تفريغ محاضرة: السر األعظم PDF

Summary

ملخص لمحاضرة عن ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، وتطرقت المحاضرة إلى أهمية هذا العالم الإسلامي وأعماله، وركزت على أهمية معرفة الله عز وجل.

Full Transcript

‫تفريغ حماضرة ‪ :‬السر األعظم‬ ‫إلقاء ‪ :‬م‪.‬عبدهللا صاحل العجريي‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان حممد وعلى آله وصحبه‬...

‫تفريغ حماضرة ‪ :‬السر األعظم‬ ‫إلقاء ‪ :‬م‪.‬عبدهللا صاحل العجريي‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان حممد وعلى آله وصحبه‬ ‫أمجعني‪ ،‬وبعد‪..‬‬ ‫حديثنا اليوم وهو عن متاس مع أحد العبقرايت الكربى يف اترخينا اإلسالمي‪ ،‬وهو علم إمام كبري من أئمة االسالم‪:‬‬ ‫ابن قيم اجلوزية رمحه هللا‪.‬‬ ‫ويكفي ليدرك اإلنسان فضل هذا العامل ومقداره وموقعه يف خريطة العلماء؛ أن اإلمام احلافظ ابن حجر عليه رمحة هللا‬ ‫ملا أراد الثناء على ابن تيمية رمحه هللا تعاىل‪ ،‬قال يف حق ابن تيمية‪:‬‬ ‫"ولو مل يكن البن تيمية منقبة وحسنة إال تلميذه مشس الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬الذي طافت مبؤلفاته الركبان وتوافق‬ ‫عليه املخالف واملواقف لكفاه"‪.‬ويف ذلك داللة على منقبته وشرفه‪ ،‬مث اسرتسل يف الثناء على ابن تيمية‪.‬‬ ‫وهذا أحد اجلوانب يف عبقريته ابن تيمية أن عبقرية ابن تيمية‪ ،‬مل تكن عبقرية ذاتية عبقرية انشئة من مؤلفاته وكتبه‬ ‫فقط‪ ،‬بل جزء من عبقرية ابن تيمية ويف خترجيه لعبقرايت أخرى‪.‬‬ ‫عندان ابن القيم‪ ،‬عندان املفلح‪ ،‬عندان عبد اهلادي‪ -‬قاضي اجلبل‪ ، -‬وكثري من أئمة اإلسالم الذين خروجهم ابن تيمية‬ ‫رمحه هللا رمحة هللا عليه‪.‬‬ ‫احلقيقة أن ابن القيم اجلوزية ميثل ابلنسبة يل على املستوى الشخصي مرحلة مفصلية يف اترخيي العلمي‪ ،‬وهي حلظة‬ ‫ابتدأت يف ‪ 1417‬هجري‪.‬كان من عاديت عندما أذهب مع جمموعة من الزمالء واألحباء يف تلك السنوات للحج‬ ‫اصطحب معي كتاب متعلق أبحكام املناسك وأحكام احلج‪.‬فأذكر اثنني من الكتب اليت أحضرهتا يف تلك الفرتة ‪:‬‬ ‫كتاب شرح حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنه وأرضاه للشيخ األلباين رمحه هللا‪ ،‬ومن الكتب اليت استحضرها‬ ‫الشرح املمتع للشيخ ابن عثيمني؛ تفسري الشيخ حممد االمني الشنقيطي لسورة احلج‪.‬‬ ‫فصادف يف ‪ 1417‬أن الكتاب الذي استحضرته معي ملعرفة بعض أحكام املناسك كان اجلزء املخصص يف هدي‬ ‫النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلج من كتابه زاد املعاد اجمللد الثاين‬ ‫وابتدأت القراءة يف هدي النيب يف حجه‪ ،‬ويف أثناء احلج ختمت ما يتعلق هبديه صلى هللا عليه وسلم يف احلج‪ ،‬وبقيت‬ ‫بقية الكتاب و هو اجمللد الثاين يف هدي النيب‪ ،‬يف الذكر‪ ،‬يف األمساء وال ُكىن وغريها‪ ،‬قرأهتا وال زلت يف احلج قراءات‬ ‫يف اجمللد األول يف الزكاة‪ ،‬وفرغت من احلج وفرغت من اجمللد الثاين‪.‬‬ ‫ووجدت يف ابن القيم ويف كتابه شيئا جديدا مل أتعرف عليه من قبل‪ ،‬وكان شيئا مطراب للحقيقة‪.‬‬ ‫أذكر أول ما رجعت استفتحت يف اجمللد األول وكررت اجمللد الثاين والثالث والرابع واخلامس‪ ،‬مث بدأت طريقي يف قراءة‬ ‫املنتج الذي قدم عليه ابن القيم رمحه هللا‪ ،‬ومل مير تقريبا سنتني إال واستطاع اإلنسان أن يقرأ كل مؤلفات ابن القيم رمحه‬ ‫هللا‪.‬وـذكر انه بقيت رسالة مل تكن مطبوعة ومل تكن منتشرة انتشارا كبريا‪ ،‬فبقيت علي رسالة صغرية واحدة البن القيم‬ ‫عنواهنا‪ :‬إغاثة اللهفان يف طالق الغضبان‪.‬وكنت متأمل متحسرا‪ ،‬كنت اريد ان اختم كل ما كتبه ابن القيم وبقيت هذه‬ ‫وجدت إغاثة اللهفان يف‬ ‫ُ‬ ‫الرسالة‪.‬وأذكر اين كنت يف املدينة ادور يف مكتباهتا‪ ،‬ويف اثناء مروري يف أحد املكتبات‬ ‫طالق الغضبان بتحليل العالمة جالل الدين القامسي‪ ،‬وأذكر انين مل ختتم تلك الليلة إال وقد ختمت إغاثة اللهفان يف‬ ‫طالق الغضبان‪ ،‬وبه ختمت كل ما يتعلق مبنتج ابن القيم‪.‬‬ ‫وبعدها كان االنسان يعود النظر مرة بعد أخرى يف منتجات ابن القيم‪ ،‬مل أكتفي ابلقراءة االوىل‪.‬‬ ‫واحلقيقة‪ ،‬إذا استعرض االنسان مؤلفات ابن القيم يستطيع أن يصنفها إىل درجتني أو صنفني‪:‬‬ ‫فيه الكتاب األهم‪ ،‬والكتاب املهم‪.‬‬ ‫وأان أزعم ان الكتاب الذي سنتدارس فقرة منه ميثل أحد املؤلفات املركزية يف تراث ابن القيم‪ ،‬وهو‪ :‬مدارج السالكني‬ ‫يف شرح الكتاب الشهري أليب امساعيل هارون‪ :‬منازل السائرين‪.‬‬ ‫وهذا الكتاب احلقيقة –مدارج السالكني‪ -‬له موقعه اخلاص من النفس‪ ،‬مدارج السالكني حىت يصل إىل نوع من‬ ‫املغاالة يف ما يتعلق ابلكتاب أنين مل أكتفي فيه بطبعة واحدة‪.‬كانت الطبعة االوىل اليت قرات الكتاب عليها طبعة‬ ‫رديئة‪ ،‬طبعة من دار العرب يف ثالث جملدات فيها من األغالط والفظاعة‪.‬وشكلت هذه مع حمبه الكتاب حبيث مل‬ ‫تكد خترج طبعة من الكتاب إال أشعر بضرورة اقتنائها‪.‬واذكر انين اعدت اقتناء طبعه حممد حامد الفقي‪ ،‬ولعامر‬ ‫ايسني وغريها مث حبمد هللا طبعت طبعه أنيقة عن دار عامل الفوائد من مشروع د‪.‬بكر أبو زيد رمحه هللا عليه‪.‬‬ ‫ملاذا أذكر صليت وعالقيت اببن القيم ؟‬ ‫الفكرة األساسية اليت أريد ان تتخيلوا أنين حبمد هللا استعرضت منتج ابن القيم مجيعا‪ ،‬وهذا املنتج منتج منبهر‪ ،‬وفيه‬ ‫من دقيق العلم ما ال يكاد جيده اإلنسان عند غريه‪.‬بل ابن القيم نفسه استوعب هذه احلقيقة عن نفسه رمحه هللا تعاىل‬ ‫عليه‪ ،‬فخرج يف بعض املواضع أن هذا الكالم لن جتده يف مواضع أخرى‪.‬‬ ‫وملا قرأ اإلنسان كل ما يتعلق بكالم ابن القيم وأكرر النظر‪ ،‬وأكرر الكالم‪ ،‬خترج فقرات معينة يف كالم ابن القيم‬ ‫مطربة؛ قيمة ومجيلة وحسنة‪.‬ودائما اعرب عن هذا املعىن يف عدة مناسبات‪ ،‬أن أحلى وأمجل وأحلى كالم ابن القيم يف‬ ‫نفسه‪ ،‬هو الكالم الذي سطره يف منزلة التوبة حتت عنوان ‪-‬سربت بعض مضامينه لإلخوة‪ -‬وهو بعنوان‪:‬‬ ‫[ السر األعظم ]‬ ‫سيكون عندان إبذن هللا وقفة مطولة فيما يتعلق حبقيقة هذا السر‪ ،‬والذريعة اليت من أجلها افرتى على كالم بن القيم‬ ‫فيه فيما يتعلق ابلسر األعظم‪.‬وهو لون ال أخفيكم أنه هناك من الضغوط اإلنسانية على النفس يف حب املشاركة‬ ‫فيما يعجب اإلنسان ويطربه‪.‬أان أجد أن كثريا من الشباب إذا أعجبه فيلم معني‪ ،‬إذا أعجبه مؤلف؛ كتاب معني‪،‬‬ ‫يتمىن إن كل الناس تشارك يف حاله احملبة وحاله اهليام‪ ،‬حالة الذوق الذي تذوقه من ذلك الكتاب‪.‬‬ ‫ال أخفيكم أنين من مدة طويلة أمتىن أن أعقد جملسا وأشارك فيه إخويت‪ ،‬هذا النص اجلميل‪ ،‬النص البديع‪ ،‬النص‬ ‫املطرب‪ ،‬الذي كلما كررت النظر فيه يزيده مقامه يف نفسي وأشعر أنين مل أكن مبالغا ملا انتخبت هذا النص وجعلته‬ ‫النص األكثر إاثرة على املستوى اإلنساين واملستوى الشخصي يف نفسي‪.‬‬ ‫وهذا النص من املهم جدا أن نستحضر وحنن نتدارسهُ ونتذكره‪ ،‬أنه متعلق أبحد أبواب العبودايت الضخمة يف دين‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وهي عبودية لألسف الشديد يغفل عنها الكثري من املسلمني‪ ،‬وال يستحضرون ملا يطلق مفردة العبادة إال‬ ‫مساحة معينة من العبادات‪ ،‬دون أن يقع يف وهلهم هذه العبودية الكبرية العظيمة‪ ،‬اليت يُتعبد هلل تبارك وتعاىل هبا‪،‬‬ ‫وذكر العلماء أهنا من أعظم مقاصد تنزيل الوحي‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫عبودية التعرف على هللا سبحانه وتعاىل‪.‬عبودية معرفة هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫يعين بعض أهل العلم ملا أييت إىل قوله تعاىل "وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون" ؛ مث ترجع إىل كتب املفسرين‪،‬‬ ‫جتد أن كثري من العلماء فسر " ليعبدون " أي‪ :‬ليعرفون‪.‬فاهلل خلق اخللق ليُعرف تبارك وتعاىل‪ ،‬فيُعبد تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫من أمجل أحاديث النيب صلى هللا عليه وسلم اليت متثل حلظة رجاء عند اآلدميني‪ ،‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َلِل تِسعة وتِسعِني ْ ِ‬ ‫اجلَنَّةَ"‪.‬‬ ‫اها َد َخ َل ْ‬ ‫صَ‬ ‫امسا مائَة إِال َواحدا‪َ ،‬م ْن أ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫" إِ َّن َّ ْ َ َ ْ َ‬ ‫العلماء اختلفوا اختالف واسع يف مدلول كلمة اإلحصاء‪ ،‬ومن أمجل من استوعب الكالم يف اإلحصاء ابختصار‬ ‫وحقق القول يف مدلول اإلحصاء‪ :‬ابن القيم عليه رمحة هللا تعاىل يف كتابه بدائع الفوائد‪.‬‬ ‫فذكر أن مما يدخل ويندرج يف مفهوم اإلحصاء كل ما ذُكر فيها من املعاين‪.‬‬ ‫‪ ‬فمما ذكر العلماء يف مفهوم اإلحصاء " من أحصاها" قالوا‪ :‬من حفظها‪.‬‬ ‫بل ورد يف رواية عن النيب صلى هللا عليه وسلم يف ذات احلديث أنه قال‪" :‬من حفظها" بدل من كلمة من‬ ‫أحصاها‪.‬فتخيل! أنه جمرد حتفظ أمساء هللا كما يتحفظ الواحد منا السورة من القرآن‪ ،‬يعترب عبادة عظيمة حيبها‬ ‫هللا سبحانه وتعاىل‪.‬يعين مبجرد أن جيلس االنسان وعنده قائمة هبا أمساء هللا عز وجل‪ ،‬فيسعى يف حتفظها‪ ،‬أنه‪:‬‬ ‫هللا‪ ،‬الرمحن‪ ،‬الرحيم‪ ،‬امللك‪ ،‬القدوس‪ ،‬السالم‪ ،‬املؤمن‪..‬إىل بقية أمساء هللا عز وجل‪.‬جمرد أن يستغرق اإلنسان يف‬ ‫حماولة حفظها‪ ،‬هذه عبادة هلل عظيمة! بل هي عبادة حيتمل أن تكون مدخله للعبد إىل اجلنة ‪-‬كما أخرب النيب‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪.-‬‬ ‫‪ ‬درجه اثنية من اإلحصاء‪ ،‬وهي ‪ :‬قضية تفهم معانيها‪.‬‬ ‫أن اإلنسان أيخذ كتاب معني‪ ،‬يشرح فيه املؤلف أمساء هللا‪ ،‬هذه عبادة عظيمة! مبجردها‪ ،‬قد تكون سببا موجبا‬ ‫يف إدخال العبد إىل اجلنة‪.‬لو أراد اإلنسان أن يعمل اختبار جمموعة من املسلمني يسأهلم عن أمساء هللا تبارك‬ ‫وتعاىل‪ :‬ما معىن املتني من أمساء هللا سبحانه؟ ما معىن املؤمن؟ ما معىن العزيز؟ ‪..‬قد ال تعجبنا النتائج‪.‬وابلتايل‪،‬‬ ‫حيتاج اإلنسان أن يطلب تفسري أمساء هللا تعاىل‪.‬‬ ‫واملعىن الذي يريد أن يشار إليه‪ :‬أن تطلب تفسري أمساء هللا هي عبادة‪.‬عبادة من جنس أن يركع االنسان‬ ‫ركعتني‪ ،‬أو يصوم شيئا من األايم‪ ،‬أو يتصدق‪.‬جمرد جلسة اإلنسان وسعيه يف تفهم أمساء هللا تعاىل هذه عبادة‬ ‫حيبها هللا‪.‬‬ ‫‪ ‬من مفاهيم اإلحصاء كذلك اليت ذكرها أهل العلم‪ ،‬قضية‪ :‬أن يعمل اإلنسان مبقتضاها‪.‬‬ ‫فإذا علم اإلنسان أن من أمساء هللا عز وجل السميع؛ فال يسمع منك سبحانه وتعاىل كلمة ال تسره‬ ‫فإذا علم اإلنسان أن من أمساء هللا عز وجل البصري‪ ،‬فال يراك يف مشهد ال يرضيه‪ ،‬وغري ذلك‪..‬‬ ‫أن يعمل العبد مبقتضى أمساء هللا عز وجل‪ ،‬وسوف يكون لنا وقفه فيما يتعلق هبذه القضية‪.‬‬ ‫‪ ‬ويذكر أهل العلم كذلك من مدلوالت اإلحصاء‪:‬‬ ‫أن يسعى االنسان يف االتصاف مبا يليق ابلعباد االتصاف به من هذه األمساء‬ ‫النيب صلى هللا عليه وسلم يف كثري من األحاديث يرشد اىل هذا املعىن‪ ،‬يعين مثال ملا يقول النيب صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ب ا ِإل ْح َسا َن "‬ ‫اَلِلَ ُْحم ِسن ُِحي ُّ‬ ‫" إِ َّن َّ‬ ‫احلياء و ِ‬ ‫الس ْ َرت "‬ ‫اَلِلَ َعَّز َو َج َّل َحيِ ٌّي َستِري ُِحي ُّ‬ ‫" إِ َّن َّ‬ ‫ب ََْ َ َ‬ ‫فكأن النيب صلى هللا عليه وسلم جيعل مناط التخلق هبذه االوصاف هو كوهنا كماالت متصلة ابهلل عز وجل‪ ،‬فما يليق‬ ‫شرع يف حق العبد أن يسعى يف االتصاف هبا‪.‬‬ ‫به العبد أن يتصف به من هذه الكماالت؛ فيُ َ‬ ‫[ هذه كلها مدلوالت تندرج حتت مدلول اإلحصاء‪].‬‬ ‫وما يهمين التذكري به والتنبيه‪ ،‬أن هذا احلديث يرشد أن من أعظم العبودايت اليت يتعبد هللا عز وجل هبا‪،‬‬ ‫هي‪ :‬عبودية معرفة هللا سبحانه‪.‬‬ ‫ونفس هذه املعرفة مطلوبة لذاهتا‪ ،‬يعين بعض الناس يتوهم أن ابب معرفة هللا عز وجل مقصود لغريه‪ ،‬مبعىن أنك إذا‬ ‫عرفت أن هللا عز وجل متصف بكذا أو متصف بكذا‪ ،‬فإن ذلك يُثمر هذا املعىن يف نفسي عبودايت معينة‪.‬‬ ‫العلماء ينبهون أن املعىن أشد عمقا‪!..‬‬ ‫وحيب أن يعرف الرب تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫هذه املعرفة يف حد ذاهتا –كما نبهنا وبينا‪ -‬هي عبادة حيبها هللا سبحانه وتعاىل‪ُ ،‬‬ ‫يقول ابن القيم مثال‪:‬‬ ‫" فإن العلم ابهلل وأمسائه وصفاته هو أشرف العلوم على اإلطالق‪ ،‬وهو علم مطلوب لنفسه مراد لذاته"‬ ‫حمركا لتطلب معرفة هللا تبارك وتعاىل‪ ،‬حىت لو قدر أن‬ ‫واملفرتض أن اإلنسان بطبيعته السوية اإلنسانية البشرية يكون َّ‬ ‫الشريعة مل أتمر مبعرفته جل وعال؛ ألن كل إنسان عندهُ أشبه ابجلوعة يف نفسه‪ ،‬هناك حمرك احلاجة‪ ،‬الذي حيرك‬ ‫اإلنسان صوب تطلب معرفة هللا سبحانه وتعاىل‪..‬‬ ‫يقول ابن القيم‪:‬‬ ‫" إنه ال حياة للقلوب وال علم وال لذة وال سرور وال أمان وال طمأنينة؛ إال أبن تعرف رهبا ومعبودها وفاطرها أبمسائه‬ ‫وصفاته وأفعاله"‬ ‫فاملفرتض أن هناك نوع من اجلوعة‪ ،‬نوع من أنواع احلياة اليت يتطلبها االنسان لنفسه ‪-‬لو كان سوي النفس‪ ،-‬بل‬ ‫هنالك حمرك أمجل وأرفع درجة من هذا‪ ،‬وهو حمرك الشوق إىل معرفة هللا تعاىل‪..‬‬ ‫ولذا‪ ،‬من أكثر املشاهد البشرية األكثر إيذاءَ على املستوى اإلنساين الشخصي‪ ،‬هو موقف الال اكرتاثية‪..‬‬ ‫يعين ملا يتكلم اإلنسان عن املواقف العقدية املتعلقة جبناب الرب تبارك وتعاىل وجبناب وووده عندان ‪:‬‬ ‫‪ -‬موقف املؤمن املتدين‬ ‫الذي يؤمن بوجود هللا عز وجل ويعتقد بصحة دينه‪ ،‬وأنهُ جيب أن يتعبد هللا تعاىل به‪.‬‬ ‫‪ -‬وهناك املوقف الربويب‬ ‫الذي يؤمن أبن هناك رب خلق العامل‪ ،‬لكن هذا الرب خلق العامل وتركه‪.‬‬ ‫‪ -‬وهناك املوقف الال أدري‬ ‫الذي ال يقدم جوااب على سؤال " هل هللا موجود " ابلسلب أو اإلجياب‪ ،‬فهو مرتدد حائر بني الطرفني‪..‬‬ ‫يعتقد أن هناك أدلة متساوية من الضفتني‪ ،‬ويعتقد أن العقل البشري عاجز عن تقدمي جواب على هذا السؤال‪.‬‬ ‫‪ -‬مث هناك عندان امللحد الصلب‬ ‫امللحد اإلجياب‪ ،‬امللحد الذي يعتقد بعدم وجود الرب‬ ‫هذه املواقف‪ ،‬ابلنسبة يل عقليا ‪-‬مع استبشاعي بطبيعة احلال لبعضها‪ -‬لكنها ُمتفهمة ُمتعقلة‪ ،‬لكن املوقف الذي ال‬ ‫أستطيع تفهم دوافع صاحبه هو املوقف الال اكرتاثي!‬ ‫املوقف الغري مكرتث أصال ابلسؤال عن وجود هللا وعدمه‪..‬‬ ‫وخاطبت بعضهم‪ ،‬املوقف الذي خيتاره لنفسه يف هذا‬ ‫ُ‬ ‫ختيلوا أن هناك أانس وبشر ملا تعرض عليه دعوتك وختاطبه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مكرتث به!‬ ‫السؤال ‪-‬سؤال وجود هللا‪ : -‬أنين غري عاب ٍئ ابلسؤال أصال‪ ،‬غري‬ ‫وهذه احلالة من حاالت انتزاع اإلنسان إنسانيته من نفسه إىل مرحلة أُقيمها أهنا أشد احنطاطا من أحوال البهائم اليت‬ ‫تعرف هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ولذا؛ من املفرتض أصال يف اإلنسان‪:‬‬ ‫أال يكون هناك ابب يشتاق اإلنسان ملعرفته أكثر من تطلب معرفة الرب تبارك وتعاىل‪..‬‬ ‫يعين املفرتض أن يكون االنسان حمركا مبجرد االحتمال‪ ،‬إن كان هناك احتمال لوجود هللا عز وجل‪ ،‬فأعظم سؤال‬ ‫إنساين بشرى هو سؤال‪ :‬ما مواصفات هذا الرب الذي خلقين وخلق هذا العامل‪ ،‬وخلق هذا الوجود الذي حويل؟‬ ‫يقول ابن تيمية‪:‬‬ ‫" وليست النفوس الصحيحة إىل شيء أشوق منها إىل معرفة هذا األمر "‬ ‫ال شيء مفرتض أن يكون حمرك الشوق لإلنسان أن يتعرف عليه أكثر من اشتياقه معرفة الرب تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫يقول أيضا‪:‬‬ ‫" من كان يف قلبه أدىن حياة وطلب للعلم ‪ ،‬أو هنمة يف العبادة ‪ ،‬يكون البحث يف هذا الباب ‪ ،‬والسؤال عنه ‪ ،‬ومعرفة‬ ‫احلق فيه ‪ ،‬أكرب مقاصده وأعظم مطالبه "‬ ‫مبجرد أدين حيا ٍة تنعقد يف نفس االنسان‪ ،‬فيجب أن يكون هذا الباب ورقم واحد يف سلم أولوايته‪ ،‬الذي هو ابب‬ ‫تطلب معرفة هللا سبحانهُ وتعاىل‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬هذا الباب مىت ما انفتح يف النفس على الوجه الذي يُرضى هللا عز وجل ويتطلبه منا‪ ،‬فكل خري سينقدح يف‬ ‫عبودية اإلنسان‪ ،‬وسيثمر أعظم بركة يف حياة االنسان‪.‬‬ ‫وملا نتكلم عن معرفة هللا عز وجل ال نتكلم عن مستوى معلومايت فقط‪ ،‬بل حنن نتكلم عن مستوى معرفة ُحيقق‬ ‫لإلنسان رقيا يف منازل التذلل والتعبد واحملبة له تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ولذا أحد القضااي اليت حتتاج إىل ُمراجعة يف درسنا العقدي‪ ،‬الذي هو طبيعة ارتباط معرفة هللا عز وجل يف طبيعة‬ ‫الدرس العقدي‪ ،‬وما يتطلبه هللا منا من مظاهر العبودية عند دراسة هذه املعاين‪.‬‬ ‫يعين من املؤسف أحياان أنه إذا ذكر حديث النيب صلى هللا عليه وسلم مثال‪:‬‬ ‫ول ‪ "..‬احلديث املعروف ‪..‬‬ ‫ث اللَّي ِل ِ‬ ‫اآلخ ُر يـَ ُق ُ‬ ‫السم ِاء ُّ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ني يـَْبـ َقى ثـُلُ ُ ْ‬ ‫الدنْـيَا ح َ‬ ‫" ينزل َربـُّنَا تَـبَ َارَك َوتَـ َع َاىل ُك َّل لَْيـلَة إ َىل َّ َ‬ ‫من املؤمل أن يكون قصارى ما ينقدح يف ذهن اإلنسان ملا يقرأ هذا احلديث ما يتعلق ابجلدليات والسجاالت املتعلقة‬ ‫بقضية نزول الرب إىل السماء الدنيا‪ ،‬وما يتعلق بني مدرسة التمثيل‪ ،‬والتعطيل‪ ،‬ومدرسة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وكيفية‬ ‫دفع االعرتاضات املتعلقة هبذه القضية‪ ،‬من غري أن يستحضر اإلنسان أن ابعث النيب صلى هللا عليه وسلم وغرضه‬ ‫وحكمته األساسية ملا حدث أصحابه مبثل هذه األحاديث هو‪ :‬انتزاع تلك العبودية اليت ذكرها النيب –صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ -‬؛أن يقوم اإلنسان قائما هلل عز وجل‪ ،‬يستغفر هللا عز وجل‪ ،‬سائال هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫ملا يقول النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث املشهور‪ ،‬ملا يقول‪:‬‬ ‫" وإن أاتين ميشي أتيته هرولة "‬ ‫وجتد أن هناك جدل يف ما يتعلق يف إثبات اهلرولة هلل عز وجل وعدم إثباهتا‪ ،‬من غري أن ينقدح يف النفس املعىن‬ ‫األساسي الذي من أجله أورد النيب صلى هللا عليه وسلم مثل هذا احلديث‪..‬‬ ‫يعين ملا يعقد انسان مقارنة بني أحوالنا يف تلقي النصوص عن النيب صلى هللا عليه وسلم وأحوال الصحابة‪ ،‬وكيف‬ ‫كان أثر هذه النصوص على نفسيات الصحابة أو كيف كانت تقدح فيهم من مظاهر اإلميان العجيبة‪..‬‬ ‫يعين أوال‪:‬‬ ‫الصحابة كان عندهم إدراك عميق جدا أن أشرف املباحث العلمية على اإلطالق هو بناء معرفة هللا عز وول‪..‬‬ ‫كانت هذه القضية واضحه متاما يف أذهاهنم‪.‬و لذا؛ من أكثر املظاهر اليت يستطيع اإلنسان أن يدرس من خالله‬ ‫مظاهر عبقرية صحابة النيب صلى هللا عليه وسلم العلمية‪ ،‬هذا السؤال النبوي الذي ورد على أحد أصحابه وهو أيب‬ ‫بن كعب‪ ،‬ملا سأله النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬أي آية يف كتاب هللا أعظم ؟! "‬ ‫ترى هذا السؤال حبكم معرفتنا هبذا احلديث‪ ،‬سهل علينا أن نقول آية الكرسي‪ ،‬لكن ختيلوا اي مجاعة لو ما ورد هذا‬ ‫احلديث عن النيب‪ ،‬وصارت هذه املسألة من جنس املسائل الذي خيتلف فيها أهل العلم‪ ،‬مثل‪ :‬أي ٍ‬ ‫آية أرجي يف‬ ‫كتاب هللا؟ أو أي آية أخوف يف كتاب هللا عز وجل؟ سيصعب علينا جدا أن ندرك ما اآلية األكثر عظمة يف النص‬ ‫القرآين‪!..‬‬ ‫سيكون ذلك صعبا‪ ،‬حنن نتحدث عن أكثر من ستة آالف آية‪ ،‬كيف يستطيع االنسان أن يرتب تلك اآلايت القرآنية‬ ‫ويدرك وجه العظمة املوجودة يف أحد تلك اآلايت دون بقية اآلايت؟!‬ ‫يعين كان من احملتمل أن يفكر اإلنسان يف ضوء معيار معني‪:‬‬ ‫ض ابْـلَعِي َماءَ ِك‬ ‫‪ -‬فيقول مثال ‪ :‬املعيار البالغي‪ ،‬كما هو مثال يف قصة نوح عليه السالم يف قوله تعاىل ِ‬ ‫"وقي َل َاي أ َْر ُ‬ ‫َ‬ ‫احلُْزِن" كما يف قصة يعقوب‪،‬‬ ‫َّت َعْيـنَاهُ ِم َن ْ‬ ‫ِِ‬ ‫َوَاي َمسَاءُ أَقْلعي" فهي مجيلة جدا من الناحية البالغية‪ ،‬أو قوله َ‬ ‫"وابْـيَض ْ‬ ‫أو الكثري من الدالئل البالغية‪..‬‬ ‫‪ -‬أو مثال‪ :‬من جهة األحكام التشريعية املفصلة‪ ،‬مثل ما يتعلق آبية الدين‪.‬‬ ‫لكن أيب بن كعب ملا ُسئل – من غري كثرة تفكري‪ -‬ضيق دائرة ما يتعلق أبعظم آية يف كتاب هللا يف ابب معرفة هللا‬ ‫عز وول‪ ،‬فكانت القضية واضحة لديه متاما‪ ،‬أن اآلية األعظم يف كتاب هللا عز وجل جيب أن تكون آية متعلقة‬ ‫بتعريف اخلالق للخلق!‬ ‫اآلن‪ ،‬ضاقت الدائرة وبدأ ينظر سريعا فيما يتعلق هبذا النمط من اآلايت‪ ،‬فوضع يده مباشرة على اآلية‪ ،‬آية الكرسي‪،‬‬ ‫وم‪..‬فضرب النيب صلى هللا عليه وسلم وقال‪ " :‬ليهنك العلم أاب املنذر‪".‬‬ ‫اَلِلُ َال إَِٰلَهَ إَِّال ُه َو ْ‬ ‫احلَ ُّي الْ َقيُّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ختيلوا فرحة النيب صلى هللا عليه وسلم هبذا الصحايب ملا عرف اإلجابة الصحيحة!‬ ‫ولذا‪ ،‬عندما نتكلم عن فهم الصحابة أو فهم سلف األمة الصاحل للنصوص الشرعية‪ ،‬فنحن نتحدث عن عدة‬ ‫مستوايت جتعل من العقالين اتباعهم يف مواقفهم‪..‬‬ ‫فهم من شهد التنزيل‪ ،‬وعندهم معدن العربية‪ ،‬وعندهم من اإلميان ما جيعلهم متشوقني ملعرفة حقائق هذا الدين‬ ‫وحقائق الوحي‪ ،‬عندهم من الورع ما حيملهم على تطلب احلق‪ ،‬وغريها من املعاين‪..‬‬ ‫لكن من املعاين اللطيفة اجلميلة وهي‪ :‬إقرار املعلم لتالميذه‪ ،‬وفرح املعلم بدقة فهم التلميذ‪ ،‬وهو مشهد مجيل جدا‬ ‫ختيلوا‪..‬‬ ‫كما نعرف أن النيب صلى هللا عليه وسلم يف بداية دعوته أشيعت عنه شائعات متعددة‪ ،‬كساحر وجنون وشاعر‬ ‫وغريها من هذه األشياء‪..‬‬ ‫أحد الصحابة ‪-‬قبل أن يؤمن ابلنيب صلى هللا عليه وسلم‪ -‬دخل مكة‪ ،‬فسمع إبحدى هذه الشائعات‪ ،‬أن النيب صلى‬ ‫هللا عليه وسلم جمنون‪ ،‬فاستشعر نوعا من أنواع اخلدمة البشرية اإلنسانية‪ ،‬فذهب إىل النيب صلى هللا عليه وسلم حىت‬ ‫يعرض خدماته‪ ،‬فخاطبه النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو ضماد بن ثعلبة‪ ،‬وختيلوا خماطبة أعقل البشرية وأذكاهم‬ ‫وأفذهم عبقرية وأتييدا ابلوحي‪..‬‬ ‫فقال ضماد للنيب ‪ " :‬إين رجل أرقي من هذه الريح‪"..‬‬ ‫أي إن كنت جمنون فأان عندي عالج استطيع أن أقدم لك رقى معينة وأعاجلك‪،‬‬ ‫فمن الرمحة النبوية أن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يغضب‪ ،‬ومل يستطل عليه‪ ،‬ومل يتعرض له بشيء‪،‬‬ ‫بل قال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬امسع مين "‬ ‫مث قال له النيب صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫" إن احلمد هلل‪ ،‬حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل‬ ‫له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪،‬‬ ‫أما بعد‪"..‬‬ ‫ذُهل الصحايب ملا مسع ما نعرب عنه اآلن خبطبة احلاج‪ ،‬فمن الواضح متاما دعواي أن النيب صلى هللا عليه وسلم إمنا قدم‬ ‫هبذه املقدمة ليقول أما بعد‪ ،‬مث يليه اخلطاب الدعوي الذي يريد الوصول إليه‪،‬‬ ‫لكن ضماد بن ثعلبة من ذهوله قال‪ " :‬أعد علي هؤالء الكلمات‪"..‬‬ ‫فأعاد عليه النيب صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إن احلمد هلل ‪ "..‬اخلطبة‪ ،‬أما بعد‪،‬‬ ‫قال ‪ " :‬أعد علي هؤالء الكلمات‪ ، "..‬فأعاد الثالثة‪،‬‬ ‫فقال ضماد‪ " :‬أشهد أال إله إال هللا وأشهد أن حممدا رسول هللا‪"..‬‬ ‫فلم حيتج أن يقدم له اخلطاب الدعوي التايل‪..‬هذا التعظيم للرب تبارك وتعاىل‪ ،‬هذا التعريف هلل عز وجل املتضمن‬ ‫يف هذه اخلطبة‪ ،‬هو أمارة صدق هذا الرجل الذي خياطبين وحيدثين فدخل يف دين هللا عز وجل‪!..‬‬ ‫ختيلوا أعرايب ال نعرف امسه‪ ،‬يسمع حديث النيب صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"يضحك هللا من قنوط عباده‪ ،‬وقرب غيثه‪ ،‬ويعلم أن فرجهم قريب"‬ ‫اَلِلِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ضح ُ ِ‬ ‫ول َّ‬‫ت‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫ك م ْن إِ َاي َسة الْعبَاد َوقُـنُوط ِه ْم ‪َ ،‬وقُـ ْربِه مْنـ ُه ْم ) قُـ ْل ُ‬ ‫نصا وغري مذكور ابحملاضرة ‪ ( :‬إِ َّن َّ‬ ‫اَلِلَ َعَّز َو َج َّل لَيَ ْ َ‬ ‫[احلديث ً‬ ‫ض ِح َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ‪َ ،‬والَّذي نـَ ْف ِسي بِيَدهِ ‪ ،‬إِنَّهُ لَيَ ْ‬ ‫ت َوأ ُِمي‪ ،‬أ ََو يَ ْ‬ ‫ك "]‬ ‫ت إِذا َال يـَ ْعد ُمنَا مْنهُ َخ ْريا إِذَا َ‬ ‫ال‪ :‬فَـ ُقلْ ُ‬‫ك)‪ ،‬قَ َ‬‫ض َح ُ‬ ‫ال‪( :‬أ ْ‬‫ك َربـُّنَا؟ قَ َ‬ ‫ض َح ُ‬ ‫ِأبَِيب أَنْ َ‬ ‫يكون الناس قانطني بسبب القحط فيضحك هللا عز وجل‪ ،‬ملاذا؟ ألنه يعلم أن فرجهم قريب‪،‬‬ ‫أي أهنم بلغوا من حالة اليأس وهللا عز وجل يعلم أن املبشرات والتفاؤل قاب قوسني أو أدىن‪ ،‬يعلم أن فرجهم قريب‪..‬‬ ‫ختيلوا االلتقاطة العجيبة اليت التقطها هذا األعرايب من صحابة النيب صلى هللا عليه وسلم ‪-‬الذي ال نعرف امسه‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫(أو يضحك ربنا؟!)‬ ‫"أو يضحك ربنا؟ " خياطب النيب صلى هللا عليه وسلم َ‬ ‫فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬نعم‬ ‫قال ‪ :‬لن نعدم اخلري وربنا يضحك‪..‬‬ ‫الحظوا املعىن اإلمياين اجلميل جدا وهذا الذوق العجيب‪ ،‬الحظوا هذا املعىن الذي انقدح يف نفسه‪،‬‬ ‫هل هو ذات املعىن الذي ينقدح يف نفوسنا عندما نسمع مثل هذا احلديث؟‬ ‫عندما يستحضر اإلنسان أن من صفات هللا عز وجل الفرح والرمحة والضحكة‪ ،‬أننا لن نعدم اخلري من هذا الرب‬ ‫سبحانه وتعاىل‪..‬‬ ‫يقول العز بن عبد السالم‪:‬‬ ‫" فهم معاين أمساء هللا وسيلة إىل معاملته بثمراهتا من‪ :‬اخلوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬واملهابة‪ ،‬واحملبة‪ ،‬والتوكل‪ ،‬وغري ذلك من مثرات‬ ‫معرفة الصفات‪".‬‬ ‫ويقول ابن القيم‪:‬‬ ‫" فعلى قدر املعرفة يكون تعظيم الرب تعاىل يف القلب‪ ،‬وأعرف الناس به أشدهم له تعظيما وإجالال "‬ ‫ينقدح يف نفوسهم من ابب معرفة هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مراتب الناس يف العبودية هلل عز وجل‪ ،‬حبسب ما‬ ‫أكثر الناس معرفة هلل سبحانهُ وتعاىل‪ُ ،‬هم أشد الناس عبادة لهُ سبحانهُ وتعاىل‪.‬‬ ‫ينقدح من معاين اإلميان ابهلل سبحانهُ‬ ‫ُ‬ ‫وتنخفض حبسب ما‬ ‫ُ‬ ‫تفع‬ ‫وموازين العبادة يف لُبها وجوهرها وحقيقتها‪ ،‬إمنا تر ُ‬ ‫يقع يف القلُوب‪.‬‬ ‫وتعاىل مما ُ‬ ‫وراجعُوا العبادات الظاهرة‪،‬‬ ‫يعين ما عالقة بني طبيعة الصلة والعالقة بني عبودية الصيام‪ ،‬وبني معرفة هللا سبحانهُ وتعاىل؟!‬ ‫راجعُوا ما يتعلق بقضية االستخارة مثال‪ ،‬يعين ُ‬ ‫شاهدوا مجال دعاء االستخارة‪..‬‬ ‫" اللهم إين أستخريك بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسألك من فضلك العظيم‪ ،‬فإنك تعلم وال أعلم‪ ،‬وتقدر وال‬ ‫أقدر‪ ،‬وأنت عالم الغيوب‪"..‬‬ ‫الحظ مظاهر االفتقار‪ ،‬مظاهر التذلل‪ ،‬مظاهر املعرفة ابهلل سبحانه وتعاىل؛ ألن هللا عز وجل كامل يف علمه سبحانهُ‬ ‫وتعاىل‪ ،‬كامل يف قدرته تبارك وتعاىل‪ ،‬فالذي خيتارهُ الرب سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويقدره يل‪ ،‬فاخلريُ كله فيه‪..‬‬ ‫وقسها على بقية العبادات‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫يعين‪ ،‬احملرك احلقيقي إلحياء عبُودية الدعاء مثال يف النفس ُهو‪ :‬إدراك أن ُهناك رب ُ‬ ‫يسمع الدعاء‪ ،‬ويستجيب للدعاء‬ ‫نقول هذا يف صلواتنا‪..‬‬ ‫وحنن ُ‬ ‫ُ‬ ‫يقول اإلمام‪ :‬مسع هللا ملن محده‬ ‫يعين ملا ُ‬ ‫ترى‪ ،‬أشبه أبن نُذكر نفسنا أبن عز وجل يسمع‪ ،‬وأن من مفاهيم مساعه ُسبحانهُ وتعاىل‪ :‬إجابة هللا عز وجل‪.‬‬ ‫فيستجيب هلُم تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يسمع للعباد‪،‬‬ ‫يسمع مساعا ُجمردا‪ ،‬بل ُ‬ ‫أنهُ ال ُ‬ ‫إذا حتقق هذا املعىن يف النفس‪ ،‬ترى هذا الذي ينتزعُ من النفس صدق تطلب الدعاء له‪.‬‬ ‫يتكلم عن أحوال بعض العُباد يف منزلة‬ ‫وهو ُ‬ ‫شاهدوا هذه العبارة العجيبة اليت ذكرها ابن القيم يف بدائع الفوائد ُ‬ ‫الصالة‪ ،‬يف مقام التعبُّد هلل عز وجل ابلصالة‪ ،‬وأتملوا يف هذه املظاهر املبهجة واملفرحة والعجيبة جدا من الرتقي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلمياين‪..‬‬ ‫ستجد أن القضية ُكلها مرتبطة مبعرفة أولئك لرهبم تبارك وتعاىل‪ ،‬واستحضارهم يف صلواهتم م ٍ‬ ‫عان متعلقة مبعرفة‬ ‫الرب‪ ،‬هي اليت تُسبب لنا لوان من ألوان االضطراب وعدم حتقق مظاهر اخلشوع واخلشية هلل سبحانه وتعاىل يف‬ ‫صلوات على الوجه الذي يليق به تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫يعين ابهلل عليكم‪ ،‬لو الواحد منا استحضر يف صالته حديث أيب هريرة رضي هللا عنهُ وأرضاهُ مثال يف أول صالته‪..‬‬ ‫يعين يستحضر أن اإلنسان إذا كرب يف صالته وقال‪ :‬هللا أكرب‬ ‫ينصب وجهه تلقاء عبده‪!.‬‬ ‫ُ‬ ‫فإن هللا عز وجل‬ ‫قسمت الصالة بيين وبني عبدي‪"..‬‬ ‫ُ‬ ‫ويقول النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث القدسي‪" :‬‬ ‫ُ‬ ‫ختيل لو اإلنسان يستشعر يف صالته هذه احملاورة الثنائية بينهُ وبني هللا سبحانهُ وتعاىل!‬ ‫احلمد هلل رب العاملني "‬ ‫فإذا قال‪ ،‬يعين اإلنسان‪ُ " :‬‬ ‫قال هللا‪ :‬محدين عبدي!‬ ‫ختيل لو أنك تستحضر هذا املعىن يف أثناء الصالة!‬ ‫بنوع من أنواع السكينة والوقفة والشعور احلقيقي الصادق‪ ،‬أبن هللا عز وجل‬ ‫شعرت ٍ‬ ‫َ‬ ‫احلمد هلل رب العاملني"‬ ‫قلت " ُ‬ ‫ملا َ‬ ‫اآلن ُجييبك ويقول‪ :‬محدين عبدي‪..‬‬ ‫لت‪ " :‬الرمحن الرحيم "‬ ‫فإذا قُ َ‬ ‫قال‪ :‬أثىن علي عبدي‪.‬‬ ‫لت‪ " :‬مالك يوم الدين "‬ ‫فإذا قُ َ‬ ‫قال‪ :‬جمدين عبدي‪.‬‬ ‫نعبد وإايك نستعني "‬ ‫لت‪ " :‬إايك ُ‬ ‫فإذا قُ َ‬ ‫قال‪ :‬هذا بيين وبني عبدي‬ ‫املغضوب عليهم وال الضالني "‬ ‫أنعمت عليهم غري ُ‬ ‫َ‬ ‫لت‪ " :‬اهدان الصراط املستقيم * صراط الذين‬ ‫فإذا قُ َ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬هذا لعبدي‪ ،‬ولعبدي ما سأل‪.‬‬ ‫ما موقع قراءة سورة الفاحتة يف صالة اإلنسان لو استحضر هذا املعىن ؟!‬ ‫وارجعُوا إىل كالم ابن القيم‪..‬‬ ‫ترى ابن القيم يف ٍ‬ ‫كتاب له‪ ،‬مجيل جدا‪ ،‬امسهُ‪ :‬حكم اترك الصالة‬ ‫حبث مسائل فقهية ُمتعلقة وعقدية بقضية ترك الصالة‪،‬‬ ‫لكن من أمتع املباحث السلوكية العلمية اإلميانية يف هذا الكتاب‪ :‬منازل العبودية يف كل ٍ‬ ‫موقف من مواقف الصالة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وربطها بباب معرفة هللا عز وجل‪..‬‬ ‫بدءا من حتضريات ما قبل الصالة‪ ،‬مث بتكبرية اإلحرام‪ ،‬دعاء االستفتاح‪ ،‬قراءة الفاحتة‪ ،‬قراءة سورة‪ ،‬التكبري للركوع‪،‬‬ ‫الركوع‪... ،‬‬ ‫وغريها من مظاهر معرفة هللا عز وجل واقرتاهنا حبالة الصالة‬ ‫لكن يقول ابن القيم يف بدائع الفوائد‪:‬‬ ‫أحببت احملبُوب؛ حلضر قلبُك يف عبادته "‬ ‫َ‬ ‫"لو‬ ‫هذه اآلن فائدة يذكرها ابن القيم‪ ،‬منبها على هذا املعىن السلوكي اإلمياين الرفيع‪..‬‬ ‫قيل لعامر بن عبد قيس‪ :‬أما تسهو يف صالتك ؟‬ ‫قال‪ " :‬أوَ حديث أحب إيل من القرآن حىت أشتغل به؟! "‬ ‫وكان مسلم بن يسار ال يلتفت يف صالته‪ ،‬حىت اهندمت انحية من نواحي املسجد؛ فزع هلا من يف السوق‪ ،‬وما‬ ‫التفت‪!..‬‬ ‫وكان إذا دخل منزله سكت أهل بيته‪ ،‬يعين كان إذا دخل هذا الرجل مسلم بن يسار بيته‪ ،‬سكت من ابلبيت خوفا‬ ‫وهيبة منه‪..‬‬ ‫يقول‪ " :‬فإذا قلم يصلي تكلموا وضحكوا‪ ،‬علما منهم ابلغيبة "‬ ‫يعين إذا دخل يف الصالة‪ ،‬أدركوا أنه غاب يف الصالة عن دنيا الناس بربه تبارك وتعاىل‪..‬‬ ‫وقيل‪،‬‬ ‫ختيلوا معي يهذه العبارة العجيبة صراحة‪:‬‬ ‫" وقيل لبعضهم إان لنوسوس يف صالتنا‪"..‬‬ ‫اآلن‪ ،‬عُرض هذا السؤال على أحد العُباد‪ ،‬يلحق ابإلنسان نوع من أنواع الوسوسة يف الصالة‬ ‫ختيلوا جواب العابد الطريف جدا‪ ،‬ماذا قال؟‬ ‫قال‪ " :‬أبي شيء؟ ابجلنة أو احلور العني والقيامة؟ "‬ ‫توهم أن الوسوسة الواقعة هي يف شأن تعبُدي !‬ ‫يعين وسوسته‪ ،‬غفلته عن هللا عز وجل‪ ،‬فاشتغل ممكن الواحد يفكر يف اجلنة‪ ،‬يفكر يف أحوال القيامة‪..،‬‬ ‫فقالوا‪ " :‬ال‪ ،‬بل الدنيا‪"..‬‬ ‫فقال‪ " :‬ألن ختتلف يف األسنةُ أحب إيل من ذلك!‬ ‫ووجهت قلبك إىل قط ٍر آخر؟!"‬ ‫َ‬ ‫وجهت وجهك إىل القبلة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تقف يف صالتك جبسدك وقد‬ ‫ُ‬ ‫أنت من املفرتض أنك اآلن موجه قلبك هلل عز وجل‪ ،‬وأنت متشاغل يف صالتك وأنت بني يدي هللا عز وجل بغريه‬ ‫سبحانه وتعاىل؟!‬ ‫مهرا للجنة! فكيف تصلح مثنًا للمحبة؟!"‬ ‫قال‪ " :‬وحيك! ما تصلح هذه الصالة ً‬ ‫تصلح مثنا حملبة هللا عز وجل لك؟‬ ‫أي هذه الصالة ال تصلح مهرا للجنة‪ ،‬فكيف ُ‬ ‫بعدها‪ ،‬أتى ابن القيم هبذه االلتقاطة الطريفة؛ قال ابن القيم‪:‬‬ ‫" رأت فأرة مجال‪ ،‬فأعجبها‪ ،‬فجَّرت خطامهُ‪ ،‬فتبعها‪(..‬اآلن فأرة شافت مجل‪ ،‬أخذت خبطام اجلمل وأخذت جترها)‬ ‫فلما وصلت إىل ابب بيتها وقف (يعين كأنه اجلمل) فنادى بلسان احلال‪:‬‬ ‫إما أن تتخذي دارا تليق مبحبوبك‪ ،‬أو حمبواب يليق بدارك‪"..‬‬ ‫[ملا وصلوا إىل ابب دار الفأرة‪ ،‬قال‪ :‬إما أن تتخذ دارا‪ ،‬أو تتخذي حمبواب حبجم كي يدخل معك الدار ]‬ ‫وهكذا أنت‪!..‬‬ ‫إما أن تصلي صالة تليق مبعبودك‪ ،‬وإما أن تتخذ معبودا يليق بصالتك "‪.‬‬ ‫الحظوا طبيعة الذوق‪..‬‬ ‫وليس الذوق فقط‪ ،‬وهذا سنشري إليه الحقا بعد قليل‪،‬‬ ‫طبيعة ذوق األئمة ملا يتعلق هبذه األبواب‪ ،‬وطبيعة ُحسن أتتيهم وتعبريهم عن هذه املعاين‪..‬‬ ‫والنص الذي سنقف معه إبذن هللا من كالم ابن القيم ترى أمارة وعالمة عما أتكلم عنهُ‪..‬‬ ‫يعين محاد بن سلمة‪ ،‬خ ُذوا مراتب ذوق األئمة‪ ،‬يعين كيف يتذوقون املعاين اإلميانية املتعلقة مبعرفة هللا سبحانه‬ ‫وتعاىل‪..‬‬ ‫ينقدح يف نفوس كث ٍري من‬ ‫محاد بن سلمة‪ ،‬من العبارات العجيبة اليت مرت علي من تعبرياته‪ ،‬وهو معىن ال أحس ُ‬ ‫ب أنهُ ُ‬ ‫أرحم بعباده من هذه بولدها "‬ ‫املسلمني‪ ،‬مع معرفتنا وحفظنا لقول النيب صلى هللا عليه وسلم " هلل ُ‬ ‫أجلى مظهر ملظاهر الرمحة يف اإلنسانية والبشرية! رمحة األم أبوالدها!‬ ‫يقول محاد بن سلمة ‪:‬‬ ‫أرحم يب من أبوي‪".‬‬ ‫أعلم أن ريب ُ‬ ‫" لو خريت يوم القيامة من حياسبين؛ ريب أو أبوي‪ ،‬الخرتت ريب؛ ألين ُ‬ ‫كم من الناس‪ ،‬لو وقع يف مثل هذا السؤال أجاب مثل هذا اجلواب؟!‬ ‫واملظنُون مبثل محاد بن سلمة أنهُ ليس كاذاب‪..‬‬ ‫ُهو يتذوق معىن رمحة هللا عز وجل‪ ،‬هذا الذوق الرفيع‪..‬فيُحسن بعد ذلك أن يبين لنفسه من منازل العبُودية ما ال‬ ‫ُحنسن‪.‬‬ ‫يعين خ ُذوا مثال ابن تيمية‪ ،‬شاهد ماذا ي ُقول يف قضية التذوق‪:‬‬ ‫" واإلنسان يف الدنيا جيد يف قلبه بذكر هللا وذكر حمامده وآالئه وعباداته من اللذة ما ال جيده يف شيء آخر "‬ ‫فهذه أحوال األئمة‪،‬‬ ‫يعين هي الرتبة األوىل يف ابب معرفة هللا عز وجل أن يكون اإلنسان ذواقا ملا يتعلق هبذه املعارف‪..‬‬ ‫واالمتياز الثاين الذي يتحقق لألئمة بعد تذوقهم هذه املعاين‪ :‬حسن تعبريهم وإيصاهلم هلذا الذوق لغريهم‪.‬‬ ‫يعين ُخذوا هذه االلتقاطة اليت ذكرها ابن القيم –رمحة هللا عليه‪: -‬‬ ‫" إذا كانت مشاهدة خملوق [يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ ]-‬يوم أخرج عليهن استغرقت إحساس الناظرات فقطعن‬ ‫أيديهن وما شعرن‪ ،‬فكيف ابحلال يوم املزيد؟! "‬ ‫الحظ ُحسن التعبري عن هذا املعىن‪!..‬‬ ‫ترى حنن مجيعا نعرف أن املؤمنون يرون رهبم تبارك وتعاىل يف اجلنة‪ ،‬ونعرف ُكلنا أن من أعظم النعيم الذي يُضفيه هللا‬ ‫عز وجل على العباد هو رؤيتهُ تبارك وتعاىل يف اجلنة‪..‬‬ ‫لكن من منا ربط بني قصة يُوسف عليه السالم‪ ،‬وإن إذا كان املخلوق خلق حاال من الغيبة والفناء به عن النفس‪،‬‬ ‫حبيث قطعت تلك النسوة أيديهن؟!‬ ‫ي ُقول ابن القيم‪ " :‬فكيف ابحلال يوم املزيد؟!"‬ ‫ترى هذه ُرتبة من تذوق معىن رؤية هللا سبحانه وتعاىل‪ُ ،‬مث ُحسن تصوير وأتدية هذا املعىن هبذا األسلُوب الرفيع‪..‬‬ ‫والوقفة اليت سنتوقفها مع كالم ابن القيم مؤكد يل هذا القضية‪ ،‬نُنبه عليها‪..‬‬ ‫يقع بينهم التفاوت حقيقة يف مراتب العبودية واإلميان‬ ‫ولذا‪ ،‬من املعاين اليت أشران إليها قبل قليل‪ ،‬أن أحوال اخللق إمنا ُ‬ ‫حبسب معرفتهم هلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬يقول النيب صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪( :‬وأتملوا يف احلديث اجلميل)‬ ‫" إين ألعلمكم ابهلل –ويف رواية‪ :‬ألعرفكم ابهلل‪ -‬وأشدكم له خشية "‬ ‫هذا احلديث مجاليتهُ يف عدة جوانب؛ من اجلوانب اجلميلة جدا يف هذا احلديث‪:‬‬ ‫التفاوت‪ُ.‬هو ليس ُرتبة واحدة‪.‬النيب صلى هللا عليه وسلم‬ ‫تقبل ُ‬ ‫أن ابب معرفة هللا ُسبحانه وتعاىل ُهو من األبواب اليت ُ‬ ‫استخدم صيغة أفعل التفضيل‪ ،‬يف ابب معرفته سبحانهُ وتعاىل‪ ،‬وابلتايل‪ُ ،‬ميكن لإلنسان أن يتطلب من مقامات معرفة‬ ‫هللا سبحانه وتعاىل رتبة ودرجة أرفع من املقام الذي هو فيه‪..‬‬ ‫أرفع من املقام الذي هو فيه‪!.‬‬ ‫وسنذكر بعد قليل‪ ،‬بعض ما يتعلق ببعض األدوات وبعض التقنيات وبعض الوسائل فيما يتطلب يف معرفة هللا سبحانهُ‬ ‫وتعاىل‪.‬‬ ‫يقول ابن القيم‪:‬‬ ‫" من عرف هللا أحبهُ على قدر معرفته به "‬ ‫وهذا املعىن الثاين؛ أن هنالك تالزم بني أبواب اإلميان والعبودية اليت يبذهلا العبد هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬حبسب ما‬ ‫ينقدح يف نفسه حقيقةً من معرفته ول وعال‪.‬‬ ‫ي ُقول‪:‬‬ ‫" ومن عرف هللا أحبه على قدر معرفته به‪ ،‬وخافه‪ ،‬ورجاه‪ ،‬وتوكل عليه‪ ،‬وأانب إليه‪ ،‬وهلج بذكره‪ ،‬واشتاق إىل لقائه‪،‬‬ ‫واستحيا منه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعظمه على قدر معرفته به‪".‬‬ ‫ٍ‬ ‫عبودايت ظاهرة‪ ،‬ترى مرجعها يف احلقيقة إىل‪ :‬معرفة هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫كل العبُودايت القلبية وما تُثمرهُ من‬ ‫يقول ابن تيمية‪:‬‬ ‫" إن األنبياء واملرسلني‪ ،‬عرفوا هللا ابلوحي املعرفة اليت هي املعرفة‪،‬‬ ‫منحهم هللا تعاىل‪".‬‬ ‫وعبدوه ابلعبادة اليت هي حق لهُ حبسب ما ُ‬ ‫ُ‬ ‫فالحظ اآلن‪ ،‬ابن تيمية يصرح لك يف هذا النص أبن ُرتبة األنبياء واملرسلني‪ ،‬والفضيلة اليت أسبغها هللا عز وجل‬ ‫عليهم‪ ،‬إمنا أتتت هلم حبسب ما أعطاهم هللا سبحانه من أبواب معرفته تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫" من عرف أمساء هللا ومعانيها‪ ،‬فآمن هبا‪ ،‬كان إميانه أكمل ممن مل يعرف تلك األمساء‪ ،‬بل آمن هبا إمياان جممال "‬ ‫وملا تكلمنا عن حديث النيب صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬من أحصاها‪ "..‬هذا يكشف لك‪!.‬‬ ‫ابن تيمية يُنبهك‪ ،‬يقول لك أن الذي يؤمن ابهلل عز وجل وكماالته إمجاال‪ ،‬لهُ رتبة من اإلميان دون رتبة من سعى يف‬ ‫معرفة هللا عز وجل على جهة التفصيل‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬الحظوا قول هللا سبحانه وتعاىل‪ " :‬إمنا خيشى هللا من عباده العلماء "‪..‬‬ ‫والعلماء يتحدثون أن املقصود هم العلماء به تبارك وتعاىل‪..‬‬ ‫فالعلماء به هم أشد الناس خشية هلل عز وجل‪ ،‬رجاء فيه سبحانهُ وتعاىل‪ ،‬حمبة لهُ‪ ،‬جل وعال‪..‬‬ ‫ولذا‪ ،‬املعىن الذي أشار له ابن تيمية‪:‬‬ ‫" إن األنبياء واملرسلني‪ ،‬عرفوا هللا ابلوحي املعرفة اليت هي املعرفة‪"..‬‬ ‫تتجلى يف ُكل قصص األنبياء والرسل!‬ ‫وتدبروه وأتملوه من هذه الزاوية‪..‬‬ ‫يعين أتملوا كيف كانت معرفةُ هللا عز وجل حترك األنبياء والرسل الختاذ مواقف تتبدى للناظر للوهلة األوىل نشازا‬ ‫وخارجة عن جنس ممارسات البشر واإلنسانية‪!.‬‬ ‫ختيلوا موسى عليه السالم‪..‬‬ ‫يعين خ ُذوا هذه االلتقاطة اليت رصدها هللا عز وجل يف القرآن الكرمي‪ ،‬أترخيا نتلوهُ إىل يوم القيامة‪..‬‬ ‫يقول هللا عز وجل‪:‬‬ ‫اجلمع ِ‬ ‫ان ‪"..‬‬ ‫" فَـلَ َّما تَـَراءَى َْ ْ َ‬ ‫ختيل اآلن‪..‬‬ ‫البحر من‬ ‫موسى وقومه يهربون من فرعون مصر‪ ،‬مث يُدركهم فرعون ابجليش وهم عند البحر‪ ،‬اجليش من وراءهم و ُ‬ ‫أمامهم‬ ‫يقول هللا عز وجل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وس َٰى إِ َّان لَ ُم ْد َرُكو َن "‬ ‫اجلمع ِ‬ ‫اب ُم َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫ال أ ْ‬ ‫ان قَ َ‬ ‫" فَـلَ َّما تَـَراءَى َْ ْ َ‬ ‫أي‪ُ :‬حماط بنا‪..‬‬ ‫فقال موسى عليه الصالة والسالم إيش؟‬ ‫ال َك َّال ۖ إِ َّن َمعِ َي َرِيب َسيَـ ْه ِدي ِن "‬ ‫"قَ َ‬ ‫العجيب يف اآلية هذه ابلنسبة إيل ُهو حجم استحضار موسى عليه السالم مل ُقولة الرب تبارك وتعاىل لهُ يف أول‬ ‫دعوته‪ ،‬يف اخلطاب األول‪ ،‬ملا قال هللا عز وجل له إيِش؟‬ ‫ال َال َختَافَا ۖ إِن َِّين َم َع ُك َما أ ْ‬ ‫َمسَ ُع َوأ ََر َٰى "‬ ‫"قَ َ‬ ‫ُومستحضر هذا املشهد طيلة دعوته إىل هذه اللحظة‪ ،‬حلظة الصفر‪..‬‬ ‫وس َٰى إِ َّان لَ ُم ْد َرُكو َن‬ ‫اجلمع ِ‬ ‫اب ُم َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫ال أ ْ‬ ‫ان قَ َ‬ ‫" فَـلَ َّما تَـَراءَى َْ ْ َ‬ ‫ال َك َّال ۖ إِ َّن َمعِ َي َرِيب َسيَـ ْه ِدي ِن "‬ ‫قَ َ‬ ‫يفرتض اإلنسان‪..‬أذكر أول مرة قرأت اآلية خطر يف وهلي أن احتمال أن موسى بوحي هللا عز وجل له مشروحة لهُ‬ ‫اخلطة ابلتفصيل‪ ،‬يعين مكشوف ما سيفعل هللا عز وجل لهُ من النصر والتأييد‪..‬‬ ‫لكن العجيب أنك ملا تقرأ اآلية التالية ‪:‬‬ ‫وس َٰى‪"..‬‬ ‫ِ‬ ‫" فَأ َْو َحْيـنَا إ َ َٰىل ُم َ‬ ‫الفاء‪ :‬تفيد التعقيب املباشر‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الحظ رمحة هللا عز وجل ملا يصدق اإلنسان يف معرفته سبحانه وتعاىل أتتيه الرمحة ُمباشرة‬ ‫وهذه الفاء تكشف أن اخلطة مل تكن مكشوفة‪،‬‬ ‫ما كان موسى يدري كيف سينصرهُ هللا عز وجل!‬ ‫لكن‪ ،‬الطمأنينة‪ ،‬السكينة‪ ،‬الثقة‪ ،‬تفويض األمر‪ ،‬التوكل على هللا عز وجل‪..‬‬ ‫املبنية على‪ :‬استشعار معية هللا سبحانه وتعاىل له‪..‬‬ ‫ال َك َّال ۖ إِ َّن َمعِ َي َرِيب َسيَـ ْه ِدي ِن "‬ ‫"قَ َ‬ ‫فماذا فعل هللا عز وجل؟‬ ‫اك الْبحر ۖ فَان َفلَق فَ َكا َن ُك ُّل فِرٍق َكالطَّوِد ِ‬ ‫" فَأَوحْيـنَا إِ َ َٰىل موس َٰى أ َِن ْ ِ‬ ‫العظيم "‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َ َ َْ‬ ‫اض ِرب ب َع َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫العجيب سبحان هللا‪ ،‬ملا يسرتسل اإلنسان يف قراءة قصة موسى‪ ،‬والحظوا كمال رمحة هللا عز وجل‬ ‫يفوق به الرب سبحانه وتعاىل‪ ،‬حىت ما خيطُر يف خميال العباد‪!..‬‬ ‫وأن ما ُ‬ ‫موسى عليه السالم‪ ،‬ملا أمره هللا عز وجل بضرب البحر‪ ،‬وانفلق البحر‪ ،‬وسار بقومه‪،‬‬ ‫كان متومها أن غاية نصرة هللا عز وجل له‪ ،‬ماذا؟‬ ‫أن ينجيه هللا عز وجل وقومه من فرعون وقومه!‬ ‫سبحان هللا‪ ،‬ماذا كان انوي موسى عليه الصالة والسالم يسوي؟‬ ‫ملا يوصل للضفة الثانية ومعه العصا‪ ،‬كان ينوي يضرب البحر مرة اثنية‪ ،‬ملاذا؟‬ ‫على أساس يرجع البحر وينطبق؛ ليعزل بينهُ وبني فرعون‬ ‫ترى هذا غاية أماين موسى عليه السالم يف هذه اللحظة‪!..‬‬ ‫فقال هللا عز وجل لهُ خماطبا‪ ،‬ماذا؟‬ ‫" واتْـ ُر ِك الْبَ ْحَر َرْهوا ۖ إِ َّهنُْم ُجند ُّم ْغَرقُو َن "‬ ‫أيمره هللا عز وجل‪:‬‬ ‫اترك البحر على حاله‪ ،‬اتركه‪ ،‬ال تضرب العصا لريجع البحر‪ ،‬ال ال‪ ،‬اترك البحر كما هو‪..‬‬ ‫ملاذا؟‬ ‫حىت يدخل قوم فرعون فيشفي هللا بذلك املشهد صدور قوم مؤمنني‪.‬‬ ‫فالحظ‪..‬‬ ‫موسى عليه السالم‪ ،‬بكمال معرفته هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ما كان خيطر حىت يف خمياله إن املوضوع يبلغ املدى الذي أرادهُ‬ ‫هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫من الضروري جدا أن يستحضر االنسان عندما يقرأ مثل هذه النصوص واألحاديث السياق الزمين لألحداث وأن‬ ‫يغمس نفسه يف التاريخ‪.‬‬ ‫احد منا قصة هجرة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكيف وصل النيب صلى هللا عليه وسلم مع صاحبه‬ ‫فعندما يقرأ الو ُ‬ ‫أبو بكر إىل غار ثور‪ ،‬وخياطبه الصديق رضي هللا عنه وأرضاه فيقول له‪:‬‬ ‫(اي رسول هللا‪ ،‬وهللا لو نظر أحدهم إىل قدميه لرآان)‬ ‫أان عندما أقرأ هذا النص – ال أخفي عليكم – أحاول استشعر لو قُدر أن حيدث حالة من االضطراب األمين مثال‪،‬‬ ‫أو دخل علي شخص جمرم يف بييت‪ ،‬حيمل مسدس أو ساطور ليقتلين‪ ،‬وحاولت أن أهرب فدخلت يف دوالب أو‬ ‫اختبأت أسفل السرير‪ ،‬ما هي حالة الذعر واخلوف اليت تنتاب اإلنسان‪ ،‬كيف هي أنفاسه وكيف هي نبضات قلبه؟!!‬ ‫حنن نتحدث عن قول أبو بكر لو شخص منهم فقط أخفض رأسه ونظر لرآان‪ ،‬وجزء من خوف الصديق رضي هللا‬ ‫عنه وأرضاه على صاحبه‪ ،‬وأنت اآلن ال تتكلم عن آذى بسيط سيطال الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فالنيب صلى هللا‬ ‫عليه وسلم قد خرج مهاجرا بعد حماولة اغتياله‪ ،‬فهم ينوون قتله‪.‬ليست القضية أهنم سيعيدون اصطحابه إىل مكة‪،‬‬ ‫وإن مل تنجح هذه اخلطة فمن املمكن أن نكررها مرة أخرى‪ ،‬ال‪ ،‬كان االحتمال عاليا‪..‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬مل خيرب هللا سبحانه وتعاىل النيب صلى هللا عليه وسلم بتفصيل طريقة النجاة‪ ،‬لكن النيب صلى هللا عليه وسلم‬ ‫كان عنده ثقة وطمأنينة مبعية هللا عز وجل كحال صاحبه موسى فقال ( ما ظنك اي أبو بكر ابثنني هللا اثلثهما؟)‬ ‫خياطبه هبذه الطمأنينة والثقة‪ ،‬فلماذا اخلوف وهللا عز وجل معنا؟‬ ‫وهللا عز وجل يصدق هذا يف القرآن الكرمي يف اآلايت املشهورة املتعلقة هبذا املقام‪ ،‬فهذه املقامات مقامات األنبياء‬ ‫ومقامات الرسل‪ ،‬وهو مقام يكشف لنا ضرورة أن نعمق فهمنا مبا يتعلق هبذه األبواب‪..‬‬ ‫أمجل ما يف النص الذي سنقرأه بعد قليل إبذن هللا عز وجل أهنا أشبه بورشة تدريبية يف كيفية السعي لتطلب معرفة هللا‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن هنالك مستوايت ملعرفة هللا سبحانه وتعاىل قد ال تنقذف يف نفوسنا للوهلة األوىل‪ ،‬فأان ال‬ ‫أحصي عدد ما مسعته من التذكري وربط عبودايتنا بسمع هللا عز وجل وبصره وعلمه‪..‬‬ ‫مثال‪ ،‬يف قضية‪ :‬أن هللا عز وجل من أمسائه السميع ومن صفاته عز وول السمع‬ ‫فال يسمع منك كلمة انبية‪ ،‬ال يسمع منك ما يسخطه تبارك وتعاىل‪ ،‬ال يسمع منك الكذب وال يسمع منك الغيبة‬ ‫ال يسمع منك النميمة‪..‬‬ ‫هذا معىن ال أحصي تكراره على مسعي‪ ،‬لكن ما أذكر أنه مر علي قط أحد نبه عن اجلانب املشرق املتفائل الذي‬ ‫يبعثه هذا االسم يف نفوسنا !‬ ‫فاهلل عز وجل مسيع‪ ،‬فإذا سألته يسمعك‪ ،‬إذا كنت يف صالتك فذكرته تبارك وتعاىل يسمعك‪ ،‬إذا استنجدت ابهلل عز‬ ‫وجل يسمعك‪..‬‬ ‫ما أحصي عدد ما أذكر بقضية البصر وأن هللا عز وجل ال حيب أن يراك على موضع يكرهه‪،‬‬ ‫واجلانب اآلخر؛ أال يبعث شعور التفاؤل العظيم عندما يكرب اإلنسان ويف صالته وأن هللا بصري وأنه يراين تبارك وتعاىل‬ ‫يف صاليت؟! فأكون يف قمة الطمأنينة والسكينة واالرتياح ألن هللا عز وجل سيثيبين على ذلك ؟!‬ ‫اَلِلَ َغافِال َع َّما يَـ ْع َم ُل‬ ‫َب َّ‬‫(وَال َْحت َس َ َّ‬ ‫كم البالء الذي ينزاح عن النفس عندما يستحضر االنسان قول هللا عز وجل َ‬ ‫الظَّالِ ُمو َن) ؟ عندما يستحضر اإلنسان أن هللا عز وجل ليس غافال عن كل الظلم الواقع يف األرض‪ ،‬إمنا يؤخرهم ليوم‬ ‫تشخص فيه األبصار‪..‬‬ ‫واقرؤوا اآلايت املتعلقة هبا‪ ،‬من أعظم اآلايت اليت تبعث الطمأنينة يف نفس اإلنسان إىل مصري الظاملني‪.‬‬ ‫ال نستطيع االستطراد كثريا عن هذا اجلانب وهذا اجملال‪ ،‬ولنقل كيف يعرفهم هللا سبحانه وتعاىل بنفسه يف القرآن‬ ‫الكرمي‪ ،‬هذا األمر يستحق أن نتوقف معه وقفة تفصيلية كاملة‪..‬‬ ‫كيف كان النيب صلى هللا عليه وسلم يعرف ربه تبارك وتعاىل للخلق؟‬ ‫كيف طبيعة األحاديث اليت تتناول جناب الرب سبحانه وتعاىل؟‬ ‫يتحمل فعال أن يقيم اإلنسان حماضرة أو درسا خمتصا‪ ،‬بل من املمكن أن تقام دورة كاملة مبا يتعلق بتعريف الوحي‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬خصوصا إذا استحضران أن من أعظم مقاصد الدين وإنزال الوحي هو‪ :‬تعريف اخلالق للخلق‪.‬‬ ‫لكن من األشياء اليت أنبه عليها‪ ،‬وهي ممارسة طريفة التمستها من نفسي حقيقة ووجدت أن فيها جانب مجايل‬ ‫عظيم‪ ،‬وهو‪ :‬تتبع األخبار والقصص املتعلقة ابلواقع وابلتاريخ‪.‬‬ ‫مثال‪ ،‬عندما أقرأ يف كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثري او سري النبالء لإلمام الذهيب أو وفيات األعيان البن‬ ‫خلكان وكتب التواريخ والرتاجم والسري‪.‬‬ ‫من أكثر املواضع اليت تطربين وتعجبين؛ هي تلك املواضع اليت يستطيع اإلنسان أن يتلمس يف طياهتا خفااي لطف هللا‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬خفااي كمال علم هللا سبحانه وتعاىل وكمال قدرته تبارك وتعاىل‪..‬‬ ‫خذوا هاتني االلتقاطتني التارخييتني العجيبتني مما مر علي‪:‬‬ ‫‪ ‬كنت أقرأ يف كتاب ذم البغي البن أيب الدنيا عليه رمحة هللا تبارك وتعاىل‪ ،‬وهو حيكي قصة ألحد يدعى وضاح بن‬ ‫خيثمة‪ ،‬ويبدو أن وضاح كان صاحب شرطة يف وقت عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فأمر عمر بن عبد العزيز رضي هللا‬ ‫عنه وضاح بن خيثمة أن يطلق سراح كل من يف األسر ومن يف السجن وأن يعفو عنهم‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫" فأطلقتهم مجيعا إال رجال واحدا هو يزيد بن أيب مسلم‪ ،‬كان بيين وبني شيء (كخصومة أو عداوة) فخشيت لو‬ ‫أطلقته أن يسعى يف قتلي أو يف التشفي أو االنتقام مين‪ ،‬فأطلقتهم كلهم عدا يزيد بن مسلم‪ ،‬مث خرجت من‬ ‫الشام حىت التحقت أبفريقيا (حماوال أن يفصل املسافة بينه وبني يزيد ليأمن جنابه فذهب إىل أفريقيا وهي تونس‬ ‫حاليا)‬ ‫يقول ‪ :‬وبينما أان يف أفريقيا قيل يل قد أقبل يزيد بن أيب مسلم‪ ،‬فهربت‪ ،‬يقول ‪ :‬فأخرج رجاال يف طليب‪( ،‬اي أن‬ ‫يزيد أرسل رجاال خلفه) يقول ‪ :‬مث قُبِض علي وقدمت عليه‪ ،‬فلما رآين قال ‪ :‬وضاح (كأنه يستثبت أنه هو)‬ ‫فقلت له ‪ :‬وضاح‪ ،‬فيقول له يزيد بن مسلم (وأتملوا سبحان هللا يف العجب) ‪ :‬لطاملا سألت هللا أن ميكنين منك‪،‬‬ ‫فقال له وضاح بن خيثمة‪ :‬وأان لطاملا سألت هللا أن يعيذين من شرك‪ ،‬انظروا معي اآلن كل طرف من الطرفني‬ ‫فقا

Use Quizgecko on...
Browser
Browser