Summary

ملخص لمقرر التوحيد (اإللهيات) الذي يغطي تعريف علم التوحيد ودوره في الحياة الدنيا والآخرة، ومصادره، وموضوعه، وغاياته، بالإضافة إلى فضله ومكانته، ويقدم شرحًا لمسائل التوحيد و أهمية التوحيد و إثبات صفات الله عزوجل. ويذكر منهج أهل السنة في البحث العلمي و أهم أئمة أهل السنة.

Full Transcript

‫المدخل إلى دالئل التوحيد‬ ‫(اإللهيات)‬ ‫‪1‬‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫تعريف علم التوحيد‬ ‫التوحيد لغة‪ :‬العلم بأن الشيء واحد‪.‬‬...

‫المدخل إلى دالئل التوحيد‬ ‫(اإللهيات)‬ ‫‪1‬‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫تعريف علم التوحيد‬ ‫التوحيد لغة‪ :‬العلم بأن الشيء واحد‪.‬‬ ‫ ‬ ‫"العلم بالعقائد الدينية عن األدلة اليقينية"ية على الخصم‪،‬‬ ‫واصطالحا‪:‬‬ ‫ ‬ ‫تعريفه شرعــا‪ :‬إفراد اهلل تعالى بالعبادة مع اعتقاد وحدانيته‪ ،‬والتصديق بها ذاتا وصفاتا وأفعاال‪.‬‬ ‫ ‬ ‫أهميته‪ ،‬ومنفعته‪:‬تكمن منفعته يف الدنيا أوال‪ ،‬بانتظام أمر المعاش والمحافظة على العدل‪،‬‬ ‫ ‬ ‫والمعاملـــة الحسنة يف إبقاء النوع اإلنساين على وجه ال يؤدي إلى الفسـاد‬ ‫ويف اآلخرة ثانيا للنجاة من العذاب المرتب على الكفر‪ ،‬وسوء االعتقـاد‬ ‫ ‬ ‫استمداده ومصادره‪ :‬من القرآن الكريم‪ ،‬الكتاب المنزل على محمد صلى اهلل عليه و سلــم‬ ‫ ‬ ‫والحديث الثابت المروي عنه‪ ،‬والفقه‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬واالجتهاد‪.‬‬ ‫موضوعــه‪ ،‬وغايته‪:‬‬ ‫ ‬ ‫أما موضوعه ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫العلوم التي تتعلق بإثبات العقائد الدينية ؛ ألنه يبحث يف صفات الخالق عز وجل وكل ما يجب‬ ‫ ‬ ‫ويجوز ويستحيل يف حقه تعالى" "‪.‬‬ ‫وأما غايتـــــه ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫أن يصير اإليمان والتصديق باألحكام الشرعية محكما‪ ،‬و تحصين عقيدة المسلم من أخطار‬ ‫ ‬ ‫الشك والشرك وفنون الزيف والضالل‪.‬‬ ‫مرجعه ومصدره‪:‬‬ ‫ ‬ ‫يعتمد هذا العلم على النقل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬وعلى العقل من خالل‬ ‫ ‬ ‫اإلجماع والقياس‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫فضله ومنزلته‪:‬‬ ‫ ‬ ‫هو أشرف العلوم لتعقله بذات اهلل سبحانه وتعالى ومعرفة رسله عليهم السالم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫مسائــــله‪:‬‬ ‫ ‬ ‫القضايا المتعلقة بما يجب وما يجوز‪ ،‬وما يستحيل يف حق الباري عز وجل‪ ،‬و ما يتعلق كذلك‬ ‫ ‬ ‫بالرسل واألنبياء عليهم الصالة والسالم يف هذا الجانب‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫أسمــاؤه‬ ‫ ‬ ‫يسمى بعدة أسماء منها‪:‬‬ ‫ ‬ ‫علم التوحيد‪ ،‬علم العقيدة‪ ،‬علم أصول الدين‪ ،‬علم الكالم‪ ،‬الفقه األكبر‪ ،‬السنة‪ ،‬اإليمان‪.‬‬ ‫ ‬ ‫حكمـــه‪:‬‬ ‫ ‬ ‫يجب شرعا على كل مكلف أن يعرف مسائله‪ ،‬ولو بطرق اإلجمال‪ ،‬لتسلم عقيدته من‬ ‫ ‬ ‫االنحراف‪.‬‬ ‫نسبتـــه‪ :‬يعتبر علم التوحيد أساسا لجميع العلوم الشرعية‪ ،‬فعدم اإليمان بوجود اهلل تعالى و‬ ‫ ‬ ‫والحديث‬ ‫رسله الكرام يترتب عليه عدم اإليمان بالشرائع و الكتب المنزلة‪ ،‬فهو أساس التفسير‬ ‫والفقه وغيرها‪.‬‬ ‫ثمرتـــه‪ :‬الفوز بسعادة الدارين‪ ،‬يف الدنيا باألمان‪ ،‬و يف اآلخرة الفوز بالجنان والنجاة من النيران‬ ‫ ‬ ‫المعدة ألهل الكفر والطغيان‪" ".‬‬ ‫وتتعدى ثمرته إلى األمور المهمة اآلتية‪:‬‬ ‫ ‬ ‫أ ـ من حيث قوة الدارس الفكرية فبعد بحث المسائل وتمحيصها ينتقل من اإليمان التقليدي‬ ‫ ‬ ‫إلى اإليمان اليقيني المبني على األدلة والبراهين‪،‬‬ ‫ب ـ من الناحية العلمية‪ :‬يتحقق اإلخالص يف العمل ليصل اإلنسان إلى مرضاة اهلل تعالى أمال يف‬ ‫ ‬ ‫رحمته و طمعا يف غفرانه‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ج ـ بالنسبة للخصوم إفادتهم بالمعارف الصحيحة وإرشادهم إلى الحقائق العلمية النافعة لهم‪،‬‬ ‫ ‬ ‫بإيضاح األدلة وإلزامهم إياها بالحجج والبراهين‪.‬‬ ‫أهـــــل السنــــة والجماعة‪:‬‬ ‫ ‬ ‫كان السلف الصالح يفهمون نصوص الشريعة بالسليقة دون أن تصرفهم عنها األهواء‬ ‫ ‬ ‫والشهوات‪ ،‬والنزعات القبلية أو العنصرية‪ ،‬وقد ظهرت فرق ومذاهب خالفت بعض مفاهيم الشريعة‪،‬‬ ‫وبقي جماعة على المنهج الذي كان يسير عليه سلف األمة‪ ،‬وأطلقوا على أنفسهم أهل السنة والجماعة‪،‬‬ ‫كما أطلقوا على خصومهم أسماء تتناسب مع آراء معتقديها كالقدرية والمرجئة والمعتزلة‪.‬‬ ‫وقد برع أهل السنة يف إثبات الصفات التامة هلل تعالى‪ ،‬أما المعتزلة فقد نفوا الصفات حتى ال‬ ‫ ‬ ‫يكون هناك أكثر من قديم‪ ،‬وقالوا إن العبد يخلق أفعال نفسه االختيارية ليحاسب عليها فسموا أهل‬ ‫التوحيد والعدل‪ ،‬وفسروا العدل بأنه ما يقتضيه العقل من الحكمة‪ ،‬وهو إصدار الفعل على وجه الصواب‬ ‫والمصلحة‪.‬‬ ‫أما أهل السنة فقد فسروا العدل بأنه وضع الشيء يف موضعه‪ ،‬وهو التصرف يف الملك على‬ ‫ ‬ ‫مقتضى المشيئة والعلم‪ ،‬كما امتاز أهل السنة بأنهم كانوا يتفهمون روح اإلسالم من نصوص القرآن‬ ‫والسنة دون أن يحملوها فوق طاقتها فإذا اشتبه عليهم نص رجعوا إلى أساليب اللغة‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬ ‫ال يهملون العقل وإنما يستعينون به للوصول إلى الفهم الصحيح‪.‬‬ ‫منهج أهل السنة يف البحث العلمي‪:‬‬ ‫ ‬ ‫كان أهل السنة هم أول من دون علم التوحيد‪ ،‬واهتموا بالمحافظة على نقاوة العقيـــدة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫وعدم السماح ألي فكر دخيل عليها من التسرب إليها‪ ،‬و الدفاع عنها‪ ،‬وكشف أعداء الدين‪ ،‬كما عملوا‬ ‫على إبطال مذاهب المخالفيـن‪.،‬كالمعتزلة مثال الذين كانوا يناقضونهم يف كثير من آرائهم وهم‬ ‫يعتمدون يف بحثهم على الشرع الحنيف من الكتاب والسنة ويجعلون ذلك أساسا للتكليف‪ ،‬ثم يأتي‬ ‫العقل مؤيدا لما جاء به الشرع فالحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫أشهر أئمة أهل السنة‪:‬‬ ‫ ‬ ‫سبقت اإلشارة إلى أن أهل السنة يتفقون يف األسس واألصول العامة للعقيدة‬ ‫ ‬ ‫اإلسالميـة‪،‬وأن خالفهم فقط يف فهم بعض النصوص وشرحها‪ ،‬لكنهم ال يكفرون بعضهم بعضا يف أمور‬ ‫تدخل يف حيز االجتهاد‪.‬و قد ظهرت آراء أهل السنة على ألسنة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان‪،‬‬ ‫وترددت أصداؤها بين الذين حملوا لواء الدفاع عن كتاب اهلل تعالى وسنة محمد صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫إلى أن تبلورت هذه اآلراء مجتمعة يف ثلة تجمعهم طوائف ثالث وهم‬ ‫األثرية‪ ،‬وإمامهم أحمد بن حنبل رحمه اهلل تعالى‪.‬‬ ‫ ‬ ‫األشعرية‪ ،‬وإمامهم أبو الحسن األشعري‪ ،‬رحمه اهلل تعالى‪.‬‬ ‫ ‬ ‫الماتريدية‪ ،‬وإمامهم‪ ،‬أبو منصور الماتريدي‪ ،‬رحمه اهلل تعالى‬ ‫ ‬ ‫أشهر المبادئ العقدية عند أهل السنة‪:‬‬ ‫ ‬ ‫‪ 1‬ـ هلل تبارك وتعالى صفات دلت أفعاله عليها‪ ،‬فكما دلت األفعال على كونه عالما قادرا مريدا‪ ،‬كذلك‬ ‫دلت على وجود صفة العلم والقدرة واإلرادة وهكذا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ هذه الصفات ليست عين الذات‪ ،‬وال زائدة عليها‪ ،‬بل هي صفات أزلية قائمة بذاته سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ طريق وجوب معرفة اهلل سبحانه هو الشرع‪ ،‬يقول تعالى‪( :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسوال)" "‬ ‫ويترتب على ذلك نجاة أهل الفترة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ جميع ما يف الوجود مخلوق هلل سبحانه بما يف ذلك أفعال العباد‪ ،‬فاهلل تعالى وحده متفرد بالخلق‬ ‫واإليجاد‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ الحسن ما حسنه الشرع‪ ،‬والقبيح ما قبحه الشرع‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ اإليمان هو التصديق القلبي بما جاء به األنبياء عليهم السالم ‪ ،‬أما النطق باللسان فضروري إلجراء‬ ‫األحكام الدنيوية على المكلف‪ ،‬والعمل شرط لكمال اإليمان فمن آمن ولم يعمل فهو فاسق‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪ 7‬ـ مرتكب الكبيرة الذي يموت دون توبة (مؤمن فاسق) أمره مفوض لربه إن شاء عاقبـــه وإن شاء غفر‬ ‫ك لِ َمن َي َشا ُء َو َمن ُي ْشرِ ْك بِال ّل ِه َف َق ِد ا ْفت ََرى إِ ْثمًا‬ ‫ون َذلِ َ‬ ‫له‪( :‬إِ َّن ال ّل َه الَ َيغ ِْف ُر َأن ُي ْش َر َك بِ ِه َو َيغ ِْف ُر َما ُد َ‬ ‫َعظِيمًا[النساء‪" ]48 :‬‬ ‫‪ 8‬ـ رؤية اهلل تعالى جائزة يوم القيامة لعباده الصالحين ؛ ألن اهلل تعالى موجود‪ ،‬وقد وعدهم برؤيته‬ ‫ووعده ال يتخلف يقول عز من قائل‪( :‬وجوه يومئذ ناضرة إِ َلى َر ِّب َها نَاظِ َرةٌ[القيامة‪]23 :‬‬ ‫‪ 9‬ـ ال يجب على اهلل شيء ألنه الفاعل المختار وأفعاله سبحانه وتعالى مختارة لحِِكَِم يعلمها‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ تجوز الشفاعة لمرتكبي الكبائر‪.‬‬ ‫الدرس الثاين‬ ‫الفرق اإلسالمية‬ ‫‪ ‬لمحة موجزة عن أشهر الفرق التي ظهرت يف العصور اإلسالمية األولى‬ ‫‪ ‬لم تكن العقيدة اإلسالمية يف يوم من األيام صعبة المنال ألرباب الحجال‪ ،‬ذلك ألن اإلسالم دين‬ ‫الفطرة أرسل اهلل تعالى به األنبياء والرسل إلقامة الحق وفرض العدل بين البشر يف األرض‪ ،‬ومنذ بعثة‬ ‫محمد عليه الصالة والسالم أخذ هذا الدين ينتشر يف ربوع الدنيا‪ ،‬و حول القرآن الكريم التف المسلمون‪،‬‬ ‫وبهدي السنة النبوية الشريفة التقى المؤمنون‪ ،‬ولم يكن همهم بداية سوى نشر اإلسالم بالوسائل التي‬ ‫هداهم اهلل تعالى إليها‪ ،‬فكان التوحيد هو السمة البارزة يف الدعوة‪ ،‬وكانت تعاليم اإلسالم المبسطة‬ ‫تستحوذ على قلوب العباد فيدخلون يف دين اهلل تعالى أفواجا‪ ،‬مبتعدين عن غلو أهل الكتاب‪،‬‬ ‫ومماحكات الفالسفة اليونان‪ ،‬وضالل الكهنة ورجال الدين ‪.‬‬ ‫‪ ‬بداية التحول‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ ‬وظلت الدعوة اإلسالمية تنهج هذا المنهج الفريد يف عصرها إلى أن فتحت األمصار ودخلت‬ ‫الدولة اإلسالمية يف مرحلة جديدة حيث امتزجت أعراق الناس وأقوامهم ولغاتهم وثقافاتهم بالدعوة‬ ‫الفتية‪ ،‬فكان ما كان من وجود اآلراء المتباينة والفرق المختلفة‪.‬ولكننا نستطيع أن نختصر العوامل التي‬ ‫أدت إلى نشأت هذه الفرق ونرجعها إلى عدة أسباب‬ ‫‪ ‬أسباب نشأة الفرق اإلسالمية‬ ‫أوال‪ :‬األسباب الخارجية ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫حيث دخلت أقوام كثيرة يف اإلسالم‪ ،‬لكن بعضها كان ال يزال يحمل قدرا كبيرا من بقايا العقائد‬ ‫‪‬‬ ‫البالية‪،‬كاليهود والنصارى والمشركين‪ ،‬والمجوس‪ ،‬ولهذا كان هؤالء بطريقة أو بأخرى ينشرون‬ ‫الشبهات بين المسلمين‪.‬فكان البد للعلماء المسلمين من الرد على تلك الشبهات‪ ،‬وإبطال االفتراءات‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬األسباب الداخلية ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫إذ ال يخفى على عاقل أن مفاهيم البشر تختلف من واحد آلخـر‪ ،‬كما أن مشاربهم تتباين بحسب‬ ‫‪‬‬ ‫المكتسبات‪ ،‬لهذا نجد بعض اآلراء الفقهية والعقدية داخل المجتمع اإلسالمي يف العصور األولى‬ ‫تختلف بحسب فهم أصحابها للنصوص الشرعية‪ ،‬إال أنه يجب التنبيه إلى أن هذه الخالفات التي نشأت‬ ‫بين الرعيل األول كانت مبنية على االجتهادات وليس على العصبية القبلية‪ ،‬أو النزعات العنصرية‪ ،‬ويف‬ ‫غالبها كانت يف مسائل فقهية ليس لها تأثير كبير على لب العقيدة‪ ،‬كما هو الحال يف خالف الصحابة‬ ‫رضي اهلل عنهم يف دفن المصطفى صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫وعليه فباستطاعتنا القول‪ :‬إن األفكار الدخيلة على العقيدة اإلسالمية ال يجوز األخذ بها‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫أما المسائل التي اختلف حولها علماء األمة بعد اتفاقهم حول األسس العقدية‪ ،‬والتي اعتمد فيها‬ ‫الخالف على األدلة الشرعية فإنها ال تفسد للود قضية‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪ ‬فرقة المعتزلة‬ ‫نشأة المعتزلة وسبب التسمية ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬كان للفتن التي تعرض لها المسلمون بعد انتقال النبي صلى اهلل عليه وسلم أثر يف نشأة الفرق‬ ‫الكالمية‪ ،‬خاصة فيما أعقب فتنة مقتل سيدنا عثمان رضي اهلل تعالى عنه‪ ،‬وما جرى بين الصحابة من‬ ‫خالف يف موقعة الجمل‪ ،‬وصفين وغيرهما‪.‬‬ ‫ففي الفترة التي وجدت فيها اآلراء المتباينة‪ ،‬والمذاهب المختلفة كان الناس يبحثون‬ ‫‪‬‬ ‫عن الحق من بينها ويسألون أهل الذكر‪ ،‬وقد سأل سائل الحسن البصري رحمه اهلل تعالى عن مرتكب‬ ‫الكبيرة الذي مات ولم يتب منها‪ " :‬هل هو كافر كما يقول الخوارج‪ ،‬أو مؤمن ال تضره المعصية كما‬ ‫يقول المرجئة "؟‪.‬‬ ‫وقبل أن يجيب الحسن البصري تصدى أحد تالمذته هو " واصل بن عطاء " لإلجابة ‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫فقال‪ :‬أنا ال أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن‪ ،‬وال كافر مطلق‪ ،‬بل هو يف منزلة بين المنزلتين‪ ،‬ال مؤمن‪،‬‬ ‫وال كافر‪.‬ولم تعجب هذه اإلجابة الحسن البصري رحمه اهلل تعالى الذي يرى أن مرتكب الكبيرة مؤمن‬ ‫عاص‪ ،‬فاعتزل واصل مجلسه وأخذ يقرر رأيه‪ ،‬فقال الحسن‪ :‬اعتزلنا واصل ‪.‬‬ ‫‪ ‬سبب التسمية وأسماؤهم األخرى‬ ‫‪ ‬وأطلق الناس عليهم اسم المعتزلة ‪ ،‬ولكنهم لم يرضوا عن هذه التسمية‪ ،‬وأطلقوا على أنفسهم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ ‬أهل العدل والتوحيد ؛ ألنهم ينفون عن اهلل تعالى الظلم بنسبة أفعال العباد االختيارية إليهم ‪،‬‬ ‫حتى ال يعذبهم عن شيء لم يفعلوه ؛ وألنهم يتغالون يف توحيد اهلل سبحانه ‪ ،‬فينفون صفات الذات حتى‬ ‫ال تشاركه يف القدم‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ ‬ثقافتهـــم وأشهر علمائهم‪:‬‬ ‫كان زعماء المعتزلة ممن حصلوا العلوم والمعارف ‪ ،‬ودرسوا الفلسفة واستخدموا‬ ‫‪‬‬ ‫أساليب الجدال يف إقناع الخصوم‪ ،‬ويعترف المؤرخون بأن لهم الفضل يف الرد على شبه المارقين‪،‬‬ ‫وأصحاب الديانات المحرفة والوضعية‪ ،‬وقد أبلوا يف هذا الميدان بالء حسنا‪.‬‬ ‫ولكنهم كانوا من ناحية أخرى يتعصبون آلرائهم ويستعينون بالحكام إلرغام الناس على‬ ‫‪‬‬ ‫اعتناق مذاهبهم‪ ،‬و قد القى الفقهاء والمحدثون عنتا كبيرا من جراء هذا التعصب‪ ،‬مما حمل الناس على‬ ‫مقتهم واتهامهم بالمروق عن الدين‪.‬‬ ‫‪ ‬سبب االنحراف الفكري عند المعتزلة ‪:‬‬ ‫‪ ‬ولعل اعتمادهم كليا على العقل فقط هو الذي أدى إلى انحرافهم الفكري‪ ،‬و ال أدل على ذلك‬ ‫سوى قولهم‪ :‬إذا تعارض العقل مع النص‪ ،‬قدمنا العقل‪ ،‬وهذا من أشنع ما قالوه‪.‬‬ ‫ومن أشهر أئمة المعتزلة بعد مؤسسها واصل بن عطاء‪" ":‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 1‬ـ عمرو بن عبيد ‪ 2‬ـ أبو علي الجبائي ‪ 3‬ـ أبو الهذيل العالف ‪ 4‬ـ أبو إسحاق بن يسـار‬ ‫‪‬‬ ‫المعروف بالنظام ‪ 5‬ـ بشر بن المعتمر ‪ 6‬ـ عمر بن بحر الجاحظ األديب واللغوي المعروف‪ 7،‬ـ أبو‬ ‫الحسين الخياط‪ 8 ،‬ـ أبو الحسين البصري الكعبي ‪ 9‬ـ اإلمام الزمخشري‪ ،‬صاحب التفسير المشهور‬ ‫(وقيل إنه يف آخر حياته قد تاب عن االعتزال ورجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة)‪ 10.‬ـ وأبو هاشم‬ ‫الجبائي‪ 11 ،‬ـ والقاضي عبد الجبار‪.‬‬ ‫‪ ‬منهج المعتزلة يف البحث‪:‬‬ ‫‪ ‬تأثر المعتزلة بآراء قدماء الفالسفة اليونان ‪ ،‬فنجد نشاطهم الفكري وجدلهم المذهبي والديني‬ ‫يستند إلى أصول من الفلسفة اليونانية التي كانت هي دعامتهم األولى يف الدفاع عن آرائهم والرد على‬ ‫خصومهم ""‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫واتباعهم لهذا المنهج أدى بهم إلى رفعهم من شأن العقل‪ ،‬وآثروا تقديمه على النص الشرعي‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ولذلك عرف عنهم أنهم يوجبون معرفة اهلل تعالى عن طريق العقل‪ ،‬كما أنهم اتفقوا على أن أصول‬ ‫المعرفة وشكر النعمة واجب قبل ورود السمع‪ ،‬والحسن والقبيح يجب معرفتهما بالعقل‪ ،‬واعتناق‬ ‫الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك ""‪.‬‬ ‫واألدلة عندهم أربعة ‪ :‬حجة العقل‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬سبب تقديم المعتزلة للعقل ‪:‬‬ ‫ألن به نميز بين الحسن والقبيح‪ ،‬وألن به نعرف أن الكتاب حجة وكذلك السنة واإلجماع ‪.‬‬ ‫أشهر آراء المعتزلة ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫بنى المعتزلة أصول مذهبهم على اآلتي‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 1‬ـ تجب معرفة اهلل عن طريق العقل‪ ،‬ثم يأتي الشرع مؤيدا العقل‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 2‬ـ اإليمان مكون من التصديق بالقلب والعمل بالجوارح‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 3‬ـ نفي الصفات القديمة عن ذات اهلل تعالـــى حتى ال تشاركه يف القدم‪ ،‬وعليه فإنهم‬ ‫‪‬‬ ‫يقولون‪ :‬اهلل تعالى عالم بذاته بغير علم‪ ،‬وقادر بغير قدرة‪ ،‬وهكذا يف بقية الصفات‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ العبد هو الذي يخلق أفعاله االختيارية‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 5‬ـ يقولون‪ :‬إن الحكيــــم ال يفعل إال الصالح والخير ويجب من حيث الحكمة رعايـــة‬ ‫‪‬‬ ‫مصالح العباد‪ ،‬ولذلك نسب إليهم القول بوجوب الصالح واألصلح‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ 7‬ـ يقولون‪ :‬إن مرتكب الكبيرة الذي مات دون توبة ليس مؤمنا وال كافرا‪ ،‬وانما هو فــي‬ ‫‪‬‬ ‫منزلة بين المنزلتين‪ ،‬ويحكمون بخلوده يف النار‪ ،‬ولكنه يكون يف درك أخف مـــن درك الكفار‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ رؤية اهلل تعالى مستحيلة‪ ،‬ألنها تقتضي المشابهة بالحوادث‪"".‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪ 9‬ـ يؤمنون بالشفاعة الكبرى يف الموقف وينكرون الشفاعة لمرتكبي الكبائر‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪10‬ـ يقولون‪ :‬إن القرآن مخلوق‪ ،‬فهو حادث‬ ‫‪‬‬ ‫المصطلحات العلمية عن أهل السنة(المكلف)‬ ‫تعريف المكلف‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪" ‬هو كل فرد من اإلنس والجن‪ ،‬ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬ولو عاميا‪ ،‬أو من العبيد أو الخدم ‪.‬‬ ‫د‪ -‬سالمة الحواس‬ ‫ب‪ -‬العقل ج‪ -‬بلوغ الدعوة‬ ‫‪ ‬شروط التكليف‪- :‬البلوغ‬ ‫‪ ‬غير المكلفين‬ ‫‪ ‬أوال‪ :‬الصبي ليس بمكلف ‪ ،‬وللفرق فيه قوالن‪:‬‬ ‫‪ -1 ‬جمهورأهل السنة‪ :‬من مات قبل البلوغ فهو ناج‪ ،‬ولو من أوالد الكفار‪ ،‬وال يعاقب على كفر‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫‪ -2 ‬وذهب بعض العلماء إلى أن الصبي العاقل مكلف باإليمان لوجود العقل‪ ،‬وهو كاف‬ ‫عندهم‪ ،‬فإن اعتقد اإليمان أو الكفر فأمره ظاهر وإن لم يعتقد واحدا منهما كان من أهل النار لوجوب‬ ‫اإليمان عليه بمجرد العقل ‪.‬‬ ‫‪ ‬لسقط عن المكلف وأقسام الحكم العقلي‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬المجنون غير مكلف‪ ،‬لكن محل ذلك إن بلغ مجنونا واستمر على ذلك حتى مات‪.‬‬ ‫‪ ‬بخالف ما لو بلغ عاقال ثم جن‪ ،‬وكان غير مؤمن‪ ،‬ومات كذلك فهو غير ناج‪.‬‬ ‫‪ ‬ثالثا‪ :‬الذي لم تبلغه الدعوة ليس بمكلف‪ ،‬وذلك بأن نشأ يف شاهق جبل‪ ،‬على األصح‪،‬‬ ‫‪ ‬خالفا لمن قال بانه مكلف لوجود العقل الكايف لوجوب المعرفة عندهم وإن لم تبلغه الدعوة ‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ ‬رابعا‪ :‬أهل الفترة‪ ،‬وهم من كانوا يف حالة ووقت انقطاع الرسل‪ ،‬أو يف زمن الرسول الذي لم يرسل‬ ‫إليهم‪.‬ناجون‪ ،‬وإن بدلوا وغيروا أو عبدوا األصنام‪ ،‬استنادا إلى قوله تعالى‪( :‬وما كنا معذبين حتى نبعث‬ ‫رسوال) ‪.‬‬ ‫‪ ‬خامسا‪ :‬غير سليم الحواس ليس بمكلف‪ ،‬ولهذا قال بعض األئمة لو خلق اهلل إنسانا أعمى اصم‬ ‫لسقط عنه وجوب النظر والتكليف‬ ‫‪ ‬تعريف الحكم وأقسامه ‪.‬لتكليف‪.‬‬ ‫تعريف الحكم لغة‪ :‬هو القضاء والمنع‪ ،‬والحكمة واالتقان‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬تعريفه اصطالحا‪ :‬هو إثبات أمر ألمر أو نفيه عنه من غير توقف على تكرار وال وضع واضع‪.‬‬ ‫‪ ‬أقسام الحكم العقلي‬ ‫‪ ‬القسم األول ـ الواجب العقلي‪ :‬هو األمر الثابت الذي ال يتصور العقل انتفاءه‪،‬‬ ‫‪ ‬وهو قسمان‪:‬‬ ‫‪ 1 ‬ـ ضروري بدهي يدركه كل إنسان بغير نظر أو استدالل‪ ،‬مثل‪ :‬صغر الولد يف السن عن أبيه‪،‬‬ ‫وكون الواحد نصف االثنين‪ ،‬واالثنين أقل من الثالثة‪ ،‬والسماء فوقنا‪ ،‬واألرض تحتنا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ضروري نظري‪ ،‬وهو الذي يحتاج فيه الباحث إلى دليل وبرهان ونظر‪ ،‬مثل‪ :‬األرض‬ ‫‪‬‬ ‫كروية الشكل‪ ،‬الماء مؤلف من عدة عناصر‪ ،‬اإليمان بالمالئكة‪ ،‬الجنة‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫‪ ‬ثانيا ـ الجائز العقلي‪ :‬هو ما يقبل الوجود تارة والعدم تارة أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬حياة اإلنسان وموته‪،‬‬ ‫وصحته ومرضه‪ ،‬وغناه وفقره‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫كذلك نقول‪ :‬العالم قبل وجوده كان يف العدم ثم انتقل إلى الوجود‪ ،‬فهو يقبل االنتفاء‬ ‫‪‬‬ ‫تارة والوجود تارة أخرى‪.‬‬ ‫‪ ‬القسم الثالث ـ المستحيل العقلي‪ :‬هو األمر الذي ال يتصور العقل وجوده‪،‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ ‬وهو قسمان‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضروري بدهي‪ ،‬وهو ما يدركه العقل من غير بحث ونظر‪ ،‬مثل‪ :‬كون األب أصغر‬ ‫‪‬‬ ‫من ابنه‪ ،‬وكون الواحد أكثر من اثنين‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ نظري‪ ،‬وهو ما احتاج إلى دليل ونظر‪ ،‬مثل‪ :‬استحالة أن يكون مع اهلل تعالى إله آخر‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫أو أن يكون مخلوقا‪ ،‬أو أن تلحقه صفات العجز‪.‬‬ ‫‪ ‬النوع الثاين من أنواع الحكم‬ ‫‪ ‬ب ‪ -‬الحكم العادي‪ :‬هو إثبات الربط بين أمر وأمر وجودا وعدما بواسطة التكرار مع صحة‬ ‫التخلف وعدم تأثير أحدهما يف اآلخر البتة‪.‬‬ ‫فقولنا إثبات الربط بيت أمر وأمر وجودا وعدما كربط وجوب صالة الظهر مثال بوجود‬ ‫‪‬‬ ‫الزوال وعدم وجوبها لعدم وجود الزوال‪.‬‬ ‫وقولنا بواسطة التكرار يعني إذا تكرر األمر مرتين وتحقق أمر ناجم عنهما يسمى حكما‬ ‫‪‬‬ ‫عاديا كما لو قيل لحم الضأن يذكي الفهم فلو تكرر هذا األكل مرتين ونجم عنه فهم فقد ثبت الحكم‪.‬‬ ‫وقولنا مع صحة التخلف‪ :‬أي أن الحكم العادي قد يتخلف‪ ،‬فقد توجد النار وال يوجد‬ ‫‪‬‬ ‫اإلحراق كما يف قصة سيدنا إبراهيم عليه السالم‪.‬‬ ‫‪ ‬ج ـ الحكم الشرعي وأقسامه‪:‬‬ ‫هو خطاب اهلل تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا‪." ".‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬أقسام الحكم الشرعي‪:‬‬ ‫أ ـ الفرض(أو الواجب)‪ ،‬ب ـ المندوب‪ ،‬ج ـ الحرام‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫هـ ـ المباح‪.‬‬ ‫د ـ المكروه‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬أول ما يجب على المكلف‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ ‬أولى الواجبات الدينية المطالب بها العبد هي‪ :‬معرفة اهلل تعالى‪ ،‬واإليمان به‪ ،‬ومعرفة أسمائه‬ ‫وصفاته‪ ،‬والتصديق بها‪ ،‬واتباع أوامره سبحانه‪ ،‬واالنتهاء عما نهى عنه‪ ،‬عن برهان من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫‪ ‬والدليل‪:‬‬ ‫ك ولِ ْلم ْؤ ِمنِين وا ْلم ْؤ ِمن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َات َواهللُ َي ْع َل ُم ُم َت َق َّل َبك ُْم َو َم ْث َواك ُْم)‪،‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫اس َتغْف ْر ل َذنبِ َ َ ُ‬ ‫‪( ‬فا ْع َل ْم َأ َّن ُه َال إِ َل َه إِ َّال اهللُ َو ْ‬ ‫نس إِ َّال لِ َي ْع ُبدُ ِ‬ ‫ون )‪.‬‬ ‫ج َّن َو ْ ِ‬ ‫اإل َ‬ ‫ت ا ْل ِ‬ ‫(و َما َخ َل ْق ُ‬ ‫ويقول أيضا‪َ :‬‬ ‫خصائص العقيدة اإلسالمية‬ ‫‪ ‬يشمل هذا العلم على ثالثة مباحث‪ ،‬وهي بشكل عام‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬اإللهيات‪ ،‬وهي معرفة ذات اهلل تعالى من حيث ما يجب يف حقه تعالى من‬ ‫‪‬‬ ‫الصفات‪ ،‬وما يجوز منها‪ ،‬وما يستحيل‪ ،‬كما يشمل كل مقتضياتها‪.‬‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬النبوات‪ ،‬معرفة ما يجب يف حق الرسل واألنبياء عليهم الصالة و السالم‪ ،‬وما يجوز وما‬ ‫يستحيل‪ ،‬من الصفات واألخبار و كل ما يتعلق بها‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الغيبيات‪ ،‬والسمعيات وهي الوقوف على األخبار الغيبية‪ ،‬وتسمى السمعيات لوصولها‬ ‫‪‬‬ ‫إلينا عن طريق السماع من الصادق المصدوق صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مثل الحديث عن كتب اهلل تعالى‬ ‫المنزلة على األنبياء الكرام‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬والحساب والصراط‪ ،‬والثواب‬ ‫والعقاب و الحوض والميزان‪...‬الخ‪.‬‬ ‫ُون ۚ ك ٌُّل آمن بِاهلل ِ‬ ‫ول بِ َما ُأ ِنز َل إِ َل ْي ِه ِمن َّر ِّب ِه َوا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫َ َ‬ ‫‪(:‬آم َن َّ‬ ‫‪ ‬ويجمع ذلك كله قوله تعالى َ‬ ‫ك ا ْل َم ِص ُير)‬ ‫َو َم َالئِكَتِ ِه َو ُك ُتبِ ِه َو ُر ُس ِل ِه َال ُن َف ِّر ُق َب ْي َن َأ َح ٍد ِّمن ُّر ُس ِل ِه ۚ َو َقا ُلوا َس ِم ْعنَا َو َأ َط ْعنَا ۚ ُغ ْف َران َ‬ ‫َك َر َّبنَا َوإِ َل ْي َ‬ ‫البقرة‪285‬‬ ‫الص َال َة َو ِم َّما‬ ‫ون َّ‬ ‫يم َ‬ ‫ُون بِا ْل َغي ِ ِ‬ ‫ب َو ُيق ُ‬ ‫ْ‬ ‫ين ُي ْؤ ِمن َ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬وعن عالم الغيب وما يتعلق به يقول الحق سبحانه‪(:‬ا َّلذ َ‬ ‫َاه ْم ُي ِنف ُق َ‬ ‫ون)البقرة‪3‬‬ ‫َر َز ْقن ُ‬ ‫‪14‬‬ ‫‪ ‬خصائص العقيدة اإلسالمية ‪:‬‬ ‫الخصيصة األولى ‪ :‬الربانية‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬تعريف خصيصة الربانية ‪ :‬أنها وحي من عند اهلل تعالى‪ ،‬وليس للبشر دخل يف تنزيلها‪.‬‬ ‫ك َو َما َو َّص ْينَا بِ ِه‬‫ُوحا َوا َّل ِذي َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ين َما َو َّص ٰى بِه ن ً‬ ‫(ش َر َع َلكُم ِّم َن الدِّ ِ‬ ‫‪ ‬دليل ربانية العقيدة ‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم إِ َل ْيه ۚ اهللُ‬ ‫ين َما تَدْ ُع ُ‬ ‫ين َو َال َت َت َف َّر ُقوا فيه ۚ َك ُب َر َع َلى ا ْل ُم ْشرِك َ‬ ‫يس ٰى ۚ َأ ْن َأق ُ‬ ‫يموا الدِّ َ‬ ‫وس ٰى َوع َ‬ ‫إِ ْب َراه َ‬ ‫يم َو ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْج َتبِي إِ َل ْيه َمن َي َشا ُء َو َي ْهدي إِ َل ْيه َمن ُين ُ‬ ‫يب) الشورى‪13‬‬ ‫‪ ‬خصائص الربانية يف العقيدة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪ -1‬ربانية المصدر من هنا يستطيع اإلنسان أن يطمئن إليها‪.‬‬ ‫ان َو َٰلكِن َج َع ْلنَا ُه‬ ‫يم ُ‬ ‫َاب َو َال ْ ِ‬ ‫اإل َ‬ ‫ِ‬ ‫ُنت تَدْ ِري َما ا ْلكت ُ‬ ‫وحا ِّم ْن َأ ْمرِنَا ۚ َما ك َ‬ ‫ك ُر ً‬ ‫(وك ََٰذلِ َ‬ ‫ك َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي َ‬ ‫والدليل‪َ :‬‬ ‫اط ُّم ْست َِقيمٍ)‪.‬‬ ‫َّك َلت َْه ِدي إِ َلى ِصر ٍ‬ ‫ٰ َ‬ ‫نُورا ن َّْه ِدي بِ ِه من ن ََّشاء ِمن ِعب ِ‬ ‫ادنَا ۚ َوإِن َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫‪ 2‬ـ أن هذه العقيدة ال تحتمل أي زيادة أو نقص ممن يدعو إليها‪.‬‬ ‫ين‪َ ،‬ف َما ِمنكُم ِّم ْن َأ َح ٍد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل‪َ ،‬ألَ َخ ْذنَا ِمنْ ُه بِا ْل َي ِم ِ‬ ‫ين‪ُ ،‬ث َّم َل َق َط ْعنَا منْ ُه ا ْل َوت َ‬ ‫‪(:‬و َل ْو َت َق َّو َل َع َل ْينَا َب ْع َض ْاألَ َق ِ‬ ‫او ِ‬ ‫والدليل َ‬ ‫ين) الحاقة ‪.47-44‬‬ ‫َعنْ ُه َح ِ‬ ‫اج ِز َ‬ ‫ويترتب على ربانيتها‪ :‬أنها محفوظة إلى يوم الدين يقول تعالى ‪ :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)‬ ‫الخصيصة الثانية ‪ :‬العقيدة اإلسالمية شاملة وجامعة‪:‬‬ ‫وهذا يشمل أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إعطاء تصور كامل واعتقاد شامل لكل ما يف مصلحة اإلنسان معرفته سواء عن الذات اإللهية‪،‬‬ ‫أو عن الكون أو عن اإلنسان أو ما بعد الموت‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن يشمل الدين جميع جوانب الحياة العلمية والعملية‪ ،‬ويوجه اإلنسان الوجهة المناسبة يف أمور‬ ‫حياته وآخرته‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫التوازن بين جوانب الحياة‬ ‫إن اهتمام العقيدة اإلسالمية بالجوانب الدنيوية من حياة البشر يوازيها االهتمام بالجانب‬ ‫ ‬ ‫األخروي؛ فقد وازنت بين المرحلتين بما يؤهل الناس لالنتقال إلى ما بعد الحياة الدنيا؛ إذ فصلت‬ ‫األمور الغيبية الواجب اإليمان بها‪ ،‬و دعت إلى التمسك بها‪.‬‬ ‫ماالذي يترتب على شمول العقيدة اإلسالمية ويبعث على التمسك بها ؟‬ ‫ ‬ ‫ الذي يبعث على التمسك يف هذه النظم هو الدعوة إلى أخذها بالكامل‪ ،‬والنهي عن تجزئتها؛‬ ‫ون َأن ُي َف ِّر ُقو ْا َب ْي َن ال ّل ِه َو ُر ُس ِل ِه َوي ُقو ُل َ‬ ‫ون‬ ‫ون بِال ّل ِه َو ُر ُس ِل ِه َو ُيرِيدُ َ‬ ‫لوروده يف محكم التنزيل‪ِ َّ ( :‬‬ ‫ِإن ا َّلذ َ‬ ‫ين َي ْك ُف ُر َ‬ ‫ك َسبِيالً‪ ،‬أولئك هم الكافرون حقا‪ ،‬وأعتدنا‬ ‫َّخ ُذو ْا َب ْي َن َذلِ َ‬‫ون َأن يت ِ‬ ‫َ‬ ‫ض َو ُيرِيدُ َ‬ ‫ن ُْؤ ِم ُن بِ َب ْع ٍ‬ ‫ض َو َن ْك ُف ُر بِ َب ْع ٍ‬ ‫للكافرين عذابا مهينا)‪.‬‬ ‫‪ ‬الخصيصة الثالثة ‪ :‬االعتدال و الوسطية‬ ‫معنى االعتدال والوسطية يف العقيدة ‪ :‬أن العقيدة اإلسالمية وسط بين اإلفراط والتفريط‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫إذ هي فضيلة بين رذيلتين ‪.‬‬ ‫‪ ‬السبب يف الوقوع يف اإلفراط والتفريط ‪.‬‬ ‫‪ ‬اتباع الهوى فإن االنجراف وراء االنحراف ال يلبث أن يعم المجتمعات يف مجاالت العقيدة ‪.‬‬ ‫‪ ‬أما العقيدة الربانية فهي الكفيلة بالتخلص من تلك اآلفات‪ ،‬وهي وسط يف القضايا العقدية مثل‪،‬‬ ‫مباحث‪ :‬اإللهيات‪ ،‬والنبوة‪ ،‬والسمعيات‪ ،‬والغيبيات‪.‬‬ ‫‪ ‬نماذج على وسطية العقيدة ‪.‬‬ ‫‪ ‬يف جانب األلوهية‪ ،‬حافظت العقيدة اإلسالمية على نقاء التوحيد الخالص‪ ،‬فلم تصف اهلل تعالى‬ ‫إال بما يليق بذاته العلية من صفات الكمال المطلق‪ ،‬ونزهته عن صفات النقص ‪.‬‬ ‫‪ ‬ويف جانب النبوات‪ :‬نجد العقيدة اإلسالمية توجب العصمة لألنبياء‪ ،‬التي يترتب عليها لزوم‬ ‫الصدق واألمانة و الفطانة وغيرها‬ ‫‪16‬‬ ‫‪ ‬ويف جانب السمعيات‪ :‬فإن العقيدة اإلسالمية تعتمد يف وسطيتها على األخبار الصادقة الصادرة‬ ‫عن الكتاب والسنة وهذه األخبار ال يدخل فيها الوهم وال الخيال‪ ،‬ألن األسس اإليمانية التي يتربى عليها‬ ‫الفرد المسلم تجعله يثق ويصدق باألخبار الواردة عن الصادق المصدوق صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪ ‬الخصيصة الرابعة ‪ :‬الواقعية‬ ‫‪ ‬معناها ‪ :‬عرض العقيدة اإلسالمية مسائل اإليمان مع تدعيمها باألدلة والبراهين الساطعة التي‬ ‫تثبت على أن مصدرها هو اإلله الحكيم الرحيم الرؤوف بعباده ‪..‬‬ ‫‪ ‬الخصيصة الخامسة ‪ :‬اإليجابية‬ ‫‪ ‬معناها ‪ :‬إن الدعوة إلى الخير من السمات األساسية التي تجذب الناس نحو التمسك بأهداب‬ ‫هذا الدين؛ إذ إن المحور المفيد يتبناه اإلسالم‪ ،‬فهو قمين بالنفس البشرية أن تتقبله وتتفاعل معه‪ ،‬يقول‬ ‫اس ُجدُ وا َوا ْع ُبدُ وا َر َّبك ُْم َوا ْف َع ُلوا ا ْلخَ ْي َر َل َع َّلك ُْم ُت ْف ِل ُح َ‬ ‫ِ‬ ‫ون ‪.‬‬ ‫تعالى‪( :‬يا َأ ُّي َها ا َّلذ َ‬ ‫ين َآمنُوا ْار َك ُعوا َو ْ‬ ‫‪ ‬من نماذج اإليجابية يف العقيدة اإلسالمية‬ ‫‪ ‬التعاون بين الناس وبعضهم ‪ :‬يقول عز شأنه‪( :‬الَّ َخ ْي َر فِي كَثِيرٍ ِّمن ن َّْج َو ُاه ْم إِالَّ َم ْن َأ َم َر بِ َصدَ َق ٍة َأ ْو‬ ‫يه َأ ْجر ًا َعظِيمًا[النساء‪:‬‬ ‫ف ن ُْؤتِ ِ‬ ‫ات ال ّل ِه َف َس ْو َ‬ ‫ك اب َتغَاء مر َض ِ‬ ‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫س َو َمن َي ْف َع ْل َذل َ ْ‬ ‫م عر ٍ‬ ‫وف َأ ْو إِ ْصالَحٍ َب ْي َن النَّا ِ‬ ‫َ ُْ‬ ‫‪..]114‬وهذه المسائل الثالث تالمس حاجة الناس يف حياتهم بشكل دائم‪ ،‬فال يستطيعون التخلي‬ ‫عنها‪ ،‬وإال فإن الفقر سالح ال يرحم وتركه دون عالج يهدد المجتمع‪ ،‬أما التعاون بين األفراد فهو الكفيل‬ ‫بالحفاظ على المنجزات والمكتسبات التي وصلوا إليها‬ ‫‪ ‬الخصيصة السادسة ‪ :‬الوضوح والبعد عن التعقيد‬ ‫إن الناظر يف تعاليم اإلسالم‪ ،‬والمتفحص لهذه العقيدة السمحة ال يجد فيها ما يدعوه إلى‬ ‫‪‬‬ ‫رفضها‪ ،‬بل يجد نفسه مخاطبا عبر عقله وقلبه‪ ،‬بأساليب بعيدة عن تعقيدات الفالسفة‪ ،‬و تمتمات الكهنة‪،‬‬ ‫وخزعبالت السحرة‪.‬‬ ‫‪ ‬الخصيصة السابعة ‪ :‬الخاتميــة‬ ‫‪17‬‬ ‫اإلسالم هو آخر الرساالت السماوية الموحى بها من عند اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬وأصبح هذا‬ ‫‪‬‬ ‫ف‬‫اخ َت َل َ‬ ‫اإل ْسالَ ُم َو َما ْ‬‫ين ِعندَ ال ّل ِه ِ‬ ‫(ن الدِّ َ‬ ‫الدين هو الناسخ لما قبله من الشرائع‪ ،‬يقول الحق تبارك وتعالى‪َّ :‬‬ ‫اب‬‫ح َس ِ‬ ‫ات ال ّل ِه َفإِ َّن ال ّل ِه سرِيع ا ْل ِ‬ ‫ا َّل ِذين ُأوتُو ْا ا ْلكِتَاب إِالَّ ِمن بع ِد ما جاءهم ا ْل ِع ْلم بغْيًا بين َُهم ومن ي ْك ُفر بِآي ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َْ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(ومن ي ْب َت ِغ َغ ْي َر ِ‬ ‫ين)‪.‬ويقول عز‬ ‫اإل ْسالَ ِم دينًا َف َلن ُي ْق َب َل منْ ُه َو ُه َو في اآلخ َرة م َن ا ْلخَ اسرِ َ‬ ‫) ويقول أيضا‪َ َ :‬‬ ‫اض ُط َّر فِي‬ ‫اإل ْسالَ َم ِدينًا َف َم ِن ْ‬ ‫يت َلك ُُم ِ‬‫ت َع َل ْيك ُْم نِ ْع َمتِي َو َر ِض ُ‬ ‫ت َلك ُْم ِدينَك ُْم َو َأت َْم ْم ُ‬ ‫وجل‪...( :‬ا ْل َي ْو َم َأك َْم ْل ُ‬ ‫ِ‬ ‫مخْ مص ٍة َغير متَجانِ ٍ‬ ‫ف ِّ ِ‬ ‫يم[المائدة‪.]3 :‬‬ ‫إل ْث ٍم َفإِ َّن ال ّل َه َغ ُف ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ َ َ َْ ُ َ‬ ‫‪ ‬الخصيصة الثامنة‪:‬الخلــــود‬ ‫إن هذه العقيدة ال تغير فيها وال تبديل‪ ،‬قد تكفل اهلل تعالى بإثباتها يف محكم التنزيل‪ ،‬فهي‬ ‫‪‬‬ ‫محفوظة يف كتاب رب العالمين الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم حميد‪،‬‬ ‫كما تكفل اهلل تعالى بحفظ كتابه من تحريف المغالين‪ ،‬وتبديل المبطلين‪ ،‬قال تعالى‪ِ( :‬إنَّا ن َْح ُن َن َّز ْلنَا‬ ‫ون[الحجر‪.]9 :‬وهي الباقية من أثر الدين القويم إلى يوم الدين‪ ،‬فال ناسخ لها‪،‬‬ ‫الذك َْر َوإِنَّا َل ُه َل َحافِ ُظ َ‬ ‫ِّ‬ ‫وال مبدل لشريعتها‪ ،‬وال يمكن أن يعتريها النقص أو التحريف والتزييف‪.‬‬ ‫‪ ‬الخصيصة التاسعة ‪ :‬اإلقناع وحرية الفكر‬ ‫‪ ‬إن الحوار الفكري المعتدل والجدال العلمي المقنع والقائم على الدعوى والدليل الذي نادت‬ ‫به العقيدة اإلسالمية ينفي عنها كل الشبهات‪ ،‬ويسقط عنها كل األراجيف التي يلوكها كثير من‬ ‫المخصوم‪ ،‬لكن أصحاب الفكر الحر‪ ،‬والفطر السليمة ال يجب أن يدعوا المارقين ليمارسوا التسلط‬ ‫على عقول الناس‪ ،‬كما يجب عليهم أن ينبروا ألولئك الذين يطلقون األحكام المسبقة على تعاليم‬ ‫اإلسالم قبل النظر فيها والتمعن بمبادئه‪ ،‬فالعقول المتفتحة ال يمكن أن تقرأ قوله تعالى‪( :‬ا ْد ُع إِلِى َسبِ ِ‬ ‫يل‬ ‫ك ُه َو َأ ْع َل ُم بِ َمن َض َّل َعن َسبِ ِيل ِه َو ُه َو‬ ‫اد ْل ُهم بِا َّلتِي ِه َي َأ ْح َس ُن إِ َّن َر َّب َ‬ ‫حكْم ِة وا ْلمو ِع َظ ِة ا ْلحسن َِة وج ِ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك بِا ْل َ َ َ ْ‬ ‫َر ِّب َ‬ ‫ِ‬ ‫ين[النحل‪.]125 :‬‬ ‫َأ ْع َل ُم بِا ْل ُم ْهتَد َ‬ ‫‪18‬‬ ‫أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪ ‬تعريف األسماء الحسنى‬ ‫‪ ‬األسماء جمع اسم‪ ،‬والمراد به ما دل على الذات بمجردها كــ (اهلل) ‪..‬أو باعتبار الصفة كالعالم‬ ‫والقادر‪ ،‬و هي عظيمة أي مطهرة عن أن يسمى بها الخلق أو عن أن تفسر بما ال يليق‪ ،‬أو أن تذكر على‬ ‫غير وجه التعظيم‪.‬‬ ‫‪ ‬آراء الفرق يف قدم األسماء وحدوثها‬ ‫‪ ‬ذهب أهل السنة إلى أن أسماء اهلل تعالى قديمة؛ ألنها تدل على الذات‪.‬‬ ‫‪ ‬ذهب المعتزلة إلى حدوث األسماء‪ ،‬وذلك مثل قولهم يف الصفات لمنع تعدد القدماء‪.‬‬ ‫‪ ‬رد أهل السنة‬ ‫‪ ‬أن هذه األسماء قديما باعتبار مدلولها‪ ،‬وأن قدم المدلول يرجع إلى قدم الذات والصفات‪ ،‬وعليه‬ ‫فإن المراد بالتسمية القديمة داللة الكالم أزال على معاين األسماء من غير تبعيض وال تجزئة يف الكالم‪"".‬‬ ‫وأسماء اهلل تعالى الواردة يف القرآن الكريم من كالمه تعالى وكالمه غير مخلوق وال يقال هي غيره وال‬ ‫هي هو‪ ،‬فأسماؤه تعالى قديمة بهذا االعتبار وباعتبار آخر أن القدم المراد هنا ليس بمعنى عدم األولية‬ ‫بل بمعنى أنها موضوعة قبل الخلق‪ ،‬فهي من وضعه تعالى قبل خلقه‬ ‫‪ ‬التفاضل بين أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪ ‬مع اتفاق العلماء على قدم األسماء‪ ،‬فإنهم اختلفوا حول تفاضلها‪ ،‬و الحق أنها متفاضلة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وأعظمها لفظ الجاللة وهو االسم األعظم‪ ،‬لقولــه تعالـى‪ِ َ :‬‬ ‫(وكَل َم ُة ال ّله ه َي ا ْل ُع ْل َيا َوال ّل ُه َع ِزي ٌز َحك ٌ‬ ‫يم‬ ‫ك ِمن ا ْلكِت ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاب َو َأق ِم َّ‬ ‫الص َال َة إِ َّن َّ‬ ‫الص َال َة َتن َْهى َع ِن ا ْل َف ْح َشاء َوا ْل ُمن َكرِ‬ ‫]‪.‬وقوله تعالى‪(:‬ات ُْل َما ُأوح َي إِ َل ْي َ َ‬ ‫ون ) ‪.‬أي ولذكر اسم اهلل أكبر من ذكر سائر األسماء ""‪.‬‬ ‫َو َل ِذك ُْر اهلل ِ َأ ْك َب ُر َواهللُ َي ْع َل ُم َما ت َْصنَ ُع َ‬ ‫‪19‬‬ ‫ون فِي َأ ْس َمآئِ ِه‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ( :‬ولِ ّل ِه األَسماء ا ْلحسنَى َفادعوه بِ َها و َذرو ْا ا َّل ِذين ي ْل ِ‬ ‫حدُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫‪‬‬ ‫َس ُي ْجز َْو َن َما كَانُو ْا َي ْع َم ُل َ‬ ‫ون‬ ‫‪ ‬معنى اإللحاد يف أسماء اهلل تعالى‪:‬‬ ‫أ ـ أن تسمى األصنام بها كتسميتهم الالت من اآللهية‪ ،‬والعزى من العزيز‪ ،‬وتسميتهم‬ ‫‪‬‬ ‫الصنم إلها‪ ،‬وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة‪.‬‬ ‫ب ـ تسميته بما ال يليق بجالله كتسمية النصارى له أبا‪ ،‬وتسمية الفالسفة له موجبا بذاته‬ ‫‪‬‬ ‫أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ج ـ وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول اليهود‪ :‬إنه فقير وقولهم إنه‬ ‫‪‬‬ ‫يه ْم َو ُل ِعنُو ْا بِ َما َقا ُلو ْا َب ْل َيدَ ا ُه‬ ‫ت َأ ْي ِد ِ‬ ‫ت ا ْل َي ُهو ُد َيدُ ال ّل ِه َم ْغ ُلو َل ٌة ُغ َّل ْ‬ ‫استراح بعد أن خلق خلقه وقولهم (َو َقا َل ِ‬ ‫ك ُط ْغ َيانًا َو ُك ْفر ًا َو َأ ْل َق ْينَا َب ْين َُه ُم ا ْل َعدَ َاو َة‬ ‫ك ِمن َّر ِّب َ‬ ‫ف َي َشا ُء َو َل َي ِزيدَ َّن كَثِير ًا ِّمن ُْهم َّما ُأ ِنز َل إِ َل ْي َ‬ ‫َان ُي ِنف ُق َك ْي َ‬ ‫َم ْب ُسو َطت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َأ ْط َف َأ َها ال ّل ُه َو َي ْس َع ْو َن فِي األَ ْر ِ‬ ‫َوا ْل َبغ َْضاء إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة ُك َّل َما َأ ْو َقدُ و ْا نَار ًا ِّل ْل َح ْر ِ‬ ‫ض َف َساد ًا َوال ّل ُه الَ ُيح ُّ‬ ‫ب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ين[المائدة‪.]64 :‬‬ ‫ا ْل ُم ْفسد َ‬ ‫د ـ تشبيه صفات اهلل تعالى بصفات خلقه فالمشبهة يزعمون أن اهلل جسم له وجه كوجهنا‬ ‫‪‬‬ ‫ويد كأيدينا واستواء كاستوائنا‪.‬‬ ‫ه ـ التكذيب بأسماء اهلل تعالى أو ببعضها كتكذيب المشركين باسم الرحمن قـال تعالى‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫الر ْح َم ُن َأن َْس ُجدُ لِ َما ت َْأ ُم ُرنَا َوزَا َد ُه ْم ُن ُفور ًا[الفرقان‪.]60 :‬‬ ‫ِ‬ ‫اس ُجدُ وا ل َّلر ْح َم ِن َقا ُلوا َو َما َّ‬ ‫(وإِ َذا قِ َ‬ ‫يل َل ُه ُم ْ‬ ‫َ‬ ‫عدد أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬ورد يف السنة المطهرة ما يفيد عدد أسماء اهلل تعالى‪ ،‬ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اهلل‬ ‫عنه قال‪ ،‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬إن هلل تسعة وتسعين اسما مائة إال واحدا من أحصاها‬ ‫دخل الجنة‪ ،‬أنه وتر يحب الوتر) ""‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫وقد اختلف العلماء حول حصر األسماء بتسعة وتسعين اسما وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫أ ـ منهم من قال إنها محصورة بهذا العدد دون زيادة أو نقصان‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫ب ـ ومنهم من قال بأن العدد غير مقصود بالحصر فأسماؤه تعالى كثيرة‪ ،‬واستدلوا بقوله‬ ‫‪‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم يف الدعاء‪" :‬أسألك بكل اسم هو لك أنزلته يف كتابك‪ ،‬أو استأثرت به يف غيبك‪.""..‬‬ ‫وبهذا الرأي أخذ جمهور أهل العلم مع التعليل بأن المقصود من قوله صلى اهلل عليه‬ ‫‪‬‬ ‫وسلم" من أحصاها دخل الجنة "أن المراد دخول الجنة بإحصائها‪ ،‬ال اإلخبار بحصر األسماء‪ ،‬فالعدد‬ ‫مختصر بدخول الجنة و هذا ال يمنع وجود خيرها‪ ،‬كما تقول لفالن مائة مملوك قد أعدها للجهاد‪ ،‬فال‬ ‫ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدودون لغير الجهاد‪".‬‬ ‫أسماء اهلل تعالى بين التوقيف واالجتهاد‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬اختلف العلماء حول هذه المسألة كاآلتي‪:‬‬ ‫أ ـ اختار جمهور العلماء أنها توقيفية ( أي أن طريق معرفتها الشرع فقط‪ ،‬وال مجال‬ ‫‪‬‬ ‫لالجتهاد فيها )‪.‬‬ ‫ب ـ قالت المعتزلة جواز إثبات ما كان متصفا بمعناه ولم يوهم نقصا وإن لم يرد به توقيف‬ ‫‪‬‬ ‫من الشارع‪ ،‬ومال إليه القاضي أبو بكر الباقالين‪،‬‬ ‫ج ـ توقف فيه إمام الحرمين‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫د ـ فصل فيه اإلمام الغزالي‪ :‬فجوز إطالق الصفة وهي ما دل على معنى زائد على الذات‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫ومنع إطالق االسم وهو ما دل على الذات نفسها‪.‬‬ ‫ولكن العلماء رغم هذا االختالف إال أنهم اتفقوا على جواز إطالق األسماء على الباري‬ ‫‪‬‬ ‫عز وجل إذا ورد اإلذن فيها من الشارع وعلى امتناعه إذا ورد المنع منه‪ ،‬واختلفوا حيث ال إذن وال منع‪،‬‬ ‫والمختار هو مذهب الجمهور‬ ‫‪21‬‬ ‫الصفات‬ ‫‪ ‬الصفات اإللهية‬ ‫‪ ‬إن العقول البشرية تقف عاجزة أمام إدراك ذاته سبحانه وتعالى‪ ،‬أو تصوره أو اإلحاطة به‪ ،‬فإنها‬ ‫كذلك ال يمكنها إدراك كل ما اتصف به اهلل عز وجل من كمال مطلق‪ ،‬ومن ثم فقد أوجب العلماء هلل‬ ‫تعالى كل صفات الكمال التي تليق بذاته العلية إجماال‪ ،‬كما أوجبوا له سبحانه ـ تفصيال ـ عشرين صفة‬ ‫وذلك استنادا إلى ما جاء من أمرها يف الكتاب والسنة‪ ،‬وأرجعوا بقية الصفات إليها‪.‬‬ ‫‪ ‬أقسام الصفات‬ ‫‪ ‬أ ـ الصفة النفسية‪ :‬وهي الوجود‬ ‫‪ ‬ب ـ الصفات السلبية‪ :‬القدم‪ ،‬البقاء‪ ،‬المخالفة للحوادث‪ ،‬القيام بالنفس‪ ،‬الوحدانية‪.‬‬ ‫""‬ ‫‪ ‬ج ـ صفات المعاين وهي‪ :‬القدرة‪ ،‬اإلرادة‪ ،‬السمع‪ ،‬البصر‪ ،‬العلم‪ ،‬الكالم‪ ،‬الحياة‪.‬‬ ‫‪ ‬د ـ الصفات المعنوية وهي‪ :‬كونه تعالى قادرا‪ ،‬مريدا‪ ،‬سميعا‪ ،‬بصيرا‪ ،‬عالما‪ ،‬متكلما‪ ،‬حيا‪.‬‬ ‫‪ ‬والتقسيم السابق هو المشهور يف كتب العقيدة؛ وهذا التقسيم غرضه الرد على الشبهات حول‬ ‫الصفات اإللهية‪.‬‬ ‫‪ ‬أما التقسيم السابق لهذا التقسيم‪ ،‬فيقسم الصفات اإللهية عامة إلى صفات الذات‪ ،‬وصفات‬ ‫الفعل‪:‬‬ ‫‪ ‬والفرق بينهما‪:‬‬ ‫أن كل ما وصف اهلل تعالى به وال يجوز أن يوصف بضده فهو من صفات الذات‪ ،‬كالقدرة‬ ‫‪‬‬ ‫واإلرادة والعلم ‪.‬‬ ‫وكل ما يجوز أن يوصف اهلل تعالى به وبضده‪ ،‬فهو من صفات الفعل كالرأفة‪ ،‬والرحمة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫والسخط‪ ،‬والغضب‬ ‫‪22‬‬ ‫‪ ‬الصفة النفسية (الوجود)‬ ‫تعريفها‪( :‬هي صفة ثبوتية يدل الوصف بها على وجود الذات دون معنى زائد عليها)‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫شرح التعريف‪ :‬قولنا اهلل تعالى واجب الوجود لذاته أي أنه تعالى‪ :‬ال يجوز عليه العدم‪ ،‬وال‬ ‫‪‬‬ ‫يقبله ال أزال وال أبدا‪ ،‬فهو تعالى مستغن عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه‪،‬‬ ‫‪ ‬و قولنا‪ :‬يدل الوصف بها على الذات دون معنى زائد عليها‪ ،‬أي ال تدل على شيء زائد عليها‪.‬‬ ‫الدليل الشرعي‪ :‬قال اهلل تعالى‪َ ( :‬ذلِك ُُم ال ّل ُه َر ُّبك ُْم ال إِ َلـ َه إِالَّ ُه َو َخالِ ُق ك ُِّل َش ْي ٍء َفا ْع ُبدُ و ُه‬ ‫‪‬‬ ‫َف‬ ‫اختِال ِ‬ ‫ض َو ْ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫يل[األنعام‪.]102 :‬ويقول سبحانه‪(:،‬إِ َّن فِي َخ ْل ِق السماو ِ‬ ‫َو ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َوكِ ٌ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫اء ِمن َّماء َف َأ ْح َيا بِ ِه‬‫ك ا َّلتِي تَجرِي فِي ا ْلبحرِ بِما ين َفع النَّاس وما َأنز ََل ال ّله ِمن السم ِ‬ ‫ُ َ َّ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ْ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ار وا ْل ُف ْل ِ‬ ‫ال َّل ْي ِل َوالن ََّه ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األر َض بعدَ موتِ َها وب َّ ِ ِ‬ ‫ض‬ ‫اب ا ْل ُم َسخِّ رِ َب ْي َن َّ‬ ‫الس َماء َواألَ ْر ِ‬ ‫الس َح ِ‬ ‫ث ف َيها من ك ُِّل َدآ َّبة َوت َْصرِيف ِّ‬ ‫الر َياحِ َو َّ‬ ‫ََ‬ ‫َْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ون[البقرة‪.]164 :‬‬ ‫ات ِّل َق ْو ٍم َي ْع ِق ُل َ‬ ‫آلي ٍ‬ ‫َ‬ ‫تدل هذه اآليات الكريمات على ذاته تعالى‪ ،‬المتفرد بهذه الصفة األزلية التي ال يشاركه‬ ‫‪‬‬ ‫فيها غيره‪ ،‬إذ إن وجود المخلوقات مختلف عن صفة وجوده تعالى األزلي األبدي‪ ،‬أما وجود ما سواه‬ ‫فهو له بداية ونهاية‪ ،‬فإن كل ما سواه مفتقر إليه تعالى‪.‬‬ ‫الدليل العقلي‪ :‬العالم حادث‪ ،‬وكل حادث يجب افتقاره لمحدث‪ ،‬فوجب افتقار العالم‬ ‫‪‬‬ ‫إلى محدث وهو اهلل تعالى‪.‬و نقول أيضا‪ " :‬اهلل تعالى واجب الوجود‪ ،‬إذ لو كان جائز الوجود لكان من‬ ‫جملة العالم‪ ،‬فلم يصلح محدثا للعالم ومبدئا له‪.‬‬ ‫وقريب من هذا ما يقال‪ :‬أن مبدئ الممكنات بأسرها ال بد أن يكون واجبا‪ ،‬إذ لو كان ممكنا‬ ‫‪‬‬ ‫لكان من جملة الممكنات‪ ،‬فلم يكن مبدئا لها‪.‬‬ ‫‪ ‬أوال ‪ :‬دليل الفطرة‬ ‫‪23‬‬ ‫‪ ‬خلق اهلل تبارك وتعالى اإلنسان يف أحسن تقويم‪ ،‬وأمده بالفطرة‪ ،‬أي الجبلة األولى‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ين ا ْل َق ِّي ُم َو َلكِ َّن‬ ‫يل لِخَ ْل ِق اهلل ِ َذلِ َ‬ ‫ك الدِّ ُ‬ ‫َّاس َع َل ْي َها َال َت ْب ِد َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك لِلدِّ ِ ِ ِ‬ ‫ين َحنيفًا ف ْط َر َة اهلل ا َّلتي َف َط َر الن َ‬ ‫َفأقِ ْم َو ْج َه َ‬ ‫( َ‬ ‫ون[الروم‪.]30 :‬‬ ‫َأ ْك َث َر النَّا ِ‬ ‫س َال َي ْع َل ُم َ‬ ‫فمعرفة اهلل تعالى مركوزة يف النفس البشرية‪ ،‬وهذا القدر من المعرفة موجود لدى كافة‬ ‫‪‬‬ ‫البشر‪ ،‬ومن الممكن تنبيه الغافل عنها إذا المست أفكاره أو استنهضت بطريقة علمية محايدة عن أي‬ ‫تأثيرات جانبية مخلة بالبحث العلمي النزيه البعيد عن التعصب لمذهب أو ملة أو دين‪ ،‬كما أنه سبحانه‬ ‫ور ِه ْم ُذ ِّر َّيت َُه ْم َو َأ ْش َهدَ ُه ْم‬ ‫ك ِمن َبنِي آ َد َم ِمن ُظ ُه ِ‬ ‫(وإِ ْذ َأ َخ َذ َر ُّب َ‬ ‫فطر عباده وجبلهم على االعتراف بألوهيته‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َع َلى َأن ُف ِس ِه ْم َأ َل ْس ُ‬ ‫ين[األعراف‪:‬‬ ‫ت بِ َر ِّبك ُْم َقا ُلو ْا َب َلى َش ِهدْ نَا َأن َت ُقو ُلو ْا َي ْو َم ا ْلق َي َامة إِنَّا ُكنَّا َع ْن َه َذا غَاف ِل َ‬ ‫‪.]172‬‬ ‫دلت هذه اآلية البينة على أن الحق تبارك وتعالى استخرج من ظهور بني آدم عليه السالم‬ ‫‪‬‬ ‫ذريتهم شاهدين على أنفسهم أن اهلل ربهم ومليكهم‪ ،‬حين أقررهم على ذلك‪.‬‬ ‫‪ ‬وقد جاء يف الصحيح من حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم قوله‪ " :‬ما من مولود إال يولد على‬ ‫الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه‪ ،‬أو يمجسانه‪ ،‬فطرة اهلل التي فطر الناس عليها‪."""...‬‬ ‫فكل إنسان يولد على الفطرة يف هذه الدنيا إذا ترك وعزل عن أي مؤثر خارجي‪ ،‬وعلى‬ ‫‪‬‬ ‫ذلك ينشأ مقرا ومعترفا بوجود اهلل تبارك وتعالى استنادا إلى الجبلة األولى السليمة التي لم تلوث بأي‬ ‫انحراف عقدي خارجي ‪.‬‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬دليل الخلق والصنع‬ ‫‪ ‬هذه الموجودات مصنوعة و مخلوقة ال بد لها من صانع وخالق‪ ،‬إذ يستحيل عليها إيجاد نفسها‬ ‫بنفسها‪ ،‬و الذي أوجدها هو المتصف بكل كمال مطلق وهو اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬وإال فإن فاقد الشيء ال‬ ‫يعطيه فالجماد ليس من صفاته أن يكون متحركا‪ ،‬فكيف تدب فيه الحياة والحركة؟‪ ،‬إن العاقل يفطن‬ ‫إلى هذه الحقيقة عندما يقف وقفة إنصاف مع نفسه ليوازن بين هذه الحقائق الناطقة‪ ،‬وما يدعيه المالحدة‬ ‫‪24‬‬ ‫ان إِ َلى َط َع ِام ِه أنا‬ ‫نس ُ‬ ‫من إنكار لوجود الخالق العظيم سبحانه وتعالى عما يقولون‪.‬قال تعالى ‪َ( :‬ف ْل َين ُظرِ ْ ِ‬ ‫اإل َ‬ ‫صببنا الماء صبا ثم شققنا األرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخال وحدائق غلبا وفاكهة‬ ‫وأبا متاعا لكم وألنعامكم)‪.‬‬ ‫‪ ‬ثالثا ‪ :‬دليل االفتقار إلى سبب األسباب‬ ‫إن العلماء المنصفين يعترفون بأن الحوادث يف الكائنات الحية البد لها من علل وأسباب‬ ‫‪‬‬ ‫متقدمة عليها‪ ،‬كافتقار الماء إلى حرار الشمس والهواء كذلك‪ ،‬وهذا ما يسمى بافتقار المعلول إلى علة‪،‬‬ ‫وافتقار السبب إلى مسبب‪ ،‬فالثمرة مثال متوقف وجودها على الشجرة‪ ،‬والشجرة على البذرة‪ ،‬والبذرة‬ ‫على غرس الفالح لها وهكذا‪ ،‬وتستمر الحوادث حتى تصل إلى مسبب األسباب ومبدع اآليات‪ ،‬وال بد‬ ‫أن تنتهي سلسلة الحوادث هذه إلى خالقها وبارئها وهو اهلل تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫إن العقل السليم القادر على التفريق بين الحق والباطل‪ ،‬ال يمكن بعدها أن يقبل استمرار‬ ‫‪‬‬ ‫الحوادث إلى ما ال نهاية‪ ،‬منعا من التسلسل ""‪ ،‬كما أنه ال يمكن له أن يقبل توقف و

Use Quizgecko on...
Browser
Browser