مذكرة آثار شبه الجزيرة العربية PDF

Summary

تُغطّي هذه المذكرة تاريخ الآثار في شبه الجزيرة العربية، بدايةً من فترات العصور الحجرية وحتى العصور التاريخية. وتُناقش المذكرة أقدم أدلة على وجود الإنسان في المنطقة، بالإضافة إلى العصور التاريخية والمواقع الأثرية الهامة.

Full Transcript

‫قسم التاري خ وعلم اآلثار‬ ‫آثار شبه الجزيرة العربية‬ ‫‪ 201‬أثر‬ ‫أستاذ المقرر‬ ‫د‪.‬عبدهللا باسنبل‬ ‫قائمة المحتويات‬ ‫‪2‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬اإلطار الزمني لوجود اإلنسان‬ ‫‪8‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬العصور التاريخية في الجزيرة العربية‬ ‫‪11‬‬...

‫قسم التاري خ وعلم اآلثار‬ ‫آثار شبه الجزيرة العربية‬ ‫‪ 201‬أثر‬ ‫أستاذ المقرر‬ ‫د‪.‬عبدهللا باسنبل‬ ‫قائمة المحتويات‬ ‫‪2‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬اإلطار الزمني لوجود اإلنسان‬ ‫‪8‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬العصور التاريخية في الجزيرة العربية‬ ‫‪11‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬مصادر تاريخ الجزيرة العربية القديم‬ ‫‪16‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬أقدم ذكر للفظة عرب أو العرب‬ ‫‪24‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬جغرافية الجزيرة العربية‬ ‫‪29‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬نجران منطلق القوافل‬ ‫‪43‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬العال‬ ‫‪55‬‬ ‫الفصل الثامن‪ :‬تيماء‬ ‫‪76‬‬ ‫الفصل التاسع‪ :‬قرية ذات كهل "موقع الفاو األثري"‬ ‫‪91‬‬ ‫الفصل العاشر‪ :‬حضارة دلمون في مملكة البحرين‬ ‫‪105‬‬ ‫الفصل الحادي عشر‪ :‬المنطقة الشرقية‬ ‫‪110‬‬ ‫الفصل الثاني عشر‪ :‬اإلمارات العربية المتحدة‬ ‫‪120‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪ :‬الكويت‬ ‫‪131‬‬ ‫الفصل الرابع عشر‪ :‬مملكة سبأ‬ ‫‪138‬‬ ‫الفصل الخامس عشر‪ :‬طرق التجارة البرية‬ ‫‪1‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬اإلطار الزمني لوجود اإلنسان‬ ‫اإلطار الزمني لوجود اإلنسان على الكرة األرضية‬ ‫أقدم األدلة األثرية على وجود اإلنسان على الكرة األرضية تعود إلى ما قبل تقريبا ً ‪ 2‬مليون سنة وبضعة‬ ‫قرون‪.‬‬ ‫اإلطار الزمني لوجود اإلنسان في الجزيرة العربية‬ ‫تعود أقدم األدلة األثرية على وجود اإلنسان في الجزيرة العربية تقريبا ً إلى ما قبل مليون وخمسمائة ألف سنة‬ ‫من الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫ومن هنا بدأ تزمين وجود اإلنسان في الجزيرة العربية اعتمادا ً على ما جاءت به الدراسات الجيولوجية والبيئية‬ ‫وما قدمه لنا المسح األثري الميداني من نتائج ومن مادة أثرية عائدة لإلنسان القديم في الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫إن أقدم فترات وجود اإلنسان هي ما يسمى بالعصور الحجرية استنادا ً إلى شيوع مادة الحجر في استخدامات‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ويمكن تقسيم العصور الحجرية إلى ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫‪ -1‬العصر الحجري القديم‬ ‫يمتد هذا العصر تقريبا ً ألكثر من ‪ 2.500.000‬مليون سنة وحتى ‪ 15.000‬ألف سنة ق‪.‬م‪ ،‬وعلى هذا نجد أن‬ ‫هذا العصر يستغرق معظم المدة الزمنية لوجود اإلنسان‪ ،‬وبدوره ينقسم هذا العصر إلى أدوار رئيسية على‬ ‫النحو التالي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬العصر الحجري القديم األسفل (‪ 200.000 - 2.500.000‬ق‪.‬م)‬ ‫يعتبر هذا العصر النتاج األول للفكر البشري والذي سارت عليه الجماعات البشرية الالحقة‪ ،‬ويشمل حضارتين‬ ‫رئيستين تمثلتا في الصناعات الحجرية هما‪:‬‬ ‫‪.1‬الحضارة األلدوانية‪ :‬نسبت هذه الحضارة إلى موقع أولدوفاي قورج الشهير في تنزانيا بشرق إفريقيا‪،‬‬ ‫فكانت النوى الحجرية هي السمة المميزة لهذه الحضارة التي تعتمد على تكسير أطراف قطعة الحجر‬ ‫من خالل الطرق المباشر بواسطة حجر آخر بهدف الحصول على حافة حادة يمكن استخدامها في‬ ‫أعمال التكسير والقطع‪.‬ومن أبرز األدوات المستخدمة‪ :‬السواطير والمدقات ثنائية الوجه البدائية‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫والمستديرات وشبه المستديرات؛ إضافة إلى وجود النوى والمطارق الحجرية (والين ‪-93 :1989‬‬ ‫‪.)94‬وترجع تاريخها إلى حوالي ‪ 1.800.000‬سنة‪.‬‬ ‫‪.2‬الحضارة اآلشولية‪ :‬نسبت هذه الحضارة إلى موقع في شمال فرنسا عرف بسانت آشول‪ ،‬وتتميز هذه‬ ‫الحضارة بظهور تقنية الفأس اليدوية اآلشولية وهي أداة متطورة شكالً وأدا ًء عن األلدوانية‪ ،‬وهي‬ ‫عبارة عن أداة مشحوذة (مشظيه) الوجهين مدببة الرأس مثلثة الشكل ذات طرفين حادين‪ ،‬كما استخدم‬ ‫في هذه الحضارة أنواع أخرى كالمعاول‪ ،‬والسواطير‪ ،‬واألدوات الكروية‪ ،‬والمكاشط‪ ،‬والسكاكين‬ ‫والمثاقب‪.‬ويالحظ في هذه الفترة كثرة أنواع األدوات المشحوذة‪.‬ومن ضمن ما حقق إنسان تلك الفترة‬ ‫بناء األكواخ البسيطة في السهول واستخدم الكهوف والمالجئ الطبيعية‪.‬كذلك صار من الشائع في‬ ‫المواقع اآلشولية استخدام النار (زارينس‪3 :1981‬؛ والين ‪.)20-9 :1983‬‬ ‫ب‪ -‬العصر الحجري القديم األوسط‪ 40.000 - 200.000( :‬ق‪.‬م)‬ ‫يعد هذا العصر المرحلة الحضارية الثانية الرئيسة من العصر الحجري القديم‪ ،‬حيث سار إنسان هذا العصر‬ ‫نحو خطوات مهمة من ناحية التنوع الثقافي والحضاري اإلقليمي وذلك ألسباب مختلفة منها استمرارية‬ ‫الموروث الثقافي وتراكمه والتكيف البيئي والموارد الطبيعية المتاحة‪.‬وتتمثل التقنية األساسية المميزة لهذه‬ ‫الفترة في صناعتين هما‪:‬‬ ‫‪.1‬الصناعة اللفالوازية‪ :‬تعتمد على تجهيز النواة بطرقها من الحافة نحو الوسط إلبعاد القشرة الطبيعية‬ ‫ثم يتبع ذلك خطوات تشطير متعاقبة تؤدي في النهاية إلى شطر ما يسمى بالشظية اللفالوازية أو الرأس‬ ‫اللفالوازي‪.‬‬ ‫‪.2‬الصناعة الموستيرية‪ :‬تتبع بعض الخطوات الفنية في اللفالوازية ولكنها تهدف إلى الحصول على‬ ‫عدد أكبر من الشظايا (الرقائق) من النواة الواحدة التي تشبه عادة بظهر السلحفاة‪.‬يضاف إلى هاتين‬ ‫التقنيتين نوعية األدوات المصنعة التي تتمثل في السكاكين والمكاشط‪ ،‬والرؤوس والمسننات‬ ‫(المنشارية)‪ ،‬واألدوات ذات الثلم‪ ،‬إضافة إلى بعض النصال والفؤوس اليدوية التي ظهرت في المرحلة‬ ‫المبكرة لهذه الفترة (‪.)Bordes 1972:48-54‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ت‪ -‬العصر الحجري القديم األعلى (‪ 15.000 - 40.000‬ق‪.‬م)‬ ‫يعد من أهم الفترات الحضارية في العصر الحجري القديم نسبة لما حققه اإلنسان خالله من ابتكارات تقنية‬ ‫وفنية‪ ،‬وتمكنه من تحسين أنماط االقتصاد المعيشي وتوفير األدوات المناسبة لتأمين القدر المطلوب من الغذاء‬ ‫لمجموعات الصيادين المتزايدة في أعدادها‪.‬وفي هذا العصر ساد االستقرار البشري جميع أنحاء المعمورة‬ ‫بما في ذلك العالم الجديد (األمريكيتين وأستراليا)‪.‬فاألدوات الحجرية المتنوعة صارت تصنع من أنصال‬ ‫طويلة متوازية األضالع ورفيعة السمك وتدريجيا ً أصبحت شفرات رفيعة ودقيقة الشحذ الذي ينفذ بواسطة‬ ‫الضغط‪.‬ومن أهم أدوات هذا العصر‪ :‬المكاشط والسكاكين الرفيعة والنصال المظهرة ذات األشكال الهندسية‬ ‫والمناقيش والمثاقب الرفيعة‪ ،‬كما أضاف إنسان ذلك العصر إلى معداته األدوات العظمية مثل‪ :‬الخطاطيف‬ ‫واإلبر والرؤوس المدببة (‪.)Redman 1978:59-71‬‬ ‫‪ -2‬العصر الحجري األوسط (‪ - 15.000‬األلف التاسع ق‪.‬م )‪ 10.000‬ق‪.‬م)‬ ‫يمكن أن نعتبر هذا العصر فترة انتقالية في حياة اإلنسان القديم‪ ،‬كما يغطي هذه الفترة الغموض لعدم وجود‬ ‫عرفت في شمال‬ ‫أدوات حجرية تمثل في صناعتها ما هو معروف في حضارة العصر الحجري الوسيط التي ُ‬ ‫أوروبا وغربها والتي تقوم على التنقل الموسمي من منطقة ألخرى حيث اتجه اإلنسان في هذا العصر تطوير‬ ‫سميت باألدوات القزمية لصغر حجمها واألدوات المركبة واستخدم‬ ‫نفسه لحد ما‪ ،‬وبدأ بصناعة أدوات حجرية ُ‬ ‫المواد العضوية بشكل مكثف وبدأ يمارس عادات الدفن في أماكن خاصة (مقابر) للمحافظة على الموتى من‬ ‫الحيوانات المفترسة التي تستدل على الجثث عن طريق رائحتها‪.‬كما استدل اإلنسان في هذا العصر إلى نوع‬ ‫من العبادة اقتصرت على نوع من التماثيل الصغيرة‪ ،‬كما بدأت الزراعة الموسمية التي تقوم على األمطار في‬ ‫األماكن التي تقع بالقرب من الوديان التي ال زال بعضها موجودا ً حتى وقتنا الحالي‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ -3‬العصر الحجري الحديث (األلف التاسع ق‪.‬م (‪ 10.000‬ق‪.‬م) – ‪ 5.000‬أو ‪ 3200‬ق‪.‬م)‪.‬‬ ‫إن الجفاف الذي ساد مناطق واسعة في العالم‪ ،‬والتغيرات المناخية في عصر الهولوسين كان لهما أثر كبير‬ ‫على حياة الجماعات البشرية‪ ،‬دفعها إلى البحث عن المناطق التي تتوافر بها مقومات الحياة كالماء والغذاء‪.‬‬ ‫ويشير الباحثون إلى أن التحوالت الحضارية التي حدثت في مسيرة التاريخ البشري وطبقا ً لألبحاث التي تشير‬ ‫إلى هذه التحوالت؛ فإن هذه الفترة اتفق على تسميتها بفترة العصر الحجري الحديث أو مرحلة إنتاج القوت‪.‬‬ ‫ومن التغيرات التي أحدثت هذا التحول إضافة إلى التغير البيئي ما يشير إلى التفوق التقني والزيادة السكانية‬ ‫والتراكم الحضاري‪ ،‬كما أجمع العلماء على أن منطقة الشرق األدنى حدثت بها هذه التحوالت وذلك في حوالي‬ ‫األلف السابع قبل الميالد‪.‬إن هذه الفترة وما حدث فيها من استئناس للحيوان وتدجين للنبات وصقل وتطوير‬ ‫لألدوات الحجرية وصناعة الفخار أحدثت نقلة نوعية في أنماط االقتصاد المعيشي وأساليب الحياة االجتماعية‬ ‫والعقائدية والثقافية‪ ،‬كما كان من نتائج االستفادة من الموارد الغذائية بشكل كثيف اتساع التجمعات السكانية‬ ‫‪5‬‬ ‫التي ما لبثت أن تحولت إلى إنشاء قرى زراعية أولى تطورت إلى بلدات وصوالً إلى مطلع األلف الرابع قبل‬ ‫الميالد والذي اتسم بظهور الكتابة والمدن الكبيرة وأنظمة الحكم المركزي واإلدارة والتجارة‪.‬فإذا ما نظرنا‬ ‫إلى السمات الحضارية للعصر الحجري الحديث نجدها في معرفة اإلنسان بالزراعة وتدجين الحيوان وتطوير‬ ‫األدوات الحجرية وصناعة الفخار؛ اعتمادا ً على الدراسات اآلثارية ولكن هذه السمات تدرجت في الظهور فلم‬ ‫تنجز في وقت واحد‪ ،‬كما أنه ليس بالضرورة أن توجد هذه السمات مجتمعة في مجتمع واحد إذ لكل منطقة‬ ‫بيئة طبيعية ومستوى تقني يؤثران في هذه السمات‪.‬وكما تؤكد كثير من األبحاث الميدانية المتخصصة في‬ ‫أغلب بلدان الشرق األدنى‪ ،‬فإن تعاقب االبتكارات والتطورات الحضارية خالل فترة العصر الحجري الحديث‬ ‫لم تسر في خط أحادي‪ ،‬بل إن تشكيالتها المادية لم تكن متساوية في كل األحوال (‪Redman 1978:87-‬‬ ‫‪.)88‬فنجد أن فترة العصر الحجري الحديث في المنطقة الشرقية (حضارة العبيد) تختلف عما هو موجود في‬ ‫منطقة الربع الخالي والتي تتميز بأدوات ذات تقنية رؤوس السهام المجنحة‪.‬يوازي هذا العصر ما يُعرف باسم‬ ‫(عصر الهولوسين) في االصطالحات الجيولوجية‪ ،.‬ومن مميزات العصر الحجري الحديث ما يلي‪:‬‬ ‫ االستقرار‪.‬‬ ‫ مزاولة الزراعة‪.‬‬ ‫ تهجين الحيوانات وتربيتها‪.‬‬ ‫ التنظيم االجتماعي‪.‬‬ ‫كما يمكن اعتبار العصر الحجري الحديث هو األساس أو االمتداد لما نعيشه اليوم‪ ،‬مع األخذ في االعتبار‬ ‫التطور الذي حصل على مر العصور حتى وقتنا الحاضر‪.‬‬ ‫فيما يلي استعراض لبعض مميزات العصر الحجري الحديث‬ ‫ االستقرار‬ ‫استقر اإلنسان القديم في أماكن معينة ذات عوامل جذب‪ ،‬وهذا مما زاد من عملية الكثافة السكانية‪ ،‬ومن خالل‬ ‫ذلك أصبح لدى اإلنسان القديم التنظيم االجتماعي والترابط والتقارب المجتمعي‪ ،‬وبدأت الممارسات الدينية‬ ‫والتعبد‪ ،‬وبدوره أدى إلى معرفة الزراعة المنتظمة بخالف ما كان يعتمد عليه سابقا ً وهو الزراعة الموسمية‪،‬‬ ‫حيث بدأ بالزراعة بشكل محدود ثم تطورت وتوسعت عملية الزراعة بمعرفة زراعة بعض الثمار القديمة‬ ‫وزراعة بعض الثمار التي لم يتوصل إليها إال في العصر الحجري الحديث مثل البطاطس والطماطم وغيرها‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ استئناس الحيوان‬ ‫في الحقيقة ال يُعرف كيف استطاع اإلنسان استئناس الحيوان والمقصود هنا طريقة استئناسه للحيوان‪ ،‬أما‬ ‫المبدأ العام الستئناس الحيوان فكان حسب ما تقتضيه حاجته في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫يمكن القول إن بدايات مرحلة صيد واستئناس الجمل ووضعه تحت سيطرة اإلنسان كان في النصف الثاني‬ ‫من األلف الرابع ق‪.‬م أو مع بداية األلف الثالث ق‪.‬م (السعود‪ ،)99 :1996 ،‬ويرجح أن استئناس الجمل في‬ ‫عمان في األلف الثاني ق‪.‬م (السعود‪.)99 :1996 ،‬‬ ‫الجزيرة العربية حصل بصورة فعالة في شبة جزيرة ُ‬ ‫يمكننا القول إن اإلنسان القديم استئناس الحيوان‪ /‬أو الحيوانات عن طريق أخذه لصغارها وتربيتها‪ ،‬أو عن‬ ‫طريق إلقاء اإلنسان القديم لبقايا الطعام فتجتمع الحيوانات على هذه البقايا حتى ألفت اإلنسان‪ ،‬أو عن طريق‬ ‫ضغط البيئة على الحيوانات بسبب االنحسار الجزئي في الغطاء النباتي وقلة المياه األمر الذي دفع الحيوانات‬ ‫ألن تتجه إلى األماكن التي زرعها اإلنسان ومع مرور الوقت استطاع استئناسها‪.‬‬ ‫إن استقرار اإلنسان ومعرفته للزراعة واستئناسه للحيوان أدى إلى ظهور ما يسمى بالمدنيات أو الدويالت‬ ‫الصغيرة التي تطور بعضها إلى حضارات هامة انتشرت وتوسعت وسيطرت على أجزاء من الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬العصور التاريخية في الجزيرة العربية‬ ‫إن المفهوم العلمي للتاريخ القديم في الجزيرة العربية ال يقتصر على عهود الجاهلية بمعناها التقليدي المحدود‪،‬‬ ‫وإنما يمتد كذلك إلى حضارات أخرى سبقتها بعصور طويلة‪.‬‬ ‫بدأ النشاط العملي لإلنسان القديم فيما قبل التاريخ في المناطق الصالحة لإلقامة خالل ما يسمي اصطال ًحا باسم‬ ‫العصور الحجرية التي تبعد أزمنتها عن عصرنا الحاضر بآالف السنين‪ ،‬وتعاقبت خاللها على شبه الجزيرة‬ ‫العربية وغيرها من مناطق العروض الوسطي في الشرق األدنى‪ ،‬عصور مطيرة طويلة‪ ،‬وعصور جفاف‬ ‫طويلة‪.‬‬ ‫وكان لكل طائفة من هذه العصور نباتاتها وحيواناتها المناسبة لظروفها‪ ،‬كما أن تأثيراتها الطبيعية أي تأثيرات‬ ‫العصور المطيرة وعصور الجفاف يمكن أن ترسمها جزئيًا حتى اآلن في تكوينات األودية الكبيرة التي يجري‬ ‫بعضها ناحية الخليج العربي‪ ،‬ويجري بعضها ناحية البحر األحمر‪ ،‬ويضيع معظمها اآلخر في قلب الصحراء‪.‬‬ ‫ومن هذه األدلة وادي الحمض‪ ،‬ووادي الرمة‪ ،‬ووادي حنيفة‪ ،‬ووادي فاطمة‪ ،‬ووديان حضرموت وبيحان‬ ‫وحريب وأذنة ‪..‬إلخ‪.‬وكلها كانت قد شقتها مياه أمطار غزيرة في فترات قديمة طويلة‪.‬ويغلب على الظن أن‬ ‫مدرجاتها ال تزال تحتفظ ببعض أدوات العصور الحجرية‪ ،‬تلك األدوات التي صنعها واستخدمها اإلنسان القديم‬ ‫في الدفاع عن نفسه وفي صيد الحيوان وفي تحصيل قوته‪.‬وعثر على نماذج منها في أنحاء مختلفة من أرجاء‬ ‫الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫ومن المحتمل أن تكون شبه الجزيرة العربية قد شاركت بقية مناطق الشرق األدنى منذ العصر الحجري‬ ‫الحديث في األلف السادس ق‪.‬م أو نحوه في معرفة الرعي بعد مرحلتين متتابعتين مهدتا لها‪ ،‬وهما مرحلة أسر‬ ‫بعض الحيوانات البرية الصغيرة من آكالت العشب لتكون احتياطيًا حيًا من اللحم في فترات الجفاف وقلة‬ ‫الحيوانات‪ ،‬ثم مرحلة استئناسها وتعويدها على جيرة اإلنسان‪ ،‬السيما ما كان منها من ذوات الظلف المدرة‬ ‫للبن‪.‬‬ ‫وحين نتناول ظروف شبه الجزيرة في تلك الدهور البعيدة‪ ،‬فال ينبغي أن نتصور لها حدودًا مغلقة على أهلها‬ ‫أو أمام أهلها‪ ،‬فالحدود اإلقليمية لم تكن معروفة بعد‪ ،‬وكانت الجماعات تنتشر هنا وهناك حيثما استطاعت وفي‬ ‫كل اتجاه بحثًا عن األراضي النباتية والمعشبة التي يتوافر فيها حيوان الصيد والرعي وموارد الماء على نطاق‬ ‫الشرق األدنى باتساعه الكبير‪.‬‬ ‫أن الموقع المتوسط لشبه الجزيرة العربية قد يسر لبعض سكان أطرافها أن يشاركوا في نقل المتاجر المناسبة‬ ‫لعهودهم بين أقطار الهالل الخصيب حين بدأت عصورها التاريخية منذ األلف الثالث ق‪.‬م وازدادت معها‬ ‫‪8‬‬ ‫إمكانياتها ومطالبها‪.‬كما قام بعض هؤالء السكان بدور الوسيط التلقائي في المناطق التي يرتادونها‪ ،‬عملوا‬ ‫كذلك في صلب العصور التاريخية على نقل ما يمكن االتجار به من منتجات بالدهم نفسها ال سيما منتجات‬ ‫البخور واللبان والصمغ والمر من الجنوب العربي‪.‬‬ ‫ويبدو أن هذا الدور التجاري لم يتم على نطاق أوسع إال بعد استئناس الجمل سفينة الصحراء واستخدامه في‬ ‫نظرا لما هو معروف عن قدرته على تحمل المشقة والعطش والسير المتصل في رمال‬ ‫ً‬ ‫النقل واألسفار‪،‬‬ ‫الصحراء‪.‬وليس من المستبعد أن معرفة اإلنسان باإلبل كانت قديمة وتقرب من قدم معرفته بغيرها من‬ ‫الحيوانات آكلة العشب المدرة للبن (ففي مصر القديمة ً‬ ‫مثال كشف عما يشبه هيئة الجمل في نحو ‪ ١٥‬نموذ ًجا‬ ‫أثريًا منذ فجر التاريخ حتى الدولة الحديثة)‪ ،‬ولكن الغريب هو أن مصادر شبه الجزيرة والهالل الخصيب‬ ‫ومصر لم تذكر الجمل أو اسمه صراحة إال في وقت متأخر يقدره الباحث ألبرايت )‪ (W.Albright‬بالنصف‬ ‫الثاني من األلف الثاني ق‪(..‬وفي حوالي القرن ‪١٢‬ق‪.‬م)‪ ،‬وإذا صح أن هذا التاريخ ينطبق ً‬ ‫فعال على استخدام‬ ‫الجمل في النقل والتنقل في شبه الجزيرة لكان فيه ما يفسر بداية التغيير في الحياة النمطية لسكانها في وقت‬ ‫الحق بقليل‪.‬ويبدو أن العرب كانوا قبل ذلك يعتمدون على الحمير‪.‬ولهذا ظلت تحركاتهم بطيئة‪ ،‬فلما استخدموا‬ ‫اإلبل زادت إمكاناتهم االقتصادية وأصبحوا أقدر على مداومة االتصال بعضهم ببعض‪.‬وعلى تكوين الوحدات‬ ‫السياسية في بعض المناطق المشجعة على حياة االستقرار‪.‬واتسعت آفاق اتصاالتهم حينذاك بجيرانهم في‬ ‫الهالل الخصيب وانتفعوا ببعض عناصر خصائص حضاراتهم المتقدمة وتحديدا ً فكرة الكتابة‪.‬وربما زكى هذا‬ ‫االرتباط ما يتجه إليه بعض الرأي من إرجاع أوائل النصوص العربية المعروفة‪ ،‬وهي مجرد مخربشات أولية‬ ‫في مثل وادي بيحان في اليمن‪ ،‬إلى أواخر األلف الثاني ق‪.‬م‪.‬وقد وجدت حول نبع ماء دائم وعدة برك صغيرة‪.‬‬ ‫وبفضل العوامل الطبيعية والبشرية والتطورية التي تقدم ذكرها ظهرت دول وإمارات عدة على فترات مختلفة‬ ‫في مناطق متفرقة من شبه الجزيرة‪.‬فتميزت في اليمن خمس دول كبيرة‪ ،‬وهي سبأ وقتبان وأوسان ومعين‬ ‫وحضرموت‪ ،‬وقد تعاصر بعضها على بعض‪ ،‬وتعاقب بعضها إثر بعض‪.‬وكانت للدولة األولى منها وهي‬ ‫سبأ عدة أطوار متعاقب‪.‬وانتفعت هذه الدول بما اتصفت به بيئاتها من الوفرة النسبية في األمطار والوديان‬ ‫واألنهار‪.‬والوفرة النسبية بالتالي في محاصيل الزراعة ومنتجاتها البخور والصمغ واللبان والمر‪ ،‬وربما في‬ ‫ضا كالذهب‪.‬وانتفعت كذلك بإشرافها على مداخل طرق القوافل التجارية الرئيسية التي كانت‬ ‫بعض المعادن أي ً‬ ‫تربط بين جنوب شبه الجزيرة وبين شمالها ثم تتفرع بعد ذلك إلى مختلف مناطق الهالل الخصيب‪ ،‬ثم بإشرافها‬ ‫شيئًا فشيئًا على مناطق ساحلية طويلة أطلت بموانيها (المحدودة) وخلجانها الطبيعة على البحر األحمر وعلى‬ ‫‪9‬‬ ‫المحيط العربي‪ ،‬وقامت بدور الوسيط التجاري في تصديرها إلى مناطق االستهالك واالستيراد في العالم‬ ‫الخارجي المتحضر القديم‪.‬‬ ‫وتوزعت مناطق العمران واالستقرار والحضارة في المناطق الشمالية والغربية والوسطى والشرقية من شبه‬ ‫الجزيرة العربية والخليج‪ ،‬على أسس مشابهة فتركزت في الوديان وحول موارد المياه في مناطق الواحات‬ ‫والحرات وحول الطرق التجارية الداخلية‪.‬والطرق التجارية الكبيرة المؤدية إلى الخارج‪ ،‬وحول الخلجان‬ ‫والموانئ على السواحل البحرية‪.‬‬ ‫وهكذا ظهرت مع توالي العصور إمارات مدين وعاد وثمود‪.‬وممالك دومة‪ ،‬وقيدار‪ ،‬وتيماء وديدان‪ ،‬ولحيان‪،‬‬ ‫واألنباط‪ ،‬وكندة وتجمعات مذحج واألزد وقحطان ومعد‪.‬كما ازدهرت مكة ويثرب‪ ،‬وانتعشت مواني الشعيبة‬ ‫والجار والوجه والحوراء واملج على البحر األحمر‪ ،‬وثاج‪ ،‬والجرهاء‪ ،‬وأقطار دلمون‪ ،‬وماجان‪ ،‬وملوخا على‬ ‫الخليج العربي‪.‬‬ ‫وأخيرا قامت على األطراف الشرقية والشمالية الغربية‪.‬دولة المناذرة‪ ،‬ودولة الغساسنة‪ ،‬حتى ظهر اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫وجعل من شبه الجزيرة العربية دولة كبيرة واحدة‪.‬‬ ‫ولم يقتصر نشاط العرب القدماء على أرضهم‪ ،‬وإنما خرجت جاليات منهم إلى جزيرة سوقطرة‪ ،‬وساحل‬ ‫الصومال‪ ،‬وشاطئ الحبشة‪ ،‬وميناء رهابتا قرب دار السالم في شرق أفريقيا‪.‬وذلك بطبيعة الحال إلى جانب‬ ‫هجراتهم الشعوبية الكبيرة التي استوطنت في بعض أراضي الهالل الخصيب على فترات متباعدة ال سيما في‬ ‫مناطق األطراف الواصلة بينها وبين البوادي القريبة منها‪.‬‬ ‫المرجع‪:‬‬ ‫صالح‪ ،‬عبدالعزيز‪2010(.‬م)‪ ،‬تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪.26-23 :‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬مصادر تاريخ الجزيرة العربية القديم‬ ‫تتلخص مصادر تاريخ الجزيرة العربية القديم في اآلتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬اآلثار المادية الباقية بنوعيها (اآلثار الثابتة – اآلثار المنقولة)‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكتابات بأنواعها (المسند‪ ،‬اآلرامي‪ ،‬النبطي)‪.‬‬ ‫‪ -3‬الكتب السماوية (التوراة – اإلنجيل ‪ -‬القرآن)‪.‬حيث أشار القرآن إلى أقوام عاشت قبل أمة محمد‬ ‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬أما التوراة فقد تحدثت عن تلك األقوام في سفر التكوين وغيرها من األسفار‪.‬‬ ‫‪ -4‬الكتب الكالسيكية والكتاب الكالسيكيين أمثال (سترابو ‪ ،Strabo‬بليني‪ ،Pliny‬بطليموس‬ ‫‪.)Ptolemy‬‬ ‫‪ -5‬الكتاب والرحالة العرب والمسلمين أمثال الطبري‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬ابن إسحاق‪ ،‬المقدسي‪ ،‬ابن خرداذبه‪،‬‬ ‫الحموي‪.‬‬ ‫‪ -6‬الشعر الجاهلي مثل شعراء العرب كعنترة‪ ،‬أمرؤ القيس‪ ،‬النابغة‪ ،‬المتنبي وغيرهم‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬اآلثار المادية الباقية بنوعيها (الثابتة والمنقولة)‬ ‫‪ -1‬هي كل ما خلفه اإلنسان من بقايا مادية وحضارية‪.‬‬ ‫‪ -2‬هي جماع األشياء التي صنعها اإلنسان والسبل التي كانت تُسلك لصناعتها‪.‬‬ ‫‪ -3‬هي تلك اللُقى األثرية التي تقودنا إلى بناء تصور مفيد لوسائل العيش ألنماط الحياة التي كان يعيشها‬ ‫األقدمون‪.‬‬ ‫علم اآلثار هو علم دراسة الماضي وهو يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالتاريخ‪ ،‬والتاريخ علم دراسة الماضي‪،‬‬ ‫فكالهما علمان لدراسة للماضي‪.‬‬ ‫لذا نجد أنه من المناسب توضيح الفرق بين التاريخ واآلثار الثابتة والمنقولة‬ ‫يختلف علم اآلثار عن علم التاريخ‪ ،‬فالتاريخ يختص بدراسة األحداث والوقائع ومحاولة ربط بعضها ببعض‬ ‫في سبيل استخالص نتائج معينة منها‪ ،‬أما علم اآلثار فيعنى بالحقائق المادية والملموسة التي خلفها اإلنسان ثم‬ ‫يربطها بالتاريخ‪ ،‬ومن تلك الحقائق التي يعنى بها علم اآلثار بقايا اإلنسان من مالبس وأسلحة ومساكن وأدوات‬ ‫وغير ذلك‪ ،‬وهذه تعتبر من مصادر التاريخ‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الكتابات (النقوش)‪:‬‬ ‫هي تلك الكتابات التي دونها األقدمون على واجهات الصخور والحجارة والطين المحروق وأوراق النبات‬ ‫وجذوع األشجار وصفائح العظام‪ ،‬وهي رغم تعدد لغاتها ولهجاتها شاهد قوي على منجزات تلك األقوام التي‬ ‫دونتها وسجل مفيد لعاداتهم ومعتقداتهم‪ ،‬وإذا كانت تلك النصوص أو النقوش تصل إلينا في بعضها ناقصة أو‬ ‫مفقود جزء منها إال أنها تصلنا على اإلجماع دون تحريف اعتراها أو تزوير كما هو الحال في المصادر‬ ‫المكتوبة‪.‬ومن أهم النقوش التي اكتشفت في الجزيرة العربية النقوش الجنوبية (المسند الجنوبي) ثم الثمودية‬ ‫واللحيانية والصفوية والنبطية وغيرها‪ ،‬وهي مكتوبة بخطوط مشتقة من الخط المسند‪ ،‬ثم النقوش العربية‬ ‫واآلرامية واألوجوريتية التي عثر عليها في شمال الجزيرة العربية وبالد الشام‪ ،‬ثم النقوش المسمارية في بالد‬ ‫الرافدين والنقوش المصرية‪.‬‬ ‫ساعدت االكتشافات األثرية التي حدثت في أنحاء الجزيرة العربية من كشف اللثام عن صفحات مشرقة وطويلة‬ ‫من تاريخ العرب القديم‪ ،‬ومن أمثلة تلك االكتشافات األثرية اكتشاف مدن مأرب وذي ريدان والفاو ونجران‬ ‫ومعين وقتبان‪ ،‬تلك المدن التي لعبت دورا ً بارزا ً في تاريخ الجزيرة العربية القديم‪ ،‬ولوال اكتشاف هذه المدن‬ ‫ومدن أخرى لبقي تاريخ تلك المدن العربية مجهوالً‪ ،‬وأيضا ً لوال اكتشاف النقوش العربية القديمة التي تناولها‬ ‫العلماء منذ القرن الماضي بالدراسة والتحليل لما عرف الناس تلك المعلومات التاريخية الثرية التي تحدثت‬ ‫عنها تلك النقوش‪ ،‬ولوال النقوش المصرية واآلشورية لما عرفنا النشاط التجاري والدور الحضاري للعرب‬ ‫في تاريخهم القديم‪ ،‬بل أنه لوال الكتابة لما عرف العالم حق المعرفة أن منابت المعرفة ومهابط الوحي كانت‬ ‫كلها في بالد العرب حيث نجد "وعلم اإلنسان ما لم يعلم‪ ،‬وحيث سطر بالقلم‪ ،‬وحيث نطق اإلنسان بشهادة‬ ‫التوحيد‪ ،‬حمل بأمر ربه رسالة النبوة"‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الكتب السماوية (المصادر الدينية)‪:‬‬ ‫من أهم المصادر الدينية التي اهتمت بتاريخ العرب التوراة ذلك الكتاب الذي يضم عقائد اليهود وشرائعها‬ ‫باإلضافة إلى وقائع وأحداث تاريخية‪ ،‬والمهم في األمر أن التوراة تحدثت في كثير من أسفارها عن العرب‬ ‫وعالقتهم ببني إسرائيل كتلك التي جاءت في سفر التكوين‪ ،‬والعدد‪ ،‬والخروج‪ /‬والالويين وغيرها‪.‬‬ ‫في حقيقة األمر أن التوراة وكما هو متداول بين اليهود كتاب يحتمل المناقشة وكثير من أخباره ال تتوافق مع‬ ‫التاريخ وتدل عليه‪ ،‬وهو يُعد من أقدم الكتب المعروفة حتى اآلن‪ ،‬وليس لدى المؤرخ ما يقارن به ذلك العصر‪،‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ولكن فيه أيضا ً من القول ما صدر عن البشر ومن التحريف والتفسير والشرح ما يخدم أغراض معينة قد‬ ‫تجانب الحق والصواب‪.‬من أمثلة الكتاب اليهود الذين تعرضوا لفترات تاريخ العرب القديم كتابات المؤرخ‬ ‫اليهودي (يوسيفوس فالفيوس) الذي عاش في القرن األول الميالدي‪ ،‬ومن كتبه آثار اليهود وتاريخ اليهود‬ ‫القديم‪ ،‬ورغم أن هذه الكتب تُعنى باليهود بالدرجة األولى إال أنها مفيدة عند غياب مصادر أخرى معاصرة‬ ‫تحوي على معلومات عن تاريخ العرب وعالقاتهم‪ ،‬فقد أشار هذا الكاتب إلى اإلنباط الذين عاصرهم أو عاصر‬ ‫شطر من دولتهم‪.‬‬ ‫المصادر المسيحية‪ :‬وهي شحيحة إذا ما قورنت بغيرها فإن فترة اإلنجيل وما تالها من فترات مسيحية هي‬ ‫فترات متأخرة جدا ً خاصة وأن هناك مصادر كالسيكية تؤرخ لتلك القرون األولى بعد الميالد‪ ،‬ولكنه من باب‬ ‫القصور أدى إلى إهمال األدب المسيحي الذي كتب بالسريانية أو تواريخ الكنائس التي ضلت متواترة إلى اليوم‬ ‫وال ننسى أن النصرانية كانت دينا ً اعتنقه العرب قبل اإلسالم‪ ،‬وفي بعض الكتب المسيحية الدينية ما يُعنى‬ ‫بتاريخ العربي وخير مثال على ذلك نصوص شهداء نصارى نجران والحيرة‪ ،‬وهؤالء نصارى لهم كتب‬ ‫عنيت بتاريخهم‪ ،‬وهناك من النصارى العرب والرهبان من بقوا‪ ،‬ومن جاء بعدهم كتب وأرخ إلى ما بعد‬ ‫ُ‬ ‫اإلسال م‪ ،‬ومنهم من كان يكتب ويؤرخ المخطوطات اليونانية والرومانية إلى اللغة العربية وذلك إبان انتهاء‬ ‫بيت الحكمة الذي أنشائه الخليفة المأمون لتاريخ العرب‪ ،‬وقد عنى هذا البيت بالترجمة‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‬ ‫فإن أهم المصادر التاريخية وأجلها لنا كمسلمين هو القرآن الكريم الذي نزل منجما ً في ‪ 23‬عاما ً على نبينا‬ ‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫القرآن الكريم‪ :‬هو أحد المصادر التي نستقي منها معلوماتنا عن تاريخ الجزيرة العربية ويعتبر من أوثق‬ ‫المصادر الدينية سوا ًءا ما ُذكر فيه وفهمناه أو لم يُذكر ولم نستطع اكتشافه في القرآن قصورا ً منا في معرفة‬ ‫هذه الحقائق في القرآن الكريم‪.‬وعلى الرغم من ذلك ال يحق للمؤرخ أن يتخذ من القرآن الكريم كتابا ً للتاريخ‬ ‫يتحدث من خالله عن أمور قد ال تكون في األصل صحيحة‪ ،‬فينسب أمور مغلوطة إليه‪.‬فالقرآن الكريم جاء‬ ‫هدى للعالمين والقصص التي وردت فيه إنما جاءت ألخذ العظة والعبرة منا وال يحق أن نخوض في أحداث‬ ‫تلك القصص ونتعمق في تفسيرها والدليل قوله تعالى (لقد كان في قصصهم عبرة ألولى األلباب)‪.‬من‬ ‫المعلومات المهمة التي يخبرنا بها القرآن الكريم أخبار عاد وثمود وسبأ وأصحاب الفيل وأصحاب الحجر‬ ‫وغيرهم‪ ،‬ونستقي منه بعض العادات والنظم والمعتقدات التي كان الناس عليها قبل اإلسالم‪ ،‬وكذلك مالمح‬ ‫حياتهم االجتماعية واالقتصادية والسياسية حيث أن كثير من أحكام القرآن الكريم جاءت مجملة وتفصيلها من‬ ‫‪13‬‬ ‫خالل ما جاء به الرسول عليه الصالة والسالم من قول أو فعل‪ ،‬حيث جاءت السنة لتبين ما جاء به القرآن‬ ‫وتفصله‪.‬‬ ‫كما تعتبر كتب الحديث مصدر فقهي أكثر من كونه مصدرا ً تاريخياً‪ ،‬إال أنها في بعض األحيان تعتبر مصدرا ً‬ ‫لتدوين أخبار ما قبل اإلسالم خصوصا ً ما يتعلق بأخبار مكة والمدينة‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬الكتب الكالسيكية (المصادر الكالسيكية)‪:‬‬ ‫تُطلق على الكتابات التي تركها الكتاب اليونان والرومان سوا ًءا الرحالة أو المؤرخون أو الكتاب وهي تشكل‬ ‫أقدم تحقيقات مفصلة موضوعية عن حقائق جزيرة العرب وهي تختلف عما جاء في هذه المنطقة قبل العصر‬ ‫الروماني من المصادر البابلية أو اآلشورية أو اآلرامية أو أسفار العهد القديم‪ ،‬فهذه اإلشارات جاءت جانبية‬ ‫وعابرة‪ ،‬كما أن المصادر الكالسيكية تشير آن ذاك إلى خروج جزيرة العرب من منطقة اهتمام جانبي في‬ ‫المجال المحلي لتشغل تدريجيا ً حيزا ً ظاهرا ً على أكثر من صعيد على دائرة هذا االهتمام العالمي (أي أن‬ ‫الجزيرة العربية خرجت من دائرة المحلية إلى العالمية) وأول ذكر مفصل للجزيرة العربية ورد في كتاب‬ ‫المؤرخ اليوناني (هيرودوت) الذي عاش في منتصف القرن الخامس ق‪.‬م‪ ،‬ومن المؤرخين الذين أرخوا للعرب‬ ‫المؤرخ (ثيوفراستوس) الذي عاش في عهد اإلسكندر في القرن ‪ 4‬ق‪.‬م‪ ،‬وفي العهد البطلمي أرخ للعرب‬ ‫المؤرخ (إيراتوس تنس)‪ ،‬وبعده في القرن األول ق‪.‬م ظهر المؤرخ (سترابو) وأهم ما دون عن العرب وصفه‬ ‫للحملة الصليبية على جزيرة العرب‪ ،‬وبعد هذه المصادر يأتي كتاب (التاريخ الطبيعي لبليني) وكتاب (الدليل‬ ‫الجغرافي لبطليموس) وكتاب (الطواف حول البحر اإلريتري‪ /‬مجهول المؤلف)‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬الكتاب والرحالة العرب والمسلمين‪:‬‬ ‫تحدث كثير من الرحالة العرب والمسلمون عن الجزيرة العربية وتفاصيلها ومن هؤالء الرحالة أو الكتاب‬ ‫الطبري وابن خلدون والمقدسي وابن خرداذبه والحموي وابن كثير والخرساني واألصفهاني وغيرهم الكثير‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫سادساً‪ :‬الشعر الجاهلي (المصادر العربية)‪:‬‬ ‫ويقصد بها األخبار والروايات التي وصلت إلينا في الفترة التي سبقت ظهور اإلسالم وهي إما روايات شفهية‬ ‫أو على شكل قصص وأساطير ومالحم يشوبها الكثير من االفتعال والخيال المبالغ فيه من قبل الرواة أو على‬ ‫شكل أخبار تناقلها المؤرخون عند عرب الحيرة والشام وأنسابهم مستقاة من كتب مختلفة أو من روايات األدب‬ ‫البيزنطي أو روايات العرب في شبه الجزيرة العربية التي تذكر أنسابهم ونظمهم االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬أو‬ ‫ذكر وقائعهم المشهورة أو ما ورد عن العرب من خالل الشعر الجاهلي فقد كان الشعر ديوان العرب وسجل‬ ‫أخبارهم ودليل أحداثهم وأفعالهم‪.‬‬ ‫فالشعر كان حجة ال يُكمل التأليف بدونه‪ ،‬وكل هذه الروايات صبت في موسوعات التاريخ والجغرافيا أدت‬ ‫إلى ازدهار الموسوعات التاريخية للجزيرة العربية لمؤلفين عدة منهم الطبري‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وابن األثير‪،‬‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫إن ما يتعجب منه المرء هي الدقة التي عالجت به هذه الكتب تاريخ العرب اإلسالمي‪ ،‬أما ما ُكتب عن تاريخ‬ ‫العرب القديم ففيه من القصور والخلط والتجني في بعض األحيان محاولة منهم تسوية تلك الفترة ألسباب غير‬ ‫واضحة بصورة أكيدة‪ ،‬ومن هذا المنطلق فعلى الباحث في تاريخ العرب القديم ال بد من أخذ األحداث والتأكد‬ ‫منها من خالل مراجعة المصادر األقدم من كتب ونقوش‪ ،‬فعلى المؤرخ تحري الدقة في أخذ المعلومات‬ ‫التاريخية المتعلقة بتاريخ العرب القديم‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬أقدم ذكر للفظة عرب أو العرب‬ ‫أول ظهور للفظة العرب ترجع للقرن التاسع ق‪.‬م حيث كانت تُطلق على أقلية معينة‪.‬‬ ‫معنى لفظة عرب‬ ‫لقد اختلف المؤرخون والعلماء حول معنى لفظة عرب ومن أين أُخذت‪ ،‬حيث ظهرت العديد من اآلراء على‬ ‫النحو التالي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أراء تنسب لفظة عرب أو العرب إلى آدم عليه السالم أبو البشر‪.‬‬ ‫‪ -2‬أراء تنسب اللفظة إلى إسماعيل عليه السالم وأنه هو أول من نطق باللسان العربي‪.‬‬ ‫‪ -3‬أراء تنسب لفظة العرب إلى يعرب بن قحطان جد العرب‪.‬‬ ‫ُعـرب) بمعنى يفصح تدليالً على اعتزاز العرب بفصاحتهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬قول آخر ذكر أن اللفظة جاءت من الفعل (ي ِ‬ ‫‪ -5‬أراء تقول إن اللفظ اشتق من اسم عربة "وهو أحد أسماء مكة" التي شب فيها إسماعيل عليه السالم‬ ‫أو أنه اسم لجزء منها‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجهات نظر أخرى ترى أن اشتقاق تسمية العرب جاء من أحد األصول التي خرجت منها بعض من‬ ‫الكلمات العبرية الشبيهة بها مثل "عرابة" بمعنى األرض الجافة‪" ،‬أرابا" بمعنى األرض الداكنة‬ ‫المعشبة‪.‬وفيما يلي استعراض ألقدم األدلة التي وردت فيها لفظة العرب أو عرب‪.‬‬ ‫‪ -1‬النصوص المسمارية (اآلشورية)‬ ‫‪ -‬ورد ذكر لفظة عرب في النصوص المسمارية القديمة وتحديدا ً في نقش الملك اآلشوري شلمنصر الثالث‬ ‫(‪ 858-824‬ق‪.‬م‪ /‬القرن التاسع ق‪.‬م) وهذا النقش نُحت على حجر جيري أسود بطريقة النقش البارز ومعروف‬ ‫باسم (المسلة السوداء أو مسلة شلمنصر الثالث) عثر عليها في نمرود شمال العراق‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫نقش شلمنصر الثالث أو ما يُعرف بالمسلة السوداء‪.‬‬ ‫ُكتب هذا النقش بالمسمارية ووردت اللفظة بعدة مسميات مختلفة "أربي ‪ "arbi‬و "أريبي ‪ "aribi‬و"أريبو‬ ‫‪ "arubu‬بمعنى العربي والعرب والعربية منذ القرن التاسع ق‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬ورد في بعض النصوص اآلشورية اسم (جنديبو‪ /‬جندبو أو جنديبو‪ /‬جندبو العربي) حيث كان أحد ملوك‬ ‫مملكة قيدار العربية عام ‪ 853‬ق‪.‬م الذي قاتل اآلشوريين‪ ،‬وذكر هذا الملك العربي في أحد النصوص اآلشورية‬ ‫دليل على وجود العرب في تلك الفترة‪.‬‬ ‫‪ -2‬النصوص أو النقوش البابلية‬ ‫‪ -‬النصوص أو النقوش البابلية فقد ذكرت العرب وتطرقت لهم من خالل جملة ماتورابي ‪matu arabaai‬‬ ‫أو ‪ matu a-ra-bi‬والتي تعني أرض العرب أو بالد العرب‪ ،‬فكلمة ماتو أو متو تعني أرض أو بالد‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪ -3‬الفرس‬ ‫‪ -‬أما الفرس فقد وردت في بعض نصوصهم كلمة العرب بلفظة أرباية ‪ Arabaya‬أو بلفظة أربايا ‪Arpaya‬‬ ‫أو أر باياه ‪.M Ar payah‬‬ ‫‪ -4‬الكتب السماوية‬ ‫‪ -‬كما وردت لفظة العرب في التوراة بمسمى ‪ Massa ha-Arab‬أي مساه العرب بمعنى بالد العرب‪.‬‬ ‫‪ -‬أم التلمود فقد وردت كلمة العرب بمسمى عربيم ‪ abrim‬أو عربئيم ‪arbi’im‬‬ ‫‪ -5‬العرب في المصادر الكالسيكية‬ ‫ما هو المقصود بالمصادر الكالسيكية؟‬ ‫هي تلك الكتابات التي دونها الكتاب الكالسيكيون من يونان ورومان عن الجزيرة العربية في شتى فروع العلم‬ ‫والمعرفة المختلفة‪.‬‬ ‫اهتمت المصادر الكالسيكية والكتاب الكالسيكيين بالجزيرة العربية من خالل حفظ هذه المصادر لمعلومات‬ ‫قيمة عن الجزيرة العربية وتدوين الكتاب الكالسيكيين لتفاصيل دقيقة عن الجزيرة وسكانها‪ ،‬والسبب في ذلك‬ ‫يعود ألهمية الجزيرة العربية للعالم القديم من خالل ظهورها على مسرح األحداث الدولية‪ ،‬وكان لظهور‬ ‫الجزيرة العربية على هذا المسرح وازدياد أهميتها عدة مسببات وعوامل حفزت هؤالء الكتاب لمثل هذا‬ ‫االهتمام نذكر منها‪:‬‬ ‫العامل األول‪ :‬وقوع أول احتكاك عسكري‬ ‫في القرن الخامس ق‪.‬م وقع أول احتكاك عسكري بين الفرس والروم في الشرق والغرب‪ ،‬ووصل هذا‬ ‫االحتكاك ذروته عندما اندلعت الحرب بين اإلغريق والفرس حيث وصل إلى خارج المياه اليونانية شرق‬ ‫البحر األبيض المتوسط‪ ،‬لذا أدت هذه الصدامات للتعرف على الجزيرة العربية أو العالم الشرقي‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫العامل الثاني‪ :‬العامل االقتصادي‬ ‫زيادة النشاط االقتصادي التجاري لإلمبراطورية األثنية في القسم الشرقي من البحر المتوسط وبعد إحجاب‬ ‫الدور التجاري الفينيقي من قبل األثينيين اليونان عام ‪ 449‬ق‪.‬م أدى إلى استيالء اليونان على التجارة األمر‬ ‫الذي ساعد كثيرا ً في ثراء اإلمبراطورية األثينية اليونانية مما أدى إلى حاجة هذه اإلمبراطورية إلى التوابل‬ ‫والعطور الخاصة بالطقوس الدينية‪ ،‬وكانت الجزيرة العربية من أهم المصادر لهذه المنتجات إضافة إلى خروج‬ ‫الجزيرة العربية إلى العالمية أدى هذا الهتمام الكتاب الكالسيكيين أكثر بالجزيرة العربية‪.‬‬ ‫العامل الثالث‪ :‬فتوحات اإلسكندر المقدوني عام ‪ 332‬ق‪.‬م‬ ‫أدى هذا العامل الهتمام الكتاب بالجزيرة العربية حيث سيطر اليونان على أجزاء كبيرة من منطقة الشرق‬ ‫األدنى‪ ،‬فاإلسكندر كان يحلم بالسيطرة على الشرق والغرب وإنشاء إمبراطورية عالمية تمتزج فيها الحضارة‬ ‫الغربية بالحضارة الشرقية إال أن هذا األمر لم يتحقق لوفاة اإلسكندر عام ‪ 323‬ق‪.‬م‪.‬‬ ‫لم يقتصر طموح اإلسكندر على الفتوحات فقط‪ ،‬بل قام بإرسال عدد من الحمالت العسكرية االستكشافية بقيادة‬ ‫عدد من القادة العسكريين الستكشاف الشرق واكتشاف الجزء الجنوبي والغربي من الجزيرة العربية‪ ،‬حيث‬ ‫وصل بعض من هذه الحمالت إلى ما يُعرف اليوم برأس الخيمة في دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬إال أن‬ ‫هذا الطموح لم يكتمل بسبب وفاة اإلسكندر األمر الذي أدى إلى انقسام اإلمبراطورية اليونانية إلى البطالمة في‬ ‫مصر والسلوقية في العراق‪ ،‬وإيران وأجزاء من الشام حيث نشأت بينهما صراعات قوية وعنيفة للسيطرة‬ ‫على المصادر التجارية في الشرق األدنى (الجزيرة العربية) وما حولها‪.‬‬ ‫العامل الرابع‪ :‬حمالت الملك بطليموس الثاني ‪ 246 – 284‬ق‪.‬م‬ ‫قام الملك بطليموس الثاني بإرسال بعثات استطالعية وحمالت عسكرية إلى سواحل الجزيرة المطلة على‬ ‫البحر األحمر وحتى مضيق باب المندب‪ ،‬وحاول حفر قناة تصل النيل بالبحر األحمر محاولة منه لقطع طريق‬ ‫البخور التجاري (طريق التوابل والعطور) وهو الطريق الذي يمتد وينطلق من جنوب الجزيرة العربية حتى‬ ‫شمالها‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫العامل الخامس‪ :‬اإلمبراطورية الرومانية‬ ‫أدى سقوط السلوقيين والبطالمة سيطرت اإلمبراطورية الرومانية على جميع مناطق الشرق القديم حيث تمكنت‬ ‫روما سنة ‪ 30‬ق‪.‬م من السيطرة على منطقة الشام وشمال الجزيرة العربية وبهذا تكون روما سيطرت سيطرة‬ ‫كاملة على الطرق التجارية البرية والبحرية‪ ،‬األمر الذي زاد من رخاء وقوة اإلمبراطورية الرومانية‬ ‫االقتصادية وزيادة مدخوالتها‪ ،‬كما لم تغفل اإلمبراطورية الرومانية الجزيرة العربية وطرق التجارة البرية‬ ‫لتعويض النقص في الطرق التجارية الشمالية في آسيا الصغرى فزاد اهتمامها بهذه المنطقة وبطرقها التجارية‬ ‫األمر الذي انعكس على روما وقوتها وفي نفس الوقت زاد من ازدهار الجزيرة العربية‪ ،‬مما جعل الجزيرة‬ ‫العربية محط أنظار كثير من الكتاب والرحالة الرومان في جمع ونقل معلومات موسعة ومستفيضة عن‬ ‫الجزيرة العربية وهذا يعود لبسط وسيطرة اإلمبراطورية الرومانية (تجاريا وعسكرياً) على الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫من هم أهم الكتاب الكالسيكيين الذين تحدثوا عن الجزيرة العربية؟‬ ‫أول من ذكر العرب من اليونان هو إسخيلوس في معرض حديثه عن جيش الملك أحشويرش األول‪ ،‬حيث‬ ‫ذكر أن أحد فيالق الجيش كان بقيادة ضابط عربي مشهور‪.‬‬ ‫ثم تاله بعد ذلك هيرودوت حيث ذكر بالد العرب ووصفها بانها البادية وهي األرض الواقعة شرق نهر النيل‪.‬‬ ‫ال يمكننا هنا أن نذكر جميع الكتاب الكالسيكيين اليونان أو الرومان الذين تحدثوا ونقلوا معلومات عن الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬ولكننا سنكتفي باإلشارة إلى بعض أهم الكتاب الرومان ومما نقلوه عن الجزيرة العربية وبعض‬ ‫أحداثها‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬سترابو ‪Strabo‬‬ ‫جغرافي وفيلسوف ومؤرخ يوناني عاش في الفترة االنتقالية للجمهورية الرومانية إلى اإلمبراطورية الرومانية‪،‬‬ ‫كتب ونقل كثير من المعلومات المهمة عن الجزيرة العربية وضمنها في كتابه المعروف باسم جغرافية سترابو‬ ‫‪(The Geography of Strabo).‬‬ ‫‪20‬‬ ‫يُعد كتابه دليالً جغرافيا ً وسياسيا ً يخدم رجل السياسة والثقافة‪ ،‬ال يشير سترابو في كتابه عن كل مواقع الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬بل ألهمها إن صح التعبير‪ ،‬ففي حديثه عن الساحل الشرقي ال يذكر إال الجرهاء بصفتها مركزا ً‬ ‫تجاريا ً للقوافل التجارية‪ ،‬وكذلك بعض المواقع على ساحل الخليج العربي‪.‬‬ ‫كذلك تطرق في حديثه عن الجزيرة العربية لتغير مسار طرق التجارة حيث يشير إلى أن قوافل الجمال المحملة‬ ‫بالطيوب والتوابل كانت تصل من الجزيرة العربية عبر طرق التجارة حتى تصل لميناء لويكي كومي‬ ‫)‪ (Leuke Komo‬وهو عبارة عن ميناء نطبي يقع على ساحل البحر األحمر شماالً ثم إلى البتراء‬ ‫)‪ (PETRA‬ثم إلى رينوكولورا )‪ (RHINOCOLURA‬الميناء الفينيقي المالصق للبحر األحمر على‬ ‫طرق التجارة‪ ،‬ثم إلى ميناء ميوس هورموس )‪ (Myos Hormos‬على الساحل المصري للبحر األحمر‬ ‫والذي شيده البطالمة في حوالي القرن الثالث ق‪.‬م‪.‬‬ ‫يتعرض سترابو في كتابه إلى نظام الحكم للممالك العربية فيذكر أن األنباط يتبعون نظاما ملكياً‪ ،‬كما يتحدث‬ ‫عن المناطق الواقعة على الجنوب من األنباط بأنهم يتبعون أيضا نظاما ملكياً‪ ،‬ويتحدث عن عالقات األقوام‬ ‫في الجزيرة العربية باألقوام المجاورة لهم‪ ،‬حيث يذكر أن األنباط هاجموا السفن المبحرة من مصر وهاجموا‬ ‫سوريا‪ ،‬كما تحدث سترابو عن حمالت الرومان للسيطرة على الجزيرة العربية سيطرة عسكرية في العام‬ ‫‪ 106‬ق‪.‬م حيث سقطت مملكة األنباط وسيطر عليها الرومان سيطرة عسكرية‪.‬‬ ‫تطرق سترابو إلى حملة إيليوس جاليوس )‪ (Aelius Gallus‬في العام ‪ 24‬ق‪.‬م على الجزيرة العربية‬ ‫وتكمن أهمية هذه الحملة أن سترابو كان معاصرا ً لتلك الحملة العسكرية على الجزيرة وكان مقربا ً من القائد‬ ‫العسكري إيليوس جاليوس وهذا مكنه من الحصول على معلومات قد ال تتيسر لغيره فهو يشير لألسباب التي‬ ‫دفعت اإلمبراطور الروماني أغسطس أو أ غسطس قيصر )‪ (Augustus‬اإلمبراطور األول لإلمبرطورية‬ ‫الرومانية خالل الفترة من ‪ 27‬ق‪.‬م وحتى ‪ 14‬م‪ ،‬حيث يشير سترابو إلى أمرين دفعا اإلمبراطور الروماني‬ ‫إلطالق هذه الحملة بقيادة إيليوس جاليوس على الجزيرة العربية وهما‪:‬‬ ‫‪ -1‬السيطرة على مداخل البحر األحمر سوا ًءا اقتصاديا ً أو عسكريا ً‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما سمعه اإلمبراطور الروماني من ثروات العرب المتمثلة في الطيوب والتوابل مما أغواه إلرسال‬ ‫هذه الحملة تمهيدا ً لكسب صداقتهم وهم أغنياء أو كأعداء وهم فقراء‪.‬‬ ‫‪ -3‬ويضيف سترابو عامل آخر وهو وعد األنباط لإلمبراطور الروماني أغسطس بمساعدته في تنفيذ‬ ‫هذه الحملة على الجزيرة العربية عن طريق إرشاد القائمين عليها إلى الطريق والمسالك المؤدية‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫هذا الوعد حفز اإلمبراطور الروماني للتجهيز لهذه الحملة لغزو الجزيرة العربية‪ ،‬ثم يذكر سترابو األخطاء‬ ‫التي وقع فيها القائد إيليوس جاليوس وهو اقتناعه بأن الوزير النبطي (سيلوس – سلي) سيرشده للطرق‬ ‫والمسالك‪ ،‬إال أن الوزير النبطي تعمد تضليل الحملة إلى أن انتهى أمره باكتشاف خيانته وإعدامه‪.‬‬ ‫يذكر سترابو أن حملة إيليوس جاليوس وصلت إلى جنوب الجزيرة العربية وتحديدا ً إلى مأرب إال أن األمراض‬ ‫انتشرت بينهم األمر الذي اضطرهم للعودة إلى روما‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬بليني الكبير )‪(Pliny the Elder‬‬ ‫مؤرخ روماني شهير خالل الفترة من ‪ 25 - 23‬وحتى ‪ 79‬م صاحب الكتاب الشهير بعنوان (التاريخ‬ ‫الطبيعي )‪. (Natural History‬‬ ‫أشار الكاتب في كتابه إلى معلومات جغرافية واقتصادية عن قبائل جزيرة العرب وبعض األحداث التاريخية‬ ‫ووصف الطرق التجارية والمسافات بين المركز التجارية‪ ،‬كما تطرق في القسم الثاني من كتابه وهو الجزء‬ ‫المهم إلى الجزيرة العربية حيث قدم تحليالً علميا ً عن الطيوب في الجزيرة العربية فاللبان مثالً ال يوجد إال في‬ ‫الجزيرة العربية وتحديدا ً في حضرموت‪ ،‬أما المرو والالدن والمستكة وأعداد أخرى من الطيوب العطرية‬ ‫فتشترك فيها الجزيرة العربية مع بعض الدول األخرى المجاورة للجزيرة العربية‪.‬‬ ‫يوضح بليني أيضا ً أن بعض النباتات ال تتواجد في الجزيرة العربية مثل نبات القرفة والقصيعة وإنما تُجلب‬ ‫من المناطق المجاورة للجزيرة وتحديدا ً أفريقيا‪ ،‬حيث يجلبها العرب للجزيرة العربية ثم يقومون بنقلها للمناطق‬ ‫األخرى‪.‬كما يفصل بليني في أشجار هذه التوابل ومواسم المحصول وطريقة استخراجه واحتكار بعض األسر‬ ‫للتجارة‪ ،‬ومن خالل حديثه عن أثمان الطيوب يلقي بليني الضوء على بعض جوانب الحياة في الجزيرة العربية‬ ‫مثل الشعائر الدينية التي تالزم ج ني المحاصيل ويذكر أن رجال الدين لهم نصيب من ذلك‪ ،‬كما ويتطرق إلى‬ ‫الضريبة التي يحصل عليها الملك والموظفين عامة‪ ،‬ويتطرق أيضا ً إلى ما يدفعه التجار من أموال لبعض‬ ‫القبائل أو المجتمعات نظير المبيت والحماية‪ ،‬وأوضح بليني كيف تؤدي هذه األموال المدفوعة إلى ارتفاع‬ ‫أسعار الطيوب إلى روما‪ ،‬وذكر بليني أن محصول اللبان كان يجمع مرة واحده‪ ،‬أما في عصره فكان يجمع‬ ‫مرتين دليالً على الطلب المتزايد على اللبان وغيره من الطيوب والنباتات‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬كالوديوس بطليموس )‪(Ptolemy‬‬ ‫عالم فلك وجغرافي في الفترة من ‪ 170 - 100‬م‪ ،‬له كتب مشهور يُعرف باسم الدليل الجغرافي أو‬ ‫جغرافية بطليموس )‪.(Geography of Claudius Ptolemy‬‬ ‫دون العديد من األبحاث عن الجزيرة العربية وضمن هذه األبحاث أو الكتابات خريطة مفصلة عن الجزيرة‬ ‫العربية وهي أقدم خريطة مفصلة عن الجزيرة العربية‪ ،‬وتكمن أهمية هذه الخريطة أيضا في محاولته لضبط‬ ‫الحدود الجغرافية للجزيرة العربية وتقسيم األماكن عن طريق خطوط الطول ودوائر العرض‪ ،‬حيث نجد أن‬ ‫بطليموس قسم الجزيرة العربية إلى ثالثة أقسام هي‪:‬‬ ‫العربية الصحراوية – العربية السعيدة – العربية الصخرية‪.‬‬ ‫‪ -6‬العرب في المصادر العربية الجنوبية والشمالية‬ ‫أ‪ -‬المصادر الجنوبية‪ :‬ورد ذكر العرب في نقوش المسند الجنوبي بمسميات ملوكهم مثل (أعرب ملك‬ ‫سبأ) أي (أعراب ملك سبأ)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬المصادر الشمالية‪ :‬ورد ذكر العرب في نص يعود ألمرؤ القيس جاء فيه "مر القيس بر عمرو‪ ،‬ملك‬ ‫العرب كله‪ ،‬ذو اسرالتج وملك األسدين ونزروا وملوكهم وهرب ومذحجو"‪.‬‬ ‫ويعتبر القرآن الكريم آخر من ذكر العرب من المصادر الدينية التي نستقي منها شيئا ً عن تاريخ وحضارة‬ ‫الجزيرة العربية القديم‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬جغرافية الجزيرة العربية‬ ‫الموقع‬ ‫ يطلق اسم شبه الجزيرة العربية ‪ Arabian Peninsula‬على الجزء الواقع في أقصى جنوب غرب‬ ‫آسيا‪ ،‬وسميت بشبه الجزيرة ألن مياه البحار تحدها من ثالث جهات‪ ،‬الشرق والغرب والجنوب‪.‬تمتد‬ ‫شبه الجزيرة العربية من دائرة العرض ‪ 32‬درجة و‪ 15‬دقيقة شماالً‪ ،‬إلى دائرة العرض ‪ 32‬درجة‬ ‫و‪ 12‬دقيقة شماالً‪ ،‬ومن خط الطول ‪ 34‬درجة و‪ 36‬دقيقة شرقا ً‪ ،‬إلى خط الطول ‪ 59‬درجة و‪ 52‬دقيقة‬ ‫شرقا ً‪.‬‬ ‫ موقع شبه الجزيرة العربية موقع استراتيجي بالغ األهمية‪ ،‬لوقوعها بين العالم الشرقي والعالم الغربي‪،‬‬ ‫وإلشرافها على مضيق خليج عمان بين الخليج العربي وخليج عمان‪ ،‬كما وتشرف على مضيق باب‬ ‫المندب‪ ،‬الذي يصل البحر األحمر بخليج عدن‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫الحدود‬ ‫ يحد شبه الجزيرة العربية من الشمال بادية الشام وخليج أيلة وهو ميناء العقبة حالياً‪ ،‬ومن الغرب‬ ‫البحر األحمر بطول ‪ 2000‬كيلو متر ويفصلها عن قارة أفريقيا‪ ،‬ومن الجنوب بحر العرب والمحيط‬ ‫الهندي‪ ،‬ومن الشرق الخليج العربي‪.‬‬ ‫المساحة‬ ‫ تقدر مساحة الجزيرة العربية بحوالي ثالثة ماليين كيلو متر مربع‪.‬تحتل المملكة العربية السعودية‬ ‫الجزء األكبر منها‪ ،‬إذ تبلغ مساحتها حوالي ثلثيها‪ ،‬بينما تتقاسم ست دول أخرى ما تبقى من مساحتها‪،‬‬ ‫وهذه الدول هي‪ :‬الكويت‪ ،‬البحرين‪ ،‬قطر‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬واليمن‪.‬‬ ‫المناخ‬ ‫ تعاني شبه الجزيرة العربية بوجه عام من الجفاف‪ ،‬على غرار الصحراء اإلفريقية‪ ،‬عدا المناطق‬ ‫عمان‪ ،‬حيث يكون شبه جفاف بسبب انخفاض‬ ‫الجبلية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية وجبال ُ‬ ‫الحرارة الناجم عن االرتفاع عن سطح البحر‪ ،‬وازدياد األمطار بسبب تأثير الرياح الموسمية‪.‬‬ ‫ يعد صيف معظم شبه الجزيرة العربية صيفا حارا وجافا‪ ،‬أما الشتاء فيها فهو معتدل ويسقط فيه القليل‬ ‫من األمطار‪.‬‬ ‫ تسقط أمطار الشتاء والربيع المتوسطية الطابع على شمال شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وقد تصل إلى كامل‬ ‫الخليج العربي واإلمارات‪ ،‬بينما يتلقى الجنوب صيفا األمطار الموسمية‪ ،‬ويشهد فترة هطول ثانية‬ ‫لألمطار في الربيع‪ ،‬وتنخفض نسبة هذه األمطار كلما ابتعدنا عن شاطئ بحر العرب‪.‬‬ ‫تعتبر الرطوبة النسبية في شبه الجزيرة العربية منخفضة طوال السنة‪ ،‬عدا المناطق الساحلية والجبلية‬ ‫ ‬ ‫العالية االرتفاع‪ ،‬والحرارة فيها عالية‪ ،‬مما يؤدي إلى ارتفاع معدل التبخر‪.‬‬ ‫التضاريس‬ ‫ تنتمي شبه الجزيرة العربية إلى الدرع العربي النوبي‪ ،‬وقد انفصلت عن إفريقيا في عصر الميوسين‪،‬‬ ‫فهي مرتفعة جدا في قسمها الغربي بينما تنخفض تدريجيا كلما اتجهنا باتجاه الشرق نحو السهول‬ ‫المتاخمة للخليج‪.‬ويُبرز عدم تناظر شبه الجزيرة العربية البحر األحمر والخليج العربي‪ ،‬حيث يتميز‬ ‫‪25‬‬ ‫البحر األحمر بعمقه الذي يصل إلى ما بين ‪ 2500-2000‬متر في قسمه األوسط‪ ،‬على العكس من‬ ‫الخليج العربي الضحل‪ ،‬الذي يبلغ معدل العمق فيه ‪ 31‬مترا‪.‬‬ ‫ يوجد في شبه الجزيرة العربية الجبال والهضاب العالية‪ ،‬وغالبا في الحجاز واليمن يغطيها حمم بركانية‬ ‫(الحرات)‪.‬تصل بعض المرتفعات إلى ‪ 2681‬مترا شماال في جبل حسمى بالقرب من خليج العقبة‪،‬‬ ‫كما يبلغ في جوار أبها في عسير ‪ 3000‬متر‪ ،‬وتفوق ذلك في اليمن المكون من هضاب يتراوح‬ ‫ارتفاعها بين ‪ 3000-2500‬متر‪ ،‬بينما تبلغ الجبال ‪ 3760‬مترا في قمة النبي شعيب بالقرب من‬ ‫العاصمة صنعاء‪.‬تمتد في جنوب شبه الجزيرة العربية هضاب حضرموت وظفار الواسعة‪ ،‬كما تمتد‬ ‫عمان التي يبلغ أقصى ارتفاع لها ‪ 3009‬مترا في جبل الشمس‪.‬‬ ‫شرقا جبال ُ‬ ‫ تكثر في شبه الجزيرة العربية الكثبان على أحوض رملية واسعة‪ ،‬ففي النفود (‪ 57000‬كيلو متر‬ ‫مربع) والربع الخالي (‪ 600000‬كيلو متر مربع) تغطي الكثبان أكثر من ثلث شبه الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫أثر التضاريس والمناخ على سكان شبه الجزيرة العربية‬ ‫ لقد واجه إنسان الجزيرة العربية ظروف معيشية صعبة تمثلت في قسوة المناخ وارتفاع درجات‬ ‫الحرارة‪ ،‬ووعورة التضاريس‪ ،‬وارتفاع الجبال والهضاب ووعورتها‪ ،‬وتقطيعها بالوديان العميقة‪،‬‬ ‫والمساحات الشاسعة للكثبان الرملية‪ ،‬وأخطار المالحة في البحار‪ ،‬ووجود األرصفة المرجانية أو‬ ‫العتبات الرملية الضحلة‪ ،‬وفرط الجفاف وندرة الموارد المائية‪.‬‬ ‫ تمكن إنسان شبه الجزيرة العربية من االستيطان فيها باكرا ً جدا ً مستفيدا ً من بعض الظروف المناسبة‪،‬‬ ‫حيث تكيف مع ظروف بيئاته‪ ،‬من حيث سبل معيشتهم‪ ،‬وعاداتهم وعقائدهم وظروف تفرقهم وتجمعهم‪،‬‬ ‫وبداوتهم وحضارتهم أو تنقلهم واستقرارهم‪ ،‬فنظرا ً لقلة األمطــار في وسط الجزيرة أصبح سكانها‬ ‫بدوا ً رحالً تعتمد حياتهم االقتصادية على تربية اإلبل واألغنام؛ ولذلك كانوا يحتاجون إلى المراعي‬ ‫والماء‪ ،‬فينتقلون من مكان إلى آخر بحثا ً عنهما‪ ،‬كما أن الجفاف وقلـة الماء وقلة الموارد االقتصادية‬ ‫وبخاصة المراعي مع تزايد عدد السكان البد أن يؤدي إلى هجرات من شبه الجزيرة العربية إلى‬ ‫العراق أو بالد الشام‪.‬‬ ‫ هناك هجرات داخلية محدودة لمختلف البطون والعشائر في شبه الجزيرة‪ ،‬تبعا ً لتفرق موارد الماء‬ ‫والتسابق إلى مناطق الكأل‪ ،‬والتماس مواطن الحماية واألمن والموارد الكافية‪ ،‬وترتب على هذا كله‬ ‫‪26‬‬ ‫تنمية الروح االستقاللية لدى القبائل وبين األفراد‪ ،‬هذا كان بالطبع مقابل تغليب المصالح القبلية على‬ ‫المصلحة العامة‪ ،‬مما أدى إلى صعــوبـة قيــام وحدة عامة بين السكان‪ ،‬إلى أن جاء دين اإلسالم‬ ‫والدولة اإلسالميـة التي وحدت هذه القبائل‪.‬‬ ‫ أما سكان الحضر في شبه الجزيرة العربية‪ ،‬فكانوا يستقرون في جنـوب شبـه الجزيـرة العربية‬ ‫(اليمن )‪ ،‬التي تتوافر فيهـا الظروف الطبيعية والمناخية التي تساعد على حياة االستقرار‪ ،‬فاستقر‬ ‫السكان‪ ،‬وبنوا البيوت وزرعوا األراضي‪ ،‬وعملوا في التجارة‪ ،‬وأقاموا حضارات مزدهرة‪ ،‬استمرت‬ ‫قرونا ً عدة‪.‬كذلك استقر السكان في المناطق األخرى من شبه الجزيرة العربية‪ ،‬والسيما في الواحات‬ ‫وعلى جوانب الوديان وسفوح الجبال التي تتساقط عليها األمطار التي تكفـي لقيـام الزراعـة‪.‬‬ ‫ تقع شبه الجزيرة العربية في وسط العالم القديم‪ ،‬فإلـى الشرق منها يقع اإلقليم الموسمي الغنـي بإنتاجه‬ ‫الزراعـي‪ ،‬وإلى غربها وشمالها يقع إقليم البحر األبيض المتوسط الذي له إنتاجه الزراعي الخاص‪،‬‬ ‫وهكذا فإن الصحراء العربية تقع على أقصر طريق بين أغنى أقاليم العالم القديم والتي تختلف في‬ ‫إنتاجها الزراعي مما أدى إلى التبادل التجاري بينهما‪.‬والبد هنا من التذكير بأن البدو كانوا يملكون‬ ‫وسيلة المواصالت المناسبة للصحراء وهو الجمل‪.‬كما أن التجارة كانت أفضل وسيلة لالستفادة من‬ ‫الرحالت التي يقوم بها البدو إلى أطراف الصحراء لمبادلة محاصيلهم بمحاصيل المزارعين‬ ‫المستقرين‪ ،‬وكان بإمكانهم عبور الصحراء في قوافل تجارية كبيرة تضمن الحماية من قطاع الطرق‪.‬‬ ‫ وبتكامل جميع العناصـر لتكوين تجارة رابحة بين اإلقليم الموسمي وبالد الهالل الخصيب من ناحيـة‬ ‫وبين جنوب غرب شبه الجزيرة العربية وجنوبها ومصر ودول شرق البحر المتوسط من جهة‬ ‫األخرى‪.‬فقد وجدت مناطق اإلنتاج وأسواق االستهالك ووسيلة النقل "الجمل"‪ ،‬وبذلك نشأت الطرق‬ ‫البرية (الصحراوية) لتسلكها التجارة مما جعل جنـوب الجزيرة العربية مركز تخرج منه القوافل‬ ‫التجارية إلى الشمال عبر مكـة ويثرب حتى تصل الساحل الشرقي للبحر المتوسط وكذلك حول خليج‬ ‫العقبة لتصل إلى مصر‪.‬باإلضافة إلى هذا المركز‪ ،‬كان هناك أيضا مركزا ً آخر للطرق الصحراوية‬ ‫وعن طريقة تخرج الطرق إلى غرب شبه الجزيرة وإلى جنوبها وشمالها الغربي‪.‬‬ ‫مما سبق يتبين لنا أن شبه الجزيرة العربية تميزت بما يلي‬ ‫‪.1‬موقع وسط بين بالد العالم القديم‪.‬‬ ‫‪.2‬كانت الحياة تدب في كل جنباتها مما سمح بتزايد السكان‪.‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪.3‬كانت طرق القوافل تربط بين جميع أطراف الجزيرة العربية في الشمال والجنوب والشرق‬ ‫والغرب‪ ،‬مما سهل للتجار والسكان التنقل بين أرجائها‪.‬‬ ‫‪.4‬كانت البالد الساحلية والقريبة من السواحل في النصف الجنوبي من الجزيرة‪ ،‬ثم األقاليم المتاخمة‬ ‫للفرات والشام في النصف الشمالي هي األقاليم األكثر عمراناً‪.‬‬ ‫تنقسم الجزيرة العربية ألقاليم جغرافية مختلفة‬ ‫‪ -‬الحجاز‪ :‬وهو الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫‪ -‬نجد‪ :‬هضبـة واسعة بوسط الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫عمان إلى البصرة شماالً‪.‬‬ ‫‪ -‬البحرين‪ :‬الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية ويمتد من ُ‬ ‫‪ -‬اليمن‪ :‬الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية ويمتد من ظفار جنوبا ً إلى عسير شماالً بمعنى كل‬ ‫ما هو جنوب مكة فهو يرجع لليمن‪.‬‬ ‫‪ -‬تهـامة‪ :‬وهي السهل الساحلي المحاذي للبحر األحمر من اليمن جنوبا إلى العقبة شماالً‪.‬‬ ‫‪ -‬الشحر‪ :‬إقليم تاريخي يشمل الربع الخالي وظفار وحضرموت‪.‬‬ ‫تقسيم اإلغريق والرومان للجزيرة العربية‬ ‫قسم اإلغريــق والرومــان الجزيرة العربية إلــى ثالثة أقسام على النحو التالي‪:‬‬ ‫ العربية الصحراوية (‪ :)Arabia Erema‬وهي ما كان فوق اليمن من الجزيرة العربية "وسط الجزيرة‬ ‫العربية"‪.‬‬ ‫ العربية السعيدة أو اديمون (‪ :)Arabia Eudaemon‬وهي اليمن حاليا ً‪.‬وأطلق عليها الرومان‬ ‫مصطلح (‪.)Arabian Felix‬‬ ‫ العربية الصخرية (‪ :)Arabia Petraea‬وهي من أعلى الحجاز حتى منطقة غرب الفرات والبتراء‬ ‫وبصرى في سوريا‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬نجران منطلق القوافل‬ ‫موقع نجران االستراتيجي جعلها منطلقا ً للقوافل التجارية قديما ً من جنوب الجزيرة العربية "تحديدا ً جنوب‬ ‫المملكة العربية السعودية" إلى وسطها ثم إلى شرقها وشمالها األمر الذي أكسبها شهرة كبيرة حيث ذكرها‬ ‫الكثير من الرحالة األجانب أمثال هاليفي‪ ،‬وفيلبي‪ ،‬وغيرهم وكذلك العديد من الرحالة والكتاب العرب‬ ‫والمسلمين أمثال الهمداني واليعقوبي والمقدسي ابن خرداذبه‪ ،‬حيث ظلت نجران مدينة مزدهرة حتى ظهور‬ ‫اإلسالم كونها مركزا ً تجاريا ً مهماً‪.‬‬ ‫موقع نجران‬ ‫تقع منطقة نجران في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية في الطرف الشرقي لمنطقة الدرع‪،‬‬ ‫ويخترقها وادي نجران الممتد من الغرب إلى الشرق ليصب في رمال الربع الخالي‪ ،‬وتُعد المنطقة من أهم‬ ‫المناطق في المملكة التي تضم أشهر وأكبر المواقع األثرية التي تعود لفترات العصور الحجرية وعصور‬ ‫الممالك العربية والعصور اإلسالمية‪ ،‬كما تشتهر بالقالع والحصون التاريخية القديمة ذات الطابع المعماري‬ ‫الفريد والمميز‪.‬‬ ‫موقع منقطة نجران بالنسبة لمناطق المملكة األخرى‪.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫المساحة والحدود‬ ‫تقدر مساحة نجران بحوالي (‪ )365‬ألف كيلو متر مربع‪ ،‬وتصنف من الناحية الجغرافية ضمن األجزاء الجبلية‬ ‫في جنوب الجزيرة العربية التي يُطلق عليها مصطلح السروات أو الجبال أو النجد‪.‬‬ ‫تحتل نجران الجزء الجنوبي من إقليم الهضاب الداخلية في الجنوب الغربي للمملكة الذي يضم هضبة عسير‬ ‫ونجران التي تقع إلى الشرق من مرتفعات السروات‪ ،‬وهي ذات انحدار تدريجي نحو الشمال والشرق ويتراوح‬ ‫متوسط ارتفاعها ما بين (‪1700 – 900‬م) ويصرف سيول هضبة نجران واديان هما‪ :‬وادي نجران ووادي‬ ‫حبونا‪.‬‬ ‫يحد نجران من الشمال منطقة الرياض ومن الجنوب الجمهورية اليمنية ومن الشرق المنطقة الشرقية وأجزاء‬ ‫من الربع الخالي أما من الغرب فتحدها منطقة عسير‪.‬‬ ‫التضاريس والمناخ‬ ‫يحيط بمنطقة نجران جبال شاهقة من الشمال والجنوب والغرب ويقل ارتفاعها كلما اتج

Use Quizgecko on...
Browser
Browser