أساليب التعامل مع أخطاء الناس - PDF

Summary

هذا النص يقدم أساليبًا نبوية للتعامل مع أخطاء الناس، مع مراعاة عدة معايير مثل الإخلاص لله، وتقييم طبيعة الخطأ، واختيار طريقة التعامل المناسبة مع كل حالة.

Full Transcript

‫األساليب النبوية يف التعامل‬ ‫مع أخطـاء النّاس‬ ‫مدار الوطن للنرش‬ ‫تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء‪11.................‬‬ ‫‪ -1‬اإلخالص هلل‪11......................................... :‬‬ ‫‪ -2‬اخلطأ من طبيعة البرش‪13................................. :‬‬ ‫‪-3‬أن تكــون ا...

‫األساليب النبوية يف التعامل‬ ‫مع أخطـاء النّاس‬ ‫مدار الوطن للنرش‬ ‫تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء‪11.................‬‬ ‫‪ -1‬اإلخالص هلل‪11......................................... :‬‬ ‫‪ -2‬اخلطأ من طبيعة البرش‪13................................. :‬‬ ‫‪-3‬أن تكــون التخطئــة مبنية عىل الدليــل الرشعي‪ ،‬مقرتنة‬ ‫بالبينة‪ ،‬وليست صادرة عن جهل‪ ،‬أو أمر مزاجي‪14.........‬‬ ‫‪ -4‬كلام كان اخلطأ أعظم كان االعتناء بتصويبه آكد ‪15.........‬‬ ‫‪ -5‬اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصويب اخلطأ ‪17.......‬‬ ‫‪ -6‬التفريق بني املخطئ اجلاهل‪ ،‬واملخطئ عن علم ‪21..........‬‬ ‫‪-7‬التفريق بني اخلطــأ الناتج عن اجتهاد صاحبــه ‪ ،‬وبني خطأ‬ ‫العمد ‪ ،‬والغفلة ‪ ،‬والتقصري‪23.............................‬‬ ‫‪ -8‬إرادة املخطئ للخري ال متنع من اإلنكار عليه‪25............ :‬‬ ‫‪ -9‬العدل وعدم املحاباة يف التنبيه عىل األخطاء‪26............. :‬‬ ‫‪ -10‬احلذر من إصالح خطأ يؤدي إىل خطأ أكرب‪28........... :‬‬ ‫‪ -11‬إدراك الطبيعة التي نشأ عنها اخلطأ‪29....................:‬‬ ‫‪-12‬التفريق بني اخلطأ يف حق الرشع‪ ،‬واخلطأ يف حق الشخص ‪31..‬‬ ‫‪ -13‬اإلنكار عىل املخطئ الصغري بام يتناسب مع سنه‪33.......:‬‬ ‫‪ -14‬احلذر عند اإلنكار عىل النساء األجنبيات‪34............. :‬‬ ‫‪-15‬عدم االنشغال بتصحيح آثار اخلطأ‪ ،‬وترك معاجلة أصل‬ ‫اخلطأ وسببه‪35..........................................‬‬ ‫‪ -16‬عدم تضخيم اخلطأ‪ ،‬واملبالغة يف تصويره‪36...............‬‬ ‫‪-17‬تــرك التكلف واالعتســاف يف إثبــات اخلطأ‪ ،‬وجتنب‬ ‫اإلرصار عىل انتزاع االعرتاف من املخطئ بخطئه‪36..........‬‬ ‫‪ -18‬إعطاء الوقت الكايف لتصويب اخلطأ‪36...................‬‬ ‫‪-19‬جتنــب إشــعار املخطــئ بأنه خصــم‪ ،‬ومراعــاة أن‬ ‫كسب األشخاص أهم من كسب املواقف‪36..............‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‪37................‬‬ ‫‪ -1‬املسارعة إىل تصحيح اخلطأ‪ ،‬وعدم إمهاله ‪37...............‬‬ ‫‪ -2‬معاجلة اخلطأ ببيان احلكم ‪37...............................‬‬ ‫‪-3‬رد املخطئني إىل الرشع‪ ،‬وتذكريهم باملبدأ الذي خالفوه ‪38..‬‬ ‫‪-4‬تصحيح التصور الذي حصل اخلطأ نتيجة الختالله ‪38.....‬‬ ‫‪ -5‬معاجلة اخلطأ باملوعظة‪ ،‬وتكرار التخويف ‪42...............‬‬ ‫‪ -6‬إظهار الرمحة باملخطئ ‪44..................................‬‬ ‫‪ -7‬عدم الترسع يف التخطئة ‪46................................‬‬ ‫‪ -8‬اهلدوء يف التعامل مع املخطئ ‪48...........................‬‬ ‫‪ -9‬بيان خطورة اخلطأ ‪52.....................................‬‬ ‫‪ -10‬بيان مرضة اخلطأ ‪53.....................................‬‬ ‫‪ -11‬تعليم املخطئ عملي ًا ‪57..................................‬‬ ‫‪ -12‬تقديم البديل الصحيح‪58................................‬‬ ‫‪ -13‬اإلرشاد إىل ما يمنع من وقوع اخلطأ ‪61...................‬‬ ‫‪-14‬عــدم مواجهــة بعض املخطئــن باخلطــأ‪ ،‬واالكتفاء‬ ‫بالبيان العام ‪63.........................................‬‬ ‫‪ -15‬إثارة العامة عىل املخطئ ‪66..............................‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫‪ -16‬جتنب إعانة الشيطان عىل املخطئ ‪66......................‬‬ ‫‪ -17‬طلب الكف عن الفعل اخلطأ ‪68.........................‬‬ ‫‪ -18‬إرشاد املخطئ إىل تصويب خطئه‪69......................‬‬ ‫‪ -19‬إنكار موضع اخلطأ‪ ،‬وقبول الباقي ‪72.....................‬‬ ‫‪ -20‬إعادة احلق إىل صاحبه‪ ،‬وحفظ مكانة املخطئ ‪74..........‬‬ ‫‪ -21‬توجيه الكالم إىل طريف النزاع يف اخلطأ املشرتك ‪79.........‬‬ ‫‪ -22‬مطالبة املخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه ‪79................‬‬ ‫‪ -23‬تذكري املخطئ بفضل من أخطأ عليه؛ ليندم‪ ،‬ويعتذر ‪80...‬‬ ‫‪-24‬التدخل لتسكني الثائرة‪ ،‬ونزع فتيل الفتنة بني املخطئني ‪82.‬‬ ‫‪ -25‬إظهار الغضب من اخلطأ ‪83.............................‬‬ ‫‪-26‬التويل عن املخطئ‪ ،‬وترك جداله لعله يراجع الصواب‪89. :‬‬ ‫‪ -27‬عتاب املخطئ ‪90.......................................‬‬ ‫‪ -28‬لوم املخطئ ‪91..........................................‬‬ ‫‪ -29‬اإلعراض عن املخطئ ‪93................................‬‬ ‫‪ -30‬هجر املخطئ ‪95........................................‬‬ ‫‪ -31‬الدعاء عىل املخطئ املعاند ‪97............................‬‬ ‫‪-32‬اإلعــراض عن بعض اخلطأ اكتفاء بام جرت اإلشــارة‬ ‫تكرم ًا مع املخطئ ‪98............................‬‬ ‫إليه منه؛ ّ‬ ‫‪ -33‬إعانة املسلم عىل تدارك خطئه‪ ،‬وتصويبه ‪99..............‬‬ ‫‪ -34‬مالقاة املخطئ وجمالسته؛ ألجل مناقشته ‪100.............‬‬ ‫‪ -35‬مصارحة املخطئ بحاله وخطئه ‪103....................‬‬ ‫‪ -36‬إقناع املخطئ ‪105......................................‬‬ ‫‪ -37‬إفهام املخطئ بأن عذره الزائف غري مقبول ‪106..........‬‬ ‫‪ -38‬مراعاة ما هو مركوز يف الطبيعة واجلبلة البرشية ‪108......‬‬ ‫‪4‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫احلمــد هلل رب العاملني‪ ،‬الرمحن الرحيــم‪ ،‬مالك يوم الدين‪،‬‬ ‫إله األولني واآلخرين‪ ،‬وقيوم الســموات واألرضني‪ ،‬والصالة‬ ‫والســام عىل نبيه األمني‪ ،‬معلم اخللق‪ ،‬املبعوث رمحة للعاملني‪،‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫فإن تعليم الناس من القربات العظيمة‪ ،‬التي يتعدّ ى نفعها‪،‬‬ ‫ويعم خريها‪ ،‬وهي حظ الدعــاة واملر ّبني من مرياث األنبياء‬ ‫واملرســلني‪ ،‬و«إن اهلل ومالئكته وأهل السموات واألرضني‪،‬‬ ‫حتى النملــة يف جحرها‪ ،‬وحتى احلــوت ليصلون عىل معلم‬ ‫الناس اخلري»(((‪.‬‬ ‫والتعليم طرائق وأنواع‪ ،‬وله وسائل وسبل؛ منها تصحيح‬ ‫األخطاء‪ ،‬فالتصحيح من التعليم‪ ،‬ومها صنوان ال يفرتقان‪.‬‬ ‫((( رواه الرتمــذي (‪ ،)2685‬وقال أبو عيســى‪ :‬هذا حديث حســن غريب‬ ‫صحيح‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (‪.)4213‬‬ ‫‪5‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ومعاجلــة األخطاء وتصحيحها مــن النصيحة يف الدين‪،‬‬ ‫الواجبة عــى مجيع املســلمني‪ ،‬وصلة ذلــك بفريضة األمر‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر قوية‪ ،‬وواضحة(((‪.‬‬ ‫وتصحيح األخطاء كذلــك من الوحي الرباين‪ ،‬واملنهج‬ ‫القرآين؛ فقد كان القرآن ينزل باألوامر والنواهي‪ ،‬واإلقرار‬ ‫واإلنكار‪ ،‬وتصحيح األخطاء‪ ،‬حتى مما وقع من النبي ﷺ‪،‬‬ ‫فنزلت معاتبــات وتنبيهات‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ ) :‬ﭑ ﭒ‬ ‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟ‬ ‫ﭠ ﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨ ﭩ ﭪﭫﭬ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ(‬ ‫[عبس‪.]10-1 :‬‬ ‫وقولــه‪) :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬ ‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ( [األحزاب‪.]37 :‬‬ ‫وقولــه‪) :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫ﯰ ( [األنفال‪.]67 :‬‬ ‫وقولــه‪) :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ( [آل عمران‪.]128 :‬‬ ‫((( مع مالحظة أن دائرة اخلطأ أوسع من دائرة املنكر؛ فاخلطأ قد يكون منكر ًا‬ ‫وقد ال يكون‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫وكان القــرآن يتنزل ببيان خطأ أفعــال بعض الصحابة يف‬ ‫خطأ‬ ‫عدد من املواقف‪ ،‬فعندما أخطأ حاطب بن أيب بلتعة‬ ‫عظي ًام يف مراســلة كفار قريش مبين ًا هلم وجهة النبي ﷺ إليهم‬ ‫يف الغزو‪ ،‬نــزل قوله تعاىل‪ ) :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ( [املمتحنة‪.]1 :‬‬ ‫ويف شــأن خطأ الرماة يف غزوة أحد‪ ،‬ملــا تركوا مواقعهم‬ ‫التــي أمرهم النبي ﷺ بلزومها‪ ،‬نزل قوله تعاىل‪) :‬ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬ ‫ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮙ( [آل عمران‪.]152 :‬‬ ‫وملا اعتزل النبي ﷺ زوجاته تأديب ًا‪ ،‬وأشــاع بعض الناس‬ ‫أنه ط ّلق نساءه‪ ،‬نزل قوله تعاىل‪) :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ( [النساء‪.]83 :‬‬ ‫وملا ترك بعض املســلمني اهلجرة من مكــة إىل املدينة لغري‬ ‫عذر رشعي أنزل اهلل‪) :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ( [النساء‪.]97 :‬‬ ‫‪7‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫وملا انساق بعض الصحابة وراء إشاعات املنافقني يف اهتام‬ ‫بام هي منه بريئة أنزل اهلل آيات يف هذا‬ ‫أم املؤمنني عائشــة‬ ‫اإلفك وفيهــا‪) :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡ‬ ‫ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬﮭ‬ ‫ﮮ( [النور‪.]15-14 :‬‬ ‫ثم قــال‪) :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫ﯛﯜﯝﯞ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥ‬ ‫ﯦ ﯧ ﯨ ( [النور‪.]17-16 :‬‬ ‫وملا تنــازع بعض الصحابة بحرضة النبــي ﷺ‪ ،‬وارتفعت‬ ‫أصواهتم نزل قوله تعاىل‪) :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ( [احلجرات‪.]2-1 :‬‬ ‫وملا جاءت قافلة وقت خطبة اجلمعة‪ ،‬وترك بعض الناس‬ ‫اخلطبــة‪ ،‬وانفضوا إىل التجارة نــزل قوله تعاىل‪) :‬ﭸ ﭹ‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ( [اجلمعة‪.]11 :‬‬ ‫إىل غري ذلك من األمثلة الدالة عىل أمهية تصحيح األخطاء‪،‬‬ ‫وعدم السكوت عنها‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫وقد ســار النبي ﷺ عىل نور من ربه ســالك ًا ســبيل إنكار‬ ‫ٍ‬ ‫متوان يف ذلك‪ ،‬ومن هذا وغريه‬ ‫املنكر‪ ،‬وتصحيح اخلطأ‪ ،‬غــر‬ ‫استنبط العلامء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬قاعدة ‪« :‬ال جيوز يف حق النبي ﷺ‬ ‫تأخري البيان عن وقت احلاجة»‪.‬‬ ‫هــذا‪ ،‬وإدراك املنهج النبــوي يف التعامل مع أخطاء البرش‬ ‫الذين القاهــم النبي ﷺ من األمهية بمــكان؛ ألنه ﷺ مؤ ّيد‬ ‫من ربه‪ ،‬وأفعالــه وأقواله رافقها الوحي؛ إقرار ًا‪ ،‬وتصحيح ًا؛‬ ‫فأســاليبه عليه الصالة والســام أحكم وأنجع‪ ،‬واستعامهلا‬ ‫املرب هلذه األساليب والطرائق‬ ‫أدعى الستجابة الناس‪ ،‬واتباع ّ‬ ‫جيعل أمره ســديد ًا‪ ،‬وسلوكه يف الرتبية مســتقي ًام‪ ،‬ثم إن اتباع‬ ‫املنهج النبوي وأساليبه فيه االقتداء بالنبي ﷺ الذي هو أسوة‬ ‫حسنة لنا‪ ،‬وما يرتتب عىل ذلك من حصول األجر العظيم إذا‬ ‫خلصت النية‪.‬‬ ‫ومعرفة األســاليب النبوية تبني فشــل أســاليب املناهج‬ ‫األرضية ‪-‬التي تزخر هبا اآلفاق‪ -‬وتقطع الطريق عىل اتّباعها‪،‬‬ ‫فإن كثري ًا منها واضح االنحراف‪ ،‬وقائم عىل نظريات فاســدة‬ ‫كاحلرية املطلقة‪ ،‬أو مســتمد من موروثــات باطلة‪ ،‬كالتقليد‬ ‫األعمى لآلباء واألجداد‪.‬‬ ‫والبد من اإلشارة إىل أن التطبيق العلمي هلذا املنهج النبوي‬ ‫يف الواقــع يعتمد عىل االجتهاد بدرجة كبــرة‪ ،‬وذلك يف انتقاء‬ ‫‪9‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫األسلوب األمثل يف الظرف واحلدث واحلاصل‪ ،‬ومن كان فقيه‬ ‫النفس استطاع مالحظة احلاالت املتشاهبة‪ ،‬واألحوال املتقاربة‪،‬‬ ‫فينتقي من هذه األساليب النبوية ما يالئم ويوائم‪.‬‬ ‫وهذا الكتــاب حماولة الســتقراء األســاليب النبوية يف‬ ‫التعامل مع أخطاء الناس عىل اختالف مراتبهم ومشــارهبم‪،‬‬ ‫ممن عايشهم ﷺ وواجههم‪.‬‬ ‫أســأل اهلل ســبحانه وتعاىل أن يكتب له التوفيق‪ ،‬وإصابة‬ ‫ويل ذلك والقادر‬ ‫الصواب‪ ،‬والنفع يل وإلخواين املســلمني‪ ،‬إنه ّ‬ ‫عليه‪ ،‬وهو اهلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء‬ ‫قبــل الدخول يف صلب هــذا البحث حيســن التنبيه عىل‬ ‫بعض االعتبارات التي ينبغي أن تراعى؛ قبل وعند الرشوع يف‬ ‫تصويب ومعاجلة أخطاء اآلخرين‪.‬‬ ‫‪ -1‬اإلخالص هلل‪:‬‬ ‫جيب أن يكون القصد عند القيام بتصحيح األخطاء إرادة‬ ‫وجه اهلل تعاىل‪ ،‬وليس التعايل‪ ،‬وال التشــفي‪ ،‬وال السعي لنيل‬ ‫استحسان املخلوقني‪.‬‬ ‫روى الرتمــذي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬من حديث عقب َة ب َن مســل ٍم؛‬ ‫برجل قدْ‬‫ٍ‬ ‫دخل املدين َة‪ ،‬فإذا َ‬ ‫هو‬ ‫األصبحي حدّ ث ُه أ ّن ُه َ‬ ‫َّ‬ ‫أن شــف ّي ًا‬‫َّ‬ ‫فدنوت‬ ‫فقال‪ :‬م ْن هذا؟ فقالوا‪ :‬أبو هرير َة ‪،‬‬ ‫ّاس َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اجتمع عليه الن ُ‬ ‫َ‬ ‫ســكت‪،‬‬ ‫فلم‬ ‫وهو حيدّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّاس ّ‬ ‫ث الن َ‬ ‫بــن يديه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫قعدت‬ ‫ُ‬ ‫من ُه حتّى‬ ‫وبحق ملا حدّ ثتني حديث ًا سمعت ُه‬ ‫ٍّ‬ ‫بحق‪،‬‬ ‫أنشدك ٍّ‬ ‫َ‬ ‫قلت ل ُه‪:‬‬ ‫وخال ُ‬ ‫أفعل‪،‬‬ ‫فقــال أبو هريرةَ‪ُ :‬‬‫َ‬ ‫رس ول اهللِ ﷺ عقلت ُه‪ ،‬وعلمت ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫م ْن‬ ‫رس ول اهللِ ﷺ عقلت ُه‪ ،‬وعلمت ُه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ ك حديث ًا حدّ ِ‬ ‫ثنيه‬ ‫ألحدّ ثن َ‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫أفــاق َ‬ ‫َ‬ ‫ثم‬ ‫َ‬ ‫فمكــث قليالً‪َّ ،‬‬ ‫نشــغ أبو هرير َة نشــغ ًة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ثم‬ ‫َّ‬ ‫‪11‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ِ‬ ‫البيت ما معنا‬ ‫رس ول اهللِ ﷺ يف هذا‬ ‫ُ‬ ‫ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ‬ ‫ثنيه‬ ‫أفاق‬‫ثم َ‬ ‫نشــغ أبو هرير َة نشغ ًة أخرى‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ثم‬ ‫أحدٌ غريي وغري ُه‪َّ ،‬‬ ‫رســول اهللِ‬ ‫ُ‬ ‫فقــال‪ :‬ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ‬ ‫ثنيه‬ ‫َ‬ ‫فمســح وجه ُه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫وهو يف هذا البيت‪ ،‬ما معنــا أحدٌ غريي وغري ُه‪َّ ،‬‬ ‫ﷺ‪ ،‬وأنــا َ‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫ومسح وجه ُه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أفاق‪،‬‬‫ثم َ‬ ‫نشغ أبو هرير َة نشــغ ًة أخرى‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫اهلل ﷺ‪ ،‬وأنا مع ُه يف‬ ‫رســول ِ‬ ‫ُ‬ ‫أفعــل ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ‬ ‫ثنيه‬ ‫ُ‬ ‫نشغ أبو هرير َة نشغ ًة‬ ‫ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫هذا البيت ما مع ُه أحدٌ غريي وغري ُه‪َّ ،‬‬ ‫ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َ‬ ‫أفاق‬ ‫عيل طويالً‪َّ ،‬‬ ‫خار ًا عىل وجهه‪ ،‬فأسندت ُه َّ‬ ‫مال ّ‬ ‫شديدةً‪َّ ،‬‬ ‫كان يو ُم‬ ‫تبارك وتعاىل إذا َ‬ ‫َ‬ ‫«أن اهللَ‬‫رسول اهللِ ﷺ‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬حدّ ثني‬ ‫َ‬ ‫فأو ُل‬ ‫العباد؛ ليقيض بينه م‪ٍ ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القيامة ُ‬ ‫وكل ّأمة جاثي ٌة‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ينزل إىل‬ ‫ســبيل اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ورجل ُ‬ ‫يقتتل يف‬ ‫ٌ‬ ‫القرآن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مجــع‬ ‫َ‬ ‫من يدعو ِبه ٌ‬ ‫رجل‬ ‫ْ‬ ‫أنزلت عىل‬ ‫للقارئ أمل ْ أع ّلمك ما‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فيقول اهللُ‬ ‫ِ‬ ‫كثري املال‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ورجل ُ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫مت؟ َ‬ ‫عملت فيام ع ّل َ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬فامذا‬ ‫رب‪َ ،‬‬ ‫قال‪ :‬بىل يا ِّ‬ ‫رسويل؟ َ‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فيقول اهللُ ل ُه‪:‬‬ ‫وآنــاء الن ِ‬ ‫ّهار‪،‬‬ ‫يل‪،‬‬ ‫آناء ال ّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كنت أقو ُم به َ‬ ‫ُ‬ ‫إن‬‫يقال‪َّ :‬‬‫أن َ‬ ‫أردت ْ‬ ‫َ‬ ‫بل‬ ‫ُ‬ ‫ويقول اهللُ‪ْ :‬‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وتقول ل ُه املالئك ُة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فيقول اهللُ‬ ‫بصاحب ِ‬ ‫املال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ذاك‪ ،‬ويؤتــى‬ ‫قيل َ‬ ‫فالن ًا قارئٌ ‪ ،‬فقدْ َ‬ ‫قال‪ :‬بىل يا‬‫أحد؟ َ‬ ‫أدعك حتتاج إىل ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عليك حتّى مل ْ‬ ‫ــع‬ ‫أوس ْ‬‫ل ُه‪ :‬أمل ْ ّ‬ ‫حم‬ ‫الر َ‬ ‫أصل ّ‬ ‫كنت ُ‬ ‫قــال‪ُ :‬‬ ‫آتيتك؟ َ‬ ‫َ‬ ‫عملت فيام‬ ‫َ‬ ‫رب‪َ ،‬‬ ‫قال‪ :‬فامذا‬ ‫ِّ‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وتقول ل ُه املالئك ُة‪:‬‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فيقول اهللُ لــ ُه‪:‬‬ ‫وأتصدّ ُق‪،‬‬ ‫قيل َ‬ ‫ذاك‪،‬‬ ‫فالن جوا ٌد‪ ،‬فقدْ َ‬ ‫يقال‪ٌ :‬‬‫أن َ‬ ‫أردت ْ‬ ‫َ‬ ‫بل‬ ‫ُ‬ ‫ويقول اهللُ تعاىل ْ‬ ‫قتلت؟‬ ‫ُ‬ ‫فيقول اهللُ ل ُه‪ :‬يف ماذا َ‬ ‫ســبيل اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ويؤتى با ّلذي َ‬ ‫قتل يف‬ ‫‪12‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ُ‬ ‫فيقول‬ ‫قتلت‪،‬‬ ‫فقاتلت‪ ،‬حتّى ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سبيلك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫باجلهاد يف‬ ‫أمرت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫هــون مــو الزم‬ ‫نضيــف قــوس‬ ‫ُ‬ ‫ويقول اهللُ‪:‬‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وتقول لــ ُه املالئك ُة‪:‬‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اهللُ تعاىل ل ُه‪:‬‬ ‫بعــد كلمــة‬ ‫قيل َ‬ ‫جريء‪ ،‬فقــدْ َ‬ ‫أن َ‬ ‫ْ‬ ‫فقد قال ذاك‬ ‫رضب‬‫َ‬ ‫ذاك»‪َّ ،‬‬ ‫ثم‬ ‫ٌ‬ ‫فالن‬ ‫يقال‪ٌ :‬‬ ‫أردت ْ‬ ‫َ‬ ‫بــل‬ ‫انــه انتهــى‬ ‫أولئك ال ّثالث ُة‬ ‫َ‬ ‫رس ول اهللِ ﷺ عىل ركبتي‪َ ،‬‬ ‫فقال‪« :‬يا أبا هرير َة‬ ‫ُ‬ ‫حديــث النبــي‬ ‫ِ‬ ‫ّأو ُل ِ‬ ‫القيامة»(((‪ ،‬وإذا صدقت النية‬ ‫خلق اهللِ تس ّع ُر ْ‬ ‫هبم الن ُّار يو َم‬ ‫من الناصح حصل األجر‪ ،‬والتأثري والقبول بإذن اهلل‪.‬‬ ‫‪ -2‬اخلطأ من طبيعة البرش‪:‬‬ ‫ابون»(((‪،‬‬ ‫وخري اخل ّط َ‬ ‫ائني الت ّّو َ‬ ‫ُ‬ ‫اء‪،‬‬ ‫«كل ِ‬ ‫ابن آد َم خ ّط ٌ‬ ‫لقوله ﷺ‪ُّ :‬‬ ‫ووضــوح هــذه احلقيقة‪ ،‬واســتحضارها يضــع األمور يف‬ ‫إطارهــا الصحيح‪ ،‬فال يفرتض املــريب املثالية‪ ،‬أو العصمة يف‬ ‫األشــخاص‪ ،‬ثم حياسبهم بناء عليها‪ ،‬أو حيكم عليهم بالفشل‬ ‫إذا كــر اخلطأ أو تكرر‪ ،‬بل يعاملهــم معاملة واقعية‪ ،‬صادرة‬ ‫عن معرفة بطبيعة النفس البرشيــة‪ ،‬املتأثرة بعوارض اجلهل‪،‬‬ ‫والغفلة‪ ،‬والنقص‪ ،‬واهلوى‪ ،‬والنسيان‪.‬‬ ‫وهــذه احلقيقة أيض ًا تفيــد يف منع فقدان التــوازن نتيجة‬ ‫املباغتة بحصول اخلطأ‪ ،‬مما يــؤدي إىل ر ّدات فعل غري محيدة‪،‬‬ ‫واملرب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وإدراك هــذه احلقيقــة فيه كذلــك تذكري للداعيــة‬ ‫((( ســنن الرتمذي رقم (‪ )2382‬ط‪.‬شــاكر‪ ،‬وقال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث‬ ‫حسن غريب‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)2382‬‬ ‫((( ســنن الرتمذي (‪ ،)2499‬وابن ماجة (‪- )4251‬واللفظ له‪ -‬وحســنه‬ ‫األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)2499‬‬ ‫‪13‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫اآلمر باملعروف‪ ،‬الناهي عن املنكر‪ ،‬بأنه برش من البرش يمكن‬ ‫أن يقع فيام وقع فيه املخطئ؛ فيعامله من شــق الرمحة أكثر مما‬ ‫يعامله من شق القســوة؛ ألن املقصود أص ً‬ ‫ال هو االستصالح‬ ‫ال املعاقبة‪.‬‬ ‫ولكن كل ما سبق ال يعني أن نرتك املخطئني يف حاهلم‪ ،‬ونعتذر‬ ‫عن العصاة وأرباب الكبائر بأهنم برش‪ ،‬أو أهنم مراهقون‪ ،‬أو أن‬ ‫عرصهم ميلء بالفتن واملغريات‪ ،‬وغري ذلك من التربيرات‪ ،‬بل‬ ‫ينبغي اإلنكار واملحاسبة‪ ،‬ولكن بميزان الرشع‪.‬‬ ‫‪-3‬أن تكون التخطئة مبنية عىل الدليل الرشعي‪ ،‬مقرتنة‬ ‫بالبينة‪ ،‬وليست صادرة عن جهل‪ ،‬أو أمر مزاجي‪:‬‬ ‫عن حممد بن املنكدر قال‪« :‬صىل جابر يف إزار قد عقده من‬ ‫قبل قفاه(((‪ ،‬وثيابه موضوعة عىل الـــمشجب‪ ،‬فقال له قائل‪:‬‬ ‫تصــي يف إزار واحــد؟ فقال‪ :‬إنام صنعت ذلــك لرياين أمحق‬ ‫مثلك‪ ،‬وأ ّينا كان له ثوبان عىل عهد النبي ﷺ»(((‪.‬‬ ‫قــال ابن حجر ‪-‬رمحــه اهلل‪ : -‬املراد بقولــه أمحق هنا أي‬ ‫جاهل‪...‬والغرض بيان جواز الصالة يف الثوب الواحد‪ ،‬ولو‬ ‫كانت الصالة يف الثوبني أفضل‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬صنعته عمد ًا لبيان‬ ‫عيل فأع ّلمه أن‬ ‫اجلواز‪ ،‬إمــا ليقتدي يب اجلاهل ابتداء‪ ،‬أو ينكر ّ‬ ‫((( وسبب ذلك أهنم مل يكن هلم رساويالت‪ ،‬فكان أحدهم يعقد إزاره يف قفاه‬ ‫ليكون مستور ًا إذا ركع وإذا سجد‪ :‬فتح الباري ط‪.‬السلفية (‪.)467/1‬‬ ‫((( رواه البخاري (‪.)352‬‬ ‫‪14‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ذلك جائز‪ ،‬وإنام أغلظ هلم يف اخلطاب زجر ًا عن اإلنكار عىل‬ ‫العلامء‪ ،‬وليحثهم عىل البحث يف األمور الرشعية(((‪.‬‬ ‫‪ -4‬كلام كان اخلطأ أعظم كان االعتناء بتصويبه آكد‪:‬‬ ‫فالعناية بتصويب األخطاء املتعلقة باملعتقد ينبغي أن تكون‬ ‫أعظم من تلك املتعلقة باآلداب مثــاً‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وقد اهتم ﷺ‬ ‫غاية االهتامم بتتبع وتصحيح األخطاء املتعلقة بالرشك بجميع‬ ‫أنواعه؛ ألنه أخطر ما يكون‪ ،‬وفيام ييل أمثلة‪:‬‬ ‫عن املغرية بن شعبة قال‪ :‬انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم‪،‬‬ ‫فقال الناس انكســفت ملــوت إبراهيم‪ ،‬فقال رســول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫«إن الشــمس والقمر آيتان من آيات اهلل ال ينكسفان ملوت أحد‬ ‫وال حلياته‪ ،‬فإذا رأيتمومها فادعوا اهلل‪ ،‬وص ّلوا حتى ينجيل»(((‪.‬‬ ‫وعن أيب واقد الليثي أن رســول اهلل ﷺ ملا خرج إىل حنني‬ ‫ٍ‬ ‫أنــواط يع ّلقون عليها‬ ‫مر بشــجرة للمرشكني يقال هلا‪ :‬ذات‬ ‫أسلحتهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬اجعل لنا ذات أنواط كام هلم‬ ‫ذات أنواط‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬ســبحان اهلل! هذا كام قال قوم‬ ‫لرتكبن‬ ‫َّ‬ ‫موســى‪ :‬اجعل لنا إهل ًا كام هلم آهلة‪ ،‬والذي نفيس بيده‬ ‫سنّ َة من كان قبلكم»(((‪.‬‬ ‫((( الفتح (‪.)467/1‬‬ ‫((( رواه البخاري (‪ ،)1061‬ومسلم (‪.)1508‬‬ ‫((( رواه الرتمــذي (‪ ،)2180‬وقال‪ :‬هذا حديث حســن صحيح‪ ،‬وصححه‬ ‫األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)2180‬‬ ‫‪15‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ويف روايــة عن أيب واقد أيض ًا‪ :‬أهنــم خرجوا عن مكة مع‬ ‫َ‬ ‫يعكفون‬ ‫رســول اهلل ﷺ إىل حنني قال‪ :‬وكان للكفار ســدر ٌة‬ ‫عندها‪ ،‬ويع ّل َ‬ ‫قون هبا أســلحتهم‪ ،‬يقال هلا‪ :‬ذات أنواط‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فمررنا بسدرة خرضاء عظيمة‪ ،‬قال‪ :‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل اجعل‬ ‫لنــا ذات أنواط‪ ،‬فقال رســول اهلل ﷺ‪« :‬قلتم ‪-‬والذي نفيس‬ ‫بيده‪ -‬كام قال قوم موســى )ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ‬ ‫سنن‬ ‫لرتكبن َ‬ ‫َّ‬ ‫ــنن‪،‬‬ ‫الس ٌ‬‫ﭧ ﭨ ﭩ ( [األعراف‪ ،]138 :‬إهنا ّ‬ ‫من كان قبلكم سنّة سنّة»(((‪.‬‬ ‫وعن زيد بن خالد اجلهني‪ ،‬أنه قال‪« :‬صىل لنا رســول اهلل ﷺ‬ ‫صالة الصبح باحلديبية عىل ِ‬ ‫إثر ســاء كانت مــن الليلة‪ ،‬فلام‬ ‫َ‬ ‫تدرون ماذا قال ربكم؟‬ ‫انرصف أقبل عــى الناس‪ ،‬فقال‪ :‬هل‬ ‫قالوا‪ :‬اهلل ورســوله أعلم‪ ،‬قــال‪« :‬أصبح من عبادي مؤمن يب‬ ‫وكافر‪ ،‬فأما من قال‪ :‬مطرنــا بفضل اهلل ورمحته‪ ،‬فذلك مؤمن‬ ‫يب‪ ،‬وكافر بالكوكب‪ ،‬وأما من قــال‪ِ :‬‬ ‫بنوء كذا‪ ،‬وكذا‪ ،‬فذلك‬ ‫كافر يب‪ ،‬ومؤمن بالكوكب»(((‪.‬‬ ‫وعن ابن عباس أن رج ً‬ ‫ال قال‪ :‬يا رســول اهلل ما شــاء اهلل‬ ‫وشئت‪ ،‬فقال‪« :‬جعلتني هلل عدالً؟ بل ما شاء اهلل وحده»(((‪.‬‬ ‫((( رواه أمحد (‪ ،)218/5‬وصححه األلباين يف ظالل اجلنة (‪.)76‬‬ ‫((( رواه البخاري (‪ ،)846‬ومسلم (‪.)104‬‬ ‫((( رواه أمحد (‪ ،)283/1‬وصححه األلباين يف صحيح األدب املفرد (‪،)605‬‬ ‫وشئت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وبوب البخاري يف صحيحه‪ :‬باب ال ُ‬ ‫يقول ما شا َء اهللُ‬ ‫‪16‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫أنه أدرك عمر بن اخلطاب يف ركب وهو‬ ‫وعن ابن عمر‬ ‫حيلف بأبيه‪ ،‬فناداهم رسول اهلل ﷺ‪« :‬أال إن اهلل ينهاكم أن حتلفوا‬ ‫فليصمت»(((‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫بآبائكم‪ ،‬فمن كان حالف ًا‪ ،‬فليحلف باهلل‪ ،‬وإال‬ ‫وعن أيب رشيح هاينء بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬وفد عىل النبي ﷺ قوم‬ ‫يســمون رج ً‬ ‫ال عبد احلجر‪ ،‬فقال له‪« :‬ما اسمك؟»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فسمعهم‬ ‫قال‪ :‬عبد احلجر‪ ،‬فقال له رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال‪ ،‬أنت عبد اهلل»(((‪.‬‬ ‫‪ -5‬اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصويب اخلطأ‪:‬‬ ‫فبعض الناس يتقبل منهم ما ال يتقبل من غريهم؛ ألن هلم‬ ‫مكانة ليســت لغريهم‪ ،‬أو ألن هلم سلطة عىل املخطئ ليست‬ ‫لغريهــم‪ ،‬ومن أمثلة هذا األب مع ابنه‪ ،‬واملدرس مع تلميذه‪،‬‬ ‫واملحتســب مع من ينكر عليه‪ ،‬فليــس الكبري كالصغري‪ ،‬وال‬ ‫القريــب كالغريب‪ ،‬وليس صاحب الســلطان كمن ليس له‬ ‫ســلطة‪ ،‬واإلدراك هلذه الفروق يؤدي بالـــمصلح إىل وضع‬ ‫األمــور يف نصاهبا‪ ،‬وتقديــر األمور حق قدرهــا‪ ،‬فال يؤدي‬ ‫((( رواه البخاري (‪ ،)6108‬ومسلم (‪.)3105‬‬ ‫فائــدة‪ :‬روى اإلمام أمحــد يف مســنده (‪ :)5222‬حدثنا وكيــع‪ ،‬حدثنا‬ ‫ٍ‬ ‫حلقة‪ ،‬ســمع‬ ‫األعمش‪ ،‬عن ســعد بن عبيدة‪ ،‬قال ‪ :‬كنت مع ابن عمر يف‬ ‫رج ً‬ ‫ال يف حلقة أخرى‪ ،‬وهو يقول‪ :‬ال وأيب‪ ،‬فرماه ابن عمر باحلىص‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫إهنا كانت يمني عمر‪ ،‬فنهاه النبي ﷺ عنها‪ ،‬وقال‪« :‬إهنا رشك»‪.‬‬ ‫((( رواه البخاري يف األدب املفــرد (‪ ،)813‬وقال األلباين يف صحيح األدب‬ ‫املفرد‪ :‬صحيح‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫إنــكاره أو تصحيحه إىل منكر أكــر‪ ،‬أو خطأ أعظم‪ ،‬ومكانة‬ ‫املنكر وهيبتــه يف نفس املخطئ مهمة يف تقدير درجة اإلنكار‪،‬‬ ‫وضبط معيار الشدة واللني‪ ،‬ومن هذا نستفيد أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن عىل من آتاه اهلل مكانة أو سلطان ًا أن ّ‬ ‫يسخر ذلك‬ ‫يف األمــر باملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكــر‪ ،‬وتعليم اخللق‪ ،‬وأن‬ ‫يدرك أن مســؤوليته عظيمة؛ ألن النــاس يتقبلون منه أكثر مما‬ ‫يتقبلون من غريه ‪-‬غالب ًا‪ -‬ويتمكن مما ال يتمكن منه اآلخرون‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬أن عىل اآلمر الناهي أن ال ييسء التقدير؛ فيضع نفسه‬ ‫ٍ‬ ‫شــخصية ال‬ ‫يف موضع أعىل مما هو عليه‪ ،‬ويترصف بصفات‬ ‫يملكها؛ ألن ذلك يؤدي إىل النفور والصدّ ‪.‬‬ ‫وقد كان النبي ﷺ يستفيد مما أعطاه اهلل من املكانة واملهابة‬ ‫بني اخللق يف إنكاره وتعليمه‪ ،‬وربام أتى بيشء لو فعله غريه ما‬ ‫وقع املوقع املناسب‪ ،‬وفيام ييل مثال عىل ذلك‪:‬‬ ‫يعيش بن طهف َة الغفاري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬ضفت رسول‬ ‫عن َ‬ ‫اهلل ﷺ فيمن تضيفه من املساكني‪ ،‬فخرج رسول اهلل ﷺ يف الليل‬ ‫يتعاهد ضيفه‪ ،‬فــرآين منبطح ًا عىل بطنــي‪ ،‬فركضني برجله‪،‬‬ ‫وقال‪« :‬ال تضطجع هــذه الضجعة؛ فإهنا ضجعة يبغضها اهلل‬ ‫عزوجــل»‪ ،‬ويف رواية‪ :‬فركضه برجلــه فأيقظه‪ ،‬فقال‪« :‬هذه‬ ‫ضجع ُة أهل النار»(((‪.‬‬ ‫((( رواه أمحــد ‪ :‬الفتح الربــاين (‪ ،)245-244/14‬وصححــه األلباين يف‬ ‫صحيح اجلامع (‪.)4035‬‬ ‫‪18‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫وإذا كان إنــكاره ﷺ هبذه الطريقة مناســب ًا حلاله ومكانته‪،‬‬ ‫فإنه ليس بمناسب آلحاد الناس‪ ،‬وال يصلح ألي شخص يريد‬ ‫أن ينكر عىل آخر نومه عــى بطنه أن يركضه برجله‪ ،‬وهو نائم‪،‬‬ ‫فيوقظه‪ ،‬ثم يتوقع أن يقبل منه‪ ،‬ويشكره(((‪.‬‬ ‫((( وقريب من هــذا‪ :‬رضب املخطئ‪ ،‬أو رميه بــيء؛ كاحلىص ونحوه‪ ،‬وقد‬ ‫فعل ذلك بعض الســلف‪ ،‬وكل ذلك يعود إىل مكانة املنكر‪ ،‬وفيام ييل بعض‬ ‫القصص‪ :‬روى الدارمي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن ســليامن بن يسار «أن رج ً‬ ‫ال يقال‬ ‫ِ‬ ‫متشابه القرآن‪ ،‬فأرسل إليه عمر‪ ،‬وقد‬ ‫له‪ :‬صبيغٌ قدم املدينة‪ ،‬فجعل يسأل عن‬ ‫أعد له عراجنيَ النخل‪ ،‬فقال‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬أنا عبد اهلل صبيغ‪ ،‬فأخذ عمر‬ ‫عرجون ًا من تلك العراجنيَ فرضبه‪ ،‬وقال‪ :‬أنا عبد اهلل عمر‪ ،‬فجعل له رضب ًا‬ ‫دمي رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني حسبك قد ذهب الذي كنت أجد يف‬ ‫حتى َ‬ ‫رأيس»‪.‬سنن الدارمي ت‪ :‬عبد اهلل هاشم يامين (‪ 51/1‬رقم ‪.)146‬‬ ‫وروى البخــاري (‪ )5632‬عن ابن أيب ليىل قــال‪« :‬كان حذيفة باملداين‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫دهقان بقدح فضة‪ ،‬فرماه به‪ ،‬فقــال‪ :‬إين مل أرمه إال أين‬ ‫فاستســقى‪ ،‬فأتاه‬ ‫هنيته‪ ،‬فلــم ينته‪ ،‬وإن النبي ﷺ هنانا عن احلرير والديباج‪ ،‬والرشب يف آنية‬ ‫الذهب والفضة‪ ،‬وقال‪« :‬هن هلم يف الدنيا‪ ،‬وهي لكم يف اآلخرة»‪.‬‬ ‫ويف رواية أمحــد للقصة عن عبد الرمحن بن أيب ليــى‪ ،‬قال‪« :‬خرجت مع‬ ‫واد‪ ،‬فاستسقى‪ ،‬فأتاه دهقان بإناء من فضة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حذيفة إىل بعض هذا الس ِ‬ ‫ّ‬ ‫فرماه به يف وجهه‪ ،‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬اسكتوا‪ ،‬اســكتوا‪ ،‬وإنا إن سألناه مل حيدثنا‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فسكتنا‪ ،‬قال‪ :‬فلام كان بعد ذلك‪ ،‬قال‪ :‬أتدرون مل رميت به يف وجهه؟‬ ‫قال‪ :‬قلنا ال‪ ،‬قال‪ :‬إين كنت هنيته‪ ،‬قال‪ :‬فذكر النبي ﷺ قال‪« :‬ال ترشبوا يف‬ ‫آنية الذهب‪ ،‬وال تلبســوا احلرير وال الديباج؛ فإهنام هلم يف الدنيا‪ ،‬ولكم يف‬ ‫اآلخرة» املسند (‪.)396/5‬‬ ‫ً‬ ‫وروى البخاري معلقا (‪ )151/3‬أن سريين سأل أنسا املكاتبة‪ ،‬وكان كثري‬ ‫املال‪ ،‬فأبى‪ ،‬فانطلق إىل عمر ‪ ،‬فقال‪ :‬كاتبه‪ ،‬فأبى‪ ،‬فرضبه بالدرة‪ ،‬ويتلو‬ ‫=‬ ‫عمر «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خري ًا»‪ ،‬فكاتبه‪.)184/5(.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ونالحــظ أيضــ ًا أن إنكار النبي ﷺ عــى بعض خواص‬ ‫=أصحابه كان أحيان ًا أشد منه عىل أعرايب مثالً‪ ،‬أو غريب‪ ،‬وكل‬ ‫هذا من احلكمة‪ ،‬وتقدير احلال يف اإلنكار‪.‬‬ ‫وروى النســائي عن أيب ســعيد اخلدري أنه كان يصيل‪ ،‬فإذا بابن ملروان‬ ‫يمر بني يديه‪ ،‬فدرأ ُه‪ ،‬فلــم يرجع‪ ،‬فرضبه‪ ،‬فخرج الغالم يبكي‪ ،‬حتى أتى‬ ‫مــروان‪ ،‬فأخربه‪ ،‬فقال مروان أليب ســعيد‪ :‬مل رضبت ابــن أخيك؟ قال‪:‬‬ ‫ما رضبته إنام رضبت الشــيطان‪ ،‬سمعت رســول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إذا كان‬ ‫أحدكم يف صالة‪ ،‬فأراد إنســان يمر بني يديه فيدرؤ ُه ما استطاع‪ ،‬فإن أبى‬ ‫فليقاتل ُه ؛ فإنه شيطان»‪.‬املجتبى من ســنن النسائي (‪ ،)61/8‬وصححه‬ ‫األلباين يف صحيح النسائي برقم (‪.)4518‬‬ ‫وروى أمحد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن أيب النرض «أن أبا سعيد اخلدري كان يشتكي‬ ‫رجلــه‪ ،‬فدخل عليه أخوه‪ ،‬وقد جعل إحــدى رجليه عىل األخرى‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫الوجعة‪ ،‬فأوجعه‪ ،‬فقال‪ :‬أوجعتني‪ ،‬أو‬ ‫مضطجع‪ ،‬فرضبه بيده عــى رجله‬ ‫مل تعلــم أن رجيل وجعة؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬فــا َ‬ ‫محلك عىل ذلك؟ قال‪ :‬أو مل‬ ‫تسمع أن النبي ﷺ قد هنى عن هذه»‪.‬املسند (‪.)42/3‬‬ ‫ال خطب إىل رجل أخته‪ ،‬فذكر أهنا قد‬ ‫وروى مالك عن أيب الزبري املكي أن رج ً‬ ‫كانت أحدثت (أي زنت)‪ ،‬فبلغ ذلك عمر بن اخلطاب‪ ،‬فرضبه‪ ،‬أو كاد يرضبه‪،‬‬ ‫ثم قال‪ :‬مالك وللخرب‪.‬موطأ مالك (‪.)1553‬وقوله‪« :‬ما لك وللخرب؟» أي‪:‬‬ ‫ما غرضك بإخبار اخلاطب بأمر زناها؟ الزرقاين‪ ،‬هامش املوطأ‪.‬‬ ‫وروى مسلم يف صحيحه‪ ،‬عن أيب إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬كنت مع األسود بن يزيد‬ ‫جالس ًا يف املسجد األعظم‪ ،‬ومعنا الشعبي‪ ،‬فحدث الشعبي بحديث فاطمة‬ ‫بنت قيس أن رســول اهلل ﷺ مل جيعل هلا سكنى‪ ،‬وال نفقة‪ ،‬ثم أخذ األسود‬ ‫كفــا من حىص‪ ،‬فحصبه به‪ ،‬فقال‪ :‬ويلك حتــدث بمثل هذا‪ ،‬قال‪ :‬عمر ال‬ ‫نرتك كتاب اهلل وســنة نبينــا ﷺ لقول امرأة؛ ال نــدري لعلها حفظت أو‬ ‫وجل (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫َّ‬ ‫نســيت‪ ،‬هلا السكنى والنفقة‪ ،‬قال اهلل عزَّ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)‪.‬صحيح مسلم رقم (‪.)1480‬‬ ‫‪20‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫‪ -6‬التفريق بني املخطئ اجلاهل‪ ،‬واملخطئ عن علم‪:‬‬ ‫ومن القصــص الواضحة يف هذا ما حــدث ملعاوية بن‬ ‫هــي‬ ‫احلكم الســلمي ملا جاء إىل املدينة مــن البادية‪ ،‬ومل يكن‬ ‫بينــا ؟‬ ‫مع‬ ‫أصل َ‬ ‫يدري عن حتريم الــكالم يف الصالة‪َ ،‬‬ ‫قال‪« :‬بينا أنا ّ‬ ‫َ‬ ‫يرمحك اهللُ‪،‬‬ ‫فقلت‬ ‫ُ‬ ‫عطس ٌ‬ ‫رجل م ْن القو ِم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪ ،‬إ ْذ‬ ‫شــأنكم‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫واثكل أ ّميا ْه‪ ،‬ما‬ ‫فقلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بأبصارهــم‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فرمــاين القو ُم‬ ‫فلم‬ ‫أفخاذهم‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫بأيدهيم عــى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يرضبون‬ ‫َ‬ ‫تنظــرون إ َّيل‪ ،‬فجعلوا‬ ‫رسول ِ‬ ‫اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫ســكت ‪ ،‬فل ّم ّ‬ ‫صل‬ ‫(((‬ ‫ُّ‬ ‫يصمتونني لكنّي‬‫رأيتهم ّ‬ ‫ْ‬ ‫رأيت مع ّل ًام قبل ُه‪ ،‬وال بعد ُه أحســ َن تعلي ًام‬ ‫هو وأ ّمي‪ ،‬ما ُ‬ ‫فبأيب َ‬ ‫«إن‬ ‫قال‪َّ :‬‬ ‫فواهللِ ما كهرين(((‪ ،‬وال رضبني‪ ،‬وال شــتمني‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫منــ ُه‪،‬‬ ‫هو‬ ‫ِ‬ ‫من كال ِم الن‬ ‫ِ‬ ‫ّــاس‪ ،‬إنّام َ‬ ‫يشء ْ‬ ‫يصلح فيهــا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الصال َة ال‬ ‫هــذه ّ‬ ‫ِ‬ ‫القرآن»(((‪.‬‬ ‫ّكبري‪ ،‬وقراء ُة‬ ‫ّسبيح‪ ،‬والت ُ‬‫الت ُ‬ ‫فاجلاهــل حيتــاج إىل تعليم‪ ،‬وصاحب الشــبهة حيتاج إىل‬ ‫واملرص حيتــاج إىل وعظ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بيــان‪ ،‬والغافل حيتــاج إىل تذكري‪،‬‬ ‫فال يسوغ أن يسوى بني العامل باحلكم‪ ،‬واجلاهل به يف املعاملة‬ ‫واإلنكار‪ ،‬بل إن الشدة عىل اجلاهل كثري ًا ما حتمله عىل النفور‪،‬‬ ‫ورفض االنقياد‪ ،‬بخالف ما لو ع ّلمــه أوال باحلكمة واللني؛‬ ‫ألن اجلاهل عند نفسه ال يرى أنه خمطئ‪ ،‬فلسان حاله يقول ملن‬ ‫ينكر عليه‪ :‬أفال علمتني قبل أن هتامجني‪.‬‬ ‫((( أي أوشكت أن أرد عليهم ‪ ،‬لكني متالكت نفيس‪ ،‬ولزمت السكوت‪.‬‬ ‫((( أي زجرين وعبس يف وجهي ‪.‬‬ ‫((( صحيح مسلم (‪. )537‬‬ ‫‪21‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫وقد جيانب املخطئ الصواب‪ ،‬وهو ال يشــعر‪ ،‬بل قد يظن‬ ‫نفســه مصيب ًا؛ فرياعى ألجل ذلك‪ ،‬جاء يف مسند اإلمام أمحد‬ ‫أكل طعام ًا‪،‬‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫بن شعب َة َّ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫املغرية ِ‬ ‫‪-‬رمحه اهلل‪ِ -‬‬ ‫عن‬ ‫ذلك‪ ،‬فأتيته ٍ‬ ‫بامء؛‬ ‫قبل َ‬ ‫توض َأ َ‬ ‫الصالةُ‪ ،‬فقا َم‪ ،‬وقدْ َ‬ ‫ُ‬ ‫كان ّ‬ ‫أقيمت ّ‬ ‫ْ‬ ‫ثم‬ ‫َّ‬ ‫ثم‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬ ‫واهللِ َ‬ ‫وراءك‪ ،‬فســاءين ِ‬ ‫َ‬ ‫ليتوض َأ من ُه‪ ،‬فانتهرين‪َ ،‬‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫إن املغري َة قدْ‬ ‫نبي اهللِ َّ‬ ‫فقال‪ :‬يا َّ‬ ‫عمر‪َ ،‬‬ ‫ذلك إىل َ‬ ‫فشــكوت َ‬ ‫ُ‬ ‫صل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عليه يش ٌء‪،‬‬ ‫نفسك ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يكون يف‬ ‫وخيش ْ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫انتهارك إ ّيا ُه‪،‬‬ ‫شق ِ‬ ‫عليه‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ولكن أتاين‬ ‫ْ‬ ‫يشء ّإل ٌ‬ ‫خري‪،‬‬ ‫«ليس عليه يف نفيس ٌ‬ ‫ّبي ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫فقال الن ُّ‬ ‫ولو فعلت ُه َ‬ ‫ألتوض َأ‪ ،‬وإنّام‬ ‫ٍ‬ ‫ّاس‬ ‫ذلك الن ُ‬ ‫فعل َ‬ ‫أكلــت طعام ًا‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بامء‬ ‫بعدي»(((‪.‬‬ ‫ويالحــظ هنا أن ختطئــة النبي ﷺ ملثل هــؤالء الصحابة‬ ‫األجالء مل تكن لتؤثر يف نفوســهم تأثري ًا سلبي ًا‪ ،‬فتحملهم عىل‬ ‫كره أو نفور‪ ،‬بل إهنــا كانت تؤثر يف نفوســهم تأثري ًا إجيابي ًا‪،‬‬ ‫فيبقى الواحد منهم بعد ختطئته من النبي ﷺ وجالً‪ ،‬مشــفق ًا‪،‬‬ ‫مته ًام نفســه‪ ،‬يعيش يف حرج عظيم ال يرسي عنه إال أن يتأكد‬ ‫من رضا رسول اهلل ﷺ عنه‪.‬‬ ‫ويالحظ يف هذه القصة كذلك أن ختطئة النبي ﷺ للمغرية مل‬ ‫تكن غضب ًا من شخص املغرية؛ ولكن شفقة عىل الناس‪ ،‬وتبيين ًا‬ ‫هلم حتى ال يظنوا ما ليس بواجب واجب ًا؛ فيقعوا يف احلرج‪.‬‬ ‫((( املسند (‪ ،)253/4‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫إن موقــع املريب والقدوة يف نفــس أصحابه كبري وعظيم‪،‬‬ ‫املرب‬ ‫ولومه لبعضهــم‪ ،‬أو ختطئته تقع بموقــع‪ ،‬وقد يالحظ ّ‬ ‫مصلحة أشــخاص آخرين يف إنكاره عــى أحد أصحابه من‬ ‫أجل املنفعة العامــة‪ ،‬ولكن هذا ال يعني ترك األثر الســلبي‬ ‫اخلاص باقي ًا؛ بل يمكن تداركه‪ ،‬وحمو أثره بطرق منها‪ :‬املعاتبة‬ ‫من قبل التابع‪ ،‬ولو بطريق واســطة‪ ،‬كام فعل املغرية بتوسيط‬ ‫‪ ،‬ويف املقابل‪ :‬إيضاح املوقــف‪ ،‬والتأكيد عىل مكانة‬ ‫عمــر‬ ‫التابع‪ ،‬وحسن الظن به من قبل القدوة واملريب‪.‬‬ ‫‪-7‬التفريق بني اخلطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه ‪ ،‬وبني‬ ‫خطأ العمد ‪ ،‬والغفلة ‪ ،‬والتقصري‪:‬‬ ‫شــك أن األول ليس بملوم؛ بل إنه يؤجر أجر ًا واحد ًا‬ ‫َّ‬ ‫وال‬ ‫ثم‬ ‫احلاكم‪ ،‬فاجتهدَ ‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫حكم‬ ‫َ‬ ‫إذا أخلص واجتهد؛ لقوله ﷺ‪« :‬إذا‬ ‫أجر»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أخطأ‪ ،‬فل ُه ٌ‬ ‫ثم‬ ‫حكم‪ ،‬فاجتهدَ ‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أجران‪ ،‬وإذا‬ ‫أصاب؛ فل ُه‬ ‫َ‬ ‫وهذا بخالف املخطئ عن عمد وتقصري‪ ،‬فال يســتويان‪،‬‬ ‫فاألول يع ّلم‪ ،‬ويناصح‪ ،‬بخــاف الثاين‪ ،‬فإنه يوعظ‪ ،‬وينكر‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫وجيب أن يكــون االجتهاد الذي يعذر به صاحبه اجتهاد ًا‬ ‫ســائغ ًا من شخص مؤهل‪ ،‬بخالف من يفتي بغري علم‪ ،‬أو ال‬ ‫((( رواه البخاري (‪ ،)6805‬ومسلم (‪.)3240‬‬ ‫‪23‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫يراعي األحوال‪ ،‬ولذلك اشتد إنكار النبي ﷺ عىل املخطئني‬ ‫الشجة‪ ،‬فقد روى أبو داود يف سننه ع ْن ٍ‬ ‫جابر‬ ‫ّ‬ ‫يف قصة صاحب‬ ‫فشــج ُه يف‬ ‫ّ‬ ‫حجر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فأصاب رج ً‬ ‫ال منّا‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ســفر‪،‬‬ ‫قال‪ :‬خرجنا يف‬ ‫َ‬ ‫جتدون يل رخص ًة‬ ‫َ‬ ‫فقال‪ْ :‬‬ ‫هل‬ ‫فسأل أصحاب ُه‪َ ،‬‬ ‫احتلم‪َ ،‬‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫رأسه‪َّ ،‬‬ ‫لك رخص ًة‪ ،‬وأنت تقدر عىل ِ‬ ‫املاء‪،‬‬ ‫ّيم ِم؟ فقالوا‪ ،‬ما نجدُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يف الت ّ‬ ‫بذلك‪َ ،‬‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّبي ﷺ أخ َ‬ ‫رب‬ ‫فلم قدمنا عىل الن ِّ‬ ‫فامت‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فاغتسل‪َ ،‬‬ ‫العي‬ ‫شــفاء ِّ‬ ‫ُ‬ ‫قتلهم اهللُ‪ ،‬أال ســألوا إ ْذ مل ْ يعلموا؛ فإنّام‬ ‫ْ‬ ‫«قتلو ُه‬ ‫الس ُ‬ ‫ؤال»(((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك فإن النبــي ﷺ أخرب‪« :‬القضا ُة ثالثــ ٌة‪ ،‬واحدٌ يف‬ ‫احلق‪،‬‬ ‫عرف َّ‬‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫فرجل‬ ‫فأما ا ّلذي يف اجلن ِّة‪،‬‬ ‫ّار‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫واثنــان يف الن ِ‬ ‫اجلن ِّة‪،‬‬ ‫فهو يف الن ِ‬ ‫ّار‪،‬‬ ‫فجــار يف احلكمِ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫احلق‪،‬‬ ‫عرف َّ‬‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ورجل‬ ‫فقىض ِبه‪،‬‬ ‫ّار»(((‪ ،‬فلم يعترب هذا‬ ‫فهو يف الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫جهل َ‬ ‫ورجــل قىض للن ِ‬ ‫ّاس عىل‬ ‫ٌ‬ ‫الثالث معذور ًا‪.‬‬ ‫ومن األمور التي تضبط درجــة إنكار اخلطأ‪ :‬مراعاة البيئة‬ ‫التي حصل فيها اخلطأ‪ ،‬مثل انتشار السنة‪ ،‬أو البدعة‪ ،‬وكذلك‬ ‫مدى استرشاء املنكر‪ ،‬أو وجود من يفتي بجوازه من اجلهلة‪ ،‬أو‬ ‫املتساهلني ممن يراهم الناس شيئ ًا‪.‬‬ ‫((( ســنن أيب داود (‪ )336‬كتاب الطهــارة‪ ،‬باب املجروح يتيمم‪ ،‬وحســنه‬ ‫األلباين يف صحيح أيب داود‪.‬‬ ‫((( سنن أيب داود (‪ ،)3573‬وصححه األلباين يف اإلرواء (‪.)2164‬‬ ‫‪24‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫‪ -8‬إرادة املخطئ للخري ال متنع من اإلنكار عليه‪:‬‬ ‫عــن عمرو بن حييى‪ ،‬قال‪ :‬ســمعت أيب حيــدث عن أبيه‬ ‫قال‪ :‬كنــا نجلس عىل بــاب عبد اهلل بن مســعود قبل صالة‬ ‫الغداة‪ ،‬فإذا خرج مشــينا معه إىل املسجد‪ ،‬فجاءنا أبو موسى‬ ‫األشعري‪ ،‬فقال‪ :‬أخرج إليكم أبو عبد الرمحن بعد؟ قلنا‪ :‬ال‪،‬‬ ‫فجلس معنا حتى خرج‪ ،‬فلام خرج قمنا إليه مجيع ًا‪ ،‬فقال له أبو‬ ‫موسى‪ :‬يا أبا عبد الرمحن إين رأيت يف املسجد آنف ًا أمر ًا أنكرته‪،‬‬ ‫ومل َأر‪ -‬واحلمد هلل‪ -‬إال خري ًا‪ ،‬قال ‪ :‬فام هو؟ فقال‪ :‬إن عشــت‬ ‫فســراه‪ ،‬قال‪ :‬رأيت يف املســجد قوم ًا حلق ًا جلوس ًا ينتظرون‬ ‫الصالة يف كل حلقة رجــل‪ ،‬ويف أيدهيم حىص‪ ،‬فيقول‪ :‬كربوا‬ ‫مائة فيكربون مائة‪ ،‬فيقول‪ :‬هللوا مائة‪ ،‬فيهللون مائة‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫ســبحوا مائة‪ ،‬فيســبحون مائة‪ ،‬قال‪ :‬فامذا قلت هلم؟ قال‪ :‬ما‬ ‫قلت هلم شــيئ ًا انتظار رأيك‪ ،‬وانتظار أمرك‪ ،‬قال‪ :‬أفال أمرهتم‬ ‫وضمنت هلم أن ال يضيع من حسناهتم؟‬ ‫َ‬ ‫أن يعدوا ســيئاهتم‪،‬‬ ‫ثم مىض‪ ،‬ومضينا معه‪ ،‬حتى أتى حلقة من تلك احللق‪ ،‬فوقف‬ ‫عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا الــذي أراكم تصنعون؟ قالوا‪ :‬يا أبا عبد‬ ‫الرمحن حىص نعدُّ به التكبري‪ ،‬والتهليل‪ ،‬والتسبيح‪ ،‬قال‪ :‬فعدوا‬ ‫سيئاتكم‪ ،‬فأنا ضامن أن ال يضيع من حسناتكم يشء‪ ،‬وحيكم‬ ‫هلكتكــم‪ ،‬هؤالء صحابــة نبيكم ﷺ‬ ‫ْ‬ ‫يا أمة حممــد ما أرسع‬ ‫متوافرون‪ ،‬وهذه ثيابه مل ْ‬ ‫تبل‪ ،‬وآنيته مل تكرس‪ ،‬والذي نفيس بيده‬ ‫‪25‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫إنكم لعىل ملة هي أهدى من ملــة حممد ﷺ‪ ،‬أو مفتتحو باب‬ ‫ضاللة‪ ،‬قالوا‪ :‬واهلل يا أبا عبــد الرمحن ما أردنا إال اخلري‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وكــم من مريد للخري لن يصيبه‪ ،‬إن رســول اهلل ﷺ حدثنا أن‬ ‫تراقيهم‪ ،‬وأيم اهلل ما أدري لعل‬ ‫ُ‬ ‫قوم ًا يقرءون القــرآن ال جياوز‬ ‫أكثرهم منكم‪ ،‬ثم توىل عنهم‪ ،‬فقال عمرو بن سلم َة‪ :‬رأينا عامة‬ ‫ِ‬ ‫ّهروان مع اخلوارج(((‪.‬‬ ‫أولئك احللق يطاعنونا يوم الن‬ ‫‪ -9‬العدل وعدم املحاباة يف التنبيه عىل األخطاء‪:‬‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ) [األنعام‪ ،]152 :‬وقال‪:‬‬ ‫(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النســاء‪ ،]58 :‬ومل‬ ‫حب النبي ﷺ‪ ،‬وابن حبه أن يشتد‬ ‫يمنع كون أســامة بن زيد َّ‬ ‫عليه يف اإلنكار حينام حاول أن يشــفع يف حدّ من حدود اهلل‪،‬‬ ‫هم شأن املرأة التي رسقت‬ ‫أن قريش ًا أ ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫فقد روت عائشة‬ ‫يف عهد النبي ﷺ يف غزوة الفتح‪ ،‬فقالوا‪ :‬من يكلم فيها رسول‬ ‫فتلو َن‬ ‫جيرتئ عليه إال أسامة بن زيد؟‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫اهلل ﷺ؟‪ ،‬فقالوا‪ :‬ومن‬ ‫وجه رسول اهلل ﷺ فقال‪« :‬أتشــفع يف حدِّ من حدود اهلل؟»‪،‬‬ ‫فقال له أسامة‪ :‬استغفر يل يا رســول اهلل‪ ،‬فلام كان العيش قام‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فاختطب‪ ،‬فأثنى عىل اهلل بام هو أهله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫«أما بعد؛ فإنام أهلك الذين من قبلكم أهنم كانوا إذا رسق فيهم‬ ‫((( رواه الدارمي يف الســنن (‪ ،)210‬وصحح األلباين إســناده يف السلســلة‬ ‫الصحيحة حتت حديث (‪.)2005‬‬ ‫‪26‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫الرشيف تركــوه‪ ،‬وإذا رسق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد‪،‬‬ ‫وإين والذي نفيس بيده لو أن فاطمة بنت حممد رسقت لقطعت‬ ‫يدها‪ ،‬ثم أمر بتلك املرأة التي رسقت فقطعت يدها»(((‪.‬‬ ‫قالت‪« :‬استعارت امرأة‬ ‫ويف رواية للنسائي عن عائشة‬ ‫َ‬ ‫أناس‪-‬يعرفون‪ ،‬وهي ال تعــرف‪ -‬حل ّيا فباعته‪،‬‬ ‫عىل ألســنة‬ ‫باالقواس عم‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فسعى أهلها إىل أسامة‬ ‫وأخذت ثمنه‪ ،‬فأيت هبا‬ ‫دوخ انا‬ ‫فتلون وجه رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫بن زيد‪ ،‬فكلم رسول اهلل ﷺ فيها‪ّ ،‬‬ ‫مو معقول‬ ‫إيل يف حد من‬ ‫وهو يكلمه‪ ،‬ثم قال له رســول اهلل ﷺ‪« :‬أتشفع َّ‬ ‫حط قوسني‬ ‫حدود اهلل؟»‪ ،‬فقال أســامة‪ :‬اســتغفر يل يا رسول اهلل‪ ،‬ثم قام‬ ‫بنهاية القول‬ ‫عز َّ‬ ‫وجل بام هو أهله‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عشــ ّيتئذ‪ ،‬فأثنى عىل اهلل َّ‬ ‫»»‬ ‫ثم قال‪« :‬أما بعد؛ فإنام هلك الناس قبلكم أهنم كانوا إذا رسق‬ ‫الرشيف فيهم تركــوه‪ ،‬وإذا رسق الضعيف فيهم أقاموا عليه‬ ‫احلد‪ ،‬والذي نفــس حممد بيده لو أن فاطمة بنت حممد رسقت‬ ‫لقطعت يدها‪ ،‬ثم قطع تلك املرأة»(((‪.‬‬ ‫دال عىل‬ ‫وموقفــه عليه الصالة والســام من أســامة‬ ‫عدله‪ ،‬وأن الرشع عنده فوق حمبة األشــخاص‪ ،‬واإلنسان قد‬ ‫يســامح من يريد يف اخلطأ عىل شــخصه‪ ،‬ولكن ال يملك أن‬ ‫يسامح أو حيايب من خيطئ عىل الرشع‪.‬‬ ‫((( احلديث يف الصحيحني‪ ،‬وهذا لفظ مسلم‪ ،‬رقم (‪.)1688‬‬ ‫((( سنن النسائي (‪ ،)73/8‬وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي برقم‬ ‫(‪.)4548‬‬ ‫‪27‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫وبعــض الناس إذا أخطأ قريبه أو صاحبــه مل يكن إنكاره‬ ‫عليه مثل إنــكاره عىل من ال يعرفه‪ ،‬وربــا ظهر حتيز‪ ،‬ومتييز‬ ‫غري رشعي يف املعاملة بســبب ذلك‪ ،‬بل ربام تغاىض عن خطأ‬ ‫صاحبه‪ ،‬وشدد يف خطأ غريه‪.‬‬ ‫وعني الرضا عن ّ‬ ‫كل عيب كليلة‬ ‫السخط تبدي املساويا‬ ‫ولكن عني ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ينعكس عىل تفســر األفعال أيض ًا‪ ،‬فقد يصدر الفعل‬ ‫من شخص حمبوب فيحمل عىل حممل‪ ،‬ويصدر مثله من شخص‬ ‫آخر‪ ،‬فيحمل عىل حممل آخر‪.‬‬ ‫وكل ما سبق مقيد بام إذا استوت األحوال‪ ،‬وإال فقد يكون‬ ‫هناك تفاوت يف االعتبارات كام سيأيت ذكره‪.‬‬ ‫‪ -10‬احلذر من إصالح خطأ يؤدي إىل خطأ أكرب‪:‬‬ ‫من املعلوم أن من قواعد الرشيعة حتمل أدنى املفســدتني‬ ‫لدرء أعالمها‪ ،‬فقد يسكت الداعي عن خطأ؛ لئال يؤدي األمر‬ ‫إىل وقوع خطأ أعظم‪.‬‬ ‫لقد ســكت النبي ﷺ عن املنافقني‪ ،‬ومل يقتلهم مع ثبوت‬ ‫كفرهم‪ ،‬وصرب عــى أذاهم؛ لئال يقول النــاس‪ :‬حممد يقتل‬ ‫أصحابــه‪ ،‬خصوص ًا مــع خفاء أمرهم‪ ،‬ومل هيــدم النبي ﷺ‬ ‫الكعبة؛ ليبنيها عىل قواعد إبراهيم اخلليل من أجل أن قريش ًا‬ ‫‪28‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫كانوا حديثي عهد بجاهلية‪ ،‬وخيش عليه الصالة والسالم أن‬ ‫ال حتتمل ذلك عقوهلم‪ ،‬وترك البنيان عىل ما فيه من النقص‪،‬‬ ‫والباب عــى ارتفاعه‪ ،‬وإغالقه عن العامــة‪ ،‬مع أن يف ذلك‬ ‫خمالفة ما ينبغي أن يكون عليه األمر‪.‬‬ ‫وقبل ذلك هنى اهلل تعاىل عن ســب آهلــة املرشكني مع أنه‬ ‫طاعة وقربة؛ إذا كان ذلك يؤدي إىل ســب اهلل عزوجل‪ ،‬وهو‬ ‫أعظم منكر(((‪.‬‬ ‫فقد يسكت الداعية عن منكر‪ ،‬أو يؤجل اإلنكار‪ ،‬أو يغري‬ ‫الوسيلة إذا رأى يف ذلك تالفي ًا خلطأ‪ ،‬أو منكر أكرب‪ ،‬وال يعترب‬ ‫ذلــك تقصري ًا‪ ،‬وال ختاذالً ما دام صــادق النية ال خياف يف اهلل‬ ‫لومة الئم‪ ،‬وكان الذي منعه مصلحة الدين ال اخلور واجلبن‪.‬‬ ‫ومما يالحظ أن من األســباب املؤديــة إىل الوقوع يف خطأ‬ ‫أكرب عند إنكار خطأ ما‪ :‬هو احلامس غري املنضبط باحلكمة‪.‬‬ ‫‪ -11‬إدراك الطبيعة التي نشأ عنها اخلطأ‪:‬‬ ‫هناك بعــض األخطاء التــي ال يمكن إزالتهــا بالكلية؛‬ ‫ألمر يتعلق بأصل اخللقة‪ ،‬ولكــن يمكن تقليلها‪ ،‬والتخفيف‬ ‫منها؛ ألن التقويم النهائي يؤدي إىل كارثة‪ ،‬كام هو الشــأن يف‬ ‫املــرأة‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إن املرأة خلقت من ضلعٍ‪ ،‬لن تســتقيم لك‬ ‫((( قال تعــاىل‪ ( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫ﯘ) [األنعام‪.]108 :‬‬ ‫‪29‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫اســتمتعت هبا استمتعت هبا‪ ،‬وهبا عوج‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬ ‫عىل طريقة‪ ،‬فإن‬ ‫ذهبت تقيمها كرسهتا‪ ،‬وكرسها طالقها»(((‪.‬‬ ‫ويف رواية ‪« :‬اســتوصوا بالنســاء خري ًا؛ فإهنن خلقن من‬ ‫ضلع‪ ،‬وإن أعــوج يشء يف الضلع أعاله‪ ،‬فــإن ذهبت تقيمه‬ ‫كرسته‪ ،‬وإن تركته مل يزل أعوج‪ ،‬فاستوصوا بالنساء خري ًا»(((‪.‬‬ ‫قال ابن حجر ‪-‬رمحه اهلل‪« :-‬قوله‪« :‬بالنساء خري ًا»؛ كأن فيه‬ ‫رمــز ًا إىل التقويم برفق‪ ،‬بحيــث ال يبالغ فيه فيكرس‪ ،‬وال يرتكه‬ ‫بالت ِ‬ ‫مجة‬ ‫ِ‬ ‫بإتباعه ّ‬ ‫ف‬‫أشــار املؤ ّل ُ‬ ‫فيســتمر عىل عوجه‪ ،‬وإىل هذا‬ ‫َ‬ ‫(باب قوا أنفســكم وأهليكم نارا)‪ ،‬فيؤخذ منه أن‬‫ا ّلتــي بعد ُه ُ‬ ‫ال يرتكها عىل االعوجاج إذا تعدّ ت ما طبعت عليه من النقص‬ ‫إىل تعاطي املعصية بمبارشهتــا‪ ،‬أو ترك الواجب‪ ،‬وإنام املراد أن‬ ‫يرتكها عىل اعوجاجها يف األمور املباحة‪.‬ويف احلديث الندب إىل‬ ‫املداراة الستاملة النفوس‪ ،‬وتألف القلوب‪ ،‬وفيه سياسة النساء‬ ‫بأخذ العفو منهن‪ ،‬والصرب عىل عوجهن‪ ،‬وأن من رام تقويمهن‬ ‫فاته االنتفاع هبن‪ ،‬مع أنه ال غنى لإلنسان عن امرأة يسكن إليها‪،‬‬ ‫ويستعني هبا عىل معاشــه‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬االستمتاع هبا ال يتم إال‬ ‫بالصرب عليها»(((‪.‬‬ ‫رقــم (‪،)1468‬‬ ‫((( رواه البخــاري (‪ ،)4786‬ومســلم عن أيب هريرة‬ ‫واللفظ ملسلم‪.‬‬ ‫((( متفق عليه‪.‬‬ ‫((( الفتح (‪.)254/9‬‬ ‫‪30‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫‪-12‬التفريق بني اخلطأ يف حق الرشع‪ ،‬واخلطأ يف حق‬ ‫الشخص‪:‬‬ ‫فــإذا كان الدين أغــى عندنا من ذواتنا وجــب علينا أن‬ ‫ننترص له‪ ،‬ونحامي عنه‪ ،‬ونغضب له أكثر مما نغضب ألنفسنا‪،‬‬ ‫وننترص هلا‪ ،‬وإن من ضعف احلمية الدينية أن ترى الشــخص‬ ‫يغضب لنفســه إذا س ّبه أحد‪ ،‬وال يغضب لدين اهلل إذا اعتدى‬ ‫عىل جنابه أحد‪ ،‬أو تراه يدافع باستحياء وضعف‪.‬‬ ‫وقد كان النبي ﷺ يسامح من أخطأ عليه كثري ًا‪ ،‬وخصوص ًا‬ ‫جفاة األعراب ؛ تأليف ًا لقلوهبم‪ ،‬فقد جاء يف صحيح البخاري‬ ‫مع‬ ‫َ‬ ‫بــن ٍ‬ ‫أنس ِ‬ ‫‪-‬رمحــه اهلل‪ -‬ع ْن ِ‬ ‫«كنت أميش َ‬ ‫ُ‬ ‫قــال‪:‬‬ ‫مالك‬ ‫ِ‬ ‫احلاشــية‪ ،‬فأدرك ُه‬ ‫ُ‬ ‫غليظ‬ ‫نجراين‬ ‫ِ‬ ‫وعليه بر ٌد‬ ‫ِ‬ ‫رس ول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫صفحة‬ ‫نظرت إىل‬ ‫بردائه جبذ ًة شــديدةً‪ ،‬حتّى‬ ‫ِ‬ ‫يب‪ ،‬فجبذ ُه‬ ‫ُ‬ ‫أعرا ٌّ‬ ‫جبذته‪،‬‬‫ِ‬ ‫الربد م ْن شدّ ِة‬ ‫رت هبا حاشي ُة ِ‬ ‫رسول ِ‬ ‫اهلل ﷺ قدْ أ ّث ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عاتق‬ ‫فالتفت ِ‬ ‫إليه‬ ‫َ‬ ‫عندك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مــال اهللِ ا ّلذي‬ ‫مر يل م ْن‬ ‫ثم َ‬ ‫َ‬ ‫حممدُ ْ‬ ‫قال‪ :‬يا ّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أمر ل ُه بعطاء»(((‪.‬‬ ‫ثم َ‬ ‫ضحك‪َّ ،‬‬‫َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫ثم‬ ‫ُ‬ ‫وأمــا إذا كان اخلطأ عىل الدين‪ ،‬فإنه ﷺ كان يغضب هلل‬ ‫تعاىل‪ ،‬وستأيت أمثلة‪.‬‬ ‫وهناك أمور أخرى حتتاج إىل مراعاة يف باب التعامل مع‬ ‫األخطاء مثل‪:‬‬ ‫((( رواه البخاري (‪ ،)5362‬ومسلم (‪.)5362‬‬ ‫‪31‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫‪ -‬التفريــق بني اخلطــأ الكبري واخلطأ الصغــر‪ ،‬وقد فرقت‬ ‫الرشيعة بني الكبائر والصغائر‪.‬‬ ‫‪ -‬التفريــق بني املخطــئ صاحب الســوابق يف عمل اخلري‪،‬‬ ‫واملايض احلسن ‪-‬الذي يتالشــى خطؤه‪ ،‬أو يكاد يف بحر‬ ‫حســناته‪ -‬وبني العايص املرسف عىل نفسه‪ ،‬وكذلك فإن‬ ‫صاحب السوابق احلسنة حيتمل منه ما ال حيتمل من غريه‪،‬‬ ‫ومما وقع للصدّ يق يف ذلك القصة التالية‪ :‬عن أسامء ِ‬ ‫بنت أيب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حجاج ًا‪ ،‬حتّى إذا كنّا‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ ّ‬ ‫مع‬ ‫قالت‪ :‬خرجنا َ‬‫بكر ْ‬‫ٍ‬ ‫فجلست عائش ُة‬ ‫ْ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪ ،‬ونزلنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بالعرج َ‬ ‫نزل‬ ‫ِ‬ ‫وكانت‬ ‫ْ‬ ‫وجلست إىل ِ‬ ‫جنب أيب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رســول اهللِ ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إىل ِ‬ ‫جنب‬ ‫مع غال ٍم‬ ‫رس ول اهللِ ﷺ واحد ًة َ‬ ‫ِ‬ ‫بكر‪ ،‬وزمال ُة‬ ‫زمال ُة((( أيب ٍ‬ ‫فطلع‪،‬‬ ‫أن يطلــع ِ‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫ينتظر ْ‬ ‫فجلــس أبو ٍ‬ ‫بكر‬ ‫أليب ٍ‬ ‫بكر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬أضللت ُه البارح َة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بعريك‪َ ،‬‬ ‫قال‪ :‬أي َن‬ ‫وليس مع ُه بعري ُه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فطفق يرضب ُه‪،‬‬ ‫بعري واحدٌ تض ّل ُه‪َ ،‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫فقال أبو ٍ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بكر‪ٌ :‬‬ ‫ويقول‪« :‬انظروا إىل هذا املحر ِم ما‬ ‫ُ‬ ‫ورسول اهللِ ﷺ ّ‬ ‫يتبس ُم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪« :‬انظروا إىل‬ ‫أن َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ عىل ْ‬ ‫ُ‬ ‫يصنع»‪ ،‬فام يزيدُ‬‫ُ‬ ‫ويتبس ُم»(((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يصنع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هذا املحر ِم ما‬ ‫‪ -‬التفريــق بني من وقع منه اخلطأ مــرار ًا‪ ،‬وبني من وقع فيه‬ ‫ألول مرة‪.‬‬ ‫((( دابة السفر‪.‬‬ ‫((( رواه أبو داود (‪ ،)1818‬وحســنه األلباين يف صحيح ســنن أيب داود رقم‬ ‫(‪.)1602‬‬ ‫‪32‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫‪ -‬التفريق بني من يتواىل منه حدوث اخلطأ‪ ،‬وبني من يقع فيه‬ ‫عىل فرتات متباعدة‪.‬‬ ‫‪ -‬التفريق بني املجاهر باخلطأ‪ ،‬واملسترت به‪.‬‬ ‫‪ -‬مراعاة من دينه رقيق‪ ،‬وحيتــاج إىل تأليف قلب فال يغلظ‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫‪ -‬اعتبار حال املخطئ من جهة املكانة والسلطان‪.‬‬ ‫وهذه االعتبارات التي مىض ذكرها ال تتعارض مع العدل‬ ‫املشار إليه آنف ًا‪.‬‬ ‫‪ -13‬اإلنكار عىل املخطئ الصغري بام يتناسب مع سنه‪:‬‬ ‫أن احلسن بن‬ ‫روى البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن أيب هريرة‬ ‫عيل أخذ مترة من متر الصدقــة‪ ،‬فجعلها يف فيه‪ ،‬فقال النبي ﷺ‬ ‫كخ‪ ،‬أما تعرف أنّا ال نأكل الصدقة»(((‪.‬‬ ‫«كخ ْ‬ ‫بالفارسية‪ْ :‬‬ ‫وروى الطرباين ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن زينب بنت أيب سلمة‪ ،‬أهنا‬ ‫دخلت عىل رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو يغتسل‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذ حفنة‬ ‫من ماء‪ ،‬فرضب هبا وجهي‪ ،‬وقال‪« :‬وراءك أي لكاع»(((‪.‬‬ ‫وهبذا يتبــن أن صغر الصغري ال يمنع من تصويب خطئه‪،‬‬ ‫بل ذلك من إحسان تربيته‪ ،‬وهذا مما ينطبع يف ذاكرته‪ ،‬ويكون‬ ‫((( البخاري (‪ ،)1396‬ومسلم (‪.)1778‬‬ ‫((( املعجــم الكبــر (‪ ،)281/24‬وقال اهليثمي‪ :‬إســناده حســن‪ :‬املجمع‬ ‫(‪.)269/1‬‬ ‫‪33‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ذخرية ملســتقبله‪ ،‬فاحلديث األول فيه تعليــم الطفل الورع‪،‬‬ ‫والثاين فيه تعليمه األدب يف االســتئذان‪ ،‬وعدم االطالع عىل‬ ‫العورات‪.‬‬ ‫ومن الشــواهد الرائعة يف هذا أيضــ ًا قصة الغالم الصغري‬ ‫عمر بن أيب سلمة‪ ،‬فقد روى البخاري عنه قال‪ :‬كنت غالم ًا يف‬ ‫حفة‪ ،‬فقال‬‫حجر رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وكانت يدي تطيش يف الص ِ‬ ‫ّ‬ ‫يل رســول اهلل ﷺ‪« :‬يا غالم ســم اهلل‪ ،‬وكل بيمينك‪ ،‬وكل مما‬ ‫يليك»‪ ،‬فام زالت تلك طعمتي بعد(((‪.‬‬ ‫نلحظ يف هذه القصة أن توجيهات النبي ﷺ لذلك الغالم‬ ‫الــذي أخطأ يف جتوال يده يف الطعــام كانت قصرية وخمترصة‬ ‫وواضحة؛ يسهل حفظها وفهمها‪ ،‬ولقد أثرت يف نفس الغالم‬ ‫طيلة عمره‪ ،‬فقال‪ :‬فام زالت تلك طعمتي بعد‪.‬‬ ‫‪ -14‬احلذر عند اإلنكار عىل النساء األجنبيات‪:‬‬ ‫حتى ال يفهم اإلنكار فه ًام خاطئــ ًا‪ ،‬وحتى تؤمن الفتنة‪،‬‬ ‫فال يتســاهل يف كالم الشــاب مع الفتاة الشــابة بحجة بيان‬ ‫جر هذا مــن مصائب‪،‬‬ ‫اخلطأ أو اإلنــكار والتعليــم‪ ،‬وكم ّ‬ ‫وينبغي أن يتاح يف هذا املجال دور كبري ألهل احلســبة‪ ،‬ومن‬ ‫يقوم معهم باإلنكار من كبار الســن‪ ،‬وعىل اآلمر الناهي أن‬ ‫يعمــل بام غلب عىل ظنه يف جــدوى اإلنكار؛ فإن غلب عىل‬ ‫((( رواه البخاري (‪ ،)4957‬ومسلم (‪.)3767‬‬ ‫‪34‬‬ ‫األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس‬ ‫ظنــه النفع تكلم‪ ،‬وإال أحجم عن الكالم مع ســفيهات ربام‬ ‫رمينه ببهتان‪ ،‬وه َّن مرصات عىل الباطل‪.‬‬ ‫ويبقى حال املجتمع‪ ،‬ومكانة اآلمر الناهي هلا دور أسايس‬ ‫يف نجاح عملية اإلنــكار أو التبليغ‪ ،‬وإقامة احلجة‪ ،‬وفيام ييل‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser