الفتح العربي للعراق وإيران PDF
Document Details
Uploaded by ShinyOxygen9716
Université d'Alexandrie
Tags
Summary
هذا النص يتناول أحداث الفتح العربي للعراق وإيران، ويصف الصراع بين الدولة الساسانية والمسلمين، ويوضح أهمية هذه الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط. يركز النص على مراحل الفتح المختلفة، ومحاولة الدولة الساسانية لمقاومة التقدم العربي.
Full Transcript
## الفصل الثاني ### **الفتح العربي للعراق وايران (1)** كان الفتح العربي للعراق وایران في الحقيقة أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط ، لما ترتب عليه من نتائج بعيدة الأثر في تاريخ هذا الشرق وحضارته ، فقد اختفت الدولة الساسانية التي كانت تلعب الدور الرئيسي منذ القرن الثالث الميلادي ، وكان وجود الدولة...
## الفصل الثاني ### **الفتح العربي للعراق وايران (1)** كان الفتح العربي للعراق وایران في الحقيقة أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط ، لما ترتب عليه من نتائج بعيدة الأثر في تاريخ هذا الشرق وحضارته ، فقد اختفت الدولة الساسانية التي كانت تلعب الدور الرئيسي منذ القرن الثالث الميلادي ، وكان وجود الدولة الساسانية يعد أهم ملامح تاريخ الشرق الأوسط . ومن الغريب أن هذه الأحداث علي أهميتها غامضة إلى أبعد الحدود فهي ما زالت في حاجة إلى مزيد من البحث ، ولعل السبب في هذا أن المصادر البيزنطية المعاصرة للفتح العربي لايران لم تعن بتدوين أخبار هذا الفتح ، بسبب انشغال الدولة البيزنطية بأحداث الفتح العربي لأراضيها ، على حين نجد الكتب الفارسية قد ضاع أكثرها بعد انتهاء المقاومة . فلم يبقي إلا أن ندرس هذه الأحداث من المصادر العربية ، علما بأن العرب دونوا هذه الأخبار بعد حوادث الفتح بفترة طويلة . وأحداث فتح العراق وايران تشبه من وجوه كثيرة أحداث الفتح العربي لبلاد الأندلس من حيث ارتباط الفتحين بطبيعة الاقليمين الجغرافية وأثر هذه الطبيعة في أحداث الفتح واتجاهاته كما أن وجه الشبه يظهر أيضا في طول الفترة التي وقعت فيها الأحداث والتي تم فيها الفتح . فالمعروف أن الامبراطورية الايرانية كانت تتألف من أقاليم جغرافية ثلاثة : - العراق العربي - العراق العجمي الذي يقع بين دجلة والفرات ويمتد شرقا حتى سلسلة الجبال الايرانية - الهضبة الايرانية الصميمة التي تمتد من سلسلة جبال ايران حتى هضاب آسيا الوسطى كل اقليم من هذه الأقاليم يمثل مرحلة من مراحل الفتح قائمة بذاتها لها اتجاهاتها ومقوماتها ، كما أن كل مرحلة منها ترتبط بمعركة شهيرة قررت مصير الاقليم ومكنت العرب والثقافة العربية من التغلب والانتشار. - **اقليم العراق العربي** تقرر مصيره بعد معركة الحيرة - **اقليم العراق العجمي** تقرر مصيره بعد القادسية - **الاقليم الاخير** تقرر مصيره بعد معركة نهاوند **بداية الفتح** بدأت المرحلة الأولى بداية تختلف عن بداية الفتح عادة ، ذلك أن بدأت بعض القبائل العربية المقيمة بأطراف العراق والتي كانت قد أحرزت نصرا في فترة على الفرس في بعض المناوشات المحلية التي حدثت قبيل ظهور الاسلام ، حروب كانت ترقب الأحداث الكبيرة التي جرت في شبه جزيرة العرب فكانت الردة ترقب حركة الردة وتوفيق المسلمين فى القضاء عليها ، وكان تعجب لمسلك الدولة الجديدة من هذه الأحداث وتعجب بصفة خاصة بالانتصارات التي أحرزها خالد بن الوليد في محاربة المرتدين . ولهذا نرى هذه القبائل تكتب الى الخليفة وتطلب الاذن ببداية الفتوح . وربما كان طلبها ذاك رغبة منها فى أن تنساق مع الحركة الدافقة وأن تستفيد منها ، أو ربما رغبة منها فى تأكيد اعتناقها الاسلام بالمشاركة في الجهاد . لهذا كتب المثنى بن حارثة الشيباني الى الخليفة أبي بكر يطلب أن يأذن له بفتح العراق ، فاذن له وانضم اليه خالد بن الوليد فكانت البداية الأولى للفتوح العربية للعراق . **فتح الحيرة** ومن غريب الأمر أن الدولة الساسانية لم تكن تعلم بأهمية هذه التطورات التي جرت على حدودها الغربية والتي كان مسرحها بلاد العرب . الدليل على ذلك أنها واجهت التقدم العربي بالأسلوب القديم نفسه ، الذي كانت تواجه به الغزاة العرب قبل الاسلام . اذ عهدت الى الحاميات المحلية وبعض العرب المرتزقة بدفع هذا الغزو . وانتهى الأمر بأن دخل العرب مدينة الحيرة . وكان نصر العرب عند الحيرة الذي قرر مصير العراق العربي والسبب أن فتح الحيرة تم بعد معاهدة معروفة تسمى معاهدة الحيرة ، وهي تشبه المعاهدات المألوفة من حيث ضمانها لحرية العقيدة وحرمة النفس والمال ، وتنظيمها لوضع أهل الذمة ، فكانت هذه المعاهدة ذات أثر عظيم في نفوس الطبقات الفقيرة من سكان العراق العربي والعراق العجمي. بل كان فتح الحيرة نموذجا للفتوح العربية التي شهدتها ايران فيما بعد . وأصبحت الحيرة بعد فتحها قاعدة عربية كبرى تتركز فيها الامدادات والقوات لاتمام المراحل الأخرى . **مقاومة الامبراطورية الايرانية** أما المرحلة الثانية وهى فتح العراق العجمى فتتمثل فيها المقاومة الحقيقية للامبراطورية الايرانية مستخدمة أسلحتها كلها ، اذ يبدو أن الايرانيين خصوصا بعد فتح الحيرة ، اعتقدوا أن الفتح العربي ليس غارات تغير ثم تعود ، انما هى أهداف تريد أن تنطلق ، وكان على الدولة اعتمادا على تراثها القديم - ان تركز الجهود لتلقين العرب درسا ، فكان أن قامت بحشد قواتها كلها، والقاء هذه القوات في معركة فاصلة وكانت الدولة الساسانية قد نعمت ببعض الاستقرار الداخلي تمثل في تولى يزدجرد والتفاف الناس حوله وتبارى الرؤساء في طاعته ومعونته . كما عمدت الدولة الى التجنيد العام الشامل، ووزعت الفرق في كل انحاء الأرض التي احتلها العرب . وفى الوقت نفسه أثاروا السكان وألبوهم على المسلمين حتى نقضوا العهود والمواثيق ويبدو أن العرب من ناحيتهم لم يكونوا أقل ادراكا لقيمة هذا الصراع وأثره في تقرير مصير الاسلام . وكان عمر في ذلك الوقت قد تولى الخلافة ، واتخذ المسلمون خطوات بعيدة الأثر . **خطط المسلمين لمواجهة الخطة الفارسية** - الانسحاب وخروج المثنى والقواد الآخرين بحامياتهم من الارض التي احتلوها - التراجع والتفرق في المياه التي تلي الأعاجم كملي الأرض العربية والأرض الفارسية - مقابلة تجنيد الفرس العام بتجنيد عربي عام فكانت المعركة الشهيرة معركة القادسية ، التي تمثل الصراع الحقيقي بين الدولة الساسانية وبين المسلمين ، ويتمثل فيها عنف المقاومة من ناحية الفرس ثم عمق الايمان من ناحية العرب ، واستمرت ثلاثة أيام انتهت بنصر حاسم كان أشبه بالمعجزات . **أثر معركة القادسية** **Grousset** يقول **Grousset** ان هذه المعركة أثبتت أن الدولة الساسانية كانت قد فسدت أمورها وتعفنت نظمها بدليل أنها جمعت أسلحتها كلها لخوض معركة فاصلة ، ولم يكن للعرب من سلاح غير سلاح الايمان . وفى هذه المعركة الفاصلة سقط علم أردشير في يد الفاتحين العرب وانتصرت الجمهورية الفتية على الامبراطورية العتيقة كما قررت الحيرة وما تلاها من وقائع مصير العراق العربي فان موقعة القادسية قررت مصير العراق العجمي ، اذ أن الفرس كفوا عن المقاومة في هذه المنطقة وأسلموها غنيمة للعرب الذين انفتحت أمامهم سهول العراق . بدليل أن العرب دخلوا العاصمة المدائن دون مقاومة . **فتح ايران** والمرحلة الثالثة وهى فتح ايران ، تتمثل فيها المقاومة الحقيقية للفتح العربي ، فقد تم فيها اللقاء الحقيقي بين العنصر العربي والعنصر الايراني ، بين الثقافة العربية والثقافة الايرانية ، وتمكن العرب من مهاجمة قلب الأمة الايرانية ومهاجمة ايران نفسها ، لأن العراق بقسميه كان ولاية خاضعة للنفوذ الفارسي . وهنا نجد وجها للاختلاف بين التقاء العرب في هذه المرحلة الايرانية وبين التقائهم بالبيزنطيين ، فالعرب لم يفلحوا في اختراق قلب المقاومة البيزنطية فبقيت آسيا الصغرى صامدة حتى مجيء السلاجقة . وفي هذه المرحلة أيضا تم التقاء العرب بالطبيعة الايرانية الخالصة ، الطبيعة الجبلية والهضبية واضطر العرب الى القتال في أجواء تختلف عما ألفوه . وبدا واضحا أن الدولة الساسانية حاولت الافادة من هذه الطبيعة بقدر المستطاع . فقد تحصنت المقاومة الساسانية عند سفح الهضبة أو عند سفح الجبال في معركة جلولاء . وكان الأعاجم قد تحصنوا وخندقوا وجعلوا عيالهم وثقلهم بخانقين ، وتعاهدوا ألا يفروا ، وجعلت الأمداد تقدم عليهم من حلوان والجبال ... فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح حتى تقصفت وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت . وكان انتصار العرب فى هذه المعركة يحمل أكثر من معنى ، اذ أن معناه أن الفتح العربي لن يعبأ بطبيعة جغرافية ، انما هو مد يريد أن ينطلق مهما كانت النتائج . ومعناه صدق ما ذكرنا من سوء الأحوال في الدولة وان قليلا من المقاومة الناجحة كان كفيلا باستخدام الطبيعة في صد الفتح العربي . ثم مضى العرب في نصرهم ومضى الساسانيون في هزائمهم حتى كانت معركة نهاوند التى استطاع العرب فيها أن يقضوا على المقاومة الساسانية قضاء تاما وأن يوغلوا في صميم الوطن الايراني وقلب الهضبة الايرانية . وقد كان الزحف العربي من الحيرة حتى نهاوند زحفا غير منظم حقق نصرا للعرب تعقبوا بعده العدو المهزوم الذي ولى الأدبار . وكان واضحا أن نجاح الفتح العربى كان يتوقف على أن يتحول العرب من هذا الفتح البطولى الى الفتح المنظم الذى يعتمد على خطة مرسومة وعلى ملاءمة حقيقية بين الفتح وبين الطبيعة الجغرافية . وفعلا بدأ الفتح العربي بعد هذه المعركة الفاصلة يسير وفقا للخطط المدروسة ، ويمتاز بطابع التنظيم والملاءمة بين التوسع وبين الحقائق الجغرافية . وكان تنظيم الفتح على هذا النحو من أهم الأسباب التى عملت على نجاح التوغل العربي في الوطن الايراني كله . **بداية الفتح المنظم** ويمكننا أن نقول ان من أساليب هذا التنظيم الجديد ، انشاء البصرة والكوفة ، واتخاذهما معسكرين الغرض منهما أن تحشد فيهما القوات العربية وتخرج منهما لتنفيذ أهداف مرسومة واضحة . واذا تأملنا في تطور الزحف العربي بعد انشاء البصرة والكوفة فانا نستطيع أن نقول ان هذا الفتح كان على شكل ( كماشة كبرى ) يمضى الجزء الشمالى منها يخترق شمال ایران ، وفعلا استطاع العرب أن يستولوا على منطقة خراسان بل وصل الزحف العربي الى حدود أفغانستان في عهد عثمان بن عفان . والطرف الجنوبى من حركة الزحف كان يخترق ايران الجنوبية ويتجه نحو الشرق ووصل هذا الزحف فعلا حتى حدود السند. وقد حاولت بقايا الأسرة الساسانية أن تعتصم ببلاد الصين وأن تعتمد على الصين في استعادة الأراضي التي فتحها العرب . لكن هذه الحركة لم تحقق الأغراض المرجوة منها واستسلم الايرانيون للفتح . **فتح شمال ايران** - **الري - طبرستان** - **قزوين - أذربيجان** كانت الكوفة والبصرة هما القاعدتان العربيتان للتوسع الكبير في ايران وانهاء المقاومة الفارسية . وبدأت القوات العربية المنحدرة من هاتين القاعدتين تجرؤ على التوغل فى المناطق الجبلية الشمالية . وأول من اضطلع بهذه المهمة الشاقة من قواد عصر الفتح عروة بن زيد الطائي الذي فتح مدينتي الري وقومس واحتك للمرة الأولى في تاريخ الاسلام بجموع الديلم ، هؤلاء الديلم الذين سيطفون على سطح الحياة الاسلامية في عهد بني بويه لى عروة الطائي . وقد قاوم الديلم العرب مقاومة باسلة ، وكبدوهم خسائر كبيرة ، ولكنهم أذعنوا للحكم العربي آخر الأمر . وتوالت البعوث العربية من القواعد العربية الى هذه الجهات حتى صالحت على الجزية ولا يهدم لهم بيت نار . ويبدو أن الديلم الذين نعموا بالاستقلال طوال الحكم الساساني ، لم يسلس قيادهم للعرب مرة واحدة فقد أعلنوا الثورة المرة فى اثر الأخرى سنة ٢٥ هـ وأخضعوا من جديد ثم عاودوا الثورة في عهد معاوية حتى استقام أمرهم للاسلام نهائيا . وحركة الفتح العربى لم تقف عند هذا الحد ، فقد امتدت الى منطقة بحر قزوين ذاتها . وكان فتح منطقة قزوين من قاعدة الكوفة أيضا، ذلك أن المغيرة بن شعبة عهد الى البراء بن عازب باتمام هذه المهمة الشاقة فاستولى على حصن أبهر ثم هاجم قزوين . ومن الغريب أن الديلم وقفوا من هذه المعركة العنيفة وقفة المتفرج، وقفوا على الحياد دون أن ينحازوا الي أى الطرفين . ويبدو أن وقوف الديلم على الحياد في هذه المعركة الحاسمة كان سببا في انتصار العرب. وقد قدر العرب للديلم هذا الصنع فعوملوا معاملة المسلمين ، أظهروا الاسلام ونزلوا على كل ما نزل عليه أساورة البصرة من الاسلام . وتحولت أرضهم من أرض خراجية الى أرض عشرية . وقد تابع العرب التقدم فاستولوا على جيلان وزنجان . بل امتد الزحف العربي الى أذربيجان باستيلائهم على مدينة أردبيل . ويبدو أن أهل أذربيجان عاهدوا العرب وصالحوهم . « ثم ان المرزبان صالح حذيفة ابن اليمان عن جميع أهل اذربيجان على ثمانية ألف درهم على ألا يقتل من منهم احدا ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار ، وتولى هذه المنطقة الوعرة ولاة من العرب نذكر منهم حذيفة بن اليمان وعتبة بن فرقد السلمي . وقد عاود أهل اذربيجان الثورة في عهد الخليفة عثمان فحاربهم العرب مرة أخرى. واستقاموا على الطاعة طوال أيام عثمان . وفي خلافة على بن أبى طالب ولى هذه البلاد سعيد بن سارية الخزاعي حينا والأشعث بن قيس الكندى حينا آخر . وكان الفتح العربي مقدمة لهجرات عربية الى هذه البلاد البعيدة . فقد هاجرت قبائل عربية الى أذربيجان وأقامت بها وشاركت مشاركة فعلية في الدعوة الى الاسلام . ويبدو أن الحركة الاسلامية في أذربيجان كانت قد قطعت شوطا بعيدا في أيام على بن أبي طالب . اذ يستفاد من رواية البلاذري أن أكثرهم أسلموا وقرءوا القرآن . وأن الخليفة أنزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان من العرب ومصرها وبنى مسجدها . وفى أذربيجان اتصل العرب بجماعات الأكراد كما اتصلوا بالخزريين والديلم في قزوين . وقد اتجه العرب الى فتح جميع معاقل الأكراد في منطقة اذربيجان وأرمينية وأذعنت قبائل الأكراد جميعها . ومما ساعد على تثبيت هذا النصر العربي تمصير مدينة الموصل اذ مصرها هرثمة بن عرفجة البارقى ، والتمصير هنا معناه اختطاط الخطط واسكان القبائل وإنشاء المسجد الجامع ودار الامارة . وأصبحت مدينة الموصل منذ ذلك الوقت قلعة عربية تسيطر على مواطن الاكراد وتضمن استمرار ولائهم للدولة العربية . ويبدو أن العرب في العصر الأموى جعلوا منطقة اذربيجان وأرمينية والموصل والجزيرة ولاية واحدة تولاها أحيانا محمد بن مروان بن الحكم، وأحيانا أخرى سعيد بن عبد الملك بن مروان . <strong>فتح ايران عن طريق البحر</strong> والعرب في هجومهم على ايران لم يتخذوا البر وحده سبيلا اليها ، اذ يكشف البلاذري عن محاولة جريئة في تاريخ الفتح العربي ، وذلك بغزو ايران عن طريق البحر وقد تكللت هذه الجهود بالنجاح في عهد عمر بن الخطاب : ذلك ان العلاء بن الحضرمي عامل عمر على البحرين وعمان استطاع أن يتم سيطرة العرب على الخليج وقام باعداد حملة بحرية قادها الحكم بن أبي العاص وشحنت السفن بالمقاتلة من قبائل عبد القيس والأزد وتميم ، وقد تم لهم الاستيلاء على ساحل ايران الجنوبي وبذلك طوقت ايران من البر والبحر في وقت واحد . بهذه الحملات المتتابعة أتم العرب فتح ايران واخضعوا جميع شعوبها من الفرس والديلم والأكراد والأرمن والخزر . **محافظة الأمويين على الفتح العربي** واذا كان الفتح العربي نجح في اخضاع ايران على هذا النحو فإن تثبيت هذا الفتح والمحافظة عليه ، كان أبلغ أثرا من حوادث الفتح نفسها ، ونستطيع أن نقول ان الأمويين هم الذين نجحوا في المحافظة على هذه المكاسب وتثبيت النفوذ العربي في ايران . ذلك أنه بعد الفتنة التي أعقبت مقتل عثمان وضح أن العرب قد يفقدون ما فتحوه . فقد انتشرت الفتن بين القبائل العربية التي دخلت البلاد بعد الفتح مباشرة . كما أن أهل الذمة من الايرانيين انتهزوا الفرصة لنقض المعاهدات التي عقدها العرب معهم ، هذه المعاهدات التي أتاحت لهم الحماية ومنحتهم الحريات الدينية والمدنية لقاء دفع الجزية . وقد سادت ايران في عصر الفتنة ظاهرة خروج أهل الذمة على النفوذ العربي والتي تسمى «ظاهرة كسر الخراج » أو الخروج على السيادة العربية . كما بدأ الأمراء الترك فيما وراء النهر يستعيدون نفوذهم مرة أخرى . وكان ظهور الأمويين من أهم الأسباب التي عملت على المحافظة على الوحدة الاسلامية ، والابقاء على الفتوح العربية ، وهم أصحاب الفضل في التنظيم الثغرى ، . اذ استطاعوا أن ينظموا الحدود تنظيما ثغريا ، والتنظيم الثغرى متأثر الى حد كبير بالنظام البيزنطي في حماية الحدود ، أساس التنظيم الثغرى أن تنشأ سلسلة من الحصون على الحدود يركز فيها المقاتلة والجنود والمجاهدون والمرابطون وتحشد المؤن والذخائر ، وتقوم الحصون الثغرية بسلسلة من الغارات الموسمية اما فى الشتاء واما في الصيف . وهذه الغارات الغرض منها قبل كل شىء تثبيت خط الحدود والدفاع عنه . وكانت هذه السياسة الثغرية تتضمن أيضا توطين العرب المهاجرين في مناطق الحدود وجعل هؤلاء المستوطنين أساسا للسياسة الدفاعية . وكان هذا التنظيم الثغرى يساعد فى وقت الضعف على حماية الحدود من اغارات العدو . كما انه كان فى وقت القوة مركزا للوثوب أو قاعدة للهجوم الى ما وراء الحدود . وقد استطاع الأمويون خاصة في عهد زياد ابن أبي سفيان وفي عهد المهلب أن يجعلوا منطقة خراسان ثغرا اسلاميا . كما جعلوا منطقة اذربيجان ثغرا اسلاميا وكذلك منطقة كرمان . وبذلك استطاع الأمويون أن يتخذوا القواعد الثغرية أماكن للتوسع في الجهات المحيطة بايران . **أهمية الفتح العربي** بذلك تمكن العرب في عهد الراشدين من فتح ايران وتمكن الأمويون من تثبيت هذا الفتح والمحافظة عليه . ونعتقد أن الفتح وتثبيته كان من أهم الأحداث في تاريخ الشرق اذ ذاك ، وليس السبب في ذلك ان العرب استطاعوا ان يزيحوا الساسانيين من عالم الشرق الأوسط ، وأن يخلصوا المنطقة من النزاع التقليدي بين الايرانيين والبيزنطيين ، أو أن هذا الفتح وصل آسيا الوسطى بالبحر الأبيض المتوسط بصلة لم تنفصم طوال العصور الوسطى ، انما سبب هذه الأهمية أن هذا الفتح كان مقدمة لانتشار الاسلام في ايران . يؤكد **نولدكه** أن الفتح العربى أهم من الفتح المقدوني لأن الهلينية لم تترك في حياة ايران الا آثارا سرعان ما زالت . أما الفتح الاسلامي فانه ترك في البلاد آثارا باقية . فللمرة الأولى منذ عهد الاسكندر الأكبر تتحد ايران وتركستان والسند فى ظل دولة واحدة هى الدولة الاسلامية . بل أتاح الفتح العربي للثقافة الايرانية الاسلامية - كما سنرى - فرصا أوسع في الانتشار ربما لم تتح لها من قبل ، فقد هاجر الايرانيون الى تركستان والسند كما هاجر العرب ونشروا ثقافتهم كما نشروا لغتهم .