باقي افراده‪.‬‬ ‫والجرائم متنوعة منها ما يمثل اعتدا ًء على الحق الحياة او‬ ‫الحق سالمة الجسد او الحق في الملكية او الذمة المالية ومنها‬ ‫ما يمثل خروجا ً على االخالق‪ ،‬وبعض الجرائم تعتمد على مهارة‬ ‫الجاني كما في جرائم السرقة والبعض االخر يعتمد على سذاجة‬ ‫المجني عليه كما في جرائم النصب‪.‬ورفض افراد المجتمع‬ ‫لإلجرام يختلف باختالف نوع الجريمة‪ ،‬فنجدهم – على سبيل‬ ‫المثال – يرفضون رفضا تاما ً جرائم االعتداء على النفس‪ ،‬بينما‬ ‫‪8‬‬ ‫‪La‬‬ ‫نجدهم اقل استهجانا ً وانكارا ً لجرائم التهرب الضريبي‬ ‫‪ fraude fiscale‬والجرائم التي تمثل اعتدا ًء على المال العام‪.‬‬ ‫ولقد أخذت الجريمة اشكاالً جديدة وأصبحت مهنة لبعض‬ ‫المجرمين والجماعات االجرامية فلقد اصبحت بالنسبة لبعض‬ ‫االشخاص (أو الجماعات) نشاطا ً طبيعيا ً مهنيا ً مستمر‪.‬فانتشرت‬ ‫الجرائم المنظمة التي يقوم بها اشخاص يتعشون من الجريمة‬ ‫وليس لديهم عمل او مصدر للعيش غيرها‪.‬وإذا ما رجعنا الى‬ ‫الدراسات اإلحصائية نجد ان الجرائم التي تهدف الى الحصول‬ ‫على منفعة مادية مثل السرقة والنصب وخيانة األمانة واالعتداء‬ ‫على المال العام تمثل ‪ ٪80‬من إجمالي عدد الجرائم في الدول‬ ‫الغرب ية‪ ،‬وهذا يعني ان هناك تراجع كبير لجرائم النفس والجرائم‬ ‫األخالقية وهي ما يُطلق عليها "جرائم السلوك ‪Criminalité‬‬ ‫‪ de comportement‬لصالح جرائم النفع المادي "الربحية‬ ‫المحرمة" ‪.Criminalité de profit‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الجريمة المنظمة ‪Le crime organisé‬‬ ‫يوجد االن جماعات وتنظيمات وشركات إجرامية‬ ‫‪ ،Entreprises du crime‬وهذا ما يُطلق عليه الجريمة المنظمة‬ ‫‪ Le crime organisé‬وهي جرائم ال تعرف الحدود‪ ،‬تمارسها هذه‬ ‫الجماعات داخل وخارج حدود الدولة وأشهر أنشطة هذه‬ ‫الجماعات تجارة المخدرات ‪Le trafic de la drogue‬‬ ‫واالستغالل غير المشروع ألعمال الدعارة ‪L’exploitation‬‬ ‫‪ ، illicite de la prostitution‬عالوة على جرائم اإلرهاب‬ ‫وتجارة األعضاء البشرية‪.‬‬ ‫هكذا اخذ االجرام شكل جديد وانتقلت الجريمة من مرحلة‬ ‫الهواية الى مرحلة االحتراف‪ ،‬ومن المحلية الى العالمية‪.‬عالوة‬ ‫على ان التطور والنمو االقتصادي الذي أصاب المجتمعات‬ ‫المعاصرة‪ ،‬وتعدد مصادر الدخل وتنوع االرباع‪ ،‬ادي الى ظهور‬ ‫انواع جديدة من الجرائم ال سيما الجرائم االقتصادية‪ ،‬هذه‬ ‫‪9‬‬ ‫النوعية من الجرائم تعتمد بصفة أساسية على تحقيق الربح‬ ‫المادي وفي معظم األحيان ال تحتاج الي مجهود كبير في تنفيذها‬ ‫وان كانت قد تحتاج الى معرفة تكنولوجية او تقنية خاصة‪.‬‬ ‫هذا ادي الي اهدار المقولة القديمة ‪ Le vieux proverbe‬ان‬ ‫الجريمة ال تُفيد "‪ ،" Le crime ne paye pas‬فالجريمة أصبحت‬ ‫"لألسف" تُفيد من الناحية المادية ‪ ،Le crime paye‬في‬ ‫المجتمعات الحديثة ‪ Les sociétés modernes‬التي تتنوع‬ ‫وتتشابك فيها المعامالت االقتصادية‪ ،‬مع الفقد المتزايد للدور‬ ‫األخالقي والديني في المجتمع‪.‬‬ ‫لذا وجب على علم االجرام تغيير النظرة التقليدية للجريمة‬ ‫من حيث طبيعتها ومسبباتها‪ ،‬فهي تختلف في المجتمعات‬ ‫الحديثة عنها في المجتمعات القديمة‪.‬كذلك يجب اال ينحصر دور‬ ‫علم االجرام في تقديم نتائج ابحاثه ودراساته حول الجريمة‬ ‫والظاهرة االجرامية ألجهزة الشرطة والعدالة ‪Aux services‬‬ ‫‪ de police et de justice‬في الدولة وانما ايضا ً للمسئولين‬ ‫السياسيين ‪ Aux responsables politiques‬لما تحتاجه‬ ‫الجرائم المستجدة والجرائم المنظمة من ضرورة التعاون بين‬ ‫الدول لمواجهتها‪ ،‬مثل جرائم اإلرهاب وتجارة البشر وتجارة‬ ‫المخدرات‪.‬فلقد حان الوقت اآلن إللقاء نظرة جديدة على‬ ‫الجريمة في المجتمع والمشاكل التي تطرحها‪ ،‬وهذا هو أحد‬ ‫أهداف علم الجريمة‪.‬‬ ‫هذا المفهوم هو الذي يُعطي دراسة علم االجرام اهتماما ً‬ ‫متجددا ً‪ ،‬فدراسة علم االجرام يجب ان تأخذ في االعتبار الظاهرة‬ ‫االجرامية بمفهومها المعاصر‪ ،‬كما يجب اال تقتصر دراسته على‬ ‫التعامل مع الجنوح التقليدي فحسب‪ ،‬بل يجب ان تمتد لتطوير‬ ‫‪10‬‬ ‫التعاون الفعال بين الدول من أجل التصدي للجريمة عبر‬ ‫الوطنية‪.1‬‬ ‫رابعاً‪ :‬تطور الظاهرة اإلجرامية‪:‬‬ ‫الظاهرة االجرامية ‪ Le phénomène criminel‬هي احدى‬ ‫أقدم الظواهر الطبيعية ألنها تالزم الحياة أينما وجدت‪ ،‬فحيثما‬ ‫كانت هناك حياة اجتماعية وجدت الجريمة‪ ،‬فاإلنسان كان‬ ‫ومازال وسيظل ُمعرض لوقوع االعتداء عليه في حياته او‬ ‫جسده او عرضه او ماله‪.‬ولقد ارتبط ظهور الجريمة بنشأة‬ ‫الحياة عل ى األرض عندما سول الشيطان لقابيل قتل أخيه هابيل‪،‬‬ ‫ق ِإ ْذ قَ َّربَا قُ ْربَانا ً فَتُقُ ِب َل ِمن‬‫علَ ْي ِه ْم نَبَأ َ ا ْبنَ ْي آ َد َم ِبا ْل َح ِ‬ ‫في قوله تعالي " َواتْ ُل َ‬ ‫ين*‬ ‫أ َ َح ِد ِه َما َولَ ْم يُتَقَبَّ ْل ِم َن اآلخر قَا َل أل ْقتُلَنَّكَ قَا َل إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل َّ ُ‬ ‫َّللا ِم َن ا ْل ُمتَّ ِق َ‬ ‫َّللا‬ ‫اف َّ َ‬ ‫ِي ِإلَ ْيكَ أل ْقتُلَكَ ِإ ِني أ َ َخ ُ‬ ‫سطتَ ِإلَ َّى َيدَكَ ِلتَ ْقتُلَ ِني َمآ أَنَا ْ ِب َباسِطٍ يَد َ‬ ‫لَ ِئن َب َ‬ ‫ب النَّ ِار‬ ‫ص َحا ِ‬ ‫ُون ِم ْن أَ ْ‬‫ين* إِ ِني أ ُ ِري ُد أَن تَبُو َء ِب ِإثْ ِمي َو ِإثْ ِمكَ فَتَك َ‬ ‫ب ا ْلعَالَ ِم َ‬‫َر َّ‬ ‫صبَ َح ِم َن‬ ‫سهُ قَتْ َل أَ ِخي ِه فَقَتَلَهُ فَأ َ ْ‬ ‫ط َّوعَتْ لَهُ نَ ْف ُ‬ ‫ين* فَ َ‬ ‫َوذَ ِلكَ َج َزآ ُء ال َّظا ِل ِم َ‬ ‫ين"‪.2‬‬ ‫س ِر َ‬ ‫ا ْل َخا ِ‬ ‫ولقد عرفت مصر القديمة الظاهرة االجرامية وكافحتها‬ ‫بطرق عديدة كان من أهمها تشديد العقوبة على ارتكاب بعض‬ ‫الجرائم‪ ،‬ومن أشهر أنواع الجرائم التي عرفها قدماء المصرين‬ ‫جريمة القتل‪ ،‬والتحريض على القتل والسرقة باإلكراه والسرقة‬ ‫ونبش القبور والجور وعدم التقوى والخيانة والكذب والدنس‪.‬‬ ‫أما اإلغريق فكانوا يعتقدون بأن الجريمة نتيجة غضب االلهه‬ ‫فالطبيعة بكل ما فيها محكومة بقوة إلهية خفية ومرتكب الجريمة‬ ‫هو االنسان التعس الذي غضبت عليه اآللهة‪.‬‬ ‫‪1‬د‪.‬محمد زكي أبوعامر‪ ،‬دراسة في علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬الدار الجامعية للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬لبنان ‪ ،1993‬ص‪9‬؛ د‪.‬سامية حسن الساعاتي‪ ،‬الجريمة والمجتمع‪ ،‬دار‬ ‫النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت لبنان ‪ ،1983‬ص ‪.13‬‬ ‫‪ 2‬القرآن الكريم‪ ،‬صورة المائدة‪ ،‬اآليات ‪30-27‬‬ ‫‪11‬‬ ‫في الشريعة اإلسالمية الجريمة ظاهرة من ظواهر الشرع‬ ‫ألن الشريعة هي التي تحدد نماذج السلوك‪-‬االيجابية والسلبية ‪-‬‬ ‫التي ت ُعد جرائم وهي التي تحدد ما يترتب على هذه النماذج من‬ ‫عقوبات وعندما تجرم الشريعة اإلسالمية هذه النماذج السلوكية‬ ‫فما ذلك إال للحفاظ على مصالح الجماعة وصيانة القيم والفضائل‬ ‫والنظام اإلسالمي وضمان بقاء الجماعة قوية متضامنة‪ ،‬ألن‬ ‫مصدر الشريعة هو الخالق سبحانه وتعالى فإن نظام التجريم‬ ‫اإلسالمي يتسم باإلطالق والثبات والموافقة للطبيعة البشرية إلى‬ ‫جانب المرونة‪.‬‬ ‫مع بداية التفكير الوضعي لدراسة الجريمة أخذت قواعد‬ ‫المشروع وغير المشروع (الحالل والحرام) تستقل تدريجيا عن‬ ‫المعتقدات الدينية‪ ،‬وتأخذ طابعا ً يستهدف مصلحة الجماعة‬ ‫وتنظيم الروابط االجتماعية‪.‬ثم بدأ أسلوب الفكر العلمي المنطقي‬ ‫يتسرب إلى مبادئ التجريم والعقاب لتحقيق مصلحة الجماعة‬ ‫وروابطها الخلقية‪ ،‬وأخذت دائرة التجريم تضيق تدريجيا‪،‬‬ ‫فأصبحت تقتصر على األفعال الضارة بالمجتمع أو باألدق تلك‬ ‫األفعال التي تعتقد المجتمعات أنها ضارة بها‪.‬وفي هذا الشأن‬ ‫تفاوتت كثيرا الحضارات المتنوعة بحسب تنوع ظروفها‬ ‫الجغرافية والتاريخية‪ ،‬والسياسية والدينية واالقتصادية‪.1‬‬ ‫‪ 1‬لقد مرت البشرية في مجال التجريم والعقاب ‪-‬كما مرت في تحديد العالقة بين اإلنسان‬ ‫والكون واإلنسان وشركائه في المجتمع بثالث مراحل كبرى‪ :‬هي مرحلة السحر )‬ ‫وتمثلها هنا مرحلة الطواطم والتابو( ثم مرحلة الدين أي األوامر والنواهي المرتبطة‬ ‫باالعتقاد الديني وأخيرا مرحلة العلم الوضعي التي تمثل حصيلة ما وصل إليه اإلنسان‬ ‫من معرفة متطورة وهي محاولة تنظيمية للروابط االجتماعية‪".‬والطوطم والتابو" هو‬ ‫كتاب لعالم النفس سيغموند فرويد نشر ألول مرة سنة ‪ ،1913‬والذي طبق فيه‬ ‫أسلوب التحليل النفسي في مجاالت تاريخ وعلم اإلنسان واالديان‪.‬‬ ‫ومبدأ التمييز بين هذه المراحل الثالث شائع لدى عدد من أبرز الفالسفة من أمثال‬ ‫أوجست كونت ‪ ،Auguste Comte‬ولدى علماء االجتماع واإلنتروبولوجيا‪ ،‬ولقد‬ ‫ميز "لويـس مرجان" في تاريخ العالم بين ثالث مراحل رئيسية هي الوحشية أو‬ ‫الهمجية والبربرية ثم الحضارة الحديثة‪ ،‬بل أنه حين أراد التمييز داخل كل مرحلة‬ ‫‪12‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬أساليب البحث في علم االجرام‬ ‫المقصود بأساليب البحث هنا هو استخدام الطرق التي تمكنا‬ ‫من معرفة العوامل الدافعة للجريمة بالنسبة لمجرم محدد بذاته‬ ‫عن طريق إخضاعه للدراسة والفحص العضوي والنفسي‬ ‫والعقلي‪ ،‬واهم هذه األساليب هي الفحص والمالحظة‪.‬‬ ‫واالستبيان والمقابلة ودراسة الحالة‪.‬‬ ‫‪ -1‬الفحص البيولوجي والنفسي‬ ‫ويقصد به فحص اعضاء المجرم الداخلية والخارجية ويتمثل‬ ‫الفحص العضوي الخارجي في دراسة المظهر الخارجي لجسم‬ ‫المجرم ومحاولة الربط بين سماته الجسمانية الظاهرة وسلوكه‬ ‫اإلجرامي‪ ،‬وقد حاول العالم اإليطالي لومبروزو الربط بين‬ ‫اإلجرام والعيوب الخلقية إذ أن وجود عاهة لدى المجرم كانعدام‬ ‫السمع أو النطق أو النظر أو فقدان ذراع أو ساق قد يكون له أثر‬ ‫في وقوع الجريمة‪ ،‬كما أن اختالف التناسب بين أطراف الجسم‬ ‫قد يكشف عن اختالف في الحالة النفسية أو الخلقية للمجرم‪،‬‬ ‫فضال عن أن صغر الدماغ أو كبره وجحوظ العين أو شذوذ األنف‬ ‫أو بروز الجبهة أو شكل األذنين غالبا ما يكون تعبيرا عن اختالل‬ ‫أو شذوذ لدى المجرم ‪.‬‬ ‫كما أن أثر الجروح التي تظهر في الرأس من أمام أو من‬ ‫خلف قد تدل على ميل إلى العنف‪.‬ومن البديهي أنه ليس‬ ‫بالضرورة ربط ظاهرة اإلجرام الجسمانية للمجرم‪ ،‬إذ أنه كثيرا‬ ‫ما نجد األصحاء الذين يتمتعون بمظاهر جسمانية سليمة يقدمون‬ ‫على ارتكاب الجريمة‪ ،‬ونجد في المقابل أفرادا معوقين جسديا أو‬ ‫ذهنيا بعيدين تماما عن عالم اإلجرام‪ ،‬بل أن إعاقتهم في بعض‬ ‫األحيان تكون المحرك لقدراتهم األخرى للتحرك نحو األفضل ‪.‬‬ ‫فترات زمنية وحضارية متمايزة قسم كل مرحلة منهما إلى ثالث فترات هي الدنيا‬ ‫والوسطى والعليا‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫كما ينصب الفحص على االعضاء الداخلية مثل الجهاز‬ ‫الدموي والجهاز النفسي والجهاز الهضمي‪ ،‬والجهاز البولي‬ ‫والتناسلي‪ ،‬والجهاز العصبي‪ ،‬إذ أنه كثيرا ما يكشف اختالل‬ ‫وظائف هذه األجهزة نتيجة إصابتها بأمراض أو عيوب عن‬ ‫دورها في دفع الفرد للسلوك اإلجرامي ‪.‬واالضطراب في وظائف‬ ‫الغدد السيما الغدة الدرقية يكون له تأثير على سلوك الفرد إذ‬ ‫لوحظ أن مرتكبي جرائم العنف غالبا ما يتوفر لديهم إفراط في‬ ‫إفراز هذه الغدة‪ ،‬كما أن مرتكبي السرقة والنصب والتزوير‬ ‫يعانون عادةً من اختالل في إفراز هذه الغدد‪.‬أما الفحص النفسي‬ ‫فيعتبر من أهم ميادين البحث في علم اإلجرام‪ ،‬ذلك أنه يتغلغل‬ ‫إلى نفس المجرم ليقف على ملكاته الداخلية ويحدد قدراته في‬ ‫اإلدراك والشعور واإلرادة‪ ،‬وهي عوامل حاسمة في سلوك كل‬ ‫إنسان‪ ،‬واضطرابها وثيق الصلة بالسلوك اإلجرامي ‪.‬‬ ‫بالنسبة لإلدراك يتخذ اختالله مظاهر مختلفة منها تسلط‬ ‫الفكرة على الذهن وضعف الوعي‪ ،‬السيما في أحوال السكر‬ ‫وتعاطي المخدرات‪ ،‬والتصور الخاطئ وفيه يعطي المجرم ألمور‬ ‫خارجية دالالت خاطئة في نفسه‪ ،‬ومنها الوهم أو التوهم أي‬ ‫االعتقاد بوجود امر ال وجود له في الحقيقة والواقع‪ ،‬مثل تخيل‬ ‫صورة فرد ال وجود له يهم باالعتداء عليه أو سماع عبارات‬ ‫قذف أو تهديد لم تبدر من أحد‪.‬‬ ‫كما ينصرف الفحص النفسي للشعور لدي الفرد‪ ،‬وللشعور‬ ‫جانبان‪ :‬جانب غريزي وجانب عاطفي‪ ،‬والجانب الغريزي هو‬ ‫جماع الغرائز في نفسه‪ ،‬وما يثيره من ميول ودوافع‪ ،‬والجانب‬ ‫العاطفي فيعني انفعاالت الشخص أو بالدته الحسية‪.‬اما االرادة‬ ‫فهي القدرة على اتخاذ القرار وتنفيذه‪ ،‬وهي تبدأ بفكرة إما أن‬ ‫تظهر إلى الوجود في شكل فعل أو امتناع و أما أن تنزوي في‬ ‫‪14‬‬ ‫النفس‪ ،‬ومن عيوب اإلرادة اختالل التوازن بين رغبات متناقضة‬ ‫‪1‬‬ ‫واتجاهات متعارضة‪ ،‬أو اندفاعها باتخاذ القرار دون وعي ‪.‬‬ ‫‪ -2‬المالحظة‬ ‫وتعتمد‪.‬على رصد ظاهرة من الظواهر على انفراد حتى‬ ‫يمكن استخالص القاعدة العامة التي تحكم المجموعة التي تنتمي‬ ‫إليها‪ ،‬فهي نوع من المراقبة لظاهرة من الظواهر من أجل‬ ‫استخالص القاعدة العامة في بقية األنواع المناظرة لها ‪.‬‬ ‫وفي علم اإلجرام‪ ،‬تعتبر المالحظة وسيلة عملية مباشرة‬ ‫للمراقبة‪ ،‬ومن خاللها يستطيع الباحث أن يصل إلى السبب في‬ ‫اإلجرام قلما يتوافر بطريقة أخرى ‪.‬ومن عوامل نجاح المالحظة‬ ‫حسن اختيار الشخص القائم بها فيجب ان يكون مؤهل ومدرب‬ ‫لذلك كما يجب ان تتخذ المالحظة الصورة المناسبة للحالة‬ ‫اإلجرامية المطلوب دراستها‪ ،‬فثمة أحوال تتطلب أن تكون‬ ‫المالحظة بطريق المشاركة وأحوال أخرى يحسن أن تكون بغير‬ ‫المشاركة‪ ،‬والمقصود بالمشاركة‪ ،‬نزول الباحث على ساحة‬ ‫الجماعة ليندمج ويعيش فيها كواحد من أفرادها‪ ،‬وذلك دون أن‬ ‫يدع ألحد فرصة إدراك حقيقة دوره في المالحظة‪.‬أما الصورة‬ ‫الثانية‪ ،‬فتتحقق مع إعالن المالحظ عن وظيفته عالنية وذلك‬ ‫بقصد أن يكسب ثقة الفرد أو المجموعة التي يريد أن يدرس‬ ‫حالتها اإلجرامية ‪.‬‬ ‫‪ -3‬االستبيان والمقابلة‬ ‫ويقصد به جمع البيانات أو االتجاهات حول مشكلة معينة‪،‬‬ ‫وفي علم اإلجرام يعني به جمع البيانات الالزمة لقياس عوامل‬ ‫تكوين الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬ووسيلة ذلك تتم بتوجيه عدة اسئلة‬ ‫‪ 1‬رمسيس بهنام‪ :‬المجرم تكوينا وتقويما‪ ،‬األساليب العلمية في الكشف عن مصادر‬ ‫اإلجرام لدى المجرم أنماط المجرمين ‪-‬عالج المجررم ‪-‬التروقي من الجريمة‪.‬منشأة‬ ‫المعارف‪ :‬اإلسكندرية ‪1983.‬ص ‪43.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫تصاغ في استمارة وتسلم إلى األفراد محل البحث أو ترسل لهم‬ ‫بالبريد حتى يتمكنوا من اإلجابة عليها بمنأى عن تأثير الباحث‪.1‬‬ ‫وتتمثل هذه االسئلة في عدة فروض تعطي اإلجابة عليها دالالت‬ ‫معينة تساعد الباحث بعد تحليلها إلى التوصل لنتائج تفسير‬ ‫المشكلة التي يدور حولها االستبيان‪.‬أما األسئلة فغالبا ما تنصب‬ ‫على أسباب ارتكاب الجريمة‪ ،‬وتتمثل في سبعة اسئلة‪ :‬من وماذا‬ ‫وأين وبماذا ولماذا وكيف ومتى؟ ومعنى ذلك على التوالي‪:‬‬ ‫المجني عليه والموضوع والمكان والوسيلة والبواعث وظروف‬ ‫التنفيذ وزمن ارتكابه‪.‬‬ ‫االستبيان إذن وسيلة تعبر عن الشخص موضوع البحث‬ ‫تعبيرا صادقا ألنها تتم بعيدا عن تأثير الباحث‪ ،‬كما أنها تتناول‬ ‫األسئلة التي يجد الباحث حرجا في توجيهها مباشرة‪ ،‬كما في‬ ‫جرائم الدعارة وهتك العرض واألفعال المخلة بالحياء‪.‬اال انه‬ ‫يعبها انها تكون قاصرة على من يجيد القراءة والكتابة‪ ،‬كما أنه‬ ‫يجب أخدها بشيء من الحذر خصوصا عندما يريد الباحث أن‬ ‫يستنتج القواعد العامة بناء على اإلجابات المدونة في استمارات‬ ‫االستبيان‪ ،‬لما قد يصيب هذه اإلجابات من مبالغة او كذب او‬ ‫تضليل‪.‬‬ ‫أما المقابلة فهي وسيلة مباشرة في االتصال بين الباحث‬ ‫والشخص موضوع البحث‪ ،‬يتوجه فيها الباحث إلى الشخص‬ ‫مباشرة‪.‬وهي أشبه باالستجواب الذي يتم في التحقيقات اإلدارية‬ ‫أو الجنائية‪ ،‬لوال أنها تخلو من الرهبة المصاحبة لعملية التحقيق‬ ‫نتيجة إحساس الشخص بأنه موضع اتهام ‪.‬ومن مزاياها انها‬ ‫تصلح في المجتمعات التي تنتشر فيها األمية‪ ،‬وال يستطيع فيها‬ ‫هؤالء أن يجيبوا على االسئلة المكتوبة‪ ،‬كما أنها تمتاز‬ ‫بالمرونة‪ ،‬فالباحث يمكنه أن يشرح السؤال ‪ ،‬أو يعيده بصيغة‬ ‫‪ 1‬جالل ثروت‪ :‬علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬دار الهدى للمطبوعات‪ ،‬اإلسكندرية ‪،2007‬‬ ‫ص ‪: 43‬‬ ‫‪16‬‬ ‫أخرى‪ ،‬إذا تبين له أن الشخص لم يفهم السؤال على حقيقته‪ ،‬أو‬ ‫تناقض في إجابته ‪.1‬‬ ‫‪ -4‬دراسة الحالة‬ ‫تقوم دراسة الحالة على جمع المعلومات عن ظاهرة معينة‬ ‫والمقصود هنا جمع المعلومات والبيانات الضرورية لتحليل‬ ‫وتفسير السلوك الفردي‪.‬والتي تتعلق بالحالة النفسية والعقلية‬ ‫للمجرم لبيان مدى أثر ذلك على السلوك اإلجرامي‪ ،‬وتعتمد‬ ‫دراسة الحالة على دراسة تاريخ الحالة ومراحل تطور الفرد وما‬ ‫لحقه من تغيرات عضوية أو نفسية أو اجتماعية وأثر ذلك على‬ ‫تغير سلوكه إزاء هذه التغيرات‪.‬‬ ‫وتتميز دراسة الحالة بأنها تعتبر أسلوبا شامال لجمع المادة‬ ‫العلمية مما يجعل الباحث مسيطرا على الحالة التي أمامه على‬ ‫النحو الذي يكفل له في النهاية الحصول على البيانات الالزمة‪.‬‬ ‫‪ 1‬يسرا أنور‪ ،‬أمال عبد الرحيم‪ :‬أصول علمي اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،1970 ،‬ص ‪.110‬‬ ‫‪17‬‬ ‫الباب الأول‬ ‫تفسير الظاهرة الإجرامية‬ ‫‪18‬‬ 19 ‫الباب األول‬ ‫تفسير الظاهرة اإلجرامية‬ ‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬ ‫لقد حاولنا فيما سبق أن نتعرض إلى التراث االجتماعي‬ ‫والفلسفي في دراسة الجريمة واألبعاد الدينية والخلفية التاريخية‬ ‫وبداية الدراسات الوضعية في تحديد أسباب الجريمة‪ ،‬ونرى ان‬ ‫هذه المعالجة التاريخية كانت ضرورية قبل دراسة االتجاهات‬ ‫العلمية في تفسير الجريمة‪.‬‬ ‫‪20‬‬ 21 ‫الفصل األول‬ ‫التفسيرات الكالسيكية للظاهرة االجرامية‬ ‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬ ‫بدأت فكرة مسؤولية المجرم عن أفعاله في الظهور عندما‬ ‫بدأ االنسان في التحرر من المعتقدات الدينية القديمة وعدم ربط‬ ‫الجريمة والعقاب بإرادة االلهة‪ ،‬وبدأ يبحث عن أسباب الجريمة‬ ‫بعيدا ً عن غضب االلهة‪ ،‬وشهد مفهوم الجريمة وتفسيرها‬ ‫تطورا تدريجيا ً بدأ على ايدي أنصار الفكر الكالسيكي‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫المبحث األول‬ ‫المدرسة الكالسيكية‬ ‫شهد القرن الثامن عشر ما يعرف بإسم الثورة العقلية أو‬ ‫الفكرية في دول أوروبا‪ ،‬وأطلق على هذه الفترة من التاريخ إسم‬ ‫عصر التنوير‪ ،‬وكان هذا العصر يمثل ثورة فكرية ضد حكم‬ ‫اإلقطاع من جهة وسيطرة الكنيسة من جهة أخرى‪.‬وشهد هذا‬ ‫العصر أقوى هجوم على الدين المسيحي ومسلماته وتفسيراته‬ ‫للكون وللمجتمع‪.‬‬ ‫وقد شهد هذا العصر جدال ومناقشة حول طبيعة اإلنسان‬ ‫والظواهر االجتماعية التي يتعرض لها ولظاهرة الجريمة‬ ‫وطبيعة الدولة والعالقة بينهما‪ ،‬وقدس مفكروا هذا العصر‬ ‫الجدال والنقاش وحرية العقل اإلنساني وتحريره من أي أفكار‬ ‫جامدة تمليها أي سلطة ومن هنا جاءت افكار الفيلسوف‬ ‫"ديكارت" ومقوالته الشهيرة ومن بينها فكر لنفسك‪ ،‬واالنطالق‬ ‫من الشك إلى اليقين‪.‬‬ ‫هذه الثورة الفكرية انعكست اثارها على النظم السياسية‬ ‫واالجتماعية السائدة في المجتمع وتبنت الدعوات لتحقيق العدالة‬ ‫والمساواة والحرية وإلى االعتماد على العلم في فهم وتفسير‬ ‫الواقع‪ ،‬وقد أدى هذا التفكير إلى إلقاء الشك على التفسيرات‬ ‫الدينية والميتافيزيقية لكل شيء‪ ،‬بما في ذلك السلوك اإلنساني‬ ‫الذي لم يعد محتوما بإرادة اإللهة ولكنه أصبح يخضع لإلرادة‬ ‫الحرة لإلنسان‪.‬وقد أدت هذه الثورة الفكرية إلى ظهور تفسيرات‬ ‫أكثر واقعية للسلوك اإلجرامي‪ ،‬وإن لم تكن تعتمد على أسس‬ ‫علمية سليمة ويطلق على هذه التفسيرات إسم المدرسة‬ ‫الكالسيكية‪.‬‬ ‫وبداية التفكير الحقيقي في معرفة أسباب الجريمة ترجع إلى‬ ‫القرن السادس عشر حيث ارجع المؤرخ االنجليزي "توماس‬ ‫مور" ازدياد عدد الجرائم في عصره الى الحالة التي كان عليها‬ ‫‪23‬‬ ‫الناس من سوء وفقر بسبب البطالة الناجمة عن انتزاع مساحات‬ ‫كبيرة من االراضي من أيدي كثير من المزارعين الستغاللها في‬ ‫رعي الماشية‪ ،‬وسوء األحوال االقتصادية وحرمان الناس من‬ ‫أسباب العيش المشروعة‪.1‬‬ ‫وفي القرن الثامن عشر ظهر كتاب "لسيزار بكاريا" ‪Cesar‬‬ ‫‪ Beccaria‬عن " الجرائم والعقوبات "وفيه انتقد مساوئ قوانين‬ ‫العقوبات واقترح العديد اإلصالحات والتعديالت الواجب إدخالها‬ ‫على هذه القوانين‪ ،‬وكان يرى‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬ضرورة معاملة المجرم باعتباره انسان اوالً قبل أن‬ ‫مجرما ويجب على المجتمع وسلطات الدولة أن‬ ‫يصبح‬ ‫تعامله وتحاكمه على هذا األساس‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ضرورة تحديد العقوبة في ضوء المنفعة أو الغاية‬ ‫المطلوبة وهي إصالح المجرم وتهيئته ليعود إلى المجتمع‬ ‫عضوا صالحا‪ ،‬وبالتالي يقتضي استبعاد كل عقوبة تجاوز هذه‬ ‫الغاية كما ال يجوز استعمال العقوبة إذا لم تتعرض حقوق وحرية‬ ‫األفراد للخطر‪.‬‬ ‫ولقد تأثر بيكاريا في أفكاره هذه بالمبادئ التي وضعها جان‬ ‫جاك روس ومنها ضرورة انتظام المجتمع اإلنساني حول‬ ‫القانون حيث يرى أن القانون هو السند األساسي الذي يعتمد‬ ‫عليه الناس في سعيهم نحو العيش أحرارا في مجتمع منظم بعد‬ ‫أن تخلوا عن جزء من حريتهم في سبيل االنصهار في هذا‬ ‫المجتمع‪.2‬‬ ‫‪ 1‬د‪.‬سمير نعيم أحمد‪ ،‬الدراسة العلمية للسلوك اإلجرامي‪ ،‬مطبعة دار التأليف‪،1996 ،‬‬ ‫ص ‪83‬؛ د‪.‬عمر السعيد رمضان‪ ،‬دروس في علم اإلجرام‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫لبنان ‪ ،1972‬ص ‪.14‬‬ ‫‪ 2‬د‪.‬مصطفى العوجى‪ ،‬دروس في العلم الجنائي‪ ،‬مؤسسة نوفل‪ ،‬لبنان‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬ ‫ص‪.83‬‬ ‫‪24‬‬ ‫اما جرمي بنتام ‪ Jeremy Bentham‬فكان يري أن اإلنسان‬ ‫يزن أعماله قبل األقدام عليها فاذا وجد أن سلوكا معينا يسبب له‬ ‫فائدة مادية او روحية أكثر من الضرر الذي يمكن أن يلحق به‬ ‫أقدم عليه وبالتالي لكي تكون العقوبة رادعة يجب أن تحدد‬ ‫بطريقة يكون وزرها أثقل على المجرم من النفع الذي تدره عليه‬ ‫فيمتنع عنها ومن ثم فإن المدرسة الكالسيكية في علم اإلجرام‬ ‫كانت قائمة على أساس مبدأ الحتمية العلمية الذي ساد التفكير‬ ‫العلمي بعد ذلك‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫المبحث الثاني‬ ‫المدرسة الكالسيكية الحديثة‬ ‫تأثر الفرنسيون بآراء بكاريا عند وضع قانون‪ 1791‬وجاء هذا‬ ‫القانون بمثابة ترجمة آلرائه ونظرياته حول العدالة بصفة عامة‬ ‫والعقوبة وطبيعتها ومقدارها بصفة خاصة‪ ،‬فنجدهم في هذا‬ ‫القانون قد وضعوا عقوبة موحدة لنفس الجرائم ورتبوا الجرائم‬ ‫حسب درجة خطورتها ووضعت لكل منها عقوبة محددة و ُحرم‬ ‫القضاة من حق وضع القوانين أو تعديلها‪ ،‬وأصبحت وظيفتهم‬ ‫قاصرة على تطبيق نصوص القانون على الحاالت التي تعرض‬ ‫عليهم دون تمييز‪.1‬‬ ‫اال ان هذا القانون جاء منتقدا ً من عدة أوجه اهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬عدم تبنيه لمبدأ تفريد العقوبة‪ ،‬والذي أصبح مبدأ ً دستوريا ً‬ ‫فيما بعد‪ ،‬منصوصا ً عليه صراحةً في الدستور الفرنسي‪ ،‬فهو لم‬ ‫يراع الفروق الفردية بين مرتكبي الجرائم ولم يأخذ في الحسبان‬ ‫ظروف ومالبسات ارتكاب الجريمة‪.‬‬ ‫‪.2‬انه وحد في العقوبة بين المجرم المعتاد‪ ،‬شديد الخطورة‪،‬‬ ‫وبين من يرتكب الجريمة ألول مرة ‪.‬‬ ‫‪.3‬أنه لم يميز بين اجرام االحداث واجرام غيرهم‪.‬‬ ‫على وقع هذه االنتقادات صدر قانون عام ‪ 1810‬متفاديا ً‬ ‫غالبية هذه االنتقادات نتيجة للتطور الذي أصاب أفكار المدرسة‬ ‫الكالسيكية ليظهر ما يُطلق عليه المدرسة الكالسيكية الحديثة‪،‬‬ ‫وبدأ التركيز ينصب ال على السلوك االجرامي‪ ،‬كما كان االمر من‬ ‫قبل‪ ،‬وانما على مرتكب السلوك االجرامي‪ ،‬ومن هنا بدأ التركيز‬ ‫على المجرم وخصائصه وما يميزه عن غيره من األشخاص‬ ‫االخرين‪.‬‬ ‫‪1‬د‪.‬عمر السعيد رمضان‪ ،‬دروس في علم اإلجرام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬لبنان ‪،1972‬‬ ‫ص ‪.14‬‬ ‫‪26‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫االتجاهات العلمية في تفسير الظاهرة اإلجرامية‬ ‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬ ‫كانت أفكار المدرسة الكالسيكية والمدرسة الكالسيكية‬ ‫الحديثة نقطة تحول رئيسية في تفسير الجريمة على أسس أكثر‬ ‫ارتباط بالواقع‪ ،‬علما ً بأن كال المدرستين قامتا على أسس فلسفية‬ ‫مثالية) نظرية اللذة السيكولوجية( كانت نتيجة للتحول‬ ‫االجتماعي الذي طرأ على مجتمعات أوروبا في القرنين السابع‬ ‫عشر والثامن عشر وانتقالها من مرحلة اإلقطاع إلى مرحلة‬ ‫الرأسمالية والبورجوازية‪.‬‬ ‫ولقد اختلف علماء اإلجرام حول تفسير الظاهرة اإلجرامية‬ ‫وتعددت تبعا لذلك النظريات العلمية التي تصدت لتفسيرها‪ ،‬فمنها‬ ‫نظريات يغلب عليها الطابع البيولوجي وأخرى يبرز فيها الطابع‬ ‫النفسي‪ ،‬وسواها يميل أنصارها إلى صبغها بالطابع االجتماعي‪.1‬‬ ‫من جهة أخرى لم يتفق علماء اإلجرام حول العوامل الدافعة إلى‬ ‫السلوك اإلجرامي أو المهيئة له‪ ،‬فمنهم من يغلب العوامل‬ ‫الداخلية للمجرم فطرية كانت أو مكتسبة ومنهم من يغلب‬ ‫العوامل الخارجية أو البيئية‪.‬‬ ‫المبحث األول‬ ‫التفسير البيولوجي للظاهرة االجرامية‬ ‫نظرية لمبروزو‬ ‫في منتصف القرن التاسع عشر ظهرت المدرسة الوضعية‬ ‫االيطالية ‪ L’ecole positiviste Italienne‬والتي اسسها سيزار‬ ‫لومبروز ‪ ،Cesare Lombroso‬المولود في فيرونا بإيطاليا في‬ ‫‪ 1‬د‪.‬عبد الفتاح الصيفي‪ ،‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار‬ ‫المطبوعات الجامعية مصر‪ ،1988‬ص ‪.50‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪ 6‬نوفمبر ‪ 1835‬لعائلة ثرية‪.‬وفي عام ‪ 1852‬التحق بكلية الطب‬ ‫بجامعة بافيا‪ ،‬حيث تخرج عام ‪.1858‬ولقد اهتم لمبروزو بالبحث‬ ‫عن أسباب االجرام في التكوين الجسماني للمجرم وصب كل‬ ‫اهتمامه على دراسة المجرمين من الناحيتين التشريحية‬ ‫والعضوية‪.‬وعمله طبيبا ً بالجيش اإليطالي في الفترة من ‪1859‬‬ ‫الى ‪ 1863‬ساعده كثيرا ً في تكوين نظريته حول أسباب االجرام‪،‬‬ ‫حيث الحظ خالل هذه الفترة انتشار الوشم والرسوم القبيحة على‬ ‫أجسام الجنود المنحرفين بمقارنتهم بالجنود األسوياء وقد دفعه‬ ‫هذا إلى دراسة الخصائص العضوية للمجرمين‪ ،‬وقد أوردها في‬ ‫كتابه الشهير الصادر عام ‪ 1876‬بعنوان "اإلنسان المجرم"‪.1‬‬ ‫المطلب األول‬ ‫مضمون نظرية لمبروزو‬ ‫انطالقا ً من الفوارق التي الحظها لمبروزو‪ ،‬من خالل‬ ‫ابحاثه‪ ،‬بين المجرمين واالسوياء‪ ،‬قرر أن المجرم إنسان شاذ‬ ‫التكوين وبه صفات جسدية ال توجد في غيره من االسوياء حيث‬ ‫الحظ عليه عدم انتظام جمجمته وأسنانه وضيق جبهته وضخامة‬ ‫فكيه وكثافة الشعر في رأسه وجسمه وطول أذنيه أو قصرهما‪،‬‬ ‫وفرطحة انفه‪ ،‬وعدم استقامته وطول مفرط في أطرافه‪.2‬‬ ‫وأثناء تشريحه ألحد المجرمين الخطرين الذي اشتهر عنه‬ ‫قطع الطريق وارتكاب السرقات الخطيرة ويدعي "فيليال"‬ ‫‪Vilella‬الحظ وجود تجويف في مؤخرة جمجمته يشبه التجويف‬ ‫الذي يوجد لدى الحيوانات الدنيا‪ ،‬حيث ان هذا التجويف في‬ ‫مؤخرة الرأس ال يوجد اال في هذه الطبقة من الحيوانات‪،‬‬ ‫واستخلص من ذلك أن اإلنسان المجرم هو بدائي بطبعه وبالتالي‬ ‫‪1‬ثم عمل بعد ذلك استاذا ً للطب العقلي واالنثروبولوجيا الجنائية بجامعة تورينو‬ ‫‪ University of Turin‬في إيطاليا حتى وفاته‪.‬‬ ‫‪2‬د‪.‬علي محمد جعفر‪ ،‬اإلجرام وسي اسة مكافحته‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة‬ ‫والنشر بيروت ‪.1993‬ص ‪. 58‬‬ ‫‪28‬‬ ‫ال يستطيع التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه فتظهر تصرفاته‬ ‫بصورة شاذة وغير مألوفة بالنسبة إلى اآلخرين‪.‬كما فسر‬ ‫لومبروز كثرة وجود الوشم على أجساد المجرمين بعدم اكتراثهم‬ ‫لأللم‪.‬كما رأى في جرائمهم خاصة تلك التي تتعلق باألشخاص‬ ‫والجنس ما يدل على غالظة وجفاف طبعهم وعدم اإلحساس‬ ‫بالحياء‪.‬‬ ‫فضال عن السمات والقسمات في الوجه والرأس‪ ،‬هناك‬ ‫صفات في الحواس يتميز بها المجرم عن غيره‪ ،‬فهو عنيف‬ ‫السمع‪ ،‬قليل اإلحساس باأللم‪ ،‬عنيف المزاج‪ ،‬شديد القسوة‪،‬‬ ‫محب للشر ومولع به‪ ،‬وال يشعر باي تأنيب للضمير‪.1‬‬ ‫وحاول لمبروز الربط بين الصفات التي المت بالمجرم وبين‬ ‫نوعية االجرام التي يميل الى ارتكابها‪ ،‬فهو يري اننا نستطيع‬ ‫معرفه نوعية الجرائم التي يرتكبها المجرم إذا استطعنا معرفه‬ ‫صفاته‪ ،‬فمثال من يتسم بطول الذقن وفرطحة االنف وطول‬ ‫االذنين‪ ،‬يميل الى ارتكاب الجرائم الجنسية‪.‬ومن يتسم بطول‬ ‫الفكين‪ ،‬وبروز الوجنتين‪ ،‬وضيق ابعاد الرأس‪ ،‬وقسوة نظرات‬ ‫العينين‪ ،‬يميل الى ارتكاب جرائم القتل‪.‬ومن يتسم بخفة الحركة‪،‬‬ ‫وكثافة شعر الحاجبين وصغر العينين‪ ،‬وطول األطراف‪ ،‬وقلة‬ ‫شعر الجسم والذقن‪ ،‬يميل الى ارتكاب جرائم السرقة‪.‬‬ ‫ورغم النتيجة التي توصل إليها لومبروزو من اعتباره‬ ‫لإلنسان المجرم بأنه طبع على اإلجرام بالفطرة أو بالميالد‪ ،‬فإنه‬ ‫عدل من نظريته نتيجة لالنتقادات التي وجهت اليها فلم يعد‬ ‫يعتمد على نوع واحد في تفسير االجرام وقسم المجرمين إلى‬ ‫طوائف مختلفة واعتبر أن المجرم بالفطرة أو بالمولد أخطرهم‪،‬‬ ‫كما أنه ارجع أسباب اإلجرام إلى عوامل عديدة منها ما يتعلق‬ ‫بالتكوين الداخلي والخلل العقلي واالضطراب العاطفي‪ ،‬ومنها ما‬ ‫‪ 1‬عبد االحد جمال الدين‪ ،‬االتجاهات االنثروبولوجية في تفسير الظاهرة االجرامية‪،‬‬ ‫مجلة العلوم القانونية واالقتصادية‪ ،‬س ‪ 11‬عدد يوليو ‪ ،1969‬ص ‪ 705‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫يتعلق بالبيئة لكنه رجح العوامل البيولوجية على دور البيئة التي‬ ‫تبقى بنظره محدودة األثر في ارتكاب السلوك االجرامي‪.‬‬ ‫المطلب الثاني‬ ‫أنواع المجرمين لدي لمبروزو‬ ‫تحت تأثيرا االنتقاد الشديدة لنظريته السيما من الفقيه‬ ‫اإليطالي انريكو فيري‪ ،‬حاول لمبروزو التقليل جمودها واعترف‬ ‫ببعض األنواع األخرى لإلجرام تضاف الي النوع األساسي وهو‬ ‫المجرم بالميالد‪:‬‬ ‫اوالً‪ :‬المجرم بالميالد‬ ‫ويتسم هذا النوع من المجرمين بتوافر صفات ومقاييس‬ ‫أنثربولوجية‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬ترتد به إلى األزمنة األولى من مراحل‬ ‫تطور الحياة حيث كان يتميز بها االنسان والحيوان البدائي‬ ‫وتختلف عن المالمح الطبيعية لإلنسان العادي في العصر‬ ‫الحديث‪.‬وبعد ان عدد لومبروزو هذه السمات والخصائص التي‬ ‫يتسم بها المجرم بالميالد‪ ،‬والتي ترتد به الى الحالة البدائية‬ ‫لإلنسانية‪ ،‬اعتبر أن من يتوافر فيه خمس منها فإنَّه يُعتبر‬ ‫مجرما ً بالسليقة‪.‬وأهم ما يميز هذا المجرم أنَّ ارتكابه الجريمة‬ ‫ينشأ من دافع العوامل البيولوجية من دون ما حاجة إلى أ َّية‬ ‫اثارة خارجية أو بيئية تساعد في إتمام تلك الجريمة‪.‬‬ ‫وقددد حدددد لددومللوجو للمجددلم لددالفجلم أو المجددلم الددولاثي صددفام معينددة تميددجه‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫‪ -‬ان المجرم بالميالد يتسم بالطول الزائد والشعر الغامق‬ ‫والوزن الكبير‪.‬‬ ‫‪ -‬صغر الجمجمة وعدم انتظامها وغالبا ً ما تكون الجمجمة‬ ‫عريضة‪ ،‬وذلك يتوقف على العرق الذي ينتمي اليه المجرم‪.‬‬ ‫‪ -‬تشوهات األذن‪ ،‬اللحى الخفيفة‪ ،‬الشيب في الشعر أو‬ ‫الصلع‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪ -‬بروز الفك‪ ،‬وتشوه االنف‪ ،‬وانحدار الجبهة للخلف‪.‬‬ ‫‪ -‬الضعف في القوة البدنية عن الرجال العاديين األصحاء‪.‬‬ ‫‪ -‬العيون البنية أو داكنة والشعر األسود الكثيف‪ ،‬ويعد هذا‬ ‫الشعر أكثر شيوعا ً بين اللصوص‪.‬‬ ‫‪ -‬الظهر المحدب وينتشر بين المغتصبين والمزورين‬ ‫ومرتكبي الحرائق‪.‬‬ ‫‪ -‬قزحية العيون تكون رمادية لدي مرتكبي الحرائق‬ ‫واللصوص‪.‬‬ ‫‪ -‬التفاوت في حجم الجمجمة بالنسبة للنساء العامالت‬ ‫بالدعارة‪.‬‬ ‫‪ -‬زيادة في عدد أصابع القدمين واليدين‪.‬‬ ‫‪ -‬طول شاذ للذراعين‪.‬‬ ‫هذا عالوة على أكثر من مائة صفة حصل عليها من دراسته‬ ‫وتشريحه للجثث والتي خلص منها ايضا ً الى أنَّ المجرمين‬ ‫األوروبيين لديهم تشابه عرقي قوي مع السكان األصليين‬ ‫األستراليين والمغول‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬المجرم المجنون‬ ‫وهو الشخص الذي يرتكب الجريمة نتيجة لما أصابه من‬ ‫مرض عقلي‪ ،‬مما يفقده ملكة التمييز بين الشر والخير ويجعله‬ ‫على درجة من الخطر تقتضي إما ايداعه في احدى المصحات‬ ‫لعالجه من مرضه أو ابعاده عن المجتمع في حالة استحالة هذا‬ ‫العالج‪ ،‬وقد قسم لومبروزو المجرمين المصابين بأمراض عقلية‬ ‫إلى ثالثة اقسام هم‪ :‬المجرم الصرعي‪ ،‬والمجرم السيكوباتي‪،‬‬ ‫والمجرم المجنون‪ ،‬مع اإلهتمام بحالة المجرم االخير لما يرتبه‬ ‫الجنون في المجتمع من آثار أخالقية واجتماعية تنشأ من‬ ‫ارتكاب جرائم يجزع لها الرأي العام‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫حيث يكون لدى المجرمين المجانين هوس ببعض الجرائم‬ ‫باألخص‪ ،‬فمثال يكون لدى بعضهم هوس بارتكاب الحرائق‬ ‫العمدية وهوس بارتكاب القتل العمد تؤدي الرتكاب تلك الجرائم‬ ‫بشكل متكرر‪.‬‬ ‫وقد الحظ لومبروزو ان نوع الضعف العقلي او النفسي يكون‬ ‫له انعكاسه على نوع الجريمة‪ ،‬فمن يُعاني من الغباء يرتكب‬ ‫جرائم القتل والجرح والضرب واالغتصاب والحريق العمد‪ ،‬حيث‬ ‫يستمتع برؤية الدماء والنيران‪.‬اما من يُعاني من البالهة أو‬ ‫ضعف القدرات العقلية يستسلم بسهولة لدوافعه األولى أو‬ ‫اقتراحات اآلخرين‪ ،‬فبالتالي يشيع اشتراكه في الجرائم‪.‬ومن‬ ‫يعاني من االكتئاب فانه يميل الي االنتحار او القتل فقط كنوع من‬ ‫أنواع االنتقام وفي بعض األحيان يقتل أطفاله حتى ال يلحقهم‬ ‫نفس مصيره‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬المجرم الصرعي‬ ‫الحق لمبروزو بالمجرم المجنون نوع اخر وهو المجرم‬ ‫الص رعي‪ ،‬الذي يرتكب الجريمة نتيجة لما الم به من صرع‪،‬‬ ‫فالصرع حالة مرضية وراثية تنتشر بين المجرمين‪ ،‬فهو يُخرج‬ ‫االنسان عن حالته الطبيعية ويرتد به للحالة البدائية لإلنسان‪.‬‬ ‫وما شجع لمبروزو للتاكيد على هذا النوع من االجرام هو‬ ‫دراسته لحالة الجندي مسديا ‪ Misdea‬وهو مجند حسن الخلق‬ ‫اصابته حالة غريبة من الهياج انتهت بقتله لثمانية من زمالئه‬ ‫ورؤسائه ثم وقع فاقدا ً للوعي لمدة اثني عشرة ساعة‪ ،‬وعندما‬ ‫استيقظ لم يتذكر شيء مما حدث‪ ،‬وبالكشف عليه تبين للمبروزو‬ ‫انه مصاب بالصرع‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬المجرم المعتاد‬ ‫وهو المصاب بنقص عقلي وضعف خلقي‪ ،‬فإذا صادف‬ ‫ظروفا ً اجتماعية سيئة كالبطالة‪ ،‬أو إدمان الخمور‪ ،‬فإنَّه يعتاد‬ ‫‪32‬‬ ‫على ارتكاب الجرائم‪ ،‬وهذا الصنف من المجرمين يعتبر مصدرا ً‬ ‫مستمرا ً لإلجرام‪ ،‬بسبب طبيعتهم النفسية المستعدة دوما ً الرتكاب‬ ‫المزيد من الجرائم وهناك شبه اجماع في الفقه على أن الفئات‬ ‫الثالث السابقة تمثل درجة متقدمة من الخطورة اإلجرامية تحتاج‬ ‫الى افراد تدابير وقائية خاصة لكل منها لمنع استشراء عدواها‬ ‫لألخرين‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬المجرم بالصدفة‬ ‫وهو المجرم الذي يرتكب الجريمة ألسباب عرضية بحته‬ ‫وينقاد إليها ألسباب كثيرة غير مقنعة أو كافية‪ ،‬فهو شخص ال‬ ‫يميل لإلجرام بحسب األصل وليس لديه استعداد وراثي له لكنه‬ ‫تأثير ب العوامل والمؤثرات الخارجية الطارئة التي اضعفت من‬ ‫قدرته على كبح جماح نفسه فاقدم على ارتكاب الجريمة ومن‬ ‫تلك المؤثرات تعاطي المسكرات أو المخدرات‪ ،‬وكذلك االحتياج‬ ‫الذي يدفع الرجل إلى السرقة‪ ،‬والجوع الذي من الممكن أي‬ ‫جعل الرجل لصا ً ولو لمرة واحدة‪ ،‬ولوحظ أحيانا ً أ َّنه يرتكب‬ ‫الجريمة من أجل تقليد االخرين أو للفت انظار افراد الجماعة‬ ‫لشخصه‪ ،‬وهذا يقتضي تدبير خاص له ألجل عالجه والحيلولة‬ ‫دون تحويله إلى مجرم بالعادة‪.‬‬ ‫ويلعب ادمان المخدرات والمسكرات دورا ً كبير في التأثير‬ ‫على هذا النوع من المجرمين فلقد ثبت‪ ،‬من دراسة أُجريت في‬ ‫فرنسا‪ ،‬في الفترة من ‪ 1827‬إلى ‪ ،1869‬انخفاض الجرائم ضد‬ ‫األشخاص بشكل كبير في الفترة من أغسطس إلى ديسمبر‪ ،‬في‬ ‫حين تزداد جرائم االعتداءات الجسدية الخطيرة‪ ،‬في شهر‬ ‫نوفمبر في فترة استيراد النبيذ الجديد بفرنسا‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬المجرم بالعاطفة‬ ‫هذا النوع من المجرمين يختلف عن جميع األنواع السابقة‬ ‫في انه يتميز بمجموعة من الصفات النبيلة‪ ،‬ويقترف جرائمه‬ ‫‪33‬‬ ‫نتيجة لعاطفته المرهفة والتي تتأثر بأسباب متعددة اهمها الغيرة‬ ‫والحسد والحماس واالندفاع والدفاع عن الشرف واالخالق‬ ‫والحب‪ ،‬ويمكن لهذا الصنف العاطفي أن يرتكب جريمة القتل ضد‬ ‫شخص قام باإلساءة إلى أسرته أو شخص خان ثقته‪.‬‬ ‫ويرى البعض أ َّنه يمكن أن يندرج هذا‪.‬النوع من المجرمين‬ ‫تحت مجموعة المجرم المصاب بالهيستريا‪ ،‬وغالبا ما يرتكب‬ ‫هذا الشخص الجرائم السياسية‪.‬‬ ‫المطلب الثالث‬ ‫تقييم نظرية لومبروزو‬ ‫رغم كل االنتقادات التي وجهت لنظرية لمبروزو وما تبدو‬ ‫عليه من تعارض مع التفكير العلمي المنطقي الذي يرفض‬ ‫االحكام المسبقة على االنسان واالشياء وضرورة الدراسة‬ ‫العلمية التجريبية قبل الحكم على األشياء‪ ،‬اال ان هذه النظرية لم‬ ‫تخلو من المزايا التي ال ينكرها اال كل جاحد‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬مزايا نظرية لمبروزو‬ ‫‪.1‬االهتمام بدراسة شخص المجرم ال الجريمة‪:‬‬ ‫يرجع الفضل للمبروزو في انه نبه األذهان الي ضرورة‬ ‫االهتمام بشخص المجرم كأساس للظاهرة اإلجرامية ودراسة‬ ‫جسمه من الناحيتين العضوية والنفسية الستخالص أسباب‬ ‫الجريمة‪ ،‬بعد أن كان االهتمام منصبا ً على الجريمة كفعل مادي‬ ‫أصم‪ ،‬وكان بذلك يرد على المدرسة الفرنسية البلجيكية‬ ‫‪ Franco-Belge‬في علم اإلجرام التي اقتصرت على العوامل‬ ‫االجتماعية فقط في تفسير الظاهرة االجرامية‪.‬‬ ‫‪.2‬محاولة إتباع المنهج العلمي في دراسة الجريمة‪:‬‬ ‫ال ينسى العلم لهذا الباحث فضله في الدفع بالدراسات‬ ‫االجرامية نحو اتباع المنهج العلمي القائم على المالحظة‬ ‫والتجربة‪ ،‬ودوره أيضا ً في إنشاء وتطوير علم األنثروبولوجيا‬ ‫‪34‬‬ ‫(علم طبائع اإلنسان) ووضعه ألول تصنيف علمي للمجرمين‬ ‫ً‬ ‫محاوال‬ ‫قائم على الخصائص البيولوجية والعضوية والنفسية‪،‬‬ ‫بيان الرابطة بين تلك الخصائص وبين السلوك اإلجرامي‪.‬ولهذه‬ ‫األسباب لقب لومبروزو باألب الروحي لعلم اإلجرام‪.‬‬ ‫‪.3‬أول من اعتبر المجرم مريضا ال يستحق عقوبة بل يستأهل‬ ‫تدبيرا ً أو أمرا ً وقائيا ً أو عالجيا ً أو التخلص منه إذا تعذر عالجه‬ ‫أو إصالحه‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬االنتقادات التي وجهت لنظرية لمبروزو‬ ‫وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات من حيث أسلوب البحث‬ ‫ومن حيث نطاقه ومن حيث النتائج التي استخلصها ونوجز تلك‬ ‫العيوب فيما يلي‪:‬‬ ‫‪.1‬من حيث أسلوب البحث‬ ‫تعميمه للنتائج التي توصل اليها‪ ،‬رغم ان العدد الذي أجرى‬ ‫عليه أبحاثه ال يمكن االعتماد عليه في إرساء قواعد نظرية‬ ‫علمية ثابتة عامة‪ ،‬فلقد قام بتشريح عدد من المجرمين لكنه لم‬ ‫يقم بتشريح عدد من غير المجرمين بل اكتفى بفحصهم فلم تكن‬ ‫المقارنات كافية وال متكافئة‪.‬فاستنتاجه نقص الشعور باأللم لدى‬ ‫المجرمين النتشار عادة الوشم أمر ال يمكن تعميمه على الكافة‬ ‫حتى بين المجرمين أنفسهم‪ ،‬وذات األمر يقال بالنسبة لعادة‬ ‫استعمال اليد اليسرى كمظهر إجرامي وداللة على االضطراب‬ ‫النفسي‪.‬‬ ‫كما أن عالمات الرجعة واالرتداد التي قال بتوافرها بين‬ ‫المجرمين لم يقيم عليها الدليل العلمي‪ ،‬كما ثبت بعد ذلك من‬ ‫أبحاث جورينج‪ Charles Goring‬أن تلك الصفات ليست قاصرة‬ ‫على المجرمين وحدهم ألنها توجد في غير المجرمين ايضاً‪ ،‬فلقد‬ ‫اثبت جورنج في عام ‪ 1901‬من خالل دراسته لثالثمائة من‬ ‫المحكوم عليهم وعدد ممن لم يخالفوا القانون‪ ،‬انه ال يوجد‬ ‫‪35‬‬ ‫تفاوت بين مالمح المجرمين ومالمح غير المجرمين‪ ،‬وان‬ ‫السواء والشذوذ في التكوين ظاهرة مشتركة بين الفريقين‪ ،‬وهو‬ ‫ما ينفي ما ذهب اليه لمبروزو من انفراد المجرمين بسمات شاذة‬ ‫تميزهم عن غيرهم‪.1‬‬ ‫كما ثبت بعد ذلك أيضا من أبحاث هوتون ‪ Hootone‬أن تلك‬ ‫الصفات ال تتوافر في كل مجرم أي أنها ليست خصائص أو‬ ‫عالمات مشتركة بين جميع المجرمين‪.‬‬ ‫‪.2‬من حيث نطاق البحث‬ ‫تركيز لمبروزو على العوامل البيولوجية جعله يتجاهل تماما‬ ‫دور العوامل االجتماعية في إنتاج الظاهرة اإلجرامية ومع أنه‬ ‫كان يرد على المدرسة الفرنسية البلجيكية التي اقتصرت على‬ ‫أهمية العوامل االجتماعية في اإلجرام في ذلك الوقت إال أن رده‬ ‫يعتبر تطرفا عكسيا معيبا‪ ،‬كما أنه لم يمد نطاق بحثه إلى دراسة‬ ‫العوامل االجتماعية لتحديد أثرها في اإلجرام بل خص بحثه في‬ ‫العوامل الفردية وحدها فكان نطاق البحث ضعيفا‪.‬‬ ‫‪.3‬من حيث النتائج التي خلص إليها‬ ‫أ‪.‬قول لمبروزو بان االنسان يولد مجرماً‪ ،‬بمعني انه يحتفظ‬ ‫عن طريق الوراثة بالخصائص األنثروبولوجيا الخاصة‬ ‫باإلنسان البدائي‪ ،‬فتدفعه حتما إلى الجريمة أ ًيا ما كان المكان‬ ‫والزمان الذي ولد فيه‪ ،‬ال يستقيم مع نسبية فكرة الجريمة‬ ‫وتغيرها من مكان إلى أخر وفي المكان الواحد من آن إلى آخر‪.‬‬ ‫‪1‬د‪.‬اسحاق إبراهيم منصور‪ ،‬موجز علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬ديوان المطبوعات‬ ‫الجامعية‪ ،‬الجزائر ‪ ،1982‬ص ‪.26‬‬ ‫‪36‬‬ ‫ب‪.‬تشبيه لمبروزو المجرم باإلنسان البدائي تشبيه مرفوض لعدة‬ ‫أسباب‪:‬‬ ‫‪ )1‬لم يثبت علميا أن لومبروزو قد درس تاريخ الجنس‬ ‫البشري حتى يستطيع إعطاء أو تكوين فكرة صحيحة عن‬ ‫اإلنسان البدائي القديم؛‬ ‫‪ )2‬تشبيه المجرم باإلنسان البدائي يعني أن جميع أعضاء‬ ‫المجتمع البشري األول كانوا مجرمين وهذه النتيجة لم يقطع‬ ‫التاريخ البشري بصحتها وليست منطقية وال تقبل التصديق؛‬ ‫‪ )3‬هذا التشبيه يعني ان جميع افراد المجتمع البدائي كانوا‬ ‫مجرمين‪ ،‬وهو ادعاء ال يمكن تصديقه‪.‬‬ ‫ج‪.‬فكرة المجرم بالميالد غير صائب على اإلطالق ألن الشاخص‬ ‫ال يكون مجرماا إال إذ ارتكاب سالوكا يؤثماه الشاارع الوضاعي فاال‬ ‫يعااد مجرمااا كاال ماان ولااد مشااوه الجساام أو مختاال الاانفس وهااو لاام‬ ‫يرتكب بعد أي فعل يعد جريمة‪.‬‬ ‫د‪.‬وأخيرا فإن من شأن التسليم بما قاله لومبروزو من حتمية‬ ‫الجريمة ال يمكن التسليم به ألنه يهدر مبدأ الشرعية‪ ،‬إذا صح‬ ‫ادعاء لمبروزو بان االنسان يولد مجرما ً فهذا يعني انه مسير فال‬ ‫يستطيع تغيير سلوكه وال كبح جماح رغباته مما يقتضي معه‬ ‫عدم مسائلته جنائيا ً النتفاء إرادة االختيار‪ ،‬والقول بذلك يؤدي‬ ‫الى تقويض صرح القانون الجنائي الذي يؤسس المسئولية‬ ‫والجزاء على مبدأ حرية اإلرادة واالختيار‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫المبحث الثاني‬ ‫نظرية هوتون‬ ‫اجري الباحث االمريكي هوتون ‪Ernest Albert Hooton‬‬ ‫أستاذ األنثروبولوجيا بجامعة هارفارد ‪ Harvard‬دراسة كبيرة‬ ‫شملت ‪ 13,873‬مجرما ً من نزالء السجون واالصالحيات‪.‬‬ ‫كما قام بدراسة مقارنة على مجموعات ضابطة من غير‬ ‫المجرمين بلغ عددها ‪ 3203‬شخصا ممن تتوافر فيهم ذات‬ ‫الصفات العضوية وتتماثل كافة ظرفهم البيئية ومستوى الذكاء‬ ‫والمستوى الثقافي والحضاري‪ ،‬منهم ‪ 1976‬شخصا ً سويا ً‬ ‫و‪ 1227‬شخصا ً من غير األسوياء‪.‬‬ ‫وقد تبين له من خالل هذه الدراسة أن المجرمين يتميزون‬ ‫بصفات موروثة معينة ال تظهر عند األسوياء‪ ،‬كما توجد لديهم‬ ‫عالمات ارتدادية مثل التي قال بها لومبروزو وبوجود انحطاط‬ ‫جسماني موروث ونقص ودونية بيولوجية واستدل على هذا‬ ‫االنحطاط بوجود شذوذ عضوي في بعض األعضاء ومنها فرطحة‬ ‫األنف وغلظتها‪ ،‬و ُرفع الشفاه‪ ،‬وضئالة حجم األذن‪ ،‬وطول الرقبة‪،‬‬ ‫وهبوط األكتاف‪ ،‬وكثافة ونعومة شعر الرأس‪ ،‬وكثرة الوشم‪.‬‬ ‫كما استنتج هوتون من خالل دراسته أن الصفات التي‬ ‫الحظها تختلف بإختالف أنواع الجرائم المرتكبة‪ ،‬فالذين يرتكبون‬ ‫جرائم القتل يختلفون في أوصافهم الجسدية عن الذين يرتكبون‬ ‫جرائم األموال وهؤالء يختلفون في شكلهم عن األشخاص الذي‬ ‫يرتكبون جرائم جنسية وهكذا ‪ ،...‬فالقاتل يمتاز بطول القامة‬ ‫وامتالء الجسم‪ ،‬ومرتكب الجريمة الجنسية أقرب ما يكون إلى‬ ‫الشكل القصير الغليظ‪.‬‬ ‫يُحمد لهوتون التركيز على شخصية المجرم‪ ،‬شانه في ذلك‬ ‫شأن لمبروزو‪ ،‬والبحث في داخلها عن أسباب اجرامه‪ ،‬عالوة‬ ‫على انه تالفى النقد الذي وجه إلى آراء لومبروزو حيث قصر‬ ‫هذا األخير دراسته على فئة المجرمين دون غيرهم‪ ،‬بينما شملت‬ ‫‪38‬‬ ‫ال عن عدد من المجرمين‪ ،‬عدد مماثل من‬ ‫دراسة هوتون فض ً‬ ‫االسوياء‪ ،‬ومع ذلك تعرضت للنقد من أوجه عديدة نوجزها فيما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫‪.1‬عدم كفاية العينة موضع الدراسة الستنتاج الحقيقة في‬ ‫كافة جوانبها‪ ،‬ألنها تناولت الذين ثبت إجرامهم أمام القضاء مع‬ ‫أن الواقع يدل على أن كثير من المجرمين يبقون خارج‬ ‫السجون‪ ،‬إما لعدم اكتشاف أمرهم‪ ،‬أو تبرئتهم أو عدم كفاية‬ ‫األدلة أو الحكم عليهم بالغرامة‪ ،‬أو بأية عقوبة سالبة للحرية مع‬ ‫وقف تنفيذها‪.1‬‬ ‫‪.2‬نظرية هتون تفتقد للموضوعية فهي لم تقدم دليالً علميا ً‬ ‫واحدا ً على أن االنحطاط الجسماني الذي يتميز به المجرمون هو‬ ‫انحطاط يرجع إلى عامل الوراثة دون غيره من العوامل‪.‬‬ ‫‪.3‬أ ُخذ على نظرية هوتون انها لم تُعر العوامل البيئية‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية اهتماما ً رغم صلتها الوثيقة بالسلوك‬ ‫االجرامي‪.‬فمما ال شك فيه أن المظاهر التي قيل بها قد تعود‬ ‫ألسباب عرضية مكتسبة وغير وراثية كسوء تغذية أو أسباب‬ ‫مناخية وبيئية ومهنية تؤثر في شكل ومالمح الشخصية‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫‪.4‬استنتاج هوتون لخصائص معينة عند المجرم تختلف‬ ‫باختالف نوع الجريمة المرتكبة هو استنتاج وأن صح في بعض‬ ‫الحاالت فإنه غير منطقي في حاالت كثيرة‪ ،‬مما يجعلها غير‬ ‫قاطعة في صحتها‪ ،‬ومن ثم من غير الجائز االعتماد عليها‬ ‫بصورة مطلقة‪.‬‬ ‫‪1‬د‪.‬علي محمد جعفر‪ ،‬اإلجرام وسياسة مكافحته‪ ،‬مرجع سبق‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪39‬‬ ‫المبحث الثالث‬ ‫نظرية انريكو فيري ‪Enrico Ferri‬‬ ‫رغم ان انريكو فيري يُحسب على المدرسة البيولوجية‪ ،‬اال‬ ‫انه انتقد النتائج التي توصل اليها مؤسسها استاذه لمبروزو‬ ‫ورفض ربط االجرام ببعض الصفات الجسدية مثل وزن الجمجمة‬ ‫لوجود بعض العباقرة ممن تقل اوزان جماجمهم عن وزن‬ ‫جمجمة الرجل العادي‪.‬‬ ‫المطلب األول‬ ‫مضمون نظرية انريكو فيري‬ ‫يري فيري ضرورة اخذ العوامل االجتماعية في االعتبار عند‬ ‫دراسة الظاهرة االجرامية‪ ،‬واقر في كتابه الشهير "علم‬ ‫االجتماع الجنائي" ‪ La sociologie criminelle‬الصادر عام‬ ‫‪ ،1881‬أن الجريمة تقع بفعل عوامل شخصية وطبيعية‬ ‫وإجتماعية‪ ،‬والعوامل الشخصية عبارة عن التكوين العضوي‬ ‫والفيزيولوجي والنفسي للمجرم وحالته المدنية وطبقته‬ ‫االجتماعية ودرجة ثقافته وجنسه وسنه‪ ،‬والعوامل الطبيعية‬ ‫عبارة عن البيئة الجغرافية بكافة عناصرها‪ ،‬كالمناخ‬ ‫والتضاريس واختالف الفصول وطبيعة التربة‪ ،‬والعوامل‬ ‫االجتماعية متشعبة وال تقع تحت حصر‪ ،‬وقد تظهر في نظام‬ ‫األسرة وكثافة السكان والتنظيم االقتصادي والسياسي واإلداري‬ ‫والتشريعي‪.‬‬ ‫وعليه ينسب انريكو فيري السلوك اإلجرامي الى تفاعل عدة‬ ‫عوامل لذا وضع ما يسمى "بقانون اإلشباع والتشبع اإلجرامي "‬ ‫‪Loi de la saturation et de la sursaturation criminelles‬‬ ‫‪ ،‬وهو قانون يشبه قانون الكثافة في علم الكيمياء‪ ،‬ومؤداه أنه‬ ‫إذا تكاتفت عوامل طبيعية وجغرافية معينة‪ ،‬مع ظروف اجتماعية‬ ‫معينة ‪ ،‬ينتج حتما ً عددا ً معينا ً من الجرائم ال ينقص وال يزيد‪.‬‬ ‫وطبقا ً لهذا القانون أيضا ً يصل فيري إلى القول بأن كل حدث غير‬ ‫‪40‬‬ ‫طبيعي أو طارئ ‪ -‬كحرب أو ثورة أو وباء عام‪...‬الخ ‪ -‬يؤدي إلى‬ ‫اطراد سريع في معدل اإلجرام سرعان ما يعود هذا المعدل إلى‬ ‫حاله السابق عندما يزول الحدث الشاذ‪.‬‬ ‫ولقد صنف المجرمين الي عدة أنواع مختلفة‪ ،‬تختلف‬ ‫بإختالف شذوذهم البيولوجي واالجتماعي على النحو التالي‪:‬‬ ‫‪ -‬المجرم المجنون او المصاب بعاهة عقلية ‪Criminels‬‬ ‫‪ aliénés‬الذي يصاب بمرض عقلي يفقده اإلدراك ويدفعه إلى‬ ‫ارتكاب الجريمة نتيجة لذلك؛‬ ‫‪ -‬المجرم بالميالد ‪ Criminels nés‬الذي يشبه إلى حد كبير‬ ‫النموذج الذي قرره لومبروزو‪ ،‬مع تركيز األول على صفاته‬ ‫النفسية؛‬ ‫‪ -‬المجرم المعتاد ‪ Criminels d’habitude‬الذي يرتكب‬ ‫أكثر من جريمة ويصبح محترفا وال يستطيع أن يتحول عن‬ ‫السلوك اإلجرامي بسبب اعتياده وأكثر أصناف هذا النوع هم‬ ‫اللصوص والنصابين؛‬ ‫‪ -‬المجرم بالعاطفة ‪ Criminels passionnels‬الذي يتصف‬ ‫باالنفعال الشديد والمزاج العصبي والغيرة والندم ولوم النفس‬ ‫وقد يصل به األمر إلى االنتحار؛‬ ‫‪ -‬المجرم بالصدفة ‪ Criminels d’occasion‬الذي ينتفي‬ ‫لديه الميل لإلجرام ولكنه قد يرتكب الجريمة بسبب عدم قدرته‬ ‫على مواجهة بعض المشاكل مثل البطالة‪.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫المطلب الثاني‬ ‫تقدير نظرية انريكو فيري‬ ‫من مزايا نظرية انريكو فيري انها ارجعت السلوك االجرامي‬ ‫الي أسباب بيولوجية وطبيعية واجتماعية‪ ،‬فالسلوك االجرامي‬ ‫شأنه شأن أي سلوك انساني اخر‪ ،‬يتأثر بجميع هذه العوامل وال‬ ‫يمكن ان نحصره في عامل منها دون االخر‪.‬ومن اهم هذه‬ ‫النتائج اإليجابية‪:‬‬ ‫‪.1‬أنااه يااري أن الجريماة ليسات ظاااهرة محااض بيولوجيااة‪ ،‬وال‬ ‫طبيعية وال إجتماعية‪ ،‬لكنهاا نتااج كال هاذه العوامال مجتمعاة‪ ،‬وذلاك‬ ‫مهماا كاان مساتوى خطورتهاا أو تفاهتهاا‪ ،‬ومهماا كاان ناوع فاعلهااا‬ ‫من الناحية األنثروبولجية‪ ،‬وسواء اعتبرناه شاذا بصافة خاصاة‪ ،‬أم‬ ‫دائمة‪ ،‬أم عابرة‪ ،‬أو بصفة موروثة أو مكتسبة‪.‬‬ ‫‪.2‬لدى كل مجرم أيا كان نوعه‪ ،‬وفي كل جريمة أيا كان‬ ‫نوعها‬ ‫يتفاوت مدى قوة العامل السائد سواء كان ينتمي إلى الدوافع‬ ‫البيولوجية‪ ،‬أم الطبيعية أم االجتماعية أم إلى دوافع خاصة‪.‬‬ ‫‪.3‬إقراره أن أحد طرق مكافحة الظاهرة اإلجرامية تتمثل في‬ ‫االهتمام بتغيير الظروف االجتماعية المحيطة بالفرد من خالل‬ ‫انتهاج سياسة اجتماعية واقتصادية وثقافية تهدف إلى تحييد‬ ‫العوامل الدافعة لإلجرام‪.1‬‬ ‫ولذا يرى بعض المؤلفين أن "فيري "ينبغي أن يعتبر‬ ‫مؤسسا لعلم اإلجرام " ألنه من حاز نظرة تركيبية لمشكلة‬ ‫الجريمة‪.2‬‬ ‫‪ 1‬من أقوال انريكو فيري الشهيرة في هذا الشأن "أن مكافحة الجريمة في طريق‬ ‫مظلم ال تتأتى بزيادة أعداد رجال الشرطة في هذا الشارع وإنما بإنارته‪".‬‬ ‫‪2‬د‪.‬رؤوف عبيد‪ ،‬أصول اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار الجيل للطباعة‪ ،‬طبعة ثامنة ‪،1989‬‬ ‫ص‪.86‬‬ ‫‪42‬‬ ‫اما أهم االنتقادام التي وجهم الى نظلية انليكو فلي فيمكن اجمالها في االتي‪:‬‬ ‫‪.1‬أنها تبنت فكرة حتمية الجريمة شانها في ذلك شأن نظرية‬ ‫لمبروزو‪ ،‬علما بأن األبحاث العديدة التي أجريت بعد ذلك أثبتت‬ ‫أنه مهما تعددت العوامل الشخصية واالجتماعية والنفسية‬ ‫وأثرت في توجيه سلوك الفرد‪ ،‬فإن ذلك ال ينفي قدرته على‬ ‫توجيه سلوكه على النحو الذي يراه بما يمتلك من إرادة وحرية‬ ‫اختيار‪ ،‬مهما ضاق نطاقهما؛‬ ‫‪.2‬إن فكرة التشبع اإلجرامي التي اعتمدت عليها نظرية فري‬ ‫تقوم في أساسها على التخيل وعدم الواقعية‪ ،‬ألن نسبة الجرائم‬ ‫ال يمكن أن تكون ثابتة كذلك ولو خضعت لنفس الظروف‪.‬‬ ‫‪.3‬تصنيف فيري للعوامل اإلجرامية غير دقيق‪ ،‬ودليل ذلك‬ ‫أنه يدخل اإلنتاج الزراعي ضمن العوامل الطبيعية في حين يرى‬ ‫أن اإلنتاج الصناعي يدخل ضمن العوامل االجتماعية أو البيئية‪.‬‬ ‫وربما الذي دفعه لهذا التقسيم هو دور الفرد المحدود بالنسبة‬ ‫لإلنتاج الزراعي إذا ما قورن بدوره في اإلنتاج الصناعي‪.‬كما أن‬ ‫احتكاك الفرد بغيره يقل في المجتمعات الزراعية عنه في‬ ‫المجتمعات الصناعية‪.‬‬ ‫‪.4‬لم يتمكن فيري من خالل فكرة تعددية وتنوع أسباب‬ ‫الظاهرة االجرامية الي تحديد السبب الدافع للجريمة من بينها‬ ‫والالزم معرفته لتحديد عالقية السببية بين السلوك والنتيجة‪.‬‬ ‫ورغم هذه االنتقادات اال اننا ال يمكن ان ننكر ان فيري كان اول‬ ‫من رفض فكرة السبب االوحد للسلوك االجرامي‪ ،‬وان نظريته‬ ‫نظرية تكاملية وفتح الطريق لمن تاله للبحث عن عوامل اخري‬ ‫لإلجرام غير العوامل البيولوجية‪.‬‬ ‫‪43‬‬ ‫المبحث الرابع‬ ‫نظرية دي توليو "نظرية االستعداد االجرامي"‬ ‫تمهيد وتقسيم‬ ‫كان دي توليو طبيبا في أحد سجون روما‪ ،‬وسمحت له‬ ‫طبيعة عمله بإجراء العديد من التجارب والدراسات في‬ ‫المؤسسات العقابية في روما‪.‬وتمثل اهم انتاجه العلمي في مجال‬ ‫علم االجرام في كتاب بعنوان "مبادئ علم االجرام االكلينيكي"‬ ‫وكتاب بعنوان "مطول االنثروبولوجيا الجنائية"‪.‬‬ ‫ورغم انه أحد تالميذ لمبروزو اال انه جاء بوجه نظر مخالفة‬ ‫لنظرية لمبروزو وللنظريات األخرى في تفسير السلوك‬ ‫االجرامي‪ ،‬فهو لم يعزي السلوك االجرامي الي عامل وحيد كما‬ ‫فعل لمبروزو في التفسير البيولوجي او كما فعل فرويد في‬ ‫التفسير النفسي‪.‬‬ ‫المطلب األول‬ ‫مضمون نظرية دي توليو‬ ‫نظرية دي توليو قائمة على فكرة التكوين االجرامي أو‬ ‫االستعداد الفطري وهو ما يمتاز به المجرمون عن غيرهم في‬ ‫اقتراف الجريمة‪ ،‬اال ان هذا االستعداد الفطري ال يفضي بذاته‬ ‫الي الجريمة‪ ،‬وانما يلزم لذلك وجود مؤثرات وعوامل خارجية‬ ‫تمهد الطريق لهذا االستعداد االجرامي للظهور‪.‬وتبدو اثار هذا‬ ‫االستعداد في االنفعاالت الالشعورية التي تضطرب بها العاطفة‬ ‫باالستفزازات الخطيرة او الفجائية ولذا فقد سمي دي توليو‬ ‫المجرمين الذين يرتكبون الجريمة بصورة فجائية بالمجرمين‬ ‫بالصدفة وما كان لهم ان يرتكبوا الجريمة مالم يوجد لديهم‬ ‫استعداد داخلي لذلك‪.‬‬ ‫وقد إستدل دي توليو على ذلك بقوله إن المحفزات الخارجية‬ ‫ذاتها لو اصابت رجلين معينين على سبيل المثال لكان أثرها على‬ ‫‪44‬‬ ‫أحدهما اشد وقعا من االخر ولعل أحدهما يقترف الجريمة واالخر‬ ‫يحجم عنها وما علة ذلك عنده اال تحقق االستعداد اإلجرامي لدي‬ ‫أحدهم دون االخر‪ ،‬ويشبه دي توليو االستعداد االجرامي‬ ‫بالمرض‪ ،‬فكما ان االنسان يمرض جسما فانه يمرض نفسا‬ ‫وروحا بداء االجرام ثم يقترف الجريمة نتيجة لهذا المرض‪.‬‬ ‫ولقد ميز بين نوعين من االستعداد‪ ،‬فكما يوجد استعداد‬ ‫اجرامي اصيل‪ ،‬يوجد استعداد اجرامي عارض‪ ،‬ويبدو أن القسم‬ ‫االول اشد خطرا على المجتمع من القسم الثاني الن المجرمون‬ ‫باألصالة غالبا ما يعودوا الرتكاب الجريمة ويعتادوا على ذلك‬ ‫حتى يحترفوا االجرام وال يؤثر العقاب في ردعهم وال اصالحهم‬ ‫ألنهم نشأوا على الجريمة وتوافر لديهم االستعداد الداخلي على‬ ‫ارتكابها‪.‬‬ ‫أما القسم الثاني فهو االستعداد الطارئ او العارض ويعني أن‬ ‫المجرم لم يكن مستعدا القتراف الجريمة قبل ارتكابها بل كان‬ ‫سويا مستقيما شاءت األقدار المتمثلة في الظروف الخارجية‬ ‫االستفزازية الخطيرة أو االنفعال الشديد كاليأس والحقد والشعور‬ ‫بالظلم االجتماعي او الحرمان الذي إذا الم بأحد ربما دفعه إلى‬ ‫الجريمة‪ ،‬وقد سمي هؤالء بالمجرمين العاطفيين‪.‬‬ ‫ويقرر دی توليو ان دراسية شخصية المجرم يجب ان تكون‬ ‫دائما ً دراسة متكاملة‪ ،‬وهذا يعني ان المختصين يجب ان يهتموا‬ ‫بفحص أعضاء الجسم الخارجية‪ ،‬ودراسة وظائف األعضاء‬ ‫الداخلية‪ ،‬مثل الجهاز التنفسي والجهاز العصبي والجهاز‬ ‫التناسلي‪ ،‬دون تجاهل دراسة الجانب النفسي والتعرف على‬ ‫غرائز النفس وما تثيره من حاجات‪.‬ولن يتم ذلك على الوجه‬ ‫الصحيح اال باالختبارات العضوية التصويرية التي لها الدور‬ ‫الرئيس للوصول الى الغاية التي تسمح بمعرفة السلوك الفردي‪،‬‬ ‫لذا فإنه من غير الممكن تقييم و وزن طبيعة كل فعل يرتكب ضد‬ ‫المجتمع كفعل جنائي‪ ،‬مادام أن الشخصية الجنائية يصعب‬ ‫‪45‬‬ ‫االحاطة بأشكالها ومظاهرها المختلفة كاألعضاء والنفس‬ ‫واالستعدادات الخاصة‪.‬‬ ‫فسبب الجريمة هو مزيج من العوامل العضوية واالجتماعية‬ ‫وان كل مظهر جنائي دائما يكون ناتج عن الرابطة الموجودة‬ ‫بين االستعداد التخاذ موقف مناهض للمجتمع وبين البيئة‪ ،‬فهذه‬ ‫األسباب تستهدف البيئة واالستعداد او هي عوامل مساعدة‬ ‫(ثانوية) ومالئمة‪.‬‬ ‫ويري ان الرجل العادي ليس هو الرجل الخير الفاضل‪ ،‬بل‬ ‫هو الرجل الذي لديه القدرة على التكييف بصفة ثابتة مع‬ ‫ضرورات الحياة االجتماعية والذي يدرك قيمة افعاله قياسا ً على‬ ‫القواعد األخالقية السائدة في مجتمعه‪.‬فاإلنسان يقع تحت تأثير‬ ‫الخير والشر والحب والبغضاء والنهم والقناعة واالجرام‬ ‫واالستقامة فليس كل الناس مجرمين وليس كل الناس عاديين‪،‬‬ ‫والعاديين لو أتيحت لهم الفرصة اقترفو?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser