أساليب التعامل مع أخطاء الناس - PDF
Document Details
Uploaded by InstructiveCosecant
Tags
Summary
هذا النص يقدم أساليبًا نبوية للتعامل مع أخطاء الناس، مع مراعاة عدة معايير مثل الإخلاص لله، وتقييم طبيعة الخطأ، واختيار طريقة التعامل المناسبة مع كل حالة.
Full Transcript
األساليب النبوية يف التعامل مع أخطـاء النّاس مدار الوطن للنرش تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء11................. -1اإلخالص هلل11......................................... : -2اخلطأ من طبيعة البرش13................................. : -3أن تكــون ا...
األساليب النبوية يف التعامل مع أخطـاء النّاس مدار الوطن للنرش تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء11................. -1اإلخالص هلل11......................................... : -2اخلطأ من طبيعة البرش13................................. : -3أن تكــون التخطئــة مبنية عىل الدليــل الرشعي ،مقرتنة بالبينة ،وليست صادرة عن جهل ،أو أمر مزاجي14......... -4كلام كان اخلطأ أعظم كان االعتناء بتصويبه آكد 15......... -5اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصويب اخلطأ 17....... -6التفريق بني املخطئ اجلاهل ،واملخطئ عن علم 21.......... -7التفريق بني اخلطــأ الناتج عن اجتهاد صاحبــه ،وبني خطأ العمد ،والغفلة ،والتقصري23............................. -8إرادة املخطئ للخري ال متنع من اإلنكار عليه25............ : -9العدل وعدم املحاباة يف التنبيه عىل األخطاء26............. : -10احلذر من إصالح خطأ يؤدي إىل خطأ أكرب28........... : -11إدراك الطبيعة التي نشأ عنها اخلطأ29....................: -12التفريق بني اخلطأ يف حق الرشع ،واخلطأ يف حق الشخص 31.. -13اإلنكار عىل املخطئ الصغري بام يتناسب مع سنه33.......: -14احلذر عند اإلنكار عىل النساء األجنبيات34............. : -15عدم االنشغال بتصحيح آثار اخلطأ ،وترك معاجلة أصل اخلطأ وسببه35.......................................... -16عدم تضخيم اخلطأ ،واملبالغة يف تصويره36............... -17تــرك التكلف واالعتســاف يف إثبــات اخلطأ ،وجتنب اإلرصار عىل انتزاع االعرتاف من املخطئ بخطئه36.......... -18إعطاء الوقت الكايف لتصويب اخلطأ36................... -19جتنــب إشــعار املخطــئ بأنه خصــم ،ومراعــاة أن كسب األشخاص أهم من كسب املواقف36.............. األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس37................ -1املسارعة إىل تصحيح اخلطأ ،وعدم إمهاله 37............... -2معاجلة اخلطأ ببيان احلكم 37............................... -3رد املخطئني إىل الرشع ،وتذكريهم باملبدأ الذي خالفوه 38.. -4تصحيح التصور الذي حصل اخلطأ نتيجة الختالله 38..... -5معاجلة اخلطأ باملوعظة ،وتكرار التخويف 42............... -6إظهار الرمحة باملخطئ 44.................................. -7عدم الترسع يف التخطئة 46................................ -8اهلدوء يف التعامل مع املخطئ 48........................... -9بيان خطورة اخلطأ 52..................................... -10بيان مرضة اخلطأ 53..................................... -11تعليم املخطئ عملي ًا 57.................................. -12تقديم البديل الصحيح58................................ -13اإلرشاد إىل ما يمنع من وقوع اخلطأ 61................... -14عــدم مواجهــة بعض املخطئــن باخلطــأ ،واالكتفاء بالبيان العام 63......................................... -15إثارة العامة عىل املخطئ 66.............................. األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس -16جتنب إعانة الشيطان عىل املخطئ 66...................... -17طلب الكف عن الفعل اخلطأ 68......................... -18إرشاد املخطئ إىل تصويب خطئه69...................... -19إنكار موضع اخلطأ ،وقبول الباقي 72..................... -20إعادة احلق إىل صاحبه ،وحفظ مكانة املخطئ 74.......... -21توجيه الكالم إىل طريف النزاع يف اخلطأ املشرتك 79......... -22مطالبة املخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه 79................ -23تذكري املخطئ بفضل من أخطأ عليه؛ ليندم ،ويعتذر 80... -24التدخل لتسكني الثائرة ،ونزع فتيل الفتنة بني املخطئني 82. -25إظهار الغضب من اخلطأ 83............................. -26التويل عن املخطئ ،وترك جداله لعله يراجع الصواب89. : -27عتاب املخطئ 90....................................... -28لوم املخطئ 91.......................................... -29اإلعراض عن املخطئ 93................................ -30هجر املخطئ 95........................................ -31الدعاء عىل املخطئ املعاند 97............................ -32اإلعــراض عن بعض اخلطأ اكتفاء بام جرت اإلشــارة تكرم ًا مع املخطئ 98............................ إليه منه؛ ّ -33إعانة املسلم عىل تدارك خطئه ،وتصويبه 99.............. -34مالقاة املخطئ وجمالسته؛ ألجل مناقشته 100............. -35مصارحة املخطئ بحاله وخطئه 103.................... -36إقناع املخطئ 105...................................... -37إفهام املخطئ بأن عذره الزائف غري مقبول 106.......... -38مراعاة ما هو مركوز يف الطبيعة واجلبلة البرشية 108...... 4 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس احلمــد هلل رب العاملني ،الرمحن الرحيــم ،مالك يوم الدين، إله األولني واآلخرين ،وقيوم الســموات واألرضني ،والصالة والســام عىل نبيه األمني ،معلم اخللق ،املبعوث رمحة للعاملني، وبعد: فإن تعليم الناس من القربات العظيمة ،التي يتعدّ ى نفعها، ويعم خريها ،وهي حظ الدعــاة واملر ّبني من مرياث األنبياء واملرســلني ،و«إن اهلل ومالئكته وأهل السموات واألرضني، حتى النملــة يف جحرها ،وحتى احلــوت ليصلون عىل معلم الناس اخلري»(((. والتعليم طرائق وأنواع ،وله وسائل وسبل؛ منها تصحيح األخطاء ،فالتصحيح من التعليم ،ومها صنوان ال يفرتقان. ((( رواه الرتمــذي ( ،)2685وقال أبو عيســى :هذا حديث حســن غريب صحيح ،وصححه األلباين يف صحيح اجلامع (.)4213 5 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ومعاجلــة األخطاء وتصحيحها مــن النصيحة يف الدين، الواجبة عــى مجيع املســلمني ،وصلة ذلــك بفريضة األمر باملعروف والنهي عن املنكر قوية ،وواضحة(((. وتصحيح األخطاء كذلــك من الوحي الرباين ،واملنهج القرآين؛ فقد كان القرآن ينزل باألوامر والنواهي ،واإلقرار واإلنكار ،وتصحيح األخطاء ،حتى مما وقع من النبي ﷺ، فنزلت معاتبــات وتنبيهات ،كام يف قوله تعاىل ) :ﭑ ﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨ ﭩ ﭪﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ( [عبس.]10-1 : وقولــه) :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ( [األحزاب.]37 : وقولــه) :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ( [األنفال.]67 : وقولــه) :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ( [آل عمران.]128 : ((( مع مالحظة أن دائرة اخلطأ أوسع من دائرة املنكر؛ فاخلطأ قد يكون منكر ًا وقد ال يكون. 6 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس وكان القــرآن يتنزل ببيان خطأ أفعــال بعض الصحابة يف خطأ عدد من املواقف ،فعندما أخطأ حاطب بن أيب بلتعة عظي ًام يف مراســلة كفار قريش مبين ًا هلم وجهة النبي ﷺ إليهم يف الغزو ،نــزل قوله تعاىل ) :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ( [املمتحنة.]1 : ويف شــأن خطأ الرماة يف غزوة أحد ،ملــا تركوا مواقعهم التــي أمرهم النبي ﷺ بلزومها ،نزل قوله تعاىل) :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ( [آل عمران.]152 : وملا اعتزل النبي ﷺ زوجاته تأديب ًا ،وأشــاع بعض الناس أنه ط ّلق نساءه ،نزل قوله تعاىل) :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ( [النساء.]83 : وملا ترك بعض املســلمني اهلجرة من مكــة إىل املدينة لغري عذر رشعي أنزل اهلل) :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ( [النساء.]97 : 7 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس وملا انساق بعض الصحابة وراء إشاعات املنافقني يف اهتام بام هي منه بريئة أنزل اهلل آيات يف هذا أم املؤمنني عائشــة اإلفك وفيهــا) :ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡ ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬﮭ ﮮ( [النور.]15-14 : ثم قــال) :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝﯞ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ( [النور.]17-16 : وملا تنــازع بعض الصحابة بحرضة النبــي ﷺ ،وارتفعت أصواهتم نزل قوله تعاىل) :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ( [احلجرات.]2-1 : وملا جاءت قافلة وقت خطبة اجلمعة ،وترك بعض الناس اخلطبــة ،وانفضوا إىل التجارة نــزل قوله تعاىل) :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ( [اجلمعة.]11 : إىل غري ذلك من األمثلة الدالة عىل أمهية تصحيح األخطاء، وعدم السكوت عنها. 8 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس وقد ســار النبي ﷺ عىل نور من ربه ســالك ًا ســبيل إنكار ٍ متوان يف ذلك ،ومن هذا وغريه املنكر ،وتصحيح اخلطأ ،غــر استنبط العلامء -رمحهم اهلل -قاعدة « :ال جيوز يف حق النبي ﷺ تأخري البيان عن وقت احلاجة». هــذا ،وإدراك املنهج النبــوي يف التعامل مع أخطاء البرش الذين القاهــم النبي ﷺ من األمهية بمــكان؛ ألنه ﷺ مؤ ّيد من ربه ،وأفعالــه وأقواله رافقها الوحي؛ إقرار ًا ،وتصحيح ًا؛ فأســاليبه عليه الصالة والســام أحكم وأنجع ،واستعامهلا املرب هلذه األساليب والطرائق أدعى الستجابة الناس ،واتباع ّ جيعل أمره ســديد ًا ،وسلوكه يف الرتبية مســتقي ًام ،ثم إن اتباع املنهج النبوي وأساليبه فيه االقتداء بالنبي ﷺ الذي هو أسوة حسنة لنا ،وما يرتتب عىل ذلك من حصول األجر العظيم إذا خلصت النية. ومعرفة األســاليب النبوية تبني فشــل أســاليب املناهج األرضية -التي تزخر هبا اآلفاق -وتقطع الطريق عىل اتّباعها، فإن كثري ًا منها واضح االنحراف ،وقائم عىل نظريات فاســدة كاحلرية املطلقة ،أو مســتمد من موروثــات باطلة ،كالتقليد األعمى لآلباء واألجداد. والبد من اإلشارة إىل أن التطبيق العلمي هلذا املنهج النبوي يف الواقــع يعتمد عىل االجتهاد بدرجة كبــرة ،وذلك يف انتقاء 9 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس األسلوب األمثل يف الظرف واحلدث واحلاصل ،ومن كان فقيه النفس استطاع مالحظة احلاالت املتشاهبة ،واألحوال املتقاربة، فينتقي من هذه األساليب النبوية ما يالئم ويوائم. وهذا الكتــاب حماولة الســتقراء األســاليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس عىل اختالف مراتبهم ومشــارهبم، ممن عايشهم ﷺ وواجههم. أســأل اهلل ســبحانه وتعاىل أن يكتب له التوفيق ،وإصابة ويل ذلك والقادر الصواب ،والنفع يل وإلخواين املســلمني ،إنه ّ عليه ،وهو اهلادي إىل سواء السبيل. 10 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس تنبيهات ينبغي مراعاهتا عند معاجلة األخطاء قبــل الدخول يف صلب هــذا البحث حيســن التنبيه عىل بعض االعتبارات التي ينبغي أن تراعى؛ قبل وعند الرشوع يف تصويب ومعاجلة أخطاء اآلخرين. -1اإلخالص هلل: جيب أن يكون القصد عند القيام بتصحيح األخطاء إرادة وجه اهلل تعاىل ،وليس التعايل ،وال التشــفي ،وال السعي لنيل استحسان املخلوقني. روى الرتمــذي -رمحه اهلل -من حديث عقب َة ب َن مســل ٍم؛ برجل قدٍْ دخل املدين َة ،فإذا َ هو األصبحي حدّ ث ُه أ ّن ُه َ َّ أن شــف ّي ًاَّ فدنوت فقال :م ْن هذا؟ فقالوا :أبو هرير َة ، ّاس َ ِ ُ اجتمع عليه الن ُ َ ســكت، فلم وهو حيدّ ُ ِ َ ّاس ّ ث الن َ بــن يديهَ ، َ قعدت ُ من ُه حتّى وبحق ملا حدّ ثتني حديث ًا سمعت ُه ٍّ بحق، أنشدك ٍّ َ قلت ل ُه: وخال ُ أفعل، فقــال أبو هريرةَُ :َ رس ول اهللِ ﷺ عقلت ُه ،وعلمت ُه، ِ م ْن رس ول اهللِ ﷺ عقلت ُه ،وعلمت ُه، ُ ّ ك حديث ًا حدّ ِ ثنيه ألحدّ ثن َ فقال: أفــاق َ َ ثم َ فمكــث قليالًَّ ، نشــغ أبو هرير َة نشــغ ًة، َ ثم َّ 11 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ِ البيت ما معنا رس ول اهللِ ﷺ يف هذا ُ ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ ثنيه أفاقثم َ نشــغ أبو هرير َة نشغ ًة أخرىَّ ، َ ثم أحدٌ غريي وغري ُهَّ ، رســول اهللِ ُ فقــال :ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ ثنيه َ فمســح وجه ُه، َ ثم ِ وهو يف هذا البيت ،ما معنــا أحدٌ غريي وغري ُهَّ ، ﷺ ،وأنــا َ فقال: ومسح وجه ُهَ ، َ أفاق،ثم َ نشغ أبو هرير َة نشــغ ًة أخرىَّ ، َ اهلل ﷺ ،وأنا مع ُه يف رســول ِ ُ أفعــل ألحدّ ثن َّك حديث ًا حدّ ِ ثنيه ُ نشغ أبو هرير َة نشغ ًة ثم َ ِ هذا البيت ما مع ُه أحدٌ غريي وغري ُهَّ ، ثم َ ِ ثم َ أفاق عيل طويالًَّ ، خار ًا عىل وجهه ،فأسندت ُه َّ مال ّ شديدةًَّ ، كان يو ُم تبارك وتعاىل إذا َ َ «أن اهللَرسول اهللِ ﷺَّ : ُ فقال :حدّ ثني َ فأو ُل العباد؛ ليقيض بينه مٍ ُّ ، ِ ِ القيامة ُ وكل ّأمة جاثي ٌةّ ، ْ َ ينزل إىل ســبيل اهللِ، ِ ورجل ُ يقتتل يف ٌ القرآن، َ مجــع َ من يدعو ِبه ٌ رجل ْ أنزلت عىل للقارئ أمل ْ أع ّلمك ما ِ ُ فيقول اهللُ ِ كثري املال، ٌ ُ ورجل ُ قال: مت؟ َ عملت فيام ع ّل َ َ قال :فامذا ربَ ، قال :بىل يا ِّ رسويل؟ َ كذبت، ُ فيقول اهللُ ل ُه: وآنــاء الن ِ ّهار، يل، آناء ال ّل ِ ِ َ َ كنت أقو ُم به َ ُ إنيقالَّ :أن َ أردت ْ َ بل ُ ويقول اهللُْ : كذبت، َ ُ وتقول ل ُه املالئك ُة: ُ فيقول اهللُ بصاحب ِ املال، ِ ذاك ،ويؤتــى قيل َ فالن ًا قارئٌ ،فقدْ َ قال :بىل ياأحد؟ َ أدعك حتتاج إىل ٍ َ َ ُ عليك حتّى مل ْ ــع أوس ْل ُه :أمل ْ ّ حم الر َ أصل ّ كنت ُ قــالُ : آتيتك؟ َ َ عملت فيام َ ربَ ، قال :فامذا ِّ كذبت، َ ُ وتقول ل ُه املالئك ُة: كذبت، َ ُ فيقول اهللُ لــ ُه: وأتصدّ ُق، قيل َ ذاك، فالن جوا ٌد ،فقدْ َ يقالٌ :أن َ أردت ْ َ بل ُ ويقول اهللُ تعاىل ْ قتلت؟ ُ فيقول اهللُ ل ُه :يف ماذا َ ســبيل اهللِ، ِ ويؤتى با ّلذي َ قتل يف 12 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ُ فيقول قتلت، فقاتلت ،حتّى ُ ُ َ سبيلك، ِ باجلهاد يف أمرت ُ ُ فيقول: هــون مــو الزم نضيــف قــوس ُ ويقول اهللُ: كذبت، َ ُ وتقول لــ ُه املالئك ُة: كذبت، َ اهللُ تعاىل ل ُه: بعــد كلمــة قيل َ جريء ،فقــدْ َ أن َ ْ فقد قال ذاك رضبَ ذاك»َّ ، ثم ٌ فالن يقالٌ : أردت ْ َ بــل انــه انتهــى أولئك ال ّثالث ُة َ رس ول اهللِ ﷺ عىل ركبتيَ ، فقال« :يا أبا هرير َة ُ حديــث النبــي ِ ّأو ُل ِ القيامة»((( ،وإذا صدقت النية خلق اهللِ تس ّع ُر ْ هبم الن ُّار يو َم من الناصح حصل األجر ،والتأثري والقبول بإذن اهلل. -2اخلطأ من طبيعة البرش: ابون»(((، وخري اخل ّط َ ائني الت ّّو َ ُ اء، «كل ِ ابن آد َم خ ّط ٌ لقوله ﷺُّ : ووضــوح هــذه احلقيقة ،واســتحضارها يضــع األمور يف إطارهــا الصحيح ،فال يفرتض املــريب املثالية ،أو العصمة يف األشــخاص ،ثم حياسبهم بناء عليها ،أو حيكم عليهم بالفشل إذا كــر اخلطأ أو تكرر ،بل يعاملهــم معاملة واقعية ،صادرة عن معرفة بطبيعة النفس البرشيــة ،املتأثرة بعوارض اجلهل، والغفلة ،والنقص ،واهلوى ،والنسيان. وهــذه احلقيقة أيض ًا تفيــد يف منع فقدان التــوازن نتيجة املباغتة بحصول اخلطأ ،مما يــؤدي إىل ر ّدات فعل غري محيدة، واملرب، ّ وإدراك هــذه احلقيقــة فيه كذلــك تذكري للداعيــة ((( ســنن الرتمذي رقم ( )2382ط.شــاكر ،وقال أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب ،وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي (.)2382 ((( ســنن الرتمذي ( ،)2499وابن ماجة (- )4251واللفظ له -وحســنه األلباين يف صحيح الرتمذي (.)2499 13 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس اآلمر باملعروف ،الناهي عن املنكر ،بأنه برش من البرش يمكن أن يقع فيام وقع فيه املخطئ؛ فيعامله من شــق الرمحة أكثر مما يعامله من شق القســوة؛ ألن املقصود أص ً ال هو االستصالح ال املعاقبة. ولكن كل ما سبق ال يعني أن نرتك املخطئني يف حاهلم ،ونعتذر عن العصاة وأرباب الكبائر بأهنم برش ،أو أهنم مراهقون ،أو أن عرصهم ميلء بالفتن واملغريات ،وغري ذلك من التربيرات ،بل ينبغي اإلنكار واملحاسبة ،ولكن بميزان الرشع. -3أن تكون التخطئة مبنية عىل الدليل الرشعي ،مقرتنة بالبينة ،وليست صادرة عن جهل ،أو أمر مزاجي: عن حممد بن املنكدر قال« :صىل جابر يف إزار قد عقده من قبل قفاه((( ،وثيابه موضوعة عىل الـــمشجب ،فقال له قائل: تصــي يف إزار واحــد؟ فقال :إنام صنعت ذلــك لرياين أمحق مثلك ،وأ ّينا كان له ثوبان عىل عهد النبي ﷺ»(((. قــال ابن حجر -رمحــه اهلل : -املراد بقولــه أمحق هنا أي جاهل...والغرض بيان جواز الصالة يف الثوب الواحد ،ولو كانت الصالة يف الثوبني أفضل ،فكأنه قال :صنعته عمد ًا لبيان عيل فأع ّلمه أن اجلواز ،إمــا ليقتدي يب اجلاهل ابتداء ،أو ينكر ّ ((( وسبب ذلك أهنم مل يكن هلم رساويالت ،فكان أحدهم يعقد إزاره يف قفاه ليكون مستور ًا إذا ركع وإذا سجد :فتح الباري ط.السلفية (.)467/1 ((( رواه البخاري (.)352 14 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ذلك جائز ،وإنام أغلظ هلم يف اخلطاب زجر ًا عن اإلنكار عىل العلامء ،وليحثهم عىل البحث يف األمور الرشعية(((. -4كلام كان اخلطأ أعظم كان االعتناء بتصويبه آكد: فالعناية بتصويب األخطاء املتعلقة باملعتقد ينبغي أن تكون أعظم من تلك املتعلقة باآلداب مثــاً ،وهكذا ،وقد اهتم ﷺ غاية االهتامم بتتبع وتصحيح األخطاء املتعلقة بالرشك بجميع أنواعه؛ ألنه أخطر ما يكون ،وفيام ييل أمثلة: عن املغرية بن شعبة قال :انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس انكســفت ملــوت إبراهيم ،فقال رســول اهلل ﷺ: «إن الشــمس والقمر آيتان من آيات اهلل ال ينكسفان ملوت أحد وال حلياته ،فإذا رأيتمومها فادعوا اهلل ،وص ّلوا حتى ينجيل»(((. وعن أيب واقد الليثي أن رســول اهلل ﷺ ملا خرج إىل حنني ٍ أنــواط يع ّلقون عليها مر بشــجرة للمرشكني يقال هلا :ذات أسلحتهم ،فقالوا :يا رسول اهلل :اجعل لنا ذات أنواط كام هلم ذات أنواط ،فقال النبي ﷺ« :ســبحان اهلل! هذا كام قال قوم لرتكبن َّ موســى :اجعل لنا إهل ًا كام هلم آهلة ،والذي نفيس بيده سنّ َة من كان قبلكم»(((. ((( الفتح (.)467/1 ((( رواه البخاري ( ،)1061ومسلم (.)1508 ((( رواه الرتمــذي ( ،)2180وقال :هذا حديث حســن صحيح ،وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي (.)2180 15 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ويف روايــة عن أيب واقد أيض ًا :أهنــم خرجوا عن مكة مع َ يعكفون رســول اهلل ﷺ إىل حنني قال :وكان للكفار ســدر ٌة عندها ،ويع ّل َ قون هبا أســلحتهم ،يقال هلا :ذات أنواط ،قال: فمررنا بسدرة خرضاء عظيمة ،قال :فقلنا :يا رسول اهلل اجعل لنــا ذات أنواط ،فقال رســول اهلل ﷺ« :قلتم -والذي نفيس بيده -كام قال قوم موســى )ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ سنن لرتكبن َ َّ ــنن، الس ٌﭧ ﭨ ﭩ ( [األعراف ،]138 :إهنا ّ من كان قبلكم سنّة سنّة»(((. وعن زيد بن خالد اجلهني ،أنه قال« :صىل لنا رســول اهلل ﷺ صالة الصبح باحلديبية عىل ِ إثر ســاء كانت مــن الليلة ،فلام َ تدرون ماذا قال ربكم؟ انرصف أقبل عــى الناس ،فقال :هل قالوا :اهلل ورســوله أعلم ،قــال« :أصبح من عبادي مؤمن يب وكافر ،فأما من قال :مطرنــا بفضل اهلل ورمحته ،فذلك مؤمن يب ،وكافر بالكوكب ،وأما من قــالِ : بنوء كذا ،وكذا ،فذلك كافر يب ،ومؤمن بالكوكب»(((. وعن ابن عباس أن رج ً ال قال :يا رســول اهلل ما شــاء اهلل وشئت ،فقال« :جعلتني هلل عدالً؟ بل ما شاء اهلل وحده»(((. ((( رواه أمحد ( ،)218/5وصححه األلباين يف ظالل اجلنة (.)76 ((( رواه البخاري ( ،)846ومسلم (.)104 ((( رواه أمحد ( ،)283/1وصححه األلباين يف صحيح األدب املفرد (،)605 وشئت. َ وبوب البخاري يف صحيحه :باب ال ُ يقول ما شا َء اهللُ 16 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس أنه أدرك عمر بن اخلطاب يف ركب وهو وعن ابن عمر حيلف بأبيه ،فناداهم رسول اهلل ﷺ« :أال إن اهلل ينهاكم أن حتلفوا فليصمت»(((. ْ بآبائكم ،فمن كان حالف ًا ،فليحلف باهلل ،وإال وعن أيب رشيح هاينء بن يزيد ،قال :وفد عىل النبي ﷺ قوم يســمون رج ً ال عبد احلجر ،فقال له« :ما اسمك؟»، ّ فسمعهم قال :عبد احلجر ،فقال له رسول اهلل ﷺ« :ال ،أنت عبد اهلل»(((. -5اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصويب اخلطأ: فبعض الناس يتقبل منهم ما ال يتقبل من غريهم؛ ألن هلم مكانة ليســت لغريهم ،أو ألن هلم سلطة عىل املخطئ ليست لغريهــم ،ومن أمثلة هذا األب مع ابنه ،واملدرس مع تلميذه، واملحتســب مع من ينكر عليه ،فليــس الكبري كالصغري ،وال القريــب كالغريب ،وليس صاحب الســلطان كمن ليس له ســلطة ،واإلدراك هلذه الفروق يؤدي بالـــمصلح إىل وضع األمــور يف نصاهبا ،وتقديــر األمور حق قدرهــا ،فال يؤدي ((( رواه البخاري ( ،)6108ومسلم (.)3105 فائــدة :روى اإلمام أمحــد يف مســنده ( :)5222حدثنا وكيــع ،حدثنا ٍ حلقة ،ســمع األعمش ،عن ســعد بن عبيدة ،قال :كنت مع ابن عمر يف رج ً ال يف حلقة أخرى ،وهو يقول :ال وأيب ،فرماه ابن عمر باحلىص ،وقال: ٌ إهنا كانت يمني عمر ،فنهاه النبي ﷺ عنها ،وقال« :إهنا رشك». ((( رواه البخاري يف األدب املفــرد ( ،)813وقال األلباين يف صحيح األدب املفرد :صحيح. 17 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس إنــكاره أو تصحيحه إىل منكر أكــر ،أو خطأ أعظم ،ومكانة املنكر وهيبتــه يف نفس املخطئ مهمة يف تقدير درجة اإلنكار، وضبط معيار الشدة واللني ،ومن هذا نستفيد أمرين: األول :أن عىل من آتاه اهلل مكانة أو سلطان ًا أن ّ يسخر ذلك يف األمــر باملعروف ،والنهي عن املنكــر ،وتعليم اخللق ،وأن يدرك أن مســؤوليته عظيمة؛ ألن النــاس يتقبلون منه أكثر مما يتقبلون من غريه -غالب ًا -ويتمكن مما ال يتمكن منه اآلخرون. ثاني ًا :أن عىل اآلمر الناهي أن ال ييسء التقدير؛ فيضع نفسه ٍ شــخصية ال يف موضع أعىل مما هو عليه ،ويترصف بصفات يملكها؛ ألن ذلك يؤدي إىل النفور والصدّ . وقد كان النبي ﷺ يستفيد مما أعطاه اهلل من املكانة واملهابة بني اخللق يف إنكاره وتعليمه ،وربام أتى بيشء لو فعله غريه ما وقع املوقع املناسب ،وفيام ييل مثال عىل ذلك: يعيش بن طهف َة الغفاري ،عن أبيه ،قال :ضفت رسول عن َ اهلل ﷺ فيمن تضيفه من املساكني ،فخرج رسول اهلل ﷺ يف الليل يتعاهد ضيفه ،فــرآين منبطح ًا عىل بطنــي ،فركضني برجله، وقال« :ال تضطجع هــذه الضجعة؛ فإهنا ضجعة يبغضها اهلل عزوجــل» ،ويف رواية :فركضه برجلــه فأيقظه ،فقال« :هذه ضجع ُة أهل النار»(((. ((( رواه أمحــد :الفتح الربــاين ( ،)245-244/14وصححــه األلباين يف صحيح اجلامع (.)4035 18 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس وإذا كان إنــكاره ﷺ هبذه الطريقة مناســب ًا حلاله ومكانته، فإنه ليس بمناسب آلحاد الناس ،وال يصلح ألي شخص يريد أن ينكر عىل آخر نومه عــى بطنه أن يركضه برجله ،وهو نائم، فيوقظه ،ثم يتوقع أن يقبل منه ،ويشكره(((. ((( وقريب من هــذا :رضب املخطئ ،أو رميه بــيء؛ كاحلىص ونحوه ،وقد فعل ذلك بعض الســلف ،وكل ذلك يعود إىل مكانة املنكر ،وفيام ييل بعض القصص :روى الدارمي -رمحه اهلل -عن ســليامن بن يسار «أن رج ً ال يقال ِ متشابه القرآن ،فأرسل إليه عمر ،وقد له :صبيغٌ قدم املدينة ،فجعل يسأل عن أعد له عراجنيَ النخل ،فقال :من أنت؟ قال :أنا عبد اهلل صبيغ ،فأخذ عمر عرجون ًا من تلك العراجنيَ فرضبه ،وقال :أنا عبد اهلل عمر ،فجعل له رضب ًا دمي رأسه ،فقال :يا أمري املؤمنني حسبك قد ذهب الذي كنت أجد يف حتى َ رأيس».سنن الدارمي ت :عبد اهلل هاشم يامين ( 51/1رقم .)146 وروى البخــاري ( )5632عن ابن أيب ليىل قــال« :كان حذيفة باملداين، ٌ دهقان بقدح فضة ،فرماه به ،فقــال :إين مل أرمه إال أين فاستســقى ،فأتاه هنيته ،فلــم ينته ،وإن النبي ﷺ هنانا عن احلرير والديباج ،والرشب يف آنية الذهب والفضة ،وقال« :هن هلم يف الدنيا ،وهي لكم يف اآلخرة». ويف رواية أمحــد للقصة عن عبد الرمحن بن أيب ليــى ،قال« :خرجت مع واد ،فاستسقى ،فأتاه دهقان بإناء من فضة ،قال: حذيفة إىل بعض هذا الس ِ ّ فرماه به يف وجهه ،قال :قلنا :اسكتوا ،اســكتوا ،وإنا إن سألناه مل حيدثنا، قال :فسكتنا ،قال :فلام كان بعد ذلك ،قال :أتدرون مل رميت به يف وجهه؟ قال :قلنا ال ،قال :إين كنت هنيته ،قال :فذكر النبي ﷺ قال« :ال ترشبوا يف آنية الذهب ،وال تلبســوا احلرير وال الديباج؛ فإهنام هلم يف الدنيا ،ولكم يف اآلخرة» املسند (.)396/5 ً وروى البخاري معلقا ( )151/3أن سريين سأل أنسا املكاتبة ،وكان كثري املال ،فأبى ،فانطلق إىل عمر ،فقال :كاتبه ،فأبى ،فرضبه بالدرة ،ويتلو = عمر «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خري ًا» ،فكاتبه.)184/5(. 19 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ونالحــظ أيضــ ًا أن إنكار النبي ﷺ عــى بعض خواص =أصحابه كان أحيان ًا أشد منه عىل أعرايب مثالً ،أو غريب ،وكل هذا من احلكمة ،وتقدير احلال يف اإلنكار. وروى النســائي عن أيب ســعيد اخلدري أنه كان يصيل ،فإذا بابن ملروان يمر بني يديه ،فدرأ ُه ،فلــم يرجع ،فرضبه ،فخرج الغالم يبكي ،حتى أتى مــروان ،فأخربه ،فقال مروان أليب ســعيد :مل رضبت ابــن أخيك؟ قال: ما رضبته إنام رضبت الشــيطان ،سمعت رســول اهلل ﷺ يقول« :إذا كان أحدكم يف صالة ،فأراد إنســان يمر بني يديه فيدرؤ ُه ما استطاع ،فإن أبى فليقاتل ُه ؛ فإنه شيطان».املجتبى من ســنن النسائي ( ،)61/8وصححه األلباين يف صحيح النسائي برقم (.)4518 وروى أمحد -رمحه اهلل -عن أيب النرض «أن أبا سعيد اخلدري كان يشتكي رجلــه ،فدخل عليه أخوه ،وقد جعل إحــدى رجليه عىل األخرى ،وهو ِ الوجعة ،فأوجعه ،فقال :أوجعتني ،أو مضطجع ،فرضبه بيده عــى رجله مل تعلــم أن رجيل وجعة؟ قال :بىل ،قال :فــا َ محلك عىل ذلك؟ قال :أو مل تسمع أن النبي ﷺ قد هنى عن هذه».املسند (.)42/3 ال خطب إىل رجل أخته ،فذكر أهنا قد وروى مالك عن أيب الزبري املكي أن رج ً كانت أحدثت (أي زنت) ،فبلغ ذلك عمر بن اخلطاب ،فرضبه ،أو كاد يرضبه، ثم قال :مالك وللخرب.موطأ مالك (.)1553وقوله« :ما لك وللخرب؟» أي: ما غرضك بإخبار اخلاطب بأمر زناها؟ الزرقاين ،هامش املوطأ. وروى مسلم يف صحيحه ،عن أيب إسحاق ،قال :كنت مع األسود بن يزيد جالس ًا يف املسجد األعظم ،ومعنا الشعبي ،فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رســول اهلل ﷺ مل جيعل هلا سكنى ،وال نفقة ،ثم أخذ األسود كفــا من حىص ،فحصبه به ،فقال :ويلك حتــدث بمثل هذا ،قال :عمر ال نرتك كتاب اهلل وســنة نبينــا ﷺ لقول امرأة؛ ال نــدري لعلها حفظت أو وجل (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ َّ نســيت ،هلا السكنى والنفقة ،قال اهلل عزَّ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ).صحيح مسلم رقم (.)1480 20 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس -6التفريق بني املخطئ اجلاهل ،واملخطئ عن علم: ومن القصــص الواضحة يف هذا ما حــدث ملعاوية بن هــي احلكم الســلمي ملا جاء إىل املدينة مــن البادية ،ومل يكن بينــا ؟ مع أصل َ يدري عن حتريم الــكالم يف الصالةَ ، قال« :بينا أنا ّ َ يرمحك اهللُ، فقلت ُ عطس ٌ رجل م ْن القو ِم، َ ِ رسول اهللِ ﷺ ،إ ْذ شــأنكم ْ َ واثكل أ ّميا ْه ،ما فقلت: ُ بأبصارهــم، ْ فرمــاين القو ُم فلم أفخاذهمّ ، ْ بأيدهيم عــى ْ َ يرضبون َ تنظــرون إ َّيل ،فجعلوا رسول ِ اهلل ﷺ ُ ســكت ،فل ّم ّ صل ((( ُّ يصمتونني لكنّيرأيتهم ّ ْ رأيت مع ّل ًام قبل ُه ،وال بعد ُه أحســ َن تعلي ًام هو وأ ّمي ،ما ُ فبأيب َ «إن قالَّ : فواهللِ ما كهرين((( ،وال رضبني ،وال شــتمنيَ ، ِ منــ ُه، هو ِ من كال ِم الن ِ ّــاس ،إنّام َ يشء ْ يصلح فيهــا ٌ ُ الصال َة ال هــذه ّ ِ القرآن»(((. ّكبري ،وقراء ُة ّسبيح ،والت ُالت ُ فاجلاهــل حيتــاج إىل تعليم ،وصاحب الشــبهة حيتاج إىل واملرص حيتــاج إىل وعظ، ّ بيــان ،والغافل حيتــاج إىل تذكري، فال يسوغ أن يسوى بني العامل باحلكم ،واجلاهل به يف املعاملة واإلنكار ،بل إن الشدة عىل اجلاهل كثري ًا ما حتمله عىل النفور، ورفض االنقياد ،بخالف ما لو ع ّلمــه أوال باحلكمة واللني؛ ألن اجلاهل عند نفسه ال يرى أنه خمطئ ،فلسان حاله يقول ملن ينكر عليه :أفال علمتني قبل أن هتامجني. ((( أي أوشكت أن أرد عليهم ،لكني متالكت نفيس ،ولزمت السكوت. ((( أي زجرين وعبس يف وجهي . ((( صحيح مسلم (. )537 21 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس وقد جيانب املخطئ الصواب ،وهو ال يشــعر ،بل قد يظن نفســه مصيب ًا؛ فرياعى ألجل ذلك ،جاء يف مسند اإلمام أمحد أكل طعام ًا، رسول اهللِ ﷺ َ َ بن شعب َة َّ أن ِ املغرية ِ -رمحه اهللِ - عن ذلك ،فأتيته ٍ بامء؛ قبل َ توض َأ َ الصالةُ ،فقا َم ،وقدْ َ ُ كان ّ أقيمت ّ ْ ثم َّ ثم ذلكَّ ، واهللِ َ وراءك ،فســاءين ِ َ ليتوض َأ من ُه ،فانتهرينَ ، وقال: ّ إن املغري َة قدْ نبي اهللِ َّ فقال :يا َّ عمرَ ، ذلك إىل َ فشــكوت َ ُ صل، ّ عليه يش ٌء، نفسك ِ َ َ يكون يف وخيش ْ أن َ انتهارك إ ّيا ُه، شق ِ عليه َّ َ ِ ولكن أتاين ْ يشء ّإل ٌ خري، «ليس عليه يف نفيس ٌ ّبي ﷺَ : َ فقال الن ُّ ولو فعلت ُه َ ألتوض َأ ،وإنّام ٍ ّاس ذلك الن ُ فعل َ أكلــت طعام ًاْ ، ُ ّ بامء بعدي»(((. ويالحــظ هنا أن ختطئــة النبي ﷺ ملثل هــؤالء الصحابة األجالء مل تكن لتؤثر يف نفوســهم تأثري ًا سلبي ًا ،فتحملهم عىل كره أو نفور ،بل إهنــا كانت تؤثر يف نفوســهم تأثري ًا إجيابي ًا، فيبقى الواحد منهم بعد ختطئته من النبي ﷺ وجالً ،مشــفق ًا، مته ًام نفســه ،يعيش يف حرج عظيم ال يرسي عنه إال أن يتأكد من رضا رسول اهلل ﷺ عنه. ويالحظ يف هذه القصة كذلك أن ختطئة النبي ﷺ للمغرية مل تكن غضب ًا من شخص املغرية؛ ولكن شفقة عىل الناس ،وتبيين ًا هلم حتى ال يظنوا ما ليس بواجب واجب ًا؛ فيقعوا يف احلرج. ((( املسند ( ،)253/4وقال شعيب األرنؤوط :إسناده حسن. 22 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس إن موقــع املريب والقدوة يف نفــس أصحابه كبري وعظيم، املرب ولومه لبعضهــم ،أو ختطئته تقع بموقــع ،وقد يالحظ ّ مصلحة أشــخاص آخرين يف إنكاره عــى أحد أصحابه من أجل املنفعة العامــة ،ولكن هذا ال يعني ترك األثر الســلبي اخلاص باقي ًا؛ بل يمكن تداركه ،وحمو أثره بطرق منها :املعاتبة من قبل التابع ،ولو بطريق واســطة ،كام فعل املغرية بتوسيط ،ويف املقابل :إيضاح املوقــف ،والتأكيد عىل مكانة عمــر التابع ،وحسن الظن به من قبل القدوة واملريب. -7التفريق بني اخلطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه ،وبني خطأ العمد ،والغفلة ،والتقصري: شــك أن األول ليس بملوم؛ بل إنه يؤجر أجر ًا واحد ًا َّ وال ثم احلاكم ،فاجتهدَ َّ ، ُ حكم َ إذا أخلص واجتهد؛ لقوله ﷺ« :إذا أجر»(((. َ أخطأ ،فل ُه ٌ ثم حكم ،فاجتهدَ َّ ، َ ِ أجران ،وإذا أصاب؛ فل ُه َ وهذا بخالف املخطئ عن عمد وتقصري ،فال يســتويان، فاألول يع ّلم ،ويناصح ،بخــاف الثاين ،فإنه يوعظ ،وينكر عليه. وجيب أن يكــون االجتهاد الذي يعذر به صاحبه اجتهاد ًا ســائغ ًا من شخص مؤهل ،بخالف من يفتي بغري علم ،أو ال ((( رواه البخاري ( ،)6805ومسلم (.)3240 23 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس يراعي األحوال ،ولذلك اشتد إنكار النبي ﷺ عىل املخطئني الشجة ،فقد روى أبو داود يف سننه ع ْن ٍ جابر ّ يف قصة صاحب فشــج ُه يف ّ حجر، ٌ فأصاب رج ً ال منّا َ ٍ ســفر، قال :خرجنا يف َ جتدون يل رخص ًة َ فقالْ : هل فسأل أصحاب ُهَ ، احتلمَ ، ثم ِ َ رأسهَّ ، لك رخص ًة ،وأنت تقدر عىل ِ املاء، ّيم ِم؟ فقالوا ،ما نجدُ َ ُ َ يف الت ّ بذلكَ ، فقال: َ ّبي ﷺ أخ َ رب فلم قدمنا عىل الن ِّ فامتّ ، َ فاغتسلَ ، العي شــفاء ِّ ُ قتلهم اهللُ ،أال ســألوا إ ْذ مل ْ يعلموا؛ فإنّام ْ «قتلو ُه الس ُ ؤال»(((. ّ وكذلك فإن النبــي ﷺ أخرب« :القضا ُة ثالثــ ٌة ،واحدٌ يف احلق، عرف ََّ ٌ فرجل فأما ا ّلذي يف اجلن ِّة، ّارّ ، ِ واثنــان يف الن ِ اجلن ِّة، فهو يف الن ِ ّار، فجــار يف احلكمَِ ، َ احلق، عرف ََّ ٌ ورجل فقىض ِبه، ّار»((( ،فلم يعترب هذا فهو يف الن ِ ٍ جهل َ ورجــل قىض للن ِ ّاس عىل ٌ الثالث معذور ًا. ومن األمور التي تضبط درجــة إنكار اخلطأ :مراعاة البيئة التي حصل فيها اخلطأ ،مثل انتشار السنة ،أو البدعة ،وكذلك مدى استرشاء املنكر ،أو وجود من يفتي بجوازه من اجلهلة ،أو املتساهلني ممن يراهم الناس شيئ ًا. ((( ســنن أيب داود ( )336كتاب الطهــارة ،باب املجروح يتيمم ،وحســنه األلباين يف صحيح أيب داود. ((( سنن أيب داود ( ،)3573وصححه األلباين يف اإلرواء (.)2164 24 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس -8إرادة املخطئ للخري ال متنع من اإلنكار عليه: عــن عمرو بن حييى ،قال :ســمعت أيب حيــدث عن أبيه قال :كنــا نجلس عىل بــاب عبد اهلل بن مســعود قبل صالة الغداة ،فإذا خرج مشــينا معه إىل املسجد ،فجاءنا أبو موسى األشعري ،فقال :أخرج إليكم أبو عبد الرمحن بعد؟ قلنا :ال، فجلس معنا حتى خرج ،فلام خرج قمنا إليه مجيع ًا ،فقال له أبو موسى :يا أبا عبد الرمحن إين رأيت يف املسجد آنف ًا أمر ًا أنكرته، ومل َأر -واحلمد هلل -إال خري ًا ،قال :فام هو؟ فقال :إن عشــت فســراه ،قال :رأيت يف املســجد قوم ًا حلق ًا جلوس ًا ينتظرون الصالة يف كل حلقة رجــل ،ويف أيدهيم حىص ،فيقول :كربوا مائة فيكربون مائة ،فيقول :هللوا مائة ،فيهللون مائة ،ويقول: ســبحوا مائة ،فيســبحون مائة ،قال :فامذا قلت هلم؟ قال :ما قلت هلم شــيئ ًا انتظار رأيك ،وانتظار أمرك ،قال :أفال أمرهتم وضمنت هلم أن ال يضيع من حسناهتم؟ َ أن يعدوا ســيئاهتم، ثم مىض ،ومضينا معه ،حتى أتى حلقة من تلك احللق ،فوقف عليهم ،فقال :ما هذا الــذي أراكم تصنعون؟ قالوا :يا أبا عبد الرمحن حىص نعدُّ به التكبري ،والتهليل ،والتسبيح ،قال :فعدوا سيئاتكم ،فأنا ضامن أن ال يضيع من حسناتكم يشء ،وحيكم هلكتكــم ،هؤالء صحابــة نبيكم ﷺ ْ يا أمة حممــد ما أرسع متوافرون ،وهذه ثيابه مل ْ تبل ،وآنيته مل تكرس ،والذي نفيس بيده 25 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس إنكم لعىل ملة هي أهدى من ملــة حممد ﷺ ،أو مفتتحو باب ضاللة ،قالوا :واهلل يا أبا عبــد الرمحن ما أردنا إال اخلري ،قال: وكــم من مريد للخري لن يصيبه ،إن رســول اهلل ﷺ حدثنا أن تراقيهم ،وأيم اهلل ما أدري لعل ُ قوم ًا يقرءون القــرآن ال جياوز أكثرهم منكم ،ثم توىل عنهم ،فقال عمرو بن سلم َة :رأينا عامة ِ ّهروان مع اخلوارج(((. أولئك احللق يطاعنونا يوم الن -9العدل وعدم املحاباة يف التنبيه عىل األخطاء: قال اهلل تعاىل ( :ﭨ ﭩ ﭪ) [األنعام ،]152 :وقال: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النســاء ،]58 :ومل حب النبي ﷺ ،وابن حبه أن يشتد يمنع كون أســامة بن زيد َّ عليه يف اإلنكار حينام حاول أن يشــفع يف حدّ من حدود اهلل، هم شأن املرأة التي رسقت أن قريش ًا أ ّ مه ْ فقد روت عائشة يف عهد النبي ﷺ يف غزوة الفتح ،فقالوا :من يكلم فيها رسول فتلو َن جيرتئ عليه إال أسامة بن زيد؟ّ ، ُ اهلل ﷺ؟ ،فقالوا :ومن وجه رسول اهلل ﷺ فقال« :أتشــفع يف حدِّ من حدود اهلل؟»، فقال له أسامة :استغفر يل يا رســول اهلل ،فلام كان العيش قام رسول اهلل ﷺ ،فاختطب ،فأثنى عىل اهلل بام هو أهله ،ثم قال: «أما بعد؛ فإنام أهلك الذين من قبلكم أهنم كانوا إذا رسق فيهم ((( رواه الدارمي يف الســنن ( ،)210وصحح األلباين إســناده يف السلســلة الصحيحة حتت حديث (.)2005 26 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس الرشيف تركــوه ،وإذا رسق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد، وإين والذي نفيس بيده لو أن فاطمة بنت حممد رسقت لقطعت يدها ،ثم أمر بتلك املرأة التي رسقت فقطعت يدها»(((. قالت« :استعارت امرأة ويف رواية للنسائي عن عائشة َ أناس-يعرفون ،وهي ال تعــرف -حل ّيا فباعته، عىل ألســنة باالقواس عم ُ رسول اهلل ﷺ ،فسعى أهلها إىل أسامة وأخذت ثمنه ،فأيت هبا دوخ انا فتلون وجه رسول اهلل ﷺ، بن زيد ،فكلم رسول اهلل ﷺ فيهاّ ، مو معقول إيل يف حد من وهو يكلمه ،ثم قال له رســول اهلل ﷺ« :أتشفع َّ حط قوسني حدود اهلل؟» ،فقال أســامة :اســتغفر يل يا رسول اهلل ،ثم قام بنهاية القول عز َّ وجل بام هو أهله، رسول اهلل ﷺ عشــ ّيتئذ ،فأثنى عىل اهلل َّ »» ثم قال« :أما بعد؛ فإنام هلك الناس قبلكم أهنم كانوا إذا رسق الرشيف فيهم تركــوه ،وإذا رسق الضعيف فيهم أقاموا عليه احلد ،والذي نفــس حممد بيده لو أن فاطمة بنت حممد رسقت لقطعت يدها ،ثم قطع تلك املرأة»(((. دال عىل وموقفــه عليه الصالة والســام من أســامة عدله ،وأن الرشع عنده فوق حمبة األشــخاص ،واإلنسان قد يســامح من يريد يف اخلطأ عىل شــخصه ،ولكن ال يملك أن يسامح أو حيايب من خيطئ عىل الرشع. ((( احلديث يف الصحيحني ،وهذا لفظ مسلم ،رقم (.)1688 ((( سنن النسائي ( ،)73/8وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي برقم (.)4548 27 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس وبعــض الناس إذا أخطأ قريبه أو صاحبــه مل يكن إنكاره عليه مثل إنــكاره عىل من ال يعرفه ،وربــا ظهر حتيز ،ومتييز غري رشعي يف املعاملة بســبب ذلك ،بل ربام تغاىض عن خطأ صاحبه ،وشدد يف خطأ غريه. وعني الرضا عن ّ كل عيب كليلة السخط تبدي املساويا ولكن عني ّ ّ وهذا ينعكس عىل تفســر األفعال أيض ًا ،فقد يصدر الفعل من شخص حمبوب فيحمل عىل حممل ،ويصدر مثله من شخص آخر ،فيحمل عىل حممل آخر. وكل ما سبق مقيد بام إذا استوت األحوال ،وإال فقد يكون هناك تفاوت يف االعتبارات كام سيأيت ذكره. -10احلذر من إصالح خطأ يؤدي إىل خطأ أكرب: من املعلوم أن من قواعد الرشيعة حتمل أدنى املفســدتني لدرء أعالمها ،فقد يسكت الداعي عن خطأ؛ لئال يؤدي األمر إىل وقوع خطأ أعظم. لقد ســكت النبي ﷺ عن املنافقني ،ومل يقتلهم مع ثبوت كفرهم ،وصرب عــى أذاهم؛ لئال يقول النــاس :حممد يقتل أصحابــه ،خصوص ًا مــع خفاء أمرهم ،ومل هيــدم النبي ﷺ الكعبة؛ ليبنيها عىل قواعد إبراهيم اخلليل من أجل أن قريش ًا 28 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس كانوا حديثي عهد بجاهلية ،وخيش عليه الصالة والسالم أن ال حتتمل ذلك عقوهلم ،وترك البنيان عىل ما فيه من النقص، والباب عــى ارتفاعه ،وإغالقه عن العامــة ،مع أن يف ذلك خمالفة ما ينبغي أن يكون عليه األمر. وقبل ذلك هنى اهلل تعاىل عن ســب آهلــة املرشكني مع أنه طاعة وقربة؛ إذا كان ذلك يؤدي إىل ســب اهلل عزوجل ،وهو أعظم منكر(((. فقد يسكت الداعية عن منكر ،أو يؤجل اإلنكار ،أو يغري الوسيلة إذا رأى يف ذلك تالفي ًا خلطأ ،أو منكر أكرب ،وال يعترب ذلــك تقصري ًا ،وال ختاذالً ما دام صــادق النية ال خياف يف اهلل لومة الئم ،وكان الذي منعه مصلحة الدين ال اخلور واجلبن. ومما يالحظ أن من األســباب املؤديــة إىل الوقوع يف خطأ أكرب عند إنكار خطأ ما :هو احلامس غري املنضبط باحلكمة. -11إدراك الطبيعة التي نشأ عنها اخلطأ: هناك بعــض األخطاء التــي ال يمكن إزالتهــا بالكلية؛ ألمر يتعلق بأصل اخللقة ،ولكــن يمكن تقليلها ،والتخفيف منها؛ ألن التقويم النهائي يؤدي إىل كارثة ،كام هو الشــأن يف املــرأة ،قال ﷺ« :إن املرأة خلقت من ضلعٍ ،لن تســتقيم لك ((( قال تعــاىل ( :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [األنعام.]108 : 29 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس اســتمتعت هبا استمتعت هبا ،وهبا عوج ،وإن َ عىل طريقة ،فإن ذهبت تقيمها كرسهتا ،وكرسها طالقها»(((. ويف رواية « :اســتوصوا بالنســاء خري ًا؛ فإهنن خلقن من ضلع ،وإن أعــوج يشء يف الضلع أعاله ،فــإن ذهبت تقيمه كرسته ،وإن تركته مل يزل أعوج ،فاستوصوا بالنساء خري ًا»(((. قال ابن حجر -رمحه اهلل« :-قوله« :بالنساء خري ًا»؛ كأن فيه رمــز ًا إىل التقويم برفق ،بحيــث ال يبالغ فيه فيكرس ،وال يرتكه بالت ِ مجة ِ بإتباعه ّ فأشــار املؤ ّل ُ فيســتمر عىل عوجه ،وإىل هذا َ (باب قوا أنفســكم وأهليكم نارا) ،فيؤخذ منه أنا ّلتــي بعد ُه ُ ال يرتكها عىل االعوجاج إذا تعدّ ت ما طبعت عليه من النقص إىل تعاطي املعصية بمبارشهتــا ،أو ترك الواجب ،وإنام املراد أن يرتكها عىل اعوجاجها يف األمور املباحة.ويف احلديث الندب إىل املداراة الستاملة النفوس ،وتألف القلوب ،وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن ،والصرب عىل عوجهن ،وأن من رام تقويمهن فاته االنتفاع هبن ،مع أنه ال غنى لإلنسان عن امرأة يسكن إليها، ويستعني هبا عىل معاشــه ،فكأنه قال :االستمتاع هبا ال يتم إال بالصرب عليها»(((. رقــم (،)1468 ((( رواه البخــاري ( ،)4786ومســلم عن أيب هريرة واللفظ ملسلم. ((( متفق عليه. ((( الفتح (.)254/9 30 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس -12التفريق بني اخلطأ يف حق الرشع ،واخلطأ يف حق الشخص: فــإذا كان الدين أغــى عندنا من ذواتنا وجــب علينا أن ننترص له ،ونحامي عنه ،ونغضب له أكثر مما نغضب ألنفسنا، وننترص هلا ،وإن من ضعف احلمية الدينية أن ترى الشــخص يغضب لنفســه إذا س ّبه أحد ،وال يغضب لدين اهلل إذا اعتدى عىل جنابه أحد ،أو تراه يدافع باستحياء وضعف. وقد كان النبي ﷺ يسامح من أخطأ عليه كثري ًا ،وخصوص ًا جفاة األعراب ؛ تأليف ًا لقلوهبم ،فقد جاء يف صحيح البخاري مع َ بــن ٍ أنس ِ -رمحــه اهلل -ع ْن ِ «كنت أميش َ ُ قــال: مالك ِ احلاشــية ،فأدرك ُه ُ غليظ نجراين ِ وعليه بر ٌد ِ رس ول اهللِ ﷺ، ٌّ ِ صفحة نظرت إىل بردائه جبذ ًة شــديدةً ،حتّى ِ يب ،فجبذ ُه ُ أعرا ٌّ جبذته،ِ الربد م ْن شدّ ِة رت هبا حاشي ُة ِ رسول ِ اهلل ﷺ قدْ أ ّث ْ ِ ِ عاتق فالتفت ِ إليه َ عندك، ِ مــال اهللِ ا ّلذي مر يل م ْن ثم َ َ حممدُ ْ قال :يا ّ َّ ٍ أمر ل ُه بعطاء»(((. ثم َ ضحكَّ ،َ رسول اهللِ ﷺَّ ، ثم ُ وأمــا إذا كان اخلطأ عىل الدين ،فإنه ﷺ كان يغضب هلل تعاىل ،وستأيت أمثلة. وهناك أمور أخرى حتتاج إىل مراعاة يف باب التعامل مع األخطاء مثل: ((( رواه البخاري ( ،)5362ومسلم (.)5362 31 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس -التفريــق بني اخلطــأ الكبري واخلطأ الصغــر ،وقد فرقت الرشيعة بني الكبائر والصغائر. -التفريــق بني املخطــئ صاحب الســوابق يف عمل اخلري، واملايض احلسن -الذي يتالشــى خطؤه ،أو يكاد يف بحر حســناته -وبني العايص املرسف عىل نفسه ،وكذلك فإن صاحب السوابق احلسنة حيتمل منه ما ال حيتمل من غريه، ومما وقع للصدّ يق يف ذلك القصة التالية :عن أسامء ِ بنت أيب َ ْ حجاج ًا ،حتّى إذا كنّا ِ رسول اهللِ ﷺ ّ مع قالت :خرجنا َبكر ٍْ فجلست عائش ُة ْ رســول اهللِ ﷺ ،ونزلنا، ُ بالعرج َ نزل ِ وكانت ْ وجلست إىل ِ جنب أيب، ُ رســول اهللِ ﷺ، ِ إىل ِ جنب مع غال ٍم رس ول اهللِ ﷺ واحد ًة َ ِ بكر ،وزمال ُة زمال ُة((( أيب ٍ فطلع، أن يطلــع ِ عليه، ينتظر ْ فجلــس أبو ٍ بكر أليب ٍ بكر، َ َ ُ َ قال :أضللت ُه البارح َة، َ بعريكَ ، قال :أي َن وليس مع ُه بعري ُهَ ، َ فطفق يرضب ُه، بعري واحدٌ تض ّل ُهَ ، قال: فقال أبو ٍ قالَ : َ َ بكرٌ : ويقول« :انظروا إىل هذا املحر ِم ما ُ ورسول اهللِ ﷺ ّ يتبس ُم، ُ يقول« :انظروا إىل أن َ رسول اهللِ ﷺ عىل ْ ُ يصنع» ،فام يزيدُُ ويتبس ُم»(((. ّ يصنع، ُ هذا املحر ِم ما -التفريــق بني من وقع منه اخلطأ مــرار ًا ،وبني من وقع فيه ألول مرة. ((( دابة السفر. ((( رواه أبو داود ( ،)1818وحســنه األلباين يف صحيح ســنن أيب داود رقم (.)1602 32 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس -التفريق بني من يتواىل منه حدوث اخلطأ ،وبني من يقع فيه عىل فرتات متباعدة. -التفريق بني املجاهر باخلطأ ،واملسترت به. -مراعاة من دينه رقيق ،وحيتــاج إىل تأليف قلب فال يغلظ عليه. -اعتبار حال املخطئ من جهة املكانة والسلطان. وهذه االعتبارات التي مىض ذكرها ال تتعارض مع العدل املشار إليه آنف ًا. -13اإلنكار عىل املخطئ الصغري بام يتناسب مع سنه: أن احلسن بن روى البخاري -رمحه اهلل -عن أيب هريرة عيل أخذ مترة من متر الصدقــة ،فجعلها يف فيه ،فقال النبي ﷺ كخ ،أما تعرف أنّا ال نأكل الصدقة»(((. «كخ ْ بالفارسيةْ : وروى الطرباين -رمحه اهلل -عن زينب بنت أيب سلمة ،أهنا دخلت عىل رســول اهلل ﷺ ،وهو يغتسل ،قالت :فأخذ حفنة من ماء ،فرضب هبا وجهي ،وقال« :وراءك أي لكاع»(((. وهبذا يتبــن أن صغر الصغري ال يمنع من تصويب خطئه، بل ذلك من إحسان تربيته ،وهذا مما ينطبع يف ذاكرته ،ويكون ((( البخاري ( ،)1396ومسلم (.)1778 ((( املعجــم الكبــر ( ،)281/24وقال اهليثمي :إســناده حســن :املجمع (.)269/1 33 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ذخرية ملســتقبله ،فاحلديث األول فيه تعليــم الطفل الورع، والثاين فيه تعليمه األدب يف االســتئذان ،وعدم االطالع عىل العورات. ومن الشــواهد الرائعة يف هذا أيضــ ًا قصة الغالم الصغري عمر بن أيب سلمة ،فقد روى البخاري عنه قال :كنت غالم ًا يف حفة ،فقالحجر رســول اهلل ﷺ ،وكانت يدي تطيش يف الص ِ ّ يل رســول اهلل ﷺ« :يا غالم ســم اهلل ،وكل بيمينك ،وكل مما يليك» ،فام زالت تلك طعمتي بعد(((. نلحظ يف هذه القصة أن توجيهات النبي ﷺ لذلك الغالم الــذي أخطأ يف جتوال يده يف الطعــام كانت قصرية وخمترصة وواضحة؛ يسهل حفظها وفهمها ،ولقد أثرت يف نفس الغالم طيلة عمره ،فقال :فام زالت تلك طعمتي بعد. -14احلذر عند اإلنكار عىل النساء األجنبيات: حتى ال يفهم اإلنكار فه ًام خاطئــ ًا ،وحتى تؤمن الفتنة، فال يتســاهل يف كالم الشــاب مع الفتاة الشــابة بحجة بيان جر هذا مــن مصائب، اخلطأ أو اإلنــكار والتعليــم ،وكم ّ وينبغي أن يتاح يف هذا املجال دور كبري ألهل احلســبة ،ومن يقوم معهم باإلنكار من كبار الســن ،وعىل اآلمر الناهي أن يعمــل بام غلب عىل ظنه يف جــدوى اإلنكار؛ فإن غلب عىل ((( رواه البخاري ( ،)4957ومسلم (.)3767 34 األساليب النبوية يف التعامل مع أخطاء الناس ظنــه النفع تكلم ،وإال أحجم عن الكالم مع ســفيهات ربام رمينه ببهتان ،وه َّن مرصات عىل الباطل. ويبقى حال املجتمع ،ومكانة اآلمر الناهي هلا دور أسايس يف نجاح عملية اإلنــكار أو التبليغ ،وإقامة احلجة ،وفيام ييل