كتاب المدخل إلى الفقه الإسلامي PDF

Document Details

FirmerSugilite4201

Uploaded by FirmerSugilite4201

University of Sharjah

دكتورة أسماء فتحي

Tags

Islamic jurisprudence Islamic law fiqh religious studies

Summary

This document, كتاب المدخل إلى الفقه الإسلامي, is a study of Islamic jurisprudence (fiqh). It is structured in chapters and includes questions for the reader to ponder.

Full Transcript

3 2021 1443 ] ] ] ] : ] ) ( ) ( / ) ( / / ) ( *** ] ] ) ( / ) ( ) ( ) ( ) (...

3 2021 1443 ] ] ] ] : ] ) ( ) ( / ) ( / / ) ( *** ] ] ) ( / ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ] ] ) ( ] ] ] ) ( ) ( ] ] ( ( ( ] - ] ] ) ( ) ( ] ] ) ( ) ( / ) ( ) ( / / ) ( / ) ( ] *** ) ( ) ( ] ] ) ( / ) ( ] ] ] ] ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( / ) ( / ) ( ) ( / ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( / ) ( / ) ( / ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ] ] ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( / ) ( ) ( ) ( ) ( / / ) ( / ) ( / ) ( kanôn ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( ] ) ( ] ) ( ) ( ) ( / ) ( / *** ) ( ) ( ) ( *** ) ( ] OO O *** ) ( / ) ( ] ) ( ) ( ) ( ) ( / ] ) ( ] ) ( / ) ( ) ( ) ( *** / ) ( / ] ] ) ( ) ( ] ] ] ] ] ] ] ) ( ) ( / ] ) ( : ) ( / ) ( ) ( / ] ] ] ] ] / ] ] ] *** ) ( ] / ) ( ) ( ) ( ] / ) ( / / ) ( / ] ) ( / ) ( / ] - ] ) ( ) ( » ) ( ) ( ) ( / / / ) ( ) ( ) ( ] - ) ( ) ( / ) ( *** / ) ( / ] ] ] ) ( ) ( ) ( ) ( ] - ] ] ] ] ] ) ( ] ] ] ] ] ) ( ] ] ] ] ] ] ] ) ( ) ( / ] -] ] ] ] ] ] ] *** ) ( : ) ( / ] - ] ] ) ( / ) ( ] ) ( ] ] ] ] ] / ) ( ) ( » ) ( ) ( ) ( / ] ] ) ( / ) ( ] ] ] - ) ( ) ( ) ( / ) ( ) ( ) ( ] ] ] ] ] ) ( / ) ( ) ( ) ( ] ) ( ] ) ( ] ) ( ) ( / / ) ( / ) ( ) ( / / ) ( / ) ( ] ) ( ] ) ( / ) ( ) ( ] ) ( ] ] ) ( ) ( ] / ] ) ( ] ] ) ( ] ] / ) ( ) ( / ) ( *** ) ( / ] ) ( ) ( / ) ( ) ( ] ] ] ] ] ) ( ) ( ) ( / / ) ( ) ( *** / ) ( ) ( / ) ( / ) ( ] ) ( / ) ( ] ) ( ) ( / ) ( ) ( / / ) ( ) ( ) ( ) ( ) ( / ) ( / / / ) ( ) ( ) ( / ) ( ) ( ( ) ( ‫الفصل األول‬ ‫‪101‬‬ ‫األول‬ ‫ا ال و الف‬ ‫ل‬ ‫‪102‬‬ ‫الفصل‬ ‫و‬ ‫‪.1‬كيف كان حال البشرية قبل بزوغ نور اإلسالم؟‬ ‫وضح فضل عصر الرسالة ومكانته‪.‬‬ ‫‪ّ.2‬‬ ‫واصطالحا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عرف االجتهاد لغة‬ ‫‪ّ.3‬‬ ‫واجتهاد صحابته‪.‬‬ ‫‪ّ.4‬فرق بين اجتهاد النبي‬ ‫‪.5‬اذكر مصادر التشريع في هذا العصر‪.‬‬ ‫‪.6‬م ّيز بين التشريع المكي والتشريع المدني‪.‬‬ ‫‪.7‬أين تقع مرتبة السنة النبوية من القرآن الكريم؟‬ ‫‪.8‬ع ّلل‪:‬‬ ‫أ‪ -‬عصر الرسالة أفضل العصور على اإلطالق‪.‬‬ ‫منجما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ب‪ -‬نزل القرآن على النبي‬ ‫ج‪ -‬ال يعتبر االجتهاد في العصر النبوي من مصادر التشريع‪.‬‬ ‫د‪ -‬لم يقم التشريع في عصر النبوة على فرض الوقائع‪.‬‬ ‫‪.9‬أكمل‪:‬‬ ‫وهو ابن‪......................‬‬ ‫أ‪ -‬بعث النبي‬ ‫ب‪ -‬كانت عقوبة الزاني في صدر اإلسالم‪..................................... :‬‬ ‫ج‪ -‬معظـم اآليـات المقـررة لألحـكام المبينـة للفرائـض والحـدود آيـات‬ ‫‪.................‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫‪103‬‬ ‫ومعظم اآليات التي ترجع إلى المقصد األول من الدين‪.......................‬‬ ‫د‪ -‬للعلم بأسباب النزول فوائد عديدة منها‪....................،................. :‬‬ ‫***‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪105‬‬ ‫وفيه أربعة مباحث‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬عناية الصحابة بالقرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬فقهاء الصحابة وأسباب اختالفهم‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مصادر التشريع في عصر الصحابة‪.‬‬ ‫المبحـث الرابـع‪ :‬خصائـص الفقـه فـي هذا العصـر‪ ،‬ومعالـم هادية فـي تلقي‬ ‫الصحابـة التشـريع والعمـل به‪.‬‬ ‫***‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪107‬‬ ‫إلى الرفيق األعلى بعد أن ب ّلغ الرسالة وأدى األمانة‪ ،‬وترك‬ ‫انتقل الرسول‬ ‫لألمة كنزين ثمينين هما القرآن الكريم والسنة النبوية؛ لئال يضل من تمسك بهما كما‬ ‫َاب اهللِ َو ُسنَّ َة نَبِ ِّي ِه»(‪،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪« :‬تَرك ُ ِ‬ ‫ْت فيك ُْم َأ ْم َر ْي ِن‪َ ،‬ل ْن تَض ُّلوا َما ت ََم َّس ْكت ُْم بِ ِه َما‪ :‬كت َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬فكانوا بذلك أفضل األمم‬ ‫فسار صحابته من بعده على المنهج الذي اختطه لهم‬ ‫‪.‬‬ ‫من بعده‬ ‫فالصحابة رضوان اهلل عليهم هم الجيل األول الذي ارتضى اإلسالم دينا‪،‬‬ ‫‪ ،‬اختارهم اهلل عز وجل لتأييد نبيه ومساندة‬ ‫وتلقاه بشكل مباشر من رسول اهلل‬ ‫‪ ،‬واصطفاهم لحمل الرسالة عنه‪ ،‬وتبليغها إلى األجيال من بعده‪ ،‬فكانوا‬ ‫رسوله‬ ‫حملة الدين‪ ،‬ونقلة العلم‪ ،‬وحفظة القرآن‪ ،‬ورواة السنة‪ ،‬انتشروا في أقطار األرض‬ ‫دعاة بالقول والعمل‪ ،‬هداة بالكتاب والسنة‪ ،‬ولم يشهد التاريخ البشري ً‬ ‫جيال كجيل‬ ‫علما‪ ،‬وأقلها تكل ًفا‪ ،‬وأحسنها‬ ‫‪ ،‬كانوا ألين األمة قلو ًبا‪ ،‬وأعمقها ً‬ ‫صحابة رسول اهلل‬ ‫هد ًيا وبيانًا‪ ،‬وأصدقها إيمانًا‪ ،‬وأعمقها نصيحة‪ ،‬وأقربها إلى اهلل وسيلة‪ ،‬حملوا لواء‬ ‫الدعوة‪ ،‬فكان منهم الحكام والقواد والقضاة والمفتون‪.‬‬ ‫قال اهلل تعالى فيهم‪﴿ :‬‬ ‫فيهم‪:‬‬ ‫﴾ [الفتح‪ ،]18 :‬وقال النبي‬ ‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪108‬‬ ‫«و َأ ْص َحابِي َأ َمنَ ٌة‬ ‫«خيركُم َق ْرني‪ ،‬ثم الذي َن َيلون َُهم‪ ،‬ثم الذي َن يلونَهم» (‪ ،)1‬كما قال‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ب َأ ْص َحابِي َأتَى ُأ َّمتِي َما ُيوعَدُ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون» (‪.)2‬‬ ‫ألُ َّمتي‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه َ‬ ‫إلـى الرفيق األعلى عام ‪ 11‬مـن الهجرة النبوية‪،‬‬ ‫يبـدأ عصرهـم بانتقال النبي‬ ‫وينتهـي بتولـي معاويـة بـن أبـي سـفيان الخالفة في سـنة ‪ 41‬مـن الهجـرة‪ ،‬وإن كان‬ ‫بعـض العلمـاء يرون امتـداد عصر الصحابـة إلى أواخـر القـرن األول الهجري؛ ألن‬ ‫‪ ،‬ومنهم مـن عاش إلى‬ ‫السـلطة التشـريعية فيه توالهـا رؤوس أصحاب الرسـول‬ ‫العقـد العاشـر الهجـري مثـل أنـس بن مالـك الذي توفـي سـنة ‪93‬ه‪ ،‬ولكـن بالنظر‬ ‫إلـى غلبة وكثـرة الموجودين فـي العصر كان هـذا المختار‪ ،‬وموت جميـع الصحابة‬ ‫ال يمكـن حصره‪.‬‬ ‫وكان الصحابة في أول أمرهم لشدة تمسكهم بالدين يسألون عن الحكم‬ ‫الشرعي لكل مسألة‪ ،‬حتى نهاهم النبي رف ًقا بهم‪ ،‬فقال‪َ « :‬د ُعونِي َما ت ََر ْك ُتك ُْم‪ ،‬إِن ََّما‬ ‫اختِالَفِ ِه ْم َع َلى َأنْبِ َي ِائ ِه ْم» (‪.)3‬‬ ‫َان َق ْب َلك ُْم بِ ُس َؤالِ ِه ْم َو ْ‬ ‫َه َل َك َم ْن ك َ‬ ‫تولى أبو بكر الصديق الخالفة في السنة الحادية عشرة للهجرة‪ ،‬وتاله عمر بن‬ ‫الخطاب‪ ،‬ثم عثمان بن عفان‪ ،‬ثم علي بن أبي طالب رضي اهلل عنهم جميعا‪ ،‬واستمرت‬ ‫(‪ )1‬مختصر صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الشـهادات‪ ،‬باب ال يشـهد على شـهادة جور إذا ُأشـهد ‪،207/2‬‬ ‫برقم ‪.1199‬‬ ‫‪ ،‬باب بيان أن بقاء‬ ‫(‪ )2‬جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‬ ‫أمان ألصحابه‪ ،‬وبقاء أصحابه أمان لألمة ‪ ،1961/2‬برقم ‪.2531‬‬ ‫النبي‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له‪ ،‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب االقتداء بسنن‬ ‫‪ ،94/9‬برقم ‪ ،7288‬ومسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فرض الحج مرة في العمر‬ ‫رسول اهلل‬ ‫‪ ،975/2‬برقم‪.1337‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪109‬‬ ‫مدة خالفتهم ثالثين عا ًما‪ ،‬وفى هذا العصر واجه الصحابة مها ًما شاقة‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫الفتوحات اإلسالمية قد اتسعت‪ ،‬وامتد نفوذ المسلمين إلى ما وراء الجزيرة‪ ،‬وبسطوا‬ ‫سلطانهم على مصر والشام وفارس والعراق‪ ،‬وكان لهذه البالد عادات وأعراف ونظم‬ ‫ومعامالت تختلف عن عادات العرب في الجزيرة العربية‪ ،‬ولذا كان على فقهاء‬ ‫الصحابة أن يبينوا حكم الشرع في هذه األعراف والمعامالت‪ ،‬وكذلك أحكام أهل‬ ‫الذمة‪ ،‬وهم الذين بقوا على دينهم من أهل األمصار المفتوحة‪ ،‬وهذه كلها أمور جديدة‬ ‫لم تكن في عصر الرسالة‪ ،‬ولم تدل عليها نصوص الكتاب والسنة صراحة‪ ،‬فكان ال بد‬ ‫من تطبيق االجتهاد‪.‬‬ ‫وعصر الصحابة هـو عـصر التفسير التشريعي‪ ،‬وفتح أبواب االستنباط فيما ال‬ ‫نص فيه من الوقائع‪ ،‬فقد صدرت عن رؤوس الصحابة آراء كثيرة في تفسير نصوص‬ ‫األحكام في القرآن الكريم‪ ،‬والسنة تعد مرج ًعا تشريع ًيا لتفسيرها وتبيينها‪.‬‬ ‫وفيما يلي بيان عناية الصحابة بمصدري التشريع وتصرفاتهم تجاه ما واجهوه‬ ‫من وقائع‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪110‬‬ ‫حرصـا بال ًغـا علـى االهتمـام بالكنزين‬ ‫ً‬ ‫حـرص الصحابـة رضـوان اهلل عليهـم‬ ‫‪ ،‬ويتجلـى ذلـك فيمـا يلي‪:‬‬ ‫الثمينيـن‪ ،‬كتـاب اهلل وسـنة رسـوله‬ ‫ال ص‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫في صحف‬ ‫سـبقت اإلشـارة إلـى أن القـرآن الكريـم كُتب علـى عهد النبـي‬ ‫متفرقـة مـن الجريـد والعظـام والجلـود‪ ،‬كمـا كان محفو ًظـا فـي صـدور الصحابـة‬ ‫‪ ،‬وبعضهم حفظ بعضـه‪ ،‬إال أنه لـم يجمع في‬ ‫‪ ،‬كثيـر منهـم حفظـه فـي حياتـه‬ ‫مصحـف واحد(‪.)1‬‬ ‫أن يجمع القرآن كله في‬ ‫في عهد أبى بكر‬ ‫وقد رأى عمر بن الخطاب‬ ‫كثيرا من القراء استشهدوا في موقعة اليمامة‪ ،‬وأشار على أبي بكر‬ ‫مصحف؛ ألن ً‬ ‫أول األمر‪ ،‬ألنه فعل لم‬ ‫بذلك؛ خشية أن يذهب بذهاب القراء‪ ،‬فتردد أبو بكر‬ ‫‪ ،‬ثم أخذ برأي عمر لما رأى فيه من المصلحة‪ ،‬وكان أن‬ ‫يكن على عهد الرسول‬ ‫وأحفظهم‬ ‫ألنه كان ألزم الصحابة لمجلس رسول اهلل‬ ‫أحضر زيد بن ثابت‬ ‫للقرآن‪ ،‬وأقنعه بضرورة جمعه فجمعه‪.‬‬ ‫أخرج البخاري في صحيحه أن زيد بن ثابت قال‪َ « :‬أ ْر َس َل إِ َل َّي َأ ُبو َبك ٍْر َم ْقت ََل‬ ‫اب ِعنْدَ ُه»‪َ ،‬ق َال َأ ُبو َبك ٍْر ‪ :‬إِ َّن ُع َم َر َأتَانِي َف َق َال‪:‬‬ ‫َأ ْه ِل ال َي َما َم ِة‪َ ،‬فإِ َذا ُع َم ُر ْب ُن َ‬ ‫الخ َّط ِ‬ ‫(‪ )1‬يراجع‪ :‬مناهل العرفان في علوم القرآن لـ محمد عبد العظيم الزرقاني ‪.242/1‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪111‬‬ ‫َح َّر ال َقت ُْل بِال ُق َّر ِاء‬ ‫آن‪ ،‬وإِنِّي َأ ْخ َشى َأ ْن يست ِ‬ ‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫است ََح َّر َي ْو َم ال َي َما َمة بِ ُق َّراء ال ُق ْر َ‬ ‫إِ َّن ال َقت َْل َقدْ ْ‬ ‫آن‪ُ ،‬ق ْل ُت لِ ُع َم َر‪:‬‬ ‫آن‪ ،‬وإِنِّي َأرى َأ ْن ت َْأمر بِجم ِع ال ُقر ِ‬ ‫ْ‬ ‫َُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بِا ْلمواطِ ِن‪َ ،‬في ْذ َهب كَثِير ِمن ال ُقر ِ‬ ‫ٌ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ول اهللِ ؟ َق َال ُع َم ُر‪َ :‬ه َذا َواهللِ َخ ْي ٌر‪َ ،‬ف َل ْم َي َز ْل ُع َم ُر‬ ‫ف َت ْف َع ُل َش ْي ًئا َل ْم َي ْف َع ْل ُه َر ُس ُ‬ ‫َك ْي َ‬ ‫اج ُعنِي َحتَّى َش َر َح اهللُ َصدْ ِري لِ َذلِ َك‪َ ،‬و َر َأ ْي ُت فِي َذلِ َك ا َّل ِذي َر َأى ُع َم ُر‪َ ،‬ق َال َز ْيدٌ ‪:‬‬ ‫ُير ِ‬ ‫َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫الو ْحي لِرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َعاق ٌل الَ َنت َِّه ُم َك‪َ ،‬و َقدْ ُكن َْت َت ْكت ُ‬‫َق َال َأ ُبو َبك ٍْر‪ :‬إِن ََّك َر ُج ٌل َش ٌّ‬ ‫ُب َ َ َ ُ‬ ‫َان َأ ْث َق َل َع َل َّي‬ ‫ال َما ك َ‬ ‫الج َب ِ‬ ‫اجم ْع ُه‪َ ،‬ف َو اهللِ َل ْو َك َّل ُفونِي َن ْق َل َج َب ٍل ِم َن ِ‬ ‫آن َف ْ َ‬ ‫‪َ ،‬ف َت َت َّب ِع ال ُق ْر َ‬ ‫ول اهللِ ؟‪،‬‬ ‫ون َش ْي ًئا َل ْم َي ْف َع ْل ُه َر ُس ُ‬ ‫ف َت ْف َع ُل َ‬ ‫ِمما َأمرنِي بِ ِه ِمن جم ِع ال ُقر ِ‬ ‫آن‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫اج ُعنِي َحتَّى َش َر َح اهللُ َصدْ ِري لِ َّل ِذي َش َر َح َل ُه‬ ‫َق َال‪ُ :‬ه َو َواهللِ َخ ْير‪َ ،‬ف َلم َي َز ْل َأ ُبو َبك ٍْر ُير ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ب وال ِّل َخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف‪،‬‬ ‫آن َأ ْج َم ُع ُه م َن ال ُع ُس ِ َ‬ ‫َصدْ َر َأبِي َبك ٍْر َو ُع َم َر َرض َي ا ُ‬ ‫هلل َعن ُْه َما‪َ ،‬ف َت َت َّب ْع ُت ال ُق ْر َ‬ ‫ار ِّي َل ْم َأ ِجدْ َها‬ ‫ور ِة الت َّْو َب ِة َم َع َأبِي ُخ َز ْي َم َة األَن َْص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر َجال‪َ ،‬حتَّى َو َجدْ ُت آخ َر ُس َ‬ ‫َو ُصدُ ِ‬ ‫ور ِّ‬ ‫﴾‪.‬‬ ‫َم َع َأ َح ٍد َغ ْي ِر ِه‪﴿ ،‬‬ ‫ف ِعنْدَ َأبِي َبك ٍْر َحتَّى ت ََو َّفا ُه اهللُ‪ُ ،‬ث َّم ِعنْدَ‬ ‫الص ُح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫[التوبة‪َ ]128 :‬حتَّى َخات َمة َب َرا َءةَ‪َ ،‬فكَانَت ُّ‬ ‫(‪.)1‬‬ ‫ُعمر حيا َته‪ُ ،‬ثم ِعنْدَ ح ْفص َة بِن ِ‬ ‫ْت ُع َم َر‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َّ‬ ‫اختلف الناس في قراءة القرآن الكريم‪،‬‬ ‫وفى عهد الخليفة عثمان بن عفان‬ ‫خطورة الموقف‪ ،‬فأمر‬ ‫حتى قيل إن بعضهم ُيكفر اآلخر؛ فأدرك الخليفة عثمان‬ ‫بنسخ القرآن في مصاحف عدة‪ ،‬وتوزيعها على األمصار‪ ،‬يدل على ذلك ما رواه أنس بن‬ ‫أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان‪ ،‬وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية‬ ‫مالك‬ ‫وآذربيجان مع أهل العراق‪ ،‬فأفزع حذيفة اختالفهم في القراءة فقال لعثمان‪ :‬أدرك األمة‬ ‫قبل أن يختلفوا اختالف اليهود والنصارى‪ ،‬فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب جمع القرآن ‪ ،183/6‬برقم‪.4986‬‬ ‫‪112‬‬ ‫الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك‪ ،‬فأرسلت بها حفصة إلى عثمان‪ ،‬فأمر‬ ‫زيد بن ثابت‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبير‪ ،‬وسعيد بن العاص‪ ،‬وعبد الرحمن بن الحارث بن‬ ‫هشام فنسخوها في المصاحف‪ ،‬وقال عثمان للرهط القرشيين الثالثة‪ :‬إذا اختلفتم أنتم‬ ‫وزيد في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنه إنما نزل بلسانهم‪ ،‬ففعلوا حتى إذا‬ ‫نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة‪ ،‬وأرسل إلى كل أفق‬ ‫بمصحف مما نسخوا‪ ،‬وأمر مما سواه من كل صحيفة ومصحف أن يحرق(‪.)1‬‬ ‫وكان ذلك سنة خمسة وعشرين هجرية‪ ،‬والمصاحف التي كتبت أرسلت إلى‬ ‫الكوفة‪ ،‬والبصرة‪ ،‬ودمشق‪ ،‬ومكة‪ ،‬والمدينة‪ ،‬ووضعت في جوامع األمصار‪ ،‬وجعل‬ ‫لنفسه واحدً ا بالمدينة وأسماه مصحف االمام (‪.)2‬‬ ‫ال‬ ‫ف ال‬ ‫بما صدر عنه من أقوال وأفعال فحفظوها‬ ‫اشتدت عناية صحابة الرسول‬ ‫في صدورهم‪ ،‬وأبوا أن يخالفوها متى ثبتت عندهم‪ ،‬كما أبوا أن ينحرفوا عن شيء‪،‬‬ ‫‪َ « :‬ب ِّلغوا‬ ‫ً‬ ‫امتثاال لقوله‬ ‫فارقهم عليه النبي ‪ ،‬وقاموا بتبليغ السنة إلى من وراءهم؛‬ ‫هلل ا ْم َر ًأ َس ِم َع ِمنَّا َش ْي ًئا َف َب َّل َغ ُه ك ََما َس ِم َع‪َ ،‬ف ُر َّب ُم َب ِّل ٍغ‬ ‫عني ولو آي ًة» (‪ ،)3‬وقوله‪« :‬ن ََّض َر ا ُ‬ ‫َأ ْو َعى ِم ْن َس ِامعٍ» (‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬شرح صحيح البخاري البن بطال ‪.221/10‬‬ ‫(‪ )2‬تاريخ الفقه اإلسالمي للسايس ص ‪ 37‬وما بعدها‪ ،‬تاريخ التشريع لـ محمد الخضري ص ‪،107‬‬ ‫‪.108‬‬ ‫(‪ )3‬مختصر صحيح البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب حديث أبرص وأقرع وأعمى في بني إسرائيل‬ ‫‪ ،445/2‬برقم ‪.1467‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬أبواب العلم‪ ،‬باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع ‪ ،34/5‬برقم‬ ‫‪ ،2657‬وقال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪113‬‬ ‫أنه نهـى عن كتابـة أي شـيء غير القـرآن‪ ،‬فقـد روي‬ ‫وقـد ثبـت عـن النبـي‬ ‫َب‬ ‫قـال‪َ :‬‬ ‫«ال َت ْك ُت ُبـوا َعنِّـي‪َ ،‬و َمـ ْن َكت َ‬ ‫أن رسـول اهلل‬ ‫عـن أبـي سـعيد الخـدري‬ ‫آن َف ْل َي ْم ُحـ ُه‪َ ،‬و َحدِّ ُثوا َعنِّـي‪َ ،‬و َال َح َر َج»(‪ ،)1‬كما ثبت أنـه أذن في الكتابة‬ ‫َعنِّـي َغيـر ا ْل ُقر ِ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ـاه» (‪ ،)2‬وأذن لعبـد اهلل بن عمرو فـي الكتابة‪،‬‬ ‫لبعـض النـاس‪ ،‬فقـال‪« :‬ا ْك ُتبـوا ِألَبِـي َش ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وكان عبـد اهلل يسـمي صحيفتـه الصادقـة‪ ،‬وقـد روي أن أبـا هريـرة قـال‪َ « :‬ما ِم ْن‬ ‫َان ِم ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِ‬ ‫ـن َع ْم ٍرو‪َ ،‬فإِ َّن ُه‬ ‫ـي َأ َحـدٌ َأ ْك َث َر َح ِدي ًثا َعنْ ُه ِمنِّـي‪ ،‬إِ َّال َما ك َ‬‫ـاب النَّبِ ِّ‬ ‫َأ ْص َح ِ‬ ‫ُـب َوالَ َأ ْكت ُ‬ ‫ُـب» (‪ ،)3‬كما كان لسـعد بن عبادة األنصاري صحيفة‪ ،‬ولسـمرة بن‬ ‫ك َ‬ ‫َان َي ْكت ُ‬ ‫جنـدب صحيفة‪ ،‬وكذلـك الصحيفة التـي دونت فيها حقـوق المهاجريـن واألنصار‬ ‫واليهود وعـرب المدينة‪.‬‬ ‫وكان لجابر بن عبد اهلل األنصاري صحيفة‪ ،‬وألنس بن مالك صحيفة كان‬ ‫يبرزها إذا اجتمع الناس‪ ،‬وكان ابن عباس معرو ًفا بطلب العلم‪ ،‬وبعد وفاة النبي‬ ‫كان يسأل الصحابة ويكتب عنهم‪ ،‬وكانت تلك الصحف والمجاميع تحتوي على‬ ‫العدد األكبر من األحاديث التي دونت في القرن الثالث(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم‬ ‫‪ ،2298/4‬برقم ‪.3004‬‬ ‫(‪ )2‬جزء من حديث مطول‪.‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ /‬كتاب في اللقطة‪ /‬باب كيف تعرف لقطة‬ ‫أهل مكة؟ ‪ ،125/3‬برقم ‪.2434‬‬ ‫(‪ )3‬المصدر السابق‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب كتابة العلم ‪ ،34/1‬برقم ‪.113‬‬ ‫والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية لـ رفعت بن فوزي عبد المطلب‬ ‫(‪ )4‬كتابة السنة في عهد النبي‬ ‫ص ‪ ،28 ،27‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة‪.‬‬ ‫‪114‬‬ ‫ُـب َلك ُْم ِكتَا ًبـا الَ ت َِض ُّلوا‬ ‫وجعه قـال‪« :‬ا ْئتُونِي بِ ِكت ٍ‬ ‫َاب َأ ْكت ْ‬ ‫ولما اشـتد بالنبـي‬ ‫َب ْعدَ ُه»(‪.)1‬‬ ‫من النهي عن الكتابة وبين إذنه فيها بأن‬ ‫ويمكن الجمع بين ما ورد عنه‬ ‫خاصا بوقت نزول القرآن؛ خشية التباسه بغيره واإلذن في غير ذلك‪ ،‬أو‬ ‫النهي كان ً‬ ‫أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد واإلذن في تفريقهما‪ ،‬أو‬ ‫النهي متقدم واإلذن ناسخ له عند األمن من االلتباس وهو أقربها مع أنه ال ينافيها‪،‬‬ ‫وقيل النهي خاص بمن خشي منه االتكال على الكتابة دون الحفظ‪ ،‬واإلذن لمن‬ ‫أمن منه ذلك(‪.)2‬‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫الص‬ ‫و‬ ‫‪ 1‬ـ الحث على حفظ الحديث وتثبيت ذلك الحفظ‪ ،‬حتى كان كثير منهم يأمر‬ ‫تالميذه بالكتابة لتثبيت حفظهم ثم محو ما كتبوه؛ حتى ال يتكل على الكتاب‪.‬قال‬ ‫الخطيب البغدادي‪« :‬وكان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن‬ ‫يكتبه‪ ،‬ويدرسه من كتابه‪ ،‬فإذا اتقنه محا الكتاب‪ ،‬خو ًفا من أن يتكل القلب عليه‪،‬‬ ‫فيؤدي إلى نقصان الحفظ وترك العناية بالمحفوظ»‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ كتابـة بعـض األحاديـث النبوية وتناقلهـا بينهم‪ ،‬فقد كتب أسـيد بن حضير‬ ‫بعـض األحاديث النبوية‪ ،‬وقضـاء أبي بكر وعمر وعثمان‪ ،‬وأرسـله‬ ‫األنصـاري‬ ‫بعض أحاديث رسـول اهلل‬ ‫إلـى مـروان بن الحكـم‪ ،‬وكتب جابـر بن سـمرة‬ ‫وبعـث بهـا إلـى عامـر بن سـعد بن أبـى وقـاص بناء علـى طلبـه ذلك منـه‪ ،‬وكتب‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب كتابة العلم ‪ ،34/1‬برقم ‪.114‬‬ ‫(‪ )2‬فتح الباري البن حجر ‪.208/1‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪115‬‬ ‫‪.‬‬ ‫بعـض األحاديث النبوية وأرسـل بهـا إلى أنس بـن مالك‬ ‫زيـد بـن أرقـم‬ ‫‪ 3‬ـ حث تالميذهم على كتابة الحديث وتقييده‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬قول أنس بن‬ ‫مالك األنصاري ألوالده‪« :‬يا بني قيدوا العلم بالكتاب»‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ تدوين األحاديث في الصحف وتناقلها بين الشيوخ والتالميذ‪ ،‬وكانت‬ ‫هذه الصحف هي النواة األولى لما صنف في القرنين الثاني والثالث من الجوامع‬ ‫‪،‬‬ ‫والمسانيد والسنن وغيرها‪ ،‬ومن أمثلة هذه الصحف‪ :‬صحيفة أبي بكر الصديق‬ ‫‪ ،‬وكانت معلقة في سيفه‪،‬‬ ‫فيها فرائض الصدقة‪ ،‬وصحيفة علي بن أبى طالب‬ ‫وفيها أسنان اإلبل‪ ،‬وشيء من الجراحات‪ ،‬وصحيفة عبد اهلل بن عمرو بن العاص‬ ‫‪ ،‬المعروفة بالصحيفة الصادقة‪ ،‬قال عنها‪« :‬هذه الصادقة‪ ،‬هذه ما سمعت من‬ ‫‪ ،‬ليس بيني وبينه أحد» (‪.)1‬‬ ‫رسول اهلل‬ ‫‪ 5‬ـ االحتياط في رواية الحديث؛ خشية الوقوع في الخطأ‪ ،‬وخو ًفا من أن‬ ‫يتسرب إلى السنة المطهرة الكذب أو التحريف‪ ،‬ولهذا تتبعوا كل سبيل يحفظ على‬ ‫‪ ،‬كما تشددوا في نقل‬ ‫الحديث نوره‪ ،‬فآثروا االعتدال في الرواية عن رسول اهلل‬ ‫فضل اإلقالل‬ ‫السنة والتوثق في روايتها؛ حتى ال يكون فيها دخيل‪ ،‬بل إن بعضهم َّ‬ ‫منها‪ ،‬قال ابن قتيبة‪ :‬كان عمر شديد اإلنكار على من أكثر الرواية‪ ،‬أو أتى بخبر في‬ ‫الحكم ال شاهد له عليه‪ ،‬وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية‪ ،‬يريد بذلك أال يتسع الناس‬ ‫فيها‪ ،‬ويدخلها الشوب‪ ،‬ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر واألعرابي‪،‬‬ ‫(‪ )1‬تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن األول إلى نهاية القرن التاسع الهجري ألبي ياسر محمد بن‬ ‫مطر الزهراني ص ‪ 30‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪116‬‬ ‫كأبي بكر والزبير وأبي‬ ‫وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة برسول اهلل‬ ‫عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه‪ ،‬بل كان بعضهم ال يكاد يروي‬ ‫شي ًئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة‪ ،‬والتزم‬ ‫وأتقنوا أداء الحديث‪ ،‬وضبطوا حروفه‬ ‫الصحابة في الخالفة الراشدة منهاج عمر‬ ‫ومعناه‪ ،‬وكانوا يخشون كثيرا أن يقعوا في الخطأ(‪.)1‬‬ ‫حرصا منهم على بقائها نقية صافية‪،‬‬ ‫‪ 6‬ـ التشدد في قبول السنة ممن يرويها وذلك ً‬ ‫‪،‬‬ ‫ولهذا نهى أبو بكر وعمر عن كثرة الرواية؛ حتى ال يقع الكذب على رسول اهلل‬ ‫وحتى ال يترك الناس كتاب اهلل تعالى ويشتغلوا بسنة نبيه عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫‪ ،‬وقال‬ ‫جمع الصحابة بعد وفاة الرسول‬ ‫روى أن أبا بكر الصديق‬ ‫أحاديث تختلفون فيها‪ ،‬والناس بعدكم‬ ‫لهم‪« :‬إنكم تحدثون عن رسول اهلل‬ ‫أشد اختال ًفا‪ ،‬فال تحدثوا عن رسول اهلل شي ًئا‪ ،‬فمن سألكم فقولوا بيننا كتاب اهلل‪،‬‬ ‫فاستحلوا حالله وحرموا حرامه»(‪.)2‬‬ ‫ال‬ ‫ل ال‬ ‫الص‬ ‫و‬ ‫ما روى أن جدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما أجد لك‬ ‫ذكر لك شي ًئا‪ ،‬ثم سأل الناس فقام‬ ‫في كتاب اهلل شي ًئا‪ ،‬وما علمت أن رسول اهلل‬ ‫يعطيها السدس» فقال أبو بكر‪ :‬هل‬ ‫المغيرة بن شعبة فقال‪« :‬سمعت رسول اهلل‬ ‫(‪.)3‬‬ ‫معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك‪ ،‬فأنفذه لها أبو بكر‬ ‫(‪ )1‬السنة قبل التدوين لـ محمد عجاج بن محمد تميم بن صالح بن عبد اهلل الخطيب ص ‪.92‬‬ ‫(‪ )2‬تدوين السنة ومنزلتها لـ عبد المنعم السيد نجم ص ‪.38‬‬ ‫(‪ )3‬الوسيط في علوم ومصطلح الحديث لمحمد بن محمد بن سويلم أبو ُشهبة ص ‪.61‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪117‬‬ ‫يستحلف‬ ‫وقد فعل عمر مثلما فعل أبو بكر‪ ،‬وكان على بن أبى طالب‬ ‫الراوي على روايته حتى تُقبل منه‪.‬‬ ‫فالصحابة رضوان اهلل عليهم كانوا يعملون بالسنة الصحيحة وال يتركونها إلى‬ ‫الرأي مادام النص موجو ًدا‪ ،‬ولهذا قال الفقهاء‪ :‬ال اجتهاد مع وجود نص‪ ،‬وقد يكون‬ ‫النص موجو ًدا‪ ،‬ويعمل الصحابي بخالفه؛ وذلك لضعف ثقته بالراوي الذى رواه أو‬ ‫رد حديث‬ ‫ألنه يعلم بناسخ ينسخ هذا الحديث‪ ،‬فقد ورد أن عمر بن الخطاب‬ ‫ول اهللِ‬ ‫فاطمة بنت قيس الذى قالت فيه‪َ « :‬ب َّت َز ْو ِجي َطالَقي‪ ،‬فلم َي ْج َع ْل لي َر ُس ُ‬ ‫َن َف َق َة َ‬ ‫وال ُس ْكنَى»‪ ،‬وعلل رده بقوله‪ :‬ال ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة ال‬ ‫ندرى أصدقت أم كذبت‪ ،‬حفظت أو نسيت‪ ،‬والكتاب الكريم فيه قوله تعالى في‬ ‫شأن المطلقات‪﴿ :‬‬ ‫﴾ [الطالق‪.)1( ]6 :‬‬ ‫وقد أدى هذا التشدد الذى حصل من الصحابة في قبول السنة في هذا العصر‬ ‫إلى قلة ما روي من األحاديث؛ مما جعلهم يلجأون إلى الرأي في كثير من المسائل‬ ‫التي تقابلهم‪ ،‬وقد مضى هذا العصر دون أن تدون السنة‪ ،‬مع أن عمر بن الخطاب‬ ‫‪ ،‬فأشاروا عليه‬ ‫أراد أن يكتب السنن‪ ،‬فاستشار في ذلك أصحاب رسول اهلل‬ ‫شهرا‪ ،‬ثم أصبح يو ًما وقد عزم اهلل على ذلك‪،‬‬ ‫أن يكتبها‪ ،‬فطفق عمر يستخير اهلل فيها ً‬ ‫فقال‪« :‬إني كنت أردت أن أكتب السنن‪ ،‬وإني ذكرت قو ًما كانوا قبلكم كتبوا كت ًبا‪،‬‬ ‫فأكبوا عليها وتركوا كتاب اهلل تعالى‪ ،‬وإني واهلل ال ألبس كتاب اهلل بشيء أبدً ا» (‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته لـ رفعت بن فوزي عبد المطلب ص ‪.40‬‬ ‫(‪ )2‬تقييد العلم للخطيب البغدادي ص ‪.49‬‬ ‫‪118‬‬ ‫فاقتصروا على حفظها في الصدور‪ ،‬وكتابة بعض الصحابة لها على نطاق ضيق‪،‬‬ ‫فإذا عرضت عليهم حادثة ولم يجدوا حكمها في كتاب اهلل‪ ،‬فحفاظ السنة موجودون‬ ‫في المدينة؛ ذلك ألن أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما لم يأذنا لهم بالتفرق في األمصار‬ ‫المختلفة‪ ،‬ولم تظهر في الصدر األول عوامل الكذب في الحديث حيث كان المسلمون‬ ‫على قلب رجل واحد‪ ،‬ولم تدب الفتنة بينهم(‪.)1‬‬ ‫***‬ ‫(‪ )1‬تاريخ الفقه اإلسالمي د‪.‬محمد أنيس عبادة ‪.161/1‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪119‬‬ ‫على طريـق التتبع‬ ‫فقهـاء الصحابـة هـم الذين طالـت صحبتهم لرسـول اهلل‬ ‫واألخـذ منـه‪ ،‬و ُعرفـوا بالفقـه والنظـر‪ ،‬وهـم الذيـن حفظت عنهـم الفتـوى‪ ،‬وكانوا‬ ‫(القـراء)؛ بـل ظل هـذا لقب أهـل الفتيـا فترة طويلـة في صدر اإلسـالم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يسـمون بــ‬ ‫يقـول ابـن خلـدون‪« :‬ثـم إن الصحابـة كلهـم لـم يكونـوا أهـل فتيـا‪ ،‬وال كان الدين‬ ‫مختصا للحامليـن للقرآن‪ ،‬العارفين بناسـخه‬ ‫ً‬ ‫يؤخـذ عـن جميعهم؛ وإنمـا كان ذلـك‬ ‫أو ممن سمعه‬ ‫ومنسـوخه‪ ،‬ومتشابهه ومحكمه‪ ،‬وسـائر داللته بما تلقوه عن النبي‬ ‫القـراء‪ ،‬أي الذيـن يقـرءون الكتاب؛ ألن‬ ‫منهـم ومـن عليتهـم‪ ،‬وكانوا يسـمون لذلك َّ‬ ‫العـرب كانـوا أمـة أميـة‪ ،‬فاختص مـن كان منهـم قارئًا للكتـاب بهذا االسـم؛ لغرابته‬ ‫يومئـذ‪ ،‬وبقـي األمـر كذلـك صـدر الملـة‪ ،‬ثـم عظمـت أمصـار اإلسـالم‪ ،‬وذهبـت‬ ‫األميـة مـن العـرب‪ ،‬بممارسـة الكتـاب‪ ،‬وتمكن االسـتنباط وكمـل الفقـه‪ ،‬وأصبح‬ ‫صناعة وعلمـا»(‪.)1‬‬ ‫وقد ذكر ابن القيم في إعالم الموقعين أن الذين ُحفظت عنهم الفتوى من‬ ‫نفسا‪ ،‬ما بين رجل وامرأة‪ ،‬وجعل منهم‬ ‫مائة ونيف وثالثون ً‬ ‫أصحاب رسول اهلل‬ ‫المكثرين والمقلين‪.‬‬ ‫أما المكثرون فسبعة وهم‪ :‬عمر بن الخطاب‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وعبد اهلل بن‬ ‫(‪ )1‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر البن خلدون‬ ‫ص ‪.564 ،563‬‬ ‫‪120‬‬ ‫مسعود‪ ،‬وعائشة أم المؤمنين‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وعبد اهلل بن‬ ‫‪.‬‬ ‫عمر‬ ‫ومن المتوسطين‪ :‬أبو بكر الصديق‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وأبو سعيد‬ ‫الخدري‪ ،‬وأبو موسى األشعري‪ ،‬وجابر بن عبد اهلل‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وعبد اهلل بن‬ ‫‪.‬‬ ‫عمرو بن العاص‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبير‬ ‫والمقلون ال يروى عن الواحد منهم إال المسألة والمسألتان‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبو‬ ‫الدرداء‪ ،‬وأبو عبيدة بن الجراح‪ ،‬والنعمان بن بشير‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وأبو طلحة‪،‬‬ ‫(‪.)1‬‬ ‫وأبو ذر‪ ،‬وصفية‪ ،‬وحفصة‪ ،‬وأم حبيبة‪ ،‬وآخرون‬ ‫وأشـهر الفـقهاء فيـهم‪ :‬السيدة عائشة رضـي اهلل عنها والخلفاء الراشدون‪،‬‬ ‫وعبد اهلل بن مسعود‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬ومعاذ بن‬ ‫جبل‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وأبو موسى األشعري‪ ،‬وأبو سعيد‬ ‫الخدري‪ ،‬وعلى يد تالميذهم انتشر العلم والفقه في كل األمصار‪.‬‬ ‫والمقدمـون فـي الفقـه أربعـة هـم‪ :‬عبـد اهلل بن مسـعود‪ ،‬وعبـد اهلل بـن عمر‪،‬‬ ‫وعبـد اهلل بـن عبـاس‪ ،‬وزيـد بـن ثابت‪.‬‬ ‫ما ُذكر أن زيد بن ثابت كان ً‬ ‫رأسا في‬ ‫ومن أمثلة ما ورد عن فقهاء الصحابة‬ ‫القضاء والفتوى والقراءة والفرائض‪ ،‬فقد قال الشعبي‪« :‬غلب زيد الناس على اثنتين‬ ‫الفرائض والقرآن»‪ ،‬وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪« :‬لقد علم المحفوظون من‬ ‫أصحاب محمد أن زيد بن ثابت من الراسخين في العلم‪.‬وبالجملة فقد كان واسع‬ ‫االطالع‪ ،‬ضلي ًعا في فهم تعاليم اإلسالم‪ ،‬له القدرة الفائقة على استنباط األحكام‪ ،‬إذا‬ ‫(‪ )1‬إعالم الموقعين عن رب العالمين البن القيم ‪.10/1‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪121‬‬ ‫رأى فيما لم يرد فيه أثر‪.‬قال سليمان بن يسار‪ :‬ما كان عمر وال عثمان يقدمان على‬ ‫زيد بن ثابت أحدً ا في القضاء‪ ،‬والفتوى والفرائض والقراءة»‪.‬‬ ‫علما‬ ‫وقد ظهر النبوغ العربي في ابن عباس رضي اهلل عنهما بأكمل معانيه ً‬ ‫وفصاحة‪ ،‬وكان واسع االطالع في نواح علمية مختلفة‪ ،‬يعرف الشعر‪ ،‬واألنساب‪،‬‬ ‫وأيام العرب‪ ،‬ويعلم ما ورد في القرآن‪ ،‬وأسباب نزوله‪ ،‬وحساب الفرائض‪،‬‬ ‫‪« :‬نعم ترجمان القرآن ابن عباس‪ ،‬وكان من األدب‬ ‫والمغازي‪.‬قال ابن مسعود‬ ‫بمكان‪ ،‬فإذا سأله عمر مع الصحابة يقول‪ :‬ال أتكلم حتى يتكلموا»‪ ،‬وكان عمر يقول‬ ‫له‪« :‬إنك ألصبح فتياننا وجها‪ ،‬وأحسنهم خلقا‪ ،‬وأفهمهم في كتاب اهلل»‪.‬يدل على‬ ‫ذلك ما رواه البخاري في تفسير سورة النصر عن ابن عباس أن عمر دعا ذات يوم‬ ‫شيوخ بدر ودعاني معهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما تقولون في قول اهلل تعالى‪﴿ :‬‬ ‫﴾ [النصر‪]1 :‬؟ فقال بعضهم‪ :‬أمرنا أن نحمد اهلل ونستغفره إذا نصرنا وفتح‬ ‫علينا‪ ،‬وسكت بعضهم‪ ،‬فقال لي‪ :‬أكذلك يا ابن عباس؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فما تقول؟‬ ‫أعلن له‪.‬فقال عمر‪ :‬ما أعلم منها إال ما تقول(‪ ،)1‬وهذا‬ ‫قلت‪ :‬هو أجل رسول اهلل‬ ‫يدل على قوة فهمه وجودة فكره‪.‬‬ ‫كانوا أقدر الناس على فهم القرآن الكريم؛‬ ‫وعلى الرغم من أن الصحابة‬ ‫ألنه نزل بلسانهم‪ ،‬وقد عرفوا أسباب نزوله‪ ،‬إال أنهم اختلفوا في فهمه حسب‬ ‫اختالفهم في أدوات الفهم‪ ،‬وقوة الذهن‪ ،‬واإلحاطة بألفاظ اللغة‪ ،‬واإللمام بأسباب‬ ‫النزول‪ ،‬ومعرفة أشعار العرب وعاداتهم‪ ،‬ومدى ما فتح اهلل به عليهم من طريق الرأي‬ ‫﴾‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب قوله‪﴿ :‬‬ ‫[النصر‪ ،179/6 ]3 :‬برقم ‪.4970‬‬ ‫‪122‬‬ ‫واالجتهاد(‪.)1‬قال تعالى‪﴿ :‬‬ ‫﴾ [البقرة‪.]269 :‬‬ ‫فقد كان بعضهم يفهم بعض اآليات على غير وجهها الصحيح‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‬ ‫﴾‪َ ،‬أ َخ َذ عدي‬ ‫أنه لما نزل قول اهلل تعالى‪﴿ :‬‬ ‫ِع َق ًاال َأ ْب َي َض‪َ ،‬و ِع َق ًاال َأ ْس َو َد َحتَّى ك َ‬ ‫َان َب ْع ُض ال َّل ْي ِل َن َظ َر َف َل ْم َي ْستَبِينَا‪َ ،‬ف َل َّما‬ ‫بن حاتم‬ ‫ادي ِع َقا َل ْي ِن‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِ َّن ِو َسا َد َك إِ ًذا‬ ‫ول اهللِ ‪ :‬جع ْل ُت تَح َت ِوس ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َأ ْص َب َح َق َال َيا َر ُس َ‬ ‫َح َت ِو َسا َدتِ َك» (‪.)2‬‬ ‫الخ ْي ُط َاأل ْب َي ُض‪َ ،‬واألَ ْس َو ُد ت ْ‬ ‫َان َ‬ ‫يض َأ ْن ك َ‬‫َل َع ِر ٌ‬ ‫وقد فرح الصحابة حينما نزل قوله سبحانه‪﴿ :‬‬ ‫﴾ [المائدة‪]3 :‬؛ لظنهم بأنها مجرد إخبار وبشرى‬ ‫بكى وقال ما بعد الكمال إال النقصان‪،‬‬ ‫بكمال الدين‪ ،‬ولكن عمر بن الخطاب‬ ‫بعدها إال‬ ‫‪ ،‬وقد كان مصي ًبا في ذلك إذ لم يعش النبي‬ ‫مستشعرا نعي النبي‬ ‫ً‬ ‫واحدً ا وثمانين يوما (‪.)3‬‬ ‫﴾ [النحل‪،]47 :‬‬ ‫ولما قرأ في خطبته يو ًما على المنبر قوله تعالى‪﴿ :‬‬ ‫سأل الناس عن التخوف فقال‪ :‬ما تقولون فيها؟ فقام شيخ من هذيل فقال‪ :‬التخوف‪:‬‬ ‫التنقص‪.‬قال عمر‪ :‬هل تعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬والمعنى أن‬ ‫(‪ )1‬تاريخ الفقه اإلسالمي لـ محمد علي السايس ص ‪ 46‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب قوله تعالى‪﴿ :‬‬ ‫﴾ [البقرة‪]187 :‬‬ ‫‪ ،26/6‬برقم ‪.4509‬‬ ‫(‪ )3‬تفسير القاسمي (محاسن التأويل) لـ محمد جمال الدين القاسمي ص ‪.41‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪123‬‬ ‫يأخذهم بالهالك بعد أن يبتليهم بالنقص والبالء شي ًئا فشي ًئا في أنفسهم وأموالهم‬ ‫على قوة إدراكه لم يكن يعلم‬ ‫دائما‪ ،‬فعمر‬ ‫حتى يتملكهم الخوف ويتوقعون الشر ً‬ ‫معنى هذه اللفظة حتى استفسر عنها من القوم(‪.)1‬‬ ‫وال شك أن معرفة أوضاع اللغة العربية وأسرارها‪ ،‬تعين على فهم اآليات‬ ‫التي ال يتوقف فهمها على غير لغة العرب‪ ،‬ومعرفة عادات العرب تعين على فهم‬ ‫كثير من اآليات التي لها صلة بعاداتهم‪ً ،‬‬ ‫فمثال قوله تعالى‪﴿ :‬‬ ‫﴾‬ ‫﴾ [التوبة‪ ،]37 :‬وقوله سبحانه‪﴿ :‬‬ ‫[البقرة‪ ]189 :‬ال يمكن فهم المراد منه إال لمن عرف عادات العرب في الجاهلية وقت‬ ‫نزول القرآن(‪.)2‬‬ ‫وكذلك معرفة أسباب النزول‪ ،‬وما أحاط بالقرآن من ظروف ومالبسات‪ ،‬تعين‬ ‫على فهم كثير من اآليات القرآنية‪ ،‬ولهذا قال الواحدي‪« :‬ال يمكن معرفة تفسير اآلية‬ ‫دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها»(‪ ،)3‬وقال ابن تيمية‪« :‬معرفة سبب النزول‬ ‫يعين على فهم اآلية‪.‬فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب»(‪.)4‬‬ ‫وأما قوة الفهم وسعة اإلدراك‪ ،‬فهذا فضل اهلل يؤتيه من يشاء من عباده‪ ،‬وكثير‬ ‫من آيات القرآن يدق معناه‪ ،‬ويخفى المراد منه‪ ،‬وال يظهر إال لمن أوتى ح ًظا من‬ ‫الفهم ونور البصيرة‪ ،‬ولقد كان ابن عباس صاحب النصيب األكبر والحظ األوفر‬ ‫(‪ )1‬الموافقات للشاطبي ‪.58/1‬‬ ‫(‪ )2‬التفسير والمفسرون د‪.‬محمد السيد حسين الذهبي ‪.45/1‬‬ ‫(‪ )3‬تفسير مقاتل بن سليمان ‪.8/5‬‬ ‫(‪ )4‬مجموع الفتاوى لتقي الدين ابن تيمية ‪.339/13‬‬ ‫‪124‬‬ ‫له بذلك حيث قال‪« :‬ال َّلهم َف ِّقهه في الدين‬ ‫من ذلك‪ ،‬وهذا ببركة دعاء رسول اهلل‬ ‫و َع ِّلمه التأويل»(‪.)1‬‬ ‫ا ال ص‬ ‫الف‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫تفاوت الصحابة في فهم ما ُأجمل من القرآن‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬ ‫و‬ ‫أ ـ تـردد اللفـظ بيـن معنيين؛ وذلك مثـل كلمة (قرء) الـواردة في قولـه تعالى بيانًا‬ ‫﴾ [البقرة‪،]228 :‬‬ ‫لعدة المطلقات ذوات الحيض ﴿‬ ‫فإنهـا مشـتركة بيـن الحيض والطهـر‪ ،‬وثبـت ورودها فـي كالم العرب لهمـا على حد‬ ‫سـواء؛ فقالـت السـيدة عائشـة رضـي اهلل عنهـا‪ :‬القـروء‪ :‬األطهـار‪ ،‬وقال بمثـل قولها‬ ‫زيـد بـن ثابـت وابـن عمـر وغيرهمـا‪ ،‬وقـال عمـر وابن مسـعود ونفـر مـن الصحابة‪:‬‬ ‫المـراد بهـا الحيض‪.‬‬ ‫ب ـ احتمال الترتيب لوجهين كما في آية اإليالء في قوله تعالى‪﴿ :‬‬ ‫﴾ [البقرة‪ ،]227 ،226 :‬فإنه يحتمل‬ ‫أن يكون مرت ًبا على ما قبله ترتيب المفصل على المجمل؛ فتكون الفاء للترتيب‬ ‫الذكري‪ ،‬فيكون الفيء في المدة‪ ،‬فإذا انقضت بدون فيء فيها وقع الطالق بمضيها‪،‬‬ ‫ويحتمل أن تكون الفاء للترتيب الحقيقي‪ ،‬فتكون المطالبة بالفيء أو الطالق عقب‬ ‫مضي األجل المضروب‪.‬‬ ‫ت ـ ما يوهم ظاهره التعارض بين حكمين؛ لتردده بينهما‪ ،‬كعدة الحامل‬ ‫المتوفى عنها زوجها؛ فإنها مترددة بين أن تشملها آية معتدة الوفاة التي تتربص أربعة‬ ‫أشهر وعشرا‪ ،‬وآية معتدة الطالق التي جعلت عدة الحامل وضع الحمل‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪125‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬الخالف في الجمع بين األختين بملك اليمين‪ ،‬فقد قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫﴾ إلى قوله‪﴿ :‬‬ ‫﴿‬ ‫﴾ [النساء‪.]23 :‬‬ ‫وقـال عـز مـن قائـل‪﴿ :‬‬ ‫‪.]6‬‬ ‫[المؤمنـون‪،5 :‬‬ ‫﴾‬ ‫فاآليـة األولـى بعمومهـا تحـرم الجمـع بيـن األختيـن مطل ًقـا بعقد النـكاح أو‬ ‫بملـك اليميـن‪ ،‬واآلية الثانية بعموم االسـتثناء فيهـا تجيز الجمع بيـن األختين بملك‬ ‫اليميـن؛ فـكان التعـارض بيـن عمـوم اآليتيـن‪ ،‬وفـي هـذا وقـع االختـالف‪ ،‬فذهب‬ ‫جمهـور الصحابـة إلـى تحريـم الجمع بيـن األختين بملـك اليميـن‪ ،‬وقالـوا‪ :‬إن آية‬ ‫(النسـاء) ناسـخة لعموم االسـتثناء الوارد في آيـة (المؤمنون)‪ ،‬وأجـاز ذلك بعضهم؛‬ ‫حيـث روي عـن عثمـان وابـن عبـاس رضـي اهلل عنهمـا أنهمـا أباحـا ذلـك‪ ،‬وقاال‪:‬‬ ‫أحلتهما آيـة‪ ،‬وحرمتهمـا آية‪.‬‬ ‫والتحري في األخذ بالسنة الظنية‬ ‫تفاوتهم في السماع من رسول اهلل‬ ‫الورود‪ ،‬واالجتهاد في فهمها‪ ،‬ولذلك أمثلة كثيرة منها‪:‬‬ ‫‪ ،‬ولم يسمع‬ ‫حكما أو فتوى من الرسول‬ ‫ً‬ ‫أ ـ أن يكون الصحابي قد سمع‬ ‫اآلخر ذلك الحديث‪ ،‬فيجتهد برأيه‪ ،‬وقد يوافق اجتهاده الحديث‪ ،‬وقد يخالفه؛‬ ‫فكان حكم االستئذان ثال ًثا عند أبي موسى وجهله عمر؛ حيث لم يكن يعلم سنة‬ ‫‪ ،‬وكذلك عثمان بن عفان‬ ‫االستئذان حتى أخبره بها أبو موسى األشعري‬ ‫أوجب السكنى للمتوفى عنها زمن العدة‪،‬‬ ‫لم يكن عنده علم بأن رسول اهلل‬ ‫حتى أخبرته فريعة بنت مالك‪ ،‬والعباس بن عبد المطلب بذلك‪ ،‬وفاطمة الزهراء‬ ‫‪126‬‬ ‫ث َما ت ََر ْكنَا َصدَ َق ٌة» (‪،)1‬‬ ‫قال‪« :‬الَ ن َ‬ ‫ُور ُ‬ ‫رضي اهلل عنهما لم يكن عندهما علم بأن النبي‬ ‫(‪.)2‬‬ ‫من أبي بكر‬ ‫حتى طلبت ميراثها من رسول اهلل‬ ‫ب ـ أن يبلغه الحكم‪ ،‬أو الحديث ولكن يقع في نفسه أن راوي الخبر قد وهم‪،‬‬ ‫كفعل عمر في خبر فاطمة بنت قيس السابق‪.‬‬ ‫نصا‪ ،‬ثـم يظهر النـص بخالف مـا رأى‪،‬‬ ‫ت ـ أن يجتهـد أحدهـم حيـن ال يجـد ً‬ ‫ـغ َع ِائ َشـ َة َأ َّن َع ْبـدَ اهللِ ْب َن َع ْم ٍ‬ ‫ـرو َي ْأ ُم ُر‬ ‫ومـن ذلـك مـا روي عن عبيـد بن عمير قـال‪َ :‬ب َل َ‬ ‫ـن َع ْم ٍرو َه َ‬ ‫ـذا َي ْأ ُم ُر‬ ‫ـت‪َ « :‬يـا َع َج ًبا ِال ْب ِ‬ ‫ـه َّن‪َ.‬ف َقا َل ْ‬ ‫الن َِّسـا َء إِ َذا ا ْغت ََسـ ْل َن َأ ْن َينْ ُق ْضـ َن ُر ُء َ‬ ‫وس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـه َّن‪َ ،‬ل َقدْ‬ ‫ـال َي ْأ ُم ُر ُهـ َّن َأ ْن َي ْحل ْقـ َن ُر ُء َ‬ ‫وس ُ‬ ‫ـه َّن‪َ.‬أ َف َ‬ ‫الن َِّسـا َء إِ َذا ا ْغت ََسـ ْل َن َأ ْن َينْ ُق ْضـ َن ُر ُء َ‬ ‫وس ُ‬ ‫ـد‪َ ،‬و َال َأ ِزيدُ َع َلى َأ ْن ُأ ْف ِر َغ َع َلى َر ْأ ِسـي‬ ‫اح ٍ‬ ‫َـاء و ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْـت َأ ْغت َِس ُـل َأنَا ورس ُ ِ‬ ‫ـول اهلل م ْن إِن َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُكن ُ‬ ‫ث إِ ْفرا َغ ٍ‬ ‫ات»(‪.)3‬‬ ‫ـال َ َ‬ ‫َث َ‬ ‫ث ـ أن يجتهد بعضهم في التوفيق بين القرآن والسنة لمعنى معتبر‪ ،‬كمسألة‬ ‫المشتركة في الميراث‪ ،‬فقد جاء في القرآن قول اهلل تعالى‪﴿ :‬‬ ‫﴾ [النساء‪.]12 :‬‬ ‫وال خالف بين العلماء في أن هذه اآلية في ولد األم‪ ،‬وجاء في الحديث المتفق‬ ‫عليه عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النبي قال‪َ « :‬أ ْل ِح ُقوا ال َف َر ِائ َض بِ َأ ْه ِل َها‪،‬‬ ‫ث َما ت ََر ْكنَا َصدَ َق ٌة»‬ ‫ُور ُ‬ ‫‪َ :‬‬ ‫«ال ن َ‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الفرائض‪ ،‬باب قول النبي‬ ‫‪ ،149/8‬برقم ‪.6727‬‬ ‫(‪ )2‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي ص ‪.125‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬باب حكم ضفائر المغتسلة ‪ ،260/1‬برقم ‪.331‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪127‬‬ ‫َف َما َب ِق َي َف ُه َو ِألَ ْو َلى َر ُج ٍل َذك ٍَر» (‪ ،)1‬فلما رأى عمر في المشركة أن اإلخوة األشقاء ال‬ ‫يبقى لهم شيء وقد اجتمعوا مع ولد األم‪ ،‬وقرابتهم أقوى جعل األشقاء شركاء لولد‬ ‫األم؛ إذ إن أدنى أحوال األقوى أن يشارك األضعف‪ ،‬ولما قال له زيد بن ثابت‪ :‬هب‬ ‫حجرا في اليم‪ ،‬رأي عمر أن‬ ‫ً‬ ‫حمارا‪ ،‬أو قال أحدهم‪ :‬هب أن أبانا كان‬ ‫ً‬ ‫أن أباهم كان‬ ‫التشريك بينهم في الثلث هو العدل يقسم بينهم بالسوية ذكورهم كإناثهم (‪.)2‬‬ ‫‪.‬مثال ذلك‪ :‬أن يرى الصحابة ً‬ ‫فعال من‬ ‫ل تفاوتهم في داللة فعل النبي‬ ‫‪ ،‬فيحمله بعضهم على القربة‪ ،‬ويحمله بعضهم على أنه كان على وجه‬ ‫الرسول‬ ‫االتفاق أو لسبب زال فال يكون مطلو ًبا ألمته‪ ،‬كالرمل في الطواف‪ ،‬فذهب ابن‬ ‫فعله لسبب وهو قول المشركين عن المسلمين‪ :‬أوهنتهم‬ ‫عباس إلى أن الرسول‬ ‫حمى يثرب‪ ،‬فذهب بذهاب سببه‪ ،‬وليس بسنة‪.‬وقال غيره‪ :‬إنه سنة(‪.)3‬‬ ‫تفاوتهم في االجتهاد حيث ال نص‪ ،‬ومن ذلك المسألتين الغراويتين‪،‬‬ ‫ا‬ ‫وتتكونان من زوج وأب وأم‪ ،‬أو من زوجة وأم وأب‪ ،‬وأمير المؤمنين عمر بـن‬ ‫أول من قضى فيها لألم بثلث الباقي‪ ،‬ووافقه على هذا عثمان بن عفان‬ ‫الخطاب‬ ‫وزيد بن ثابت وعبد اهلل بن مسعود وغيرهم‪ ،‬وخالفهم ابن عباس رضي اهلل عنهما‪،‬‬ ‫ورأي أن لألم ثلث التركة مطل ًقا؛ سواء أكانت مع الزوج أو الزوجة تمسكًا بظاهر اآلية‪،‬‬ ‫وبالحديث السابق‪َ « :‬أ ْل ِح ُقوا ال َف َر ِائ َض بِ َأ ْه ِل َها‪َ ،‬ف َما َب ِق َي َف ُه َو ِألَ ْو َلى َر ُج ٍل َذك ٍَر»‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجـه البخـاري فـي صحيحـه‪ ،‬كتاب الفرائـض‪ ،‬باب ميراث الولـد من أبيه وأمـه ‪ ،150/8‬برقم‬ ‫‪.6732‬‬ ‫(‪ )2‬المنتقى شرح الموطأ للباجي ‪.231/6‬‬ ‫(‪ )3‬معالم السنن للخطابي ‪.193/2‬‬ ‫‪128‬‬ ‫خامسا‪ :‬تفاوتهم في تحديد علة الحكم‪ ،‬ومثاله‪ :‬القيام للجنازة‪ ،‬كما روي عن‬ ‫ً‬ ‫َو ُق ْمنَا بِ ِه‪َ ،‬ف ُق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫جابر بن عبد اهلل قال‪َ :‬م َّر بِنَا َجن ََازةٌ‪َ ،‬ف َقا َم َل َها النَّبِ ُّي‬ ‫الجن ََازةَ‪َ ،‬ف ُقو ُموا» (‪ ،)1‬فقال قائل‪ :‬لتعظيم المالئكة‬ ‫إِنَّها ِجن ََاز ُة يه ِ‬ ‫ود ٍّي‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِ َذا ر َأ ْيتُم ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫فيعم المؤمن والكافر‪ ،‬وقال قائل‪ :‬لهول الموت فيعمهما‪ ،‬وقال قائل‪ :‬مر رسول اهلل‬ ‫بجنازة يهودي فقام لها كراهة أن تعلو فوق رأسه‪ ،‬فيخص بالكافر‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬اختالفهم في العلم بالناسخ والمنسوخ‪ ،‬ومثاله‪ :‬ما ورد من نهي رسول اهلل‬ ‫ً‬ ‫القب َل َة بِ َغ ِائ ٍ‬ ‫ط َأ ْو َب ْو ٍل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عن استقبال القبلة في قضاء الحاجة حيث قال‪« :‬الَ ت َْس َت ْقبِ ُلوا ْ‬ ‫َو َل ِك ْن َش ِّر ُقوا َأ ْو َغ ِّر ُبوا» (‪ ،)2‬فذهب قوم إلى عموم هذا الحكم وأنه غير منسوخ‪ ،‬ورآه‬ ‫جابر يبول قبل أن يتوفى بعام مستقبل القبلة‪ ،‬فذهب إلى أنه نسخ للنهى المتقدم‪،‬‬ ‫ورآه ابن عمر قضى حاجته مستدبر القبلة‪ ،‬فرد به قولهم(‪.)3‬‬ ‫ومع هذا فاختالفهم كان ً‬ ‫قليال بالنسبة لمن بعدهم؛ ألخذهم بالشورى وتيسر‬ ‫اإلجماع في عصرهم وقلة الرواية‪.‬‬ ‫***‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب من قام لجنازة يهودي ‪ ،85/2‬برقم ‪.1311‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو‬ ‫بول ‪ ،13/1‬برقم ‪.8‬‬ ‫(‪ )3‬صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب األئمة ألبي مالك كمال بن السيد سالم ‪ 19 /1‬وما بعدها‬ ‫بتصرف‪.‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪129‬‬ ‫‪ ،‬فكانوا يرجعون إلى كتاب اهلل تعالى؛‬ ‫منهج رسول اهلل‬ ‫انتهج الصحابة‬ ‫ألنه أساس الدين‪ ،‬ووحي اهلل وكالمه المبين‪ ،‬فإذا لم يجدوا الحكم في القرآن نظروا‬ ‫نصا من‬ ‫؛ ألنها بيان للتنزيل‪ ،‬فإذا وردت أقضية ال يرون فيها ً‬ ‫في سنة رسول اهلل‬ ‫لجأوا إلى استشارة أهل الرأي من فقهاء الصحابة‪ ،‬فإذا‬ ‫كتاب اهلل أو سنة رسوله‬ ‫اجتمع رأيهم على شيء كان القضاء به‪ ،‬وذلك هو ما يسمى باإلجماع‪ ،‬وكان إجماعهم‬ ‫في قوة النص‪ ،‬وإذا لم يجتمع رأيهم وكانت حجة كل منهم في مرتبة األخرى ُعمل‬ ‫وكثيرا ما بقى كل منهم على ما ذهب‬ ‫ً‬ ‫برأي األكثرية‪ ،‬ولكنه ال يعتبر إجما ًعا يلزم اتباعه‪،‬‬ ‫إليه‪ ،‬وينشأ عن هذا وجود اختالف فقهي بينهم يؤدي إلى تعدد األقوال في المسألة‬ ‫الواحدة‪ ،‬وهذه األقوال أدخلها الفقهاء فيما أطلقوا عليه اسم اآلثار‪.‬‬ ‫يتضح لنا ذلك من خالل طريقة أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما التي سارا بها‬ ‫على هذا المنهج‪ ،‬فكان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب اهلل تعالى‪،‬‬ ‫فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به‪ ،‬وإن لم يجد في كتاب اهلل نظر في سنة رسول اهلل‬ ‫‪ ،‬فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به‪ ،‬فإن أعياه ذلك سأل الناس هل علمتم أن‬ ‫قضى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القوم فيقولون‪ :‬قضى فيه بكذا أو‬ ‫رسول اهلل‬ ‫جمع رؤساء الناس فاستشارهم‪ ،‬فإذا اجتمع‬ ‫بكذا‪ ،‬فإن لم يجد سنة سنها النبي‬ ‫رأيهم على شيء قضي به‪ ،‬وكان عمر يفعل ذلك‪ ،‬فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب‬ ‫‪130‬‬ ‫والسنة سأل‪ :‬هل كان أبو بكر قضي فيه بقضاء؟ فإذا كان ألبي بكر قضاء قضى به‪،‬‬ ‫وإال جمع علماء الناس واستشارهم‪ ،‬فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضي به(‪.)1‬‬ ‫وعلى نفس المنهج سار عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬فعن عبد اهلل بن أبي‬ ‫يزيد قال‪ « :‬رأيت ابن عباس إذا سئل عن شيء هو في كتاب اهلل قال به‪ ،‬فإن لم يكن‬ ‫قال به‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب اهلل‪ ،‬ولم يقله رسول اهلل‬ ‫في كتاب اهلل‪ ،‬وقاله رسوله‬ ‫‪ ،‬وقاله أبو بكر أو عمر رضي اهلل عنهما قال به‪ ،‬وإال اجتهد رأيه» (‪.)2‬‬ ‫وهذا بالنسبة لما يحتاج إلى نظر واجتهاد‪ ،‬أما ما يمكن فهمه بمجرد معرفة‬ ‫اللغة العربية فكانوا ال يحتاجون في فهمه إلى إعمال النظر(‪.)3‬‬ ‫وبذلك كانت مصادر التشريع في هذا العصر أربعة‪ :‬الكتاب والسنة‪ ،‬واإلجماع‪،‬‬ ‫والرأي (الذي ُأطلق عليه القياس بعد ذلك)‪.‬‬ ‫‪ ،‬وهـو القـرآن الكريـم يأتـي فـي المقـام األول‪ ،‬وقـد ثبـت جميعـه‬ ‫ل‬ ‫بطريـق التواتر‪.‬‬ ‫في المقام الثاني‪ ،‬ويجب العمل بها متى صحت وثبتت‬ ‫ال‬ ‫وتأتي ال‬ ‫‪ ،‬لكن السنة ثبت القليل منا بطريق التواتر وثبت الكثير بطريق‬ ‫عن رسول اهلل‬ ‫غير متواتر‪ ،‬وهو ظني ال قطعي‪ ،‬والمتواتر مقبول بإجماع العلماء في كل عصر‬ ‫من العصور‪ ،‬أما غير المتواتر ف ُيقبل ما صح منه‪ ،‬وال ُيقبل ما لم يصح منه‪ ،‬وهنا‬ ‫يأتي الخالف بين الفقهاء‪ ،‬فمن صح عنده الحديث عمل بمقتضاه‪ ،‬ومن لم يصح‬ ‫(‪ )1‬إعالم الموقعين البن القيم ‪.50 ،49/1‬‬ ‫(‪ )2‬جامع بيان العلم وفضله البن عبد البر ‪.850/2‬‬ ‫(‪ )3‬التفسير والمفسرون د‪.‬محمد السيد حسين الذهبي ‪.45/1‬‬ ‫الفصل ال‬ ‫‪131‬‬ ‫الحديث عنده؛ لعدم الوثوق في الراوي الذى رواه ال يعمل به‪ ،‬وال يعول عليه في‬ ‫استنباط األحكام‪.‬‬ ‫ألن الوحي‬ ‫ثالث المصادر‪ ،‬ولم يكن موجو ًدا في عصر الرسول‬ ‫وا‬ ‫قرآنًا كان أم سنة‪ ،‬والرجوع إليه مفروض في حياته‪ ،‬فإن‬ ‫هو المعتبر في زمانه‬ ‫أقرهم على رأيهم كان ذلك سنة‪ ،‬وإن لم يقرهم فال ُيعتبر‪.‬‬ ‫أما في هذا العصر فقد أصبح اإلجماع حجة قطعية‪ ،‬ال تجوز مخالفته بحال من‬ ‫وخصوصا في زمن أبي بكر وعمر؛ ألن‬ ‫ً‬ ‫ميسورا في هذا العصر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمرا‬ ‫األحوال‪ ،‬وكان ً‬ ‫المجتهدين من الصحابة كانوا بالمدينة عاصمة الدولة االسالمية‪ ،‬وقد تشدد معهم‬ ‫‪ ،‬فلم يسمح ألحد منهم بالخروج عن المدينة إال للضرورة‬ ‫عمر بن الخطاب‬ ‫‪ ،‬فقد سمح لكثير‬ ‫القصوى؛ ألنهم أهل شوراه‪ ،‬أما في زمن عثمان بن عفان‬ ‫أيضا‬ ‫من المجتهدين بالتفرق في البالد المفتوحة‪ ،‬ومع ذلك فاإلجماع كان ممكنًا ً‬ ‫لسهولة إحضارهم للشورى (‪.)1‬‬ ‫عندهم يطلق على ما سوى األخذ من داللة النص‪ ،‬ومن هنا جاء اجتهادهم‬ ‫وال‬ ‫بمعناه الواسع‪ ،‬الذي يتضمن أخذ الحكم من ظواهر النصوص إذا كان الحكم مما‬ ‫تشمله تلك النصوص‪ ،‬بعد النظر في العام والخاص‪ ،‬والمطلق والمقيد‪ ،‬والناسخ‬ ‫والمنسوخ‪ ،‬مثل اجتهادهم في فهم العدة وأنها باألطهار أو بالحيض كما سبق بيانه‪.‬‬ ‫‪ ،‬في‬ ‫وأخذ الحكم كذلك من معقول النص‪ ،‬كما فعل عمر بن الخطاب‬ ‫اق َلتِ َها» (‪)2‬؛ فقد نظر‬ ‫َق َضى َأ َّن ِدي َة المر َأ ِة َع َلى َع ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫حديث أبي هريرة «أن النبي‬ ‫(‪ )1‬تاريخ الفقه اإلسالمي للسايس ص ‪.43‬‬ ‫َان ِم ْن ُه َذ ْي ٍل‪َ ،‬ف َر َم ْت إِ ْحدَ ُاه َما‬ ‫ت امر َأت ِ‬ ‫َْ‬ ‫قال‪« :‬ا ْق َت َت َل ِ‬ ‫(‪ )2‬جزء من حديث نصه‪ :‬ما رواه أبو هريرة‬ ‫اخت ََص ُموا إِ َلى النَّبِ ِّي ‪َ ،‬ف َق َضى َأ َّن ِد َي َة َجنِينِ َها ُغ َّرةٌ‪َ ،‬ع ْبدٌ َأ ْو َولِيدَ ةٌ‪،‬‬ ‫األُ ْخ َرى بِ َح َج ٍر َف َق َت َلت َْها َو َما فِي َب ْطنِ َها‪َ ،‬ف ْ‬ ‫‪132‬‬ ‫في معقول النص‪ ،‬ولم يقف على لفظه‪ ،‬فرأى أن المسئولية يشارك فيها من تكون به‬ ‫النصرة والمعونة‪ ،‬وليس مجرد القرابة النسبية والميراث‪ ،‬وكانت العاقلة على عهده‬ ‫على أهل الديوان‪ ،‬وإن لم يكونوا أقارب‪.‬‬ ‫عصبته‪ ،‬فجعلها عمر بن الخطاب‬ ‫وكذلك استنباط الحكم بابتنائه على القواعد العامة المأخوذة من األدلة‬ ‫المتفرقة في الكتاب والسنة‪ ،‬وهو ما ُعرف باالستحسان‪ ،‬والمصالح المرسلة‪ ،‬وسد‬ ‫الذرائع‪ ،‬والبراءة األصلية‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫فقد جمعوا القرآن الكريم لمصلحة األمة‪ ،‬ولم يقطع عمر يد السارق في عام‬ ‫المجاعة لشبهة االضطرار‪ً ،‬‬ ‫عمال بمبدأ الترخيص بإباحة المحرم للضرورة كاألكل‬ ‫من الميتة عند خوف الموت جو ًعا‪.‬‬ ‫وهم في هذا كله يعتمدون على ملكتهم التشريعية التي تكونت لهم من مشافهة‬ ‫ومشاهدتهم تشريعه واجتهاده‪ ،‬ووقوفهم على أسرار التشريع ومبادئه‬ ‫الرسول‬ ‫فسيحا‪ ،‬وفيه متسع لحاجات‬ ‫ً‬ ‫العامة‪ ،‬وبهذا كان مجال اجتهادهم فيما ال نص فيه‬ ‫الناس ومصالحهم‪ ،‬وقد دخلت في اإلسالم شعوب مختلفة وبالد متنائية‪ ،‬وكانت‬ ‫حرية هذا االجتهاد كفيلة بالتقنين والتشريع لكل معامالتهم وحاجاتهم(‪.)1‬‬ ‫في مسألة‬ ‫بعد وفاة رسول اهلل‬ ‫الص‬ ‫ا‬ ‫األ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫الخالفة حين اجتمع األنصار في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬يريدون أن يسندوا الخالفة إلى‬ ‫اق َلتِ َها»‪.‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب جنين المرأة‪ ،‬وأن‬ ‫و َق َضى َأ َّن ِدي َة المر َأ ِة َع َلى َع ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫العقل على الوالد وعصبة الوالد‪ ،‬ال على الولد ‪ ،11/9‬برقم ‪.6910‬‬ ‫(‪ )1‬علم أصول الفقه وتاريخ التشريع لـ عبد الوهاب خالف ص ‪ ،235‬تاريخ الفقه اإلسالمي د‪.‬محمد‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser