تاريخ الدولة العربية الإسلامية PDF

Summary

This document provides an overview of the history of the Arab Islamic state. It covers the pre-Islamic era, including geography, origins, and political and economic conditions. The document is intended for intermediate level students and includes discussion about the political and economic situation during the pre Islamic era.

Full Transcript

‫الفرقة الثانية ( ابتدائ)‬ ‫شعبة‪ :‬الدراسات الجتماعية‬ ‫المقرر‪:‬‬ ‫تاريخ الدولة العربية اإلسالمية‬ ‫إعداد‬ ‫د‪ /‬هبة عبد املقصود‬ ‫مدرس التارخي اإلساليم ـــ لكية الرتبية ـــ جامعة عني مشس‬...

‫الفرقة الثانية ( ابتدائ)‬ ‫شعبة‪ :‬الدراسات الجتماعية‬ ‫المقرر‪:‬‬ ‫تاريخ الدولة العربية اإلسالمية‬ ‫إعداد‬ ‫د‪ /‬هبة عبد املقصود‬ ‫مدرس التارخي اإلساليم ـــ لكية الرتبية ـــ جامعة عني مشس‬ ‫‪-1-‬‬ ‫التمهيد‬ ‫العصر الجاهلي‬ ‫‪-2-‬‬ ‫***جغرافية بالد العرب وأصلهم‪:‬‬ ‫تقع بالد العرب في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا‪ ،‬وهي عبارة عن شبه‬ ‫جزيرة تبلغ مساحتها نحو ثالثة ماليين كيلومتر مربع‪.‬فهي تعد أكبر شبه جزيرة في‬ ‫العالم‪.‬ويحدها من الشمال بادية الشام‪ ،‬ومن الجنوب المحيط الهندي‪ ،‬ومن الشرق‬ ‫عمان‪ ،‬ومن الغرب البحر األحمر‪.‬‬ ‫الخليج الفارسي‪ -‬الخليج العربي حاليًا‪ -‬وبحر ُ‬ ‫يُقسم معظم الجغرافيين القدماء‪ -‬اليونان والرومان‪ -‬بالد العرب إلى ثالثة أقسام‪ :‬بالد‬ ‫الحجْ رية أو الصخرية‪ ،‬وبالد العرب الصحراوية‪ ،‬وبالد العرب السعيدة‪.‬‬ ‫العرب ِ‬ ‫وتتألف األولى‪ -‬في رأيهم‪ -‬من جزيرة طور سيناء الممتدة من فلسطين إلى البحر‬ ‫األحمر‪ ،‬أما الثانية فتمتد من حدود الشام والعراق إلى المحيط الهندي‪ ،‬بينما الثالثة‬ ‫والتي تعد أكبر األقسام الثالثة مساحة فتشتمل على (نجد والحجاز واليمن وعمان)‪،‬‬ ‫أي وسط الجزيرة وجنوبها‪ ،‬وسميت بذلك لوفرة الموارد الزراعية والتجارية بها‪.‬‬ ‫أ َّما جغرافيو العرب فقسموها إلى خمسة أقسام هي‪ :‬تهامة‪ ،‬والحجاز‪ ،‬ونجد‪،‬‬ ‫والعروض‪ ،‬واليمن‪.‬‬ ‫وعن طبقاتهم‪ ،‬فقد قسم المؤرخون العرب إلى طبقتين هما‪ :‬بائدة‪ ،‬وباقية‪:‬‬ ‫‪.1‬العرب البائدة أو الهالكة‪ :‬هم القبائل التي هلكت واندثرت أخبارها بسبب تغير‬ ‫المعالم الطبيعية الناتج عن الرمل الزاحف الذي طغى على العمران القديم‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى ثورات البراكين وما ترتب عليها من تدمير للمدن‪ ،‬وقد أجمع المؤرخون على أن‬ ‫عدد قبائل العرب البائدة تسع هي‪ :‬عاد‪ ،‬وثمود‪ ،‬وطسم‪ ،‬وجديس‪ ،‬وأميم‪ ،‬وعبيل‪،‬‬ ‫ضا العرب العاربة؛‬ ‫وجرهم األولى‪ ،‬وجاسم‪ ،‬وعمليق‪.‬ويطلق عليهم المؤرخون أي ً‬ ‫وذلك لرسوخهم في العربية فهم أقدم سكان جزيرة العرب‪.‬كما يعدونهم ساميين نسبة‬ ‫وإر ْم أوالد سام بن نوح‪.‬‬ ‫إلى الوذ‪َ ،‬‬ ‫‪.2‬العرب الباقية وينقسمون إلى‪:‬‬ ‫المتعربة‪ :‬عرب الجنوب‪.‬فهم العرب المنحدرة من نسل َي ْع ُرب بن قَحْ طان بن‬ ‫ّ‬ ‫أ)‬ ‫عابر‪ ،‬ويمتد نسبه إلى سام بن نوح؛ لذلك يطلق عليهم القحطانيين‪ ،‬أو اليمنيين؛ ألنهم‬ ‫سكنوا بالد اليمن وأخذوا العربية عن العرب البائدة فتعربوا بعد أن كانوا يتكلمون‬ ‫السريانية‪.‬‬ ‫ب) المستعربة ‪ :‬سكنوا أواسط جزيرة العرب وبالد الحجاز إلى بادية الشام فهم عرب‬ ‫الشمال‪ :‬وهم العرب المنحدرة من نسل إسماعيل بن إبراهيم؛ لذلك يسميهم المؤرخون‬ ‫اإلسماعيليين‪ ،‬وسموا بالمستعربة ألن إسماعيل كان يتكلم العبرانية‪ ،‬وعندما نزلت‬ ‫‪-3-‬‬ ‫قبائل جرهم القحطانية‪ -‬جرهم الثانية‪ -‬بمكة وسكنوا معه وتزوج منهم تعلم هو وأبناؤه‬ ‫ضا بالعدنانية نسبة إلى عدنان الذي ينتهي نسبة إلى سيدنا‬ ‫العربية‪.‬وسموا أي ً‬ ‫إسماعيل‪ ،‬ومن عدنان كانت قبائل العرب‪ ،‬وبطونها فقد جاء بعد عدنان ابنه معدّ‪ ،‬ثم‬ ‫نزار‪ ،‬ثم جاء بعده ولداه‪ :‬ربيعة‪ ،‬ومضر‪ ،‬ومنهما كانت معظم القبائل العربية‪ ،‬فمن‬ ‫أشهر قبائل مضر‪ :‬هوازن‪ ،‬وغطفان‪ ،‬وتميم‪ ،‬وعدي‪ ،‬وقريش‪ ،‬ومن أشهر قبائل‬ ‫ربيعة‪ :‬عبد القيس‪ ،‬وبكر‪ ،‬وتغلب‪ ،‬وحنيفة‪.‬‬ ‫سبق عرب الجنوب عرب الشمال في إنشاء حضارة خاصة بهم‪ ،‬بينما ظل معظم‬ ‫الشماليين يعيشون في بيوتهم التقليدية‪ ،‬وينتقلون من مكان آلخر طلبًا للعيش والحياة‪،‬‬ ‫ولم يظهر عرب الشمال على المسرح العالمي إال ببزوغ شمس اإلسالم الذي تعتبر‬ ‫أرضهم مهده األول‪.‬‬ ‫*** أحوال العرب في العصر الجاهلي‪:‬‬ ‫أوالً ــــ األحوال السياسية‪:‬‬ ‫لم تعرف بالد العرب قبل اإلسالم نظام الدولة السياسي‪ ،‬ولم يكن بها حكومة مركزية‬ ‫تهيمن على كافة شؤونها‪ ،‬وإنما اكتظت بالوحدات السياسية المستقلة التي عرفت‬ ‫بالقبائل‪.‬ونشأت في أطراف شبه الجزيرة بعض الممالك المتحضرة مثل مملكة‬ ‫الحيرة في الشمال الشرقي‪ ،‬ومملكة الغساسنة في الشمال الغربي‪ ،‬وممالك اليمن في‬ ‫وحمير)‪.‬‬ ‫الجنوب (مثل معين وسبأ ِ‬ ‫ترأَّس كل قبيلة شخص يُلقب بشيخها أو سيدها يختاره مجلس شيوخها من بينهم‪ ،‬وال‬ ‫بد أن تتوافر فيه ست خصال هي‪ :‬الكرم‪ ،‬والبطولة‪ ،‬والنجدة‪ ،‬والحلم‪ ،‬والصبر‪،‬‬ ‫والتواضع‪ ،‬والبيان باإلضافة إلى مجموعة من الشروط عند اختياره وهي‪ :‬أن يكون‬ ‫من أشراف رجال القبيلة‪ ،‬وأشدهم عصبية‪ ،‬وأكثرهم ً‬ ‫ماال‪ ،‬وأكبرهم س ًنا‪.‬ويحكم‬ ‫القبيلة بقانون عرفي ينظم العالقة بين الفرد والجماعة‪ ،‬على أساس من التضامن‬ ‫بينهما في الحقوق والواجبات‪.‬‬ ‫كان لرئيس القبيلة حقوق منها‪ :‬احترامه وتبجيله‪ ،‬واالستجابة ألوامره من جميع أفراد‬ ‫قبيلته‪.‬باإلضافة إلى مجموعة من االمتيازات وهي‪ :‬المرباع‪ -‬ربع الغنيمة‪ -‬والصفايا‪-‬‬ ‫ما يصطفيه لنفسه من الغنيمة قبل القسمة‪ -‬والنشيطة‪ -‬ما أصيب من مال العدو قبل‬ ‫اللقاء‪ -‬والفضول‪ -‬ما ال يقبل القسمة من مال الغنيمة‪-‬وعليه إزاء هذه الحقوق واجبات‬ ‫كثيرة منها‪ :‬تولي جميع أمور القبيلة‪ ،‬وإكرام الضيوف‪ ،‬ومساعدة الضعفاء‪ ،‬ودفع‬ ‫الديات عن فقراء القبيلة‪ ،‬وقيادتها في الحروب والغزو‪ ،‬وعقد الصلح والمعاهدات‪.‬‬ ‫‪-4-‬‬ ‫والفرد داخل القبيلة له حقوق وعليه واجبات‪ ،‬فمن حقوقه‪ :‬نصرة القبيلة بكل أفرادها‬ ‫له سواء كان ظالما ً أو مظلوماً‪ ،‬ودفع األذى والضرر عنه‪ ،‬والثأر لقتيلها‪.‬أما واجباته‬ ‫فتتمثل في‪ :‬التقييد بنظام القبيلة‪ ،‬وتلبية ندائها إذا دعته لنصرتها أثناء الشدة سواء‬ ‫كانت ظالمة أو مظلومة‪ ،‬وعليه تحمل بعض مسؤوليات أعمال غيره مثل دفع الديات‬ ‫مثال‪.‬وإذا خالف الفرد أعراف القبيلة أو ارتكب جريمة ترفض القبيلة أن تتحمل‬ ‫ً‬ ‫نتائجها‪ ،‬فيُطرد منها ويسمى "الطريد"‪ ،‬وقد يلتحق بالصعاليك الخلعاء من قبائل‬ ‫أخرى‪.‬وتتوقف منزلة القبيلة وقوتها بين القبائل على عدد أفرادها ومواردها‪.‬‬ ‫وقد رتب بعض علماء األنساب قبائل العرب على مراتب هي‪:‬‬ ‫الشعب‪ :‬هي النسب األبعد مثل‪ :‬عدنان‪ ،‬وقحطان‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ثم القبيلة مثل‪ :‬ربيعة ومضر‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ثم العمارة مثل‪ :‬قريش والكنانة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ثم البطن مثل‪ :‬عبد مناف وبني مخزوم‪ ،‬وبني هاشم‪ ،‬وبني أمية‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ثم الفصيلة مثل‪ :‬بني أبي طالب وبني العباس ‪.‬‬ ‫ ‬ ‫أصبحت بالد العرب مطم ًعا لكثير من الغزاة‪ ،‬وخاصة في منتصف القرن الثالث‬ ‫الميالدي إذ باتت واقعة بين أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت هما‪ :‬اإلمبراطورية‬ ‫الفارسية في الشرق‪ ،‬واإلمبراطورية الرومانية في الغرب‪ ،‬وقد حاولت كل‬ ‫إمبراطورية منهما فرض سيطرتها على بالد العرب‪.‬‬ ‫ثانياًـــ األحوال االقتصادية‪:‬‬ ‫يتأثر الوضع االقتصادي بطبيعة اإلقليم؛ لذلك أثرت طبيعة الجزيرة العربية‬ ‫الجغرافية في تحديد موارده‪ ،‬وتوجيه العرب االقتصادي‪ ،‬فاعتمد البدو‪ -‬سكان‬ ‫المناطق الصحراوية‪ -‬على حرفة الرعي‪ ،‬في حين اعتمد الحضر‪ -‬سكان المناطق‬ ‫الخصبة على الزراعة مع إلمامهم ببعض الصناعات‪ ،‬ولم يهملوا التجارة‪.‬‬ ‫مثَّل الرعي بنوعيه‪ :‬الثابت والمتنقل‪ ،‬أحد ركائز االقتصاد العربي قبل اإلسالم‪ ،‬وقام‬ ‫به البدو بحثًا عن الكأل والماء‪ ،‬وتعد اإلبل من أهم الحيوانات التي يتباهى العربي بها‬ ‫ويحرص على اقتنائها ويفتخر بتربيتها؛ ألنها حققت أهدافه في الغزو‪ ،‬واللهو‪،‬‬ ‫وممارسة األلعاب الرياضية مثل السباق‪ ،‬يليها الغنم والخيل وسائر المواشي‪ ،‬ويستفيد‬ ‫العربي من لحومها وصوفها وألبانها‪.‬‬ ‫‪-5-‬‬ ‫اعتمدت بعض مناطق شبه الجزيرة العربية على الزراعة‪ ،‬حيث وجدت الزراعة في‬ ‫عمان في الجنوب‬ ‫شماال‪ ،‬وفي اليمامة شرقًا‪ ،‬وفي اليمن وحضرموت و ُ‬ ‫ً‬ ‫الحجاز‬ ‫الشرقي‪ ،‬وفي تهامة غربًا وغيرها من الواحات الكثيرة الواقعة على أطراف‬ ‫الصحراء وداخلها‪ ،‬وقام بها مستقرون دائمون‪ ،‬ونصف مستقرين‪ ،‬وقد سخروا المياه‬ ‫الجوفية والسطحية الموسمية بوسائل متقدمة إلنتاج احتياجاتهم وحاجات التبادل‬ ‫الداخلي والخارجي‪ ،‬وبنوا السدود مثل سد مأرب‪ ،‬وحفروا القنوات واآلبار‪ ،‬وحبسوا‬ ‫مياه السيول الستعمالها بعد ذلك في الري‪.‬‬ ‫مارس العرب بعض أنواع المعامالت المتصلة بالزراعة مثل‪ :‬ال ُم َحاقَلة‪ْ ،‬‬ ‫وال ُمخَا َب َرةُ‪،‬‬ ‫ض َرةِ‪.‬ووجدت في المجتمع الجاهلي الجنوبي بشكل خاص‬ ‫والقُ َ‬ ‫صارةُ‪ ،‬وال ُمخا َ‬ ‫جمعيات زراعية تعاونية‪ :‬تشرف على العمل وتدير األمور الزراعية‪ ،‬وحفظ حقوق‬ ‫المزارعين‪ ،‬وتأمين احتياجاتهم من البذور‪ ،‬وتصريف المحاصيل‪ ،‬وتأجير األراضي‬ ‫الزراعية‪.‬‬ ‫انتشر في الجزيرة العربية أنواع عديدة من المحاصيل‪ ،‬مثل‪ :‬النخيل وكانت تموره‬ ‫غذاء رئيسيًّا لسكان الجزيرة‪ ،‬واألعناب وأكلوها فاكهة وصنعوا منها الخمور‪،‬‬ ‫والحبوب كالقمح والحنطة والشعير والذرة والحمص والفول والعدس والشوفان‬ ‫وكانت المصدر الثاني للغذاء بعد التمور‪ ،‬والزيتون الذي يعد مصدرا رئيسيا للزيت‪.‬‬ ‫كما وجدت النباتات والفواكه مثل‪ :‬السمسم‪ ،‬وقصب السكر‪ ،‬والرمان‪ ،‬والموز‪،‬‬ ‫والخوخ‪ ،‬والتفاح‪ ،‬واللوز‪ ،‬والجوز‪ ،‬والزنجبيل ‪.‬‬ ‫شكلت الصناعة وما يتصل بها من معامالت موردًا اقتصاديا ً آخر لسكان الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬وتركزت في اليمن‪.‬وال شك أن بين الزراعة والصناعة عالقة تبادلية‬ ‫متكاملة‪ ،‬فالزراعة تقدم الخامات الالزمة للصناعة‪ ،‬وتقدم الصناعة األدوات واآلالت‬ ‫التي تحتاجها الزراعة لنموها وتطورها‪ ،‬وهذا ما حدث في مجتمع الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫فمثال صنعوا المطاحن اآللية والرحى لطحن الحبوب والبهارات‪ ،‬ومعاصر لعصر‬ ‫ً‬ ‫العنب واستخراج الزيوت من البذور‪.‬‬ ‫كما أدى توافر الخامات المعدنية والمواد األولية التي تتوزع في أراضي الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬وبخاصة في اليمن والحجاز والساحل الشرقي كخامات الحديد والذهب‬ ‫والفضة والنحاس والعقيق واألحجار القابلة للنحت والتشكيل‪ ،‬إلى قيام صناعات مثل‪:‬‬ ‫الرخام‪ ،‬والمرمر‪ ،‬والحلي‪ ،‬والمجوهرات‪.‬كما قامت صناعات أخرى على الثروة‬ ‫الحيوانية‪ ،‬مثل‪ :‬الثياب‪ ،‬واألقمشة‪ ،‬والخيام‪ ،‬والستور‪ ،‬والبسط‪ ،‬ودباغة الجلود‪.‬كما‬ ‫صنع العرب األدوات واألواني المعدنية معتمدين في صناعتها على ما يستخرجونه‬ ‫من معادن‪ ،‬فصنعوا التماثيل‪ ،‬واللوحات البرونزية‪ ،‬واألقداح‪ ،‬والصواني‪ ،‬والمرايا‪،‬‬ ‫‪-6-‬‬ ‫والمسكوكات‪.‬باإلضافة إلى ذلك كان هناك صناعات أخرى متوفرة في شبه الجزيرة‬ ‫مثل‪ :‬العطور‪ ،‬واألسلحة‪ ،‬وصقل السيوف‪ ،‬والصناعات الخشبية واألواني الفخارية‬ ‫والزجاجية‪ ،‬وصناعة السفن‪.‬‬ ‫مثلت التجارة موردًا اقتصاديًّا مه ًما من موارد جزيرة العرب‪ ،‬وكانت مناطق شبه‬ ‫الجزيرة العربية عامة‪ ،‬واليمن والحجاز بخاصة‪ ،‬ملتقى للطرق التجارية العالمية التي‬ ‫تربط بين الشرق والغرب‪.‬وقد أدرك اليمنيون أهمية موقع شبه جزيرتهم التي تربط‬ ‫بين القارات الثالثة (آسيا‪ ،‬وإفريقيا‪ ،‬وأوروبا)‪ ،‬وأرسلوا القوافل التجارية عبر الحجاز‬ ‫شماال‪ ،‬وإلى الخليج العربي والعراق شرقًا‪ ،‬وإلى مصر غربا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إلى الشام وفلسطين‬ ‫وسيروا سفنهم الشراعية إلى الهند والحبشة وشرقي إفريقيا‪.‬وشيدوا على طريق‬ ‫القوافل محطات تجارية لهم بالقرب من اآلبار والعيون والواحات استقرت فيها‬ ‫جاليات تجارية منهم تساندها حاميات عسكرية ومشرف يراقب سلوك زعماء القبائل‪،‬‬ ‫كما تم تزويد المحطات بالخدمات التي تحتاجها القوافل من ماء‪ ،‬وغذاء‪ ،‬وحماية‬ ‫وغيرها‪.‬وتحولت هذه المحطات مع مرور الزمن إلى مدن تجارية مثل‪ :‬شبوة‪،‬‬ ‫وقرناو‪ ،‬ومأرب‪ ،‬وظفار‪ ،‬كما أنشأ تجار العرب إلى جانب هذه المحطات التجارية‬ ‫البرية مراكز تجارية بحرية ومرافئ أهمها‪ :‬موزا‪ ،‬وعدن‪ ،‬ومسقط‪ ،‬وقَ ْل َهاتُ ‪.‬‬ ‫نقل عرب الجنوب في قوافلهم منتجات بالدهم من البخور واللبان والعطور التي‬ ‫احتكرت اليمن وحضرموت إنتاجها إلى الشعوب القديمة التي استعملت هذه المنتجات‬ ‫في المعابد والطقوس واألعياد الدينية والتحنيط‪ ،‬كما نقلوا منتجات شرقي إفريقيا من‬ ‫عبيد وخشب آبنوس وريش نعام‪ ،‬ومنتجات الهند من السيوف واألنسجة‪ ،‬ومنتجات‬ ‫الصين من الحرير‪ ،‬ومنتجات الخليج العربي من اللؤلؤ‪.‬ونقلوا إلى بالدهم محاصيل‬ ‫الشام مثل الحنطة والزيت والخمر‪ ،‬ومصنوعات فينيقية مثل المنسوجات الكتانية‬ ‫واألرجوان والزعفران‪.‬‬ ‫أسهمت التجارة في تطور األوضاع االقتصادية وتقدمها في اليمن‪ ،‬واستمر ذلك حتى‬ ‫القرن السادس الميالدي الذي حدث فيه الصراع الدولي عليها‪ ،‬واستطاعت الحبشة‬ ‫احتاللها‪ ،‬وانهار سد مأرب‪ ،‬فتدهورت األوضاع االقتصادية والسياسية فيها‪ ،‬مما‬ ‫أتاح ظروفًا مناسبة لنمو حركة التجارة في الحجاز بشكل عام وفي مكة بشكل خاص‪.‬‬ ‫سيطرت قبيلة قريش على شؤون التجارة في المنطقة العربية بعد سقوط اليمن في يد‬ ‫األحباش‪ ،‬فعقدوا المعاهدات ونظموا عالقات المنطقة التجارية مع غيرهم على‬ ‫ً‬ ‫وفق ما تقضيه مصالحهم التجارية وامتيازاتهم االجتماعية‪.‬‬ ‫مستوى الملوك والحكام‬ ‫وسنت قريش أشهر رحلتين في التاريخ‪ :‬رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق‪،‬‬ ‫ورحلة الصيف إلى بالد الشام‪.‬وبذلك انتقلت من مرحلة التجارة المحلية إلى التجارة‬ ‫‪-7-‬‬ ‫الدولية التي كانت تتطلب ربط السوقين‪ :‬سوق المحيط الهندي‪ ،‬وسوق البحر المتوسط‬ ‫بشريان القوافل الصحراوية ‪.‬‬ ‫ثالثا ً ــــ األحوال االجتماعية‪:‬‬ ‫يسكن شبه جزيرة العرب فريقان‪:‬‬ ‫ البدو‪ :‬هم الذي يسكنون البادية‪ ،‬ويرتحلون وراء العشب والكأل‪ ،‬ويتتبعون مواقع‬ ‫الغيث والمطر‪ ،‬وهم يسكنون الخيام‪ ،‬وهي البيوت من الوبر‪ ،‬والشعر‪ ،‬وهم األكثرون‬ ‫وال سيما في الشمال‪ :‬الحجاز وما واالها من نجد وتهامة‪.‬‬ ‫ الحضر‪ :‬وهم الذين يسكنون القرى والمدن‪ ،‬ويسكنون بيوتا من اللبن‪ ،‬أو الحجر‪،‬‬ ‫ومعظم هؤالء كانوا يسكنون في الجنوب‪ :‬اليمن وما جاورها‪ ،‬وعلى تخوم بالد فارس‬ ‫والروم‪ ،‬وامتاز الحجاز عن غيره باشتماله على عدة مدن مثل مكة والمدينة‬ ‫والطائف‪.‬‬ ‫وقد تسمى العرب بأسماء غريبة استمدوها من الطبيعة بجمادها وحيوانها ونباتها‪،‬‬ ‫فمن أسمائهم التي أخذوها من الحيوانات‪ :‬أسد‪ ،‬وليث‪ ،‬وضرغام‪ ،‬وفهد‪ ،‬ومن أسمائهم‬ ‫المأخوذة من الجماد‪ :‬صخر‪ ،‬وحجر‪ ،‬وجندل‪ ،‬وسموا أبناءهم بها لترهيب أعدائهم‪.‬‬ ‫ومن أسمائهم التي أخذوها من النبات‪ :‬طلحة‪ ،‬وسمرة‪ ،‬وسلمة‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وهي أسماء‬ ‫تبعث التفاؤل‪.‬ومن أسمائهم أيضا‪ :‬غالب‪ ،‬وظالم‪ ،‬وفاتك‪ ،‬وهي أسماء تعطي التفاؤل‬ ‫بالنصر على األعداء‪ ،‬ومنها كذلك‪ :‬سعد‪ ،‬وسعيد‪ ،‬ووائل‪ ،‬وسموا بها إن تفاءلوا‬ ‫بشر األسماء‪ ،‬نحو كلب وذئب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سئل أعرابي‪" :‬لم تسمون أبناءكم‬ ‫بالمولود ‪.‬وقد ُ‬ ‫وعبيدكم بأحسنها‪ ،‬نحو مرزوق ورباح! فقال‪ :‬إنما نسمي أبناءنا ألعدائنا وعبيدنا‬ ‫ألنفسنا" ‪.‬‬ ‫طبقات المجتمع الجاهلي‪:‬‬ ‫انقسم المجتمع العربي إلى ثالث طبقات نتيجة للوضع االقتصادي‪ ،‬والمكانة‬ ‫االجتماعية وهي‪:‬‬ ‫ الطبقة العليا‪ :‬تنقسم إلى‪:‬‬ ‫أ) "األرستقراطية"‪ :‬تشكلت من رؤساء القبائل وأعيانها وأقاربهم‪ ،‬فمنهم التجار‬ ‫وأصحاب اإلقطاعات الكبيرة في الحواضر والمناطق الزراعية والرعوية‪ ،‬وتتركز‬ ‫الثروات في أيديهم‪ ،‬وتمايزوا عن فقراء القبيلة في مظاهر منها‪ :‬تملكهم أعدادًا كثيرة‬ ‫من أصناف الماشية خاصة اإلبل‪ ،‬ونصب خيامهم في الروابي المشرفة على سائر‬ ‫‪-8-‬‬ ‫أبناء القبيلة‪ ،‬واقتنوا السجاد النفيس‪ ،‬واألواني المعدنية والزجاجية المرتفعة الثمن‪،‬‬ ‫وأجود أنواع األسلحة‪ ،‬وكانت دية الشريف الحر عند العرب تصل إلى األلف من‬ ‫اإلبل‪ ،‬في حين تصل دية الفقراء والمعدمين إلى النصف من هذه القيمة أو أقل‪.‬وقد‬ ‫وجد في بالد العرب بعض البيوتات المشهورة بالشرف والمجد مثل‪ :‬بيت قيس (في‬ ‫بني فزارة)‪ ،‬وبيت ربيعة (في بني شيبان)‪ ،‬وبيت تميم (في بني عبد هللا بن دارم)‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫ب)األحرار‪ :‬وهم أبناء القبيلة العرب الذين يرتبطون فيما بينهم بصلة الدم والرحم‬ ‫والنسب‪ ،‬فهم عمادها وقوامها‪ ،‬والذين يٌعَ ًول عليهم في الحروب‪ ،‬ويستعان بهم في‬ ‫ال ُم ِل ّمات ‪.‬وفي المقابل تعمد القبيلة إلى حمايتهم وتمنحهم حق التصرف في واحد من‬ ‫أهم مظاهر الشرف والرفعة في هذا المجتمع وهو اإلجارة ‪.‬‬ ‫ الطبقة الوسطى‪ :‬تتكون من الموالي الذين ينقسمون إلى ثالث فئات هي‪:‬‬ ‫‪-1‬ال ٌخلعَاء‪ :‬وهم الذين خلعتهم قبائلهم وتبرأت منهم لجرائم ارتكبوها‪ ،‬فلجأوا إلى‬ ‫قبائل أخرى طالبين الحماية أو انتسبوا إليها على أساس المواالة بالجوار‪ ،‬وكانوا‬ ‫يسمون أحيانا ً الحلفاء‪.‬‬ ‫‪-2‬الصعاليك ‪ :‬وهم فئة من الفقراء أفرزهم توزيع الثروة والتمايز االجتماعي‪،‬‬ ‫تعبيرا عن تململهم من الفقر والجوع والحرمان والشقاء‬ ‫ً‬ ‫فانسلخوا عن قبائلهم‬ ‫واحترفوا اللصوصية‪ ،‬وقاموا بأعمال الفساد ‪.‬‬ ‫‪-3‬العتقاء‪ :‬وهم العبيد الذين أعتقهم سادتهم من العبودية وظلوا مرتبطين بهم برابطة‬ ‫الوالء‪ ،‬وكان الواحد منهم ينتسب إلى عتيقه‪ ،‬أما المعتق الذي ينتمي إلى القبيلة التي‬ ‫منحته حريته يقال له "مولى" وفي هذه الحالة يكون قد انتقل من الطبقة الدنيا‬ ‫للوسطى‪ ،‬ولكنه ال يرتقي للطبقة العليا لعدم توفر صلة النسب العربي الحر‪.‬‬ ‫ الطبقة الدنيا أو العبيد‪ :‬وهم الرقيق األبيض أو األسود الذين استُقدموا من بالد‬ ‫أجنبية كالحبشة وغيرها‪ ،‬أو تم أسرهم أو سبيهم في الحروب والغزوات ‪.‬‬ ‫أما عن المرأة في المجتمع الجاهلي‪:‬‬ ‫فكان هناك نوعان من النساء‪ :‬الحرائر واإلماء‪.‬‬ ‫ الحرائر وكان للمرأة الحرة دور في السلم والحرب‪.‬ففي السلم ساعدت زوجها في‬ ‫أعمال الزراعة إذا كانت األسرة زراعية‪ ،‬وشاركته في رعي الماشية‪ ،‬وسقيها‪،‬‬ ‫وغزل الوبر والصوف‪ ،‬ونسج الثياب‪ ،‬والبرود‪ ،‬واألكسية‪ ،‬مع التصون والتعفف إن‬ ‫‪-9-‬‬ ‫كانت بدوية‪.‬كما قامت المرأة الحرة باألعمال المنزلية كالطهي وإعداد الطعام وحلب‬ ‫ضا بعض األعمال التي تكسبها ً‬ ‫ماال تساعد به زوجها كالتجارة‬ ‫األغنام‪ ،‬واحترفت أي ً‬ ‫والرضاع والغناء وتقويم الرماح ودبغ الجلود وغيرها من األعمال الحرة‪.‬أما في‬ ‫وقت الحرب‪ ،‬فاصطحب المقاتلون زوجاتهم للحروب‪ ،‬وكن يقفن حول القبة التي‬ ‫توضع بها اآللهة أو األصنام ويرفرف فوقها لواء الحرب المقدس‪ ،‬ويقمن بتشجيع‬ ‫المقاتلين على القتال‪ ،‬ويشددن من عزائمهم بما ينشدن من أناشيد حماسية‪ ،‬كما كن‬ ‫يداوين الجرحى‪ ،‬ويسقين المقاتلين ‪.‬وقد حظيت المرأة الحرة بمكانة كبيرة في‬ ‫المجتمع‪ ،‬حيث لم يجد بعض الملوك حر ًجا في االنتساب إلى أمهاتهم مثل المنذر بن‬ ‫ماء السماء (ملك الحيرة) وماء السماء هو لقب أمه مارية بنت عوف‪.‬ولُقبت به‬ ‫لجمالها‪.‬‬ ‫الحرات‪ ،‬ويرعين‬ ‫ّ‬ ‫وجوار يخدمن الشريفات‬‫ٍ‬ ‫ أما اإلماء فكن كثيرات ومنهن عاهرات‬ ‫اإلبل واألغنام‪.‬وكن في منزلة رقيعة؛ فال ينسب العربي الذي يستولد األمة أوالدها‬ ‫إليه إال إذا قاموا بعمل عظيم‪.‬مثل ما حدث مع عنترة بن شداد‪ ،‬حيث لم يلحقه والده‬ ‫بنسبه إال بعد أن أثبت شجاعة فائقة في الدفاع عن قبيلته فأنقذها ‪.‬‬ ‫عادات العرب وأخالقهم‪:‬‬ ‫تحلى العرب بالعديد من الشيم اإليجابية مثل‪ :‬حب الحرية‪ ،‬والكرم‪ ،‬وحسن الضيافة‪،‬‬ ‫والشجاعة‪ ،‬والمروءة‪ ،‬وحماية الجار‪ ،‬والوفاء بالعهد‪ ،‬والصبر‪ ،‬وقوة التحمل ‪.‬‬ ‫كما شاعت لديهم بعض العادات السيئة‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫‪)1‬التبني‪ ،‬حيث يجوز ألي شخص أن يتبنى‪ ،‬ويكون لل ُمتبنى الحقوق الموروثة‬ ‫المعترف بها لألبناء‪ ،‬ويعد فردًا من أفراد األسرة التي تبنته‪.‬ويتم التبني باالتفاق مع‬ ‫والد الطفل أو ولي أمره أو مالكه‪.‬‬ ‫‪ )2‬وأد البنات‪ :‬أي دفنهن أحياء‪ ،‬حيث كان عدد كبير من عرب الجاهلية يكرهون‬ ‫البنات‪ ،‬وهي ظاهرة سيئة شاعت في بعض القبائل‪ ،‬في حين كانت هناك قبائل أخرى‬ ‫ترفض ذلك‪ ،‬بل ينقذونهن من جريمة الوأد‪ ،‬مثل صعصعة بن ناجية‪ -‬جد الفرزدق‬ ‫الشاعر المشهور وأحد سادات العرب‪ -‬سمي "محيي الموؤدات"‪.‬وقد تعددت أسباب‬ ‫الوأد‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬ ‫أ) الخوف من الفقر إذ خاف بعض رجال العرب من أن تكبر بناتهم ويصبحن عالة‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫‪- 10 -‬‬ ‫ب) الشعور بالغيرة والخوف من الفضيحة والعار الذي قد تجلبه البنات إذا كبرن‬ ‫وتعرضن للسبي على أيدي المغيرين‪.‬‬ ‫ج) التشاؤم بسبب عاهة مرضية قبيحة‪ ،‬كأن تكون البنت زرقاء أو برشاء أو كسحاء‪.‬‬ ‫د) الوفاء بنذر أو إرضاء اآللهة‪ ،‬كإظهار الشكر على نعمة‪ ،‬فيتقربون لآللهة بوأدهم‬ ‫بناتهن ‪.‬‬ ‫عا عديدة من النكاح‪ ،‬حيث‬‫‪ )3‬تعدد أنواع النكاح‪ :‬عرف العرب في الجاهلية أنوا ً‬ ‫كانت المرأة غير الحرة بالنسبة لهم كالمتاع‪ ،‬ال يعتد بها‪ ،‬وال ترث‪ ،‬بل تورث مع ما‬ ‫يتركه الميت‪ ،‬وليس لها حقوق عند زوجها‪ ،‬ومن حق الرجل أن يتزوج عددًا من‬ ‫النساء دون قيد أو شرط‪.‬فما هي إال أداة إلشباع الغرائز والمتعة‪ ،‬وله الحرية في‬ ‫تطليقها بأي عدد من الطلقات‪ ،‬ويراجعها في الوقت الذي يحلو له‪.‬ومن أشهر أنواع‬ ‫األنكحة‪ :‬نكاح االستبضاع ‪ ،‬والمضامدة ‪ ،‬والشغار ‪ ،‬والمتعة وغيرها‪.‬‬ ‫‪ )4‬التعصب القبلي‪ :‬قامت الحروب بين القبائل العربية؛ ألسباب ذات خطر‪ ،‬وأخرى‬ ‫ألسباب تافهة مثل‪ :‬التسابق على موارد الماء‪ ،‬وأماكن الرعي‪ ،‬والتنافس على الشرف‬ ‫ورئاسة القبيلة‪ ،‬وينتج عنها‪ :‬قتل‪ ،‬وإغارة‪ ،‬ونهب لألموال‪ ،‬وسبي للنساء واألطفال‪،‬‬ ‫وبيعهم في أسواق النخاسة ‪.‬‬ ‫ومن أشهر حروب العرب‪ :‬حرب البسوس التي قامت بين قبيلتي‪ :‬بكر وتغلب بسبب‬ ‫ناقة‪.‬وكذلك حرب داحس والغبراء التي قامت بين قبيلتي‪ :‬عبس وذبيان بسبب الرهان‬ ‫على حصان وفرس واستمرت كل منهما أربعين سنة ‪.‬‬ ‫ضا‪ :‬شرب الخمر‪ ،‬ولعب الميسر‪ ،‬واألخذ بالثأر‪ ،‬واستباحة‬ ‫ومن العادات السيئة أي ً‬ ‫النساء‪ ،‬وقطع الطرق‪ ،‬وأكل أموال اليتامى‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والمجون‪ ،‬والتعامل بالربا‬ ‫وغيرها ‪.‬‬ ‫رابعاًــ األحوال الثقافية‪:‬‬ ‫‪1‬ــ النواحي األدبية؛‬ ‫ً‬ ‫شماال وغربًا وشر ًقا في‬ ‫انتشرت لهجة قريش بين العرب‪ ،‬وسادت في كل القبائل‬ ‫اليمامة والبحرين‪ ،‬وانتشرت في الجنوب على حساب لغة ِحمير واليمن وبخاصة في‬ ‫أطراف اليمن الشمالية حيث منازل األزد وخثعم وهمدان وبني الحارث بن كعب في‬ ‫نجران‪.‬‬ ‫‪- 11 -‬‬ ‫سادت لهجة قريش بين العرب حتى أصبحت اللغة األدبية السائدة التي يصوغون بها‬ ‫أدعيتهم الدينية وأفكارهم وأحاسيسهم‪ ،‬وباتت لغة التعبير الفني في الشعر والخطابة‬ ‫والحكم‪ ،‬ولغة للتعامل المشترك بين مختلف القبائل أثناء انعقاد األسواق الموسمية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فكان سوقا عكاظ وذي المجاز وغيرهما أسواقًا أدبية يرتجل فيها الخطباء خطبهم‪،‬‬ ‫وينشد الشعراء قصائدهم فيها ألن األسواق لم تكن تجارية فقط ‪.‬‬ ‫وانتشارا بين المجتمع‬ ‫ً‬ ‫ويعد األدب واحدًا من أبرز النشاطات الثقافية التي القت قبوال‬ ‫الجاهلي بكل أفراده وطبقاته‪ ،‬ومن فروعه‪:‬‬ ‫‪ -1‬الشعر وكتب الجاهليون الشعر في أغراض مختلفة‪ :‬الهجاء‪ ،‬والرثاء‪،‬‬ ‫والمدح‪ ،‬والغزل‪ ،‬والوصف‪ ،‬وغيرها واشتهر لديهم قصائد علقوها على‬ ‫أستار الكعبة سميت "المعلقات" ‪.‬وقد مثَّل الشعر مرآة انعكست عليها الحياة‬ ‫مصدرا تاريخيًّا لمعرفة أوضاع العرب الجاهليين‪ ،‬ففيه‬ ‫ً‬ ‫العربية القبلية‪ ،‬ويعد‬ ‫رسم الشعراء مالمح المجتمع المحيط بهم‪ ،‬وعبروا عن مواقفهم‪ ،‬وبينوا‬ ‫معاناتهم‪ ،‬وحددوا آمالهم‪.‬لكن علينا ونحن نستقي المعلومات التاريخية من‬ ‫الشعر تطبيق طرق النقد التاريخي في استبعاد ميول الشاعر وما لديه من‬ ‫تخيالت أو انفعاالت أو مبالغة‪ ،‬باإلضافة إلى التأكد من عدم كون الشعر‬ ‫محرفًا أو معدال أثناء انتقاله من عصر إلى عصر أو من لسان إلى آخر ‪.‬‬ ‫‪-2‬النثر وهو ذلك الفن الجميل الذي يهدف صاحبه إلى التأثير في نفوس السامعين‪،‬‬ ‫لذلك يعتمد على حسن الصياغة‪ ،‬ونضارة الخيال‪ ،‬وجمال األداء‪ ،‬وقد يخالف أحيا ًنا‬ ‫صاص كانوا يضيفون نغمة من خيالهم وفنهم وأسلوبهم في‬ ‫الواقع التاريخي ألن القُ ً‬ ‫فضال عن أنهم كانوا يستمدون مادتهم من األساطير والخرافات السائرة‬ ‫ً‬ ‫السرد‪،‬‬ ‫المتنقلة بين األمم‪.‬ومن أنواعه‪ :‬القصص‪ ،‬والخطابة‪ ،‬واألمثال‪ ،‬الحكم‪ ،‬وأخبار‬ ‫المسافرين‪ ،‬والرسائل األدبية المكتوبة ‪.‬‬ ‫‪2‬ــ الناحية العلمية‪:‬‬ ‫تفسيرا علميًا؛ لذا‬ ‫ً‬ ‫الطب‪ :‬كان العرب الجاهليون عاجزين عن تفسير أسباب المرض‬ ‫اعتقدوا أنها تعود إلى غضب اآللهة على الناس‪ ،‬وإلى أرواح شريرة تصيب جسم‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فكانوا يستطبون بالسحر والرقى والتعاويذ‪ ،‬ومع مرور الزمن حصلوا على‬ ‫بعض المعارف الطبية واستعملوا العقاقير‪ ،‬وهي أدوية استخرجوها من النباتات‬ ‫واألشجار ومنتجات الحيوان‪.‬‬ ‫عرف بطبيب العرب؛‬ ‫وظهر عدد من األطباء أمثال‪ :‬الحارث بن كلدة الثقفي الذي ُ‬ ‫وقد تعلم الطب في بالد فارس بمدرسة جنديسابور‪ ،‬وتمرن هناك‪ ،‬ومارس الطب‪،‬‬ ‫‪- 12 -‬‬ ‫وشهد على علمه من عالجهم وبرؤوا‪ ،‬ومن أطباء العرب أيضا‪ :‬النضر بن الحارث‪،‬‬ ‫وضماد بن ثعلبة‪ ،‬وزهير بن جناب الكلبي‪ ،‬ومن النساء‪ :‬رفيدة وزينب‪.‬‬ ‫البيطرة‪ :‬تخصص نفر من العرب الجاهليين في مداواة الحيوان لما له من أهمية في‬ ‫حياة العربي واقتصاده‪ ،‬ومن أشهرهم‪ :‬العاص بن وائل الذي كان يعالج الخيل واإلبل‬ ‫بالكي‪ ،‬والقطران‪ ،‬والنفط‪ ،‬والتنظيف‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى الطب والبيطرة اشتهر العرب بمعرفتهم لكثير من العلوم والظواهر‬ ‫الطبيعية ومنها‪ :‬الفلك‪ ،‬ومنازل القمر‪ ،‬والبروج‪ ،‬والخسوف والكسوف‪ ،‬والشهب‬ ‫والنيازك‪ ،‬والتوقيت‪ ،‬والفصول األربعة‪ ،‬والقيافة‪ ،‬واألنواء وغيرها ‪.‬‬ ‫خامسا ً ــ األحوال الدينية‪:‬‬ ‫لم يكن للعرب قبل اإلسالم عقائد دينية موحدة في نظام ديني شامل‪ ،‬وإنما هناك بقايا‬ ‫من ديانات بدائية قائمة على عبادة األسالف‪ ،‬والفيتشية‪ ،‬والطوطمية‪ ،‬واألرواحية‪،‬‬ ‫تحضرا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ارتقت‪ ،‬نتيجة االحتكاك الحضاري والتجاري مع البلدان المجاورة األكثر‬ ‫إلى الوثنية المادية المتمثلة في عبادة األصنام التي كان لها الغلبة في العصر الجاهلي‪،‬‬ ‫كما وجدت قلة تتبع ديانات أخرى مثل‪ :‬الصابئة‪ ،‬والزرادشتية‪ ،‬واليهودية‪،‬‬ ‫والمسيحية‪ ،‬والحنيفية‪.‬‬ ‫انتشرت الوثنية (عبادة األصنام) في شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وكان لكل قبيلة إله خاص‬ ‫تتعبد له‪ ،‬أو تشترك قبائل عدة في عبادة إله معين‪.‬فكثرت األصنام حتى قيل إن‬ ‫سعير‪ ،‬ومناف‪ ،‬وذو‬ ‫عددها بلغ ‪ 360‬صن ًما‪ ،‬منها‪ :‬ود‪ ،‬وسواع‪ ،‬وإساف ونائلة‪ ،‬و ُ‬ ‫الكفين‪ ،‬واألقيصر‪ ،‬وعميانس‪.‬وقد وضعها العرب في الكعبة‪ ،‬أو حولها في مواضع‬ ‫قريبة‪ ،‬وأحيانا بعيدة منها ‪.‬‬ ‫ومن أشهر أصنام العرب " ُه َبل" الذي يعد أعظم آلهة قريش‪ ،‬وأكبر أصنامها‪ ،‬بل يعد‬ ‫سيد اآللهة عند العرب‪ ،‬فهو أول صنم ُوضع بمكة في جوف الكعبة‪ ،‬فهو إله الخصب‬ ‫والرزق (إله السعادة) وكانت قريش تتوسل إليه ليمن عليها بالخير واليمن‪ ،‬ويدفع‬ ‫عنها األذى‪ ،‬وقد عبدته قبائل أخرى من الحجاز مع قريش كبني كنانة‪ ،‬وبكر‪ ،‬ومالك‪،‬‬ ‫صنع هبل من عقيق أحمر على صورة إنسان مكسور اليد اليمنى‪ ،‬فجعلت له‬ ‫وكلب‪.‬و ُ‬ ‫قريش يدًا من ذهب ‪.‬‬ ‫ومن أشهر األصنام التي كان العرب يعظمونها ويحلفون بها الالت والعزى ومناة‪،‬‬ ‫وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول‪" :‬والالت والعزى‪ ،‬ومناة الثالثة األخرى‪ ،‬فإنهن‬ ‫الغرانيق العُلى‪ ،‬وإن شفاعتهن لترتجى" ‪.‬‬ ‫‪- 13 -‬‬ ‫اشتهرت عبادة الالت عند العرب الشماليين‪ ،‬وعرب الحجاز‪ ،‬وهي على شكل صخرة‬ ‫مربعة‪ ،‬وتمثل فصل الصيف عندهم‪.‬وقد عبدتها ثقيف وخصتها بالزيارة‪ ،‬حيث بنت‬ ‫عليها بيتًا‪ ،‬وسموها "ربة البيت" وتسمى بعض العرب بالالت مثل‪ :‬تيم الالت بن‬ ‫رفيدة‪ ،‬تيم الالت بن ثعلبة‪.‬‬ ‫كانت العزى إلهة المكيين المفضلة‪ ،‬على شكل امرأة‪ ،‬وهي تمثل فصل الشتاء عندهم‪،‬‬ ‫وقد خصتها قريش فحمت لها شعبًا بوادي حراض يقال له سقام يضاهون به حرم‬ ‫الكعبة‪ ،‬فأضحى موض ًعا آم ًنا ال يعتدى على أحد فيه‪ ،‬وال تُقطع شجرة‪ ،‬وكانت قريش‬ ‫عبدت في كثير من القبائل العربية غير قريش‪ ،‬مثل‬ ‫تزورها وتتقرب إليها بالذبائح‪ ،‬و ُ‬ ‫ضا بها مثل‪:‬‬ ‫غنى‪ ،‬وباهلة‪ ،‬وخزاعة‪ ،‬واليمنيين‪ ،‬واألنباط وغيرهم‪ ،‬وتسمى العرب أي ً‬ ‫عبد العزي بن مناف‪ ،‬عبد العزى بن عبد المطلب‪.‬‬ ‫أما مناة فهي إلهة القضاء والسيما قضاء الموت عندهم‪ ،‬وهي المفضلة عند‬ ‫الحجازيين‪ ،‬وباألخص منهم األوس والخزرج‪ ،‬الذين كانوا يحجون إليها‪ ،‬وال يحلقون‬ ‫رؤوسهم إال عندها ‪.‬‬ ‫عبد العرب الحيوانات كما عبدوا األصنام‪ ،‬فكانت اآلرام والظبيان والغزالن بأنواعها‬ ‫المختلفة مقدسة عندهم‪ ،‬حيث كانوا يعتقدون أن لهذه الحيوانات قوة خفية وأنها قادرة‬ ‫على البطش واالنتقام‪.‬وقد كان العربي يعبد الحيوان الحي‪ ،‬كما كان يعبد أصناما‬ ‫على هيئة حيوان مثل "النسر" فكان على هيئة نسر‪ ،‬و"يغوث" كان على هيئة أسد‪،‬‬ ‫وكذلك "يعوق" كان على هيئة فرس ‪.‬‬ ‫كذلك عبد العرب األشجار وصنعوا أصناما على شكلها؛ حيث كان العربي يرى فيها‬ ‫روحا شريرة مثل شجرة الحماطة‪ ،‬وهي أحب الشجر إلى الحيات‪ ،‬أو يعظمها نظرا‬ ‫لندرتها مثل شجرة "ذات أنواط" فهي عندهم شجرة عظيمة خضراء‪ ،‬كانوا يعلقون‬ ‫عليها كل سنة أسلحتهم‪ ،‬ويذبحون ويعكفون بجوارها يو ًما‪ ،‬وكان من حج منهم وضع‬ ‫زاده عندها ودخل بغير زاد تعظي ًما لها ‪.‬‬ ‫عرف العرب ديانات أخرى غير الوثنية‪ ،‬فكان منهم الصابئة وهم نوعان‪ :‬صابئة‬ ‫حنفاء‪ ،‬وصابئة مشركون‪.‬أما الصابئة الحنفاء فهم قوم عرفوا هللا وحده‪ ،‬وينسبوا‬ ‫دينهم إلى سيدنا نوح وإلى إبراهيم الخليل‪ ،‬فهم متمسكون بإيجاب الصدق والعدل‪،‬‬ ‫وتحريم الفواحش والظلم‪ ،‬وتحريم تعذيب الحيوان ونحو ذلك مما اتفقت الرسل على‬ ‫إيجابه وتحريمه‪ ،‬لكن ليس لهم كتاب وال نبي‪ ،‬وهؤالء حمدهم هللا وأثنى عليهم في‬ ‫كتابه‪.‬‬ ‫‪- 14 -‬‬ ‫أما الصابئة المشركون فهم قوم يعبدون النجوم والكواكب ويعظمونها‪ ،‬وهم الذين‬ ‫انتشروا في شبه الجزيرة في بالد اليمن وحران وأعالي العراق‪.‬ومن القبائل التي‬ ‫اعتنقت هذه الخرافات قبيلة كنانة التي عبدت القمر‪ ،‬وحمير التي عبدت الشمس‪،‬‬ ‫وأسد التي عبدت كوكب عطارد‪ ،‬وسموا أنفسهم عبد شمس‪ ،‬وعبد المشترى حسب ما‬ ‫يعبدوه ‪.‬ومن الصابئة أخذ العرب علم النجوم‪.‬‬ ‫كما دان بعض العرب بالمجوسية‪ ،‬وتدور عقائدها حول وجود إلهين في العالم يمثل‬ ‫أحدهما "أهورا مزدا" إله الخير والنور‪ ،‬واآلخر وهو "أهرمان " إله الشر والظلمة‪.‬‬ ‫وهما في صراع دائم حتي ينتصر إله الخير فينتهي العالم‪.‬ومن المعروف أن‬ ‫عبّاد النار‪ ،‬ولذلك فهي مقدسة عندهم ال ألنها عنصر محرق ولكن ألنها‬‫المجوس هم ُ‬ ‫تمثل مصدر نور أو حكمة "أهورا مزدا"‪.‬وقد تسربت هذه الديانة إلى العرب عن‬ ‫طريق االتصال بالفرس في الحيرة واليمن وحضرموت وغيرها‪ ،‬واشتهرت قبيلة‬ ‫بني تميم باتباعها ‪.‬‬ ‫ظل بعض العرب على اليهودية دين موسى (عليه السالم) وقد انتشرت في اليمن‬ ‫نتيجة اتصالها بطرق القوافل التجارية سواء البحرية أو البرية ببالد الشام‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى هجرة جماعات من اليهود إليها هربًا من اضطهاد الرومان لهم ونزلوا إلى‬ ‫الحجاز ‪ ،‬واستقروا في واحاتها مثل‪ :‬وادي قرى‪ ،‬وخيبر‪ ،‬وتيماء‪ ،‬وفدك‪ ،‬ويثرب‪.‬‬ ‫وتوطدت أعداد منهم في مكة والطائف‪ ،‬واعتنقها عدد من القبائل كبني قريظة‪ ،‬وبني‬ ‫النضير‪ ،‬وبني ثعلبة‪ ،‬وبني قينقاع ‪.‬‬ ‫دخلت النصرانية إلى الجزيرة العربية عبر ثالثة روافد هي‪ :‬التبشير من الدولتين‬ ‫المجاورتين لها وهما‪ :‬مملكة الحبشة في الجنوب‪ ،‬والدولة الرومانية في الشمال‪.‬‬ ‫والتجارة حيث تعامل تجار العرب مع التجار النصارى من بالد الشام والعراق‪،‬‬ ‫وكذلك انتقل التجار النصارى بين اليمن والبحرين والحجاز‪.‬والرافد الثالث هو‬ ‫الرقيق األبيض حيث دخلت النصرانية إلى الجزيرة مع الرقيق األبيض المجلوب من‬ ‫فارس وبيزنطة‪.‬فانتشرت في مكة والطائف ويثرب‪ ،‬ونجد‪ ،‬واليمامة‪ ،‬ودومة‬ ‫الجندل‪ ،‬ووادي القرى‪ ،‬واليمن وغيرها‪.‬واعتنقتنها بعض القبائل مثل‪ :‬تغلب‪،‬‬ ‫وغسان‪ ،‬وقضاعة وغيرها ‪.‬‬ ‫ارتبط ظهور الحنيفية وهي نزعة دينية توحيدية عربية‪ ،‬ارتبط ظهورها بعدة عوامل‬ ‫منها‪ :‬تغير العالقات االقتصادية واالجتماعية في المجتمع الجاهلي في القرن السادس‬ ‫الميالدي‪ ،‬وانصهار اللهجات العربية وتوحيدها في لهجة مشتركة هي لهجة قريش‬ ‫التي أصبحت لغة التعبير والتعامل المشترك بين القبائل ‪ ،‬باإلضافة إلى انتشار‬ ‫الديانتين اليهودية والنصرانية مما ساعد على تغيير الوعي الديني عند فئة مستنيرة‬ ‫‪- 15 -‬‬ ‫من الحكماء الذين رفضوا عبادة األصنام وتعدد اآللهة‪ ،‬وابتعدوا عن عادات الجاهلية‬ ‫السيئة ‪ ،‬وطافوا في البالد بحثًا عن دين سيدنا إبراهيم الحنيف‪ ،‬ونصحوا الناس‬ ‫بالتقرب إلى هللا‪.‬ومن أشهر الحنفاء في مكة‪ :‬ورقة بن نوفل‪ ،‬وعثمان بن الحويرث‪،‬‬ ‫وعبيد هللا بن جحش‪ ،‬وزيد بن عمرو بن نفيل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه لم يقدر ألي من الديانات الغلبة في بالد العرب فإن انتشار‬ ‫النصرانية واليهودية في بعض األجزاء‪ ،‬باإلضافة إلى ظهور الحنيفية التي يعد‬ ‫ظهورها بداية الثورة على الوثنية‪ ،‬قد مهد الطريق لظهور النبي المنتظر سيدنا محمد‬ ‫(صلى هللا عليه وسلم)‪.‬‬ ‫‪- 16 -‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫"عصر الرسول (ص)"‬ ‫‪- 17 -‬‬ ‫من الميالد للبعثة النبوية‪:‬‬ ‫ي ِ ب ِْن‬ ‫ص ّ‬‫َاف ب ِْن قُ َ‬ ‫ع ْب ِد َمن ِ‬‫ب ب ِْن هَا ِش ِم ب ِْن َ‬ ‫ع ْب ِد ال ُم َّ‬ ‫ط ِل ِ‬ ‫هللا ب ِْن َ‬ ‫ع ْب ِد ِ‬ ‫ولد الرسول‪ -‬م ُح َّمدٌ ب ُْن َ‬ ‫ب ب ِْن فِ ْه ِر ب ِْن َما ِل ِك ب ِْن ال َّنض ِْر ب ِْن ِكنَا َنةَ ب ِْن‬‫ي ِ ب ِْن غَا ِل ِ‬ ‫ب ب ِْن لُ َؤ ّ‬ ‫ِك َال ِ‬ ‫ب ب ِْن ُم َّرة َ ب ِْن َك ْع ِ‬ ‫ع ْدنَان ب ِْن إِ ْس َما ِعيل بن إبراهيم‪ -‬بمكة يوم االثنين‬ ‫ُخزَ ْي َمةَ وينتهي نسبه إلى َمعَدَّ ب ِْن َ‬ ‫الموافق الثاني عشر من ربيع األول‪ /‬العشرين من أبريل عام (‪ 570‬أو ‪571‬م)‪ -‬عام‬ ‫الفيل‪ -‬من أبوين فقيرين في مالهما‪ ،‬غنيين في جاههما وحسبهما‪.‬فأمه ِآم َنةُ بنت وهب‬ ‫ب إذ يجتمع نسبهما‬ ‫ي ٍ ب ِْن غَا ِل ِ‬ ‫ب ب ِْن لُ َؤ ّ‬ ‫َاف ب ِْن ُز ْه َرة َ ب ِْن ِك َال ِ‬ ‫ب ب ِْن ُم َّرة َ ب ِْن َك ْع ِ‬ ‫ع ْب ِد َمن ِ‬‫ب ِْن َ‬ ‫في قريش‬ ‫توفي والده قبل ِو َالدَته‪ ،‬وكان من عادة األشراف أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم‬ ‫الذكور في البوادي ليكتسبوا من العيش فيها فصاحة اللسان‪ ،‬وقوة البيان‪ ،‬ورجاحة‬ ‫العقل وغيرها من الصفات‪ ،‬وكان ُم َح َّمدُ من حظ َ ث ُ َو ْي َبةُ األَسلمية‪ -‬موالة أبي لَ َه ٍ‬ ‫ب‪-‬‬ ‫س ْعديّة ‪،‬‬ ‫التي أرضعته أيّا ًما فقط‪ ،‬ثم أخذته حليمةُ بنت أبي ذُ َؤيْب عبد هللا بن ْال َح ِ‬ ‫ارث ال َّ‬ ‫وكان في طفولته يخرج ليرعى الغنم مع إخوته في الرضاعة مما كان له أثر في‬ ‫حياته‪ ،‬حيث اكتسب من خالل الرعي صفات حميدة مثل‪ :‬الرحمة‪ ،‬والصبر‪،‬‬ ‫والتواضع‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والعطف‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬ ‫بلغ محمد (ﷺ) خمس سنوات فردته مرضعته حليمة السعدية (رضي هللا عنها) إلى‬ ‫أمه‪ ،‬وفي السنة التالية توفيت والدته‪ ،‬فكفله جده عبد المطلب الذي كان يؤثره على‬ ‫طعَا ًما إِ َّال إذا أحضروا محمدًا إِلَ ْي ِه ‪،‬‬ ‫أبنائه‪ ،‬ويغمره بحنانه لدرجة أنه كان ال يأكل َ‬ ‫طالب‪ -‬عبد‬ ‫وعندما بلغ الرسول (ﷺ) الثامنة من عمره توفي جده‪ ،‬فكفله ع ُّمه أَبُو َ‬ ‫ي (رضي هللا عنهما) الذي كان يُحبّه ُحبًّا شَديدًا ويفضله على‬ ‫عل ّ‬ ‫منَاف َوه َُو َوا ِلد َ‬ ‫صه بالطعام ‪.‬‬ ‫ضا‪َ ،‬وكان ال ينام إال بجواره‪ ،‬ويخرج معه في أسفاره‪ ،‬و َيخ ّ‬ ‫أوالده أي ً‬ ‫عشرة سنة خرج مع عمه إلى الشام‪ ،‬وعندما وصلت‬ ‫َ‬ ‫وعندما بلغ الرسول (ﷺ) ْاث َنتَ ْي‬ ‫اهب ولمح فيه عالمات النبوة‪ ،‬فأوصى أبا طالب‬ ‫الر ُ‬ ‫صرى ََرآهُ َبحيرى َّ‬ ‫القافلة إلى بُ ْ‬ ‫أن يعود به إلى بلده وأال يعود به إلى الشام ألن اليهود ستقتله؛ لذلك بعد أن أنهى أبو‬ ‫طالب تجارته عاد به إلى مكة ولم يسافر به بعد ذلك خوفًا عليه‪.‬فعاد الرسول (ﷺ)‬ ‫لرعي األغنام مع أوالد عمه‪ ،‬وظل يعمل بالتجارة ويأكل من ثمرة عمله وكسب يديه‬ ‫أيضا ً حتى ذاع بين الناس حسن أخالقه وأمانته ‪.‬‬ ‫شهد الرسول (ﷺ) الكثير من المشاهد في مكة مثل‪ :‬حرب الفجار التي كانت بين‬ ‫قريش ومن معهم من كنانة‪ ،‬وقيس وسميت بذلك ل ّما استح ّل فيها من حرمات مكة‬ ‫التي كانت مقدّسة عند العرب وكان في العشرين من عمره‪ ،‬كما حضر الرسول (ﷺ)‬ ‫‪- 18 -‬‬ ‫حلف الفضول مع أعمامه وهو الحلف الذي دعت إليه قريش بعد عودتها من حرب‬ ‫الفجار‪ ،‬وت ّم في دار عبد هللا بن جدعان التميمي‪ -‬أحد رؤساء قريش‪ -‬وكان‬ ‫المتحالفون بني هاشم‪ ،‬وبني المطلب بن عبد مناف‪ ،‬وبني أسد بن عبد العزى‪ ،‬وبني‬ ‫زهرة بن كالب‪ ،‬وبني تيم بن مرة‪.‬وقد تحالفوا وتعاقدوا على أال يجدوا بمكة مظلو ًما‬ ‫من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إال قاموا معه‪ ،‬حتى تردّ إليه مظلمته ‪.‬‬ ‫غ َالم السيدة َخدِيجة بنت‬ ‫سرة ــــــ ُ‬ ‫رحل الرسول (ﷺ) إلى الشام في تجارة مع َم ْي َ‬ ‫خويلد ـــــــ سيدة تاجرة ذات شرف ومال‪ ،‬تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم‪ -‬لما‬ ‫ضعف َما‬ ‫َ‬ ‫ارته ْما وربحا‬ ‫بلغ سن الخامسة والعشرين‪ ،‬وعندما عادا إلى مكة و َباعا ِت َج َ‬ ‫سرة إلى سيدته خديجة‪ ،‬وحدثها عما رآه في رحلته مع محمد‬ ‫َكانا يربحان‪ ،‬سارع َم ْي َ‬ ‫ي‪َ ،‬وأنهُ آخر ْاأل َ ْن ِب َياء‪ ،‬ورفضه أن يحلف‬ ‫الراهب له بأنه نب ٌّ‬ ‫طور َّ‬ ‫(ﷺ) من تبشير َن ْس ُ‬ ‫ُظلّالنه من ال َّ‬ ‫ش ْمس ‪.‬‬ ‫سرة َيرى َملَكين ي ِ‬ ‫ِبالالت والعُ َّزى‪ ،‬وأنه لما اشتدَّ ال َح ُّر كان َم ْي َ‬ ‫تيقنت خديجة (رضي هللا عنها) من أمانة الرسول (ﷺ) وصدقه فهو الصادق األمين‪،‬‬ ‫فرغبت في أن تتزوجه ‪ ،‬وأرسلت إليه عمرو بن أسد عمها ليعرض عليه األمر‪،‬‬ ‫فرغب في ذلك‪ ،‬وطلب يدها هو وعماه أبو طالب وحمزة من عمها‪ ،‬وتزوجها‬ ‫الرسول (ﷺ) وكانت أرملة في األربعين من عمرها فكانت أول زوجة له‪ ،‬ولم يتزوج‬ ‫النبي غيرها إال بعد وفاتها‪ ،‬وأنجبت ولديه‪ْ :‬القَا ِسم‪ -‬و َكانَ الرسول يكني به‪ -‬وعبد هللا‪،‬‬ ‫وبنا ِته‪ :‬زينب‪ ،‬ورقية‪ ،‬وأم ُك ْلثُوم‪َ ،‬وفَ ِ‬ ‫اط َمة ‪.‬‬ ‫لما بلغ الرسول (ﷺ) خ ْمسا َوثَ َالثِينَ سنة‪ ،‬اجْ تمعت قبائل قريش إلعادة بناء الكعبة بعد‬ ‫تصدع جدرانها بسبب السيل عام ‪605‬م‪ ،‬وكان الرسول (ﷺ) ينقل معهم الحجارة‪،‬‬ ‫وعندما وصلوا إلى الحجر األسود اختلفوا في من يضعه مكانه‪ ،‬وتنافسوا في ذلك‬ ‫ّ‬ ‫أسن‬ ‫حتى كادت تشبّ بينهم نار الحرب‪ ،‬ودام بينهم هذا الخصام أربع ليال‪ ،‬وكان‬ ‫رجل في قريش إذ ذاك هو أبو أمية ابن المغيرة بن عبد هللا بن عمر بن مخزوم‬ ‫المخزومي‪ -‬عم خالد بن الوليد‪ -‬فقال لهم‪" :‬يا قوم ال تختلفوا وح ّكموا بينكم من‬ ‫أن يجْ َعلُوا َبينهم أ َ ّول َم ْن يدْخل من َباب بني شَيبةَ‪،‬‬ ‫ترضون بحكمه" واتّفقوا على ْ‬ ‫ُ‬ ‫األمين‪ ،‬قد‬ ‫ضي َبينهم‪.‬فكان رسول هللا (ﷺ) أول من دخل‪ ،‬فَلَ َّما َرأ َ ْوهُ قَالُوا‪َ :‬هذَا‬ ‫ي ْق ِ‬ ‫طه فِي‬ ‫س َ‬ ‫سول هللا (ﷺ) ِردَا َءهُ‪ ،‬و َب َ‬ ‫الخبر‪ ،‬فوض َع َر ُ‬ ‫َ‬ ‫بروهُ‬ ‫ضي َبيْننَا‪ ،‬ث َّم أ َ ْخ ُ‬ ‫َرضينا ِب َما ي ْق ِ‬ ‫الر ْكن فِي ِه‪ ،‬ث َّم قَالَ‪ِ " :‬لتأخ ْذ ك ُّل قبيل ٍة بناحي ٍة من الثَّوب‪ ،‬ث ُ َّم ارفعوه‬ ‫ضع ُّ‬ ‫األ َ ْرض‪ ،‬ث َّم و َ‬ ‫سول هللا (ﷺ)‪ ،‬وبذلك أرضاهم‬ ‫ضعَه َر ُ‬ ‫َج ِميعًا" فَفَعَلُوا‪َ ،‬حتَّى إِذا بلغُوا ِب ِه موضعَه‪ ،‬و َ‬ ‫جميعًا وبحكمة شديدة منه‪.‬‬ ‫عرف الرسول (ﷺ) بين قومه من قريش بالصادق األمين؛ ألنه كان أحسن قومه‬ ‫ُ‬ ‫خلقًا‪ ،‬وأصدقهم حديثًا‪ ،‬وأعظمهم أمانة‪ ،‬وأبعدهم عن الفحش واألخالق التي تدنس‬ ‫‪- 19 -‬‬ ‫وحرم شرب الخمر على نفسه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الرجال‪ ،‬كما كان ال يأكل ما ذبح على النصب‬ ‫باإلضافة إلى العديد من الصفات الحميدة مثل‪ :‬الحلم‪ ،‬والصبر‪ ،‬والشكر‪ ،‬والعدل‪،‬‬ ‫والتواضع‪ ،‬والعفّة‪ ،‬والجود‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والحياء‪.‬حتى شهد له بذلك ألد أعدائه وهو‬ ‫النضر بن الحارث ‪.‬‬ ‫ضا شديدًا‪ ،‬ولم يسجد لصنم‪ ،‬فكان على دين الحنيفية‪،‬‬ ‫بغض الرسول (ﷺ) األوثان بغ ً‬ ‫صا ِدقَةُ‪ ،‬ف َكانَ ال يرى رؤيا إال‬ ‫َّللا منَ ْال َوحْ ي ِ ُّ‬ ‫الرؤْ َيا ال َّ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬ ‫ئ ِب ِه َر ُ‬ ‫و َكانَ أ َ َّو َل َما ا ْبت ُ ِد َ‬ ‫َار ِح َرا َء َيتَ َع َّبدُ ِفي ِه باللَّ َيا ِل َ‬ ‫ي‬ ‫ب ِإلَ ْي ِه ْالخ ََال ُء‪ ،‬فَ َكانَ ِبغ ِ‬‫ْح‪ ،‬ث ُ َّم ُح ِّب َ‬ ‫صب ِ‬‫ق ال ُّ‬ ‫جاءت ِم ْث َل فَلَ ِ‬ ‫ويتأمل عجائب الكون‪ ،‬ويفكر في البعث‪ ،‬والحساب‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬ث ُ َّم َي ْر ِج ُع إِلَى‬ ‫شهورا حتى نزل عليه الوحي وهو في‬ ‫ً‬ ‫أ َ ْه ِل ِه فَ َيتَزَ َّودُ‪ ،‬واستمر الرسول (ﷺ) على ذلك‬ ‫سن األربعين‪ ،‬وذلك يوم االثنين الموافق ليلة سابع عشر رمضان‪.‬قَا َل له‪ُ " :‬م َح َّمدُ أَنَا‬ ‫فغطني َحتَّى‬ ‫َّ‬ ‫َّللا‪" :‬اقرأْ‪.‬قَالَ‪ :‬فقلتُ ‪َ :‬ما أَنا بقارئ‪.‬قَالَ‪ :‬فأَخذني‬ ‫سو ُل َّ ِ‬ ‫ِجب َْرا ِئي ُل َوأ َ ْنتَ َر ُ‬ ‫بل َغ ِم ّني ال َج ْهدَ‪ ،‬ث َّم أَرسلني"‪ ،‬وفي المرة الثالثة قَالَ‪" :‬ا ْق َرأْ ِباس ِْم َر ِبّكَ الَّذِي َخلَقَ (‪)1‬‬ ‫سانَ َما‬ ‫اإل ْن َ‬‫علَّ َم ْ ِ‬ ‫ق(‪ )2‬ا ْق َرأْ َو َربُّكَ ْاأل َ ْك َر ُم (‪ )3‬الَّذِي َ‬ ‫علَّ َم ِب ْالقَلَ ِم (‪َ )4‬‬ ‫علَ ٍ‬‫سانَ ِم ْن َ‬ ‫َخلَقَ ْ ِ‬ ‫اإل ْن َ‬ ‫ً‬ ‫نزوال ‪.‬‬ ‫لَ ْم َي ْعلَ ْم(‪ ")5‬وهذه أولى آيات القرآن الكريم‬ ‫عا إلى زوجته خديجة (رضي هللا عنها) وهو يرتجف‬ ‫رجع الرسول (ﷺ) مسر ً‬ ‫ويقول‪" :‬زَ ِ ّملُو ِني زَ ِ ّملُو ِني!" فلفته في ثياب وهدأت من روعه‪.‬ثم أخبرها بما رأى‬ ‫َّللاُ أ َ َبدًا؛‬ ‫ت‪َ « :‬ك َّال‪ ،‬أ َ ْبش ِْر‪ ،‬فَ َو َّ ِ‬ ‫َّللا َال ي ُْخ ِزيكَ َّ‬ ‫علَى َن ْفسِي"‪.‬فطمأنته وقَالَ ْ‬ ‫وقال‪" :‬أ َ ْشفَ ْقتُ َ‬ ‫ْف‪،‬‬ ‫ضي َ‬ ‫ِيث‪َ ،‬وت ُ َؤدِّي ْاأل َ َما َنةَ‪َ ،‬وتَحْ ِم ُل ْال َك َّل‪َ ،‬وت ُ ِق ِري ال َّ‬ ‫صد ُُق ْال َحد َ‬ ‫الر ِح َم‪َ ،‬وتَ ْ‬ ‫َص ُل َّ‬ ‫ِإ َّنكَ لَت ِ‬ ‫ق" ‪.‬‬‫ب ْال َح ّ ِ‬ ‫علَى ن ََوا ِئ ِ‬ ‫َوت ُ ِع ُ‬ ‫ين َ‬ ‫انطلقت خديجة (رضي هللا عنها) بالرسول (ﷺ) إلى َو َر َقةَ ب ِْن ن َْو َفل بن أسد بن عبد‬ ‫اإل ْن ِجي ِل‪ -‬فقص عليه‬ ‫العزى‪ -‬ابن عمها الذي كان على دين إبراهيم‪ ،‬وعال ًما بالتَّ ْو َراةِ َو ْ ِ‬ ‫علَى‬ ‫وس الَّذِي أ ُ ْن ِز َل َ‬ ‫الرسول (ﷺ) ما حدث‪ ،‬فطمأنه ورقة ‪ ،‬وقال له‪َ " :‬هذَا ال َّنا ُم ُ‬ ‫سى ب ِْن ِع ْم َرانَ ‪ ،‬لَ ْيتَ ِني ُك ْنتُ َحيًّا ِحينَ ي ُْخ ِرجُكَ قَ ْو ُمكَ ‪.‬فقال الرسول (ﷺ)‪ :‬أ َ ُم ْخ ِر ِج َّ‬ ‫ي‬ ‫ُمو َ‬ ‫ِي‪َ ،‬ولَ ِئ ْن أَد َْر َك ِني َي ْو ُمكَ‬ ‫عود َ‬ ‫ُه ْم؟ قَالَ‪َ :‬ن َع ْم‪ِ ،‬إ َّنهُ لَ ْم َي ِج ْئ أ َ َحدٌ ِب ِم ْث ِل َما ِج ْئتَ ِب ِه ِإ َّال ُ‬ ‫ص ًرا ُم َؤ َّز ًرا "‪.‬‬ ‫ص َر َّنكَ َن ْ‬‫َأل َ ْن ُ‬ ‫من البعثة حتى الهجرة للحبشة‪:‬‬ ‫مكث الرسول (ﷺ) فترة يتعبد فيها بالغار وفت ََر عنه ْال َوحْ ي‪ ،‬ولم يتفق المؤرخون على‬ ‫تحديدها‪ ،‬إال أن أرجح أقوالهم فيها أنها أربعون يو ًما‪ ،‬وبينما هو يمشي سمع صوتًا‬ ‫ض‪ ،‬فتهيب‬‫اء َو ْاأل َ ْر ِ‬ ‫س َم ِ‬ ‫ع ْر ٍش َبيْنَ ال َّ‬ ‫فرفَ ْع َرأْ ِسه‪ ،‬فوجد ْال َملَكَ َجا ِلسا َ‬ ‫علَى َ‬ ‫من السماء‪َ ،‬‬ ‫‪- 20 -‬‬ ‫ت‪" :‬يا أ َ ُّي َها‬ ‫علَيَّه ال َما ًء‪ ،‬فنَزَ لَ ْ‬ ‫منه ورجع إلى داره‪ ،‬وقال‪ :‬دَ ِثّ ُرو ِني دَ ِثّ ُرو ِني ‪ ،‬فَ ُ‬ ‫صبُّوا َ‬ ‫ْال ُمدَّ ِثّ ُر قُ ْم فَأ َ ْنذِر"‪.‬‬ ‫وهكذا كانت المرة األولى التي رآه فيها إشارة من هللا إليه بالنبوة‪ ،‬أما الثانية فكانت‬ ‫صن َِام التي‬ ‫َّللا الَّذِي َخلَقَ ُه ْم َو َرزَ قَ ُه ْم‪ ،‬وترك َما ُه ْم َ‬ ‫علَ ْي ِه ِم ْن ِع َبادَةِ ْاأل َ ْ‬ ‫اب َّ ِ‬‫عذ َ َ‬ ‫ليُ ْنذ َِر قَ ْو َمهُ َ‬ ‫تنفع ‪.‬‬ ‫ال تضر وال ِ‬ ‫سرا‪ ،‬وأول من‬ ‫بدأت المرحلة السرية للدعوة‪ ،‬فبدأ الرسول (ﷺ) يدعو األقربين إليه ً‬ ‫آمن بنبوته وأسلم من النساء زَ ْو َجتُهُ السيدة َخدِي َجةُ ِب ْنتُ ُخ َو ْي ِلدٍ‪ ،‬ومن الصبية ابن عمه‬ ‫ارثَة الذي وهبته السيدة خديجة له لخدمته‬ ‫ي بن أبي طالب‪ ،‬ومن الموالي زيد بن َح ِ‬ ‫عل ٌّ‬ ‫فأعتقه وتبناه‪ ،‬ومن الرجال أَبُو بكر الذي آزره في الدعوة إلى دين هللا وصدقه فيما‬ ‫ع ْث َمان‬ ‫رآه وكل ما جاء به‪ ،‬وأسلم على يديه خمسة من كبار الصحابة من قريش هم‪ُ ( :‬‬ ‫ط ْل َحة‬ ‫عوف‪َ ،‬وسعد بن أَبي وقَّاص‪َ ،‬و َ‬ ‫الرحْ َمن بن ْ‬ ‫والزبير بن العوام‪َ ،‬وعبد َّ‬ ‫بن عفَّان‪ُّ ،‬‬ ‫عبيد هللا)‪.‬ثم تالهم آخرون من أفذاذ قريش مثل أبي عبيدة بن الجراح‪ ،‬واألرقم بن‬ ‫بن ُ‬ ‫سرا إلى اإلسالم تعلم فيها‬ ‫مركزا للدعوة ً‬ ‫ً‬ ‫أبي األرقم الذي اتخذ الرسول (ﷺ) من داره‬ ‫المسلمون مبادئ الدين اإلسالمي ‪ ،‬فكانت أول مدرسة في اإلسالم وذلك بعد أن‬ ‫وصل عدد الذين أسلموا نحو ثالثين مسلماً‪.‬وممن أسلم من غير القريشيين صهيب‬ ‫الرومي‪ ،‬وخباب بن األرت‪ ،‬وعبد هللا بن جحش‪.‬وأطلق على كل من أسلم في هذه‬ ‫الفترة السرية "السابقون األولون" في اإلسالم ‪.‬‬ ‫أمر هللا تعالى رسوله (ﷺ) في السنة الرابعة أن يجهر بدعوته‪ ،‬فبدأت المرحلة‬ ‫ع ِن‬ ‫ض َ‬ ‫ع ِبما تُؤْ َم ُر َوأَع ِْر ْ‬ ‫صد َ ْ‬ ‫الجهرية أو العلنية للدعوة‪ ،‬ونزل قوله تعالى‪" :‬فَا ْ‬ ‫طون قُ َري ٍْش‬ ‫ْال ُم ْش ِركِينَ "‪ ،‬فامتثل الرسول ألمر ربه وصعد على جبل الصفا ودعا ِبُ ُ‬ ‫ي؟‬ ‫ير علَ ْي ُكم‪ ،‬أ ُك ْنت ُ ْم ُم َ‬ ‫ص ِدّقِ َّ‬ ‫أن ت ُ ِغ َ‬‫بالوادِي ت ُ ِريدُ ْ‬ ‫أن َخي ًْال َ‬ ‫"أرأ َ ْيتَ ُك ْم لو ْ‬ ‫أخ َب ْرت ُ ُك ْم َّ‬ ‫وقال لهم‪َ :‬‬ ‫شدِيدٍ‪ ،‬فَقا َل‬ ‫ب َ‬ ‫عذَا ٍ‬ ‫ي َ‬ ‫ِير لَ ُك ْم بيْنَ َيدَ ْ‬ ‫ص ْدقًا‪ ،‬قالَ‪ :‬فإ ِّني َنذ ٌ‬ ‫علَيْكَ َّإال ِ‬ ‫قالوا‪َ :‬نعَ ْم‪ ،‬ما َج َّر ْبنَا َ‬ ‫وم‪ ،‬أ ِلهذا َج َم ْعتَنَا؟ فتوعده هللا تعالي بالعذاب‪ ،‬وأنزل في شأنه‬ ‫سا ِئ َر ال َي ِ‬‫ب‪ :‬تَبًّا لكَ َ‬ ‫أبو لَ َه ٍ‬ ‫َارا ذَاتَ لَ َه ٍ‬ ‫ب‬ ‫صلَى ن ً‬ ‫س َي ْ‬ ‫ب (‪َ )2‬‬ ‫س َ‬ ‫ب َوتَبَّ (‪َ )1‬ما أ َ ْغنَى َ‬ ‫ع ْنهُ َمالُهُ َو َما َك َ‬ ‫َّت َيدَا أ َ ِبي لَ َه ٍ‬‫"تَب ْ‬ ‫س ٍد (‪. ")5‬‬ ‫ب (‪ )4‬فِي ِجي ِدهَا َح ْب ٌل ِم ْن َم َ‬ ‫ط ِ‬ ‫(‪َ )3‬وا ْم َرأَتُهُ َح َّمالَةَ ْال َح َ‬ ‫موقف قريش من الدعوة‪:‬‬ ‫استمر الرسول (ﷺ) يجهر بدعوته فبدأت عداوة قريش له؛ ألنه إذا انتصرت دعوته‬ ‫إلى الوحدانية فهذا معناه تحطيم عبادة األوثان التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم‪،‬‬ ‫فضال عن كونها المصدر‬‫ً‬ ‫وضياع مكانتهم التي كانوا يتمتعون بها بين العرب‪،‬‬ ‫الرئيسي لما كانوا يجنونه في مواسم الحج من ثروات‪ ،‬فناصبوه العداء وأجمعوا على‬ ‫‪- 21 -‬‬ ‫الوقوف في سبيل نشر دعوته ‪ ،‬واستهزؤوا به في مجالسهم‪ ،‬ثم ذهبوا إلى عمه أبي‬ ‫طالب‪ -‬سيد بني هاشم‪ -‬الذي أخذ على نفسه حمايته من أيدي أعدائه فطلبوا منه أن‬ ‫يخلي بينهم وبينه أو يكفّه عما يقول‪ ،‬فردّهم ردّا جميال فانصرفوا عنه‪.‬‬ ‫مضى رسول هللا (ﷺ) لما يريده ال يصدّه عن مراده شيء‪ ،‬فلما رأت قريش منه الجد‬ ‫في الدعوة‪ ،‬وسكوت عمه وعدم نهيه عن ذلك‪ ،‬خشيت أن يتفاقم شره ويعظم أمره‬ ‫ب ِإ َّن ابْنَ أ َ ِخيكَ‬ ‫طا ِل ٍ‬ ‫فمشى رجال من أشرافها إلى عمه مرة أخرى‪ ،‬وقالوا له‪َ " :‬يا أ َ َبا َ‬ ‫ضلَّ َل آ َبا َءنَا‪ ،‬فَإِ َّما أ َ ْن تَ ُكفَّهُ َ‬ ‫ع َّنا َو ِإ َّما أ َ ْن‬ ‫سفَّهَ أَحْ َال َمنَا‪َ ،‬و َ‬ ‫اب دِي َننَا َو َ‬ ‫ع َ‬ ‫سبَّ آ ِل َهتَنَا‪َ ،‬و َ‬ ‫قَ ْد َ‬ ‫علَ ْي ِه ِم ْن ِخ َالفِ ِه فَ َن ْك ِفي َكهُ؟" فقال لهم قَ ْو ًال‬ ‫علَى ِم ْث ِل َما نَحْ ُن َ‬ ‫تُخ َِلّ َ‬ ‫ي َب ْي َننَا َو َب ْي َنهُ فَإِ َّنكَ َ‬ ‫ص َرفُوا َ‬ ‫ع ْنهُ ‪.‬‬ ‫يال‪ ،‬فَا ْن َ‬‫َرفِيقًا‪َ ،‬و َردَّ ُه ْم َردًّا َج ِم ً‬ ‫َّللا (ﷺ) وال‬ ‫سو ِل َّ ِ‬ ‫سا ِبإِس َْال ِم َر ُ‬ ‫عدَ َاوت ُ ُه ْم َولَ ْم َي ِطبْ َن ْف ً‬ ‫اق قَ ْو ِم ِه َو َ‬ ‫عظم على أبي طالب فِ َر ُ‬ ‫ِخ ْذ َال ِن ِه‪.‬فبعث إلى الرسول (ﷺ) وقال له‪َ " :‬يا ابْنَ أ َ ِخي ِإ ْن قومك قد جاءوني فقالوا كذا‬ ‫يق"‪ ،‬فظن‬ ‫علَى َن ْفسِكَ َو َال ت ُ َح ِ ّم ْل ِني ِمنَ ْاأل َ ْم ِر َما َال أ ُ ِط ُ‬ ‫ي َو َ‬ ‫علَ َّ‬ ‫ق َ‬ ‫وكذا الّذي قَالُوا لَهُ‪ ،‬فَأ َ ْب ِ‬ ‫ع ِ ّم َو َّ ِ‬ ‫َّللا‬ ‫ص َر ِت ِه‪ ،‬فقال‪َ « :‬يا َ‬ ‫ع ْن نُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ضع ُ َ‬‫الرسول (ﷺ) أن عمه خَا ِذلُهُ َو ُم ْس ِل ُمهُ‪َ ،‬وأ َ َّنهُ قَ ْد َ‬ ‫علَى أ َ ْن أ َ ْت ُركَ َهذَا ْاأل َ ْم َر َحتَّى‬ ‫اري َ‬ ‫س ِ‬ ‫س فِي َي ِمي ِني‪َ ،‬و ْالقَ َم َر فِي َي َ‬ ‫ش ْم َ‬‫ضعُوا ال َّ‬‫لَ ْو َو َ‬ ‫َّللاُ‪ ،‬أ َ ْو أ َ ْهلِكَ فِي ِه َما ت ََر ْكتُهُ» ثم بكى وولى‪.‬فناداه عمه الذي أعجبه ثبات ابن‬ ‫ي ْ‬ ‫ُظ ِه َرهُ َّ‬ ‫علَى‬ ‫ض َ‬ ‫أخيه‪ ،‬وقوة عزيمته وشدة إيمانه ‪ ،‬وقال له‪َ " :‬يا ابْنَ أ َ ِخي فَأ َ ْق َب َل َ‬ ‫علَ ْي ِه‪ ،‬فَقَا َل ا ْم ِ‬ ‫أ َ ْم ِركَ وافعل ما أحببت‪ ،‬فو هللا َال أ ُ ْس ِل ُمكَ ِل َ‬ ‫ش ْيءٍ أ َ َبدًا"‪.‬‬ ‫تأكدت قريش من عدم خذالن أبي طالب البن أخيه‪ ،‬وأنه فضل فراقهم وعداوتهم‬ ‫ارة َ ب ِْن‬ ‫فذهبوا إليه مرة ثالثة‪ ،‬وعرضوا عليه عرضا ً آخر‪ ،‬حيث مشوا إليه بـ ُ‬ ‫ع َم َ‬ ‫ارة ُ ب ُْن ْال َو ِلي ِد أ َ َن َهدُ فَتًى فِي قُ َري ٍْش‬ ‫ع َم َ‬ ‫ب َهذَا ُ‬ ‫طا ِل ٍ‬‫يرةِ وقَالُوا لَهُ‪َ :‬يا أ َ َبا َ‬ ‫ْال َو ِلي ِد ب ِْن ْال ُم ِغ َ‬ ‫ص ُرهُ‪َ ،‬واتَّ ِخ ْذهُ َولَدًا فَ ُه َو لَكَ ؟ َوأ َ ْس ِل ْم إِلَ ْينَا ابْنَ أ َ ِخيكَ َهذَا الَّذِي‬ ‫َوأَجْ َملُهُ‪ ،‬فَ ُخ ْذهُ فَلَكَ َ‬ ‫ع ْقلُهُ َو َن ْ‬ ‫ف دِينَكَ َودِينَ آ َبائِكَ ‪ ،‬وفرق جماعة قومك‪ ،‬وسفه أحالمنا فَ َن ْقتُلَهُ فَإِ َّن َما ه َُو َر ُج ٌل‬ ‫قَ ْد خَالَ َ‬ ‫طو َن ِني ا ْب َن ُك ْم أ َ ْغذُوهُ لَ ُك ْم‪،‬‬ ‫سو ُمو َن ِني؟ أَت ُ ْع ُ‬‫س َما تَ ُ‬ ‫َّللا لَ ِب ْئ َ‬ ‫ِب َر ُج ٍل!"‪.‬فقَا َل أبو طالب‪َ :‬و َّ ِ‬ ‫ون أ َ َبدًا" ‪.‬‬ ‫َّللا َما َال َي ُك ُ‬ ‫وأعطيكم ابني فتقتلونه! َهذَا َو َّ ِ‬ ‫خرجت قريش من عند عم الرسول (ﷺ) وعزمت على إيذائه هو وأتباعه ليحولوا‬ ‫دون انتشار دعوته‪ ،‬وكان من أعظمهم أذى لرسول هللا (ﷺ) جماعة س ّموا لكثرة‬ ‫أذاهم بالمستهزئين ومنهم‪ :‬أبو جهل‪ -‬عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي‪-‬‬ ‫الذي كان يريد رمي حجر على الرسول (ﷺ) وهو ساجد إال أن هللا حماه وكان كلما‬ ‫دنا منه يصيبه الفزع ويرمي الحجر من يده‪.‬كما كان أبو لهب بن عبد المطلب‪ -‬عم‬ ‫رسول هللا‪ -‬يرمي القذر على بابه ألنه كان جارا له‪ ،‬فكان الرسول (ﷺ) يطرحه‬ ‫ي جوار هذا؟‪ ،‬وكانت تشاركه في قبيح عمله زوجه أ ّم‬‫ويقول‪ :‬يا بني عبد مناف أ ّ‬ ‫‪- 22 -‬‬ ‫جميل بنت حرب بن أمية‪ ،‬فكانت كثيرا ما تسبّ رسول هللا (ﷺ) وتتكلّم فيه بالنمائم‪،‬‬ ‫وخصوصا بعد أن نزل فيها وفي زوجها سورة أبي لهب‪.‬وعلى الرغم من بقاء عمه‬ ‫أبي طالب على الوثنية فإنه كان يعارض قومه دائ ًما في إيذائهم للرسول (ﷺ) وكان‬ ‫يبسط عليه حمايته ‪.‬‬ ‫بالغت قريش في إيذاء المسلمين أتباع الرسول (ﷺ) فعذبوهم بالضرب والجوع‬ ‫والعطش‪ ،‬وبرمضاء مكة في أيام الحر الشديد وذلك ليرتدوا عن اإلسالم‪ ،‬ويقولوا‬ ‫آمنا بالالت والعزى‪ ،‬وكان بعض المسلمين يقول كلمة الكفر وقلبه مطمئن باإليمان‪،‬‬ ‫فرارا من األذى وقد كرمهم هللا وذكرهم في القرآن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ار ب ُْن َيا ِس ٍر‬ ‫ع َّم ُ‬ ‫ومن األمثلة على شدة اإليذاء الذي تعرض له المسلمون ما تعرض له َ‬ ‫ارا َوأ َ َباهُ‬ ‫ع َّم ً‬ ‫الذي أ َ ْسلَ َم ه َُو َوأَبُوهُ َوأ ُ ُّمهُ فِي دَ ِار ْاأل َ ْرقَ ِم‪ ،‬إذ كان مشركو قريش ي ُْخ ِر ُجونَ َ‬ ‫ي (ﷺ)‬ ‫اء‪ ،‬فَ َم َّر ِب ِه ُم ال َّن ِب ُّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ضا ُء يُ َع ِذّبُو َن ُه ْم ِب َح ِ ّر َّ‬ ‫الر ْم َ‬ ‫الر ْم َ‬ ‫ت َّ‬ ‫ح ِإذَا َح ِم َي ِ‬ ‫ط ِ‬‫َوأ ُ َّمهُ ِإلَى ْاأل َ ْب َ‬ ‫ت ا ْم َرأَتُهُ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ب‪َ ،‬وأ َ ْغلَ َ‬ ‫صب ًْرا آ َل َيا ِس ٍر فَإِ َّن َم ْو ِعدَ ُك ُم ْال َج َّنةُ»‪.‬فَ َماتَ َيا ِس ٌر ِفي ْال َعذَا ِ‬ ‫فَقَالَ‪َ « :‬‬ ‫ش ِهي ٍد فِي‬ ‫ي أ َ َّو ُل َ‬ ‫َت‪َ ،‬و ِه َ‬ ‫طعَ َن َها فِي قُبُ ِل َها ِب َح ْر َب ٍة فِي َيدَ ْي ِه فَ َمات ْ‬ ‫س َم َّيةُ ْالقَ ْو َل ِأل َ ِبي َج ْه ٍل‪ ،‬فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صد ِْر ِه‬ ‫علَى َ‬ ‫ص ْخ ِر َ‬ ‫ْع ال َّ‬ ‫َارةً‪َ ،‬و ِب َوض ِ‬ ‫ار‪ِ ،‬ب ْال َح ِ ّر ت َ‬ ‫ع َّم ٍ‬‫علَى َ‬‫اب َ‬ ‫شدَّدُوا ْال َعذَ َ‬ ‫اإلس َْال ِم ‪َ ،‬و َ‬ ‫ِْ‬ ‫ت‬ ‫الال ِ‬‫ق أ ُ ْخ َرى فَقَالُوا‪َ :‬ال َن ْت ُر ُككَ َحتَّى تَسُبَّ ُم َح َّمدًا َوتَقُو َل فِي َّ‬ ‫أ ُ ْخ َرى‪َ ،‬و ِبالتَّ ْغ ِري ِ‬ ‫ي (ﷺ) َي ْب ِكي‪.‬فَقَالَ‪َ :‬ما َو َرا َءكَ ؟ قَالَ‪ :‬ش ٌَّر َيا‬ ‫َو ْالعُ َّزى َخي ًْرا‪ ،‬فَفَعَلَ‪ ،‬فَت ََر ُكوهُ فَأَتَى ال َّن ِب َّ‬ ‫ان‪.‬‬ ‫ط َم ِئ ًّنا ِب ْ ِ‬ ‫اإلي َم ِ‬ ‫ْف ت َِجدُ قَ ْل َبكَ ؟ قَالَ‪ :‬أ َ ِجدُهُ ُم ْ‬ ‫َّللا‪َ ،‬كانَ ْاأل َ ْم ُر َكذَا َو َكذَا‪.‬قَا َل فَ َكي َ‬ ‫سو َل َّ ِ‬‫َر ُ‬ ‫ان} ‪.‬‬ ‫ط َم ِئ ٌّن ِب ْ ِ‬ ‫اإلي َم ِ‬ ‫َّللاُ تَ َعالَى‪ِ { :‬إ َّال َم ْن أ ُ ْك ِرهَ َوقَ ْلبُهُ ُم ْ‬ ‫ار فَعُ ْد ‪ ،‬فَأ َ ْنزَ َل َّ‬‫ع َّم ُ‬ ‫فَقَالَ‪َ :‬يا َ‬ ‫ص ْف َوانَ ب ِْن‬ ‫سار‪َ ،‬و َكانَ َ‬ ‫ع ْبدًا ِل َ‬ ‫َو ِممن عذبهم المشركون أَبُو فُ َك ْي َهة وا ْس ُمهُ أ َ ْفلَ ُح‪َ ،‬وقِيلَ‪َ :‬ي َ‬ ‫ط فِي ِرجْ ِل ِه َحب ًْال‪،‬‬ ‫يِ‪ ،‬أ َ ْسلَ َم َم َع ِب َال ٍل‪ ،‬فَأ َ َخذَهُ أ ُ َم َّيةُ ب ُْن َخلَفٍ َو َر َب َ‬ ‫أ ُ َم َّيةَ ب ِْن َخلَفٍ ْال ُج َم ِح ّ‬ ‫ْس َهذَا َربَّكَ ؟ فَقَالَ‪:‬‬ ‫اء‪َ ،‬و َم َّر ِب ِه ُجعَ ٌل فَقَا َل لَهُ أ ُ َم َّيةُ‪ :‬أَلَي َ‬ ‫ض ِ‬ ‫الر ْم َ‬ ‫َوأ َ َم َر ِب ِه فَ ُج َّر ث ُ َّم أ َ ْلقَاهُ فِي َّ‬ ‫ي ب ُْن َخلَفٍ َيقُولُ‪ِ :‬ز ْدهُ‬ ‫شدِيدًا‪َ ،‬و َمعَهُ أ َ ُخوهُ أ ُ َب ُّ‬ ‫َّللاُ َر ِّبي َو َربُّكَ َو َربُّ َهذَا‪ ،‬فَ َخ َنقَهُ َخ ْنقًا َ‬ ‫َّ‬ ‫علَى ِت ْلكَ ْال َحا ِل َحتَّى َ‬ ‫ظ ُّنوا أ َ َّنهُ قَ ْد‬ ‫صهُ ِبسِحْ ِرهِ‪َ ،‬ولَ ْم َيزَ ْل َ‬ ‫ي ُم َح َّمدٌ فَيُخ َِلّ َ‬ ‫ْ‬ ‫عذَابًا َحتَّى َيأ ِت َ‬ ‫َ‬ ‫َماتَ ‪ ،‬ث ُ َّم أَفَاقَ ‪ ،‬فَ َم َّر ِب ِه أَبُو َب ْك ٍر فَا ْشت ََراهُ َوأ َ ْعتَقَهُ‪.‬‬ ‫ضا‪ ،‬ومنهن‪ :‬لُ َب ْي َنةُ‬ ‫لم يعذب مشركو قريش الرجال فحسب‪ ،‬بل ?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser