🎧 New: AI-Generated Podcasts Turn your study notes into engaging audio conversations. Learn more

أنوار الأنبياء.pdf

Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...

Full Transcript

‫أنوار األنبياء‬ ‫تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء‬ ‫أﻧــــﻮار اﻷﻧــﺒــﻴﺎء‬ ‫ﺗﺄﻣﻼت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎج اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﻸﻧﺒﻴﺎء‬ ‫إﺑﺮاﻫﻴــﻢ وﻣـﻮﺳـﻰ ﻋﻠﻴﻬـﻤـﺎ اﻟﺴـﻼم‬ ‫أﺣـﻤـﺪ ﺑــﻦ ﻳـﻮﺳﻒ اﻟــﺴـﻴـﺪ‬ ‫ﺣﻘﻮق اﻟﻄﺒﻊ واﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬ ‫اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‬ ‫‪٢٠٢٣ - ١٤٤٥‬‬ ‫ﻣﻨﺎر اﻟﻔﻜ...

‫أنوار األنبياء‬ ‫تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء‬ ‫أﻧــــﻮار اﻷﻧــﺒــﻴﺎء‬ ‫ﺗﺄﻣﻼت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎج اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﻸﻧﺒﻴﺎء‬ ‫إﺑﺮاﻫﻴــﻢ وﻣـﻮﺳـﻰ ﻋﻠﻴﻬـﻤـﺎ اﻟﺴـﻼم‬ ‫أﺣـﻤـﺪ ﺑــﻦ ﻳـﻮﺳﻒ اﻟــﺴـﻴـﺪ‬ ‫ﺣﻘﻮق اﻟﻄﺒﻊ واﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬ ‫اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‬ ‫‪٢٠٢٣ - ١٤٤٥‬‬ ‫ﻣﻨﺎر اﻟﻔﻜﺮ‬ ‫اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ اﻟﺪوﻟﻲ‪:‬‬ ‫‬ ‫‪AKŞEMSETTİN MAH. ŞAİR FUZULİ SK.‬‬ ‫‪GÜNAYDIN APT. NO: 5A FATİH İSTANBUL‬‬ ‫‪FikirManar‬‬ ‫‪+905556600088‬‬ ‫‪www.fikirfeneri.net‬‬ ‫‪@ [email protected]‬‬ ‫أنوار األنبياء‬ ‫تأمالت في المنهج اإلصالحي‬ ‫لألنبياء‬ ‫تأليف‪ :‬أحمد بن يوسف السيد‬  ‫جدول المحتويات‬ ‫‪7‬‬ ‫تَوطِ َئ ٌة‬ ‫‪11‬‬ ‫أوالً‪ٌ :‬‬ ‫أنوار من قصص إبراهيم ‪ ‬يف القرآن‬ ‫‪11‬‬ ‫(ويتضمن مخسة مقاطع من اآليات القرآنية)‬ ‫‪13‬‬ ‫املقطع األول من أنوار قصة إبراهيم ‪ٌ ‬‬ ‫آيات من سورة مريم‬ ‫‪19‬‬ ‫املقطع الثاين من أنوار قصة إبراهيم ‪ٌ ‬‬ ‫آيات من سورة األنعام (‪)1‬‬ ‫‪25‬‬ ‫املقطع الثالث من أنوار قصة إبراهيم ‪ ‬آيات من سورة األنعام (‪)2‬‬ ‫‪31‬‬ ‫املقطع الرابع من أنوار قصة إبراهيم ‪ ‬آيات من سورة البقرة‬ ‫‪35‬‬ ‫املقطع اخلامس من أنوار قصة إبراهيم ‪ ‬آيات من سورة إبراهيم‬ ‫‪37‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬أنوار من قصص موسى ‪ ‬يف القرآن‬ ‫‪37‬‬ ‫(ويتضمن ستة عرش مقطع ًا قرآني ًا)‬ ‫‪39‬‬ ‫املقطع األول من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة القصص‬ ‫‪45‬‬ ‫املقطع الثاين من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة طه (‪)1‬‬ ‫‪49‬‬ ‫املقطع الثالث من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة طه (‪)2‬‬ ‫‪55‬‬ ‫املقطع الرابع من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة القصص (‪)2‬‬ ‫‪59‬‬ ‫املقطع اخلامس من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة طه (‪)3‬‬ ‫‪63‬‬ ‫املقطع السادس من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة طه (‪)4‬‬ ‫‪69‬‬ ‫املقطع السابع من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة طه (‪)5‬‬ ‫‪75‬‬ ‫املقطع الثامن من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة طه (‪)6‬‬ ‫‪79‬‬ ‫العرب والفوائد من املراحل التالية يف قصة موسى ‪‬‬ ‫‪81‬‬ ‫املقطع التاسع من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة األعراف‬ ‫‪89‬‬ ‫املقطع العارش من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة يونس‬ ‫‪95‬‬ ‫املقطع احلادي عرش من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة الشعراء‬ ‫املقطع الثاين عرش من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة األعراف (‪99 )2‬‬ ‫‪103‬‬ ‫املقطع الثالث عرش من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة املائدة‬ ‫املقطع الرابع عرش من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة األعراف (‪109 )3‬‬ ‫‪113‬‬ ‫املقطع اخلامس عرش من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة الكهف‬ ‫املقطع السادس عرش من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات من سورة القصص (‪117 )3‬‬ ‫‪119‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫﷽‬ ‫وط َئ ٌة‬ ‫َت ِ‬ ‫احلمـد هلل الـذي أكـرم عبـاده بإنـزال الوحـي على مـن اختارهـم من‬ ‫أنبيائـه فهداهـم بذلـك وأنـار هلـم الطريـق‪ ،‬ونسـأله أن يصلي ويسـلم‬ ‫على خامتهـم وسـيدهم حممـد ﷺ‪ ،‬وأن يرزقنـا االهتـداء هبديـه وهـدي‬ ‫{ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁﳂ}} [سـورة‬ ‫األنبيـاء مـن قبلـه‪:‬‬ ‫وأن جيمعنـا هبـم يف جنتـه‪.‬‬ ‫األنعـام‪]90:‬‬ ‫أمـا بعـد‪ ،‬فهـذا كتاب سـميته بـ (أنـوار األنبيـاء) مجعت فيـه تأمالت‬ ‫وفوائـد مـن اآليـات التـي ُذكـر فيهـا األنبيـاء الكـرام عليهـم مـن اهلل‬ ‫واعتنيـت فيهـا باملنهـج اإلصالحـي لألنبيـاء‪ ،‬وبيان‬ ‫ُ‬ ‫الصلاة والسلام‪،‬‬ ‫السـنن اإلهليـة املتعلقـة بنصر دينـه وأوليائـه والتمكين هلـم‪ ،‬وإهلاك‬ ‫أعدائـه وقطـع دابرهـم بعـد اإلمهـال هلـم‪ ،‬باإلضافـة إىل بيـان يشء مـن‬ ‫املنهـج التعبـدي والتزكـوي لألنبيـاء‪.‬‬ ‫وبعـد أن ِرِس ُت يف هـذه الرحلـة التدبريـة آليـات األنبياء ومـا يتعلق‬ ‫علمت –على وجه التفصيـل – أن هذا الباب‬ ‫ُ‬ ‫بمنهجهـم اإلصالحـي؛‬ ‫عظيـم النفـع‪ ،‬وأن حاجـة املصلحين وعامـة املؤمنين إليـه كبيرة‪ ،‬وأن‬ ‫هـذا املوضـوع مركـزي يف كتـاب اهلل تعـاىل‪ ،‬حـري باالهتمام والتأمـل‬ ‫والتدبـر ثـم االقتـداء واالهتـداء {ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪8‬‬ ‫ﳁ} [سـورة األنعـام‪.]90:‬‬ ‫و ُيعـدّ هـذا الكتـاب اجلـز َء األول مـن سلسـلة أنـوار األنبيـاء‬ ‫املطبوعـة‪ ،‬وهـو متعلـق باثنين مـن األنبياء‪ ،‬ومهـا‪( :‬إبراهيم وموسـى)‬ ‫عليهما صلـوات اهلل وسلامه‪ ،‬وسـيكون متبوعـ ًا بأجـزاء أخـرى بـإذن‬ ‫اهلل تعـاىل متعلقـة ببقيـة األنبيـاء بعـون اهلل وتوفيقـه‪ ،‬ونسـأله التيسير‪،‬‬ ‫والعـون والربكـة والقبـول‪.‬‬ ‫وهـذا الكتـاب يـأيت ضمـن منظومة مـن الكتب واملـواد املرئيـة التي‬ ‫قدمتهـا يف جمـال التأصيـل اإلصالحي‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ -1‬التزكية للمصلحين‪.‬‬ ‫‪ -2‬معالجة الق رآن لنفوس المصلحين‪.‬‬ ‫‪ -3‬السيرة النبوية للمصلحين‪.‬‬ ‫‪ -4‬بوصلة المصلح‪.‬‬ ‫‪ -5‬مركزيات اإلصالح‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫واملنهـج املتبـع يف هـذا الكتـاب هـو عـرض مقاطـع اآليـات القرآنية‬ ‫ثـم التعليـق عليهـا بالفوائـد على شـكل نقـاط متتابعـة‪ ،‬وأمـا املنهـج‬ ‫االسـتنباطي فقـد ابتعـدت فيه عـن التكلـف يف االسـتنباط‪ ،‬واجتهدت‬ ‫للسير فيـه على مـا يوافـق سـياق اآليـات وألفاظهـا‪ ،‬وأحيانـ ًا أستشـهد‬ ‫بأقـوال املفرسيـن املعتربيـن‪.‬‬ ‫واحلمد هلل رب العاملني أوالً وآخر ًا‪.‬‬ ‫أمحد بن يوسف السيد‬ ‫‪ 26‬رمضان ‪1444‬‬ ‫‪2023/4/17‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫أو ً‬ ‫ال‪ :‬أنوا ٌر من قصص‬ ‫إبراهيم ‪ ‬في القرآن‬ ‫(ويتضمن خمسة مقاطع‬ ‫من اآليات القرآنية)‬ ‫المقطع األول‬ ‫من أنوار قصة إبراهيم ‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫آيات من سورة مريم‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﱗ ﱘ ﱙ ﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ‬ ‫ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬ ‫ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ‬ ‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬ ‫ﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ‬ ‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ‬ ‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫ﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬ ‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ‬ ‫ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ‬ ‫ﳘ ﳙ} [سـورة مريـم‪.]50-41:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬يف قولــه ســبحانه‪{ :‬ﱜ ﱝﱞ} بيــان َرَش ِ‬ ‫ف منزلــة‬ ‫َ‬ ‫الصديقيــة عنــد اهلل تعــاىل‪ ،‬إ ْذ وصــف هبــا خليلــه إبراهيــم ‪،‬‬ ‫والصديقيــة متعلقــة بكــال التصديــق بــاهلل وخــره ووعــده‪ ،‬كــا أهنــا‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪14‬‬ ‫متعلقــة بتــام الصــدق يف األقــوال واألفعــال‪ ،‬بحيــث يكــون الصدّ يــق‬ ‫موافقــ ًا ِ‬ ‫بعملــه قو َلــه متــام املوافقــة‪.‬‬ ‫وما يصف اهلل به األنبياء يف القرآن فهو عىل قسمني‪:‬‬ ‫يختص بهم؛ وهو النبوة ول وازمها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‪ -‬قسم‬ ‫غيرهـم مـن المؤمنيـن؛ كالصديقيـة‬ ‫ب‪ -‬قسـم ُي شـاركهم فيـه ُ‬ ‫المذكـورة عـن إب راهيـم ‪ ‬فـي هـذا المقطـع‪.‬‬ ‫يختصون بـه هي من‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬والصفـات التـي ام تُـدح بهـا األنبيـاء ممـا ال‬ ‫تقرب بـه إلى اللـه تعالى‪ ،‬فعلـى المؤمـن والمصلح الذي‬ ‫أعظـم مـا ُي ّ‬ ‫يتحـرى هـدي األنبيـاء أن يحـرص علـى تحقيـق صفـة (الصدّ يقيـة)‬ ‫التـي هـي كمـال التصديـق وكمـال الصدق كمـا تقدم‪.‬‬ ‫‪-‬الثانيـة‪ :‬مقـام الولـد أمـام والـده يحـول – عـاد ًة – بينـه وبيـن‬ ‫النصيحـة‪ ،‬غيـر أن إب راهيـم ‪ ‬يقـوم أمـام والـده مقـام الناصـح‬ ‫المحـاور المب ِّي ن صاحـب الحجة‪ ،‬وهذا تأسـيس للدعوة في البيوت‬ ‫ولألق ربـاء ولـو كانـوا كبـار ًا‪.‬‬ ‫الثالثـة‪ :‬مقـام الدعـوة واإلرشـاد والتوجيـه يتطلـب اسـتعامل‬ ‫جسرا مـن القبول‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األلفـاظ احلسـنة التـي جتعـل بين الداعـي واملدعو‬ ‫وهـذا ظاهـر يف هـذه اآليـات يف دعوة إبراهيـم ألبيه‪ ،‬واهلل تبـارك تعاىل‬ ‫اللين‪ ،‬والنفـور من‬ ‫قـد جبـل نفـوس الناس على قبـول الرفـق والقول ّ‬ ‫‪15‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫الغلظـة والفجاجـة‪.‬‬ ‫أسـاس يف االتبـاع‪{ :‬ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬ ‫ٌ‬ ‫معيـار‬ ‫ٌ‬ ‫الرابعـة‪ :‬أن العلـم‬ ‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ} [سـورة مريـم‪ ]43:‬فليـس الرشـد مرتبطـ ًا بكبر‬ ‫السـن دائم ًا أو باخلبرة والتجربـة وحدهـا‪ ،‬فقد ُهُيـدى الفتـى ‪-‬بالعلم‪-‬‬ ‫إىل مـا مل ُهُيـد إليه الشـيخ‪.‬‬ ‫اخلامسـة‪ :‬يف قول إبراهيم ألبيه {ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ} بيـان عجـز مـا يتعلـق به املتعلقون مـن دون اهلل يف‬ ‫إشـارة إىل متام كامل اهلل الذي هو السـميع البصري الذي يغني عمن شـاء‬ ‫واسـتحضار ذلـك أثنـاء العبـادة والصلاة من أعظـم ما حيقق‬ ‫ُ‬ ‫مـا شـاء‪،‬‬ ‫العبوديـة هلل تعـاىل‪ ،‬ويقـود إىل ُحسـن التذلـل واالفتقـار والدعـاء‪ ،‬وفيه‬ ‫مـن الفائـدة اإلصالحيـة كذلـك‪ :‬أمهيـة تعريـة مـا يتعلـق بـه النـاس من‬ ‫غير اهلل ببيـان عجـزه وضعفـه مـع بيان متـام قـدرة اهلل وغنـاه وإحاطته‪،‬‬ ‫وهـذا يشـمل الديـن والرشيعـة والقوانين كذلـك‪ ،‬فبيـان قبـح األهواء‬ ‫البرشيـة مقابـل متـام وكمال املنهـج الربـاين والرشيعـة اإلهليـة أمـر مهـم‬ ‫كام قال سـبحانه‪{ :‬ﳍ ﳎ ﳏﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ}‬ ‫[سـورة املائدة‪.]50:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪16‬‬ ‫السادسـة‪ :‬قال إبراهيم ‪ ‬ألبيه‪{ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ}‬ ‫ويف هـذا فائدتان‪:‬‬ ‫‪ :)1‬أن ثمرة العلم‪« :‬اهلداية» وليس االستكثار من املعلومات‪.‬‬ ‫‪ :)2‬أن إبـراز الثمـرة للمدعـو أمـر مهـم‪ ،‬خاصـة وأهنـا تبـدد شـبهة‬ ‫االتبـاع ملجـرد الرئاسـة والتقـدم‪ ،‬وإنما الغـرض مـن قـول {ﱻﱼ}‬ ‫السـوي فقـط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اهلدايـة إىل الصراط‬ ‫السـابعة‪ :‬حينما خترج من سـلطة األضـواء‪ ،‬وتكون عنـدك مرجعية‬ ‫صحيحـة حتتكـم إليهـا؛ فـإن احلقائـق تنكشـف أمامـك كما انكشـفت‬ ‫إلبراهيـم ‪ ‬حين قـال‪{ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} [سـورة مريـم‪]42:‬‬ ‫بينما كان أبـوه يعتقـد يف األصنـام أمـر ًا عظي ًام‪.‬‬ ‫الثامنـة‪ :‬إظهـار احلـرص والشـفقة على املدعـو مـن هـدي األنبيـاء‬ ‫{ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ} [سـورة مريـم‪.]45:‬‬ ‫التاسـعة‪ :‬أن وجود اخلطاب اللني‪ ،‬واألسـلوب احلسن‪ ،‬والعلم؛ ال‬ ‫يلـزم منـه اسـتجابة الطـرف اآلخر‪ ،‬بل قـد يزداد عنـاد ًا {ﲠﲡ}‬ ‫[سورة مريم‪.]46:‬‬ ‫ُ‬ ‫القـرآن يبين نفـوس أصحـاب الباطـل‪ ،‬ومقـدار كرههـا‬ ‫العـارشة‪:‬‬ ‫للحـق ومعاداهتـا لـه‪ ،‬فالقضيـة ليسـت يف وجـود األسـلوب‪ ،‬وإنما يف‬ ‫حمبـة الباطـل وكراهيـة احلـق يف ذاتـه‪ ،‬واحلـق والباطـل ال جيتمعـان‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫احلاديـة عشرة‪ :‬صاحـب احلـق وإن ُقوبـل بالتكذيـب فلا يلـزم أن‬ ‫يكـون موقفـه شـديد ًا جتاه ذلـك‪{ :‬ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ} [سـورة‬ ‫مريم‪.]47:‬‬ ‫الثانيـة عشرة‪ :‬املصلـح قـد متـر بـه مرحلـة حيتـاج فيهـا إىل االنتقـال‬ ‫مـن وطنـه ابتعـاد ًا عن الباطـل‪{ :‬ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ}‬ ‫[سـورة مريـم‪.]48:‬‬ ‫الثالثـة عشرة‪ :‬إذا فارق املصلح األهـل والوطن واألحباب يف ذات‬ ‫اهلل؛ فإنـه حيتـاج ملـا ُيغنيـه مـن التعلـق بـاهلل واالسـتئناس بـه‪ ،‬مـا خيفـف‬ ‫عنـه هـذا الفراق‪ ،‬كما قال إبراهيم ‪ ‬يف هـذه اآليات‪{ :‬ﲲ ﲳ‬ ‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ} [سـورة مريـم‪.]48:‬‬ ‫الرابعـة عشرة‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ‬ ‫ﳊ ﳋﳌ} [سـورة مريـم‪ :]49:‬اهلل تبـارك وتعـاىل ُيعطـي عبـاده‬ ‫ضحـوا يف سـبيله عطـاءات ال ختطـر هلم عىل‬ ‫الثابتين الصابريـن الذيـن ّ‬ ‫وكثريا مـا يكون هـذا العطاء‬ ‫ً‬ ‫وكثيرا مـا تكـون بعـد االبتلاءات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بـال‪،‬‬ ‫مـن جنـس نـوع البلاء‪ ،‬فإبراهيـم ‪ ‬حين اعتـزل أهله وقومـه جازاه‬ ‫هلل بـأن وهـب لـه إسـحاق ويعقـوب وجعلهما أنبياء‪ ،‬فـإذا ضحيت يف‬ ‫ا ُ‬ ‫سـبيل اهلل‪ ،‬وصبرت يف ذلـك؛ فأحسـن الظـن بربك‪ ،‬فإن عاقبـة البالء‬ ‫حسنة‪.‬‬ ‫المقطع الثاني‬ ‫من أنوار قصة إبراهيم ‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫آيات من سورة األنعام (‪)1‬‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔ‬ ‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ‬ ‫ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬ ‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬ ‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ‬ ‫ﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ‬ ‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ}‬ ‫[سـورة األنعام‪.]79-74:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫أصحاب‬ ‫ُ‬ ‫األوىل‪ّ :‬‬ ‫أن الـذي ينظـر ببصر نافـذ فإنـه ال يغرت بام ُيز ِّيـن به‬ ‫الباطـل باطلهـم‪ ،‬بـل يـرى حقائـق األمـور دون هبـرج أو تلبيـس‪،‬‬ ‫وغيره مـن قومـه‪ ،‬كانـوا‬ ‫ُ‬ ‫فاألصنـام التـي كان يتّخذهـا والـد إبراهيـم‬ ‫وخُتشـى وتُرجـى ُ‬ ‫وخُتـاف‪ ،‬بينما‬ ‫ينظـرون هلـا على ّأهّنـا آهلـة تنفـع وتضر ُ‬ ‫صاحـب البصيرة إبراهيـم ‪ ‬كان يراهـا عىل حقيقتها‪ ،‬فهي أخشـاب‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪20‬‬ ‫أو أحجـار ال تضر وال تنفـع‪.‬‬ ‫ولـكل زمـان أصنامـه وفتنتـه وتأثرياتـه‪ ،‬فالـذي يريـد الوصـول إىل‬ ‫احلـق ينبغـي له أن خيترق ببصريته احلجب الظاهـرة‪ ،‬وينظر إىل حقائق‬ ‫القضايـا بالدليـل والربهان‪.‬‬ ‫الثانيـة‪ :‬منهـج األنبيـاء يف التعامل مع العقائـد الباطلة ال يقترص عىل‬ ‫وصف َمـن يتبناها بام يسـتحق‬ ‫ُ‬ ‫نقـد الفكـرة وحدهـا‪ ،‬وإنما يكـون معها‬ ‫كذلـك‪ ،‬فهنـا قـال إبراهيـم ‪{ :‬ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ}‬ ‫[سـورة األنعام‪.]74:‬‬ ‫الثالثـة‪ :‬اهلل سـبحانه وتعـاىل حيـب مواجهـة صاحـب احلـق للباطل‪،‬‬ ‫ولذلـك ُيكثـر سـبحانه مـن ذكـر هـذه املقامـات يف قصـص األنبياء‪.‬‬ ‫الرابعـة‪{ :‬ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬ ‫ﱗ ﱘ ﱙ}‪ :‬النظـر يف املخلوقـات وآثـار صنـع اهلل‬ ‫تعـاىل مـن األسـباب التـي تـؤدي إىل زيـادة اإليمان واليقين‪ ،‬فقولـه‬ ‫أي نتيجـة‬ ‫[سـورة األنعـام‪]75:‬‬ ‫سـبحانه {ﱗ ﱘ ﱙ}‬ ‫رؤيتـه ملكـوت السماوات واألرض‪ ،‬وهذا يبني أمهيـة التفكر يف آيات‬ ‫اهلل الكونيـة وأهنـا مـن أعظـم أسـباب حتصيـل اليقين‪.‬‬ ‫اخلامسـة‪ :‬املـُـصلح حيتـاج إىل اليقين قبل أن ينطلـق يف دعوته‪ ،‬ومن‬ ‫يتأمـل كتـاب اهلل تعـاىل جيـد أن اهلل هي ّيئ ألنبيائه مـن الدالئل والرباهني‬ ‫‪21‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫يف بدايـة دعوهتـم ما جيعلهم على يقني تام من صحة طريقهم‪ ،‬وسـيأيت‬ ‫يف قصـة موسـى ‪ ‬أن اهلل أراه ابتـداء آيـة العصـا وقـال {ﲛ ﲜ‬ ‫ﲝ ﲞ} [سـورة طـه‪ ]23:‬قبـل أن يأمره بالتوجـه إىل فرعون‪ ،‬وهذا‬ ‫يـدل على أمهية تعزيـز اليقني بالنسـبة لإلنسـان املصلح‪.‬‬ ‫السادسـة‪ :‬يف قـول اهلل تعـاىل‪ { :‬ﱢ ﱣ ﱤﱥ} ‪..‬ومـا بعدهـا مـن‬ ‫اآليـات‪ ،‬اختلـف العلماء يف هـذه اآليـات الثلاث هـل كان املقـام فيها‬ ‫مقـام «مناظـرة» مـع قومـه الذين كانـوا يعبـدون األصنـام والكواكب‪،‬‬ ‫أو مقـام «نظـر» للبحـث عـن الدليـل املوصـل لإليمان ويكـون هـذا يف‬ ‫بدايـة أمـره قبـل النبـوة‪ ،‬واملقـام هنـا ليـس للتفصيـل يف هـذه املسـائل‬ ‫وأدلتهـا‪ ،‬ولكـن الفوائـد سـتنبني على ترجيـح أحـد القولين‪ ،‬ولعـل‬ ‫رجحـه ابـن كثير وغيره أن املقـام مقـام‬ ‫األقـرب – واهلل أعلـم –مـا ّ‬ ‫مناظـرة ‪-‬وإن كان قـد قـال بالقـول اآلخـر كثير من أهل العلـم‪ ،-‬ومما‬ ‫يرجـح ذلك‪:‬‬ ‫أن هـذه اآليـات مسـبوقة بقـول اهلل‪{ :‬ﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ}‪ ،‬وكما قـال‬ ‫ُـوت لِي ِ‬ ‫وقـ َن َف َل َّما َأ ْي َقـ َن‬ ‫ترا ُه َأ َرا ُه ا َْمْل َلك َ ُ‬ ‫البغـوي رمحـه اهلل يف تفسيره‪َ ( :‬أ َف َ َ‬ ‫ُـون َأ َبـدً ا)‪.‬‬ ‫يِّب» ُم ْعت َِقـدً ا؟ َف َه َـذا َمـا َاَل َيك ُ‬ ‫«ه َـذا َر ِّ َ‬ ‫َر َأى ك َْو َك ًبـا َق َ‬ ‫ـال‪َ :‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪22‬‬ ‫السـابعة‪ :‬قـد حيتـاج الداعيـة إىل ّ‬ ‫التنـزل يف اخلطـاب مـع املخالـف‬ ‫حتـى يصـل إىل النتيجـة الصحيحـة يف إبطـال قـول املـُـخالف‪ ،‬كام فعل‬ ‫إبراهيـم ‪ ،‬قـال السـعدي رمحه اهلل يف تفسيره‪َ «( :‬ق َال َه َـذا َر ِّيِّب» أي‪:‬‬ ‫على وجـه التنـزل مـع اخلصـم أي‪ :‬هـذا ريب‪ ،‬فهلـم ننظر‪ ،‬هل يسـتحق‬ ‫الربوبيـة؟ وهـل يقـوم لنـا دليل على ذلك؟)‪.‬‬ ‫الثامنـة‪ :‬قـول إبراهيـم ‪{ :‬ﱩ ﱪ ﱫ} تـدل على أن‬ ‫عالقـة إبراهيـم ‪ ‬بالربوبيـة ليسـت عالقـة معرفيـة فحسـب‪ ،‬وإنما‬ ‫عالقـة قلبيـة تكـون املحبة فيها أساسـ ًا ومبـدأ‪ ،‬ويف هـذه اآليات اجلمع‬ ‫بني العقل والقلب‪ ،‬بني االسـتدالل الربهاين وبني الشـعور الوجداين‪.‬‬ ‫التاسـعة‪ :‬إبراهيـم ‪ ‬إمام احلنفاء املائلين عن الرشك املتربئني منه‪،‬‬ ‫املقبلين إىل اهلل إقبـال إخلاص وتوحيـد‪ ،‬كما قـال‪{ :‬ﲁ ﲂ ﲃ‬ ‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬ ‫ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚ‬ ‫ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} [سـورة األنعـام‪.]79-78:‬ولذلـك فـإن‬ ‫مـن يسـتدل باسـم «إبراهيـم» ‪ ‬على التقريـب بين احلـق والباطـل‪،‬‬ ‫وبين اإلسلام والكفـر‪ُ ،‬مل ّقبـ ًا هـذا التقريـب باإلبراهيميـة أو الديـن‬ ‫اإلبراهيمـي فقـد تعلـق باسـ ٍم هـو أبعـد األسماء عـن هـذا املعنـى‪ ،‬فهو‬ ‫دائما‪ ،‬وهـذه الرباءة جزء أسـايس‬ ‫إمـام احلنفـاء الـذي يتبرأ مـن الرشك ً‬ ‫مـن حتقيـق التوحيـد هلل تعـاىل‪ ،‬إذ ّ‬ ‫إن هـذا التحقيق ال يكـون إال باجلمع‬ ‫‪23‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫بين «النفـي» و «اإلثبـات»؛ نفـي األلوهية عام سـوى اهلل تعـاىل‪ ،‬وإثباهتا‬ ‫لـه وحـده‪ ،‬وأمـا مـا يسـمى بالديـن اإلبراهيمـي فـاألوىل بـه أن يسـمى‬ ‫ديـن التلفيـق والتحريـف‪ ،‬ال ديـن اإلمـام احلنيف‪.‬‬ ‫العـارشة‪ :‬كان قـوم إبراهيـم ‪ ‬ال يـرون يف الكواكـب إال املشـهد‬ ‫اجلزئـي الصغير‪ ،‬فريوهنـا وحدهـا مسـتقلة عـن خالقهـا ‪-‬كام هـو حال‬ ‫املنهـج املـادي اليـوم‪ ،-‬وأراد إبراهيـم ‪ ‬أن يلفـت انتبـاه قومـه إىل‬ ‫املشـهد الـكيل األعظـم‪ ،‬إىل مـا وراء هـذه الكواكـب‪ ،‬فقـال هلـم‪{ :‬ﲔ‬ ‫ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ}‪ ،‬فكأنـه يقول هلم‪ :‬إن‬ ‫كنتـم مبهوريـن هبـذه الكواكـب؛ فأنـا قـد وجهـت وجهـي خلالـق هـذه‬ ‫ِ‬ ‫ومكوكبِهـا‪.‬‬ ‫الكواكـب‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع الثالث‬ ‫من أنوار قصة إبراهيم ‪‬‬ ‫آيات من سورة األنعام (‪)2‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪{ :‬ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ‬ ‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬ ‫ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬ ‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ‬ ‫ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏ‬ ‫ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫ﱣ ﱤﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ‬ ‫ﱠ ﱡ ﱢ‬ ‫ﱝ ﱞ ﱟ ‬ ‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ‬ ‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ‬ ‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ‬ ‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ‬ ‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ‬ ‫ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ‬ ‫ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪26‬‬ ‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ‬ ‫ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [سـورة األنعـام‪.]90-80:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬يف قولـه سـبحانه‪{ :‬ﲢ ﲣﲤ} [سـورة األنعـام‪ّ ]80:‬‬ ‫أن‬ ‫مـن هـدي األنبيـاء‪ :‬االسـتامع للنـاس‪ ،‬والدفـاع عـن احلـق باحلجـة‬ ‫والب ّينـة والربهـان‪ ،‬بـل واملبـادرة إىل عـرض احلـق بدليلـه دعـوة إىل اهلل‬ ‫تعـاىل‪ ،‬ولذلـك أكثـر اهلل تعـاىل من ذكـر حـوارات األنبياء مـع أقوامهم‬ ‫وجداهلـم إياهـم‪.‬‬ ‫الثانيـة‪ :‬مـن أعظـم مـا يثبت املصلـح يف طريقه أمـام حجج اخلصوم‬ ‫وكيدهـم وشـبهاهتم‪ :‬ما هيبه اهلل له مـن اهلداية اخلاصة‪ ،‬كام قال إبراهيم‬ ‫اد ُلونَنِي ِيِف‬ ‫‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ} قال ابن كثري‪َ ( :‬أي‪َ ُ :‬جُت ِ‬ ‫ْ‬ ‫احْل ِّق َو َأنَا َع َىَل َب ِّين ٍَة‬ ‫ِ‬ ‫هَّللَّ َو َأنَّـ ُه َاَل إِ َلـ َه إِ َّاَّل ُه َو* َو َقدْ َب ِ‬ ‫رَّصيِن َو َهـدَ ايِن إِ َىَل ْ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َأ ْم ِـر ا ِ‬ ‫اسـدَ ِة َو ُشـ َب ِهك ُُم ا ْل َباطِ َل ِة؟!) وهذه‬ ‫ـت إِ َىَل َأ ْقوالِكُم ا ْل َف ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ـف َأ ْلت َِف ُ‬‫ِمنْـ ُه؟ َف َك ْي َ‬ ‫وتـذوق حالوتـه‪ ،‬وتسـتلزم‬ ‫ُّ‬ ‫اهلدايـة تسـتلزم رؤيـة أنـوار طريـق احلـق‬ ‫األنـس بـاهلل والثقـة به‪ ،‬وتسـتلزم كذلـك إبصـار نقص طريـق الباطل‪،‬‬ ‫وهـذا كلـه مـن أعظـم املث ّبتات‪ ،‬وال يكفـي امتالك احلجـة والقدرة عىل‬ ‫النقـض املعـريف لقـول املخالـف دون أن يعيـش املصلـح حقيقـة اهلداية‬ ‫ونعيـم األنس بـاهلل وبدينه‪.‬‬ ‫‪27‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫الثالثـة‪ :‬أن ْ‬ ‫أصحـاب الباطل خيافـون آهلتهم ورموزهم‪ ،‬وينسـجون‬ ‫حوهلـا األسـاطري واخلرافـات التـي جتعـل هلـا اهليبـة يف النفـوس‪ ،‬ومـن‬ ‫أهـل احلـق‪ ،‬وهيددوهنـم بقوهتـم وقدرهتـم على إحلاق‬ ‫خيوفـون هبـا َ‬ ‫ثـم ّ‬ ‫الضرر هبـم أو إخراجهـم مـن أرضهـم‪ ،‬وهـذه سـنة متوارثـة بينهـم‬ ‫هيـددون هبـا األنبيـاء‪ ،‬وجتـد ‪-‬يف املقابـل‪ -‬األنبيـا َء على متـام الثقـة‬ ‫بـاهلل والتـوكل عليـه واالعتصـام بـه‪ ،‬ومـن ثـم عـدم االكتراث هبـذه‬ ‫التهديـدات والتخويفـات‪ ،‬وهـذا ظاهـر يف هـذا املقطـع مـن قصـة‬ ‫إبراهيـم ‪ ،‬وسـأذكر لتمام الفائـدة بعـض املواضـع القرآنيـة املشـاهبة‬ ‫املتعلقـة بغيره مـن األنبيـاء كذلـك‪ ،‬فمنهـا مثلاً‪ :‬مـا قاله قـوم هود ‪‬‬ ‫عنـه‪ ،‬ومـا أجاهبم به‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫ﱘ ﱙ ﱚ} [سـورة هـود‪.]55-54:‬‬ ‫ومـن ذلـك أيضـا قولـه سـبحانه عـن األنبيـاء يف قيلهـم ألقوامهـم‪:‬‬ ‫{ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬ ‫ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [سورة إبراهيم‪.]12:‬ومن‬ ‫ذلـك أيضـ ًا مـا ذكـره اهلل يف شـأن نـوح ‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫ﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ‬ ‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞﱟ‬ ‫ﱠ ﱡ ﱢ} [سورة يونس‪.]71:‬ثم توصية اهلل لنبيه حممد ﷺ بقوله‪:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪28‬‬ ‫{ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} [سورة األعراف‪.]196-195:‬‬ ‫الرابعـة‪ :‬كلما تشـ ّبع قلـب املصلـح بالعلـم بـاهلل وعظمتـه وجاللـه‬ ‫تغرّي مفاهيمـه‪ ،‬بل كان‬ ‫كان أعلى مـن املؤثـرات األرضية املحـدودة أن ّ‬ ‫قـادر ًا على أن يقلـب على أصحـاب الباطل باطلهـم ّ‬ ‫وجيرهـم إىل مر ّبع‬ ‫احلـق ليضعهـم فيـه عـراة أمـام احلـق‪ ،‬وهـذا مأخـوذ مـن قـول إبراهيم‬ ‫‪{ :‬ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬ ‫ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ‬ ‫ﳖ ﳗ} [سـورة األنعـام‪.]81:‬‬ ‫اخلامسـة‪ :‬يف قولـه سـبحانه‪{ :‬ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫[سـورة‬ ‫ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ}‬ ‫األنعـام‪.]83:‬‬ ‫ّ‬ ‫أن إنجـازات املصلـح وإن بـذل فيهـا اجلهد والسـبب؛ فـإن عليه أن‬ ‫يتذكـر دائم ًا أن الفضـل هلل‪ ،‬فهـو الذي ُيؤيت املصلح حجتـه‪ ،‬وهو الذي‬ ‫هيديه ويسـدده ويلهمه رشـده‪.‬‬ ‫حماّل لالقتداء؛ ألن‬ ‫ِ‬ ‫الرسـل وك َُملوا وكانوا ًاّ‬ ‫ُ‬ ‫شـأن‬ ‫السادسـة‪ :‬إنّام عال‬ ‫اهلل هداهـم‪ { :‬ﱣ ﱤﱥ} [سـورة األنعـام‪ ]84:‬ومـن أعظـم مـا ُهـدوا‬ ‫إليـه‪ :‬حتقيـق االستسلام هلل تعـاىل ومتـام التـوكل عليه يف تبليغ الرسـالة‬ ‫‪29‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫والصبر على األذى يف سـبيل ذلـك‪ ،‬وهـذه اآليـات مـن قولـه { ﱣ‬ ‫ﱤﱥ} [سـورة األنعـام‪ ]84:‬إىل قولـه {ﳀ ﳁﳂ} [سـورة األنعـام‪]90:‬‬ ‫مـن أعظـم اآليات التي تُربز قيمة اهلداية ومنزلتها وشـأهنا يف اإلسلام‪.‬‬ ‫السـابعة‪ :‬مـن أعظـم مـا ينبغـي أن خيافـه املصلـح‪ :‬أن يتسـلل يشء‬ ‫مـن الشرك إىل عملـه وقلبـه‪ ،‬فـإن ذلـك سـبب لسـلب النعمـة وحبوط‬ ‫العمـل‪ ،‬فقـد قـال اهلل سـبحانه يف هـذه اآليـات يف حـق األنبيـاء‪{ :‬ﲠ‬ ‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ} [سـورة األنعـام‪.]88:‬‬ ‫الثامنـة‪ :‬مـن أعظم سمات األنبيـاء أهنم حيققـون بأعامهلم مـا يدعون‬ ‫إليـه بأقواهلـم‪ ،‬فكانـوا نماذج عمليـة ال جمـرد مقـوالت نظريـة‪ ،‬ولذلك‬ ‫يأمـر اهلل باختاذهـم قـدوات وأئمـة‪ ،‬فقال سـبحانه‪{ :‬ﳀ ﳁﳂ}‬ ‫وهكـذا يكـون املصلـح حني يقتـدي هبم‪ ،‬عام ً‬ ‫لا بعلمه‪ ،‬فيسـتمد العلم‬ ‫والعمـل مـن األنبياء‪.‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع الرابع‬ ‫من أنوار قصة إبراهيم ‪‬‬ ‫آيات من سورة البقرة‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬ ‫ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬ ‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫ﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃ‬ ‫ﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ‬ ‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ‬ ‫ﳟﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ‬ ‫ﱡﱢ ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫ‬ ‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬ ‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ‬ ‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ‬ ‫ﲓ ﲔ} [سـورة البقـرة‪.]131-124:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪32‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬أن التكليـف الرشعـي ابتلاء‪ ،‬وأن أوىل النـاس بإمتـام‬ ‫متطلبـات هـذا االبتلاء هـم األنبيـاء ثـم مـن تبعهـم مـن الصاحلين‬ ‫ا ملصلحين ‪.‬‬ ‫الثانيـة‪ّ :‬‬ ‫أن ُحسـن االمتثـال ملا أمر اهلل بـه من العبـادات والتكاليف‪،‬‬ ‫وإمتـام ذلـك على وجهـه وتوفيتـه = مـن مقدمـات اإلمامـة يف الديـن‪:‬‬ ‫{ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ} [سـورة البقـرة‪ ،]124:‬وال ينتظـر‬ ‫بمجـرد العلـم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املـرء أن يكـون إما ًمـا‬ ‫الثالثة‪ :‬يف قول إبراهيم ‪{ :‬ﲢ ﲣ} تنبيه إىل أمهية االهتامم‬ ‫باألجيال القادمة‪ ،‬والسـعي إلجياد األئمة واملصلحني فيها‪.‬‬ ‫الرابعـة‪ :‬ال جتتمـع اإلمامـة يف الديـن مـع الظلـم {ﲦ ﲧ ﲨ‬ ‫ﲩ} [سـورة البقـرة‪ ،]124:‬فمـن أراد أن جيعلـه ا ُ‬ ‫هلل إما ًمـا فليجتنـب‬ ‫الظلـم‪.‬‬ ‫اخلامسـة‪ :‬أمهيـة كثـرة الدعـاء يف خمتلـف األحـوال واملقامـات‪،‬‬ ‫يبين مقـدار التـزام إبراهيـم ‪ ‬للدعـاء يف مجيـع أحواله‪،‬‬ ‫فهـذا املقطـع ّ‬ ‫وهـذا ظاهـر يف عامـة اآليـات املتعلقـة بإبراهيم ‪ ‬يف سـورة الشـعراء‬ ‫وإبراهيـم ومريـم‪ ،‬ولذلـك وصفـه اهلل بأنـه {ﱯ} [سـورة هـود‪ ]75:‬وقد‬ ‫رجـح اإلمـا ُم الطبري بعـد أن رسد األقـوال يف تفسير كلمـة {ﱯ}‬ ‫ّ‬ ‫‪33‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫[سـورة هـود‪ ]75:‬بأنـه الد ّعـاء‪ ،‬أي كثير الدعـاء‪ ،‬وهـذا مـن أهم مـا ينبغي‬ ‫على املؤمـن أن يقتبسـه مـن أنـوار األنبيـاء‪.‬‬ ‫السادسـة‪ :‬عـدم الركـون إىل العمـل الصالـح وحـده مهما بـذل‬ ‫اإلنسـان فيـه وتعـب‪ ،‬بـل ال بـد مـن إتباعـه بالدعـاء بالقبـول {ﱈ‬ ‫[سـورة البقـرة‪.]127:‬‬ ‫ﱉ ﱊﱋ}‬ ‫السابعة‪ :‬أن من أنوار األنبياء‪ :‬معرفة األسامء احلسنى التي حيسن‬ ‫استعامهلا مع الدعاء املناسب هلا‪ ،‬فهنا نجد استعامل إبراهيم ‪‬‬ ‫السمي اهلل {ﱎ ﱏ} مع الدعاء بالقبول‪.‬‬ ‫الثامنـة‪ :‬أن مـن هـدي األنبيـاء الدعـاء بتحقيـق أصـل اإلسلام‬ ‫وأسـاس العبوديـة هلل تعـاىل‪ ،‬وأنـه مـن أهـم مـا ينبغـي التفكير فيـه‬ ‫للنفـس ولألمـة ولألجيـال القادمـة‪{ :‬ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬ ‫[سـورة البقـرة‪.]128:‬‬ ‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ}‬ ‫التاسـعة‪ :‬أن اإلعـراض عـن ملـة إبراهيـم (التـي هـي االستسلام‬ ‫هلل وحـده والبراءة مـن الشرك وأهلـه) أسـاس السـفه واجلهل‪{ :‬ﱶ‬ ‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ} [سـورة البقـرة‪.]130:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪34‬‬ ‫العـارشة‪ :‬هـذه اآليـات تبين قيمة االستسلام هلل وحـده‪ ،‬وأن عليه‬ ‫ف اهلل بـه خليله‪{ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬ ‫وص َ‬ ‫مـدار الفلاح‪ ،‬ألنـه من أهم ما َ‬ ‫ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [سـورة البقـرة‪ ،]131:‬واملتأمـل يف سـورة‬ ‫البقـرة عمومـ ًا جيد أن هـذه القضيـة مركزية فيها‪.‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع الخامس‬ ‫من أنوار قصة إبراهيم ‪‬‬ ‫آيات من سورة إبراهيم‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬ ‫ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬ ‫ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬ ‫ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿ‬ ‫ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ‬ ‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ‬ ‫ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬ ‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬ ‫ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ} [سـورة إبراهيـم‪.]41-35:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬وصـف اهلل إبراهيـم ‪ ‬بأنـه {ﱯ} [سـورة هـود‪ ،]75:‬ومعنى‬ ‫ذلـك – كما تقـدم – أنـه كان كثير الدعـاء‪ ،‬وهـذه اآليـات أنمـوذج‬ ‫تفصيلي على أدعيـة إبراهيـم اخلليـل ‪ ،‬فليتأملهـا املصلـح‪ ،‬وليتعلـم‬ ‫مـن افتقـاره ‪ ‬واسـتكانته لربـه‪ ،‬فـإن مـن أهم قبسـات أنـوار األنبياء‪:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪36‬‬ ‫تعلـم عبوديـة الدعـاء منهـم عليهـم صلـوات اهلل وسلامه‪.‬‬ ‫الثانيـة‪ :‬أن املصلـح مهما بلـغ من الدرجـة عند اهلل تعـاىل ومن العلم‬ ‫بدينـه فإنـه يظـل يدعـو ربـه أن جينبـه الشرك والكفـر والتعلـق بغيره‪:‬‬ ‫{ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} [سـورة إبراهيـم‪.]35:‬‬ ‫الثالثـة‪ :‬مـن سمات إبراهيـم ‪ :‬الرمحـة بالذريـة واحلـرص عىل أن‬ ‫تصلهـم أنـوار الرسـالة وأن يكونـوا مـن العابديـن الشـاكرين‪{ :‬ﱿ‬ ‫ﲀ ﲁ}‪{ ،‬ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ}‪،‬‬ ‫{ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ}‪ ،‬ولذلـك فلا عجـب أن‬ ‫يكـون ابنُـه إسماعيل ‪ ‬حريصـ ًا على أهلـه بـأن يقيمـوا الصلاة فقـد‬ ‫تربـى على يـد إبراهيـم ‪ ،‬ولذلـك قـال اهلل تعـاىل عـن إسماعيل‪:‬‬ ‫{ ﱞ ﱟﱠﱡ} [سورة مريم‪.]55:‬‬ ‫الرابعـة‪ :‬يسـتحب يف الدعـاء أال يكـون سـؤاالً وطلبـ ًا فقـط‪ ،‬بـل‬ ‫ضمـن معنـى االعرتاف واإلقـرار واحلمد والثناء هلل سـبحانه‬ ‫جيـب أن ُي ّ‬ ‫وتعـاىل‪ ،‬فيراوح القانت يف دعائه بني هذه املعـاين ليوافق أدعية األنبياء‬ ‫وقنـوت اخلليـل ‪ ،‬وإذا تأملـت يف هذه اآليات سـتجد فيها االنتقال‬ ‫مـن املسـألة إىل اإلقـرار واالعتراف ثـم إىل املسـألة فالثنـاء واحلمـد ثـم‬ ‫إىل املسـألة والدعاء‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬أنوار من قصص‬ ‫موسى ‪ ‬في القرآن‬ ‫(ويتضمن ستة عشر‬ ‫مقطعًا قرآنيًا)‬ ‫المقطع األول‬ ‫من أنوار قصة موسى ‪‬‬ ‫آيات من سورة القصص‬ ‫{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬ ‫ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡ‬ ‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬ ‫ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬ ‫ﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿ‬ ‫ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ‬ ‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬ ‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮ‬ ‫ﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷ‬ ‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬ ‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ‬ ‫ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ‬ ‫ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬ ‫ﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵ‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪40‬‬ ‫ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁ‬ ‫ﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌ‬ ‫ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ}‬ ‫[سـورة القصـص‪.]14-1:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬أن وجـود الطغـاة املفسـدين املتجربيـن إنما هـو بعلـم اهلل‬ ‫تعـاىل وحتـت إحاطتـه‪ ،‬فـاهلل يتلـو علينـا مـن نبـأ هـذا الطاغيـة املجـرم‪،‬‬ ‫ويفصـل لنـا بعض‬ ‫ّ‬ ‫ويقـص علينـا أخبـاره يف هـذه السـورة ويف غريهـا‪،‬‬ ‫جرائمـه‪ ،‬ثـم يبين لنا كيـف كان املخرج من تسـلطه وجربوتـه‪ ،‬وكيف‬ ‫صلحـت أحـوال املسـتضعفني يف زمنـه‪ ،‬والفائـدة مـن ذلـك أنـه إذا‬ ‫عـاش املسـلمون زمنـ ًا تسـلط عليهـم فيـه طاغيـة أو متجبر يسير على‬ ‫هنـج فرعـون يف اسـتضعاف النـاس وقهرهـم وحماربـة دينهـم؛ فعليهـم‬ ‫أال جيعلـوا ذلـك سـببا لليـأس مهما بلـغ طغيانـه‪ ،‬فـاهلل يـرى ويسـمع‬ ‫ويد ّبـر سـبحانه‪ ،‬ويسـتفاد مـن ذلـك أيضـ ًا‪ :‬أمهيـة فهـم السـنن اإلهليـة‬ ‫يف التعامـل مـع هـؤالء املجرمين‪ ،‬وهـذا مـن أهـم ما ُيسـتفاد مـن قصة‬ ‫موسـى ‪ ‬مـع فرعـون‪.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫الثانيـة‪ :‬أن الطغـاة املتكربيـن قـد َي ِصلـون يف سـبيل تثبيـت ملكهـم‬ ‫إىل درجـات مـن الظلـم ال ختطـر على بـال‪ ،‬فهذا فرعـون يذ ّبـح أجياالً‬ ‫الر ّضـع ألنـه ُمتخـوف مـن طفـل واحـد منهـم ال يعلـم‬ ‫مـن األطفـال ُّ‬ ‫عينـه‪ ،‬فجعـل الوسـيلة للتخلـص منـه هـي أن يذبـح كامـل اجليـل‪،‬‬ ‫وهـذا مـا ال خيطـر على بـال إنسـان فيـه فطـرة الرمحـة‪ ،‬ثـم إن العجـب‬ ‫ليـس منـه وحـده‪ ،‬بـل مـن جنـوده وأعوانـه‪ ،‬فهـو مل يكـن ُيبـارش متريـر‬ ‫السـكني على رقـاب األطفـال وإنما كان يأمـر بذلـك‪ ،‬واملنفـذون هـم‬ ‫اجلنـود‪ ،‬ولذلـك قـال سـبحانه‪{ :‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬ ‫ﱳ ﱴ} [سـورة القصـص‪ ،]8:‬ومـن املهـم للمؤمـن أن يفهـم‬ ‫سـبيل املجرمين‪ ،‬ويفقه مناهجهـم‪ ،‬فإن قلوهبم متشـاهبة وإن اختلفت‬ ‫أزماهنـم وأدواهتم‪.‬‬ ‫الثالثـة‪ :‬اهلل سـبحانه وتعاىل ينظر إىل املسـتضعفني من عبـاده‪ ،‬و ُيد ّبر‬ ‫هلـم‪ ،‬ويأمـر املؤمنين بنرصهتـم‪ ،‬ولذلك قال سـبحانه ‪-‬بعـد أن وصف‬ ‫حـال املسـتضعفني زمـن فرعـون‪ -‬قـال‪{ :‬ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬ ‫ﲸ ﲹ ﲺ} [سـورة القصـص‪ ،]5:‬ولـو ت َ‬ ‫ُـرك املتجربون عىل‬ ‫طول الزمن دون دفع هلم لفسـدت األرض‪ ،‬كام قال سـبحانه‪{ :‬ﲠ‬ ‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ} [سورة البقرة‪،]251:‬‬ ‫وهـو سـبحانه يدافـع عـن املسـتضعفني تـارة بالقـدَ ر املحـض (بإهالك‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪42‬‬ ‫الظاملين)‪ ،‬وتـارة بالتكليـف الرشعـي للمؤمنين كما قـال سـبحانه‪:‬‬ ‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [سـورة النسـاء‪.]75:‬‬ ‫الرابعـة‪ :‬أن ميـزان املسـتضعفني يف توقيت النصر خيتلف عن ميزان‬ ‫اهلل سـبحانه وتعاىل‪ ،‬فاملسـتضعفون املقهورون يريـدون ال َف َرج املبارش‪،‬‬ ‫والنصر الرسيـع‪ ،‬واإلهلاك العاجـل للظـامل‪ ،‬وأمـا يف ميـزان اهلل‬ ‫وحجـج وإعـذار‪ ،‬وإمالء‬ ‫تعـاىل فاألمـر خمتلـف‪ ،‬فهنـاك سـنن مقـدرة‪ُ ،‬‬ ‫وإمهـال‪ ،‬وابتلاء ومتحيـص‪ ،‬وشـهداء وأوليـاء‪ ،‬وقـد ييـأس املظلـوم‬ ‫خلال ذلـك‪ ،‬غير متن ّبـه للسـنن اإلهليـة‪ ،‬والتقديـرات الربانيـة‪.‬‬ ‫ومـن يتأمـل هـذه اآليـات يف قصـة موسـى ‪ُ ‬يبصر ذلـك جليـ ًا‪،‬‬ ‫بين إرادتـه يف التمكين للمسـتضعفني‪ ،‬وق ْل ِ‬ ‫ـب‬ ‫فـإن اهلل سـبحانه ّ‬ ‫أحواهلـم‪ :‬مـن الـذل واالسـتضعاف‪ ،‬إىل التمكين واإلمامـة ووراثـة‬ ‫األرض‪ ،‬ولكنـه سـبحانه مل جيعـل الطريـق إىل ذلـك قصير ًا‪ ،‬بل أعقب‬ ‫هـذه اآليـات بقولـه‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ} [سـورة‬ ‫القصـص‪ ،]7:‬فالطريـق ابتـدأ مـن والدة موسـى ‪ ،‬ثـم تنشـئته يف قصر‬ ‫فرعـون‪ ،‬ثـم االبتلاءات والشـدائد والفتـن التـي صنعـه اهلل هبـا‪ ،‬ثـم‬ ‫الرسـالة‪ ،‬ثـم الدعوة‪ ،‬ثـم املناظرة والتحـدي‪ ،‬فظهور احلـق‪ ،‬ثم الصرب‬ ‫الطويـل‪ ،‬ثـم كانـت هنايـة فرعـون‪.‬‬ ‫‪43‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫وهـذا الطريـق الطويل فيـه عرب عظيمـة‪ ،‬وفوائد جسـيمة‪ ،‬ودروس‬ ‫عميقـة‪ ،‬سـيأيت بياهنـا يف سـياق التأمـل يف قصـة موسـى ‪ ‬بـإذن اهلل‬ ‫تعـاىل‪ ،‬فسـبحان اهلل العلي العظيـم‪ ،‬اهلـادي بكتابه من يشـاء إىل رصاط‬ ‫مستقيم ‪.‬‬ ‫اخلامسـة‪ :‬هـذه اآليـات فيهـا ذكـر األلطـاف العجيبـة مـن اهلل تعـاىل‬ ‫اليـم‪ ،‬مـع أن‬ ‫لنبيـه موسـى ‪ ،‬فمنهـا‪ :‬أنـه جعـل نجاتـه يف إلقائـه يف ّ‬ ‫هـذا اإللقـاء مهلكة يف أصله‪ ،‬إال أنه كان ملوسـى نجاة‪ ،‬ومنها‪ :‬تسـخري‬ ‫زوجـة فرعـون لـه‪ ،‬وعطـف قلبهـا عليـه‪{ :‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬ ‫ﲃ ﲄ ﲅ} [سـورة القصـص‪ ،]9:‬ومنهـا‪ :‬حتريم املراضع عليه‪ ،‬حتى‬ ‫يعـود إىل حجـر أمـه فريضـع منهـا وتقـر عينها به‪.‬‬ ‫وقصة موسى ‪ ‬عجيبة عظيمة‪ ،‬وسيأيت بيان ما فيها بإذن اهلل‪.‬‬ ‫السادسـة‪ :‬أن ال ُعمـر لـه تأثير على مسيرة املصلـح‪ ،‬فاهلل سـبحانه مل‬ ‫يـؤت موسـى النبـوة إال بعـد أن بلـغ أشـده واسـتوى‪ ،‬وكذلـك قال يف‬ ‫ِ‬ ‫يوسـف ‪.‬‬ ‫وبلـوغ األشـد قـال بعـض املفرسيـن إنه بلـوغ األربعين‪ ،‬وقيل عند‬ ‫الثالثين وقيـل عنـد الثالثـة والثالثني‪ ،‬وقيـل غري ذلـك‪ ،‬وكذلك النبي‬ ‫ﷺ مل يبعثـه اهلل إال بعـد أن بلـغ األربعني‪.‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪44‬‬ ‫واملعنـى املسـتفاد من ذلـك‪ ،‬أن حضور الـدروس والربامج العلمية‬ ‫واملشـاركة يف حلقـات التحفيـظ ال يكفـي ليتحمـل املصلـح األعبـاء‬ ‫العظيمـة‪ ،‬بـل إن ممـا ينبغـي أن ُيدركـه املصلـح أن العمـر والتجربـة هلام‬ ‫أثـر يف مسيرته‪ ،‬وقـد يقـوده هـذا إىل التـأين يف القـرارات اإلصالحيـة‬ ‫املصريية‪.‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع الثاني‬ ‫من أنوار قصة موسى ‪ ‬آيات‬ ‫من سورة طه (‪)1‬‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬ ‫ﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬ ‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﱁﱂﱃﱄ‬ ‫ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬ ‫ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝ‬ ‫ﱞ ﱟﱠ ﱡﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [سورة طه‪.]16-9:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫ّأو ًاًل‪ :‬قولـه تعـاىل‪{ :‬ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} هـذا األسـلوب‬ ‫وتعظيـم للحـدَ ث‪ ،‬فاحلديـث‬ ‫ٌ‬ ‫لفـت لالنتبـاه‬ ‫االسـتفهامي يف اآليـة فيـه ٌ‬ ‫الـذي سـيأيت سـيكون عـن أمـر عظيـم‪ ،‬وهـذا يفيد بـأن األمـور املتع ّلقة‬ ‫خاصا‪ ،‬وقد تكرر هذا يف شـأن موسـى‬ ‫باألنبيـاء جيـب أن تُعطى اهتام ًما ًّ‬ ‫‪ ‬مرتين بنفـس اللفـظ‪ ،‬يف سـوريت طـه والنازعـات‪ ،‬وهـذا يـدل على‬ ‫أمهيـة قصـة موسـى ‪ ،‬وهكـذا ينبغـي للداعيـة واملصلح أن يسـتعمل‬ ‫مـن أسـاليب اخلطـاب ما ُيناسـب مقـام احلديث‪.‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪46‬‬ ‫ومعـاين جتعل‬ ‫َ‬ ‫ثان ًيـا‪ :‬أن اهلل تعـاىل جيعـل لألمـور العظيمـة مقدمـات‬ ‫ال عظيم ًا كانت‬ ‫هلـا يف النفـس هيبـة ومكانـة‪ ،‬فلما كان شـأن الوحـي ثقي ً‬ ‫قصـة تلقـي موسـى ‪ ‬للوحـي عجيبـة عظيمـة كذلـك‪ ،‬فقد أبـرز اهلل‬ ‫يفر حين رأى‬ ‫لـه مـن اآليـات والعجائـب ما اسـتدعى مـن موسـى أن ّ‬ ‫وبين لـه وع ّلمـه‪،‬‬ ‫بعضهـا مـن الرهبـة واخلـوف‪ ،‬ثـم طمأنـه اهلل تعـاىل‪ّ ،‬‬ ‫حيسـن بمن يسير‬ ‫ويمكـن أن نسـتفيد مـن هـذا على املسـتوى العام أنه ُ‬ ‫يف طريـق رشيـف يتّبـع فيـه األنبيـاء يف الدعـوة واإلصلاح أن يـدرك‬ ‫مـا ُيبين لـه رشف هـذا الطريـق ومكانتـه؛ حتى يسـتقبل مـا يتط ّلبه هذا‬ ‫الطريـق مـن األعبـاء ويقدّ ر املسـؤولية‪.‬‬ ‫ثالثـ ًا‪ :‬أن العلـم بـاهلل تعـاىل هـو أسـاس الطريـق بالنسـبة للمصلـح‪،‬‬ ‫عرفـه عليـه قبـل أن‬ ‫وأول خطواتـه؛ فـاهلل سـبحانه حين كلـم موسـى ّ‬ ‫يأمـره بالذهـاب إىل فرعـون {ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ}‪.‬‬ ‫رابعـ ًا‪ :‬أن الثمـرة املرتتبـة على متـام العلـم بـاهلل هـي عبادتـه وحـده‬ ‫{ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} فليست‬ ‫القضيـة يف العلـم املعـزول عـن العمـل‪ ،‬وإنما يف العلـم احلامـل على‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫خامسـ ًا‪ :‬أن الصلاة مـن أعظـم العبـادات التـي حيتاجهـا املصلـح‬ ‫لتكـون زاد ًا لـه يف الطريق {ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [سـورة‬ ‫طـه‪ ]14:‬وممـا يؤ ّيـد ذلـك‪ :‬أن اهلل فـرض قيـام الليـل يف أول اإلسلام عىل‬ ‫‪47‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫النبـي ﷺ وأصحابـه ليكـون زاد ًا هلـم يف الطريـق‪.‬‬ ‫سادسـ ًا‪ :‬أمهيـة إدراك املقاصـد من العبادات‪ّ ،‬‬ ‫وأن إجـراء العبادة مع‬ ‫وضـع العين على الثمـرة واملقصـد مـن أهـم مـا حيتـاج املؤمـن أن ُيذكّر‬ ‫بـه‪ ،‬وهـذا مأخـوذ مـن قولـه سـبحانه‪{ :‬ﱏ ﱐ ﱑ}‬ ‫[سـورة طـه‪ ]14:‬قـال الطبري رمحـه اهلل‪( :‬معنـاه‪ :‬أقـم الصلاة لتذكـرين‬ ‫فيهـا)‪ ،‬وقـال ابـن سـعدي رمحـه اهلل‪( :‬وقولـه‪{ :‬ﱑ} اللام‬ ‫للتعليـل أي‪ :‬أقـم الصلاة ألجـل ذكـرك إيـاي‪ ،‬ألن ذكـره تعـاىل أجـل‬ ‫املقاصـد‪ ،‬وهـو عبوديـة القلـب‪ ،‬وبه سـعادته‪ ،‬فالقلب املعطـل عن ذكر‬ ‫اهلل‪ ،‬معطـل عـن كل خير‪ ،‬وقـد خـرب كل اخلـراب‪ ،‬فشرع اهلل للعبـاد‬ ‫أنـواع العبـادات‪ ،‬التـي املقصود منها إقامة ذكـره‪ ،‬وخصوصا الصالة)‪.‬‬ ‫سـابع ًا‪ :‬أمهيـة اسـتحضار السـاعة وفنـاء الدنيـا بالنسـبة‬ ‫للمصلـح‪ ،‬وأن ذلـك مـن أهـم مـا ينبغـي أن ُيسـتعان بـه على‬ ‫الثبـات‪ ،‬وعـدم االغترار بشـبهات املبطلين وإغـراءات الفاسـدين‪،‬‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫ﱧ}‪.‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع الثالث‬ ‫من أنوار قصة موسى ‪‬‬ ‫آيات من سورة طه (‪)2‬‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬ ‫ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ‬ ‫ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈ‬ ‫ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬ ‫ﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠ‬ ‫ﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮ‬ ‫ﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬ ‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ‬ ‫ﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ‬ ‫ﳙ} [سـورة طـه‪.]36-17:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫أو ًاًل‪ :‬يف جـواب موسـى ‪ ‬عـن سـؤال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﱩ ﱪ‬ ‫ّ‬ ‫ﱫ ﱬ}؛ قـال‪{ :‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬ ‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ }؛ ّ‬ ‫أن اإلنسـان الفطـن حيـاول إدراك‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪50‬‬ ‫مقاصـد األلفـاظ واألسـئلة وال يقـف عنـد ظاهرهـا فقـط‪ ،‬فلـو وقـف‬ ‫موسـى ‪ ‬عنـد ظاهـر السـؤال لقـال‪( :‬عصـا) أو {ﱰ} [سـورة‬ ‫متجـاوزا للامه ّيـة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طـه‪ ،]18:‬ولكنـه فهـم مـن السـياق ّ‬ ‫أن السـؤال كان‬ ‫فذكـر اسـتعامالت العصـا كذلـك‪.‬‬ ‫ثانيـ ًا‪ :‬املصلـح حيتـاج إىل التدريـب والتجربـة قبـل االنطلاق يف‬ ‫املشـاريع اإلصالحيـة الكبيرة الصعبـة‪ ،‬فـاهلل سـبحانه هيـأ موسـى‬ ‫‪ ‬وعلمـه كيـف يتعامـل مـع العصـا‪ ،‬ويـرى كيـف تسـتحيل إىل حيـة‬ ‫سـهل عليه‬ ‫ضخمـة‪ ،‬ثـم كيـف يأخذهـا ويرجعهـا مـرة أخـرى‪ ،‬وهـذا ّ‬ ‫فعـل نفـس الشيء أمـام فرعـون‪.‬‬ ‫ثالثـ ًا‪ :‬املصلـح حيتاج إىل تثبيت ْ‬ ‫وطمأنـة‪ ،‬خاصة إذا كثرت املخاوف‬ ‫وصعـب الطريـق وكثـرت أعبـاؤه‪ ،‬ولذلـك نجـد يف قصـة موسـى ‪‬‬ ‫تكـرارا للطمأنـة اإلهليـة لـه‪{ :‬ﲇ ﲈ ﲉﲊ}‬ ‫[سـورة طـه‪،]21:‬‬ ‫{ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ} [سـورة طه‪{ ،]68:‬ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬ ‫ﲗ} [سـورة القصـص‪{ ،]25:‬ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ}‬ ‫[سـورة القصـص‪.]31:‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬من املهم أن ينطلق املصلح يف رسالته وهو موقن بصحتها‪،‬‬ ‫فيكون عىل بصرية وب ّينة‪ ،‬وهذا هو ما كان عليه املرسلون الذين تكرر‬ ‫يف خطاهبم‪{ :‬ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ} [سورة هود‪.]28:‬‬ ‫‪51‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫وقـد كان اهلل سـبحانه يرهيـم مـن اآليـات والبينـات مـا جيعلهم عىل‬ ‫هذا اإليامن واليقني‪ ،‬كام قال سبحانه‪{ :‬ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬ ‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} [سـورة األنعـام‪.]75:‬وقـال‬ ‫اهلل يف شـأن نبيـه حممـد ﷺ‪{ :‬ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ} [سـورة‬ ‫النجم‪.]18:‬‬ ‫وهكـذا نجـد يف هـذا املوضـع مـن قصـة موسـى ‪ ‬أن اهلل أراه من‬ ‫اآليـات الكبرى كذلك‪.‬‬ ‫واملسـتفاد مـن كل ذلك‪ :‬أمهية العناية بتعزيـز اليقني وتثبيت اإليامن‬ ‫يف سـياق إعـداد الدعاة وبناء املصلحني‪.‬‬ ‫ب‬‫خامسـ ًا‪ :‬يؤخـذ مـن تأييـد اهلل أنبيـاءه باملعجـزات أنـه سـبحانه ُحُي ّ‬ ‫أن هـذه املعجزات قـد انقطعت بانقطاع‬ ‫أن يؤ ّيـد احلـق بالرباهين‪ ،‬وبام َّ‬ ‫الوحـي مـن السماء‪ ،‬فـإن املصلح املتبـع لألنبيـاء حيرص على أن يكون‬ ‫ُمب ْينـ ًا يف دعوتـه‪ ،‬مسـتدالً باحلجـج الصحيحـة‪ ،‬قـادر ًا على إثبات احلق‬ ‫بدليلـه‪ ،‬متمكنـ ًا مـن قطـع حجـة املخالـف‪ ،‬فـإن هـذا كلـه ممـا حيبـه اهلل‬ ‫تعاىل‪.‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪52‬‬ ‫[سـورة‬ ‫سادسـ ًا‪ :‬يف قولـه سـبحانه‪{ :‬ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ}‬ ‫طـه‪.]24:‬أن اهلل تبـارك وتعـاىل ال جيعـل الطغيان يسـتمر يف األرض دون‬ ‫أن هييـئ األسـباب إلزالتـه‪ ،‬طالت املدة يف ذلك أو قصرت‪ ،‬فالطغيان‬ ‫ال يسـتمر‪ ،‬لكـن ذلك بميـزان اهلل وليـس بميزاننا‪.‬‬ ‫سـابع ًا‪ :‬يف دعـاء موسـى ‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬ ‫ﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ‬ ‫ﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ‬ ‫ﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ‬ ‫ﳙ} [سـورة طـه‪ ،]36-25:‬فوائـد‪ ،‬منهـا‪ :‬أن اإلنسـان مهما بلـغ يف‬ ‫العلـم واإليمان واملنزلـة عنـد اهلل فهو حيتـاج دوم ًا إىل االفتقـار والتذلل‬ ‫هلل واالسـتعانة بـه‪ ،‬وأنـه حيتـاج كذلـك إىل رفقـاء مؤنسين ووزراء‬ ‫معينين‪ ،‬ولذلـك قـال اهلل لنبيـه حممـد ﷺ‪{ :‬ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬ ‫ﱍ} [سـورة األنفـال‪ ،]62:‬وقـال ﷺ يف احلديـث الصحيـح‪:‬‬ ‫واحلـواري‪ :‬النـارص‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫( ّ‬ ‫إن لـكل نبـي حوار ًّيـا)(((‪،‬‬ ‫ومـن الفوائـد كذلـك‪ :‬أن املصلـح حيتـاج إىل املـدد يف شـأنه الداخيل‬ ‫واخلارجـي‪ ،‬ففـي داخـل نفسـه حيتاج إىل انشراح الصـدر‪ ،‬ويف اخلارج‬ ‫حيتـاج إىل تيسير األمـر وحيتـاج إىل األعـوان واألنصار‪.‬‬ ‫((( أخرجه البخاري‪.)2847( ،‬‬ ‫‪53‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫حيـب كثـرة ذكـره وكثـرة التسـبيح بحمـده‪،‬‬ ‫ثامنـ ًا‪ّ :‬‬ ‫أن اهلل سـبحانه ّ‬ ‫وحيـب أن يكـون هـذا الذكـر غايـة مـن الغايـات التـي يسـعى املصلـح‬ ‫توسـل موسـى ‪ ‬إىل ربـه هبـا‪،‬‬ ‫اللتزامهـا واملحافظـة عليهـا‪ ،‬ولذلـك ّ‬ ‫فأجـاب اهلل دعـاءه وآتـاه سـؤله‪.‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع الرابع‬ ‫من أنوار قصة موسى ‪‬‬ ‫آيات من سورة القصص (‪)2‬‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬ ‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ‬ ‫ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ‬ ‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ‬ ‫ﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ‬ ‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬ ‫ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬ ‫ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵ‬ ‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬ ‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ‬ ‫ﳍ ﳎ ﳏ} [سـورة القصـص‪.]35-29:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪56‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬حين جـاء موسـى ‪ ‬إىل الـوادي مبتغيـ ًا مـن النار قبسـ ًا أو‬ ‫مـن أهلهـا هدايـة الطريـق‪ ،‬فنـاداه اهلل ذو اجللال واإلكـرام وك ّلمه‪ ،‬ثم‬ ‫أراه مـن اآليـات الكبرى مـا أراه‪ ،‬كان ذلـك كلـه مـن أعظـم املشـاهد‬ ‫التـي حصلـت يف تاريـخ البشر‪ ،‬وكان أرشف يـوم يف حيـاة موسـى‬ ‫وأعظمـه يـو َم أن كلمـه اهلل تعـاىل‪ ،‬وهـذا ك ّلـه هيـأ اهلل بـه موسـى ‪‬‬ ‫ألعبـاء الرسـالة العظيمـة‪ ،‬وملواجهـة الطاغيـة األكبر يف األرض‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ومـن هـذا املشـهد نسـتفيد ّ‬ ‫أن املصلحين الذيـن يسيرون عىل سـنن‬ ‫األنبيـاء واملرسـلني ويواجهـون املجرمين مـن أعـداء الديـن‪ ،‬أنـه بقدر‬ ‫تكليفهـم وبقـدر صعوبـة مـا يواجهـون؛ فإهنـم حيتاجـون إىل التهيئـة‬ ‫الداخليـة‪ ،‬وحيتاجـون إىل اليقين والرباهين‪ ،‬وحيتاجـون إىل معرفـة اهلل‬ ‫والعلـم بـه‪ ،‬قبـل االنطلاق إىل تلـك األعبـاء والتكاليـف الشـديدة‪.‬‬ ‫الثانيـة‪ :‬مركزيـة العلـم بـاهلل تعـاىل يف بدايـة طريـق املصلـح‪ ،‬فهـو‬ ‫أسـاس كل علـم‪ ،‬وكل األعمال القلبيـة تبـدأ منـه‪.‬‬ ‫وطريق حتقيق هذا العلم به سبحانه يكون بخمسة أمور‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -1‬التدبر في كتاب الله‪.‬‬ ‫‪ -2‬والتفكر في مخلوقاته‪.‬‬ ‫‪ -3‬واالعتبار بأقداره وأ ّيامه ومعرفة سننه‪.‬‬ ‫‪57‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪ -4‬والبصيرة بسبيل أنبيائه‪.‬‬ ‫‪ -5‬والعمل المورث المزيد من الهداية‪.‬‬ ‫العلـم بـاهلل يف نفـس املؤمـن عبر الطـرق املذكـورة؛ فإنه‬ ‫ُ‬ ‫فـإذا حتقـق‬ ‫يكـون سـب ًبا لثالثـة أصـول عظيمة مـن أصـول العبودية‪ ،‬هـي القواعد‬ ‫الكبرى ألعمال القلـوب‪ ،‬وهـي‪( :‬اليقين‪ ،‬واملحبة‪ ،‬واخلشـية)‪.‬‬ ‫تكـرر يف مواضعهـا يف القـرآن‬ ‫ونالحـظ يف قصـة موسـى ‪ ‬أنـه ّ‬ ‫ذكـر هـذا املعنـى (أي العلـم بـاهلل)‪ ،‬ففـي هـذا املوضـع نـودي موسـى‬ ‫بقـول اهلل‪{ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ} [سـورة القصـص‪ ،]30:‬وورد‬ ‫يف سـورة طـه‪{ :‬ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ} [سـورة طـه‪ ،]14:‬ويف سـورة‬ ‫النمـل‪{ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [سـورة النمـل‪.]9:‬‬ ‫الثالثـة‪ :‬مـن أهـم املشـكالت املوجبـة لإلصلاح‪ :‬وجـود الظلـم‪،‬‬ ‫والفسـق‪ ،‬والطغيان‪ ،‬فاهلل سـبحانه وتعاىل قال ملوسـى ‪ ‬حني أرسـله‬ ‫إىل فرعـون وقومـه ‪-‬مب ّينـ ًا سـبب ًا مـن أسـباب إرسـاله إيـاه‪{ :-‬ﲠ‬ ‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [سـورة طـه‪.]24:‬ويف موضعين آخريـن‪{ :‬ﲡ‬ ‫ﲢ ﲣ ﲤ} [سـورة القصـص‪.]32:‬‬ ‫ويف موضـع رابـع‪{ :‬ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ}‬ ‫[سـورة الشـعراء‪ ،]10:‬وهـذا يبين أن وجـود هـذه الصفـات يف النـاس‬ ‫ُيعـدّ سـبب ًا رشعيـ ًا لوجـود املصلحين‪ ،‬فعلى املصلحين ْ‬ ‫أن يتنبهـوا‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪58‬‬ ‫لألسـباب الرشعيـة املوجبـة لإلصلاح‪ ،‬وأن مـن أمههـا وجـود الظلـم‬ ‫واالسـتضعاف‪ ،‬وأن حتريـر املسـتضعفني جمـال إصالحـي مـن أعظـم‬ ‫املجـاالت‪.‬‬ ‫الرابعة‪ّ :‬‬ ‫أن وجود املشـاركني للمصلح يف طريقه‪ ،‬املؤازرين له‪ ،‬من‬ ‫أهـم مـا يشـد من عضـده‪ ،‬ويقويـه‪ ،‬ويسـهل عليـه مواجهـة التحديات‬ ‫ّ‬ ‫واملصاعب‪{ :‬ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} [سـورة القصص‪.]35:‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع الخامس‬ ‫من أنوار قصة موسى ‪‬‬ ‫آيات من سورة طه (‪)3‬‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬ ‫ﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬ ‫ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬ ‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬ ‫ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ‬ ‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ}‬ ‫[سـورة طه‪.]41-37:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬أن الرسـالة اإلصالحيـة كلما عظمـت متطلباهتـا‪ ،‬وكانـت‬ ‫األخطـار املحدقـة هبـا شـديدة؛ فـإن ذلـك يتطلـب مزيـد ًا مـن التهيئـة‬ ‫حلاملهـا والرتبيـة لـه‪ ،‬وهـذا مـا جـرى ملوسـى ‪ ،‬إذ كانـت رسـالته‬ ‫وعرضه‬ ‫فيهـا مواجهـة لفرعـون الطاغية األكبر‪ ،‬فصنعه اهلل عىل عينـه‪ّ ،‬‬ ‫لالبتلاءات والشـدائد‪ ،‬ففتنـه وامتحنـه حتى خلـص وصفا‪{ :‬ﱸ‬ ‫ﱹﱺ} [سـورة طـه‪.]40:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪60‬‬ ‫الثانيـة‪ :‬مـع أن اهلل سـبحانه قـال ملوسـى ‪{ :‬ﱜ ﱝ ﱞ}‬ ‫تعـرض للشـدائد واالبتالءات والفتن‪.‬واملسـتفاد‬ ‫[سـورة طـه‪ ]39:‬إال أنـه ّ‬ ‫مـن ذلـك‪ّ :‬‬ ‫أن اإلنسـان وإن كان حتـت رعايـة اهلل وعنايتـه؛ فهـذا ال‬ ‫يتعـرض للفتـن واملصاعـب‪ ،‬بـل قـد تكـون تلـك الفتـن‬ ‫يعنـي أنّـه لـن ّ‬ ‫واملصاعـب مـن مقتضى عنايـة اهلل باملؤمـن ليصنعـه ويربيـه وهييئـه‪.‬‬ ‫الثالثـة‪ :‬إذا وضـع اهلل القبـول يف األرض ٍ‬ ‫لعبـد؛ فلا يمكن ألحد أن‬ ‫حاجـزا بينـه وبين قلـوب النـاس‪ ،‬فهـذا موسـى ‪ ‬قـال اهلل له‪:‬‬ ‫ً‬ ‫يضـع‬ ‫{ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ} [سـورة طـه‪ ]39:‬فلا يـراه أحـدٌ إال أح ّبـه‪ ،‬مـع‬ ‫أن فرعون سـعى بكل أدواته لتشـويه سـمعة موسـى وتشـويه رسـالته‪،‬‬ ‫وقـال حمـذر ًا منـه‪{ :‬ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‬ ‫ﱒ ﱓ ﱔ} [سـورة غافـر‪ ]26:‬وقـال‪{ :‬ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬ ‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ} [سـورة الزخـرف‪ ،]52:‬ومـع ذلـك فقـد‬ ‫جعـل اهلل ملوسـى املحبـة والقبـول‪.‬‬ ‫الرابعة‪ :‬أن اهلل سـبحانه إذا أراد حفظ عبده فإنه يرعاه ولو أحدقت‬ ‫بـه األهـوال واملخاطـر مـن كل اجتـاه‪ ،‬ولـو كان العبـدُ عاجـز ًا عـن دفع‬ ‫األذى‪ ،‬فهـذا موسـى ‪ ‬يرعـاه اهلل وهـو يف التابـوت وحيـدً ا يف خضم‬ ‫هنـر عريـض عميـق‪ ،‬ثـم يرعـاه يف قصر الطاغيـة ّ‬ ‫اجللاد فرعـون حتـى‬ ‫نموه واشـتدّ ‪.‬‬ ‫كمـل ّ‬ ‫‪61‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫اخلامسـة‪ :‬سـار موسـى ‪ ‬مـن مديـن وهـو ال يـدري عـن ال َقـدَ ر‬ ‫الـذي ينتظـره‪ ،‬واقترب مـن النـار وهو ال يـدري ما وراءهـا‪ ،‬بل كانت‬ ‫غايتـه االقتبـاس منها أو السـؤال عندها‪ ،‬وعين اهلل ترعاه‪ ،‬وكل خطوة‬ ‫خيطوهـا موسـى فهـي مكتوبـة يف القـدر {ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ}‬ ‫[سـورة طـه‪ ،]40:‬واملسـتفاد مـن ذلـك أن يـدرك املصلـح أنه إذا قـدّ ر اهلل له‬ ‫الرفعـة والسـبق وقسـم لـه اخلير؛ فإنـه س ُيسـاق إىل قـدره‪ ،‬فليطمئـن‪،‬‬ ‫وليبـذل مـا عليـه‪ ،‬فـاهلل ول ّيـه ومواله‪.‬‬ ‫* ‪* ‬‬ ‫المقطع السادس‬ ‫من أنوار قصة موسى ‪‬‬ ‫آيات من سورة طه (‪)4‬‬ ‫قـال اهلل تعـاىل‪{ :‬ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬ ‫ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬ ‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ‬ ‫ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ‬ ‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬ ‫ﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ‬ ‫ﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤﳥﳦ‬ ‫ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﳬ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ‬ ‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ} [سـورة طـه‪.]53-42:‬‬ ‫الفوائد‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬هـذا الديـن جـاء إلصلاح النـاس وهدايتهـم‪ ،‬ومل ِ‬ ‫يـأت‬ ‫لالنتقـام منهـم‪ ،‬حتـى فرعـون وهـو الطاغيـة املفسـد‪ ،‬إذا تـاب وتذكـر‬ ‫وخشي اهلل ّ‬ ‫فـإن اهلل يتـوب عليـه‪ ،‬ويقبـل إيامنـه‪ ،‬ولذلـك فـإن على‬ ‫املصلـح أال ينسـى أن وظيفتـه األوىل هـي الدعـوة إىل اهلل تعـاىل‪ ،‬وأن‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪64‬‬ ‫آالم املسـتضعفني مهما بلغـت وآ َمَل ْ‬ ‫ـت فيجـب أال تُنسـيه هـذه الوظيفـة‬ ‫الرشيفـة‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن مقام الدعوة والتذكري جيب أن يكون مصحوب ًا بالقول‬ ‫اللني‪ ،‬واخلطاب احلسن‪ ،‬فإن الثمرة ال تتحقق إال بذلك‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أن وجود اخلطاب اللني والقول احلسـن ال يقتيض اسـتجابة‬ ‫املدعـو‪ ،‬فقد يمنعه هواه‪ ،‬أو جاهه وسـلطانه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرابعـة‪ :‬األنبيـاء بشر‪ ،‬ففيهـم غريـزة اخلـوف‪ ،‬ولذلك قال موسـى‬ ‫وهـارون‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ} [سـورة طـه‪ ،]45:‬ولكنهـم‬ ‫يتغلبـون على هـذه الغريـزة باليقني والتـوكل واالعتامد على اهلل‪ ،‬فحني‬ ‫قـال اهلل هلما‪{ :‬ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [سـورة طـه‪ ]46:‬انطلقـا‬ ‫غير مرتدديـن‪ ،‬حتـى حين ضـاق األمـر بعـد سـنني أمـام البحـر تذكـر‬ ‫موسـى ‪ ‬هـذا الوعـد اإلهلـي فقـال‪{ :‬ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ}‬ ‫[سـورة الشـعراء‪.]62:‬‬ ‫اخلامسـة‪ :‬أن اليقين بمعيـة اهلل مـن أعظـم مـا ُيطمئـن املصلـح يف‬ ‫مسيرته ودعوتـه‪ ،‬وهـي رتبة صعبـة املنال لغير األنبيـاء‪ ،‬ولكن يمكن‬ ‫حتقيقهـا إذا اجتمـع يف املصلـح هـذه اخلصـال‪:‬‬ ‫‪ )1‬العلم باهلل ورشيعته وسننه‪.‬‬ ‫‪ )2‬متام التصديق بأخباره‪.‬‬ ‫‪65‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪ )3‬االستحضار الدائم ملراقبته «مرتبة اإلحسان»‪.‬‬ ‫‪ )4‬متام التوكل عليه سبحانه‪.‬‬ ‫‪ )5‬االستهداء الدائم به‪.‬‬ ‫‪ )6‬الصرب وعدم استعجال الثمرة‪.‬‬ ‫السادسـة‪ :‬أن مـن أعظم ما يعين املصلح عىل أداء رسـالته ومكابدة‬ ‫املصاعـب ومواجهـة التحديـات‪( :‬دوام ذكـر اهلل)‪ ،‬فـاهلل سـبحانه أمـر‬ ‫موسـى وهـارون إذا انطلقا برسـالة اهلل أال يفترا وال يضعفا عن ذكره‪:‬‬ ‫«{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ} [سـورة طـه‪ ،]42:‬قـال الطبري رمحـه اهلل‪{« :‬ﲍ ﲎ‬ ‫ﲏ ﲐ} يقـول‪ :‬وال تضعفـا يف أن تذكراين فيما أمرتكام وهنيتكام‪ ،‬فإن‬ ‫ذكركما إيـاي يقـوي عزائمكما‪ ،‬ويثبت أقدامكما‪ ،‬ألنكما إذا ذكرمتاين‪،‬‬ ‫مجـة‪ِ ،‬‬ ‫ومنَنًا ال حتصى كثرة»‪.‬‬ ‫ذك َْر ُمُتـا َمنِّـي عليكما نِ َعام َّ‬ ‫السـابعة‪ :‬أن حتريـر املسـتضعفني مـن أعظـم املقاصـد اإلصالحيـة‬ ‫الرشيفـة‪ ،‬وذلـك ألن رسـالة موسـى ‪ ‬جـاءت ألمريـن‪:‬‬ ‫أ‪ -‬دعـوة فرعـون وقومـه إىل توحيـد اهلل تعاىل وعبادتـه‪ ،‬وهي دعوة‬ ‫كل الرسـل {ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬ ‫ﱭ ﱮﱯ} [سـورة النحـل‪.]36:‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫‪66‬‬ ‫ب‪ -‬حترير املستضعفني من الذل والقهر‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ} [سورة طه‪.]47:‬‬ ‫وهذا فيه فوائد مهمة منها‪:‬‬ ‫نبـي كان‬ ‫أوالً‪ :‬أمهيـة العنايـة بمشـكالت العصر‪ ،‬وذلـك ّ‬ ‫أن كل ّ‬ ‫يعتنـي بمشـكالت عصره‪ ،‬فاعتنـى لـوط ‪ ‬بمشـكلة الفاحشـة‪،‬‬ ‫واعتنى شـعيب ‪ ‬بمشـكلة التطفيف يف امليزان‪ ،‬واعتنى موسـى ‪‬‬ ‫بمشـكلة املسـتضعفني‪.‬‬ ‫ثانيـ ًا‪ :‬أن وجـود مشـكلة كبيرة يف زمـن املصلـح ال ينبغـي أن تُغفله‬ ‫عـن املشـكلة يف أصـل الديـن وأساسـه؛ ألن األنبيـاء اعتنـوا بكليهما‪.‬‬ ‫هـذا ّ‬ ‫وإن زماننـا فيـه مشـكالت كثيرة‪ ،‬غير أن من أمهها‪( :‬مشـكلة‬ ‫االسـتضعاف والقهـر للمؤمنين يف كثير مـن بقـاع األرض)‪ ،‬ولذلـك‬ ‫فـإن مـن األمهيـة بمـكان عالجهـا والعناية هبا‪.‬‬ ‫الثامنة‪ :‬يف قول موسى ‪{ :‬ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ‬ ‫ﳕ ﳖ} [سـورة طـه‪ :]48:‬أن اإلنـذار بذكـر العـذاب ال يتعارض‬ ‫مـع القـول اللين‪ ،‬وأن مـن املهـم للمصلـح أن جيمـع بين الرتغيـب‬ ‫والرتهيـب‪ ،‬بـل إن اخلطـاب الـذي يكتفـي بالرتغيـب دون الرتهيـب‬ ‫‪-‬أو العكـس‪ -‬فهـو خطـاب ناقـص ال تتـم الدعـوة بـه‪ ،‬بـل ال بـد مـن‬ ‫اجلمـع بين األمريـن‪ ،‬وقـد قـال اهلل تعـاىل لنبيه حممـد ﷺ‪{ :‬ﱋ ﱌ‬ ‫‪67‬‬ ‫أنوار األنبياء «تأمالت في المنهج اإلصالحي لألنبياء»‬ ‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [سـورة األحـزاب‪.]45:‬‬ ‫التاسـعة‪ :‬ينبغـي على الداعيـة أن يتن ّبـه ألصـول احلـوار الصحيـح‪،‬‬ ‫والــمشتِّتات التي يطرحها اخلصـم‪ ،‬بل ُيركز‬ ‫ُ‬ ‫فلا ينزلـق إىل املغالطات‬ ‫على القضيـة األساسـية‪ ،‬ويعيـد طـرح الربهـان عليـه إن اقتضى األمـر‬ ‫ليظـل احلديـث ُمركَّـز ًا حوهلـا‪ ،‬يؤخـذ هـذا مـن عـدم اسـتمرار موسـى‬ ‫‪ ‬مـع فرعـون حين قال لـه‪{ :‬ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ} [سـورة طه‪،]51:‬‬ ‫أي فما باهلـا مل تؤمـن برسـالة التوحيـد؟ فلـم يدخـل موسـى

Use Quizgecko on...
Browser
Browser