تفريغ محاضرة: السر األعظم PDF
Document Details
Uploaded by IndividualizedSnake
Open Learn Online Academy
م. عبدالله صالح العجيري
Tags
Summary
ملخص لمحاضرة عن ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، وتطرقت المحاضرة إلى أهمية هذا العالم الإسلامي وأعماله، وركزت على أهمية معرفة الله عز وجل.
Full Transcript
تفريغ حماضرة :السر األعظم إلقاء :م.عبدهللا صاحل العجريي بسم هللا الرمحن الرحيم واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان حممد وعلى آله وصحبه...
تفريغ حماضرة :السر األعظم إلقاء :م.عبدهللا صاحل العجريي بسم هللا الرمحن الرحيم واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ،وبعد.. حديثنا اليوم وهو عن متاس مع أحد العبقرايت الكربى يف اترخينا اإلسالمي ،وهو علم إمام كبري من أئمة االسالم: ابن قيم اجلوزية رمحه هللا. ويكفي ليدرك اإلنسان فضل هذا العامل ومقداره وموقعه يف خريطة العلماء؛ أن اإلمام احلافظ ابن حجر عليه رمحة هللا ملا أراد الثناء على ابن تيمية رمحه هللا تعاىل ،قال يف حق ابن تيمية: "ولو مل يكن البن تيمية منقبة وحسنة إال تلميذه مشس الدين ابن قيم اجلوزية ،الذي طافت مبؤلفاته الركبان وتوافق عليه املخالف واملواقف لكفاه".ويف ذلك داللة على منقبته وشرفه ،مث اسرتسل يف الثناء على ابن تيمية. وهذا أحد اجلوانب يف عبقريته ابن تيمية أن عبقرية ابن تيمية ،مل تكن عبقرية ذاتية عبقرية انشئة من مؤلفاته وكتبه فقط ،بل جزء من عبقرية ابن تيمية ويف خترجيه لعبقرايت أخرى. عندان ابن القيم ،عندان املفلح ،عندان عبد اهلادي -قاضي اجلبل ، -وكثري من أئمة اإلسالم الذين خروجهم ابن تيمية رمحه هللا رمحة هللا عليه. احلقيقة أن ابن القيم اجلوزية ميثل ابلنسبة يل على املستوى الشخصي مرحلة مفصلية يف اترخيي العلمي ،وهي حلظة ابتدأت يف 1417هجري.كان من عاديت عندما أذهب مع جمموعة من الزمالء واألحباء يف تلك السنوات للحج اصطحب معي كتاب متعلق أبحكام املناسك وأحكام احلج.فأذكر اثنني من الكتب اليت أحضرهتا يف تلك الفرتة : كتاب شرح حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنه وأرضاه للشيخ األلباين رمحه هللا ،ومن الكتب اليت استحضرها الشرح املمتع للشيخ ابن عثيمني؛ تفسري الشيخ حممد االمني الشنقيطي لسورة احلج. فصادف يف 1417أن الكتاب الذي استحضرته معي ملعرفة بعض أحكام املناسك كان اجلزء املخصص يف هدي النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلج من كتابه زاد املعاد اجمللد الثاين وابتدأت القراءة يف هدي النيب يف حجه ،ويف أثناء احلج ختمت ما يتعلق هبديه صلى هللا عليه وسلم يف احلج ،وبقيت بقية الكتاب و هو اجمللد الثاين يف هدي النيب ،يف الذكر ،يف األمساء وال ُكىن وغريها ،قرأهتا وال زلت يف احلج قراءات يف اجمللد األول يف الزكاة ،وفرغت من احلج وفرغت من اجمللد الثاين. ووجدت يف ابن القيم ويف كتابه شيئا جديدا مل أتعرف عليه من قبل ،وكان شيئا مطراب للحقيقة. أذكر أول ما رجعت استفتحت يف اجمللد األول وكررت اجمللد الثاين والثالث والرابع واخلامس ،مث بدأت طريقي يف قراءة املنتج الذي قدم عليه ابن القيم رمحه هللا ،ومل مير تقريبا سنتني إال واستطاع اإلنسان أن يقرأ كل مؤلفات ابن القيم رمحه هللا.وـذكر انه بقيت رسالة مل تكن مطبوعة ومل تكن منتشرة انتشارا كبريا ،فبقيت علي رسالة صغرية واحدة البن القيم عنواهنا :إغاثة اللهفان يف طالق الغضبان.وكنت متأمل متحسرا ،كنت اريد ان اختم كل ما كتبه ابن القيم وبقيت هذه وجدت إغاثة اللهفان يف ُ الرسالة.وأذكر اين كنت يف املدينة ادور يف مكتباهتا ،ويف اثناء مروري يف أحد املكتبات طالق الغضبان بتحليل العالمة جالل الدين القامسي ،وأذكر انين مل ختتم تلك الليلة إال وقد ختمت إغاثة اللهفان يف طالق الغضبان ،وبه ختمت كل ما يتعلق مبنتج ابن القيم. وبعدها كان االنسان يعود النظر مرة بعد أخرى يف منتجات ابن القيم ،مل أكتفي ابلقراءة االوىل. واحلقيقة ،إذا استعرض االنسان مؤلفات ابن القيم يستطيع أن يصنفها إىل درجتني أو صنفني: فيه الكتاب األهم ،والكتاب املهم. وأان أزعم ان الكتاب الذي سنتدارس فقرة منه ميثل أحد املؤلفات املركزية يف تراث ابن القيم ،وهو :مدارج السالكني يف شرح الكتاب الشهري أليب امساعيل هارون :منازل السائرين. وهذا الكتاب احلقيقة –مدارج السالكني -له موقعه اخلاص من النفس ،مدارج السالكني حىت يصل إىل نوع من املغاالة يف ما يتعلق ابلكتاب أنين مل أكتفي فيه بطبعة واحدة.كانت الطبعة االوىل اليت قرات الكتاب عليها طبعة رديئة ،طبعة من دار العرب يف ثالث جملدات فيها من األغالط والفظاعة.وشكلت هذه مع حمبه الكتاب حبيث مل تكد خترج طبعة من الكتاب إال أشعر بضرورة اقتنائها.واذكر انين اعدت اقتناء طبعه حممد حامد الفقي ،ولعامر ايسني وغريها مث حبمد هللا طبعت طبعه أنيقة عن دار عامل الفوائد من مشروع د.بكر أبو زيد رمحه هللا عليه. ملاذا أذكر صليت وعالقيت اببن القيم ؟ الفكرة األساسية اليت أريد ان تتخيلوا أنين حبمد هللا استعرضت منتج ابن القيم مجيعا ،وهذا املنتج منتج منبهر ،وفيه من دقيق العلم ما ال يكاد جيده اإلنسان عند غريه.بل ابن القيم نفسه استوعب هذه احلقيقة عن نفسه رمحه هللا تعاىل عليه ،فخرج يف بعض املواضع أن هذا الكالم لن جتده يف مواضع أخرى. وملا قرأ اإلنسان كل ما يتعلق بكالم ابن القيم وأكرر النظر ،وأكرر الكالم ،خترج فقرات معينة يف كالم ابن القيم مطربة؛ قيمة ومجيلة وحسنة.ودائما اعرب عن هذا املعىن يف عدة مناسبات ،أن أحلى وأمجل وأحلى كالم ابن القيم يف نفسه ،هو الكالم الذي سطره يف منزلة التوبة حتت عنوان -سربت بعض مضامينه لإلخوة -وهو بعنوان: [ السر األعظم ] سيكون عندان إبذن هللا وقفة مطولة فيما يتعلق حبقيقة هذا السر ،والذريعة اليت من أجلها افرتى على كالم بن القيم فيه فيما يتعلق ابلسر األعظم.وهو لون ال أخفيكم أنه هناك من الضغوط اإلنسانية على النفس يف حب املشاركة فيما يعجب اإلنسان ويطربه.أان أجد أن كثريا من الشباب إذا أعجبه فيلم معني ،إذا أعجبه مؤلف؛ كتاب معني، يتمىن إن كل الناس تشارك يف حاله احملبة وحاله اهليام ،حالة الذوق الذي تذوقه من ذلك الكتاب. ال أخفيكم أنين من مدة طويلة أمتىن أن أعقد جملسا وأشارك فيه إخويت ،هذا النص اجلميل ،النص البديع ،النص املطرب ،الذي كلما كررت النظر فيه يزيده مقامه يف نفسي وأشعر أنين مل أكن مبالغا ملا انتخبت هذا النص وجعلته النص األكثر إاثرة على املستوى اإلنساين واملستوى الشخصي يف نفسي. وهذا النص من املهم جدا أن نستحضر وحنن نتدارسهُ ونتذكره ،أنه متعلق أبحد أبواب العبودايت الضخمة يف دين اإلسالم ،وهي عبودية لألسف الشديد يغفل عنها الكثري من املسلمني ،وال يستحضرون ملا يطلق مفردة العبادة إال مساحة معينة من العبادات ،دون أن يقع يف وهلهم هذه العبودية الكبرية العظيمة ،اليت يُتعبد هلل تبارك وتعاىل هبا، وذكر العلماء أهنا من أعظم مقاصد تنزيل الوحي ،وهي: عبودية التعرف على هللا سبحانه وتعاىل.عبودية معرفة هللا سبحانه وتعاىل. يعين بعض أهل العلم ملا أييت إىل قوله تعاىل "وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون" ؛ مث ترجع إىل كتب املفسرين، جتد أن كثري من العلماء فسر " ليعبدون " أي :ليعرفون.فاهلل خلق اخللق ليُعرف تبارك وتعاىل ،فيُعبد تبارك وتعاىل. من أمجل أحاديث النيب صلى هللا عليه وسلم اليت متثل حلظة رجاء عند اآلدميني ،قوله صلى هللا عليه وسلم: ِ ِِ َلِل تِسعة وتِسعِني ْ ِ اجلَنَّةَ". اها َد َخ َل ْ صَ امسا مائَة إِال َواحداَ ،م ْن أ ْ َح َ " إِ َّن َّ ْ َ َ ْ َ العلماء اختلفوا اختالف واسع يف مدلول كلمة اإلحصاء ،ومن أمجل من استوعب الكالم يف اإلحصاء ابختصار وحقق القول يف مدلول اإلحصاء :ابن القيم عليه رمحة هللا تعاىل يف كتابه بدائع الفوائد. فذكر أن مما يدخل ويندرج يف مفهوم اإلحصاء كل ما ذُكر فيها من املعاين. فمما ذكر العلماء يف مفهوم اإلحصاء " من أحصاها" قالوا :من حفظها. بل ورد يف رواية عن النيب صلى هللا عليه وسلم يف ذات احلديث أنه قال" :من حفظها" بدل من كلمة من أحصاها.فتخيل! أنه جمرد حتفظ أمساء هللا كما يتحفظ الواحد منا السورة من القرآن ،يعترب عبادة عظيمة حيبها هللا سبحانه وتعاىل.يعين مبجرد أن جيلس االنسان وعنده قائمة هبا أمساء هللا عز وجل ،فيسعى يف حتفظها ،أنه: هللا ،الرمحن ،الرحيم ،امللك ،القدوس ،السالم ،املؤمن..إىل بقية أمساء هللا عز وجل.جمرد أن يستغرق اإلنسان يف حماولة حفظها ،هذه عبادة هلل عظيمة! بل هي عبادة حيتمل أن تكون مدخله للعبد إىل اجلنة -كما أخرب النيب صلى هللا عليه وسلم.- درجه اثنية من اإلحصاء ،وهي :قضية تفهم معانيها. أن اإلنسان أيخذ كتاب معني ،يشرح فيه املؤلف أمساء هللا ،هذه عبادة عظيمة! مبجردها ،قد تكون سببا موجبا يف إدخال العبد إىل اجلنة.لو أراد اإلنسان أن يعمل اختبار جمموعة من املسلمني يسأهلم عن أمساء هللا تبارك وتعاىل :ما معىن املتني من أمساء هللا سبحانه؟ ما معىن املؤمن؟ ما معىن العزيز؟ ..قد ال تعجبنا النتائج.وابلتايل، حيتاج اإلنسان أن يطلب تفسري أمساء هللا تعاىل. واملعىن الذي يريد أن يشار إليه :أن تطلب تفسري أمساء هللا هي عبادة.عبادة من جنس أن يركع االنسان ركعتني ،أو يصوم شيئا من األايم ،أو يتصدق.جمرد جلسة اإلنسان وسعيه يف تفهم أمساء هللا تعاىل هذه عبادة حيبها هللا. من مفاهيم اإلحصاء كذلك اليت ذكرها أهل العلم ،قضية :أن يعمل اإلنسان مبقتضاها. فإذا علم اإلنسان أن من أمساء هللا عز وجل السميع؛ فال يسمع منك سبحانه وتعاىل كلمة ال تسره فإذا علم اإلنسان أن من أمساء هللا عز وجل البصري ،فال يراك يف مشهد ال يرضيه ،وغري ذلك.. أن يعمل العبد مبقتضى أمساء هللا عز وجل ،وسوف يكون لنا وقفه فيما يتعلق هبذه القضية. ويذكر أهل العلم كذلك من مدلوالت اإلحصاء: أن يسعى االنسان يف االتصاف مبا يليق ابلعباد االتصاف به من هذه األمساء النيب صلى هللا عليه وسلم يف كثري من األحاديث يرشد اىل هذا املعىن ،يعين مثال ملا يقول النيب صلى هللا عليه وسلم: ب ا ِإل ْح َسا َن " اَلِلَ ُْحم ِسن ُِحي ُّ " إِ َّن َّ احلياء و ِ الس ْ َرت " اَلِلَ َعَّز َو َج َّل َحيِ ٌّي َستِري ُِحي ُّ " إِ َّن َّ ب ََْ َ َ فكأن النيب صلى هللا عليه وسلم جيعل مناط التخلق هبذه االوصاف هو كوهنا كماالت متصلة ابهلل عز وجل ،فما يليق شرع يف حق العبد أن يسعى يف االتصاف هبا. به العبد أن يتصف به من هذه الكماالت؛ فيُ َ [ هذه كلها مدلوالت تندرج حتت مدلول اإلحصاء]. وما يهمين التذكري به والتنبيه ،أن هذا احلديث يرشد أن من أعظم العبودايت اليت يتعبد هللا عز وجل هبا، هي :عبودية معرفة هللا سبحانه. ونفس هذه املعرفة مطلوبة لذاهتا ،يعين بعض الناس يتوهم أن ابب معرفة هللا عز وجل مقصود لغريه ،مبعىن أنك إذا عرفت أن هللا عز وجل متصف بكذا أو متصف بكذا ،فإن ذلك يُثمر هذا املعىن يف نفسي عبودايت معينة. العلماء ينبهون أن املعىن أشد عمقا!.. وحيب أن يعرف الرب تبارك وتعاىل. هذه املعرفة يف حد ذاهتا –كما نبهنا وبينا -هي عبادة حيبها هللا سبحانه وتعاىلُ ، يقول ابن القيم مثال: " فإن العلم ابهلل وأمسائه وصفاته هو أشرف العلوم على اإلطالق ،وهو علم مطلوب لنفسه مراد لذاته" حمركا لتطلب معرفة هللا تبارك وتعاىل ،حىت لو قدر أن واملفرتض أن اإلنسان بطبيعته السوية اإلنسانية البشرية يكون َّ الشريعة مل أتمر مبعرفته جل وعال؛ ألن كل إنسان عندهُ أشبه ابجلوعة يف نفسه ،هناك حمرك احلاجة ،الذي حيرك اإلنسان صوب تطلب معرفة هللا سبحانه وتعاىل.. يقول ابن القيم: " إنه ال حياة للقلوب وال علم وال لذة وال سرور وال أمان وال طمأنينة؛ إال أبن تعرف رهبا ومعبودها وفاطرها أبمسائه وصفاته وأفعاله" فاملفرتض أن هناك نوع من اجلوعة ،نوع من أنواع احلياة اليت يتطلبها االنسان لنفسه -لو كان سوي النفس ،-بل هنالك حمرك أمجل وأرفع درجة من هذا ،وهو حمرك الشوق إىل معرفة هللا تعاىل.. ولذا ،من أكثر املشاهد البشرية األكثر إيذاءَ على املستوى اإلنساين الشخصي ،هو موقف الال اكرتاثية.. يعين ملا يتكلم اإلنسان عن املواقف العقدية املتعلقة جبناب الرب تبارك وتعاىل وجبناب وووده عندان : -موقف املؤمن املتدين الذي يؤمن بوجود هللا عز وجل ويعتقد بصحة دينه ،وأنهُ جيب أن يتعبد هللا تعاىل به. -وهناك املوقف الربويب الذي يؤمن أبن هناك رب خلق العامل ،لكن هذا الرب خلق العامل وتركه. -وهناك املوقف الال أدري الذي ال يقدم جوااب على سؤال " هل هللا موجود " ابلسلب أو اإلجياب ،فهو مرتدد حائر بني الطرفني.. يعتقد أن هناك أدلة متساوية من الضفتني ،ويعتقد أن العقل البشري عاجز عن تقدمي جواب على هذا السؤال. -مث هناك عندان امللحد الصلب امللحد اإلجياب ،امللحد الذي يعتقد بعدم وجود الرب هذه املواقف ،ابلنسبة يل عقليا -مع استبشاعي بطبيعة احلال لبعضها -لكنها ُمتفهمة ُمتعقلة ،لكن املوقف الذي ال أستطيع تفهم دوافع صاحبه هو املوقف الال اكرتاثي! املوقف الغري مكرتث أصال ابلسؤال عن وجود هللا وعدمه.. وخاطبت بعضهم ،املوقف الذي خيتاره لنفسه يف هذا ُ ختيلوا أن هناك أانس وبشر ملا تعرض عليه دعوتك وختاطبه، ٍ مكرتث به! السؤال -سؤال وجود هللا : -أنين غري عاب ٍئ ابلسؤال أصال ،غري وهذه احلالة من حاالت انتزاع اإلنسان إنسانيته من نفسه إىل مرحلة أُقيمها أهنا أشد احنطاطا من أحوال البهائم اليت تعرف هللا تبارك وتعاىل. ولذا؛ من املفرتض أصال يف اإلنسان: أال يكون هناك ابب يشتاق اإلنسان ملعرفته أكثر من تطلب معرفة الرب تبارك وتعاىل.. يعين املفرتض أن يكون االنسان حمركا مبجرد االحتمال ،إن كان هناك احتمال لوجود هللا عز وجل ،فأعظم سؤال إنساين بشرى هو سؤال :ما مواصفات هذا الرب الذي خلقين وخلق هذا العامل ،وخلق هذا الوجود الذي حويل؟ يقول ابن تيمية: " وليست النفوس الصحيحة إىل شيء أشوق منها إىل معرفة هذا األمر " ال شيء مفرتض أن يكون حمرك الشوق لإلنسان أن يتعرف عليه أكثر من اشتياقه معرفة الرب تبارك وتعاىل. يقول أيضا: " من كان يف قلبه أدىن حياة وطلب للعلم ،أو هنمة يف العبادة ،يكون البحث يف هذا الباب ،والسؤال عنه ،ومعرفة احلق فيه ،أكرب مقاصده وأعظم مطالبه " مبجرد أدين حيا ٍة تنعقد يف نفس االنسان ،فيجب أن يكون هذا الباب ورقم واحد يف سلم أولوايته ،الذي هو ابب تطلب معرفة هللا سبحانهُ وتعاىل. ولذا ،هذا الباب مىت ما انفتح يف النفس على الوجه الذي يُرضى هللا عز وجل ويتطلبه منا ،فكل خري سينقدح يف عبودية اإلنسان ،وسيثمر أعظم بركة يف حياة االنسان. وملا نتكلم عن معرفة هللا عز وجل ال نتكلم عن مستوى معلومايت فقط ،بل حنن نتكلم عن مستوى معرفة ُحيقق لإلنسان رقيا يف منازل التذلل والتعبد واحملبة له تبارك وتعاىل. ولذا أحد القضااي اليت حتتاج إىل ُمراجعة يف درسنا العقدي ،الذي هو طبيعة ارتباط معرفة هللا عز وجل يف طبيعة الدرس العقدي ،وما يتطلبه هللا منا من مظاهر العبودية عند دراسة هذه املعاين. يعين من املؤسف أحياان أنه إذا ذكر حديث النيب صلى هللا عليه وسلم مثال: ول "..احلديث املعروف .. ث اللَّي ِل ِ اآلخ ُر يـَ ُق ُ السم ِاء ُّ ِ ٍِ ني يـَْبـ َقى ثـُلُ ُ ْ الدنْـيَا ح َ " ينزل َربـُّنَا تَـبَ َارَك َوتَـ َع َاىل ُك َّل لَْيـلَة إ َىل َّ َ من املؤمل أن يكون قصارى ما ينقدح يف ذهن اإلنسان ملا يقرأ هذا احلديث ما يتعلق ابجلدليات والسجاالت املتعلقة بقضية نزول الرب إىل السماء الدنيا ،وما يتعلق بني مدرسة التمثيل ،والتعطيل ،ومدرسة أهل السنة واجلماعة ،وكيفية دفع االعرتاضات املتعلقة هبذه القضية ،من غري أن يستحضر اإلنسان أن ابعث النيب صلى هللا عليه وسلم وغرضه وحكمته األساسية ملا حدث أصحابه مبثل هذه األحاديث هو :انتزاع تلك العبودية اليت ذكرها النيب –صلى هللا عليه وسلم -؛أن يقوم اإلنسان قائما هلل عز وجل ،يستغفر هللا عز وجل ،سائال هللا سبحانه وتعاىل. ملا يقول النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث املشهور ،ملا يقول: " وإن أاتين ميشي أتيته هرولة " وجتد أن هناك جدل يف ما يتعلق يف إثبات اهلرولة هلل عز وجل وعدم إثباهتا ،من غري أن ينقدح يف النفس املعىن األساسي الذي من أجله أورد النيب صلى هللا عليه وسلم مثل هذا احلديث.. يعين ملا يعقد انسان مقارنة بني أحوالنا يف تلقي النصوص عن النيب صلى هللا عليه وسلم وأحوال الصحابة ،وكيف كان أثر هذه النصوص على نفسيات الصحابة أو كيف كانت تقدح فيهم من مظاهر اإلميان العجيبة.. يعين أوال: الصحابة كان عندهم إدراك عميق جدا أن أشرف املباحث العلمية على اإلطالق هو بناء معرفة هللا عز وول.. كانت هذه القضية واضحه متاما يف أذهاهنم.و لذا؛ من أكثر املظاهر اليت يستطيع اإلنسان أن يدرس من خالله مظاهر عبقرية صحابة النيب صلى هللا عليه وسلم العلمية ،هذا السؤال النبوي الذي ورد على أحد أصحابه وهو أيب بن كعب ،ملا سأله النيب صلى هللا عليه وسلم " :أي آية يف كتاب هللا أعظم ؟! " ترى هذا السؤال حبكم معرفتنا هبذا احلديث ،سهل علينا أن نقول آية الكرسي ،لكن ختيلوا اي مجاعة لو ما ورد هذا احلديث عن النيب ،وصارت هذه املسألة من جنس املسائل الذي خيتلف فيها أهل العلم ،مثل :أي ٍ آية أرجي يف كتاب هللا؟ أو أي آية أخوف يف كتاب هللا عز وجل؟ سيصعب علينا جدا أن ندرك ما اآلية األكثر عظمة يف النص القرآين!.. سيكون ذلك صعبا ،حنن نتحدث عن أكثر من ستة آالف آية ،كيف يستطيع االنسان أن يرتب تلك اآلايت القرآنية ويدرك وجه العظمة املوجودة يف أحد تلك اآلايت دون بقية اآلايت؟! يعين كان من احملتمل أن يفكر اإلنسان يف ضوء معيار معني: ض ابْـلَعِي َماءَ ِك -فيقول مثال :املعيار البالغي ،كما هو مثال يف قصة نوح عليه السالم يف قوله تعاىل ِ "وقي َل َاي أ َْر ُ َ احلُْزِن" كما يف قصة يعقوب، َّت َعْيـنَاهُ ِم َن ْ ِِ َوَاي َمسَاءُ أَقْلعي" فهي مجيلة جدا من الناحية البالغية ،أو قوله َ "وابْـيَض ْ أو الكثري من الدالئل البالغية.. -أو مثال :من جهة األحكام التشريعية املفصلة ،مثل ما يتعلق آبية الدين. لكن أيب بن كعب ملا ُسئل – من غري كثرة تفكري -ضيق دائرة ما يتعلق أبعظم آية يف كتاب هللا يف ابب معرفة هللا عز وول ،فكانت القضية واضحة لديه متاما ،أن اآلية األعظم يف كتاب هللا عز وجل جيب أن تكون آية متعلقة بتعريف اخلالق للخلق! اآلن ،ضاقت الدائرة وبدأ ينظر سريعا فيما يتعلق هبذا النمط من اآلايت ،فوضع يده مباشرة على اآلية ،آية الكرسي، وم..فضرب النيب صلى هللا عليه وسلم وقال " :ليهنك العلم أاب املنذر". اَلِلُ َال إَِٰلَهَ إَِّال ُه َو ْ احلَ ُّي الْ َقيُّ ُ َّ ختيلوا فرحة النيب صلى هللا عليه وسلم هبذا الصحايب ملا عرف اإلجابة الصحيحة! ولذا ،عندما نتكلم عن فهم الصحابة أو فهم سلف األمة الصاحل للنصوص الشرعية ،فنحن نتحدث عن عدة مستوايت جتعل من العقالين اتباعهم يف مواقفهم.. فهم من شهد التنزيل ،وعندهم معدن العربية ،وعندهم من اإلميان ما جيعلهم متشوقني ملعرفة حقائق هذا الدين وحقائق الوحي ،عندهم من الورع ما حيملهم على تطلب احلق ،وغريها من املعاين.. لكن من املعاين اللطيفة اجلميلة وهي :إقرار املعلم لتالميذه ،وفرح املعلم بدقة فهم التلميذ ،وهو مشهد مجيل جدا ختيلوا.. كما نعرف أن النيب صلى هللا عليه وسلم يف بداية دعوته أشيعت عنه شائعات متعددة ،كساحر وجنون وشاعر وغريها من هذه األشياء.. أحد الصحابة -قبل أن يؤمن ابلنيب صلى هللا عليه وسلم -دخل مكة ،فسمع إبحدى هذه الشائعات ،أن النيب صلى هللا عليه وسلم جمنون ،فاستشعر نوعا من أنواع اخلدمة البشرية اإلنسانية ،فذهب إىل النيب صلى هللا عليه وسلم حىت يعرض خدماته ،فخاطبه النيب صلى هللا عليه وسلم ،وهو ضماد بن ثعلبة ،وختيلوا خماطبة أعقل البشرية وأذكاهم وأفذهم عبقرية وأتييدا ابلوحي.. فقال ضماد للنيب " :إين رجل أرقي من هذه الريح".. أي إن كنت جمنون فأان عندي عالج استطيع أن أقدم لك رقى معينة وأعاجلك، فمن الرمحة النبوية أن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يغضب ،ومل يستطل عليه ،ومل يتعرض له بشيء، بل قال النيب صلى هللا عليه وسلم " :امسع مين " مث قال له النيب صلى هللا عليه وسلم: " إن احلمد هلل ،حنمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال هللا ،وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممدا عبده ورسوله، أما بعد".. ذُهل الصحايب ملا مسع ما نعرب عنه اآلن خبطبة احلاج ،فمن الواضح متاما دعواي أن النيب صلى هللا عليه وسلم إمنا قدم هبذه املقدمة ليقول أما بعد ،مث يليه اخلطاب الدعوي الذي يريد الوصول إليه، لكن ضماد بن ثعلبة من ذهوله قال " :أعد علي هؤالء الكلمات".. فأعاد عليه النيب صلى هللا عليه وسلم " :إن احلمد هلل "..اخلطبة ،أما بعد، قال " :أعد علي هؤالء الكلمات ، "..فأعاد الثالثة، فقال ضماد " :أشهد أال إله إال هللا وأشهد أن حممدا رسول هللا".. فلم حيتج أن يقدم له اخلطاب الدعوي التايل..هذا التعظيم للرب تبارك وتعاىل ،هذا التعريف هلل عز وجل املتضمن يف هذه اخلطبة ،هو أمارة صدق هذا الرجل الذي خياطبين وحيدثين فدخل يف دين هللا عز وجل!.. ختيلوا أعرايب ال نعرف امسه ،يسمع حديث النيب صلى هللا عليه وسلم: "يضحك هللا من قنوط عباده ،وقرب غيثه ،ويعلم أن فرجهم قريب" اَلِلِ ِِ ِ ِ ِ ِ ضح ُ ِ ول َّتَ :اي َر ُس َ ك م ْن إِ َاي َسة الْعبَاد َوقُـنُوط ِه ْم َ ،وقُـ ْربِه مْنـ ُه ْم ) قُـ ْل ُ نصا وغري مذكور ابحملاضرة ( :إِ َّن َّ اَلِلَ َعَّز َو َج َّل لَيَ ْ َ [احلديث ً ض ِح َ ِ ِ ِ ِ َي َ ،والَّذي نـَ ْف ِسي بِيَدهِ ،إِنَّهُ لَيَ ْ ت َوأ ُِمي ،أ ََو يَ ْ ك "] ت إِذا َال يـَ ْعد ُمنَا مْنهُ َخ ْريا إِذَا َ ال :فَـ ُقلْ ُك) ،قَ َض َح ُ ال( :أ ْك َربـُّنَا؟ قَ َ ض َح ُ ِأبَِيب أَنْ َ يكون الناس قانطني بسبب القحط فيضحك هللا عز وجل ،ملاذا؟ ألنه يعلم أن فرجهم قريب، أي أهنم بلغوا من حالة اليأس وهللا عز وجل يعلم أن املبشرات والتفاؤل قاب قوسني أو أدىن ،يعلم أن فرجهم قريب.. ختيلوا االلتقاطة العجيبة اليت التقطها هذا األعرايب من صحابة النيب صلى هللا عليه وسلم -الذي ال نعرف امسه -قال : (أو يضحك ربنا؟!) "أو يضحك ربنا؟ " خياطب النيب صلى هللا عليه وسلم َ فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم :نعم قال :لن نعدم اخلري وربنا يضحك.. الحظوا املعىن اإلمياين اجلميل جدا وهذا الذوق العجيب ،الحظوا هذا املعىن الذي انقدح يف نفسه، هل هو ذات املعىن الذي ينقدح يف نفوسنا عندما نسمع مثل هذا احلديث؟ عندما يستحضر اإلنسان أن من صفات هللا عز وجل الفرح والرمحة والضحكة ،أننا لن نعدم اخلري من هذا الرب سبحانه وتعاىل.. يقول العز بن عبد السالم: " فهم معاين أمساء هللا وسيلة إىل معاملته بثمراهتا من :اخلوف ،والرجاء ،واملهابة ،واحملبة ،والتوكل ،وغري ذلك من مثرات معرفة الصفات". ويقول ابن القيم: " فعلى قدر املعرفة يكون تعظيم الرب تعاىل يف القلب ،وأعرف الناس به أشدهم له تعظيما وإجالال " ينقدح يف نفوسهم من ابب معرفة هللا تبارك وتعاىل. ُ مراتب الناس يف العبودية هلل عز وجل ،حبسب ما أكثر الناس معرفة هلل سبحانهُ وتعاىلُ ،هم أشد الناس عبادة لهُ سبحانهُ وتعاىل. ينقدح من معاين اإلميان ابهلل سبحانهُ ُ وتنخفض حبسب ما ُ تفع وموازين العبادة يف لُبها وجوهرها وحقيقتها ،إمنا تر ُ يقع يف القلُوب. وتعاىل مما ُ وراجعُوا العبادات الظاهرة، يعين ما عالقة بني طبيعة الصلة والعالقة بني عبودية الصيام ،وبني معرفة هللا سبحانهُ وتعاىل؟! راجعُوا ما يتعلق بقضية االستخارة مثال ،يعين ُ شاهدوا مجال دعاء االستخارة.. " اللهم إين أستخريك بعلمك ،وأستقدرك بقدرتك ،وأسألك من فضلك العظيم ،فإنك تعلم وال أعلم ،وتقدر وال أقدر ،وأنت عالم الغيوب".. الحظ مظاهر االفتقار ،مظاهر التذلل ،مظاهر املعرفة ابهلل سبحانه وتعاىل؛ ألن هللا عز وجل كامل يف علمه سبحانهُ وتعاىل ،كامل يف قدرته تبارك وتعاىل ،فالذي خيتارهُ الرب سبحانه وتعاىل ،ويقدره يل ،فاخلريُ كله فيه.. وقسها على بقية العبادات. ْ يعين ،احملرك احلقيقي إلحياء عبُودية الدعاء مثال يف النفس ُهو :إدراك أن ُهناك رب ُ يسمع الدعاء ،ويستجيب للدعاء نقول هذا يف صلواتنا.. وحنن ُ ُ يقول اإلمام :مسع هللا ملن محده يعين ملا ُ ترى ،أشبه أبن نُذكر نفسنا أبن عز وجل يسمع ،وأن من مفاهيم مساعه ُسبحانهُ وتعاىل :إجابة هللا عز وجل. فيستجيب هلُم تبارك وتعاىل. ُ يسمع للعباد، يسمع مساعا ُجمردا ،بل ُ أنهُ ال ُ إذا حتقق هذا املعىن يف النفس ،ترى هذا الذي ينتزعُ من النفس صدق تطلب الدعاء له. يتكلم عن أحوال بعض العُباد يف منزلة وهو ُ شاهدوا هذه العبارة العجيبة اليت ذكرها ابن القيم يف بدائع الفوائد ُ الصالة ،يف مقام التعبُّد هلل عز وجل ابلصالة ،وأتملوا يف هذه املظاهر املبهجة واملفرحة والعجيبة جدا من الرتقي ُ ُ اإلمياين.. ستجد أن القضية ُكلها مرتبطة مبعرفة أولئك لرهبم تبارك وتعاىل ،واستحضارهم يف صلواهتم م ٍ عان متعلقة مبعرفة الرب ،هي اليت تُسبب لنا لوان من ألوان االضطراب وعدم حتقق مظاهر اخلشوع واخلشية هلل سبحانه وتعاىل يف صلوات على الوجه الذي يليق به تبارك وتعاىل. يعين ابهلل عليكم ،لو الواحد منا استحضر يف صالته حديث أيب هريرة رضي هللا عنهُ وأرضاهُ مثال يف أول صالته.. يعين يستحضر أن اإلنسان إذا كرب يف صالته وقال :هللا أكرب ينصب وجهه تلقاء عبده!. ُ فإن هللا عز وجل قسمت الصالة بيين وبني عبدي".. ُ ويقول النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث القدسي" : ُ ختيل لو اإلنسان يستشعر يف صالته هذه احملاورة الثنائية بينهُ وبني هللا سبحانهُ وتعاىل! احلمد هلل رب العاملني " فإذا قال ،يعين اإلنسانُ " : قال هللا :محدين عبدي! ختيل لو أنك تستحضر هذا املعىن يف أثناء الصالة! بنوع من أنواع السكينة والوقفة والشعور احلقيقي الصادق ،أبن هللا عز وجل شعرت ٍ َ احلمد هلل رب العاملني" قلت " ُ ملا َ اآلن ُجييبك ويقول :محدين عبدي.. لت " :الرمحن الرحيم " فإذا قُ َ قال :أثىن علي عبدي. لت " :مالك يوم الدين " فإذا قُ َ قال :جمدين عبدي. نعبد وإايك نستعني " لت " :إايك ُ فإذا قُ َ قال :هذا بيين وبني عبدي املغضوب عليهم وال الضالني " أنعمت عليهم غري ُ َ لت " :اهدان الصراط املستقيم * صراط الذين فإذا قُ َ ُ قال :هذا لعبدي ،ولعبدي ما سأل. ما موقع قراءة سورة الفاحتة يف صالة اإلنسان لو استحضر هذا املعىن ؟! وارجعُوا إىل كالم ابن القيم.. ترى ابن القيم يف ٍ كتاب له ،مجيل جدا ،امسهُ :حكم اترك الصالة حبث مسائل فقهية ُمتعلقة وعقدية بقضية ترك الصالة، لكن من أمتع املباحث السلوكية العلمية اإلميانية يف هذا الكتاب :منازل العبودية يف كل ٍ موقف من مواقف الصالة، ُ وربطها بباب معرفة هللا عز وجل.. بدءا من حتضريات ما قبل الصالة ،مث بتكبرية اإلحرام ،دعاء االستفتاح ،قراءة الفاحتة ،قراءة سورة ،التكبري للركوع، الركوع... ، وغريها من مظاهر معرفة هللا عز وجل واقرتاهنا حبالة الصالة لكن يقول ابن القيم يف بدائع الفوائد: أحببت احملبُوب؛ حلضر قلبُك يف عبادته " َ "لو هذه اآلن فائدة يذكرها ابن القيم ،منبها على هذا املعىن السلوكي اإلمياين الرفيع.. قيل لعامر بن عبد قيس :أما تسهو يف صالتك ؟ قال " :أوَ حديث أحب إيل من القرآن حىت أشتغل به؟! " وكان مسلم بن يسار ال يلتفت يف صالته ،حىت اهندمت انحية من نواحي املسجد؛ فزع هلا من يف السوق ،وما التفت!.. وكان إذا دخل منزله سكت أهل بيته ،يعين كان إذا دخل هذا الرجل مسلم بن يسار بيته ،سكت من ابلبيت خوفا وهيبة منه.. يقول " :فإذا قلم يصلي تكلموا وضحكوا ،علما منهم ابلغيبة " يعين إذا دخل يف الصالة ،أدركوا أنه غاب يف الصالة عن دنيا الناس بربه تبارك وتعاىل.. وقيل، ختيلوا معي يهذه العبارة العجيبة صراحة: " وقيل لبعضهم إان لنوسوس يف صالتنا".. اآلن ،عُرض هذا السؤال على أحد العُباد ،يلحق ابإلنسان نوع من أنواع الوسوسة يف الصالة ختيلوا جواب العابد الطريف جدا ،ماذا قال؟ قال " :أبي شيء؟ ابجلنة أو احلور العني والقيامة؟ " توهم أن الوسوسة الواقعة هي يف شأن تعبُدي ! يعين وسوسته ،غفلته عن هللا عز وجل ،فاشتغل ممكن الواحد يفكر يف اجلنة ،يفكر يف أحوال القيامة..، فقالوا " :ال ،بل الدنيا".. فقال " :ألن ختتلف يف األسنةُ أحب إيل من ذلك! ووجهت قلبك إىل قط ٍر آخر؟!" َ وجهت وجهك إىل القبلة، َ تقف يف صالتك جبسدك وقد ُ أنت من املفرتض أنك اآلن موجه قلبك هلل عز وجل ،وأنت متشاغل يف صالتك وأنت بني يدي هللا عز وجل بغريه سبحانه وتعاىل؟! مهرا للجنة! فكيف تصلح مثنًا للمحبة؟!" قال " :وحيك! ما تصلح هذه الصالة ً تصلح مثنا حملبة هللا عز وجل لك؟ أي هذه الصالة ال تصلح مهرا للجنة ،فكيف ُ بعدها ،أتى ابن القيم هبذه االلتقاطة الطريفة؛ قال ابن القيم: " رأت فأرة مجال ،فأعجبها ،فجَّرت خطامهُ ،فتبعها(..اآلن فأرة شافت مجل ،أخذت خبطام اجلمل وأخذت جترها) فلما وصلت إىل ابب بيتها وقف (يعين كأنه اجلمل) فنادى بلسان احلال: إما أن تتخذي دارا تليق مبحبوبك ،أو حمبواب يليق بدارك".. [ملا وصلوا إىل ابب دار الفأرة ،قال :إما أن تتخذ دارا ،أو تتخذي حمبواب حبجم كي يدخل معك الدار ] وهكذا أنت!.. إما أن تصلي صالة تليق مبعبودك ،وإما أن تتخذ معبودا يليق بصالتك ". الحظوا طبيعة الذوق.. وليس الذوق فقط ،وهذا سنشري إليه الحقا بعد قليل، طبيعة ذوق األئمة ملا يتعلق هبذه األبواب ،وطبيعة ُحسن أتتيهم وتعبريهم عن هذه املعاين.. والنص الذي سنقف معه إبذن هللا من كالم ابن القيم ترى أمارة وعالمة عما أتكلم عنهُ.. يعين محاد بن سلمة ،خ ُذوا مراتب ذوق األئمة ،يعين كيف يتذوقون املعاين اإلميانية املتعلقة مبعرفة هللا سبحانه وتعاىل.. ينقدح يف نفوس كث ٍري من محاد بن سلمة ،من العبارات العجيبة اليت مرت علي من تعبرياته ،وهو معىن ال أحس ُ ب أنهُ ُ أرحم بعباده من هذه بولدها " املسلمني ،مع معرفتنا وحفظنا لقول النيب صلى هللا عليه وسلم " هلل ُ أجلى مظهر ملظاهر الرمحة يف اإلنسانية والبشرية! رمحة األم أبوالدها! يقول محاد بن سلمة : أرحم يب من أبوي". أعلم أن ريب ُ " لو خريت يوم القيامة من حياسبين؛ ريب أو أبوي ،الخرتت ريب؛ ألين ُ كم من الناس ،لو وقع يف مثل هذا السؤال أجاب مثل هذا اجلواب؟! واملظنُون مبثل محاد بن سلمة أنهُ ليس كاذاب.. ُهو يتذوق معىن رمحة هللا عز وجل ،هذا الذوق الرفيع..فيُحسن بعد ذلك أن يبين لنفسه من منازل العبُودية ما ال ُحنسن. يعين خ ُذوا مثال ابن تيمية ،شاهد ماذا ي ُقول يف قضية التذوق: " واإلنسان يف الدنيا جيد يف قلبه بذكر هللا وذكر حمامده وآالئه وعباداته من اللذة ما ال جيده يف شيء آخر " فهذه أحوال األئمة، يعين هي الرتبة األوىل يف ابب معرفة هللا عز وجل أن يكون اإلنسان ذواقا ملا يتعلق هبذه املعارف.. واالمتياز الثاين الذي يتحقق لألئمة بعد تذوقهم هذه املعاين :حسن تعبريهم وإيصاهلم هلذا الذوق لغريهم. يعين ُخذوا هذه االلتقاطة اليت ذكرها ابن القيم –رمحة هللا عليه: - " إذا كانت مشاهدة خملوق [يوسف -عليه السالم ]-يوم أخرج عليهن استغرقت إحساس الناظرات فقطعن أيديهن وما شعرن ،فكيف ابحلال يوم املزيد؟! " الحظ ُحسن التعبري عن هذا املعىن!.. ترى حنن مجيعا نعرف أن املؤمنون يرون رهبم تبارك وتعاىل يف اجلنة ،ونعرف ُكلنا أن من أعظم النعيم الذي يُضفيه هللا عز وجل على العباد هو رؤيتهُ تبارك وتعاىل يف اجلنة.. لكن من منا ربط بني قصة يُوسف عليه السالم ،وإن إذا كان املخلوق خلق حاال من الغيبة والفناء به عن النفس، حبيث قطعت تلك النسوة أيديهن؟! ي ُقول ابن القيم " :فكيف ابحلال يوم املزيد؟!" ترى هذه ُرتبة من تذوق معىن رؤية هللا سبحانه وتعاىلُ ،مث ُحسن تصوير وأتدية هذا املعىن هبذا األسلُوب الرفيع.. والوقفة اليت سنتوقفها مع كالم ابن القيم مؤكد يل هذا القضية ،نُنبه عليها.. يقع بينهم التفاوت حقيقة يف مراتب العبودية واإلميان ولذا ،من املعاين اليت أشران إليها قبل قليل ،أن أحوال اخللق إمنا ُ حبسب معرفتهم هلل سبحانه وتعاىل. ولذا ،يقول النيب صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم( :وأتملوا يف احلديث اجلميل) " إين ألعلمكم ابهلل –ويف رواية :ألعرفكم ابهلل -وأشدكم له خشية " هذا احلديث مجاليتهُ يف عدة جوانب؛ من اجلوانب اجلميلة جدا يف هذا احلديث: التفاوتُ.هو ليس ُرتبة واحدة.النيب صلى هللا عليه وسلم تقبل ُ أن ابب معرفة هللا ُسبحانه وتعاىل ُهو من األبواب اليت ُ استخدم صيغة أفعل التفضيل ،يف ابب معرفته سبحانهُ وتعاىل ،وابلتايلُ ،ميكن لإلنسان أن يتطلب من مقامات معرفة هللا سبحانه وتعاىل رتبة ودرجة أرفع من املقام الذي هو فيه.. أرفع من املقام الذي هو فيه!. وسنذكر بعد قليل ،بعض ما يتعلق ببعض األدوات وبعض التقنيات وبعض الوسائل فيما يتطلب يف معرفة هللا سبحانهُ وتعاىل. يقول ابن القيم: " من عرف هللا أحبهُ على قدر معرفته به " وهذا املعىن الثاين؛ أن هنالك تالزم بني أبواب اإلميان والعبودية اليت يبذهلا العبد هلل سبحانه وتعاىل ،حبسب ما ينقدح يف نفسه حقيقةً من معرفته ول وعال. ي ُقول: " ومن عرف هللا أحبه على قدر معرفته به ،وخافه ،ورجاه ،وتوكل عليه ،وأانب إليه ،وهلج بذكره ،واشتاق إىل لقائه، واستحيا منه ،وأجله ،وعظمه على قدر معرفته به". ٍ عبودايت ظاهرة ،ترى مرجعها يف احلقيقة إىل :معرفة هللا سبحانه وتعاىل. كل العبُودايت القلبية وما تُثمرهُ من يقول ابن تيمية: " إن األنبياء واملرسلني ،عرفوا هللا ابلوحي املعرفة اليت هي املعرفة، منحهم هللا تعاىل". وعبدوه ابلعبادة اليت هي حق لهُ حبسب ما ُ ُ فالحظ اآلن ،ابن تيمية يصرح لك يف هذا النص أبن ُرتبة األنبياء واملرسلني ،والفضيلة اليت أسبغها هللا عز وجل عليهم ،إمنا أتتت هلم حبسب ما أعطاهم هللا سبحانه من أبواب معرفته تبارك وتعاىل. ويقول: " من عرف أمساء هللا ومعانيها ،فآمن هبا ،كان إميانه أكمل ممن مل يعرف تلك األمساء ،بل آمن هبا إمياان جممال " وملا تكلمنا عن حديث النيب صلى هللا عليه وسلم " :من أحصاها "..هذا يكشف لك!. ابن تيمية يُنبهك ،يقول لك أن الذي يؤمن ابهلل عز وجل وكماالته إمجاال ،لهُ رتبة من اإلميان دون رتبة من سعى يف معرفة هللا عز وجل على جهة التفصيل. ولذا ،الحظوا قول هللا سبحانه وتعاىل " :إمنا خيشى هللا من عباده العلماء ".. والعلماء يتحدثون أن املقصود هم العلماء به تبارك وتعاىل.. فالعلماء به هم أشد الناس خشية هلل عز وجل ،رجاء فيه سبحانهُ وتعاىل ،حمبة لهُ ،جل وعال.. ولذا ،املعىن الذي أشار له ابن تيمية: " إن األنبياء واملرسلني ،عرفوا هللا ابلوحي املعرفة اليت هي املعرفة".. تتجلى يف ُكل قصص األنبياء والرسل! وتدبروه وأتملوه من هذه الزاوية.. يعين أتملوا كيف كانت معرفةُ هللا عز وجل حترك األنبياء والرسل الختاذ مواقف تتبدى للناظر للوهلة األوىل نشازا وخارجة عن جنس ممارسات البشر واإلنسانية!. ختيلوا موسى عليه السالم.. يعين خ ُذوا هذه االلتقاطة اليت رصدها هللا عز وجل يف القرآن الكرمي ،أترخيا نتلوهُ إىل يوم القيامة.. يقول هللا عز وجل: اجلمع ِ ان ".. " فَـلَ َّما تَـَراءَى َْ ْ َ ختيل اآلن.. البحر من موسى وقومه يهربون من فرعون مصر ،مث يُدركهم فرعون ابجليش وهم عند البحر ،اجليش من وراءهم و ُ أمامهم يقول هللا عز وجل: ُ وس َٰى إِ َّان لَ ُم ْد َرُكو َن " اجلمع ِ اب ُم َ َص َح ُ ال أ ْ ان قَ َ " فَـلَ َّما تَـَراءَى َْ ْ َ أيُ :حماط بنا.. فقال موسى عليه الصالة والسالم إيش؟ ال َك َّال ۖ إِ َّن َمعِ َي َرِيب َسيَـ ْه ِدي ِن " "قَ َ العجيب يف اآلية هذه ابلنسبة إيل ُهو حجم استحضار موسى عليه السالم مل ُقولة الرب تبارك وتعاىل لهُ يف أول دعوته ،يف اخلطاب األول ،ملا قال هللا عز وجل له إيِش؟ ال َال َختَافَا ۖ إِن َِّين َم َع ُك َما أ ْ َمسَ ُع َوأ ََر َٰى " "قَ َ ُومستحضر هذا املشهد طيلة دعوته إىل هذه اللحظة ،حلظة الصفر.. وس َٰى إِ َّان لَ ُم ْد َرُكو َن اجلمع ِ اب ُم َ َص َح ُ ال أ ْ ان قَ َ " فَـلَ َّما تَـَراءَى َْ ْ َ ال َك َّال ۖ إِ َّن َمعِ َي َرِيب َسيَـ ْه ِدي ِن " قَ َ يفرتض اإلنسان..أذكر أول مرة قرأت اآلية خطر يف وهلي أن احتمال أن موسى بوحي هللا عز وجل له مشروحة لهُ اخلطة ابلتفصيل ،يعين مكشوف ما سيفعل هللا عز وجل لهُ من النصر والتأييد.. لكن العجيب أنك ملا تقرأ اآلية التالية : وس َٰى".. ِ " فَأ َْو َحْيـنَا إ َ َٰىل ُم َ الفاء :تفيد التعقيب املباشر.. ُ الحظ رمحة هللا عز وجل ملا يصدق اإلنسان يف معرفته سبحانه وتعاىل أتتيه الرمحة ُمباشرة وهذه الفاء تكشف أن اخلطة مل تكن مكشوفة، ما كان موسى يدري كيف سينصرهُ هللا عز وجل! لكن ،الطمأنينة ،السكينة ،الثقة ،تفويض األمر ،التوكل على هللا عز وجل.. املبنية على :استشعار معية هللا سبحانه وتعاىل له.. ال َك َّال ۖ إِ َّن َمعِ َي َرِيب َسيَـ ْه ِدي ِن " "قَ َ فماذا فعل هللا عز وجل؟ اك الْبحر ۖ فَان َفلَق فَ َكا َن ُك ُّل فِرٍق َكالطَّوِد ِ " فَأَوحْيـنَا إِ َ َٰىل موس َٰى أ َِن ْ ِ العظيم " ْ ْ َ ص َ َ َْ اض ِرب ب َع َ ُ َ َْ العجيب سبحان هللا ،ملا يسرتسل اإلنسان يف قراءة قصة موسى ،والحظوا كمال رمحة هللا عز وجل يفوق به الرب سبحانه وتعاىل ،حىت ما خيطُر يف خميال العباد!.. وأن ما ُ موسى عليه السالم ،ملا أمره هللا عز وجل بضرب البحر ،وانفلق البحر ،وسار بقومه، كان متومها أن غاية نصرة هللا عز وجل له ،ماذا؟ أن ينجيه هللا عز وجل وقومه من فرعون وقومه! سبحان هللا ،ماذا كان انوي موسى عليه الصالة والسالم يسوي؟ ملا يوصل للضفة الثانية ومعه العصا ،كان ينوي يضرب البحر مرة اثنية ،ملاذا؟ على أساس يرجع البحر وينطبق؛ ليعزل بينهُ وبني فرعون ترى هذا غاية أماين موسى عليه السالم يف هذه اللحظة!.. فقال هللا عز وجل لهُ خماطبا ،ماذا؟ " واتْـ ُر ِك الْبَ ْحَر َرْهوا ۖ إِ َّهنُْم ُجند ُّم ْغَرقُو َن " أيمره هللا عز وجل: اترك البحر على حاله ،اتركه ،ال تضرب العصا لريجع البحر ،ال ال ،اترك البحر كما هو.. ملاذا؟ حىت يدخل قوم فرعون فيشفي هللا بذلك املشهد صدور قوم مؤمنني. فالحظ.. موسى عليه السالم ،بكمال معرفته هلل سبحانه وتعاىل ،ما كان خيطر حىت يف خمياله إن املوضوع يبلغ املدى الذي أرادهُ هللا سبحانه وتعاىل. من الضروري جدا أن يستحضر االنسان عندما يقرأ مثل هذه النصوص واألحاديث السياق الزمين لألحداث وأن يغمس نفسه يف التاريخ. احد منا قصة هجرة النيب صلى هللا عليه وسلم ،وكيف وصل النيب صلى هللا عليه وسلم مع صاحبه فعندما يقرأ الو ُ أبو بكر إىل غار ثور ،وخياطبه الصديق رضي هللا عنه وأرضاه فيقول له: (اي رسول هللا ،وهللا لو نظر أحدهم إىل قدميه لرآان) أان عندما أقرأ هذا النص – ال أخفي عليكم – أحاول استشعر لو قُدر أن حيدث حالة من االضطراب األمين مثال، أو دخل علي شخص جمرم يف بييت ،حيمل مسدس أو ساطور ليقتلين ،وحاولت أن أهرب فدخلت يف دوالب أو اختبأت أسفل السرير ،ما هي حالة الذعر واخلوف اليت تنتاب اإلنسان ،كيف هي أنفاسه وكيف هي نبضات قلبه؟!! حنن نتحدث عن قول أبو بكر لو شخص منهم فقط أخفض رأسه ونظر لرآان ،وجزء من خوف الصديق رضي هللا عنه وأرضاه على صاحبه ،وأنت اآلن ال تتكلم عن آذى بسيط سيطال الرسول صلى هللا عليه وسلم ،فالنيب صلى هللا عليه وسلم قد خرج مهاجرا بعد حماولة اغتياله ،فهم ينوون قتله.ليست القضية أهنم سيعيدون اصطحابه إىل مكة، وإن مل تنجح هذه اخلطة فمن املمكن أن نكررها مرة أخرى ،ال ،كان االحتمال عاليا.. ومع ذلك ،مل خيرب هللا سبحانه وتعاىل النيب صلى هللا عليه وسلم بتفصيل طريقة النجاة ،لكن النيب صلى هللا عليه وسلم كان عنده ثقة وطمأنينة مبعية هللا عز وجل كحال صاحبه موسى فقال ( ما ظنك اي أبو بكر ابثنني هللا اثلثهما؟) خياطبه هبذه الطمأنينة والثقة ،فلماذا اخلوف وهللا عز وجل معنا؟ وهللا عز وجل يصدق هذا يف القرآن الكرمي يف اآلايت املشهورة املتعلقة هبذا املقام ،فهذه املقامات مقامات األنبياء ومقامات الرسل ،وهو مقام يكشف لنا ضرورة أن نعمق فهمنا مبا يتعلق هبذه األبواب.. أمجل ما يف النص الذي سنقرأه بعد قليل إبذن هللا عز وجل أهنا أشبه بورشة تدريبية يف كيفية السعي لتطلب معرفة هللا سبحانه وتعاىل ،وأن هنالك مستوايت ملعرفة هللا سبحانه وتعاىل قد ال تنقذف يف نفوسنا للوهلة األوىل ،فأان ال أحصي عدد ما مسعته من التذكري وربط عبودايتنا بسمع هللا عز وجل وبصره وعلمه.. مثال ،يف قضية :أن هللا عز وجل من أمسائه السميع ومن صفاته عز وول السمع فال يسمع منك كلمة انبية ،ال يسمع منك ما يسخطه تبارك وتعاىل ،ال يسمع منك الكذب وال يسمع منك الغيبة ال يسمع منك النميمة.. هذا معىن ال أحصي تكراره على مسعي ،لكن ما أذكر أنه مر علي قط أحد نبه عن اجلانب املشرق املتفائل الذي يبعثه هذا االسم يف نفوسنا ! فاهلل عز وجل مسيع ،فإذا سألته يسمعك ،إذا كنت يف صالتك فذكرته تبارك وتعاىل يسمعك ،إذا استنجدت ابهلل عز وجل يسمعك.. ما أحصي عدد ما أذكر بقضية البصر وأن هللا عز وجل ال حيب أن يراك على موضع يكرهه، واجلانب اآلخر؛ أال يبعث شعور التفاؤل العظيم عندما يكرب اإلنسان ويف صالته وأن هللا بصري وأنه يراين تبارك وتعاىل يف صاليت؟! فأكون يف قمة الطمأنينة والسكينة واالرتياح ألن هللا عز وجل سيثيبين على ذلك ؟! اَلِلَ َغافِال َع َّما يَـ ْع َم ُل َب َّ(وَال َْحت َس َ َّ كم البالء الذي ينزاح عن النفس عندما يستحضر االنسان قول هللا عز وجل َ الظَّالِ ُمو َن) ؟ عندما يستحضر اإلنسان أن هللا عز وجل ليس غافال عن كل الظلم الواقع يف األرض ،إمنا يؤخرهم ليوم تشخص فيه األبصار.. واقرؤوا اآلايت املتعلقة هبا ،من أعظم اآلايت اليت تبعث الطمأنينة يف نفس اإلنسان إىل مصري الظاملني. ال نستطيع االستطراد كثريا عن هذا اجلانب وهذا اجملال ،ولنقل كيف يعرفهم هللا سبحانه وتعاىل بنفسه يف القرآن الكرمي ،هذا األمر يستحق أن نتوقف معه وقفة تفصيلية كاملة.. كيف كان النيب صلى هللا عليه وسلم يعرف ربه تبارك وتعاىل للخلق؟ كيف طبيعة األحاديث اليت تتناول جناب الرب سبحانه وتعاىل؟ يتحمل فعال أن يقيم اإلنسان حماضرة أو درسا خمتصا ،بل من املمكن أن تقام دورة كاملة مبا يتعلق بتعريف الوحي سبحانه وتعاىل ،خصوصا إذا استحضران أن من أعظم مقاصد الدين وإنزال الوحي هو :تعريف اخلالق للخلق. لكن من األشياء اليت أنبه عليها ،وهي ممارسة طريفة التمستها من نفسي حقيقة ووجدت أن فيها جانب مجايل عظيم ،وهو :تتبع األخبار والقصص املتعلقة ابلواقع وابلتاريخ. مثال ،عندما أقرأ يف كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثري او سري النبالء لإلمام الذهيب أو وفيات األعيان البن خلكان وكتب التواريخ والرتاجم والسري. من أكثر املواضع اليت تطربين وتعجبين؛ هي تلك املواضع اليت يستطيع اإلنسان أن يتلمس يف طياهتا خفااي لطف هللا سبحانه وتعاىل ،خفااي كمال علم هللا سبحانه وتعاىل وكمال قدرته تبارك وتعاىل.. خذوا هاتني االلتقاطتني التارخييتني العجيبتني مما مر علي: كنت أقرأ يف كتاب ذم البغي البن أيب الدنيا عليه رمحة هللا تبارك وتعاىل ،وهو حيكي قصة ألحد يدعى وضاح بن خيثمة ،ويبدو أن وضاح كان صاحب شرطة يف وقت عمر بن عبد العزيز ،فأمر عمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه وضاح بن خيثمة أن يطلق سراح كل من يف األسر ومن يف السجن وأن يعفو عنهم ،يقول : " فأطلقتهم مجيعا إال رجال واحدا هو يزيد بن أيب مسلم ،كان بيين وبني شيء (كخصومة أو عداوة) فخشيت لو أطلقته أن يسعى يف قتلي أو يف التشفي أو االنتقام مين ،فأطلقتهم كلهم عدا يزيد بن مسلم ،مث خرجت من الشام حىت التحقت أبفريقيا (حماوال أن يفصل املسافة بينه وبني يزيد ليأمن جنابه فذهب إىل أفريقيا وهي تونس حاليا) يقول :وبينما أان يف أفريقيا قيل يل قد أقبل يزيد بن أيب مسلم ،فهربت ،يقول :فأخرج رجاال يف طليب( ،اي أن يزيد أرسل رجاال خلفه) يقول :مث قُبِض علي وقدمت عليه ،فلما رآين قال :وضاح (كأنه يستثبت أنه هو) فقلت له :وضاح ،فيقول له يزيد بن مسلم (وأتملوا سبحان هللا يف العجب) :لطاملا سألت هللا أن ميكنين منك، فقال له وضاح بن خيثمة :وأان لطاملا سألت هللا أن يعيذين من شرك ،انظروا معي اآلن كل طرف من الطرفني فقا