تداول الكمبيالة - الفصل الثالث

Summary

يُلخص هذا الفصل الثالث من جامعة الشرقية تداول الكمبيالة، وهي عملية قانونية لانتقال حق الدّين من شخص إلى آخر. يُعرّف الفصل التّظهير كآلية قانونية، ويُسلّط الضوء على شروط صحّة التّظهير، من أهلية ورضى وسبب ومحلّ، كما يُبيّن الفصل أنواع التظهير المختلفة، من الناقل للملكية إلى التوكيلي والتوثقي، مع عرض تفاصيل كل نوع منها.

Full Transcript

**الفصل الثالث: تداول الكمبيالة‏** ‏تسمح خاصية التداول المميزة للأوراق التجارية عموما وللكمبيالة على وجه الخصوص بانتقال السند من شخص إلى آخر في إطار عمليات يكون الدين الأصلي مرتكزها وانتقال الكمبيالة من شخص إلى آخر أحد ضمانات الخلاص فيها. وكغيرها من السندات فان الكمبيالة تنتقل من شخص إلى آخر بعملي...

**الفصل الثالث: تداول الكمبيالة‏** ‏تسمح خاصية التداول المميزة للأوراق التجارية عموما وللكمبيالة على وجه الخصوص بانتقال السند من شخص إلى آخر في إطار عمليات يكون الدين الأصلي مرتكزها وانتقال الكمبيالة من شخص إلى آخر أحد ضمانات الخلاص فيها. وكغيرها من السندات فان الكمبيالة تنتقل من شخص إلى آخر بعملية قانونية معينة هي التظهير. وعلى هذا الأساس فان خاصية التداول تتحقق من خلال آلية قانونية معينة هي التظهير. والتظهير هو في الواقع توقيع يدرج في ظهر السند يتم بموجبه انتقال حقوق المظهر المترتبة عن السند للمظهر له الذي يحوز صفة الحامل الشرعي للكمبيالة. فمظهر السند هو مدين للمظهر له في إطار علاقة أصلية ولخلاص دينه يستعمل المظهر الكمبيالة التي يمررها لدائنه للوفاء بدينه تجاهه وذلك من خلال عملية التظهير. وبما أن النتيجة القانونية البارزة للتظهير هي انتقال كل الحقوق المتعلقة بالسند من المظهر إلى المظهر له فان عملية الانتقال هذه قد تكون انتقالا تاما تجعل المظهر له المالك للسند وهو ما يعرف بالتظهير الناقل للملكية (مبحث أول) كما يمكن أن يكون الانتقال محددا في آثاره القانونية كان يكون على سبيل التوكيل وهو ما يعرف بالتظهير التوكيلي (مبحث ثان) أو يكون على سبيل الرهن وهو ما يعرف بالتظهير على سبيل التوثقة (مبحث ثالث). **المبحث الأول: التظهير الناقل للملكية** الأصل في التظهير انه ناقل للملكية بمعنى أن المظهر يتخلى عن السند وكامل الحقوق المرتبطة به للمظهر له الذي يصير مالكا للسند ومتمتعا بالحماية المصرفية. وبما أن التظهير يتحقق شكلا بتوقيع المظهر على السند فان هذا الأخير يصبح بإمضائه ملتزما مصرفيا تجاه المظهر له حامل الكمبيالة. فالتظهير التزام صرفي يتوجب لصحته جملة من الشروط الأصلية (فقرة أولى) والشكلية (فقرة ثانية) ليرتب آثاره القانونية (فقرة ثالثة). **فقرة أولى: الشروط الأصلية:** بما أن التظهير هو عمل قانوني إرادي فانه يستوجب استجماع شروط صحة الأعمال القانونية من أهلية ورضا وسبب ومحل وفق ما اقتضاه قانون المعاملات المدنية. فالمظهر يجب أن يكون متمتعا بأهلية الإلزام والالتزام ويصح في شانه ما سبق قوله بخصوص الساحب منشأ الكمبيالة والمسحوب عليه الذي قبلها فثلاثتهم يتطلب صحة التزامهم توفر أهليتهم. والى جانب الأهلية فان المظهر لا بد أن يكون إمضاؤه الذي يعبر من خلاله عن إرادته واقعا برضاء حقيقي سليم من العيوب. فالإمضاء المدلس أو الواقع تحت التهديد لا يلزم صاحبه وهو من قبيل العيوب التي يواجه بها حتى الحامل حسن النية لان الأمر يتعلق بغياب للإرادة. أما الرضاء المعيب فهو وان كان قابلا للدفع به لمواجهة المظهر له إلا انه لا يواجه به الحامل حسن النية أي الذي كان يجهل وجه العيب. ومن ناحية أخرى لا بد أن يكون التزام المظهر مبنيا على سبب موجود وشرعي وهو في الغالب وجود الدين الذي نشأ في حقه لفائدة المظهر له. ويكون التظهير باطلا إذا كان مبناه سببا غير شرعي أو سببا غير موجود إلا أن هذا البطلان لا يمكن أن يدفع به تجاه الحامل حسن النية. أما فيما يتعلق بمحل التزام المظهر فيتعلق بسداد دينه تجاه المظهر له من خلال عرضه نقل الحقوق المرتبطة بالكمبيالة. **فقرة ثانية: الشروط الشكلية:** جاء بالمادة 426 ق ت \"يكتب التظهير على الكمبيالة ذاتها أو على ورقة أخرى متصلة بها ويوقعه المظهر\". ويستخلص من النص السابق أن التظهير يترتب شكلا من إمضاء المظهر على الكمبيالة أو على ورقة ملحقة بها. وبعلاقة بالشروط الشكلية للتظهير فقد اقر المشرع جملة من القواعد تتعلق بزمن التظهير (1) والمستفيد من التظهير (2)،‏ وشروط التظهير (3).‏ **1- شروط التظهير:** بالنظر إلى أن عملية التظهير تدخل في صميم آلية التداول المحققة لأغراض الكمبيالة كأداة ائتمان تحقق السرعة والثقة المستوجبة لنمو النشاط الاقتصادي فقد اقر التشريع جملة من الشروط هي بمثابة الإجراءات الحمائية المعززة للثقة في السند وتسهيل عملية قبوله بين التجار والمتعاملين في النشاط الاقتصادي. وتتحقق هذه الحماية من خلال اشتراط استبعاد كل ما يمكن أن يزرع الشك في جدية التزام الموقعين عليه كمنع التظهير الجزئي للكمبيالة (أ) أو منع الاشتراط المتعلق بعملية التظهير (ب). **أ- منع التظهير الجزئي** جاء بالفقرة الثانية من المادة 429 ق ت أن \"التظهير الجزئي باطل\". ويترتب عن هذا المنع أن المظهر لا يملك تجزئة التزامه لان ذلك سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف السند وعدم سهولة تداوله. ‏ولعل سماح المشرع بالقبول الجزئي للكمبيالة قد يطرح التساؤل عن عدم اعتماد نفس الحل بالنسبة للتظهير. وتبدو الإجابة بسيطة ذلك أن السماح بالقبول الجزئي يزيد في حظوظ استخلاص الكمبيالة فتخيير الحامل بين كمبيالة مقبولة جزئيا وكمبيالة غير مقبولة سيكون حتما في صالح القبول الجزئي الذي يعطيه التزاما صرفيا ولو جزئيا للمسحوب عليه. ‏أما التظهير الجزئي فانه لا يرتب أي فائدة للمظهر له ولمن بعده من المتعاملين بالكمبيالة لأنه يضعف حظوظ الخلاص بتجزئة التزام المظهر. **‏ب- منع التظهير المشروط:** لتحقيق تداول سلس للكمبيالة فان المشرع لن يسمح بان يكون التزام المظهر ‏مشروطا فقد جاء بالفقرة الاولى من المادة 429 ق ت أنه \"لا يجوز تعليق التظهير على شرط، وكل شرط يعلق عليه التظهير يعتبر كأن لم يكن\". ويبرر هذا المنع بان الاشتراط المتعلق بعملية التظهير هو من قبيل ربط التزام المظهر بوضعية متعلقة برابطة المديونية بينه وبين المظهر له وهي رابطة لا يجب أن تكون معقولة بالنظر لكونه سيكون معيقا بالضرورة لعملية انتقال السند من شخص لآخر. وأمام خطورة إدراج أي شرط في عملية التظهير وأثر ذلك المباشر على عملية التداول فان المشرع لم يكتف بالمنع، بل اقر جزاء في المادة المذكورة مفاده أن أي اشتراط يوقع إدراجه يعتبر لاغيا أي لا عمل عليه. **2- المستفيد من التظهير:** تتم عملية التظهير لفائدة المظهر له. ويعطي المشرع جملة من الاختيارات للمظهر في هذا المجال فالمستفيد أي المظهر له يمكن أن يكون شخصا معينا بذاته ويسمى في هي حالة التظهير الاسمي كما يمكن للمظهر أن يترك اسم المستفيد بدون تحديد وهو التظهير على بياض. وقد جاء بالمادة 428 ق ت \"يجوز ألا يذكر في التظهير اسم المستفيد، كما يجوز أن يقتصر التظهير على توقيع المظهر (على بياض)\". ويمكن أيضا أن يكون التظهير للحامل وهو ما اعتبره المشرع بمثابة التظهير على بياض بالفقرة الأخيرة من المادة 429 ق ت (ويعتبر التظهير للحامل تظهيرا على بياض). وبقطع النظر عن تحديد شخص المستفيد من التظهير فان التظهير يجب أن يتم في حيز زمني محدد لينتج آثاره القانونية كالتزام مصرفي. **3- زمن التظهير:** لينتج التظهير آثاره القانونية في المجال المصرفي يجب أن يتم في اجل محدد. فالتظهير المنشأ للالتزام المصرفي هو التظهير الواقع قبل اجل الحلول. ويترتب عن هذه القاعدة أن التظهير الذي يتم خارج الحيز الزمني المشار إليه يفقد قيمته المصرفية ويقتصر أثره على الالتزام المدني المتمثل في حوالة الدين إذا كانت شروط هذا الالتزام متوفرة. وقد أقرت محكمة التعقيب التونسية هذا الحل في العديد من قراراتها كالقرار التعقيبي المدني عدد 50890 المؤرخ في 24 فيفري 1998 الذي جاء فيه \"التظهير الحاصل بعد الاحتجاج بالامتناع عن الدفع أو بعد انقضاء الأجل المعين لإقامة الاحتجاج لا يترتب عليه إلا نتائج الإحالة العادية\". **فقرة ثالثة: آثار التظهير الناقل للملكية:** يترتب عن التظهير التام أي الناقل للملكية اثر قانوني هام هو انتقال كافة الحقوق المرتبطة بالكمبيالة من المظهر للمظهر له (1)‏ وهذا الانتقال يستند إلى مبدأ أساسي للقانون المصرفي هو مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية (2). **1- انتقال حقوق المظهر للمظهر له:** ‏نصت الفقرة الأولى من المادة 433 ق ت على انتقال الحقوق المرتبطة بالكمبيالة من المظهر للمظهر له حيث جاء فيها \"تنتقل بالتظهير جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة\". ‏اذا كان الانتقال يشمل بالضرورة كل متعلقات الدعوى المصرفية إلى جانب الحق على المؤونة فان التساؤل يجوز حول بقية الحقوق التي يمكن أن تكون مرتبطة بالكمبيالة كالتأمينات العينية منها والشخصية. ‏يتجه الرأي الغالب إلى اعتماد العمومية الموجودة بالنص لبسطها على كل ملحقات السند من تأمينات ممكنة. ‏وقد كرست محكمة التعقيب التونسية هذه الفكرة فقد جاء بالقرار التعقيبي المدني عدد 46476 المؤرخ في13 نوفمبر1997 \"إن من آثار التظهير الناقل للملكية نقل الحق الثابت في الكمبيالة إلى المظهر له وملحقاته كما أن من آثاره أيضا التطهير من الدفوع أو عدم الاحتجاج بالدفوع على الحامل حسن النية ومؤدى هذه القاعدة، أن المدين بالكمبيالة لا يجوز له الامتناع عن الوفاء للحامل حسن النية وبهذا يفترق التظهير التام عن الحوالة المدنية فرقا حاسما، إن قاعدة عدم الاحتجاج بالدفوع عن الحامل الحسن النية أساسه نص تشريعي راعى الحاجة العملية والحرص على تيسير تداول الكمبيالة وتتشيط وظائفها الاقتصادية\". إلا أن الإشارة إلى ضرورة أن تكون هذه التأمينات ملتحمة بالكمبيالة واجبة بالنظر إلى أن غيرها من التأمينات المعطاة خارج السند يصعب تصور انتقالها نتيجة عملية التظهير بالنظر لفكرة أن السند يجب أن يكون محددا في ذاته للحقوق المرتبطة به. فإذا كانت الكمبيالة على سبيل المثال تتضمن ثمن بيع لأصل تجاري فان امتياز بائع الأصل التجاري المرتبط بالدين المضمن بالكمبيالة ينتقل إلى المظهر له في كل عملية تظهير. ويسري نفس الحكم إذا كان الدين المضمن بالكمبيالة كان موضوع توثقة في شكل رهن لبضائع أو سلع. وإذا كان التظهير في أساسه يمثل نقلا لمؤسسة القانون المدني المعروفة بحوالة الدين إلا أن التشابه بين المؤسستين لا يجب أن يخفي ما للتظهير من ميزات استثنائية إلى جانب غياب الشكليات المستوجبة في إطار مؤسسة الحوالة في القانون المدني. فالمظهر هو في الواقع ضامن للمظهر له لا فقط لوجود الدين كما هو الحال بالنسبة للحوالة في القانون المدني، بل هو ضامن أيضا لخلاص الدين إذ جاء بالفقرة الأولى من المادة 431 ق ت \"يضمن المظهر قبول الكمبيالة والوفاء بقيمتها، ما لم يشترط غير ذلك\". ولتحديد عملية الضمان مكنت الفقرة الثانية من نفس المادة المظهر من حصر ضمانه للمظهر له دون غيره وذلك بمنعه أي عملية تظهير جديدة إذ جاء بهذه الفقرة \"ويجوز له حظر تظهيرها من جديد، وفي هذه الحالة لا يكون ملزما بالضمان تجاه من تؤول إليهم الكمبيالة بتظهير لاحق\". إن التزام الضمان المحمول على المظهر لا يمكن أن يكون غير معني بحالة تبدو قليلة الحدوث إلا أنها ممكنة في الواقع وهي حالة التظهير لفائدة شخص ملزم سابقا بالكمبيالة كأن يقع التظهير لفائدة الساحب أو لمظهر سابق أو حتى للمسحوب عليه. فإذا كان التظهير لفائدة ملزم سابق بالكمبيالة فان التزام المظهر بالضمان يتحدد بالنظر للالتزام السابق للمظهر له وذلك حسب الحالات التالية: \- إذا كان المستفيد من عملية التظهير هو ساحب الكمبيالة نفسه الذي ستجتمع فيه صفتان صفته الأصلية كساحب الكمبيالة وصفته الثانية كمظهر له بالنظر لوجود دين له تجاه المظهر فان ضمان المظهر سيكون محددا بالنظر إلى أن المظهر له الساحب لن يتمكن في حال عدم خلاص الكمبيالة من تفعيل ضمان المظهر أو المظهرين السابقين له لان هؤلاء جميعا يتمتعون أصلا بضمان الساحب نفسه. وعلى هذا الأساس لن يكون للحامل الساحب من دعوى إلا ضد المسحوب عليه القابل بشرط إثبات الحامل الساحب انه قد وفر المؤونة. \- إذا كان المستفيد من عملية التظهير هو مظهر سابق للكمبيالة فان الحل السابق بالنسبة للساحب ينطبق باعتبار أن الحامل لن يمكنه القيام على المظهرين الذين تداخلوا بعد تاريخ تخليه عن السند بتظهيره وتاريخ اكتسابه من جديد عن طريق تظهيره لفائدته. ومثاله أن زيدا إذا ظهر الكمبيالة لعمرو وان عمرا ظهرها بدوره لسعد وان سعدا ظهرها لسعيد الذي ظهرها بدوره إلى عمرو. فمن تاريخ تخلي عمرو عن الكمبيالة وتاريخ اكتسابها من جديد تداخل سعد وسعيد الأمر الذي يمنع على عمرو من مطالبة كليهما بخلاصها طالما كان عمرو في الواقع ضامنا للخلاص والقبول لهما. \- إذا كان المستفيد من عملية التظهير هو المسحوب عليه القابل نفسه فانه لا يمكنه القيام على أساس ضمان المظهر المباشر أو بقية المظهرين لأنه هو المدين الرئيسي بالكمبيالة. **2- عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية:** يتميز انتقال حقوق المظهر للمظهر له بخاصية تتمثل في أن المظهر له يتمتع في الواقع بحقوق أكثر من تلك التي يتمتع بها المظهر ضمن ما يعرف بمبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية. فإذا كانت القاعدة القانونية العامة تقتضي انه \"لا يجوز لشخص أن يمنح غيره أكثر مما لنفسه من الحقوق\" فان قاعدة المادة 433 ق ت في فقرتها الثانية تجيز إن يحيل المظهر للمظهر له أكثر مما له من الحقوق وهي القاعدة المعروفة بتطهير الدفوع أو بعدم المعارضة بالدفوعات الشخصية (ليس للمدين الذي أقيمت عليه دعوى بكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقته الشخصية بساحبها أو بحامليها السابقين، ما لم يكن قصد الحامل وقت حصوله على الكمبيالة الإضرار بالمدين). إن مركزية هذا المبدأ في القانون المصرفي من حيث حمايته للحامل تقتضي الوقوف عند مدلوله (أ) قبل الخوض في شروط انطباقه (ب). **أ- مدلول المبدأ:** جاءت المادة 433 ق ت لتكرس مبدأ عدم جواز قبول الدفوعات الشخصية \"ليس للمدين الذي أقيمت عليه دعوى بكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقته الشخصية بساحبها أو بحامليها السابقين، ما لم يكن قصد الحامل وقت حصوله على الكمبيالة الإضرار بالمدين\". ويفيد مضمون هذا المبدأ أن تداول الكمبيالة لن يتيسر إلا إذا كان حاملها محاطا بحماية تغنيه عن التأكد من سلامة الروابط القانونية التي لا علاقة له بها بصفة مباشرة. فالحامل هو غريب (غير) عن علاقة الساحب بالمسحوب عليه كما هو غريب عن علاقة الساحب بالمستفيد مما يحتم إعفاءه من كل إمكانية تسمح لأحدهما أن يرفض الخلاص بالاستناد على دفع مرتبط بعلاقته الشخصية التي لا دخل للحامل فيها. أما القول بأن المظهر قد يعطي من الحقوق ما يتجاوز حقوقه المترتبة من الكمبيالة فهي تطبيق مباشر لهذا المبدأ ومثاله أن المستفيد الذي لا يمكنه معارضة الساحب إذا لم يسبق منه توفير وصل القيمة (وصل القيمة هو ما يقابل المؤونة في علاقة الساحب بالمسحوب عليه. فعبارة المؤونة تقتصر على الدين الرابط بين الساحب والمسحوب عليه، اما الديون بين بقية الأطراف فيطلق عليها لفظ وصل القيمة)،‏ فانه بتظهيره للكمبيالة سيمكن الحامل من دعوى لم تكن متاحة له وهي الدعوى تجاه الساحب الذي إن كان له أن يتصدى للمستفيد (المظهر) فانه لا يمكنه التصدي للحامل (المظهر له مما يتيح القول أن المظهر (المستفيد) الذي لم يكن بوسعه إلزام الساحب بالخلاص لسبب عدم توفيره لوصل القيمة سيمنح المظهر له حقا لم يكن بوسعه التمتع به وهو الدعوى ضد الساحب الذي لن يمكنه مجابهة الحامل بغياب وصل القيمة لان الحامل لا شان له بالعلاقة الرابطة بين الساحب والمستفيد. **ب- شروط تطبيق المبدأ:** بالنظر لقيمة مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية فان تطبيقه العملي يستوجب جملة من الشروط تتعلق بالحامل (1) وبالدفوعات (2). **‎1- الشروط المتعلقة بالحامل:** ليستفيد الحامل من مزايا مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية لا بد أن تتوفر فيه صفة الحامل حسن النية. ذلك أن المادة 433 ق ت قد استثنت من التمتع بالمبدأ الحامل سيئ النية من خلال تنصيصها التالي: \"ما لم يكن قصد الحامل وقت حصوله على الكمبيالة الإضرار بالمدين\". ‏وقد دأب فقه القضاء على استنتاج شرط حسن النية لتمتيع الحامل بمقتضيات المادة 433 ق ت فقد جاء بالقرار التعقيبي المدني عدد 2758 المؤرخ في 27 فيفري2001 الصادر عن محكمة التعقيب التونسية أنه \"خلافا للمنحى الذي انتهجته محكمة الموضوع فانه لا يمكن معارضة الحامل بالدفوعات المبنية على العلاقة الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين شريطة عدم تعمد الحامل عند اكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين وهو ما عبر عنه فقه القضاء بالحامل حسن النية وعليه فان الحامل السيئ النية يمكن معارضته بالدفوعات التي يواجه بها الساحب أو المدين الأصلي\".‏ ‏غير أن تحديد مفهوم حسن النية الوارد بالمادة 433 ق ت بدا غير واضح المعالم وقد اقتصر فقه القضاء على الاستشهاد بالمادة دون سبر أغوارها لتحديد المقصود بحسن أو سوء النية، ‏وقد كان فقه القضاء الفرنسي كان أكثر ايجابية إذ أثمر اجتهاده إلى فك طلاسم المادة 121 من القانون التجاري الفرنسي وهو المادة الموازي للمادة 433 ق ت عماني. فقد جاء بقرار محكمة التعقيب الفرنسية بتاريخ 26 جوان 1956 إن الحامل يكون سيئ النية إذا كان على وعي عند قبوله تظهير الكمبيالة لفائدته تسببه بضرر للمدين المصرفي بوضعه في حالة استحالة إثارة دفع مستمد من علاقته الشخصية تجاه الساحب أو مظهر سابق. فمسالة تعمد الإضرار بالمدين تكون محققة في حال أن البنك حامل الكمبيالة عند تسلمه لها يكون مدركا لا فقط لغياب المؤونة، بل استحالة توفيرها أصلا فيكون تسلمه للكمبيالة في إطار عملية الخصم متسما بنية الإضرار بالمدين طالما أن ذلك سيحرمه من إمكانية المعارضة بغياب المؤونة. ومن بين القرارات القضائية التي حاولت فك رموز مسالة سوء نية الحامل القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس عدد 50406 بتاريخ 20 جانفي 1998 الذي جاء فيه \"سوء نية الحامل، لا يعني فقط ان يكون الحامل على علم بالعلاقات الاصلية، بل يجب أن يتوفر عنصران إضافيان وهما عدم وجود المؤونة وان يكون الحامل قد قصد الاضرار بالمسحوب عليه\". **2- الشروط المتعلقة بالدفوعات:** فيما يتعلق بالدفوعات تشترط المادة 433 ق ت أن تكون من قبيل الدفوعات الشخصية أي التي ترتكز على علاقة تربط بين المدين المطلوب أي الشخص المثير للدفع والدائن الطالب أي الحامل. ‏ويترتب عن هذا الشرط أن هنالك دفوعات يمكن مواجهة الحامل بها وان كان حسن النية وهي الدفوعات المتعلقة بعيب ظاهر في السند لان الحامل ملزم بالتثبت في صحة السند من حيث الشكل. وكذلك الدفع المتعلق بغياب الرضا المتمثل في الغالب في الإمضاء المدلس أو الحاصل بالإكراه فقد جاء بالقرار التعقيبي المدني عدد 27968 المؤرخ في 31 مارس 1993 الصادر عن محكمة التعقيب التونسية \"نكران المسحوب عليه لإمضائه للكمبيالة لا يعد من الوسائل المعارضة المبنية على العلاقة الشخصية بين الساحب والمسحوب عليه والتي لا يمكن معارضة الحامل بها لان التوقيع المزور للكمبيالة هو مبني على أسباب جدية وهو نفي للعلاقة مع من نسب له سحب الكمبيالة\". ‏ويعد من قبيل الدفوع التي يمكن مواجهة الحامل بها الدفع المتعلق بعدم أهلية المدين على الرغم من عدم ظهوره للحامل إلا أن اختيار المشرع في تغليب حماية القاصر على حماية حامل الكمبيالة تؤدي إلى الأخذ بهذا الدفع وإخراجه من زمرة الدفوعات الممكن إدراجها في قائمة المادة 433 ق ت. ‏أما الدفوعات التي لا يمكن مجابهة الحامل حسن النية بها فهي أساسا التي تتعلق بالمؤونة أو وصل القيمة أو المتعلقة بالرابطة الأصلية كالوفاء أو المقاصة أو الفسخ. فقد جاء بالقرار التعقيبي المدني عدد 48925 المؤرخ في 14 جانفي 1998 الصادر عن محكمة التعقيب التونسية أنه \"لا يمكن معارضة حامل الكمبيالة بوسائل المعارضة المبنية على العلاقة الشخصية بالساحب ومن ذلك الدفع بوقوع الخلاص والمقاصة وانعدام المؤونة لأنه غير بالنسبة لمعاملات الساحب بالمسحوب عليه\". ‏وإذا كان التظهير التام الناقل لملكية السند يمثل التظهير الأكثر استعمالا في التطبيق إلا أن بعض الوضعيات تتناسب أكثر مع ما يعبر عنه بالتظهير التوكيلي. **‏المبحث الثاني: التظهير على وجه التوكيل** يتمايز التظهير التوكيلي عن التظهير الناقل للملكية من حيث أن المظهر يسلم السند للمظهر له في إطار عملية توكيل يقوم بموجبها المظهر له باستخلاص قيمة السند لفائدة المظهر. ولعل أهم استعمال لهدا التظهير يتنزل في تكليف البنك من قبل حريفه باستخلاص الكمبيالات التي يكون دائنا بمبلغها. وعادة ما يعمد التجار إلى استعمال هذه الطريقة في استخلاص الكمبيالات بالنظر للتكاليف المرتفعة التي يقتضيها قيامهم بأنفسهم بعملية الاستخلاص. في الواقع يقدم البنك جملة من الخدمات منها وضع وإدارة وسائل الدفع حيث يقوم البنك بتقديم هذه الخدمات لحرفائه ومنها استخلاص الكمبيالات الذي يتم عبر آلية التظهير التوكيلي. وقد أقرت محكمة التعقيب التونسية هذه التفرقة من خلال القرار التعقيبي المدني عدد 16844 المؤرخ في 4 أفريل 1989 الذي جاء فيه \"تسليم الكمبيالة للبنك لاستخلاص قيمتها فقط لا يمنحها صفة الحامل إنما صفة وكيل الحامل\". وعلى غرار التظهير الناقل للملكية فان التظهير التوكيلي لا يقوم صحيحا إلا باحترام شروط معينة (فقرة أولى) لينتج آثاره القانونية (فقرة ثانية). **فقرة أولى: شروط التظهير التوكيلي:** لصحة التظهير التوكيلي لا بد من توفر شروط شكلية (1) وأخرى أصلية (2). **‎1- الشروط الشكلية:** وردت الشروط الشكلية للتظهير التوكيلي بالمادة 434 ق ت الذي أورد جملة من البيانات المدرجة على السند للإفادة بنية المظهر تسليم الكمبيالة للمظهر له بصفة الوكيل وهذه العبارات هي (القيمة للتحصيل) أو (القيمة للقبض) أو (بالتوكيل) وكلها تعني اتجاه نية المظهر إلى توكيل المظهر له بقبض أو استخلاص قيمة السند عوضا عنه. ويتبين من ضرورة إدراج ما يفيد التظهير على وجه التوكيل أن إرادة المظهر في توكيل المظهر له يجب أن تكون واضحة ومستنتجة من السند لان أي شك في وضوح الإرادة يفسر في الغالب في اتجاه التظهير الناقل للملكية. **2- الشروط الأصلية:** إذا كانت مسالة الرضى لا تطرح مشاكل خاصة بالمقارنة مع كل الالتزامات المصرفية بوجه عام والتظهير الناقل للملكية على وجه الخصوص فان الأهلية تختلف إذ هي تخضع لمقتضيات المادة 673 من قانون المعاملات المدنية المتعلقة بأهلية الوكيل والموكل. فالموكل أن يكون الموكل مالكا حق التصرف بنفسه فيما وكل فيه، وأن يكون أهلا للقيام بنفسه بالعمل موضوع التوكيل. وبالنظر لكون موضوع التظهير التوكيلي هو استيفاء معين الكمبيالة فان الموكل يجب أن يكون أهلا للحصول على معين الكمبيالة. في المقابل يشترط في الوكيل أن يكون الوكيل أهلا لمباشرة التصرف الذي وكل به. **فقرة ثانية: آثار التظهير التوكيلي:** يترتب عن التظهير التوكيلي التزام المظهر له القيام بموضوع الوكالة أي تنفيذ أوامر موكله المتمثلة في تقديم الكمبيالة للخلاص عند حلول اجلها. ويعني هذا أن التظهير التوكيلي يسند للمظهر له سلطات المظهر بوصفه حامل الكمبيالة الأمر الذي يرتب للمظهر له القيام بكل ما يستوجبه تنفيذ الوكالة من حرص وأمانة فقد جاء بالمادة 681 من قانون المعاملات المدنية أنه: \"على الوكيل أن يبذل في تنفيذ ما وكل به العناية التي يبذلها في أعماله الخاصة إذا كانت الوكالة بلا أجر وعليه أن يبذل في العناية بها عناية الشخص العادي إذا كانت بأجر\"، ويكون الوكيل مسؤولا بالخسارة الناشئة لموكله عن تقصيره كما لو خالف وكالته اختيارا أو خالف الإرشادات الخصوصية الصادرة له من موكله أو فرط فيما أعتيد في المعاملات \.... وإذا كان التظهير التوكيلي يتم في الغالب لفائدة البنك أي انه تظهير لمحترف باجر تشدد فيه المسؤولية فان المؤسسة البنكية ملزمة بتقديم الكمبيالة للخلاص في الأجل وفي حال رفض الخلاص القيام بالاحتجاج وإعلام الموكل بكل ذلك في الإبان. ويكون البنك مسئولا في كل خطأ يتم في إطار تنفيذ الوكالة. فقد جاء بالمادة 434 ق ت أنه \"\... جاز للحامل مباشرة جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة، وإنما لا يجوز له تظهيرها إلا على سبيل التوكيل\". وتنتهي الوكالة أي صفة الوكيل كحامل للكمبيالة بمقتضى التظهير التوكيلي بإتمام الوكالة أي بقبض قيمة الكمبيالة وإجراء الحساب مع المظهر كما تتم أيضا بوسائل أخرى. وخلافا لحالة انتهاء الوكالة بموت الوكيل أو الموكل المشار إليها بالمادة 694 من قانون المعاملات المدنية فان التوكيل المتعلق بالتظهير التوكيلي لا ينتهي بوفاة الموكل أو بفقدانه أهليته كما أشارت لذلك المادة 434 ق ت التي اقتضت أنه: \"ولا تنقضي الوكالة التي يتضمنها التظهير التوكيلي بوفاة الموكل أو بحدوث ما يخل بأهليته\". **المبحث الثالث: التظهير على وجه التوثقة** يمكن للكمبيالة أن تكون موضوع توكيل على وجه التوثقة لضمان دين المظهر له تجاه المظهر. وعلى غرار التظهير الناقل للملكية والتظهير التوكيلي فان التظهير على وجه التوثقة لا يقوم صحيحا إلا باحترام شروط معينة (فقرة أولى) لينتج أثاره القانونية (فقرة ثانية). **فقرة أولى: شروط التظهير على وجه التوثقة:** كغيره من أنواع التظهيرات السابقة يقوم التظهير على وجه التوثقة صحيحا بتوفر جملة من الشروط يمكن تقسيمها إلى نوعين من الشروط تتكون الأولى من شروط شكلية (1) وتتعلق الثانية بشروط أصلية (2).‏ **1- الشروط الشكلية:** وردت الإشارة إلى الشروط الشكلية للتظهير على وجه التوثقة بالمادة 435 ق ت التي جاء فيها \"إذا اشتمل التظهير على عبارة (القيمة للضمان) أو (القيمة للرهن) أو أي بيان آخر يفيد التأمين، جاز للحامل أن يباشر جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة. فإذا ظهرها، اعتبر التظهير على سبيل التوكيل\". ‏ويتبين من خلال المادة المذكور أن التظهير على وجه التوثقة على غرار التظهير التوكيلي هو ناتج عن تعبير إرادي في شكل تنصيص مرفق بعملية الإمضاء على ظهر الكمبيالة. **‏2- الشروط الأصلية:** لم تقع الإشارة في قانون التجارة إلى الشروط الأصلية للتظهير على وجه التوثقة، وإزاء هذا الفراغ فان الأمر يجب أن يخضع للقواعد العامة لصحة الأعمال الإرادية بالنظر إلى أن التظهير هو عمل إرادي يستوجب استجماع الشروط العامة الواردة بقانون المعاملات المدنية.‏ فالمظهر لا بد أن يكون أهلا للالتزام والإلزام أو يكون تعبيره عن التزامه برضا صريح وان يكون محل الالتزام مما يصح فيه التعامل وان يكون سببه مشروعا. **‏فقرة ثانية: أثار التظهير على وجه التوثقة:** على غرار التظهير التوكيلي فقد أشار المادة 435 ق ت أن المظهر له أي حامل الكمبيالة يكتسب جميع الحقوق المترتبة على الكمبيالة. ‏وهذا يعني أن المظهر له في التظهير على وجه التوثقة له أن يقوم باستخلاص قيمة الكمبيالة وله من الحقوق ما يمكنه من الاستفادة من مبدأ عدم المعارضة بالدفوعات الشخصية. غير أن حقه في استعمال الكمبيالة يبقى محدودا بالنظر لعدم إمكانية اعتباره مالكا قادرا على التصرف فيها فلا يمكنه مثلا أن يظهر الكمبيالة تظهيرا كاملا أي ناقلا للملكية وان أي تظهير يقوم به يعد تظهيرا توكيليا وهو ما يؤكد محدودية حقوقه على السند. أما فيما يتعلق بإمكانية اختلاف اجل الدين الموثق بالكمبيالة واجل الكمبيالة في حد ذاتها فان الأمر يقتضي التفصيل التالي: \- في حال كان الأجلان متطابقين أي أن اجل حلول الكمبيالة هو نفسه اجل حلول الدين الذي أعطيت الكمبيالة لتوثقة لخلاصه فان على المظهر له (أي الدائن) تقديم الكمبيالة للخلاص ويكون تحصله على مبلغها خلاصا لدينه في حدود ذلك الدين وعليه إرجاع ما زاد عن قيمة دينه للمظهر. أما إذا كان المبلغ اقل من قيمة الدين فان ذمة المدين تبرا بمقدار معين الكمبيالة التي تحصل الدائن على قيمتها ويبقي دائنا بالفارق. \- إذا كان الدين الموثق بالكمبيالة لم يحل اجله بعد وحل اجل الكمبيالة فعلى المظهر له استخلاص قيمتها وينتقل حقه من الكمبيالة إلى معينها وهو ما يحتم عليه أداء فائض المبلغ للمدين إلى غاية حلول اجل الدين. \- إذا سبق اجل الدين اجل حلول الكمبيالة يمكن للمظهر له ممارسة حق الحبس على الكمبيالة إلى حلول اجلها ليقوم بعده باستخلاص قيمتها.

Use Quizgecko on...
Browser
Browser