مقرر الثقافة الإسلامية 204 PDF

Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...

Summary

هذا ملخص لمقرر الثقافة الإسلامية 204، والذي يغطي مواضيع مثل اختيار الله للأنبياء والرسل، ومولد النبي، ومبعثه، وحياته، وهديه، واختيار الأماكن (البلد الحرام) وخصائصها، وفضل هذه الأمور في الإسلام.

Full Transcript

‫وزارة التعل ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي‬ ‫جامع ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي أم الق ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي‬ ‫الي ي ي ي ي ي‬ ‫ة وأ ي ي ي ي ي ي‬...

‫وزارة التعل ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي‬ ‫جامع ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي أم الق ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي ي‬ ‫الي ي ي ي ي ي‬ ‫ة وأ ي ي ي ي ي ي‬ ‫كل ي ي ي ي ي ي الي ي ي ي ي ي‬ ‫ة وال قا ي ي ي ا ي ي ي ي م‬ ‫قس ي ي ي ال ي ي ي‬ ‫مقرر الثقافة اإلسالمية ‪204‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫بس اهلل ال حم ال ح‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مف دات مق ر ال قا ا‬ ‫ن اهلل تعالى‪:‬‬ ‫أوال االخت ار اهلل واال طفاء ن م‬ ‫ اختيار األنبياء والرسل‪.‬‬ ‫ اختيار النيب صلى هللا عليهم وسلم واصطفاؤه وأصحابه وأمته‪.‬‬ ‫ اختيار األماكن (البلد األمني)‪ ،‬وخصائصه‪.‬‬ ‫ اختيار هللا من كل جنس من أجناس املخلوقات أطيبه‪.‬‬ ‫ الفالح والسعادة على يدي الرسل‪.‬‬ ‫ة النبي ‪ ‬وه ه‪:‬‬ ‫ثان اً‪ :‬م‬ ‫ نسبه ‪.‬‬ ‫ مولده ‪.‬‬ ‫ كفالته ‪.‬‬ ‫ مراتب الوحي إىل النيب ‪.‬‬ ‫ ختانه ‪.‬‬ ‫ أمهاته ‪ ‬وحواضنه‪.‬‬ ‫ثال اً‪ :‬مبعث النبي ‪ ‬ود ته‪:‬‬ ‫ مبعثه ‪.‬‬ ‫ ترتيب دعوته ‪.‬‬ ‫ أمساؤه ‪ ‬ومعانيها‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬ح اته ‪ ‬وقابته وم ختص به‪:‬‬ ‫ هجرته ‪.‬‬ ‫ أوالده ‪ ،‬وأعمامه وعماته وأزواجه‪.‬‬ ‫ خدامه وكتابه ‪ ‬ورسله وأمراؤه ومؤذنيه وحرسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫خامسا‪ :‬ه ه ‪:‬‬ ‫ لبسه ‪.‬‬ ‫ هديه ‪ ‬وسريته يف الطعام والشراب‪.‬‬ ‫ هديه يف النكاح ومعاشرة أهله ونومه وانتباهه ‪.‬‬ ‫ هديه يف الركوب‪.‬‬ ‫ هديه يف معاملته ومشيه وجلوسه واتكائه وقضاء حاجته‪.‬‬ ‫ هديه يف الفطرة وتوابعها‪.‬‬ ‫ هديه يف كالمه وسكوته وبكائه وضحكه‪.‬‬ ‫ هديه يف خطبه‪.‬‬ ‫* ** *** **** *** ** *‬ ‫‪2‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫ن اهلل تعالى‬ ‫أوالً‪ :‬االخت ار واال طفاء ن م‬ ‫إن هللا ‪ ‬هو املنفرد ابخللق واالختيار من املخلوقات‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫ﯢﯣ} [القصص‪ ]86 :‬وليس املراد هاهنا ابالختيار اإلرادة اليت يشري إليها املتكلمون أبنه الفاعل املختار‬ ‫‪ -‬وهو سبحانه ‪ -‬كذلك‪ ،‬ولكن ليس املراد ابالختيار هاهنا هذا املعىن‪ ،‬وهذا االختيار داخل يف قوله‪:‬‬ ‫{ﭦ ﭧ ﭨﭩ} فإنه ال خيلق إال ابختياره‪ ،‬وداخل يف قوله تعاىل‪{ :‬ﮈ ﮉ} فإن املشيئة هي‬ ‫االختيار‪.‬‬ ‫وإمنا املراد ابالختيار هاهنا‪ :‬االجتباء واالصطفاء‪ ،‬فهو اختيار بعد اخللق‪ ،‬واالختيار العام اختيار قبل‬ ‫اخللق‪ ،‬فهو أعم وأسبق‪ ،‬وهذا أخص‪ ،‬وهو متأخر‪ ،‬فهو اختيار من اخللق‪ ،‬واألول اختيار للخلق‪.‬وأصح‬ ‫القولني أن الوقف التام على قوله‪{ :‬ﯢﯣ}‪.‬‬ ‫نفيا‪ ،‬أي‪ :‬ليس هذا االختيار إليهم‪ ،‬بل هو إىل‬ ‫[القصص‪]86 :‬‬ ‫ويكون {ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ}‬ ‫اخلالق وحده‪ ،‬فكما أنه املنفرد ابخللق فهو املنفرد ابالختيار منه‪ ،‬فليس ألحد أن خيلق وال أن خيتار سواه‪،‬‬ ‫فإنه سبحانه أعلم مبواقع اختياره‪ ،‬وحمال رضاه‪ ،‬وما يصلح لالختيار مما ال يصلح له‪ ،‬وغريه ال يشاركه يف‬ ‫ذلك بوجه‪.‬‬ ‫وإذا أتملت أحوال هذا اخللق‪ ،‬رأيت هذا االختيار والتخصيص فيه داال على ربوبيته تعاىل ووحدانيته‬ ‫وكمال حكمته وعلمه وقدرته‪ ،‬وأنه هللا الذي ال إله إال هو فال شريك له خيلق كخلقه‪ ،‬وخيتار كاختياره‪،‬‬ ‫ويدبر كتدبريه‪ ،‬فهذا االختيار والتدبري والتخصيص املشهود أثره يف هذا العامل من أعظم آايت ربوبيته‪،‬‬ ‫وأكرب شواهد وحدانيته‪ ،‬وصفات كماله‪ ،‬وصدق رسله‪ ،‬فنشري منه إىل يسري يكون منبها على ما وراءه داال‬ ‫على ما سواه‪.‬‬ ‫فخلق هللا السماوات سبعا فاختار العليا منها فجعلها مستقر املقربني من مالئكته‪ ،‬واختصها ابلقرب‬ ‫من كرسيه ومن عرشه‪ ،‬وأسكنها من شاء من خلقه‪ ،‬فلها مزية وفضل على سائر السماوات‪ ،‬ولو مل يكن‬ ‫إال قرهبا منه تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫وهذا التفضيل والتخصيص مع تساوي مادة السماوات من أبني األدلة على كمال قدرته وحكمته‪،‬‬ ‫وأنه خيلق ما يشاء وخيتار‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫ومن هذا "تفضيله سبحانه جنة الفردوس على سائر اجلنان‪ ،‬وختصيصها أبن جعل عرشه سقفها"(‪،)1‬‬ ‫ويف بعض اآلاثر‪" :‬إن هللا سبحانه غرسها بيده واختارها خلريته من خلقه"(‪.)2‬‬ ‫‪ ‬اخت ار األنب اء وال ل‪:‬‬ ‫ومن هذا اختياره من املالئكة املصطفني منهم على سائرهم‪ ،‬كجربيل‪ ،‬وميكائيل‪ ،‬وإسرافيل‪ ،‬وكان النيب ‪‬‬ ‫يقول‪« :‬اللهم رب جربيل وميكائيل وإسرافيل‪ ،‬فاطر السماوات واألرض‪ ،‬عامل الغيب والشهادة‪ ،‬أنت حتكم بني‬ ‫عبادك فيما كانوا فيه خيتلفون‪ ،‬اهدين ملا اختلف فيه من احلق إبذنك‪ ،‬إنك هتدي من تشاء إىل صراط مستقيم»(‪.)3‬‬ ‫فذكر هؤالء الثالثة من املالئكة لكمال اختصاصهم‪ ،‬واصطفائهم‪ ،‬وقرهبم من هللا‪ ،‬وكم من ملك‬ ‫غريهم يف السماوات‪ ،‬فلم يسم إال هؤالء الثالثة‪.‬فجربيل‪ :‬صاحب الوحي الذي به حياة القلوب واألرواح‪،‬‬ ‫وميكائيل‪ :‬صاحب القطر الذي به حياة األرض واحليوان والنبات‪ ،‬وإسرافيل‪ :‬صاحب الصور الذي إذا‬ ‫نفخ فيه أحيت نفخته إبذن هللا األموات‪ ،‬وأخرجتهم من قبورهم‪.‬‬ ‫وكذلك اختياره سبحانه لألنبياء من ولد آدم عليه وعليهم الصالة والسالم‪ ،‬وهم مائة ألف وأربعة‬ ‫وعشرون ألفا‪ ،‬واختياره الرسل منهم‪ ،‬وهم ثالمثائة وثالثة عشر‪ ،‬على ما يف حديث أيب ذر الذي رواه أمحد‪،‬‬ ‫وابن حبان يف "صحيحه"(‪ ،)4‬واختياره أويل العزم منهم‪ ،‬وهم مخسة املذكورون يف سورة (األحزاب)‬ ‫و(الشورى) يف قوله تعاىل‪{ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ﭝﭞ} [األحزاب‪ ،]7 :‬وقال تعاىل‪{ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ} [الشورى‪ ،]13 :‬واختار منهم اخلليلني‬ ‫إبراهيم ودمحما صلى هللا عليهما وآهلما وسلم‪.‬‬ ‫‪ ‬اخت ار النبي ‪ ‬وا طفاؤه وأ حابه وأمته‪:‬‬ ‫ومن هذا اختياره سبحانه ولد إمساعيل من أجناس بين آدم‪ ،‬مث اختار منهم بين كنانة من خزمية‪ ،‬مث اختار‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬ابب درجات اجملاهدين يف سبيل هللا‪ ،‬رقم (‪.)2772‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الطرباين يف األوسط (‪ 77 /4‬رقم ‪ ،)3721‬وأبو نعيم يف احللية (‪ ،)224 /8‬والبعث والنشور للبيهقي (‪ ،)214‬من حديث أيب‬ ‫سعيد اخلدري ‪ ‬وقال البيهقي‪ :‬روي من وجه ضعيف‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬ابب الدعاء يف صالة الليل وقيامه‪ ،‬رقم (‪ )222 /772‬من حديث عائشة ضي هللا عنها‪.‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪ ،)176 /5‬والطيالسي (‪ ،)462‬وابن حبان (‪ )382‬إحسان‪ ،‬والبزار (‪ ،)4234‬من حديث أيب ذر ‪.‬‬ ‫وقال األلباين يف السلسة الضعيفة رقم (‪« :)1712‬ضعيف»‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫من ولد كنانة قريشا‪ ،‬مث اختار من قريش بين هاشم‪ ،‬مث اختار من بين هاشم سيد ولد آدم دمحما ‪.‬‬ ‫وكذلك اختار أصحابه من مجلة العاملني‪ ،‬واختار منهم السابقني األولني‪ ،‬واختار منهم أهل بدر‪ ،‬وأهل بيعة‬ ‫الرضوان‪ ،‬واختار هلم من الدين أكمله‪ ،‬ومن الشرائع أفضلها‪ ،‬ومن األخالق أزكاها وأطيبها وأطهرها‪.‬‬ ‫واختار أمته ‪ ‬على سائر األمم‪ ،‬كما يف "مسند اإلمام أمحد" وغريه من حديث هبز بن حكيم بن‬ ‫معاوية بن حيدة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده قال‪ :‬قال رسول هللا ‪« :‬أنتم موفون سبعني أمة أنتم خريها وأكرمها‬ ‫على هللا»(‪ ،)1‬قال علي بن املديين وأمحد‪ :‬حديث هبز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح‪.‬‬ ‫وظهر أثر هذا االختيار يف أعماهلم‪ ،‬وأخالقهم‪ ،‬وتوحيدهم‪ ،‬ومنازهلم يف اجلنة‪ ،‬ومقاماهتم يف املوقف‪،‬‬ ‫فإهنم أعلى من الناس على تل فوقهم يشرفون عليهم‪ ،‬ويف الرتمذي من حديث بريدة بن احلصيب األسلمي‬ ‫قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ « :‬أهل اجلنة عشرون ومائة صف‪ ،‬مثانون منها من هذه األمة‪ ،‬وأربعون من سائر‬ ‫األمم»(‪ )2‬قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬والذي يف "الصحيح" من حديث أيب سعيد اخلدري عن النيب‬ ‫‪ ‬يف حديث بعث النار «والذي نفسي بيده إين ألطمع أن تكونوا شطر أهل اجلنة»(‪ ،)3‬ومل يزد على‬ ‫ذلك‪.‬فإما أن يقال‪ :‬هذا أصح‪ ،‬وإما أن يقال‪ :‬إن النيب ‪ ‬طمع أن تكون أمته شطر أهل اجلنة‪ ،‬فأعلمه‬ ‫ربه فقال‪« :‬إهنم مثانون صفا من مائة وعشرين صفا» فال تنايف بني احلديثني‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫ومن تفضيل هللا ألمته واختياره هلا أنه وهبها من العلم واحللم ما مل يهبه ألمة سواها‪ ،‬ويف مسند البزار‬ ‫وغريه من حديث أيب الدرداء قال‪ :‬مسعت أاب القاسم ‪ ‬يقول‪« :‬إن هللا تعاىل قال لعيسى ابن مرمي‪ :‬إين‬ ‫ابعث من بعدك أمة إن أصاهبم ما حيبون محدوا وشكروا‪ ،‬وإن أصاهبم ما يكرهون احتسبوا وصربوا‪ ،‬وال‬ ‫حلم وال علم‪ ،‬قال‪ :‬اي رب‪ ،‬كيف هذا وال حلم وال علم؟ قال‪ :‬أعطيهم من حلمي وعلمي»(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪ ،)447 /4‬والرتمذي‪ :‬كتاب تفسري القرآن‪ ،‬ابب‪ :‬ومن سورة آل عمران‪ ،‬رقم (‪ ،)3221‬وابن ماجه‪ :‬كتاب الزهد‪ ،‬ابب‬ ‫صفة أمة دمحم ‪ ،‬رقم (‪ ،)4267‬والدارمي‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬ابب يف قول النيب ‪« :‬أنتم آخر األمم»‪ ،‬رقم (‪.)2622‬‬ ‫وقال الرتمذي «هذا حديث حسن»‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ ،)347 /5‬والرتمذي‪ :‬كتاب صفة اجلنة‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف صف أهل اجلنة‪ ،‬رقم (‪ ،)2548‬وابن ماجه‪ :‬كتاب الزهد‪،‬‬ ‫ابب صفة أمة دمحم ‪ ،‬رقم (‪ ،)4267‬والدارمي‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬ابب يف صفوف أهل اجلنة‪ ،‬رقم (‪.)2677‬‬ ‫وقال الرتمذي «هذا حديث حسن»‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬ابب قوله ‪ { ‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ}‪ ،‬رقم (‪ ،)8532‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‬ ‫قوله "يقول هللا آلدم أخرج بعث النار"‪ ،‬رقم (‪ ،)377 /222‬من حديث أيب سعيد اخلدري ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه أمحد (‪ ،)452 /8‬والطرباين يف األوسط (‪ 311 /3‬رقم ‪ ،)3252‬واحلاكم (‪ )1267‬وصححه‪ ،‬من حديث أيب الدرداء ‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫‪ ‬اخت ار األماك البل األم وخصائصه‪:‬‬ ‫ومن هذا اختياره ‪ ‬من األماكن والبالد خريها وأشرفها‪ ،‬وهي البلد احلرام‪ ،‬فإنه ‪ ‬اختاره لنبيه‬ ‫‪ ، ‬وجعله مناسك لعباده‪ ،‬وأوجب عليهم اإلتيان إليه من القرب والبعد من كل فج عميق‪ ،‬فال يدخلونه‬ ‫إال متواضعني متخشعني متذللني كاشفي رءوسهم متجردين عن لباس أهل الدنيا‪ ،‬وجعله حرما آمنا ال‬ ‫يسفك فيه دم‪ ،‬وال تعضد به شجرة‪ ،‬وال ينفر له صيد‪ ،‬وال خيتلى خاله‪ ،‬وال تلتقط لقطته للتمليك بل‬ ‫للتعريف ليس إال‪.‬‬ ‫وجعل قصده مكفرا ملا سلف من الذنوب‪ ،‬ماحيا لألوزار‪ ،‬حاطا للخطااي‪ ،‬كما يف الصحيحني عن‬ ‫أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪« :‬من أتى هذا البيت فلم يرفث ومل يفسق رجع كيوم ولدته أمه»(‪ )1‬ومل‬ ‫يرض لقاصده من الثواب دون اجلنة‪ ،‬ففي السنن من حديث عبد هللا بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا‬ ‫‪ « :‬اتبعوا بني احلج والعمرة‪ ،‬فإهنما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكري خبث احلديد والذهب‬ ‫والفضة‪ ،‬وليس للحجة املربورة ثواب دون اجلنة»(‪.)2‬‬ ‫ويف الصحيحني عن أيب هريرة أن رسول هللا ‪ ‬قال‪« :‬العمرة إىل العمرة كفارة ملا بينهما‪ ،‬واحلج‬ ‫(‪)3‬‬ ‫فلو مل يكن البلد األمني خري بالده‪ ،‬وأحبها إليه‪ ،‬وخمتاره من البالد؛ ملا‬ ‫املربور ليس له جزاء إال اجلنة»‬ ‫جعل عرصاهتا مناسك لعباده فرض عليهم قصدها‪ ،‬وجعل ذلك من آكد فروض اإلسالم‪ ،‬وأقسم به يف‬ ‫كتابه العزيز يف موضعني منه فقال تعاىل‪{ :‬ﭗ ﭘ ﭙﭚ} [التني‪ ،]3 :‬وقال تعاىل‪{ :‬ﭲ ﭳ‬ ‫ﭴ ﭵﭶ} [البلد‪ ،]1 :‬وليس على وجه األرض بقعة جيب على كل قادر السعي إليها والطواف‬ ‫ابلبيت الذي فيها غريها‪ ،‬وليس على وجه األرض موضع يشرع تقبيله واستالمه‪ ،‬وحتط اخلطااي واألوزار فيه‬ ‫غري احلجر األسود‪ ،‬والركن اليماين‪.‬وثبت عن النيب ‪ ‬أن الصالة يف املسجد احلرام مبائة ألف صالة‪ ،‬ففي‬ ‫سنن النسائي واملسند إبسناد صحيح عن عبد هللا بن الزبري‪ ،‬عن النيب ‪ ‬أنه قال‪« :‬صالة يف مسجدي‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب احملصر وجزاء الصيد‪ ،‬ابب قول هللا ‪ { ‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ}‪ ،‬رقم (‪ ،)1622‬ومسلم‪ :‬كتاب‬ ‫احلج‪ ،‬ابب‪ :‬يف فضل احلج‪ ،‬والعمرة‪ ،‬ويوم عرفة‪ ،‬رقم (‪ ،)436 /1352‬من حديث أيب هريرة ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ ،) 367 /1‬والرتمذي‪ :‬كتاب احلج‪ ،‬ابب ما جاء يف ثواب احلج والعمرة‪ ،‬رقم (‪ ،)612‬والنسائي‪ :‬كتاب مناسك احلج‪،‬‬ ‫ابب فضل املتابعة بني احلج والعمرة‪ ،‬رقم (‪.)2831‬‬ ‫وقال الرتمذي‪ :‬حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب العمرة‪ ،‬ابب وجوب العمرة وفضلها‪ ،‬رقم (‪ ،)1773‬ومسلم‪ :‬كتاب احلج‪ ،‬ابب‪ :‬يف فضل احلج‪ ،‬والعمرة‪ ،‬ويوم‬ ‫عرفة‪ ،‬رقم (‪ ،)437 /1347‬من حديث أيب هريرة ‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫هذا أفضل من ألف صالة فيما سواه إال املسجد احلرام‪ ،‬وصالة يف املسجد احلرام أفضل من صالة يف‬ ‫مسجدي هذا مبائة صالة»(‪.)1‬ورواه ابن حبان يف صحيحه‪.‬‬ ‫وهذا صريح يف أن املسجد احلرام أفضل بقاع األرض على اإلطالق‪ ،‬ولذلك كان شد الرحال إليه‬ ‫فرضا‪ ،‬ولغريه مما يستحب وال جيب‪ ،‬ويف املسند والرتمذي والنسائي عن عبد هللا بن عدي بن احلمراء‪ ،‬أنه‬ ‫مسع رسول هللا ‪ ‬وهو واقف على راحلته ابحلزورة من مكة يقول‪«:‬وهللا إنك خلري أرض هللا وأحب أرض‬ ‫هللا إىل هللا‪ ،‬ولوال أين أخرجت منك ما خرجت»(‪ )2‬قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫بل ومن خصائصها كوهنا قبلة ألهل األرض كلهم‪ ،‬فليس على وجه األرض قبلة غريها‪.‬‬ ‫ومن خواصها أيضا أنه حيرم استقباهلا واستدابرها عند قضاء احلاجة دون سائر بقاع األرض‪ ،‬وأصح‬ ‫املذاهب يف هذه املسألة‪ :‬أنه ال فرق يف ذلك بني الفضاء والبنيان لبضعة عشر دليال قد ذكرت يف غري هذا‬ ‫املوضع‪ ،‬وليس مع املفرق ما يقاومها البتة مع تناقضهم يف مقدار الفضاء والبنيان‪ ،‬وليس هذا موضع‬ ‫استيفاء احلجاج من الطرفني‪.‬‬ ‫ومن خواصها أيضا أن املسجد احلرام أول مسجد وضع يف األرض‪ ،‬كما يف الصحيحني عن أيب ذر‬ ‫قال‪« :‬سألت رسول هللا ‪ ‬عن أول مسجد وضع يف األرض؟ فقال‪ :‬املسجد احلرام‪ ،‬قلت‪ :‬مث أي؟ قال‬ ‫املسجد األقصى‪ ،‬قلت‪ :‬كم بينهما؟ قال أربعون عاما»(‪.)3‬‬ ‫وقد أشكل هذا احلديث على من مل يعرف املراد به فقال‪ :‬معلوم أن سليمان بن داود هو الذي بىن‬ ‫املسجد األقصى‪ ،‬وبينه وبني إبراهيم أكثر من ألف عام‪ ،‬وهذا من جهل هذا القائل‪ ،‬فإن سليمان إمنا كان‬ ‫له من املسجد األقصى جتديده ال أتسيسه‪ ،‬والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى هللا عليهما وآهلما‬ ‫وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة هبذا املقدار‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪ ،)5 /4‬والطيالسي (‪ ،)1484‬والبزار (‪ ،)2178‬وابن حبان (‪ )222 /3‬إحسان‪ ،‬من حديث عبد هللا بن الزبري ‪.‬‬ ‫وقال اهليثمي يف جممع الزوائد رقم (‪« :)5 /4‬رجاله رجال الصحيح»‪.‬‬ ‫وأخرجه ابن ماجه‪ :‬كتاب إقامة الصالة والسنة فيها‪ ،‬ابب ما جاء يف فضل الصالة يف املسجد احلرام‪ ،‬رقم (‪ ،)1428‬من حديث‬ ‫جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أمحد (‪ ،)325 /4‬والرتمذي‪ :‬كتاب املناقب‪ ،‬ابب يف فضل مكة‪ ،‬رقم (‪ ،)3725‬وابن ماجه‪ :‬كتاب املناسك‪ ،‬ابب فضل مكة‪ ،‬رقم‬ ‫(‪ ،)3126‬والنسائي يف السنن الكربى‪ :‬كتاب املناسك‪ ،‬ابب فضل مكة‪ ،‬رقم (‪ ،)4236‬من حديث عبد هللا بن عدي بن احلمراء ‪.‬‬ ‫وقال الرتمذي‪ :‬حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬ابب قول هللا تعاىل { ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ }‪ ،‬رقم (‪،)3425‬‬ ‫ومسلم‪ :‬كتاب املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬رقم (‪ ،)1 /522‬من حديث أيب ذر ‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫ومما يدل على تفضيلها أن هللا تعاىل أخرب أهنا أم القرى‪ ،‬فالقرى كلها تبع هلا وفرع عليها‪ ،‬وهي أصل‬ ‫القرى‪ ،‬فيجب أال يكون هلا يف القرى عديل‪ ،‬فهي كما أخرب النيب ‪ ‬عن (الفاحتة) أهنا «أم القرآن»(‪،)1‬‬ ‫وهلذا مل يكن هلا يف الكتب اإلهلية عديل‪.‬‬ ‫ومن خواصه أنه يعاقب فيه على اهلم ابلسيئات وإن مل يفعلها‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ} [احلج‪ ]25 :‬فتأمل كيف عدى فعل اإلرادة هاهنا ابلباء‪ ،‬وال‬ ‫يقال‪ :‬أردت بكذا إال ملا ضمن معىن فعل "هم" فإنه يقال‪ :‬مهمت بكذا‪ ،‬فتوعد من هم أبن يظلم فيه أبن‬ ‫يذيقه العذاب األليم‪.‬‬ ‫ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه ال كمياهتا‪ ،‬فإن السيئة جزاؤها سيئة‪ ،‬لكن سيئة كبرية جزاؤها‬ ‫مثلها‪ ،‬وصغرية جزاؤها مثلها‪ ،‬فالسيئة يف حرم هللا وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها يف طرف من‬ ‫أطراف األرض‪ ،‬وهلذا ليس من عصى امللك على بساط ملكه كمن عصاه يف املوضع البعيد من داره‬ ‫وبساطه‪ ،‬فهذا فصل النزاع يف تضعيف السيئات‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫وقد ظهر سر هذا التفضيل واالختصاص يف اجنذاب األفئدة وهوى القلوب وانعطافها وحمبتها هلذا‬ ‫البلد األمني‪ ،‬فجذبه للقلوب أعظم من جذب املغناطيس للحديد‪ ،‬فهو األوىل بقول القائل‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ومغن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن نناطيس أفئ ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن نندة الرج ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننال‬ ‫حماسن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن نننه هي ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن نوىل كن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننل حسن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننن‬ ‫وهلذا أخرب سبحانه أنه مثابة للناس‪ ،‬أي‪ :‬يثوبون إليه على تعاقب األعوام من مجيع األقطار‪ ،‬وال‬ ‫يقضون منه وطرا‪ ،‬بل كلما ازدادوا له زايرة ازدادوا له اشتياقا‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ح ن ن ن ن ن ننل يعن ن ن ن ن ن ننود إليه ن ن ن ن ن ننا الطن ن ن ن ن ن ننرف مشن ن ن ن ن ن ننتاقا‬ ‫ال يرج ن ن ن ن ن ننع الط ن ن ن ن ن ننرف عنه ن ن ن ن ن ننا ح ن ن ن ن ن ننني ينظره ن ن ن ن ن ننا‬ ‫فلله كم هلا من قتيل وسليب وجريح‪ ،‬وكم أنفق يف حبها من األموال واألرواح‪ ،‬ورضي احملب مبفارقة فلذ‬ ‫األكباد‪ ،‬واألهل واألحباب واألوطان‪ ،‬مقدما بني يديه أنواع املخاوف واملتالف واملعاطف واملشاق‪ ،‬وهو يستلذ‬ ‫ذلك كله ويستطيبه ويراه ‪-‬لو ظهر سلطان احملبة يف قلبه‪ -‬أطيب من نعم املتحلية وترفهم ولذاهتم‪.‬‬ ‫ع ن ن ن ن ن ن ن ننذااب إذا م ن ن ن ن ن ن ن ننا ك ن ن ن ن ن ن ن ننان يرض ن ن ن ن ن ن ن ننى حبيب ن ن ن ن ن ن ن ننه‬ ‫ول ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننيس حمب ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننا م ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننن يع ن ن ن ن ن ن ن ن ن ند ش ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننقاءه‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب تفسري القرآن‪ ،‬ابب قوله { ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ}‪ ،‬رقم (‪ ،)4724‬من حديث‬ ‫أيب هريرة ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أنشده ابن سنان يف سر الفصاحة (ص‪ )186 :‬للظاهر اجلزري‪.‬‬ ‫(‪ )3‬البيت إلبراهيم بن العباس الصويل يف ديوانه ضمن الطرائف األدبية (ص‪.)147 :‬‬ ‫‪6‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫وهذا كله سر إضافته إليه ‪ ‬بقوله‪{ :‬ﮀ ﮁ} [احلج‪ ]28 :‬فاقتضت هذه اإلضافة اخلاصة من‬ ‫هذا اإلجالل والتعظيم واحملبة ما اقتضته‪ ،‬كما اقتضت إضافته لعبده ورسوله إىل نفسه ما اقتضته من ذلك‪،‬‬ ‫وكذلك إضافته عباده املؤمنني إليه كستهم من اجلالل واحملبة والوقار ما كستهم‪ ،‬فكل ما أضافه الرب تعاىل‬ ‫إىل نفسه فله من املزية واالختصاص على غريه ما أوجب له االصطفاء واالجتباء‪ ،‬مث يكسوه هبذه اإلضافة‬ ‫تفضيال آخر‪ ،‬وختصيصا وجاللة زائدا على ما كان له قبل اإلضافة‪ ،‬ومل يوفق لفهم هذا املعىن من سوى بني‬ ‫األعيان واألفعال واألزمان واألماكن‪ ،‬وزعم أنه ال مزية لشيء منها على شيء‪ ،‬وإمنا هو جمرد الرتجيح بال‬ ‫مرجح‪ ،‬وهذا القول ابطل أبكثر من أربعني وجها قد ذكرت يف غري هذا املوضع‪.‬‬ ‫‪ ‬اخت ار اهلل م كل جنس م أجناس المخل قات أط به‪:‬‬ ‫واملقصود أن هللا ‪ ‬اختار من كل جنس من أجناس املخلوقات أطيبه‪ ،‬واختصه لنفسه وارتضاه دون‬ ‫غريه‪ ،‬فإنه تعاىل طيب ال حيب إال الطيب‪ ،‬وال يقبل من العمل والكالم والصدقة إال الطيب‪ ،‬فالطيب من‬ ‫كل شيء هو خمتاره تعاىل‪.‬‬ ‫وأما خلقه تعاىل فعام للنوعني‪ ،‬وهبذا يعلم عنوان سعادة العبد وشقاوته‪ ،‬فإن الطيب ال يناسبه إال‬ ‫الطيب وال يرضى إال به‪ ،‬وال يسكن إال إليه‪ ،‬وال يطمئن قلبه إال به‪ ،‬فله من الكالم الكلم الطيب الذي ال‬ ‫يصعد إىل هللا تعاىل إال هو‪ ،‬وهو أشد شيء نفرة عن الفحش يف املقال‪ ،‬والتفحش يف اللسان والبذاء‬ ‫والكذب والغيبة والنميمة والبهت وقول الزور وكل كالم خبيث‪.‬‬ ‫وكذلك ال أيلف من األعمال إال أطيبها‪ ،‬وهي األعمال اليت اجتمعت على حسنها الفطر السليمة‬ ‫مع الشرائع النبوية‪ ،‬وزكتها العقول الصحيحة‪ ،‬فاتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة‪ ،‬مثل أن يعبد هللا‬ ‫وحده ال يشرك به شيئا‪ ،‬ويؤثر مرضاته على هواه‪ ،‬ويتحبب إليه جهده وطاقته‪ ،‬وحيسن إىل خلقه ما‬ ‫استطاع‪ ،‬فيفعل هبم ما حيب أن يفعلوا به‪ ،‬ويعاملوه به‪ ،‬ويدعهم مما حيب أن يدعوه منه‪ ،‬وينصحهم مبا‬ ‫ينصح به نفسه‪ ،‬وحيكم هلم مبا حيب أن حيكم له به‪ ،‬وحيمل أذاهم وال حيملهم أذاه‪ ،‬ويكف عن أعراضهم‬ ‫وال يقابلهم مبا انلوا من عرضه‪ ،‬وإذا رأى هلم حسنا أذاعه‪ ،‬وإذا رأى هلم سيئا كتمه‪ ،‬ويقيم أعذارهم ما‬ ‫استطاع فيما ال يبطل شريعة‪ ،‬وال يناقض هلل أمرا وال هنيا‪.‬‬ ‫له أيضا من األخالق أطيبها وأزكاها‪ ،‬كاحللم والوقار والسكينة والرمحة والصرب والوفاء‪ ،‬وسهولة اجلانب‬ ‫ولني العريكة والصدق‪ ،‬وسالمة الصدر من الغل والغش واحلقد واحلسد‪ ،‬والتواضع وخفض اجلناح ألهل‬ ‫‪7‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫اإلميان‪ ،‬والعزة والغلظة على أعداء هللا‪ ،‬وصيانة الوجه عن بذله وتذهلل لغري هللا‪ ،‬والعفة والشجاعة والسخاء‬ ‫واملروءة‪ ،‬وكل خلق اتفقت على حسنه الشرائع والفطر والعقول‪.‬‬ ‫وكذلك ال خيتار من املطاعم إال أطيبها‪ ،‬وهو احلالل اهلينء املريء الذي يغذي البدن والروح أحسن‬ ‫تغذية‪ ،‬مع سالمة العبد من تبعته‪.‬‬ ‫وكذلك ال خيتار من املناكح إال أطيبها وأزكاها‪ ،‬ومن الرائحة إال أطيبها وأزكاها‪ ،‬ومن األصحاب‬ ‫والعشراء إال الطيبني منهم‪ ،‬فروحه طيب‪ ،‬وبدنه طيب‪ ،‬وخلقه طيب وعمله طيب‪ ،‬وكالمه طيب‪ ،‬ومطعمه‬ ‫طيب‪ ،‬ومشربه طيب‪ ،‬وملبسه طيب‪ ،‬ومنكحه طيب‪ ،‬ومدخله طيب‪ ،‬وخمرجه طيب‪ ،‬ومنقلبه طيب‪،‬‬ ‫ومثواه كله طيب‪.‬فهذا ممن قال هللا تعاىل فيه‪{ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ} [النحل‪ ]32 :‬ومن الذين يقول هلم خزنة اجلنة‪{ :‬ﯤ ﯥ‬ ‫ﯦ ﯧ ﯨﯩ} [الزمر‪ ]73 :‬وهذه الفاء تقتضي السببية‪ ،‬أي‪ :‬بسبب طيبكم ادخلوها‪.‬‬ ‫وقال تعاىل‪{ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣﯤ} [النور‪ ، ]28 :‬وقد فسرت اآلية أبن الكلمات اخلبيثات للخبيثني والكلمات الطيبات للطيبني‪،‬‬ ‫وفسرت أبن النساء الطيبات للرجال الطيبني‪ ،‬والنساء اخلبيثات للرجال اخلبيثني‪ ،‬وهي تعم ذلك وغريه‪،‬‬ ‫فالكلمات واألعمال والنساء الطيبات ملناسبها من الطيبني‪ ،‬والكلمات واألعمال والنساء اخلبيثة ملناسبها‬ ‫من اخلبيثني‪ ،‬فاهلل ‪ ‬جعل الطيب حبذافريه يف اجلنة‪ ،‬وجعل اخلبيث حبذافريه يف النار‪ ،‬فجعل الدور ثالثة‪:‬‬ ‫دارا أخلصت للطيبني‪ ،‬وهي حرام على غري الطيبني‪ ،‬وقد مجعت كل طيب وهي اجلنة‪.‬‬ ‫ودارا أخلصت للخبيث واخلبائث وال يدخلها إال اخلبيثون وهي النار‪.‬‬ ‫ودارا امتزج فيها الطيب واخلبيث وخلط بينهما وهي هذه الدار؛ وهلذا وقع االبتالء واحملنة بسبب هذا‬ ‫االمتزاج واالختالط‪ ،‬وذلك مبوجب احلكمة اإلهلية‪ ،‬فإذا كان يوم معاد اخلليقة ميز هللا اخلبيث من الطيب‪،‬‬ ‫فجعل الطيب وأهله يف دار على حدة ال خيالطهم غريهم‪ ،‬وجعل اخلبيث وأهله يف دار على حدة ال‬ ‫خيالطهم غريهم‪ ،‬فعاد األمر إىل دارين فقط‪ :‬اجلنة وهي دار الطيبني‪ ،‬والنار وهي دار اخلبيثني‪.‬‬ ‫وأنشأ هللا تعاىل من أعمال الفريقني ثواهبم وعقاهبم‪ ،‬فجعل طيبات أقوال هؤالء وأعماهلم وأخالقهم‬ ‫هي عني نعيمهم ولذاهتم‪ ،‬أنشأ هلم منها أكمل أسباب النعيم والسرور‪ ،‬وجعل خبيثات أقوال اآلخرين‬ ‫وأعماهلم وأخالقهم هي عني عذاهبم وآالمهم‪ ،‬فأنشأ هلم منها أعظم أسباب العقاب واآلالم حكمة ابلغة‬ ‫‪12‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫وعزة ابهرة قاهرة لريي عباده كمال ربوبيته وكمال حكمته وعلمه وعدله ورمحته‪ ،‬وليعلم أعداؤه أهنم كانوا‬ ‫هم املفرتين الكذابني ال رسله الربرة الصادقون‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ} [النحل‪.]37-36 :‬‬ ‫واملقصود أن هللا ‪ ‬جعل للسعادة والشقاوة عنواان يعرفان به‪ ،‬فالسعيد الطيب ال يليق به إال طيب‪،‬‬ ‫وال أييت إال طيبا‪ ،‬وال يصدر منه إال طيب‪ ،‬وال يالبس إال طيبا‪ ،‬والشقي اخلبيث ال يليق به إال اخلبيث‪،‬‬ ‫وال أييت إال خبيثا‪ ،‬وال يصدر منه إال اخلبيث‪ ،‬فاخلبيث يتفجر من قلبه اخلبث على لسانه وجوارحه‪،‬‬ ‫والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه‪.‬‬ ‫وقد يكون يف الشخص ماداتن فأيهما غلب عليه كان من أهلها‪ ،‬فإن أراد هللا به خريا طهره من املادة‬ ‫اخلبيثة قبل املوافاة‪ ،‬فيوافيه يوم القيامة مطهرا فال حيتاج إىل تطهريه ابلنار فيطهره منها مبا يوفقه له من التوبة‬ ‫النصوح‪ ،‬واحلسنات املاحية‪ ،‬واملصائب املكفرة‪ ،‬حل يلقى هللا وما عليه خطيئة‪ ،‬وميسك عن اآلخر مواد‬ ‫التطهري‪ ،‬فيلقاه يوم القيامة مبادة خبيثة ومادة طيبة‪ ،‬وحكمته تعاىل أتىب أن جياوره أحد يف داره خببائثه فيدخله‬ ‫النار طهرة له وتصفية وسبكا‪ ،‬فإذا خلصت سبيكة إميانه من اخلبث صلح حينئذ جلواره ومساكنة الطيبني من‬ ‫عباده‪.‬وإقامة هذا النوع من الناس يف النار على حسب سرعة زوال تلك اخلبائث منهم وبطئها‪ ،‬فأسرعهم‬ ‫{ﰗ ﰘ‬ ‫[النبأ‪]28 :‬‬ ‫زواال وتطهريا أسرعهم خروجا‪ ،‬وأبطؤهم أبطؤهم خروجا‪{ ،‬ﯡ ﯢﯣ}‬ ‫ﰙ ﰚﰛ} [فصلت‪.]48 :‬‬ ‫وملا كان املشرك خبيث العنصر خبيث الذات مل تطهر النار خبثه‪ ،‬بل لو خرج منها لعاد خبيثا كما‬ ‫كان‪ ،‬كالكلب إذا دخل البحر مث خرج منه‪ ،‬فلذلك حرم هللا تعاىل على املشرك اجلنة‪.‬‬ ‫وملا كان املؤمن الطيب املطيب مربءا من اخلبائث كانت النار حراما عليه‪ ،‬إذ ليس فيه ما يقتضي‬ ‫تطهريه هبا‪ ،‬فسبحان من هبرت حكمته العقول واأللباب‪ ،‬وشهدت فطر عباده وعقوهلم أبنه أحكم‬ ‫احلاكمني ورب العاملني ال إله إال هو‪.‬‬ ‫‪ ‬الف ح والسعادة لى ي ال ل‪:‬‬ ‫ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إىل معرفة الرسول وما جاء به‪ ،‬وتصديقه فيما أخرب‬ ‫به‪ ،‬وطاعته فيما أمر‪ ،‬فإنه ال سبيل إىل السعادة والفالح ال يف الدنيا وال يف اآلخرة إال على أيدي الرسل‪،‬‬ ‫‪11‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫وال سبيل إىل معرفة الطيب واخلبيث على التفصيل إال من جهتهم‪ ،‬وال ينال رضا هللا البتة إال على أيديهم‪،‬‬ ‫فالطيب من األعمال واألقوال واألخالق ليس إال هديهم وما جاءوا به‪ ،‬فهم امليزان الراجح الذي على‬ ‫أقواهلم وأعماهلم وأخالقهم توزن األقوال واألخالق واألعمال‪ ،‬ومبتابعتهم يتميز أهل اهلدى من أهل‬ ‫الضالل‪ ،‬فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إىل روحه والعني إىل نورها والروح إىل حياهتا‪ ،‬فأي ضرورة‬ ‫وحاجة فرضت‪ ،‬فضرورة العبد وحاجته إىل الرسل فوقها بكثري‪.‬وما ظنك مبن إذا غاب عنك هديه وما‬ ‫جاء به طرفة عني فسد قلبك‪ ،‬وصار كاحلوت إذا فارق املاء ووضع يف املقالة‪ ،‬فحال العبد عند مفارقة قلبه‬ ‫ملا جاء به الرسل كهذه احلال بل أعظم‪ ،‬ولكن ال حيس هبذا إال قلب حي و(ما جلرح مبيت إيالم)‪.‬‬ ‫* ** *** **** *** ** *‬ ‫‪12‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫ة النبي ‪ ‬وه ه‬ ‫ثان ا‪:‬‬ ‫وإذا كانت سعادة العبد يف الدارين معلقة هبدي النيب ‪ ‬فيجب على كل من نصح نفسه وأحب‬ ‫جناهتا وسعادهتا أن يعرف من هديه وسريته وشأنه ما خيرج به عن اجلاهلني به‪ ،‬ويدخل به يف عداد أتباعه‬ ‫وشيعته وحزبه‪ ،‬والناس يف هذا بني مستقل ومستكثر وحمروم‪ ،‬والفضل بيد هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو‬ ‫الفضل العظيم‪.‬‬ ‫وهذه كلمات يسرية ال يستغين عن معرفتها من له أدىن مهة إىل معرفة نبيه ‪ ‬وسريته وهديه‪ ،‬اقتضاها‬ ‫اخلاطر املكدود على عجره وجبره‪ ،‬مع البضاعة املزجاة اليت ال تنفتح هلا أبواب السدد‪ ،‬وال يتنافس فيها‬ ‫املتنا فسون مع تعليقها يف حال السفر ال اإلقامة‪ ،‬والقلب بكل واد منه شعبة‪ ،‬واهلمة قد تفرقت وعادت‬ ‫موارد شفائه وهي معاطبه لكثرة املنحرفني واحملرفني‪ ،‬فليس له معول إال على الصرب اجلميل‪ ،‬وما له انصر وال‬ ‫معني إال هللا وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫‪ ‬نسبه ‪:‬‬ ‫وهو خري أهل األرض نسبا على اإلطالق‪ ،‬فلنسبه من الشرف أعلى ذروة‪ ،‬وأعداؤه كانوا يشهدون له‬ ‫بذلك‪ ،‬وهلذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بني يدي ملك الروم‪ ،‬فأشرف القوم قومه‪ ،‬وأشرف‬ ‫القبائل قبيلته‪ ،‬وأشرف األفخاذ فخذه‪.‬‬ ‫فهو دمحم بن عبد هللا بن عبد املطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن‬ ‫كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزمية بن مدركة بن إلياس بن مضر بن‬ ‫نزار بن معد بن عدانن‪.‬‬ ‫إىل هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بني النسابني‪ ،‬وال خالف فيه البتة‪ ،‬وما فوق "عدانن" خمتلف فيه‪.‬وال‬ ‫خالف بينهم أن "عدانن" من ولد إمساعيل عليه السالم‪ ،‬وإمساعيل‪ :‬هو الذبيح على القول الصواب عند علماء‬ ‫الصحابة والتابعني ومن بعدهم‪ ،‬وأما القول أبنه إسحاق فباطل أبكثر من عشرين وجها‪.‬‬ ‫‪ ‬م ل ه ‪:‬‬ ‫ولنرجع إىل املقصود من سريته ‪ ‬وهديه وأخالقه‪ ،‬وال خالف أنه ولد ‪ ‬جبوف مكة‪ ،‬وأن مولده‬ ‫كان عام الفيل‪ ،‬وكان أمر الفيل تقدمة قدمها هللا لنبيه وبيته‪ ،‬وإال فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل‬ ‫كتاب‪ ،‬وكان دينهم خريا من دين أهل مكة إذ ذاك؛ ألهنم كانوا عباد أواثن فنصرهم هللا على أهل الكتاب‬ ‫‪13‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫نصرا ال صنع للبشر فيه‪ ،‬إرهاصا وتقدمة للنيب ‪ ‬الذي خرج من مكة‪ ،‬وتعظيما للبيت احلرام‪.‬‬ ‫واختلف يف وفاة أبيه عبد هللا‪ ،‬هل تويف ورسول هللا ‪ ‬محل‪ ،‬أو تويف بعد والدته؟ على قولني‪:‬‬ ‫أصحهما‪ :‬أنه تويف ورسول هللا ‪ ‬محل‪.‬والثاين‪ :‬أنه تويف بعد والدته بسبعة أشهر‪.‬‬ ‫وال خالف أن أمه ماتت بني مكة واملدينة "ابألبواء" منصرفها من املدينة من زايرة أخواله‪ ،‬ومل‬ ‫يستكمل إذ ذاك سبع سنني‪.‬‬ ‫‪ ‬م ل ه ‪:‬‬ ‫وكفله جده عبد املطلب‪ ،‬وتويف ولرسول هللا ‪ ‬حنو مثان سنني‪ ،‬وقيل‪ :‬ست‪ ،‬وقيل‪ :‬عشر‪ ،‬مث كفله‬ ‫عمه أبو طالب‪ ،‬واستمرت كفالته له‪ ،‬فلما بلغ ثنيت عشرة سنة خرج به عمه إىل الشام‪ ،‬وقيل‪ :‬كانت سنه‬ ‫تسع سنني‪ ،‬ويف هذه اخلرجة رآه حبريى الراهب وأمر عمه أال يقدم به إىل الشام خوفا عليه من اليهود‪،‬‬ ‫فبعثه عمه مع بعض غلمانه إىل مكة‪ ،‬ووقع يف كتاب الرتمذي(‪ )1‬وغريه أنه بعث معه بالال‪ ،‬وهو من الغلط‬ ‫الواضح‪ ،‬فإن بالال إذ ذاك لعله مل يكن موجودا‪ ،‬وإن كان فلم يكن مع عمه وال مع أيب بكر‪.‬وذكر البزار‬ ‫يف مسنده(‪ )2‬هذا احلديث ومل يقل‪ :‬وأرسل معه عمه بالال‪ ،‬ولكن قال‪ :‬رجال‪.‬‬ ‫فلما بلغ مخسا وعشرين سنة خرج إىل الشام يف جتارة‪ ،‬فوصل إىل "بصرى" مث رجع فتزوج عقب‬ ‫رجوعه خدجية بنت خويلد‪ ،‬وقيل تزوجها وله ثالثون سنة‪ ،‬وقيل إحدى وعشرون‪ ،‬وسنها أربعون‪ ،‬وهي‬ ‫أول امرأة تزوجها‪ ،‬وأول امرأة ماتت من نسائه‪ ،‬ومل ينكح عليها غريها‪ ،‬وأمره جربيل أن يقرأ عليها السالم‬ ‫من رهبا(‪.)3‬‬ ‫مث حبب هللا إليه اخللوة والتعبد لربه‪ ،‬وكان خيلو بن"غار حراء" يتعبد فيه الليايل ذوات العدد‪ ،‬وبغضت‬ ‫إليه األواثن ودين قومه‪ ،‬فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك‪.‬‬ ‫فلما كمل له أربعون‪ ،‬أشرق عليه نور النبوة وأكرمه هللا تعاىل برسالته‪ ،‬وبعثه إىل خلقه واختصه بكرامته‪،‬‬ ‫وجعله أمينه بينه وبني عباده‪.‬وال خالف أن مبعثه ‪ ‬كان يوم االثنني‪ ،‬واختلف يف شهر املبعث‪.‬فقيل‪ :‬لثمان‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي‪ :‬كتاب املناقب‪ ،‬ابب ما جاء يف بدء نبوة النيب ‪ ،‬رقم (‪ ،)3822‬من حديث أيب موسى األشعري ‪.‬‬ ‫وقال الذهيب يف اتريخ اإلسالم رقم (‪« :)47 /1‬هو حديث منكر جدا»‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البزار‪ ،)3278( :‬من حديث أيب موسى األشعري ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬ابب قول هللا تعاىل { ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ}‪ ،‬رقم (‪ ،)7477‬ومسلم‪ :‬كتاب فضائل‬ ‫الصحابة‪ ،‬ابب فضائل خدجية أم املؤمنني رضي هللا تعاىل عنها‪ ،‬رقم (‪ ،)71 /2432‬من حديث أيب هريرة ‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫مضني من ربيع األول سنة إحدى وأربعني من عام الفيل‪ ،‬هذا قول األكثرين‪ ،‬وقيل‪ :‬بل كان ذلك يف رمضان‪،‬‬ ‫واحتج هؤالء بقوله تعاىل‪{ :‬ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ} [البقرة‪ ]165 :‬قالوا‪ :‬أول ما أكرمه هللا‬ ‫تعاىل بنبوته أنزل عليه القرآن‪ ،‬وإىل هذا ذهب مجاعة منهم حيىي الصرصري حيث يقول يف نونيته‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫مشن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننس النبن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننوة منن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننه يف رمضن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننان‬ ‫وأتن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننت علين ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننه أربعن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننون فأشن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ن ننرقت‬ ‫واألولون قالوا‪ :‬إمنا كان إنزال القرآن يف رمضان مجلة واحدة يف ليلة القدر إىل بيت العزة‪ ،‬مث أنزل‬ ‫منجما حبسب الوقائع يف ثالث وعشرين سنة(‪.)2‬‬ ‫وقالت طائفة‪ :‬أنزل فيه القرآن‪ ،‬أي يف شأنه وتعظيمه وفرض صومه‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬كان ابتداء املبعث يف شهر رجب‪.‬‬ ‫‪ ‬م اتب ال حي إلى النبي ‪:‬‬ ‫وكمل هللا له من مراتب الوحي مراتب عديدة‪:‬‬ ‫إح اها‪ :‬الرؤاي الصادقة‪ ،‬وكانت مبدأ وحيه ‪ ،‬وكان ال يرى رؤاي إال جاءت مثل فلق الصبح(‪.)3‬‬ ‫ال ان ‪ :‬ما كان يلقيه امللك يف روعه وقلبه من غري أن يراه‪ ،‬كما قال النيب ‪« :‬إن روح القدس نفث‬ ‫يف روعي أنه لن متوت نفس حل تستكمل رزقها‪ ،‬فاتقوا هللا وأمجلوا يف الطلب‪ ،‬وال حيملنكم استبطاء الرزق‬ ‫على أن تطلبوه مبعصية هللا‪ ،‬فإن ما عند هللا ال ينال إال بطاعته»(‪.)4‬‬ ‫ال ال ‪ :‬أنه ‪ ‬كان يتمثل له امللك رجال فيخاطبه حل يعي عنه ما يقول له‪ ،‬ويف هذه املرتبة كان يراه‬ ‫الصحابة أحياان‪.‬‬ ‫ال ابع ‪ :‬أنه كان أيتيه يف مثل صلصلة اجلرس‪ ،‬وكان أشده عليه‪ ،‬فيتلبس به امللك حل إن جبينه‬ ‫ليتفصد عرقا يف اليوم الشديد الربد(‪ ،)5‬وحل إن راحلته لتربك به إىل األرض إذا كان راكبها‪.‬ولقد جاء‬ ‫(‪ )1‬ديوانه (ق‪ /122‬أ – نسخة دار الكتب الوطنية بتونس)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه النسائي يف الكربى‪ :‬كتاب التفسري‪ ،‬ابب قوله تعاىل‪ { :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ}‪ ،‬رقم (‪ ،)11326‬واحلاكم (‪/2‬‬ ‫‪ ،)377 ،242‬والبيهقي يف األمساء والصفات (‪ )477‬بنحوه‪ ،‬من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬ابب كيف كان بدء الوحي‪ ،‬رقم (‪ ،)3‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب بدء الوحي إىل رسول هللا ‪،‬‬ ‫رقم (‪ ،)252 /182‬من حديث عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬ ‫(‪ )4‬رواه الطرباين يف الكبري (‪ 188 /6‬رقم ‪ ،)7874‬وأبو نعيم يف احللية (‪ )28 /12‬من حديث أيب أمامة ‪.‬‬ ‫وقال اهليثمي يف جممع الزوائد رقم (‪« :)72 /4‬رواه الطرباين يف الكبري‪ ،‬وفيه عفري بن معدان‪ ،‬وهو ضعيف»‪.‬‬ ‫(‪ )5‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬ابب كيف كان بدء الوحي‪ ،‬رقم (‪ ،)2‬ومسلم‪ :‬كتاب الفضائل‪ ،‬ابب عرق النيب ‪ ‬يف الربد‪ ،‬رقم‬ ‫(‪ ،)67 /2333‬من حديث عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن اثبت فثقلت عليه حل كادت ترضها(‪.)1‬‬ ‫الخامس ‪ :‬أنه يرى امللك يف صورته اليت خلق عليها‪ ،‬فيوحي إليه ما شاء هللا أن يوحيه‪ ،‬وهذا وقع له‬ ‫مرتني كما ذكر هللا ذلك يف [النجم‪.)2(]13 ،7 :‬‬ ‫الساد ‪ :‬ما أوحاه هللا وهو فوق السماوات ليلة املعراج من فرض الصالة وغريها‪.‬‬ ‫السابع ‪ :‬كالم هللا له منه إليه بال واسطة ملك‪ ،‬كما كلم هللا موسى بن عمران‪ ،‬وهذه املرتبة هي اثبتة‬ ‫ملوسى قطعا بنص القرآن‪ ،‬وثبوهتا لنبينا ‪ ‬هو يف حديث اإلسراء(‪.)3‬‬ ‫وقد زاد بعضهم مرتبة اثمنة‪ ،‬وهي تكليم هللا له كفاحا من غري حجاب‪ ،‬وهذا على مذهب من يقول‪:‬‬ ‫إنه ‪ ‬رأى ربه تبارك وتعاىل‪ ،‬وهي مسألة خالف بني السلف واخللف‪ ،‬وإن كان مجهور الصحابة بل كلهم‬ ‫مع عائشة كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي(‪ )4‬إمجاعا للصحابة‪.‬‬ ‫‪ ‬ختانه ‪:‬‬ ‫وقد اختلف فيه على ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫أح ها‪ :‬أنه ولد خمتوان مسرورا‪ ،‬وروي يف ذلك حديث ال يصح‪ ،‬ذكره أبو الفرج بن اجلوزي يف‬ ‫املوضوعات(‪ )5‬وليس فيه حديث اثبت‪ ،‬وليس هذا من خواصه‪ ،‬فإن كثريا من الناس يولد خمتوان‪.‬‬ ‫ال اني‪ :‬أنه خنت ‪ ‬يوم شق قلبه املالئكة(‪ )8‬عند ظئره حليمة‪.‬‬ ‫الق‬ ‫ال الث‪ :‬أن جده عبد املطلب ختنه يوم سابعه وصنع له مأدبة ومساه دمحما‪.‬‬ ‫الق‬ ‫‪ ‬أمهاته ‪ ‬وح اضنه‪:‬‬ ‫فمنهن ثويبة موالة أيب هلب‪ ،‬أرضعته أايما وأرضعت معه أاب سلمة عبد هللا بن عبد األسد املخزومي‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬ابب قول هللا تعاىل { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ}‪ ،‬رقم (‪،)2632‬‬ ‫ومسلم‪ :‬كتاب اإلمارة‪ ،‬ابب سقوط فرض اجلهاد عن املعذورين‪ ،‬رقم (‪ ،)141 /1676‬من حديث زيد بن اثبت ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه‪ :‬مسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب معىن قول هللا ‪ { :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ}‪ ،‬رقم (‪ ،)267 /177‬من حديث عائشة رضي هللا‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب مناقب األنصار‪ ،‬ابب املعراج‪ ،‬رقم (‪ ،)3667‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب اإلسراء برسول هللا ‪ ،‬رقم (‪/182‬‬ ‫‪ ،)257‬من حديث أنس بن مالك ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬يف النقض على املريسي (‪ -736 /2‬ط الرشد)‪ ،‬وانظر أيضا‪ :‬اجتماع اجليوش اإلسالمية (ص ‪.)22‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‪« :‬العلل املتناهية يف األحاديث الواهية» البن اجلوزي (‪.)188 /1‬‬ ‫(‪ )8‬أخرجه الطرباين يف األوسط (‪ ،)5621‬وأبو نعيم يف دالئل النبوة (‪ ،)155 /1‬وابن عساكر يف اتريخ دمشق (‪.)412 /3‬‬ ‫وقال الذهيب يف اتريخ اإلسالم (‪« :)468 /1‬منكر»‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫بلنب ابنها مسروح‪ ،‬وأرضعت معهما عمه محزة بن عبد املطلب‪.‬واختلف يف إسالمها‪ ،‬فاهلل أعلم‪.‬‬ ‫مث أرضعته حليمة السعدية بلنب ابنها عبد هللا أخي أنيسة وجدامة وهي الشيماء أوالد احلارث بن‬ ‫عبد العزى بن رفاعة السعدي‪ ،‬واختلف يف إسالم أبويه من الرضاعة‪ ،‬فاهلل أعلم‪ ،‬وأرضعت معه ابن عمه أاب‬ ‫سفيان بن احلارث بن عبد املطلب‪ ،‬وكان شديد العداوة لرسول هللا ‪ ،‬مث أسلم عام الفتح وحسن‬ ‫إسالمه‪ ،‬وكان عمه محزة مسرتضعا يف بين سعد بن بكر‪ ،‬فأرضعت أمه رسول هللا ‪ ‬يوما وهو عند أمه‬ ‫حليمة‪ ،‬فكان محزة رضيع رسول هللا ‪ ‬من جهتني‪ :‬من جهة ثويبة‪ ،‬ومن جهة السعدية‪.‬‬ ‫وأما حواضنه ‪:‬‬ ‫فمنهن أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كالب‪.‬‬ ‫ومنهن ثويبة وحليمة‪ ،‬والشيماء ابنتها وهي أخته من الرضاعة كانت حتضنه مع أمها‪ ،‬وهي اليت‬ ‫قدمت عليه يف وفد هوازن‪ ،‬فبسط هلا رداءه‪ ،‬وأجلسها عليه رعاية حلقها‪.‬‬ ‫ومنهن الفاضلة اجلليلة أم أمين بركة احلبشية‪ ،‬وكان ورثها من أبيه‪ ،‬وكانت دايته وزوجها من حبه‬ ‫زيد بن حارثة‪ ،‬فولدت له أسامة‪ ،‬وهي اليت دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النيب ‪ ‬وهي تبكي‪،‬‬ ‫فقاال‪ :‬اي أم أمين ما يبكيك فما عند هللا خري لرسوله؟ قالت‪ :‬إين ألعلم أن ما عند هللا خري لرسوله‪ ،‬وإمنا‬ ‫أبكي النقطاع خرب السماء‪ ،‬فهيجتهما على البكاء فبكيا(‪.)1‬‬ ‫* ** *** **** *** ** *‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬ابب من فضائل أم أمين‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬رقم (‪ )123 /2454‬من حديث أنس بن مالك ‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫ثال اً‪ :‬مبعث النبي ‪ ‬ود ته‬ ‫‪ ‬مبع ه ‪:‬‬ ‫بعثه هللا على رأس أربعني وهي سن الكمال‪.‬قيل‪ :‬وهلا تبعث الرسل‪ ،‬وأما ما يذكر عن املسيح أنه‬ ‫رفع إىل السماء وله ثالث وثالثون سنة فهذا ال يعرف له أثر متصل جيب املصري إليه‪.‬‬ ‫«وأول ما بدئ به رسول هللا ‪ ‬من أمر النبوة الرؤاي‪ ،‬فكان ال يرى رؤاي إالجاءت مثل فلق‬ ‫الصبح»(‪.)1‬قيل‪ :‬وكان ذلك ستة أشهر‪ ،‬ومدة النبوة ثالث وعشرون سنة‪ ،‬فهذه الرؤاي جزء من ستة‬ ‫وأربعني جزءا من النبوة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫مث أكرمه هللا تعاىل ابلنبوة‪ ،‬فجاءه امللك وهو بغار حراء‪ ،‬وكان حيب اخللوة فيه‪ ،‬فأول ما أنزل عليه‬ ‫{ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ} [العلق‪ ]1 :‬هذا قول عائشة واجلمهور‪.‬‬ ‫وقال جابر‪ :‬أول ما أنزل عليه {ﮬ ﮭﮮ} [املدثر‪ ،)2(]1 :‬والصحيح قول عائشة رضي هللا‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫‪ ‬ت ت ب د ته ‪:‬‬ ‫املرتبة األوىل‪ :‬النبوة‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬إنذار عشريته األقربني‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬إنذار قومه‪.‬‬ ‫الرابعة‪ :‬إنذار قوم ما أاتهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة‪.‬‬ ‫اخلامسة‪ :‬إنذار مجيع من بلغته دعوته من اجلن واإلنس إىل آخر الدهر‪.‬‬ ‫ة‪:‬‬ ‫‪ ‬الجه بال‬ ‫وأقام ‪ ‬بعد ذلك ثالث سنني يدعو إىل هللا سبحانه مستخفيا‪ ،‬مث نزل عليه {ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣﭤ} [احلجر‪.]74 :‬فأعلن ‪ ‬ابلدعوة وجاهر قومه ابلعداوة‪ ،‬واشتد األذى عليه‬ ‫وعلى املسلمني حل أذن هللا هلم ابهلجرتني‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬ابب كيف كان بدء الوحي‪ ،‬رقم (‪ ،)3‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب بدء الوحي إىل رسول هللا ‪،‬‬ ‫رقم (‪ ،)252 /182‬من حديث عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب تفسري القرآن‪ ،‬ابب {ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ}‪ ،‬رقم (‪ ،)4722‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب بدء‬ ‫الوحي إىل رسول هللا ‪ ،‬رقم (‪ ،)255 /181‬من حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫‪ ‬أ ماؤه ‪:‬‬ ‫وكلها نعوت ليست أعالما حمضة جملرد التعريف‪ ،‬بل أمساء مشتقة من صفات قائمة به توجب له‬ ‫املدح والكمال‪.‬‬ ‫فمنها دمحم‪ ،‬وهو أشهرها‪ ،‬وبه مسي يف التوراة صرحيا كما بيناه ابلربهان الواضح يف كتاب "جالء‬ ‫األفهام يف فضل الصالة والسالم على خري األانم"(‪ )1‬واملقصود أن امسه دمحم يف التوراة صرحيا مبا يوافق عليه‬ ‫كل عامل من مؤمين أهل الكتاب‪.‬‬ ‫ومنها أمحد‪ ،‬وهو االسم الذي مساه به املسيح لسر ذكرانه يف ذلك الكتاب‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬املتوكل‪ ،‬ومنها املاحي‪ ،‬واحلاشر‪ ،‬والعاقب‪ ،‬واملقفي‪ ،‬ونيب التوبة‪ ،‬ونيب الرمحة‪ ،‬ونيب امللحمة‪،‬‬ ‫والفاتح‪ ،‬واألمني‪.‬‬ ‫ويلحق هبذه األمساء‪ :‬الشاهد‪ ،‬واملبشر‪ ،‬والبشري‪ ،‬والنذير‪ ،‬والقاسم‪ ،‬والضحوك‪ ،‬والقتال‪ ،‬وعبد هللا‪،‬‬ ‫والسراج املنري‪ ،‬وسيد ولد آدم‪ ،‬وصاحب لواء احلمد‪ ،‬وصاحب املقام احملمود‪ ،‬وغري ذلك من األمساء؛ ألن‬ ‫أمساءه إذا كانت أوصاف مدح فله من كل وصف اسم‪ ،‬لكن ينبغي أن يفرق بني الوصف املختص به أو‬ ‫الغالب عليه ويشتق له منه اسم‪ ،‬وبني الوصف املشرتك فال يكون له منه اسم خيصه‪.‬‬ ‫وقال جبري بن مطعم‪ :‬مسى لنا رسول هللا ‪ ‬نفسه أمساء‪ ،‬فقال‪« :‬أان دمحم‪ ،‬وأان أمحد‪ ،‬وأان املاحي‬ ‫الذي ميحو هللا يب الكفر‪ ،‬وأان احلاشر الذي حيشر الناس على قدمي‪ ،‬والعاقب الذي ليس بعده نيب»(‪.)2‬‬ ‫وأمساؤه ‪ ‬نوعان‪:‬‬ ‫أح هما‪ :‬خاص ال يشاركه فيه غريه من الرسل‪ ،‬كمحمد‪ ،‬وأمحد‪ ،‬والعاقب‪ ،‬واحلاشر‪ ،‬واملقفي‪ ،‬ونيب‬ ‫امللحمة‪.‬‬ ‫وال اني‪ :‬ما يشاركه يف معناه غريه من الرسل ولكن له منه كماله‪ ،‬فهو خمتص بكماله دون أصله‪،‬‬ ‫كرسول هللا‪ ،‬ونبيه‪ ،‬وعبده‪ ،‬والشاهد‪ ،‬واملبشر‪ ،‬والنذير‪ ،‬ونيب الرمحة‪ ،‬ونيب التوبة‪.‬‬ ‫ش ح معاني أ مائه ‪:‬‬ ‫أما محم ‪ ،‬فهو اسم مفعول من محد فهو دمحم‪ ،‬إذا كان كثري اخلصال اليت حيمد عليها‪ ،‬ولذلك كان‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جالء األفهام البن القيم (ص‪.)215 :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب تفسري القرآن‪ ،‬ابب قوله تعاىل { ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ}‪ ،‬رقم (‪ ،)4678‬ومسلم‪ :‬كتاب الفضائل‪ ،‬ابب يف أمسائه‬ ‫‪ ،‬رقم (‪ ،)124 /2354‬من حديث جبري بن مطعم ‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫أبلغ من حممود‪ ،‬فإن حممودا من الثالثي اجملرد‪ ،‬ودمحم من املضاعف للمبالغة‪ ،‬فهو الذي حيمد أكثر مما حيمد‬ ‫غريه من البشر‪ ،‬وهلذا ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬مسي به يف التوراة لكثرة اخلصال احملمودة اليت وصف هبا هو ودينه‬ ‫وأمته يف التوراة‪ ،‬حل متىن موسى عليه الصالة والسالم أن يكون منهم‪.‬‬ ‫وأما أحم ‪ ،‬فهو على وزنة أفعل التفضيل مشتق أيضا من احلمد‪ ،‬فنقول‪ :‬تقدير أمحد على قول‬ ‫األولني‪ :‬أمحد الناس لربه‪ ،‬وعلى قول هؤالء‪ :‬أحق الناس وأوالهم أبن حيمد‪ ،‬فيكون كمحمد يف املعىن‪ ،‬إال‬ ‫أن الفرق بينهما أن "دمحما" هو كثري اخلصال اليت حيمد عليها‪ ،‬و"أمحد" هو الذي حيمد أفضل مما حيمد‬ ‫غريه‪ ،‬فمحمد يف الكثرة والكمية‪ ،‬وأمحد يف الصفة والكيفية‪ ،‬فيستحق من احلمد أكثر مما يستحق غريه‪،‬‬ ‫وأفضل مما يستحق غريه‪ ،‬فيحمد أكثر محد وأفضل محد محده البشر‪.‬فاالمسان واقعان على املفعول وهذا‬ ‫أبلغ يف مدحه وأكمل معىن‪.‬ولو أريد معىن الفاعل لسمي احلماد‪ ،‬أي كثري احلمد‪ ،‬فإنه ‪ ‬كان أكثر‬ ‫اخللق محدا لربه‪ ،‬فلو كان امسه أمحد ابعتبار محده لربه لكان األوىل به احلماد كما مسيت بذلك أمته‪.‬‬ ‫وأيضا‪ :‬فإن هذين االمسني إمنا اشتقا من أخالقه وخصائصه احملمودة اليت ألجلها استحق أن يسمى دمحما‬ ‫‪ ،‬وأمحد وهو الذي حيمده أهل السماء وأهل األرض وأهل الدنيا وأهل اآلخرة؛ لكثرة خصائله احملمودة اليت‬ ‫تفوق عد العادين وإحصاء احملصني‪ ،‬وقد أشبعنا هذا املعىن يف كتاب الصالة والسالم عليه ‪ ،‬وإمنا ذكران‬ ‫هاهنا كلمات يسرية اقتضتها حال املسافر وتشتت قلبه وتفرق مهته‪ ،‬وابهلل املستعان وعليه التكالن‪.‬‬ ‫وأما ا مه المت كل‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن «عبد هللا بن عمرو قال‪ :‬قرأت يف التوراة صفة النيب‬ ‫‪ :‬دمحم رسول هللا‪ ،‬عبدي ورسويل‪ ،‬مسيته املتوكل‪ ،‬ليس بفظ وال غليظ‪ ،‬وال سخاب يف األسواق‪ ،‬وال‬ ‫جيزي ابلسيئة السيئة‪ ،‬بل يعفو ويصفح‪ ،‬ولن أقبضه حل أقيم به امللة العوجاء‪ ،‬أبن يقولوا‪ :‬ال إله إال‬ ‫هللا»(‪ ،)1‬وهو ‪ ‬أحق الناس هبذا االسم؛ ألنه توكل على هللا يف إقامة الدين توكال مل يشركه فيه غريه‪.‬‬ ‫وأما الماحي‪ ،‬والحاش ‪ ،‬والمقفي‪ ،‬والعاقب‪ ،‬فقد فسرت يف حديث جبري بن مطعم‪ ،‬الماحي‪:‬‬ ‫هو الذي حما هللا به الكفر‪ ،‬ومل ميح الكفر أبحد من اخللق ما حمي ابلنيب ‪ ،‬فإنه بعث وأهل األرض كلهم‬ ‫كفار إال بقااي من أهل الكتاب‪ ،‬وهم ما بني عباد أواثن ويهود مغضوب عليهم ونصارى ضالني وصابئة‬ ‫دهرية ال يعرفون راب وال معادا‪ ،‬وبني عباد الكواكب‪ ،‬وعباد النار‪ ،‬وفالسفة ال يعرفون شرائع األنبياء‪ ،‬وال‬ ‫يقرون هبا‪ ،‬فمحا هللا سبحانه برسوله ذلك حل ظهر دين هللا على كل دين‪ ،‬وبلغ دينه ما بلغ الليل‬ ‫والنهار‪ ،‬وسارت دعوته مسري الشمس يف األقطار‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب البيوع‪ ،‬ابب كراهية السخب يف السوق‪ ،‬رقم (‪ ،)2125‬من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص ‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫وأما الحاش ‪ ،‬فاحلشر هو الضم واجلمع‪ ،‬فهو الذي حيشر الناس على قدمه‪ ،‬فكأنه بعث ليحشر‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫والعاقب‪ :‬الذي جاء عقب األنبياء‪ ،‬فليس بعده نيب‪ ،‬فإن العاقب هو اآلخر‪ ،‬فهو مبنزلة اخلامت‪ ،‬وهلذا‬ ‫مسي العاقب على اإلطالق‪ ،‬أي‪ :‬عقب األنبياء جاء بعقبهم‪.‬‬ ‫وأما المقفي فكذلك‪ ،‬وهو الذي قفى على آاثر من تقدمه‪ ،‬فقفى هللا به على آاثر من سبقه من‬ ‫الرسل‪ ،‬وهذه اللفظة مشتقة من القفو‪ ،‬يقال‪ :‬قفاه يقفوه‪ :‬إذا أتخر عنه‪ ،‬ومنه‪ :‬قافية الرأس‪ ،‬وقافية البيت‪،‬‬ ‫فاملقفي‪ :‬الذي قفى من قبله من الرسل فكان خامتهم وآخرهم‪.‬‬ ‫وأما نبي الت ب ‪ :‬فهو الذي فتح هللا به ابب التوبة على أهل األرض فتاب هللا عليهم توبة مل حيصل‬ ‫مثلها ألهل األرض قبله‪.‬وكان ‪ ‬أكثر الناس استغفارا وتوبة‪ ،‬حل كانوا يعدون له يف اجمللس الواحد مائة‬ ‫مرة‪« :‬رب اغفر يل وتب علي إنك أنت التواب الغفور»(‪.)1‬‬ ‫وكان يقول‪ « :‬اي أيها الناس توبوا إىل هللا ربكم فإين أتوب إىل هللا يف اليوم مائة مرة»(‪ ،)2‬وكذلك توبة‬ ‫أمته أكمل من توبة سائر األمم وأسرع قبوال وأسهل تناوال‪ ،‬وكانت توبة من قبلهم من أصعب األشياء‪،‬‬ ‫حل كان من توبة بين إسرائيل من عبادة العجل قتل أنفسهم‪ ،‬وأما هذه األمة فلكرامتها على هللا تعاىل‬ ‫جعل توبتها الندم واإلقالع‪.‬‬ ‫وأما نبي الملحم ‪ ،‬فهو الذي بعث جبهاد أعداء هللا‪ ،‬فلم جياهد نيب وأمته قط ما جاهد رسول هللا‬ ‫‪ ‬وأمته‪ ،‬واملالحم الكبار اليت وقعت وتقع بني أمته وبني الكفار مل يعهد مثلها قبله‪ ،‬فإن أمته يقتلون‬ ‫الكفار يف أقطار األرض على تعاقب األعصار‪ ،‬وقد أوقعوا هبم من املالحم ما مل تفعله أمة سواهم‪.‬‬ ‫وأما نبي ال حم ‪ ،‬فهو الذي أرسله هللا رمحة للعاملني‪ ،‬فرحم به أهل األرض كلهم مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬أما‬ ‫املؤمنون فنالوا النصيب األوفر من الرمحة‪ ،‬وأما الكفار فأهل الكتاب منهم عاشوا يف ظله وحتت حبله‬ ‫وعهده‪ ،‬وأما من قتله منهم هو وأمته فإهنم عجلوا به إىل النار وأراحوه من احلياة الطويلة اليت ال يزداد هبا إال‬ ‫شدة العذاب يف اآلخرة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أمحد‪ ،)21 /2( :‬وأبو داود‪ :‬كتاب الوتر‪ ،‬ابب يف االستغفار‪ ،‬رقم (‪ ،)1518‬والرتمذي‪ :‬كتاب الدعوات‪ ،‬ابب ما يقول إذا قام‬ ‫من اجمللس‪ ،‬رقم (‪ ،)3434‬وابن ماجه‪ :‬كتاب األدب‪ ،‬ابب االستغفار‪ ،‬رقم (‪ ،)3614‬من حديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪.‬‬ ‫وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الذكر والدعاء‪ ،‬ابب استحباب االستغفار واالستكثار منه‪ ،‬رقم (‪ ،)42 /2722‬من حديث ابن عمر رضي هللا‬ ‫عنهما‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫وأما الفاتح‪ ،‬فهو الذي فتح هللا به ابب اهلدى بعد أن كان مرجتا‪ ،‬وفتح به األعني العمي واآلذان‬ ‫الصم والقلوب الغلف‪ ،‬وفتح هللا به أمصار الكفار‪ ،‬وفتح به أبواب اجلنة‪ ،‬وفتح به طرق العلم النافع والعمل‬ ‫الصاحل ففتح به الدنيا واآلخرة والقلوب واألمساع واألبصار واألمصار‪.‬‬ ‫وأما األم ‪ ،‬فهو أحق العاملني هبذا االسم‪ ،‬فهو أمني هللا على وحيه ودينه‪ ،‬وهو أمني من يف السماء‪،‬‬ ‫وأمني من يف األرض‪ ،‬وهلذا كانوا يسمونه قبل النبوة األمني‪.‬‬ ‫وأما الضح ك القتا ‪ ،‬فامسان مزدوجان ال يفرد أحدمها عن اآلخر‪ ،‬فإنه ضحوك يف وجوه املؤمنني‬ ‫غري عابس وال مقطب وال غضوب وال فظ‪ ،‬قتال ألعداء هللا ال أتخذه فيهم لومة الئم‪.‬‬ ‫وأما البش ‪ ،‬فهو املبشر ملن أطاعه ابلثواب‪ ،‬والنذير املنذر ملن عصاه ابلعقاب‪.‬‬ ‫[اجلن‪]17 :‬‬ ‫ماه اهلل ب ه يف مواضع من كتابه منها‪ ،‬قوله‪{ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ}‬ ‫وق‬ ‫وقوله‪{ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ}‬ ‫[الفرقان‪]1 :‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ}‬ ‫وثبت عنه يف الصحيح أنه‬ ‫[البقرة‪]23 :‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ}‬ ‫[النجم‪]12 :‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ومساه هللا سراجا منريا‪ ،‬ومسى الشمس سراجا وهاجا‪،‬‬ ‫وال فخر»‬ ‫[يوم القيامة]‬ ‫قال‪« :‬أان سيد ولد آدم‬ ‫واملنري‪ :‬هو الذي ينري من غري إحراق‪ ،‬خبالف الوهاج فإن فيه نوع إحراق وتوهج‪.‬‬ ‫* ** *** **** *** ** *‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الفضائل‪ ،‬ابب تفضيل نبينا ‪ ‬على مجيع اخلالئق‪ ،‬رقم (‪ ،)3 /2276‬من حديث أيب هريرة ‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫رابعا‪ :‬ح اته ‪ ‬وم ختص به‬ ‫‪ ‬هج ته ‪:‬‬ ‫ملا كثر املسلمون وخاف منهم الكفار اشتد أذاهم له ‪ ‬وفتنتهم إايهم فأذن هلم رسول هللا ‪ ‬يف اهلجرة‬ ‫إىل احلبشة وقال‪« :‬إن هبا ملكا ال يظلم الناس عنده»(‪ )1‬فهاجر من املسلمني اثنا عشر رجال وأربع نسوة‪ ،‬منهم‬ ‫عثمان بن عفان‪ ،‬وهو أول من خرج ومعه زوجته رقية بنت رسول هللا ‪ ،‬فأقاموا يف احلبشة يف أحسن جوار‪،‬‬ ‫فبلغهم أن قريشا أسلمت‪ ،‬وكان هذا اخلرب كذاب فرجعوا إىل مكة‪ ،‬فلما بلغهم أن األمر أشد مما كان رجع منهم‬ ‫من رجع ودخل مجاعة‪ ،‬فلقوا من قريش أذى شديدا‪ ،‬وكان ممن دخل عبد هللا بن مسعود‪.‬‬ ‫مث أذن هلم يف اهلجرة اثنيا إىل احلبشة‪ ،‬فهاجر من الرجال ثالثة ومثانون رجال‪ ،‬إن كان فيهم عمار‪ ،‬فإنه‬ ‫يشك فيه‪ ،‬ومن النساء مثان عشرة امرأة‪ ،‬فأقاموا عند النجاشي على أحسن حال‪ ،‬فبلغ ذلك قريشا‪ ،‬فأرسلوا‬ ‫عمرو بن العاص‪ ،‬وعبد هللا بن أيب ربيعة يف مجاعة‪ ،‬ليكيدوهم عند النجاشي‪ ،‬فرد هللا كيدهم يف حنورهم‪.‬‬ ‫فاشتد أذاهم لرسول هللا ‪ ‬فحصروه وأهل بيته يف الشعب شعب أيب طالب ثالث سنني‪ ،‬وقيل‬ ‫سنتني‪ ،‬وخرج من احلصر وله تسع وأربعون سنة‪ ،‬وقيل مثان وأربعون سنة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك أبشهر مات عمه أبو طالب وله سبع ومثانون سنة‪.‬‬ ‫ويف الشعب ولد عبد هللا بن عباس‪ ،‬فنال الكفار منه أذى شديدا‪ ،‬مث ماتت خدجية بعد ذلك بيسري‪ ،‬فاشتد‬ ‫أذى الكفار له‪ ،‬فخرج إىل الطائف هو وزيد بن حارثة يدعو إىل هللا تعاىل‪ ،‬وأقام به أايما فلم جييبوه‪ ،‬وآذوه وأخرجوه‪،‬‬ ‫وقاموا له مساطني‪ ،‬فرمجوه ابحلجارة حل أدموا كعبيه‪ ،‬فانصرف عنهم رسول هللا ‪ ‬راجعا إىل مكة‪.‬‬ ‫ويف طريقه لقي عداسا النصراين‪ ،‬فآمن به وصدقه‪ ،‬ويف طريقه أيضا بنخلة صرف إليه نفر من اجلن‬ ‫سبعة من أهل نصيبني‪ ،‬فاستمعوا القرآن وأسلموا‪ ،‬ويف طريقه تلك أرسل هللا إليه ملك اجلبال أيمره بطاعته‬ ‫وأن يطبق على قومه أخشيب مكة‪ ،‬ومها جبالها إن أراد‪ ،‬فقال‪« :‬ال‪ ،‬بل أستأين هبم‪ ،‬لعل هللا خيرج من‬ ‫أصالهبم من يعبده ال يشرك به شيئا»(‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬رواه ابن إسحاق يف السرية (ص ‪ -174‬ط‪.‬دار الفكر) من حديث أم سلمة رضي هللا عنها‪ ،‬وانظر‪ :‬سرية ابن هشام (‪.)321 /1‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب بدء اخللق‪ ،‬ابب إذا قال أحدكم‪ :‬آمني واملالئكة يف السماء‪ ،‬رقم (‪ ،)3231‬ومسلم‪ :‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬ابب‬ ‫ما لقي النيب ‪ ‬من أذى املشركني واملنافقني‪ ،‬رقم (‪ ،)111 /1775‬من حديث عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬بلفظ‪« :‬بل أرجوا هللا أن خيرج‬ ‫من‪ ،»...‬وأما اللفظ‪« :‬بل أستأين هبم» أخرجه أمحد (‪ ،)2333‬والبزار (‪ -2225‬كشف األستار)‪ ،‬والنسائي يف الكربى (‪،)11288‬‬ ‫وصححه احلاكم (‪ )374 /2‬من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫م ‪402‬‬ ‫مق ر ال قا ا‬ ‫ويف طريقه دعا بذلك الدعاء املشهور «اللهم إليك أشكو ضعف قويت‪ ،‬وقلة حيليت‪ )1(»...‬احلديث‪،‬‬ ‫مث دخل مكة يف جوار املطعم بن عدي‪ ،‬مث أسري بروحه وجسده إىل املسجد األقصى‪ ،‬مث عرج به إىل فوق‬ ‫السماوات جبسده وروحه إىل هللا ‪ ،‬فخاطبه وفرض عليه الصلوات‪ ،‬وكان ذلك مرة واحدة‪ ،‬هذا أصح‬ ‫األقوال‪.‬وكان ذلك بعد املبعث ابالتفاق‪.‬‬ ‫فأقام ‪ ‬مبكة ما أقام يدعو القبائل إىل هللا تعاىل ويعرض نفسه عليهم يف كل موسم أن يؤووه حل‬ ‫يبلغ رسالة ربه وهلم اجلنة‪ ،‬فلم تستجب له قبيلة‪ ،‬وادخر هللا ذلك كرامة لألنصار‪ ،‬فلما أراد هللا تعاىل إظهار‬ ‫دينه وإجناز وعده ونصر نبيه وإعالء كلمته واالنتقام من أعدائه‪ ،‬ساقه إىل األنصار ملا أراد هبم من الكرامة‪،‬‬ ‫فانتهى إىل نفر منهم ستة‪ ،‬وقيل‪ :‬مثانية وهم حيلقون رءوسهم عند عقبة مىن يف املوسم فجلس إليهم ودعاهم‬ ‫إىل هللا‪ ،‬وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا هلل ورسوله‪ ،‬ورجعوا إىل املدينة‪ ،‬فدعوا قومهم إىل اإلسالم حل فشا‬ ‫فيهم ومل يبق دار من دور األنصار إال وفيها ذكر من رسول هللا ‪ ،‬فأول مسجد قرئ فيه القرآن ابملدينة‬ ‫مسجد بين زريق‪.‬‬ ‫مث قدم مكة يف العام القابل اثنا عشر رجال من األنصار‪ ،‬منهم مخسة من الستة األولني‪ ،‬فبايعوا‬ ‫رسول هللا ‪ ‬على بيعة النساء عند العقبة‪ ،‬مث انصرفوا إىل املدينة‪.‬‬ ‫فقدم عليه يف العام القابل منهم ثالثة وسبعون رجال وامرأاتن‪ ،‬وهم أهل العقبة األخرية فبايعوا‬ ‫رسول هللا ‪ ‬على أن مينعوه مما مينعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم‪ ،‬فرتحل هو وأصحابه إليهم‪ ،‬?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser