مقرر الثقافة الإسلامية 202 مختصر PDF

Summary

هذا ملخص لمقرر الثقافة الإسلامية لعام 202. يغطي المقرر مصادر الثقافة الإسلامية، بما في ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى مصادر فرعية مثل الإجماع والقياس.

Full Transcript

‫مقرر الثقافة اإلسالمية‬ ‫(‪)202‬‬ ‫خمتصرا‬ ‫‪1‬‬ ‫فضًل عن كونه طالب‬ ‫يهدف هذا املقرر إىل التعريف مبوضوع يف غاية األمهية ال يستغين عنه مسلم ا‬ ‫علم‪ ،‬أال وهو معرفة من أين يستقي املسلم دينه‪ ،‬وعقيدته‪ ،‬وعباداته‪ ،‬وتشريعاته‪ ،‬وأخًلقه‪ ،‬وما هو‬ ‫املصدر احلق...

‫مقرر الثقافة اإلسالمية‬ ‫(‪)202‬‬ ‫خمتصرا‬ ‫‪1‬‬ ‫فضًل عن كونه طالب‬ ‫يهدف هذا املقرر إىل التعريف مبوضوع يف غاية األمهية ال يستغين عنه مسلم ا‬ ‫علم‪ ،‬أال وهو معرفة من أين يستقي املسلم دينه‪ ،‬وعقيدته‪ ،‬وعباداته‪ ،‬وتشريعاته‪ ،‬وأخًلقه‪ ،‬وما هو‬ ‫املصدر احلق الذي يعتمد عليه يف ذلك كله‪ ،‬واملسلك القومي‪ ،‬الذي يسلكه املسلم جتاه مصادر دينه‬ ‫لتتحقق له السعادة األبدية يف الدارين‪.‬‬ ‫ويتناول هذا املقرر املوضوعات التالية‪:‬‬ ‫أوًل‪ :‬املصادر الرئيسية‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ – 1‬القرآن الكرمي كًلم هللا سبحانه‪.‬‬ ‫‪ – 2‬السنة النبوية‪.‬‬ ‫اثنيا‪ :‬املصادر الفرعية‪:‬‬ ‫وبعد الوقوف على هذه املصادر الرئيسية نقف على بعض املصادر الفرعية املستندة إىل الكتاب‬ ‫والسنة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ -1‬اإلمجاع‪ :‬تعريفه‪ ،‬وأنواعه وحكمه وشروطه‪.‬‬ ‫‪ -2‬القياس‪ :‬تعريفه‪ ،‬أدلته‪ ،‬أركانه‪ ،‬شروطه‪.‬‬ ‫‪ -3‬االجتهاد‪ :‬تعريفه‪ ،‬ومشروعيته‪ ،‬شروط اجملتهد‪ ،‬وكون االجتهاد مستنبطاا من الكتاب‬ ‫معتمدا عليهما‪.‬‬ ‫ا‬ ‫والسنة‬ ‫‪ -4‬الفتوى‪ :‬تعريفها‪ ،‬أمهيتها‪ ،‬شروط املفيت‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأثرها على املستفيت‬ ‫إن هذه املصادر تتميز بثالثة ركائز رئيسة‪ ،‬وهي على النحو اآليت‪:‬‬ ‫فالركيزة األوىل‪ :‬هي أن هذه املصادر رابنية‪ ،‬أساسها وحي هللا تعاىل لنبيه حممد ‪‬‬ ‫نظرا لكون هذه املصادر رابنية نزلت من عند هللا؛ فهي اتمة وكاملة؛ وموفية بكل‬ ‫الركيزة الثانية‪ :‬ا‬ ‫ضرورة وحاجة لإلنسان‪ ،‬واملصادر الفرعية فهي راجعة إىل األصول الرئيسة من الكتاب والسنة‪ ،‬وليست‬ ‫خارجة عنهما‪.‬‬ ‫الركيزة الثالثة‪ :‬بناء على ما تقدم فإنه البد من الرضا والتسليم واالنقياد التام هلذه املصادر دون زايدة‬ ‫عليها وال نقصان منها‪ ،‬رضا بًل تردد‪ ،‬وتسليم بًل كراهية‪ ،‬وانقياد واتباع بًل خمالفة أو اعرتاض‪.‬وذلك‬ ‫لكوهنا رابنية وكاملة‪ ،‬وهذه مكانتها اليت ال تقبل غريها‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫أوًل‪ :‬القرآن الكرمي وعلومه‬ ‫القرآن الكرمي – مصدره وتوثيقه وقراءاته‬ ‫تعريف القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫القرآن لغة‪ :‬يف األصل مصدر‪ ،‬من قرأ يقرأ قراءة ا‬ ‫وقرآن‪.‬‬ ‫جامعا لثمرة كتبه‪ ،‬جلمعه مثرة‬ ‫قرآن من بني كتب هللا لكونه ا‬ ‫قال بعض العلماء‪ :‬تسمية هذا الكتاب ا‬ ‫مجيع العلوم‪ ،‬وقد يطلق القرآن على الصًلة ألن فيها قراءة‪ ،‬من ابب تسمية الشيء ببعضه‪ ،‬وعلى‬ ‫القراءة نفسها‪.‬‬ ‫تعريف القرآن اصطالحا‪:‬‬ ‫(هو كًلم هللا املعجز‪ ،‬املنزل على نبينا حممد ‪ ‬بلفظه ومعناه املكتوب يف املصاحف‪ ،‬املنقول عنه‬ ‫ابلتواتر‪ ،‬املتعبد بتًلوته)‪.‬‬ ‫وهذا التعريف اشتمل على أهم خصائص القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أنه كًلم هللا سبحانه وتعاىل‪.‬فهو (غري خملوق) ألن كًلم هللا من صفاته تعاىل‪،‬‬ ‫وليس شيء من صفاته تعاىل خملوقاا‪.‬‬ ‫‪ -2‬املعجز املتحدَّى به البلغاء من العرب وغريهم أن أيتوا مبثله‪ ،‬أو ببعض سوره‬ ‫وآايته‪ ،‬مع استمرار التحدي به‪.‬‬ ‫‪ -3‬منزل على نبينا حممد ‪ ‬ليخرج الكًلم الذي نزل على من قبله من األنبياء‬ ‫واملرسلني كالتوراة على موسى‪ ،‬واإلجنيل املنزل على عيسى‪ ،‬والزبور املنزل على داود‪،‬‬ ‫أيضا الكًلم اإلهلي الذي استأثر‬ ‫والصحف املنزلة على إبراهيم عليهم السًلم؛ وكذلك خيرج ا‬ ‫هللا به يف نفسه‪ ،‬أو ألقاه إىل مًلئكته ليعملوا به ال لينزلوه على أحد من البشر‪ ،‬إذ ليس كل‬ ‫كًلمه تعاىل منزاال‪ ،‬بل الذي أنزل منه قليل من كثري‪.‬‬ ‫املتقرب إىل هللا تعاىل بقراءته‪ ،‬املأمور بقراءته يف‬ ‫‪ -4‬وأما قيد (املتعبد بتًلوته) أي َّ‬ ‫الصًلة وغريها على وجه العبادة‪ ،‬فأخرج األحاديث القدسية املسندة إىل هللا تعاىل‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫أوًل‪ :‬ظاهرة الوحي‪:‬‬ ‫ظاهرة الوحي هي مبدأ اتصال عامل الغيب ابلعامل الشهادة‪.‬‬ ‫تعريف الوحي لغة واصطالحا‪:‬‬ ‫الوحي لغة‪ :‬اإلعًلم اخلفي السريع اخلاص مبن يوجه إليه حبيث خيفى على غريه‪.‬‬ ‫ويدخل حتته‪ :‬أنواع الوحي لغة‪:‬‬ ‫َل َه َذا الْ ُق ْرآَ ُن ِألُنْ ِذ َرُك ْم بِِه َوَم ْن بَلَ َغ} [األنعام‪.]19 :‬‬ ‫‪ )1‬اإلرسال كما قال تعاىل {وأ ِ‬ ‫ُوح َي إِ ََّ‬ ‫َ‬ ‫اَّت ِذي ِم َن‬ ‫ك إِ َىل النَّح ِل أ َِن َِّ‬ ‫ْ‬ ‫‪ )2‬اإلهلام الغريزي‪ ،‬كالوحي إىل النحل‪ ،‬قال هللا تعاىل‪َ :‬‬ ‫{وأ َْو َحى َربُّ َ‬ ‫َّج ِر َوِِمَّا يَ ْع ِر ُشو َن} اآلايت [النحل‪.]68 :‬‬ ‫ا ْجلِب ِال ب ي ا ِ‬ ‫وات َوم َن الش َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫‪ )3‬إهلام اخلواطر مبا يلقيه هللا سبحانه يف ُروع اإلنسان السليم الفطرة الطاهر الروح‪ ،‬كالوحي إىل‬ ‫ت َعلَْي ِه فَأَلْ ِق ِيه ِيف الْيَ ِم َوَال ََّتَ ِايف‬ ‫أم موسى‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬وأَوحي نَا إِ َىل أُِم موسى أَ ْن أَر ِضعِ ِيه فَإِذَا ِخ ْف ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫ني} [القصص‪.]7 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وَال َْحتزِِن إِ َّن ر ُّادوه إِلَي ِ‬ ‫ك َو َجاعلُوهُ م َن الْ ُم ْر َسل َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫وحو َن إِ َىل أ َْولِيَائِ ِه ْم لِيُ َج ِادلُوُك ْم} [األنعام‪:‬‬ ‫ني لَيُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫{وإِ َّن الشَّيَاط َ‬ ‫‪ )4‬وسوسة الشيطان‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬ ‫ف الْ َق ْوِل‬ ‫ض ُه ْم إِ َىل بَ ْع ٍّ‬ ‫اإلنْ ِ ِ ِ‬ ‫ني ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ُز ْخ ُر َ‬ ‫س َوا ْجل ِن يُوحي بَ ْع ُ‬ ‫ك َج َع ْلنَا ل ُك ِل نَِ ٍّب َع ُد ًّوا َشيَاط َ‬‫{وَك َذل َ‬ ‫‪َ ،]121‬‬ ‫غُُر اورا} [األنعام‪.]112 :‬‬ ‫ك إِ َىل الْ َم ًَلئِ َك ِة‬ ‫وحي َربُّ َ‬ ‫‪ )5‬ما يلقيه هللا تعاىل إىل املًلئكة من أمر ليفعلوه‪ ،‬كما يف قوله {إِ ْذ ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫اض ِربُوا ِمْن ُه ْم‬ ‫اض ِربوا فَو َق ْاأل َْعنَ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫اق َو ْ‬ ‫ب فَ ْ ُ ْ‬ ‫الر ْع َ‬ ‫ين آَ َمنُوا َسأُلْقي ِيف قُلُوب الذ َ‬ ‫ين َك َف ُروا ُّ‬ ‫أَِِن َم َع ُك ْم فَثَبتُوا الذ َ‬ ‫ان} [األنفال‪.]12 :‬‬ ‫ُك َّل ب نَ ٍّ‬ ‫َ‬ ‫{وأ َْو َحى ِيف ُك ِل ََسَ ٍّاء أ َْمَرَها} [فصلت‪،]12 :‬‬ ‫‪ )6‬األمر الكوِن للجمادات كما قال تعاىل َ‬ ‫اإلنْ َسا ُن َما َهلَا (‪ )3‬يَ ْوَمئِ ٍّذ‬ ‫ال ِْ‬ ‫ض أَثْ َقا َهلَا (‪َ )2‬وقَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِزلَْزا َهلَا (‪َ )1‬وأ ْ‬ ‫َخَر َجت ْاأل َْر ُ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله‪{ :‬إِذَا ُزلْ ِزلَت ْاأل َْر ُ‬ ‫ك أ َْو َحى َهلَا} [الزلزلة‪.]5 – 1 :‬‬ ‫َخبَ َارَها (‪ِِ )4‬ب ََّن َربَّ َ‬ ‫ثأْ‬ ‫ُحتَ ِد ُ‬ ‫‪ )7‬اإلشارة السريعة على سبيل الرمز واإلحياء‪ ،‬كإحياء زكراي عليه السًلم إىل قومه كما قال تعاىل‬ ‫اب فَأ َْو َحى إِلَْي ِه ْم أَ ْن َسبِ ُحوا بُك َْرةا َو َع ِشيًّا} [مرمي‪.]11 :‬‬ ‫{فَ َخرج َعلَى قَوِم ِه ِمن الْ ِم ْحر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫وقد حتقق يف وحي هللا تعاىل إىل أنبيائه املعنيان األصليان هلذه املادة ومها‪ :‬اخلفاء والسرعة‪.‬‬ ‫تعريف الوحي اصطالحا وشرعا‪ :‬إعًلم هللا أنبياءه مبا يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب‪،‬‬ ‫بواسطة أو غري واسطة‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫صور الوحي‪:‬‬ ‫ِ ِ ِ ٍّ‬ ‫اب أَو ي رِسل رس اوال فَي ِ‬ ‫{وَما َكا َن لِبَ َش ٍّر أَ ْن يُ َكلِ َمهُ َّ‬ ‫وح َي‬‫اَّللُ إَِّال َو ْحياا أ َْو م ْن َوَراء ح َج ْ ُْ َ َ ُ ُ‬ ‫قال هللا تعاىل‪َ :‬‬ ‫يم} [الشورى‪.]51 :‬فقد حددت هذه اآلية الكرمية صور الوحي للنب ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫ِب ْذنه َما يَ َشاءُ إنَّهُ َعل ٌّي َحك ٌ‬ ‫ومراتب الوحي‪:‬‬ ‫‪ -1‬إلقاء املعىن يف القلب‪ ،‬وهو الذي عُّب عنه ابلوحي يف اآلية – وإن كان اجلميع‬ ‫الروع – ابلضم – وهو القلب واخللد واخلاطر‪.‬‬ ‫وحياا – وقد يدعى ابلنفث يف ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ويكون ذلك يف اليقظة كما يف قوله تعاىل‪{ :‬إِ َّن أَنْزلْنَا إِلَي َ ِ‬ ‫َّاس‬ ‫اب ِاب ْحلَ ِق لتَ ْح ُك َم بَْ َ‬ ‫ني الن ِ‬ ‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫يما} [النساء‪.]105 :‬أو يف املنام‪ ،‬وهي الرؤاي الصادقة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِمبَا أ ََر َاك َّ‬ ‫ني َخص ا‬‫اَّللُ َوَال تَ ُك ْن للْ َخائن َ‬ ‫ألن رؤاي األنبياء حق‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكالم من وراء حجاب‪ ،‬يكلمه هللا تعاىل بكًلم يسمعه وال يرى املتكلم سبحانه‬ ‫وتعاىل‪ ،‬وقد كلم هللا سبحانه موسى عليه السًلم‪ ،‬من وراء حجاب – كما قال تعاىل‪{ :‬فَلَ َّما‬ ‫وسى إِِِن أ ََن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ود ِ‬‫ِ‬ ‫ب‬‫اَّللُ َر ُّ‬ ‫َّجَرِة أَ ْن َاي ُم َ‬ ‫ي م ْن َشاط ِئ الْ َواد ْاأل َْميَ ِن ِيف الْبُ ْق َعة الْ ُمبَ َارَكة م َن الش َ‬ ‫أ ََات َها نُ َ‬ ‫حممدا صلى هللا عليه‬ ‫ني} [القصص‪.]30 :‬وكذلك حني كلم هللا سبحانه وتعاىل نبينا ا‬ ‫ِ‬ ‫الْ َعالَم َ‬ ‫وسلم ليلة اإلسراء واملعراج‪.‬‬ ‫‪ -3‬تكليم النيب ‪ ‬بواسطة جربيل عليه السالم‪ ،‬وكان جّبيل أييت إىل النب ‪ ‬بعدة‬ ‫صفات وأحوال وهي‪:‬‬ ‫أ – ظهور جّبيل عليه السًلم‪ ،‬لرسول هللا ‪ ‬بصورته امللكية احلقيقية‪.‬‬ ‫ب – أن أيتيه يف مثل صلصلة اجلرس‪.‬‬ ‫رجًل فيكلمه فيعي عنه ما يقول‬ ‫ج – أن يتمثل له امللك ا‬ ‫نزول القرآن واحلكمة من تنجيمه‪:‬‬ ‫النزول األول‪ :‬لقد نزل القرآن الكرمي من اللوح احملفوظ إىل السماء الدنيا يف بيت العزة‪ ،‬مجلة‬ ‫ِِ‬ ‫ٍّ ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ين} [الدخان‪1 :‬‬‫واحدة كما جاءت اآلايت يف ذلك منها قوله‪{ :‬إ َّن أَنْ َزلْنَاهُ ِيف لَْي لَة ُمبَ َارَكة إ َّن ُكنَّا ُمنْذر َ‬ ‫– ‪.]3‬‬ ‫عاما‪،‬‬ ‫ومنجما يف أوقات خمتلفة يف ثًلثة وعشرين ا‬ ‫ا‬ ‫النزول الثاين‪ :‬نزوله على رسول هللا ‪ ‬مفرقاا‬ ‫ْث َونََّزلْنَاهُ تَنْ ِز ايًل} [اإلسراء‪.]106 :‬‬ ‫َّاس علَى مك ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫{وقُ ْرآَ ان فَ َرقْ نَاهُ لتَ ْقَرأَهُ َعلَى الن ِ َ ُ‬ ‫قال عز وجل‪َ :‬‬ ‫ك الَّ ِذي َخلَ َق (‪َ )1‬خلَ َق‬ ‫وكان أول ما نزل من القرآن الكرمي قوله عز وجل‪{ :‬اقْ َرأْ ِاب ْس ِم َربِ َ‬ ‫ك ْاألَ ْكرُم (‪ )3‬الَّ ِذي َعلَّم ِابلْ َقلَِم (‪َ )4‬علَّم ِْ‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنْ َسا َن َما َملْ يَ ْعلَ ْم} [العلق‪1 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْاإلنْ َسا َن م ْن َعلَق (‪ )2‬اقْ َرأْ َوَربُّ َ َ‬ ‫– ‪.]5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫أما آخر ما نزل من القرآن الكرمي على قلب رسول هللا ‪‬هي قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫{واتَّ ُقوا يَ ْواما تُ ْر َجعُو َن‬ ‫ت َوُه ْم َال يُظْلَ ُمو َن} [البقرة‪.]281 :‬وقد روي أن النب ‪ ‬تويف‬ ‫س َما َك َسبَ ْ‬ ‫فِ ِيه إِ َىل َّ‬ ‫اَّللِ ُُثَّ تُ َو ََّّف ُك ُّل نَ ْف ٍّ‬ ‫بعد نزول هذه اآلية بتسع ليال فقط‪.‬‬ ‫احلكمة من نزول القرآن الكرمي منجما‪:‬‬ ‫منجما على دفعات‪ ،‬يف هذه املدة الطويلة‪ ،‬ويف مرحلتني (مكية‬ ‫ا‬ ‫لقد كان لنزول القرآن الكرمي‬ ‫ومدنية) كان له فوائد وحكم كثرية‪ ،‬بعضها يتصل بشخص النب الكرمي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وبعضها‬ ‫اآلخر يتصل ابجملتمع اإلسًلمي الوليد الذي كانت تنزل عليه اآلايت‪ ،‬وبعض هذه احلكم يتصل ابلنص‬ ‫القرآِن نفسه‪ ،‬فمن هذه احلكم‪:‬‬ ‫‪ – 1‬تثبيت فؤاد النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ – 2‬الرد على مزاعم املشركني وشبههم واعرتاضاهتم‪.‬‬ ‫‪ – 3‬رسم صورة جمتمع املنافقني واملشركني‪...‬وفضح أساليبهم ونواايهم‬ ‫‪ – 4‬لتسهيل حفظ القرآن على رسول هللا ‪‬وعلى املؤمنني‪.‬‬ ‫‪ – 5‬تربية األمة الناشئة وإعدادها لبنة لبنة‪...،‬وقد أشارت أم املؤمنني عائشة رضي هللا عنها‬ ‫إىل هذه احلكمة البليغة يف تنجيم القرآن‪ ،‬فقالت‪" :‬إمنا نزل أول ما نزل منه سورة من املفصل فيها‬ ‫ذكر اجلنة والنار‪ ،‬حىت إذا اثب الناس إىل اإلسالم نزل احلالل‪ ،‬واحلرام ولو نزل أول شيء ًل‬ ‫تشربوا اخلمر لقالوا‪ً :‬ل ندع اخلمر أبدا‪ ،‬ولو نزل ًل تزنوا لقالوا‪ً :‬ل ندع الزان أبدا‪ ،‬لقد نزل مبكة‬ ‫اعةُ أ َْد َهى َوأ ََمُّر} [القمر‪.]46 :‬وما نزلت‬ ‫اعةُ َم ْوعِ ُد ُه ْم َو َّ‬ ‫الس َ‬ ‫على حممد ‪ ‬وإين جلارية ألعب {بَ ِل َّ‬ ‫الس َ‬ ‫سورة البقرة والنساء إًل وأان عنده"(‪.)1‬‬ ‫‪ – 6‬ولعل من أهم حكم تنجيم القرآن الكرمي‪ :‬الدًللة على إعجازه وإثبات مصدره من هللا‬ ‫تعاىل‪.‬فرغم تباعد نزول آايته وسوره فإننا جند القرآن الكرمي متس اقا هذا االتساق املعجز‪ ،‬منسق اآلايت‬ ‫والسور‪ ،‬حمكم السرد‪ ،‬دقيق السبك‪ ،‬قوي األسلوب‪.‬‬ ‫مجع القرآن الكرمي وتدوينه‪:‬‬ ‫من عناية هللا سبحانه وتعاىل أن يسر وهيأ لألمة األسباب اليت تكفل للقرآن الكرمي احلفظ والبقاء‬ ‫من خًلل مجع القرآن حفظاا وكتابة يف حياة رسول هللا ‪ُ ،‬ث تتابع اخللفاء على ذلك‪ ،‬خاصة يف عهد‬ ‫أيب بكر الصديق‪ ،‬وعهد عثمان رضي هللا عنهما؛ ولذا ميكن أن نقسم مراحل مجع القرآن الكرمي وتدوينه‬ ‫إىل مراحل ثًلث ونوجزها فيما يلي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4993‬‬ ‫‪6‬‬ ‫املرحلة األوىل‪ :‬حفظ القرآن الكرمي وكتابته يف حياة رسول هللا ‪:‬‬ ‫أ – احلفظ واجلمع يف الصدور‪:‬‬ ‫لقد كان سيد احلفاظ وأوهلم رسول هللا ‪‬الذي أنزل هللا عليه القرآن مفرقاا ليقرأه على الناس على‬ ‫مكث‪ ،‬والذي تكفل هللا سبحانه له حبفظه ومجعه يف صدره‪.‬‬ ‫وقد كان جّبيل يقرأ القرآن على النب ‪‬يف كل عام مرة‪ ،‬حىت إذا دن حضور أجل رسول هللا ‪‬‬ ‫عارضه جّبيل ابلقرآن مرتني‪.‬‬ ‫ُث أييت دور الصحابة‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬الذين يتسابقون يف حفظ القرآن الكرمي واستظهاره‪.‬‬ ‫وكان من الذين اشتهروا حبفظ القرآن من الصحابة‪ :‬اخللفاء األربعة‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وسعد‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وأم‬ ‫املؤمنني عائشة‪ ،‬وأم املؤمنني حفصة‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وهؤالء كلهم من املهاجرين‪ ،‬رضوان هللا عليهم أمجعني‪.‬‬ ‫كما حفظه من األنصار يف حياة النب ‪ :‬أيب بن كعب‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وزيد بن اثبت‪ ،‬وأبو‬ ‫الدرداء‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫وميكن القول‪ :‬إن حفظهم للقرآن هبذه األعداد الكبرية ميثل جانباا من ألوان التوثيق‪.‬‬ ‫ب – الكتابة والتدوين‪:‬‬ ‫كتااب للوحي‪ ،‬أمرهم بكتابة كل ما ينزل من القرآن منهم‪:‬‬ ‫اَّتذ النب ‪ ‬ا‬ ‫اخللفاء األربعة‪ ،‬وزيد بن اثبت‪ ،‬وأُيب بن كعب‪ ،‬واثبت بن قيس‪ ،‬وغريهم‬ ‫فكانوا يكتبون ما ينزل من القرآن ِبمر من النب ‪ ،‬واستخدموا الوسائل املمكنة يف ذلك العهد‪،‬‬ ‫فكتبوا على رقاع اجللد‪ ،‬وجريد النخل‪ ،‬واألكتاف من عظام البعري أو الشاة‪ ،‬واألخشاب وقطع احلجر‬ ‫األبيض الرقيق املعروف ابللخاف‪.‬‬ ‫وزايدة يف التوثيق واالهتمام والدقة‪ ،‬هناهم رسول هللا ‪ ‬أن يكتبوا شيئاا غري القرآن‪ ،‬فقال ‪« :‬ال‬ ‫تكتبوا عين ومن كتب عين غري القرآن فليمحه»(‪ ،.)1‬وذلك – فيما يظهر – حىت تتوفر جهودهم‬ ‫ومهمهم على حفظ القرآن يف املقام األول‪.‬‬ ‫وخنلص من هذه املرحلة‪:‬‬ ‫وجود نسخ من القرآن الكرمي مكتوبة بني يديه ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫نسخ حمفوظة يف صدر رسول هللا ‪ ،‬وصدور أصحابه‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫املرحلة الثانية‪ :‬مجع القرآن الكرمي على عهد اخلليفة الراشد أيب بكر الصديق رضي هللا عنه‪:‬‬ ‫ مجع القرآن ِبشارة من عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)3004‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ سبب مجع القرآن‪ :‬هو اخلوف من أن "يذهب كثري من القرآن" بسبب استشهاد احلفاظ‪.‬‬ ‫ توىل اجلمع‪ :‬زيد بن اثبت رضي هللا عنه‪.‬‬ ‫منهج أيب بكر يف اجلمع‪:‬‬ ‫يتلخص منهج اجلمع‪ ،‬كما رسم لزيد وأمر بتنفيذه‪ ،‬على وجوب االعتماد على مصدرين‪:‬‬ ‫أوهلما‪ :‬ما كتب بني يدي النب ‪.‬‬ ‫واثنيهما‪ :‬ما كان حمفوظاا يف صدور الرجال‪.‬وكان زيد ال يقبل من أحد شيئاا حىت يشهد شاهدان‬ ‫على أن ذلك املكتوب كتب بني يدي رسول هللا ‪.‬‬ ‫املرحلة الثالثة‪ :‬نسخ املصاحف على عهد اخلليفة الراشد عثمان بن عفان رضي هللا عنه‪:‬‬ ‫ سبب نسخ القرآن‪ :‬انتشار القراء يف األمصار‪ ،‬تسبب يف تعدد القراءات‪ ،‬واختًلف‬ ‫القراء‪.‬‬ ‫ نسخ القرآن ِبشارة من‪ :‬حذيفة بن اليمان رضي هللا عنه حيث قَ ِد َم على عثمان‪ ،‬وكان‬ ‫يغازي أهل الشام‪ ،‬يف فتح إرمينية وأذربيجان‪ ،‬مع أهل العراق‪ ،‬فأفزع حذيفة اختًلفهم يف القراءة‪،‬‬ ‫فقال حذيفة لعثمان‪ :‬اي أمري املؤمنني‪ ،‬أدرك هذه األمة قبل أن خيتلفوا يف الكتاب‪ ،‬اختًلف اليهود‬ ‫والنصارى‪ ،‬فأرسل عثمان إىل حفصة؛ أن أرسلي إلينا ابلصحف ننسخها يف املصاحف‪ُ ،‬ث نردها‬ ‫إليك‪.‬‬ ‫ اللجنة اليت تولت نسخ القرآن‪ :‬زيد بن اثبت‪ ،‬وعبد هللا بن الزبري‪ ،‬وسعيد بن العاص‪،‬‬ ‫وعبد الرمحن بن احلارث بن هشام‪ ،‬وقال عثمان للرهط القرشيني الثًلثة‪ :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد بن‬ ‫اثبت يف شيء من القرآن‪ ،‬فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإمنا نزل بلساهنم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬حىت إذا نسخوا‬ ‫الصحف يف املصاحف‪ ،‬رد عثمان الصحف إىل حفصة‪ ،‬وأرسل إىل كل أفق مبصحف ِما نسخوا‪،‬‬ ‫وأمر مبا سواه من القرآن يف كل صحيفة‪ ،‬أو مصحف‪ ،‬أن ُحيرق‪.‬‬ ‫وقد استهدف اخلليفة الراشد عثمان رضي هللا عنه من عمله يف مجع القرآن ونشره وتعميمه أمرين‬ ‫أساسيني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬منع التماري يف القرآن والشجار بني املسلمني بشأن القراءات املختلفة‪.‬‬ ‫الثاِن‪ :‬محاية النص القرآِن ذاته من أي حتريف‪.‬‬ ‫ِميزات املصحف العثماِن‪:‬‬ ‫أ – كتابة القرآن بلغة قريش ألنه إمنا نزل بلساهنم‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫قرآن‪ ،‬كالشروح والتفاسري اليت كان يكتبها بعض‬ ‫ب – جردت املصاحف العثمانية من كل ما ليس ا‬ ‫الصحابة يف مصاحفهم‪.‬‬ ‫أخريا فإن عثمان رضي هللا عنه كلف اللجنة بنسخ املصاحف بعدد األمصار الرئيسة يف‬ ‫ج–و ا‬ ‫الدولة اإلسًلمية‪.‬‬ ‫القراءات القرآنية والقراء‪ ،‬واألحرف السبعة‪:‬‬ ‫إن املبدأ األساس يف نقل القرآن الكرمي هو التلقي واملشافهة ابتداء ابألخذ من النب صلى هللا عليه‬ ‫وسلم وَساع القرآن منه مشافهة‪ُ ،‬ث األخذ املتواتر عمن أخذ عنه الصحابة‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬وهكذا‬ ‫خل افا عن سلف‪ ،‬وثقة عن ثقة‪ ،‬حىت ينتهي إىل النب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫أيضا أن املصاحف مل تكن منقوطة وال مشكولة عندما كتبت يف زمن عثمان رضي هللا‬ ‫ومن املعلوم ا‬ ‫عنه‪ ،‬وتقرأ الكلمة القرآنية مبا تلقاها الصحابة الكرام‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬عن رسول هللا ‪ ،‬حيث إن‬ ‫جترد املصاحف العثمانية من التشكيل والنقط‪ ،‬فسح اجملال الستيعاب القراءات املروية عن رسول هللا‬ ‫رضي هللا عنه‪.‬‬ ‫تعريف القراءات وعددها‪:‬‬ ‫القراءات مجع قراءة‪ ،‬وهي يف اللغة مصدر َساعي لقرأ‪.‬‬ ‫والقراءات يف االصطًلح‪" :‬علم بكيفيات أداء كلمات القرآن‪ ،‬واختًلفها بعزو الناقلة‪.‬‬ ‫واملقرئ‪" :‬العامل هبا رواها مشافهة"(‪.)1‬‬ ‫ولقد بدأت املشافهة والتلقي – كما ذكرن – عن الصحابة‪ ،‬الذين تلقوا القرآن من فم رسول هللا‬ ‫‪ُ ، ‬ث قرأ كل أهل بلد أو إقليم مبا يف مصحفهم وتلقوا ما فيه عن الصحابة‪ُ ،‬ث قاموا بذلك مقام‬ ‫الصحابة ِبمت عناية‪ ،‬حىت صار منهم يف ذلك أئمة يقتدى هبم ويرحل إليهم ويؤخذ عنهم‪ ،‬أمجع أهل‬ ‫بلدهم على تلقي قراءاهتم ابلقبول‪ ،‬ولتصديهم للقراءة نسبت إليهم‪ ،‬وانقسمت رواايهتم الصحيحة الثابتة‬ ‫املتواترة املشتملة على وجوه من القراءة إىل عشر رواايت َسيت ابلقراءات العشر املتواترة‪.‬‬ ‫طبقات احلفاظ املقرئني‪:‬‬ ‫‪ )1‬ابن عامر الشامي‪.‬‬ ‫‪ )2‬ابن كثري املكي‪.‬‬ ‫‪ )3‬عاصم الكويف‪.‬‬ ‫‪ )4‬أبو عمرو البصري‬ ‫‪ )5‬محزة الزايت‪.‬‬ ‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪)6‬انفع املدين‪.‬‬ ‫‪ )7‬الكسائي الكويف‪.‬‬ ‫‪ )8‬أبو جعفر املدين‪.‬‬ ‫‪ )9‬يعقوب احلضرمي‪.‬‬ ‫‪ )10‬خلف‪.‬‬ ‫شروط القراءة املتواترة‪:‬‬ ‫لقد وضع العلماء ثًلثة ضوابط للقراءة املتواترة‪:‬‬ ‫تقديرا‪.‬‬ ‫موافقة القراءة لرسم أحد املصاحف العثمانية ولو ا‬ ‫‪-1‬‬ ‫موافقتها العربية ولو بوجه‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫صحة إسنادها(‪.)1‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫فوائد اًلختالف بني القراءات الصحيحة‪:‬‬ ‫لقد ذكر العلماء فوائد كثرية منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬الداللة على صيانة كتاب هللا سبحانه‪ ،‬وحفظه من التبديل والتحريف مع كونه على‬ ‫هذه األوجه املختلفة‪.‬‬ ‫‪ -2‬التخفيف عن األمة وتسهيل القراءة عليها‪.‬‬ ‫‪ -3‬إعجاز القرآن الكرمي يف إجيازه‪ ،‬حيث تدل كل قراءة على حكم شرعي دون تكرر‬ ‫ني} [املائدة‪.]6 :‬ابلنصب واخلفض يف‬‫وس ُكم وأ َْر ُجلَ ُكم إِ َىل الْ َك ْعبَ ْ ِ‬‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫{و ْام َس ُحوا ب ُرءُ ْ َ‬‫اللفظ كقراءة َ‬ ‫{ َوأ َْر ُجلَ ُك ْم } ففي قراءة النصب بيان احلكم غسل الرجل‪ ،‬حيث يكون العطف على معمول‬ ‫وه ُك ْم َوأَيْ ِديَ ُك ْم إِ َىل الْ َمَرافِ ِق}‪ ،‬وقراءة اجلر بيان حلكم املسح على‬ ‫ِ‬ ‫فعل الغسل {فَا ْغسلُوا ُو ُج َ‬ ‫{و ْام َس ُحوا‬ ‫اخلفني عند وجود ما يقتضيه‪ ،‬حيث يكون العطف على معمول فعل املسح َ‬ ‫وس ُك ْم َوأ َْر ُجلَ ُك ْم} فنستفيد احلكمني من غري تطويل‪ ،‬وهذا من معاِن اإلعجاز يف اإلجياز‬ ‫بِرء ِ‬ ‫ُُ‬ ‫ابلقرآن‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مناهل العرفان (‪ )418 /1‬وطيبة النشر ص‪.1‬‬ ‫‪10‬‬ ‫تعظيم قدر القرآن الكرمي‬ ‫‪ )1‬مكانة القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫وميكن أن نلخص مكانة القرآن الكرمي يف النقاط التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن القرآن الكرمي هو يف االعتبار األول كتاب هداية وتشريع‪ ،‬ومنهج رابِن للحياة اإلنسانية‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن القرآن الكرمي رسم لإلنسان املنهج العلمي وحثه عليه‪ ،‬وطلب منه تطبيقه وتنفيذه؛ وإعمال‬ ‫عقله يف التفكري يف ملكوت السماوات واألرض‪ ،‬وتسخريها خلدمة اإلنسان‪.‬‬ ‫‪ -3‬أما اإلشارات اليت وردت يف القرآن الكرمي حول بعض القضااي الكونية والنظرايت الطبيعية فقد‬ ‫جاءت كإطار أو حوافز للعقل اإلنساِن‪.‬‬ ‫‪ -4‬إن القرآن الكرمي مل أيت ليفصل يف العلوم الدنيوية كل شيء‪ ،‬وليس من طبيعته ورسالته أن‬ ‫غدا أو بعد غد‪ ،‬ما يعارض حقيقة‬ ‫أييت هبا مفصلة كما قلنا‪ ،‬لكنه ال يوجد فيه؛ ولن يوجد فيه اليوم أو ا‬ ‫علمية اثبتة‪ ،‬ارتقت من درجة الفروض إىل مقام احلقائق اليت ال يتطرق إليها الشك؛ ذلك ألن القرآن‬ ‫حق‪ ،‬فًل ميكن حبال أن خيالف الواقع واحلقيقة العلمية وألن أهل العلم التجريب يستوحون احلقيقة من‬ ‫صنع هللا عز وجل‪ ،‬وأهل العلم الشرعي يستوحون احلقيقة من كًلم هللا عز وجل ومن حديث رسوله‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والكل يف احلقيقة مرجعه إىل هللا عز وجل‪.‬‬ ‫‪ )2‬خصائص القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫لقد ذكر العلماء خصائص امتاز هبا القرآن الكرمي‪ ،‬وأفردوا لذلك مؤلفات‪ ،‬نقتبس منها ما أييت‪:‬‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‪ -1‬القرآن الكرمي هو كًلم هللا سبحانه على احلقيقة بلفظه ومعناه‪ ،‬منزل غري خملوق‪ ،‬وهو خامت‬ ‫الكتب الرابنية املنزلة على أنبيائه ورسله‪.‬‬ ‫‪ -2‬القرآن الكرمي جامع ألسس الرساالت السماوية السابقة‪ ،‬وألصول الدين‪.‬‬ ‫‪ -3‬القرآن الكرمي هو الكتاب الرابِن املعجز يف مبناه البياِن دون غريه من الكتب‪ ،‬فقد حتدي هللا‬ ‫سبحانه كل البلغاء من عهده ‪ ‬إىل أن تقوم الساعة‪ ،‬أن أيتوا مبثله فرادي أو جمتمعني‪ ،‬فعجزوا‪ ،‬واعرتفوا‬ ‫له ابإلعجاز‪.‬‬ ‫‪ -4‬القرآن الكرمي هو الكتاب املعجز يف مضمونه ومعناه‪ ،‬إذ ال أيتيه الباطل من بني يديه وال من‬ ‫خلفه‪ ،‬فهو تنزيل من عزيز حكيم‪.‬‬ ‫‪ -5‬إعجاز القرآن الكرمي الدائم‪ ،‬هو الدليل اخلالد املستمر الذي خياطب اإلنسان أنه كًلم هللا‬ ‫سبحانه ح اقا وصدقاا‪ ،‬ومنزل من عند هللا‪.‬‬ ‫‪ -6‬القرآن الكرمي هو الكتاب احملفوظ‪ ،‬املصون من التحريف والتبديل والزايدة والنقصان‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ -7‬وكما حفظ هللا سبحانه وتعاَل القرآن الكرمي‪ ،‬فقد يسر سبل نشره يف أقطار األرض لتقوم‬ ‫حجة هللا البالغة على عباده‪.‬‬ ‫‪ -8‬القرآن الكرمي هو املصدر الرابِن املعصوم للمفاهيم اإلسًلمية كلها‪ ،‬من عقيدة وتشريع‪،‬‬ ‫أيضا على كل ما يضبط السلوك اإلنساِن‪ ،‬ويقوم أمناط احلياة‪.‬‬ ‫ويشتمل ا‬ ‫‪ )3‬مضمون القرآن الكرمي وما اشتمل عليه من موضوعات‪:‬‬ ‫لو أتملنا آايت القرآن الكرمي وما اشتملت عليه من موضوعات جندها ترجع إىل أصول عشرة‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫األصل األول‪ :‬العقيدة‪.‬‬ ‫األصل الثاين‪ :‬التشريعات التعبدية‬ ‫األصل الثالث‪ :‬سياسة اخللق ابلقرآن‪ ،‬وإقامتهم على مراد هللا وحكمه‪ ،‬ببيان أحكام هللا يف‬ ‫أفعاهلم من حل وإابحة‪ ،‬أو حرمة وكراهة‪ ،‬وبيان التشريعات اجلنائية واجلزائية‪.‬‬ ‫األصل الرابع‪ :‬رعايته للوشائج اًلجتماعية بني األفراد واجلماعات‪ :‬بتضمنه ترسيخ األخًلق‬ ‫الفاضلة والّب وصلة الرحم وذوي القرىب‪ ،‬وحبسن اجلوار ووصيته حبقوق الفقراء واملساكني‪.‬‬ ‫األصل اخلامس‪ :‬إيقاظ العقل اإلنساين وحتريره بتضمنه التوجيه إىل النظر والفكر والتدبر يف‬ ‫األنفس ويف اآلفاق‪.‬‬ ‫األصل السادس‪ :‬عوامل الدفع القيادية يف اجملتمع اإلسالمي بدعوته إىل الرايدة يف اخلري وقيادة‬ ‫الناس إىل رب الناس وبذل القدوة احلسنة هلم‪.‬‬ ‫األصل السابع‪ :‬مكانة العلم والعلماء برفعه من شأن العلم وأهله وحضه على التعليم‪.‬‬ ‫األصل الثامن‪ :‬الرتبية السلوكية الشاملة لألخالق واآلداب واحلقوق وغري ذلك‪ ،‬بتضمنه‬ ‫الدعوة إىل الفضائل وهنيه عن الرذائل‪ ،‬وأمره ابلعدل وهنيه عن الظلم‪.‬‬ ‫األصل التاسع‪ :‬بيانه عناصر بناء وسالمة اجملتمعات البشرية وعناصر وعوامل اًلحنالل‬ ‫واًلضمحالل‪ ،‬بتضمنه أخبار األنبياء والرسل وأتباعهم واملخالفني هلم من األمم ومصائرها‪.‬‬ ‫األصل العاشر‪ :‬إعجاز القرآن بتضمنه كل هذه اجلوانب املتنوعة وغريها‪ ،‬مع خاصية روعته يف‬ ‫البيان‪.‬‬ ‫‪ )4‬سبيلنا حنو تعظيم قدر القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫أن نقتدي مبا كان عليه دأب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وصحبه يف تعظيم القرآن الكرمي من‬ ‫خًلل قراءته وتدبره والعمل ِبوامره ونواهيه‪ ،‬وقد خلصت لنا ذلك أم املؤمنني عائشة رضي هللا عنها‬ ‫‪12‬‬ ‫عندما سئلت عن خلقه ‪ ‬فقالت‪" :‬كان خلقه القرآن"(‪ ،)1‬وعلى هديه وسنته سار السلف الصاحل من‬ ‫آل بيته األطهار‪ ،‬وصحابته األبرار‪ ،‬والتابعني هلم ِبحسان إىل يومنا هذا‪ ،‬وال يصلح آخر هذه األمة إال‬ ‫تعظيما وتًلوة وعمًلا‪.‬‬ ‫مبا صلح به أوهلا وخريها‪ ،‬فإىل كتاب هللا عز وجل ا‬ ‫اخلطوات اليت خنطوها والبداية اليت نبدأ هبا لتعظيم القرآن والعناية به وبيان واجبنا حنو كتاب‬ ‫ربنا عز وجل‪:‬‬ ‫أوًل‪ :‬اإلميان اجلازم أبن القرآن هو كالم هللا تعاىل املنتظم للحق الذي أوحاه إىل رسوله حممد‬ ‫صلى هللا عليه وسلم بواسطة جّبيل عليه السًلم‪.‬‬ ‫اثنيا‪ :‬التعظيم واإلجالل والتقديس للنص القرآين‪.‬‬ ‫اثلثا‪ :‬التسليم املطلق والقبول التام ألخباره وأحكامه وتوجيهاته‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬اًلنقياد الكامل ألحكامه وأخباره والعمل هبا ظاهرا وابطنا‪ ،‬وحتكيمه يف مجيع شئون‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬العناية بتالوته وتدبر معانيه وحفظه‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬تقدير أهل القرآن ومحلته وحفاظه‪.‬‬ ‫سابعا‪ :‬الذب عن القرآن وصيانته‪.‬‬ ‫اثمنا‪ :‬التحذير من هجر القرآن‪:‬‬ ‫القرآن الكرمي أنزل ليعمل به‪ ،‬ووسيلة العمل به العلم به أوالا‪ ،‬وال حيصل ذلك إال بقراءاته وتدبره‪،‬‬ ‫وكلما تقاربت أوقات القراءة وكثر تكرارها كان ذلك أقوى يف رسوخ حفظ القرآن الكرمي‪ ،‬ومن أجل‬ ‫ذلك كان السلف حيرصون على كثرة تًلوته وتكرارها‪.‬‬ ‫ومن أنواع هجر القرآن‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬هجر َساعه واإلميان به واإلصغاء إليه‪.‬‬ ‫الثاِن‪ :‬هجر العمل به‪ ،‬والوقوف عند حًلله وحرامه‪ ،‬وإن قرأه وآمن به‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬هجر حتكيمه والتحاكم إليه يف أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه ال يفيد اليقني وأن أدلته ال‬ ‫حيصل هبا العلم‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد املتكلم به منه‪.‬‬ ‫اخلامس‪ :‬هجر االستشفاء والتداوي به يف مجيع أمراض القلوب‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أمحد (‪ )91 /6‬وصححه األرنؤوط‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫اإلعجاز يف القرآن الكرمي‪ ،‬تعريفه ومعناه‪ ،‬وأوجهه‬ ‫لقد كانت الرسل واألنبياء عليهم السًلم‪ ،‬قبل مبعث رسول هللا ‪ ‬تؤيد مبعجزات حسية تناسب‬ ‫خصوصية احلالة اليت أرسلوا إليها وحمدودية الفرتة واملكان والقوم الذين بعثوا إليهم‪ُ ،‬ث إذا انقضت الفرتة‬ ‫املعنية وانقضى أثر تلك املعجزة وزمن تلك الرسالة‪ ،‬أرسل هللا رسوالا جديدا وأيده مبعجزة جديدة‪ ،‬فأيد‬ ‫موسى عليه السًلم ابلعصا اليت تلقف ما صنع سحرة فرعون‪ ،‬وأيد عيسى عليه السًلم ِببراء األكمه‬ ‫واألبرص وإحياء املوتى يف زمن اشتهر أهله ابلطب‪ ،‬حىت إذا جاءت رسالة سيد املرسلني صلى هللا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬خامت النبيني وخامت الرساالت‪ ،‬كانت رسالة عامة عاملية وخامتة‪ ،‬حيث يقول سبحانه وتعاىل‪:‬‬ ‫َّاس بَ ِش اريا َونَ ِذ ايرا َولَكِ َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس َال يَ ْعلَ ُمو َن} [سبأ‪.]28 :‬وقال ‪« :‬وكان‬ ‫اك إَِّال َكافَّةا لِلن ِ‬ ‫{وَما أ َْر َس ْلنَ َ‬ ‫َ‬ ‫النيب يبعث إىل قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إىل الناس عامة» ‪.‬وأخّب هللا سبحانه وتعاىل أن رسول هللا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫{ما َكا َن‬ ‫صلى هللا عليه وسلم هو خامت األنبياء واملرسلني‪ ،‬ورسالته خالدة إىل يوم الدين فقال سبحانه‪َ :‬‬ ‫اَّللُ بِ ُك ِل َش ْي ٍّء َعلِي اما} [األحزاب‪.]40 :‬‬ ‫ول َِّ‬ ‫اَّلل َو َخ َامتَ النَّبِيِ َ‬ ‫ني َوَكا َن َّ‬ ‫َح ٍّد ِم ْن ِر َجالِ ُك ْم َولَكِ ْن َر ُس َ‬ ‫ُحمَ َّم ٌد أ ََاب أ َ‬ ‫ولقد ثبت للنب ‪ ‬معجزات حسية زادت على األلف‪ ،‬ومع ذلك فقد أعطاه هللا سبحانه وتعاىل‬ ‫معجزة كّبى دائمة خالدة هي القرآن الكرمي‪ ،‬ميكن أن يقف عليها كل إنسان إىل يوم القيامة‪ ،‬فقد جاء‬ ‫ذلك عن رسول هللا ‪ ‬يف احلديث املتفق عليه‪« :‬ما من األنبياء نيب إًل أعطي من اآلايت ما مثله‬ ‫إيل‪ ،‬فأرجو أن أكون أكثرهم اتبعا يوم‬ ‫آمن عليه البشر‪ ،‬وإمنا كان الذي أوتيته وحيا أوحاه هللا ّ‬ ‫القيامة»(‪.)2‬‬ ‫معىن اإلعجاز لغة واصطالحا‪:‬‬ ‫معىن اإلعجاز لغة‪ :‬هو مصدر أعجز‪ ،‬ومادة الكلمة هي العجز‪ ،‬وكًلم أهل اللغة يف معناها يدور‬ ‫‪.‬‬ ‫حول الضعف‪ ،‬وعدم القدرة على النهوض ابألمر‪ ،‬وكذلك القعود عما جيب فعله‬ ‫معىن اإلعجاز اصطالحا‪ :‬هو إثبات عجز اخللق عن اإلتيان مبا حتداهم هللا به من القرآن‪ ،‬وهو أن‬ ‫أيتوا مبثله أو بشيء من مثله‪.‬‬ ‫ويكتمل بيان املراد هبذا املصطلح إذا عرفنا أن إعجاز القرآن َمن حتداهم عن اإلتيان مبثله أو بشيء‬ ‫من مثله ليس أمرا مقصودا لذاته‪ ،‬وليس هو الغاية يف نفسه‪ ،‬ولكن املقصود هو الًلزم الناتج عن هذا‬ ‫اإلعجاز‪ ،‬وهو إظهار وإثبات أن هذا الكتاب حق‪ ،‬ووحي من عند هللا تعاىل‪ ،‬ومقتضى ذلك كله إثبات‬ ‫‪.‬‬ ‫صدق الرسول صلى هللا عليه وسلم فيما جاء به قومه من الرسالة‪ ،‬ودعاهم إليه من اإلسًلم‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)335‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )4981‬ومسلم (‪.)152‬‬ ‫‪14‬‬ ‫ومن خًلل معرفة معىن اإلعجاز وحتقق وقوعه لفصحاء العرب الذين خاطبهم القرآن تتبني لنا‬ ‫األمور التالية‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن قليل القرآن وكثريه يف شأن اإلعجاز سواء‪.‬ولذلك حتداهم هللا أن أيتوا بسورة من مثله‪.‬‬ ‫الثاِن‪ :‬أن اإلعجاز كائن ابلدرجة األوىل يف رصف القرآن وبيانه ونظمه ومباينة خصائصه للمعهود‬ ‫من خصائص كل نظم وبيان يف لغة العرب‪ُ ،‬ث يف سائر لغات البشر‪ُ ،‬ث يف بيان الثقلني مجيعا إنسهم‬ ‫وجنهم متظاهرين‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن الذي حتداهم هبذا القرآن قد أوتوا القدرة على الفصل بني الذي هو من كًلم البشر‬ ‫والذي هو ليس من كًلمهم‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬أن الذين حتداهم به كانوا يدركون أن ما طولبوا من اإلتيان مبثله‪ ،‬أو بعشر سور مثله‬ ‫مفرتايت أو بسورة وحدة‪ ،‬هو الضرب من البيان الذي جيدون يف أنفسهم أنه خارج من جنس بيان‬ ‫البشر‪.‬‬ ‫اخلامس‪ :‬أن هذا التحدي مل يقصد به اإلتيان مبثله مطابقا ملعانيه‪ ،‬بل أن أيتوا مبا يستطيعون افرتاءه‬ ‫واختًلقه من كل معىن أو غرض‪ِ ،‬ما يعتلج يف نفوس البشر‪ ،‬لكن على نظم وبيان يشاكله إن استطاعوا‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬أن ما يف القرآن من مكنونت الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آايت هللا يف‬ ‫خلقه‪ ،‬كل ذلك يفضي إىل اإلعجاز‪ ،‬وفيه من ذلك كله ما يعد دليًلا على أنه من عند هللا تعاىل‪.‬وما‬ ‫فيه ِما يدل على أنه بنظمه وبيانه مباين لنظم كًلم البشر وبياهنم أوفر وأنه هبذه املباينة هو كًلم رب‬ ‫العاملني ال كًلم بشر مثلهم‪.‬‬ ‫بقاء اإلعجاز واستمراره‪:‬‬ ‫إن ِما ينبغي أن يعلم أن إعجاز القرآن ابق ومستمر ما بقي القرآن متلوا‪ ،‬وبقي يف الدنيا اتل‬ ‫وقارئ؛ إذ هو حمفوظ بتكفل هللا سبحانه وتعاىل حبفظه‪ ،‬وآايت التحدي فيه ستظل تقرع كل األَساع‪،‬‬ ‫وسيظل القرآن معجزة فوق ما يطيق البشر يف روعة البيان واملباِن وروعة املضمون واملعاِن‪.‬‬ ‫س َوا ْجلِ ُّن َعلَى أَ ْن َأيْتُوا مبِِثْ ِل َه َذا الْ ُق ْرآَ ِن َال َأيْتُو َن مبِِثْلِ ِه َولَ ْو َكا َن‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬قُل لَئِ ِن ْ ِ ِ‬ ‫اجتَ َم َعت ْاإلنْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ض ُه ْم لِبَ ْع ٍّ‬ ‫ض ظَ ِه اريا} [اإلسراء‪]88 :‬‬ ‫بَ ْع ُ‬ ‫أبرز وجوه اإلعجاز يف القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫‪ -1‬اإلعجاز البياين‪:‬‬ ‫وسوف نتكلم عما قيل يف هذا اإلعجاز البياِن من خًلل النقاط اآلتية‪:‬‬ ‫أوًل‪ :‬النظم القرآين‪:‬‬ ‫لو استعرضنا آايت وسور القرآن الكرمي جند أن عجيب نظمه وبديع أتليفه ال يتفاوت وال يتباين‬ ‫على ما يتصرف إليه من الوجوه اليت يتصرف فيها من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج‪ ،‬وحكم وأحكام‪،‬‬ ‫‪15‬‬ ‫وإعذار وإنذار‪ ،‬ووعد ووعيد‪ ،‬وتبشري وَّتويف‪ ،‬وأوصاف وتعليم أخًلق كرمية‪ ،‬وشيم رفيعة‪ ،‬وسري‬ ‫مأثورة‪.‬‬ ‫اثنيا‪ :‬الكلمة القرآنية‪:‬‬ ‫ملا كانت الكلمة هي أساس النظم فسوف نعرف هبا‪ ،‬ألن الكلمة أصل اإلبداع‪.‬‬ ‫وكتاب هللا هو حبيث (لو نزعت منه لفظة‪ُ ،‬ث أدير لسان العرب على لفظة غريها مل يوجد)‪.‬‬ ‫(السنة والعام)‪،‬‬ ‫ومن أمثلة الكلمة القرآنية (اخلوف واخلشية)‪( ،‬جاء وأتى)‪( ،‬الفعل والعمل)‪َّ ،‬‬ ‫(احلرث والنسل)‪.‬‬ ‫اثلثا‪ :‬الفاصلة القرآنية‪:‬‬ ‫تعريفها‪ :‬هي كلمة آخر اآلية‪ ،‬كقافية الشعر وقرينة السجع‪...‬وتسمى فواصل ألنه ينفصل عندها‬ ‫الكًلم؛ وذلك أن آخر اآلية فصل بينها وبني ما بعدها‪.‬‬ ‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْ ِديَ ُه َما َجَزاءا ِمبَا َك َسبَا نَ َك ااال ِم َن‬ ‫السا ِر ُق َو َّ‬ ‫{و َّ‬ ‫ومن األمثلة على ذلك قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫اَّلل غَ ُف ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل ع ِزيز حكِيم (‪ )38‬فَمن َات ِ ِ ِ ِ‬ ‫َِّ‬ ‫يم}‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫وب َعلَْيه إِ َّن ََّ ٌ‬ ‫اَّللَ يَتُ ُ‬ ‫َصلَ َح فَإِ َّن َّ‬ ‫ب م ْن بَ ْعد ظُلْمه َوأ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫اَّلل َو َُّ َ ٌ َ ٌ‬ ‫[املائدة‪. ]39-38 :‬فتحدثت اآلية األوىل عن حد السرقة اليت هي إحدى الكبائر‪ ،‬وكانت عقوبتها‬ ‫ِ‬ ‫يم}‪ ،‬فالعزيز هو‬ ‫اَّللُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫{و َّ‬‫صارمة وشديدة وهي قطع يد السارق‪ ،‬فناسب أن يكون ختامها َ‬ ‫الغالب الذي ال يقهر‪ ،‬واحلكيم هو الذي يضع األمور يف نصاهبا‪ ،‬وهذا مناسب لداللة اآلية‪ ،‬فحكم‬ ‫القطع وضعه من ال يغلب وال يقهر وأمره نفذ وحكمه قاطع‪ ،‬وإن توهم متوهم أن يف احلكم مفسدة أو‬ ‫ومنعا لتكرار‬ ‫قسوة زائدة‪ ،‬جاء اسم احلكيم لريد ذلك ويبني أن يف القطع حكمة ابلغة ومصلحة عالية‪ ،‬ا‬ ‫أو شيوع السرقة يف اجملتمع‪ ،‬ومن ُث حتقُّق حفظ املال وهذا من املقاصد الشرعية الكلية اخلمسة‪.‬‬ ‫بينما تتحدث اآلية الثانية عن التائب املنيب الذي رجع عن ظلم نفسه‪ ،‬وأصلح بعد الفساد‬ ‫اَّلل َغ ُف ِ‬ ‫يم}‪ ،‬وهكذا لو تتبعنا األَساء احلسىن يف خواتيم‬ ‫فناسب أن َّتتم بقوله سبحانه‪{ :‬إِ َّن ََّ ٌ‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫اآلايت لوجدنها جاءت على أمت وأكمل الوجوه يف تطابق ومناسبة معناها مع داللة اآلايت ومضامينها‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬اجلملة القرآنية‪:‬‬ ‫متتاز اجلملة القرآنية ِبجياز اللفظ وسعة املعىن‪ ،‬ومن األمثلة الدالة على ذلك ما ذكر أهل البًلغة‬ ‫والفصاحة أن من أبلغ ما قالته العرب قولتهم املشهورة (القتل أنفى للقتل) وهذه الكلمة على بًلغتها‬ ‫ِ‬ ‫اص َحيَاةٌ} [البقرة‪.]179 :‬‬‫ص ِ‬‫{ولَ ُك ْم ِيف الْق َ‬ ‫عندهم‪ ،‬قد فاهتا يف البًلغة وجتاوزها جزء من اآلية الكرمية‪َ :‬‬ ‫اص َحيَاةٌ}‪ ،‬تفوق تلك اجلملة اليت قالتها‬ ‫ص ِ‬ ‫وقد ذكر أهل البيان وعلماء البًلغة أن قوله تعاىل‪ِ ِ :‬‬ ‫{يف الْق َ‬ ‫اص َحيَاةٌ} أقل من‬‫ص ِ‬ ‫العرب ِبكثر من عشرين وجها بًلغيا‪ ،‬منها‪ :‬أن عدد احلروف يف مجلة ِ ِ‬ ‫{يف الْق َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫عددها يف كلمة (القتل أنفى للقتل) فحروف اآلية اثنا عشر حرفاا‪ ،‬وتلك أربعة عشر حرفاا‪ ،‬والبًلغة‬ ‫اإلجياز‪.‬ومنها‪ :‬أن اآلية خالية من التكرار الذي وقع يف املثل‪ ،‬واخلاَل من التكرار أبلغ من املشتمل عليه‬ ‫‪16‬‬ ‫خمًل ابلفصاحة‪ ،‬ومنها‪ :‬أن لفظ القصاص مشعر ابملساواة فهو مبين على العدل خبًلف‬ ‫وإن مل يكن ا‬ ‫القتل‪ ،‬ومنها‪ :‬أن اآلية معناها واضح بني جلي‪ ،‬وهو معىن مطرد مستمر‪ ،‬فإقامة القصاص سبب يف‬ ‫حفظ احلياة‪ ،‬بينما (القتل أنفى للقتل) ليست مطردة؛ ألنه ليس كل قتل أنفى للقتل‪ ،‬بل قد يكون القتل‬ ‫مهددا ابلقتل والثأر من‬ ‫مثًل‪ ،‬ال يكون أنفى للقتل‪ ،‬إذ يبقى القاتل ا‬ ‫ظلما وعدو اان‪ ،‬إذ قتل غري القاتل ا‬ ‫ا‬ ‫أبناء املقتول حىت يقتلوه‪.‬وغري ذلك من وجوه اإلعجاز اليت ذكرها العلماء‪.‬‬ ‫هذه مناذج من اإلعجاز البياِن للقرآن الكرمي وهناك أنواع وأمثلة ال يتسع اجملال لذكرها‪ ،‬وللتوسع‬ ‫يرجع إىل كتب اإلعجاز‪.‬‬ ‫‪ -2‬اإلعجاز الغييب‪:‬‬ ‫لقد أخّب هللا تعاىل يف القرآن الكرمي عن أحداث سابقة‪ ،‬لنزوله‪ ،‬وعن أحداث اتلية لنزوله‪ ،‬مل‬ ‫صحيحا مبا يعجز البشر عن اإلتيان مبثله‪ ،‬كما‬ ‫ا‬ ‫إخبارا دقي اقا‬ ‫يشهدها النب ‪ ،‬وال سبيل إىل علمه هبا‪ ،‬ا‬ ‫ك ِم ْن قَ ْب ِل َه َذا‬ ‫ت َوَال قَ ْوُم َ‬ ‫ت تَ ْعلَ ُم َها أَنْ َ‬‫ك َما ُكْن َ‬ ‫ب نُ ِ‬ ‫وح َيها إِلَْي َ‬ ‫ك ِم ْن أَنْبَ ِاء الْغَْي ِ‬ ‫قال سبحانه وتعاىل {تِْل َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ني} [هود‪ ]49 :‬فمن أمثلة غيب املاضي‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬والصاحلني‪ ،‬ومنها‬ ‫اصِ ّْب إِ َّن الْ َعاقبَةَ ل ْل ُمتَّق َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫ك نَبَأ َُه ْم ِاب ْحلَ ِق إِ َّهنُْم فِْت يَةٌ آَ َمنُوا بَِرهبِِ ْم َوِزْد َن ُه ْم ُه ادى} [الكهف‪:‬‬ ‫ص َعلَْي َ‬ ‫{َن ُن نَ ُق ُّ‬‫قصة أصحاب الكهف‪َْ :‬‬ ‫الرْؤَاي ِاب ْحلَ ِق لَتَ ْد ُخلُ َّن الْ َم ْس ِج َد ا ْحلََر َام‬ ‫اَّللُ َر ُسولَهُ ُّ‬ ‫ص َد َق َّ‬ ‫‪ ،]13‬ومن أمثلة غيب املستقبل قوله تعاىل‪{ :‬لََق ْد َ‬ ‫ص ِرين َال ََّتافُو َن فَعلِم ما َمل تَعلَموا فَجعل ِمن د ِ ِ‬ ‫اَّلل آَِمنِ ِ ِ‬ ‫ك فَ ْت احا‬ ‫ون ذَل َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ ُ ََ َ ْ ُ‬ ‫وس ُك ْم َوُم َق ِ َ َ‬ ‫ني ُرءُ َ‬ ‫ني ُحمَلق َ‬ ‫إِ ْن َشاءَ َُّ َ‬ ‫أيضا ذكر القرآن الكرمي انتصار الروم على الفرس يف بضع سنني‬ ‫قَ ِريباا} [الفتح‪ ،]27 :‬ومن أمثلة ذلك ا‬ ‫ض َوُه ْم ِم ْن بَ ْع ِد َغلَبِ ِه ْم َسيَ ْغلِبُو َن (‪)3‬‬ ‫وم (‪ِ )2‬يف أ َْد ََن ْاأل َْر ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫ت ُّ‬ ‫يف قوله سبحانه وتعاىل‪{ :‬امل (‪ )1‬غُلِب ِ‬ ‫َ‬ ‫ني} [الروم‪.]4-1 :‬‬ ‫ِيف بِ ْ ِ ِ‬ ‫ض ِع سن َ‬ ‫‪ -3‬اإلعجاز التشريعي‪:‬‬ ‫لقد عرفت البشرية يف عصورها املختلفة ألو اان من املذاهب والنظرايت والنظم والتشريعات اليت‬ ‫تستهدف سعادة الفرد واجملتمع‪ ،‬لكن مل يبلغ واحد منها الكمال الذي عليه القرآن الكرمي يف إعجازه‬ ‫التشريعي‪ ،‬وجوانب التشريعات القرآنية متعددة‪ ،‬منها ما اصطلح عليه ابلعبادات‪ ،‬ومنها املعامًلت‬ ‫املعروف ابلقانون املدِن‪ ،‬ومنها األحوال الشخصية‪ ،‬ومنها القانون اجلنائي‪ ،‬ومنها العًلقات الدولية‪ ،‬إىل‬ ‫غري ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإلعجاز العلمي التجرييب‪:‬‬ ‫عندما نتحدث عن اإلعجاز العلمي ينبغي أن نبقى يف حدود اآلايت الكونية وما وصل إليه العلم‬ ‫من حقائق بشأن الكون ومعارفه اليت أصبحت يف منزلة املتيقن منها علمياا‪ ،‬مع االبتعاد عن النظرايت‬ ‫اليت ال تزال يف دائرة الفروض العلمية‪ ،‬حىت ال نقع يف تناقض ألنه ليس مثة تعارض بني العلم والدين‪ ،‬فإن‬ ‫ول ِاب ْحلَ ِق ِم ْن‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫َّاس قَ ْد َجاءَ ُك ُم َّ‬ ‫{اي أَيُّ َها الن ُ‬ ‫عز وجل‪َ :‬‬ ‫هللا سبحانه هو مصدر احلق يف االثنني‪ ،‬قال َّ‬ ‫‪17‬‬ ‫ِ‬ ‫ض وَكا َن َّ ِ‬ ‫ربِ ُكم فَآَ ِمنُوا خريا لَ ُكم وإِ ْن تَ ْك ُفروا فَإِ َّن ََِّّللِ ما ِيف َّ ِ‬ ‫يما} [النساء‪:‬‬ ‫اَّللُ َعلي اما َحك ا‬ ‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْا ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫‪ ]170‬وإذا لوحظ أن هناك اختًلفاا فليس بني علم ودين‪ ،‬بل بني دين وجهل أخذ َسة العلم‪ ،‬أو بني‬ ‫عز وجل‪ ،‬وحديث رسول‬ ‫علم ولغو لبس َسة الدين‪ ،‬ألن علماء الشريعة أيخذون احلقيقة من كًلم هللا َّ‬ ‫هللا ‪‬ورجال العلم التجريب يستوحون احلقيقة من صنع هللا‪ ،‬فكًل احلقيقتني مرجعهما إىل هللا‪.‬‬ ‫معىن اإلعجاز العلمي يف القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫هو إخبار هللا سبحانه وتعاىل يف القرآن الكرمي‪ ،‬حبقائق أكدها وأظهرها العلم التجريب احلديث‪،‬‬ ‫ثبت عدم إمكانية إدراكها ابلوسائل البشرية يف زمن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫ضوابط لدراسات اإلعجاز العلمي يف القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫دعواي يتًلءم مع طبيعة العصر احلاضر‪ ،‬وحىت‬ ‫أسلواب ا‬ ‫ا‬ ‫يعد اإلعجاز العلمي التجريب للقرآن الكرمي‬ ‫ال يندفع الناس يف التوسع يف هذا اجلانب وضع أهل العلم ضوابط جتعل دراسة اإلعجاز العلمي يف‬ ‫املسار الصحيح الذي خيدم القرآن وحيافظ على مكانته ومن هذه الضوابط‪:‬‬ ‫‪ -1‬األصل أن القرآن الكرمي هو كتاب هداية‪ ،‬يهدي الناس إىل ابرئهم يف حتقيق العبودية‪،‬‬ ‫واالستخًلف يف األرض‪ ،‬فينبغي أن تكون الدراسات املتعلقة ابحلقائق العلمية يف حدود حتقيق هذا‬ ‫اهلدف األساس للقرآن الكرمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليقني ابستحالة التصادم بني احلقائق القرآنية واحلقائق العلمية؛ ألهنما من مشكاة واحدة‪،‬‬ ‫يما} [الفرقان‪{.]6 :‬أََال يَ ْعلَ ُم َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫السَّر ِيف َّ ِ‬ ‫ات و ْاأل َْر ِ ِ‬ ‫{قُل أَنْزلَه الَّ ِذي ي علَم ِ‬ ‫ض إنَّهُ َكا َن َغ ُف اورا َرح ا‬ ‫الس َم َاو َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ َُ‬ ‫يف ا ْخلَبِريُ} [امللك‪.]14 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َخلَ َق َوُه َو اللَّط ُ‬ ‫‪ -3‬االلتزام ابحلقائق العلمية الثابتة ابلقطع‪ ،‬فًل جيوز تفسري اآلايت بفرضيات أو نظرايت مل ترتق‬ ‫إىل مستوى احلقيقة العلمية الثابتة‪.‬‬ ‫‪ -4‬موافقة اللغة العربية موافقة اتمة‪ ،‬حبيث يتطابق املعىن املفسر مع املعىن اللغوي‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ت آَ َايتُهُ قُ ْرآَ ان َعَربِيًّا لَِق ْوٍّم يَ ْعلَ ُمو َن} [فصلت‪.]3 :‬أما إذا فتح ابب التأويل‪ ،‬فإنه ابب ال‬ ‫{كِتَاب فُ ِ‬ ‫صلَ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ينضبط‪.‬‬ ‫‪ -5‬عدم خمالفته لصحيح املأثور عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫نفرا عن السياق‪.‬‬ ‫‪ -6‬موافقة سياق اآلايت‪ ،‬حبيث ال يكون التفسري ا‬ ‫‪ -7‬التحذير من أن يتعرض التفسري العلمي التجريب لألخبار وشؤون املعجزات الغيبية‪.‬‬ ‫‪ -8‬عدم حصر الداللة العلمية للنظم القرآِن فيما توصلنا إليه‪ ،‬وإبقاء الدالالت األخرى للنظم ملا‬ ‫مستقبًل من حقائق مل نتوصل إليها‪ ،‬وإبقاء سعة ومرونة األسلوب القرآِن على ما هي‪.‬‬‫ا‬ ‫قد يظهر‬ ‫‪ -9‬عدم القطع واجلزم ِبن هذه احلقيقة العلمية املعينة‪ ،‬هي مراد هللا تعاىل من هذه اآلية‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫مناذج من اإلعجاز العلمي التجرييب للقرآن الكرمي‪:‬‬ ‫لقد قامت هيئة اإلعجاز العلمي يف القرآن الكرمي والسنة النبوية املطهرة‪ ،‬التابعة لرابطة العامل‬ ‫اإلسًلمي‪ِ ،‬ببراز هذا اجلانب ابألسلوب العلمي وفق الضوابط اليت وضعها العلماء‪ ،‬وأجنزت العديد من‬ ‫عددا من املؤمترات‪ ،‬وهلا موقع متخصص على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬وهلا جملة علمية‬ ‫البحوث وعقدت ا‬ ‫متخصصة‪.‬‬ ‫ومن األمثلة اليت كتب فيها العلماء‪:‬‬ ‫اإلنْ َسا َن ِم ْن ُس ًَللٍَّة ِم ْن‬ ‫‪ -1‬خلق اإلنسان‪ :‬الذي يقول هللا سبحانه وتعاىل فيه‪{ :‬ولََق ْد َخلَ ْقنَا ِْ‬ ‫َ‬ ‫ضغَةا فَ َخلَ ْقنَا‬ ‫ني (‪ُُ )13‬ثَّ َخلَ ْقنَا النُّطْ َفةَ َعلَ َقةا فَ َخلَ ْقنَا الْ َعلَ َقةَ ُم ْ‬ ‫ني (‪ُُ )12‬ثَّ َج َعلْنَاهُ نُطْ َفةا ِيف قَر ٍّار َمكِ ٍّ‬ ‫ِط ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ني} [املؤمنون‪-12 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫ضغَةَ عِظَ ااما فَ َك َس ْو َن الْعِظَ َام َحلْ اما ُُثَّ أَنْ َشأْ َنهُ َخلْ اقا آَ َخَر فَتَ بَ َارَك َّ‬ ‫َح َس ُن ا ْخلَالق َ‬ ‫اَّللُ أ ْ‬ ‫الْ ُم ْ‬ ‫‪ ، ]14‬فهذه اآلية تشرح أطوار خلق اإلنسان بدقة متناهية ووصف دقيق يف وقت مل يكن العلم البشري‬ ‫–وقت نزول القرآن الكرمي‪ -‬يعرف تلك األطوار‪.‬فهذه آية معجزة ذكرت بدقة ما توصل إليه العلم‬ ‫احلديث من حقائق بعد اخرتاع وسائل التصوير والكشف اليت استطاع األطباء من خًلهلا معرفة هذه‬ ‫األطوار‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َحيس ِ‬ ‫ين‬ ‫‪ -3‬البنان وعلم البصمات‪ :‬قال هللا تعاىل‪{ :‬أ َْ َ ُ‬ ‫ب ْاإلنْ َسا ُن أَل ْن َْجن َم َع عظَ َامهُ (‪ )3‬بَلَى قَادر َ‬ ‫عز وجل على إعادة اخللق بعد‬ ‫ي بَنَانَهُ} [القيامة‪.]4-3 :‬هذه اآلية تذكر قدرة هللا َّ‬ ‫َعلَى أَ ْن نُ َس ِو َ‬ ‫جدا‪ ،‬وكل الناس يسلمون بعظمتها ويدركون ضخامتها‪ ،‬إال أن‬ ‫املوت‪ ،‬وهي عند الناس قدرة عظيمة ا‬ ‫وجها آخر من وجوه عظمة وقدرة اخلالق‪ ،‬بل اآلية جتعل هذا الوجه يف مرتبة البعث بعد‬ ‫اآلية تذكر ا‬ ‫املوت‪ ،‬وهذه آية حمسوسة لدى البشر يف الدنيا‪ ،‬لتدل على قدرة هللا تعاىل‪ ،‬واإلميان مبا أخّب عنه سبحانه‬ ‫وتعاىل‪ ،‬من أعادة اخل لق بعد املوت‪ ،‬فاهلل ال يعجزه شيء يف األرض وال يف السماء‪ ،‬فاستدل ابآلية‬ ‫احملسوسة املنظورة على احلقيقة الغيبية غري املنظورة‪.‬‬ ‫عظيما ابلنسبة ملعرفة الناس‬ ‫وهذا الوجه هو (تسوية بنان اإلنسان)‪ ،‬والبنان هو اإلصبع ليس شيئاا ا‬ ‫وعلمهم‪ ،‬وهنا موضع اإلعجاز‪ ،‬فقد كشف العلم احلديث وجه العظمة يف خلق البنان وهو (علم‬ ‫خصوصا‪-‬‬ ‫ا‬ ‫عموما ويف اإلهبام‬ ‫البصمات) فقد أثبت العلم احلديث أن بصمات األشخاص –يف األصابع ا‬ ‫بعضا‪ ،‬وكل بصمة َّتص صاحبها ومتيزه عن غريه من مجيع البشر‪ ،‬ففي هذه املساحة‬ ‫ال يشبه بعضها ا‬ ‫الضيقة يتميز كل إنسان عن غريه‪ ،‬فًل تشابه بني بنان وآخر مع ألوف املًليني من الناس‪.‬‬ ‫‪ -5‬اإلعجاز النفسي‪:‬‬ ‫احتوى القرآن على أصول الدين وشرائع اإلسًلم‪ ،‬لكن هذه الشرائع واألصول ال تستغرق كل‬ ‫القرآن‪ ،‬فاإلسًلم دين يسر وَساحة‪ ،‬وتكاليفه ليست مرهقة‪ ،‬وإمنا كثرت السور القرآنية واستبحرت آايته‬ ‫لكي تعرض احلقائق الدينية يف أسلوب مفعم ابإلقناع فياض ابألدلة‪ ،‬فإن من أهداف هذا الوحي –زايدة‬ ‫‪19‬‬ ‫على تقرير احلق والشرع الذي جاء به‪ -‬هو كيف يغرس هذا احلق يف النفوس؟ ولذا يقول هللا سبحانه‪:‬‬ ‫اإلنْ َسا ُن أَ ْكثَ َر َش ْي ٍّء َج َداال} [الكهف‪،]54 :‬‬ ‫َّاس ِم ْن ُك ِل َمثَ ٍّل وَكا َن ِْ‬ ‫َ‬ ‫صَّرفْ نَا ِيف َه َذا الْ ُق ْرآَ ِن لِلن ِ‬‫{ولََق ْد َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫{وِيف أَنْ ُفس ُك ْم أَفَ ًَل‬‫والقرآن الكرمي يلفت النظر إىل أن النفس البشرية من عجائب خلق هللا تعاىل‪َ :‬‬ ‫ص ُرو َن} [الذارايت‪ ،]21 :‬وقد جعلها القرآن الكرمي مناصفة مع آايت الكون فقال سبحانه‪:‬‬ ‫تُب ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْف بِربِك أَنَّه علَى ُك ِل شيءٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫ني َهلُْم أَنَّهُ ا ْحلَ ُّق أ ََوَملْ يَك ِ َ َ ُ َ‬ ‫{سنُ ِري ِه ْم آَ َايتنَا ِيف ْاآلَفَاق َوِيف أَنْ ُفس ِه ْم َح َّىت يَتَ بَ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َش ِهي ٌد} [فصلت‪ ،]53 :‬ولذا خاطب القرآن الكرمي النفس اإلنسانية حميطاا مبشاعرها وملبياا حاجاهتا‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َح َس َن ا ْحلَديث كتَ اااب ُمتَ َشاهباا َمثَاِنَ‬ ‫{اَّللُ نََّزَل أ ْ‬ ‫وموجها هلا َنو اخلري يقول سبحانه‪َّ :‬‬ ‫ا‬ ‫ومعاجلاا عللها‪،‬‬ ‫اَّللِ} [الزمر‪.]23 :‬‬ ‫وهبُ ْم إِ َىل ِذ ْك ِر َّ‬ ‫ِ‬ ‫تَ ْقشعُِّر ِمْنه جلُ َّ ِ‬ ‫ود ُه ْم َوقُلُ ُ‬‫ني ُجلُ ُ‬ ‫ين َخيْ َش ْو َن َرَّهبُْم ُُثَّ تَل ُ‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser