مدخل عام -علم الاجتماع والظاهرة التنظيمية- PDF
Document Details
Uploaded by AstonishedAgate5250
Tags
Summary
يوضح هذا النص مدخلًا عامًا لعلم الاجتماع ويدرس الظاهرة التنظيمية، ويشمل التعريف بالمجالات التاريخية والحديثة لعلم الاجتماع، ويتناول تاريخ التنظيم عبر العصور. ويقدم نظرة عامة عن العوامل المؤثرة في تطور المؤسسة الصناعية.
Full Transcript
# المقطع الأول: مدخل عام علم الاجتماع والظاهرة التنظيمية- يلاحظ المتتبع لموضوعات العلوم أنها مقسمة إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يتناول كل قسم منها مكون من مكونات الوجود؛ فالفلك والفيزياء يدرسان الوجود المادي، بينما تدرسان البيولوجية والكيمياء الوجود العضوي وتأتي العلوم الاجتماعية ممثلة في علم الاجتماع...
# المقطع الأول: مدخل عام علم الاجتماع والظاهرة التنظيمية- يلاحظ المتتبع لموضوعات العلوم أنها مقسمة إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يتناول كل قسم منها مكون من مكونات الوجود؛ فالفلك والفيزياء يدرسان الوجود المادي، بينما تدرسان البيولوجية والكيمياء الوجود العضوي وتأتي العلوم الاجتماعية ممثلة في علم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم السياسة وعلم النفس..الخ، لتناول بالدراسة السلوك الإنساني؛ وعلى هذا التقسيم حاولت الجامعات وضع مختلف التخصصات وصياغة برامج تدرسيها؛ وهنا نجد أنفسنا ملزمين بطرح السؤال الأساسي هنا، ألا وهو ما هو علم الاجتماع ؟ وماهي المواضيع التي يتناولها بالدراسة؟ ## أولا - تعريف علم الاجتماع لا يمكننا في دراسة علم من العلوم أن نغفل عن تحديد تعريف له يسهل للباحث فيه سبل فهمه وطرق تناوله، فكما يقول "أليكس انجلز" في حديثه عن علم الاجتماع بأننا لا يمكن أن نتوقع من دارس مبتدئ أن يدخل إلى ميدان علم جديد لا تعريف له ولا حدود له على الإطلاق، لأنه في تلك الحالة يتوجب عليه أن يتحمل مسؤولية كل شيء في ذلك العلم وبالتالي سيعجز عن فعل أي شيء ولن يجد من حل سوى التخلي عن هذا العلم، لذلك فإن تعيين حدود أي علم من خلال تقديم تعريف له يعتبر أمرا لازما حتى ولو كان هذا التحديد مؤقتا على اعتبار أن العلوم تتطور وتتغير. (انجلز، 1983، 31) غير أن محاولة وضع تعريف محدد لعلم الاجتماع يضعنا في حيرة من أمرنا؛ لماذا؟ بسبب الصعوبات التي تواجه الباحثين في وضع تعريف جامع له، نظرا للأسباب التالية: * اتساع مجال بحثه. * تعدد موضوعاته. * تداخل المفاهيم المشكلة له. * تعدد المدارس التي تدخل ضمن حدوده. (خواجه، 2012، 108) لكن عدم وجود تعريف جامع مانع لهذا العلم لا يقلل من أهميته ولا يسقط عنه وصف العلم، بل على العكس من ذلك، كون هذه الصعوبات ناتجة في حقيقتها عن الطموحات الكبرى التي يسعى علم الاجتماع إلى تحقيقها، والتي يمكن إجمالها في خاصيتين: 1. الخصوصية كعلم فهو يسعى إلى أن يكون علما قائما بذاته، له تميزه ووجوده المستقل. 2. العمومية كموضوع من خلال محاولته الجمع بين أحضانه أكبر عدد ممكن من الظواهر المتصلة بالجانب الاجتماعي، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو قانونية أو غيرها. )109( ،2012 ،خواجه( وفي ضوء ما سبق يمكن القول بأن علم الاجتماع شأنه شان جميع العلوم الأخرى يدرس المادة التي تشكل موضوعه ونقصد بها المجتمع بهدف استخلاص القواعد والقوانين التي يخضع لها، ومحاولة التنبؤ باحتمالات المستقبل في ضوء هذه القوانين وحينما يتوصل إلى هذه القواعد فإنه يضعها أمام المخططين والمسيرين لكي يهتدوا بها في علاج المشكلات التي تطرأ على المجتمع. ## ثانيا - مجالات علم الاجتماع يهدف علم الاجتماع إلى تكوين نظرة موضوعية وفهم حقيقي للمجتمع بعيدا عن الرأي المسبق والأحكام القيمية، ومن هنا ظهر نوعان من المجالات العلمية أو الدراسية: * **النوع الأول:** الاهتمامات التاريخية، وهي التي سيطرت على علم الاجتماع حتى أواخر القرن التاسع عشر. ونجد من هذه المجالات: دراسة تطور المجتمع والحضارة، دراسة المجتمع في حالة الثبات والتغير، دراسة الأنساق الاجتماعية وتطورها، دراسة حركة التاريخ الاجتماعي، دراسة السلطة ومصادر القوة (أي البحث في فكرة لماذا يقبل الناس النظام الاجتماعي؟)، انتقال المجتمع من البداوة إلى الحضارة، دراسة تطور الفكر البشري. * **النوع الثاني:** المجالات الحديثة، وهي التي سيطرت على علم الاجتماع منذ بداية القرن العشرين. (زبيدي، (26) ونجد من أبرز الاهتمامات المعاصرة ما يلي: دراسة المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، التغير الاجتماعي، التخصص الاجتماعي، الحركات الاجتماعية، الأوضاع الاجتماعية المرضية وما تؤدي إليه من ظواهر كالجريمة المنظمة، دراسة الجمعيات والحركات النسوية. ## ثالثا - المجتمع والظاهرة التنظيمية: ### 1- تاريخ التنظيم: المعقدة التنظيمات ليست وليدة عصرنا الحالي، ولكن ترجع جذورها التاريخية إلى آلاف السنين، فلقد بنى المصريون القدماء على سبيل المثال الأهرامات باستخدامهم لأنواع عديدة من التنظيمات كما ظهرت التنظيمات في مجتمعات الشرق فلقد ساعدت الصينيين في تشييد حضاراتهم القديمة وتنظيمهم لوسائل الري وبناء السدود، إضافة إلى تنظيم بناء صور الصين العظيم، وهناك العديد من الأمثلة التي تكشف لنا عن مدى إسهام وجود التنظيمات في العصور القديمة من تاريخ البشرية. (عبد الله، ص09) كما عرف المسلمون التنظيم منذ بدايات الدولة الإسلامية، وذلك من واقع المبادئ التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده في هذا الصدد ومن تلك المبادئ (مبدأ الشورى) الذي من تطبيقاته في العصر الحاضر مجلس الشورى ومجلس النواب ونحو ذلك؛ ومبدأ التخصص وتقسيم العمل والذي عمل به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، حيث كانوا يحرصون على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كما تم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنشاء العديد من الدواوين التي تماثل الوزارات والمصالح في الوقت الحاضر، وذلك في مجال العطاء والجند والخراج في مقر عاصمة الدولة الإسلامية مع إيجاد فروع لها في الأقاليم، وقد أضيف لها في عصر الدولتين الأموية والعباسية ديوان البريد وديوان الخاتم وديوان المستندات المالية وديوان الأزمة الخاصة بالحسابات وديوان المظالم وديوان النفقات وديوان العرض الخاص بالمعدات الحربية. وفي أوربا لم تحدث محاولة جادة تتميز بنمط تنظيمي لكل الحياة الاجتماعية حتى القرن الخامس عشر، فمع انتشار المدارس الدينية (المدارس التي أنشأت لتعليم الأطفال القيم اليسوعية) وبطبيق نظام دراسي يعتمد القطيعة الكلية بين الطفل والوسط العائلي والاجتماعي، كون التربية هي بمثابة تجربة للطفل في بيئة منغلقة مسيجة ومحمية من باقي المجتمع، بدأ الاهتمام بتطبيق المبادئ التنظيمية، وفي بداية القرن السادس عشر وجدت المدرسة في البرامج المتكيفة مع أعمار التلاميذ مبدأ التنظيم الاجتماعي الذي يسمح باستغلال أنجع لفكرة السياج، حيث أن تقنية السياج هي تدبير ضروري للمراقبة فرؤية المراقب لا تكون فعالة إلا إذا كان بصره يراقب أو يمسح مجالا محدودا، وهكذا بتقسيم الفضاءات وتوزيع الحراس على النقاط التي تتحكم في المداخل ونقاط العبور يمكننا معرفة نشاط كل فرد ؛ وقد مدّ القرن 17 تدريجيا نمط الإغلاق والسياج الذي كان محدودا في البداية بالفضاء الديني والمدرسة إلى مؤسسات اجتماعية أخرى مثل المستشفى حيث في أول الأمر اختصت المستشفى في أوروبا باستقبال المعوزين والفقراء ثم تطورت عملية عزل أولئك الذين لن تنسجم سلوكاتهم مع المألوف، ومثل ما أكده ميشال فوكو فقد وضع العصر الكلاسيكي بهذه الطريقة الجنون مثلا كحالة اجتماعية مرضية؛ أما المؤسسة العسكرية فقد وضعت مجموعاتها في ثكنات مسيجة ومحاطة وفي مرحلة لاحقة صارت السجون حقل تجارب مشابه وظهر منظرون لهذه المرحلة التنظيمية الثورية وهكذا تجسدت السلطة (التنظيم) من خلال كثافة الموظفين وتدعمت هيبة الدولة أكثر فأكثر وتأسس الجيش المنظم والشرطة وتمكنت المدن والدول الصغيرة من التحكم في مشكلات التأطير بصورة أفضل من الدول الكبيرة، وشكلت إيطاليا مثلا مخبرا وحقلا أوليا بتطبيق طرق وتنظيم وتسيير الحياة الاجتماعية والسياسية الجديدة لمرحلة ما بعد النظام الإقطاعي. (عبد الله، 09 ص وارتبطت بدايات التفكير العلمي في التنظيم كنتيجة حتمية لتنامي ظهور كبرى البيروقراطيات الإدارية خلال القرن التاسع عشر، والتي برزت كحاجة اجتماعية ملحة دعت إلى ضرورة الاهتمام بظواهر العقلانية والانتظام والمراقبة كعناصر أساسية فرضت نفسها على ظاهرة العمل في سياق اقتصادي وتاريخي اتسم بتنامي حجم وعدد الوحدات الصناعية الكبرى التي لم يكن من اليسير على القائمين عليها إداراتها وفقا لما كان معمول به في السابق في الوحدات الصناعية ذات الأحجام المحدودة. (التايب، 55) حيث أصبحت التنظيمات في صورها الحديثة أكثر تعقيدا من التنظيمات في العصور القديمة والوسطى نظرا لتدخلها بصورة مباشرة في حياة الأفراد والجماعات؛ كما أصبحت أكثر فاعلية وكفاءة وعقلانية حيث أصبحت تعمل على تنظيم أفعال الناس وسلوكاتهم عموما. فالفرد أصبح يولد ويتعلم ويقضي معظم حياته في تنظيمات محددة بحسب وصف "روبرت برثيوس". كما انه حين وفاته يتم إقامة المراسيم الجنائزية في إطار تنظيم معين من خلال منح الدولة التصريح النهائي للدفن. (رشوان، (05) ولا تتجلى تحولات المجتمع الأوروبي في تثبيت سلطة الدولة وتطور الإدارة فحسب بل أنها تتمظهر من خلال نجاح أعمال التجارة ونشاطات البنوك إذ لم تعد العلاقات البعيدة التي تربط بين التجار بمختلف القارات نتيجة اكتشافات تشكل عائقا أمام رجال الأعمال بفعل جودة شبكة النقل والوكلاء الذين ينوبون عنهم في مختلف المستعمرات . وفي المجال الفلاحي كانت التحولات أقل وضوحا نظرا للنظام الإقطاعي وهيمنته التي لازالت تعرقل عملية التطوير والتحديث وعندما بدأت البرجوازية الحضارية في شراء الأراضي فإنها عملت على عقلنة تسييرها وعلى تطبيق طرائق التي أثبتت مفعولها في المجالات الأخرى هكذا تميزت ولادة أوروبا الحديثة ببروز أشكال تنظيمية اجتماعية تسمح بمراقبة الفضاءات الشاسعة وتسيير مؤسسات عديدة والقيام بعمليات إنتاجية وتجارية معقدة واستلهمت العلوم الاجتماعية الناشئة معظم أفكارها ومبادئها من تطور والممارسات المعدة لحسن عمل التنظيمات الحديثة ### 2- تقنيات التنظيم الاجتماعي الأولية: #### أ- التقنيات الوثائقية والإدارية بالإضافة إلى التنظيم العقلاني للمكان الذي أصبح يتم فيه النشاط الإنتاجي هو في الحقيقة الفعل الاجتماعي يتطلب نشاط المؤسسة الاقتصادية عمليات عديدة متنوعة يصعب معها على الذين يقومون بإدارتها تذكرها كلها ولذلك فقد كان من المفيد تدوين كل ما يقع في المؤسسات المنتشرة في عدة أماكن وقد أصبحت عملية المراقبة ممكنة بحكم تسجيل كل العمليات إذ يكفي فحسب أن تتوفر المؤسسة على الموظفين النزهاء وتمكن هذه المعلومات التي يتم تجميعها من معرفة الفعل والنشاط الإنساني في شكل ثابت ومنمط لكنه صادق #### ب- التقنيات الإدارية وكانت المشكلات التي تعترض رجال الأعمال بسيطة نسبيا ذلك أن الأمكنة التي كانوا يراقبونها (أمكنة عملهم محدودة ( فالورشات والمصانع مثلا لكن بالنسبة للإداري فالمشكلات ذات طبيعة مخالفة حيث يتمثل دوره في تسيير أفراد العاملين يتوزعون على إمتداد بلده بكامله ويجب عليه مراقبتهم لأجل تحقيق غاية معينة مع أن الأمر يستحيل على الدوام ويحتاج الحاكم الإداري هذا إلى عدد الذين يحكمهم أو يخضعون لسلطته ومعرفة أماكن تواجدهم كما يتطلب الأمر معرفة ثرواتهم وأملاكهم بغرض فرض الضرائب عليهم أو بقصد تجنيدهم في فترات النزاع المسلح وأيضا من أجل استثبات الأمن يجب على الذين يمثلون السلطة تتبع تحركات أولئك الذين يهددون النظام العام ومن هنا تكون مراقبتهم ضرورية، ترتكز تقنيات التنظيم الإداري إذا على المسح الإقليمي وضرورة أن ينتسب كل فرد إلى وحدة إدارية محددة وبهدف تحقيق الأمن تطلب وضع قوة أمنية هي الشرطة وانجاز الطرقات لتسهيل عملها من أجل التنقل السريع التي تقع تحت مسؤولياتها كما يجب على الإداريين وضع سجل يحتوي كل التحولات التي تطرأ على عدد الأفراد وثرواتهم. وقد مختلف الكنائس آلية التنظيم الإداري للمكان والفكرة التي فرضت تقسيمها في تلك الفترة بسيطة وهي أنه لا يعقل تأسيس التنظيم الديني إلا بناءا على الرقابة المطلقة للمكان وهذا هو المبدأ الذي تقاسمت بموجبه المذاهب الدينية وكل الدول الأوروبية وقد ظهرت هذه الفواصل الحدودية والعلاقة بين الإيديولوجية الدينية والإيديولوجية السياسية بوضوح في القرن 16 عندما تقطعت أواصر عالم المسيحية ومن ذلك فقد تبنت ألمانيا المثل القائم لكل مملكة ديانتها حيث تم تطبيق داخل كل إمارة أو مملكة تقنيات تنظيمية معينة بغرض فرض رقابتها عليها ومن ذلك ما وضعه قنصل ترانت من قواعد تنظيمية جديدة حيث اكتسى تسجيل الأفراد أهمية بالغة : * إن الحالة المدنية تفرض على شخص مكان الولادة وتتبع مختلف مراحل حياته منذ الولادة حتى الوفاة حيث اكتشفت الدول الأوروبية قيمة التقنيات التي طبقتها الكنائس مثل: (سجلات دور العبادة) وقد وضعت الدول سجلات موازية لسجلات الكنائس وأضافت إليها سجلات الضرائب على أفراد الأسر ومن هنا صار بمقدور كل حاكم (مسير إداري) معرفة الإمكانات التي يملكها كل شخص وتطورت هذه الرقابة والتنظيم الحديث للمجتمع عن طريق التحكم في تقنيات الخرائط وقد منحت هذه التقنيات قدرة للسلطة الحاكمة في مراقبة تحركات الأفراد كما فعلت مملكة السويد مثلا في القرن 18 من ضرورة إبلاغ السلطات عند تغيير مكان السكن أو جعل جواز السفر الداخلي إجباري . لقد ارتبط تطور التنظيم الاجتماعي بتعميم تقنيات التأطير التي لا يمكن بدونها معرفة وإدارة المجموعات المتعددة الكبيرة وهذا ما جعل العلوم الاجتماعية تستلهم أفكارها منها لتظهر فروع علمية أخرى استخدمت لتطوير المجتمع كالاقتصاد، الديموغرافيا، الإحصاء ... الخ ### 3- العوامل التي أدت إلى ظهور المؤسسة الصناعية: #### أ- الحياة الفكرية : عرفت أوروبا تغيرات جذرية مست جميع نواحي الحياة الفكرية والاجتماعية ففي الناحية الفكرية كان لفلسفة التنوير الدور الكبير في تحرير العقل البشري من سيطرة الفكر اللاهوتي هذا الفكر الذي يرجع كل مشاكل حياة الدنيا إلى شيء محتوم والخلاص من هذه المشاكل بالعلم والعمل كان يعتبر وهما فهو لا يؤمن بقيمة العلم من أجل تحقيق التقدم . فالتطور الفكري الذي تولد على فلسفة التنوير رسخ في الأذهان بأن الإنسان قادر على تجاوز وقائع ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والفكرية المزرية إلى وقائع أفضل وأكثر تطورا بواسطة شيئيين اثنين: العلم الوضعي – العمل الصناعي . #### ب- الحياة الاجتماعية : أما من الناحية الاجتماعية ونظرا للتحولات العميقة التي طرأت على الملكية كونها لم تعد كما كانت في السابق ملكية الأسر العائلية أو ملكية الكنيسة بل أصبحت ملكية خاصة وفردية أدى ذلك إلى تفكك الترابط العائلي والاجتماعي الشيء الذي أثر سلبا على التكافل الاجتماعي وجعل العمل الصناعي قبلة لكل يد عاملة لما يوفره من مزايا اقتصادية لم تكن متوفرة في العمل الزراعي أو الحرفي . #### ج الناحية الاقتصادية: أما من الناحية الاقتصادية فأهم تطور اقتصادي ظهر في أوروبا في تلك الفترة وأدى إلى ظهور وتطور المؤسسة الصناعية الحديثة هو الانتقال من العمل الزراعي إلى العمل الصناعي فالمبادئ العامة التي كانت تحكم الإنتاج الزراعي والبنيات الاجتماعية المرتبطة به لم تكن بإمكانها أن تؤدي إلى ظهور المؤسسة الصناعية الحديثة ومن أهم هذه المبادئ هي: #### 1- روح المقايضة: روح المقايضة القائمة على القيمة الأخلاقية وليس القيمة الاقتصادية فتبادل السلع والخدمات كان بهدف تحقيق التكافل الاجتماعي، هذا السلوك والتصور غيب فكرة تكثيف الإنتاج وتعظيم الربح وظهور الإنتاج الصناعي والمؤسسة الاقتصادية لم يكن ممكنا قبل ظهور الرأسمالية فالفرد لم يكن له كيان مستقل بذاته في المجتمعات قبل الرأسمالية لكن بداية من القرن 18 بدأ هذا الاعتقاد يتغير فنمو الروح الفردية أدى في نهاية المطاف على المستوى الاقتصادي إلى ظهور الملكية الخاصة التي لم تكن ممكنة لولا النزعة الفردية الشيء الذي ساعد على الظهور المتسارع للمؤسسات الاقتصادية الرأسمالية كما أدى إلى الانتقال إلى القانون الوضعي في التعاملات بدل العلاقات القائمة على أساس ديني أو عبودي، وأصبح الفرد يعتمد على نفســه لإشباع حاجاته وبذلك أصبح العمل أحد المكونات الأساسية للنظام الرأسمالي والحياة الاقتصادية وأحد الضروريات في حياة الإنسان في المجتمــــــــــــــــــــع . #### 2- الرأسمالية: كما يقول ماكس فيبر أن الروح الرأسمالية هي في واقع الأمر نسق إنتاج يقوم في الأساس على المؤسسة الصناعية التي هدفها الجوهري هو تعظيم الربح وذلك بواسطة التنظيم العقلاني للعمل والوظيفة الإنتاجية فالملاحظ أن العمل أصبح له هدف اقتصادي محض يتمثل في تحقيق الربح والفائدة وللوصول إلى هذه الغاية لابد من تنظيم عقلاني و علمي، فالانضباط العقلاني كان الحدث الفريد والمهم الأصيل للرأسمالية وعليه فالشيء الذي يميز الرأسمالية الغربية التي ظهرت في القرن 19 ليست رغبة في تعظيم الربح فحسب لأن هذه الرغبة ليست حكرا على مجتمع دون غيره بل موجودة في كل المجتمعات ولكن الشيء الجديد والمتميز هو كيفية تحقيق تلك الرغبة، هل عن طريق الممارسات غير اقتصادية كالرشوة، السرقة، المنافسة غير الشرعية، أو عن طريق العمل المنتج والتنظيم العقلاني . فهذه الروح الرأسمالية هي التي أوجدت هذه المجالات الصناعية ذات التنظيم الصناعي ذو التقسيم العقلاني للعمل أو كما أسماه ريمون أرون " المجتمع الصناعي" . #### د ظهور القيم البرجوازية: من العوامل الأساسية التي أدت إلى تطور الرأسمالية وظهور المؤسسات الاقتصادية هـو ظهور قيم جديدة تتناسب مع هذه الروح الرأسمالية فقيمة التبادل الحر القائمة على تحقيق المصلحة الذاتية والمنفعية عوضت طرق التبادل القائمة على مفهوم الشرف والسيطرة ==End of OCR for page 9== الإقتطاعية وكذلك ظهور قيمة الادخار وعدم التبذير تعتبر من أهم العوامل التي ساهمت في تنمية الذهنية البرجوازية وتوسيع المجتمع الصناعي والروح الرأسمالية كما أن قيمة الواجب الاقتصادي عوضت قيمة الواجب الاجتماعي وأصبحت القيم الاقتصادية هي التي تحكم هي التي تحكم السلوك وتسيره بدل القيم الاجتماعية ==End of OCR for page 10==