قراءات في مبادئ علم السياسة PDF

Summary

هذه الدراسة هي قراءات أساسية لطلاب السنة األولى بكلية االقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لتساعدهم على فهم مبادئ علم السياسة. تغطي الدراسة أفرعًا أساسية مثل الفكر السياسي، النظرية السياسية، النظم السياسية، والرأي العام. تهدف الدراسة إلى مساعدة الطالب على تكوين رؤية متبلورة حول الموضوعات محل الدراسة، وتكوين عقلية ناقدة ذات قدرة تحليلية.

Full Transcript

‫جامعة القاهرة‬ ‫كلية االقتصاد والعلوم السياسية‬ ‫قراءات في‬ ‫مبادئ علم السياسة‬ ‫أ‪.‬د‪.‬ماجدة علي صالح‬ ‫أستاذ العلوم السياسية‬ ‫بكلية االقتصاد والعلوم السياسية‬ ‫‪1‬‬ 2 ‫مقد...

‫جامعة القاهرة‬ ‫كلية االقتصاد والعلوم السياسية‬ ‫قراءات في‬ ‫مبادئ علم السياسة‬ ‫أ‪.‬د‪.‬ماجدة علي صالح‬ ‫أستاذ العلوم السياسية‬ ‫بكلية االقتصاد والعلوم السياسية‬ ‫‪1‬‬ 2 ‫مقدمة‬ ‫تم إعداد هذه الدراسة لتكون عامال مساعدا (كقراءات) أساسية للطالب‬ ‫الدارسين بالفرقة األولى في كلية االقتصاد والعلوم السياسية لكي تعينهم على‬ ‫اإلحاطة بمادة مقدمة في مبادئ علم السياسة في عدد من أفرعها األساسية‬ ‫وهي الفكر السياسي‪ ،‬والنظرية السياسية‪ ،‬والنظم السياسية‪ ،‬فضال عن الرأي‬ ‫العام كجزء أساسي من المادة يدرس في النصف الدراسي األول‪.‬‬ ‫وقد روعي في هذا اإلطار اختيار أهم القضايا الجوهرية المثارة في كل‬ ‫فرع من هذه األفرع السابقة بالشرح والتحليل المبسط الذي يهدف إلـى تحقيق‬ ‫هدف عام أساسي وهو مساعدة الطالب على تكوين رؤية متبلورة حول‬ ‫الموضوعات محل الدراسة تسهم في تكوين عقلية ناقدة ذات قدرة تحليلية‬ ‫تستطيع من خاللها نقد المفاهيم واألفكار مع مقارنتها بغيرها‪ ،‬وهو الهدف العام‬ ‫الذي تتفرع منه أهدافا جزئية مترابطة تتعلق بطبيعة كل فرع من الفروع التي‬ ‫سيدرسها الطالب الذى سيتخصص فى مجال العلوم السياسية من السنة الثانية‬ ‫إلى السنة الرابعة‪.‬‬ ‫ففي مجال الفكر السياسي يحصل الطالب على رؤية متبلورة حول بعض‬ ‫األفكار السياسية التي صاغها عدد من أبرز المفكرين السياسـيين كأنعكاس‬ ‫أساسي لعدد من المؤثرات الفكرية والمجتمعية‪ ،‬حيث ستتم اإلشارة لبعض‬ ‫النماذج البارزة في العصور القديمة والوسطى والحديثة‪.‬‬ ‫وفي مجال النظرية السياسية يتم تزويد الطالب برؤية عامة تساعده على‬ ‫التعرف على مفهوم ووظيفة النظرية السياسية مع دراسة أحد القضايا األساسية‬ ‫التي تهتم بها وهي تعمل على مالحظة وتحليل الوجود السياسي وتتمثل هذه‬ ‫القضية في (الحرية) كقيمة سياسية والتى أضحت متطلباً وموضعاً لعديد من‬ ‫‪3‬‬ ‫التحليالت المتزايدة خاصة خالل الفترة األخيرة‪.‬‬ ‫وفى مجال النظم السياسية يتعرف الطالب على عدد من القضايا األساسية‬ ‫التى يعايشها فى الحياة السياسية والتى يتم دراستها فى مجال النظم مثل‬ ‫الدولة‪ ،‬كمفهوم‪ ،‬وخصائص‪ ،‬وأنواع‪ ،‬ووظائف‪ ،‬وسلطات‪ ،‬فضال عن الدستور‪،‬‬ ‫والتوازن بين السلطات‪ ،‬واألحزاب السياسية‪ ،‬وجماعات المصالح‪ ،‬والمجتمع‬ ‫المدنى‪.‬‬ ‫وفى مجال الرأى العام يقف الطالب على مفهومه وخصائصه وشروطه‬ ‫ومراحل تكوينه وطرق قياسه ودور الوسائل اإللكترونية فى تشكيله‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫فصل تمهيدي‬ ‫يتمثل الهدف األساسي من هذا الفصل التمهيدي في إعطاء الطالب رؤية‬ ‫واضحة لطبيعة علم السياسة من نواحي عدة حيث يتعرف الدارس على ما هو‬ ‫علم السياسة وتطوره‪ ،‬وحقيقة عالقته بالحقول المعرفية األخرى‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬التعريف بعلم السياسة‪:‬‬ ‫البحث عن تعريف لعلم السياسة ال يشير إلى تعريف محدد متفق عليه‬ ‫سواء بالمعنى اللغوي أو األكاديمي‪.‬‬ ‫فالسياسة في اللغة العربية تعني القيام على الشيء بما يصلحه فهي من‬ ‫ساس يسوس‪ ،‬وساس األمر أي قام به‪ ،‬وسست الرعية أي أمرتها ونهيتها‪،‬‬ ‫والسوس هو الرياسة‪ ،‬والسياسة فعل السائس‪.‬وهي لفظة عربية‪ ،‬تشير إلى‬ ‫نوعين من السياسات هما‪ :‬سياسة عقلية أو مدنية تكون لتدبير مصالح الرعية‬ ‫وهي موكولة إلى العقل البشري‪.‬وسياسة شرعية تكون بتدبير مصالح الرعية‬ ‫بموجب النصوص الشرعية(‪.)1‬‬ ‫وعامة تشير كلمة سياسية إلى الكلمة األغريقية ‪ Polis‬وتعنى الدولة أو‬ ‫المدينة أو مكان تجمع المواطنين‪.‬أما السياسة في اللغة اإلنجليزية فتشير إلى‬ ‫كلمتين هما ‪ Policy‬و ‪ Politices‬يحمل كل منهما معنى محدد‪ :‬إذ تشير‬ ‫السياسة في المعنى األول إلى الخطة التي يتم رسمها‪ ،‬بينما تشير في المعنـى‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الئــاني إلـى السياسة الفعلية أو المطبقة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر معنى كلمة سياسية فى مفاهيم اللغة العربية‪ :‬معجم المعانى الجامع‪ ،‬ولسان العرب‪،‬‬ ‫وقاموس معاجم اللغة فى ‪Almaany.com :‬‬ ‫(‪www.wordreference.com)2‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ويعد االهتمام بالسياسة والحديث عنها موضوعا قديما يضرب بجذوره في‬ ‫أعماق التاريخ اإلنساني‪ ،‬وهو األمر الذي عكسه عديد من المفكرين‬ ‫اإلسالميين والغربيين‪.‬‬ ‫فالمفكرين اإلسالميين أمثال الغزالي‪ ،‬وابن تيمية أشاروا إلى السياسة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بمعاني عدة مترابطة غير متتاقضة من أبرزها المعاني الثالثة التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬السياسة بمعنى الرئاسة أو القيادة‪.‬‬ ‫‪ -2‬السياسة بمعنى قواعد الحركة السياسية الشرعية‪.‬‬ ‫‪ -3‬السياسة بمعنى أسلوب الحكم أو ما يسنه والة األمر من األمور التي‬ ‫تجعل الرعية أقرب إلى الصالح وأبعد عن الفساد في إطار العمل على ما‬ ‫يحقق المقاصد الشرعية‪.‬‬ ‫حيث تعد السياسة بناء على هذا وكما عرفها ابن تيمية (جماع الوالية‬ ‫الصالحة والسياسة العادلة بما يصلح الراعي والرعية) وهى بهذا تعبر عن فعل‬ ‫أقرب إلى الصالح وأبعد عن الفساد كما ذكر ابن عقيل(‪.)2‬‬ ‫أما المفكرين الغربيين بدءا من أفالطون وأرسطو فقد أولوا اهتماما كبي ار‬ ‫بظاهرة السياسة وأطلقوا عليها معاني عده‪ ،‬فقد عرفها سقراط الفيلسوف اليونانى‬ ‫بأنها فن الحكم‪ ،‬واعتبر السياسى هو من يعرف هذا الفن‪.‬كما عرفها أفالطون‬ ‫بأنها فن تربية األفراد فى حياة جماعية مشتركة‪ ،‬معتبرها فن حكم األفراد‬ ‫برضاهم‪ ،‬والسياسى هو من يعرف هذا الفن‪.‬كما أطلق أرسطو على علم‬ ‫(‪ )1‬تقى الدين أحمد ابن تيمية‪ ،‬السياسة الشرعية فى اصالح الراعى والرعية (مصر‪ :‬دار الكتاب‬ ‫العربى‪ )1951 ،‬وسعد بن عبد اهلل‪ ،‬الغزالى والسياسة‪ :‬رؤية مقاصدية لواقع األمة‬ ‫‪alukah.net‬‬ ‫(‪ )2‬لمزيد من التفاصيل حول تعرف ابن عقيل للسياسة انظر‪ :‬ابن عقيل الحنبلى‪ ،‬مدلول السياسة‬ ‫الشرعية ‪.Moslim.net‬‬ ‫‪6‬‬ ‫السياسة لقب سيد العلوم واعتبره العلم الذي يكشف لإلنسان السلوك الواجب‬ ‫اتباعه للوصول لى تحقيق السعادة باعتبارها القيمة العليا التي يسعى الفرد إلى‬ ‫تحقيقها‪ ،‬وقد اعتقد كل من أرسطو وأستاذه أفالطون أن علم السياسة يولي‬ ‫اهتماما كبي ار لتطوير نموذج مثالي لنظام سياسي يسعى لتحقيق العدالة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫والسعادة لألفراد‪.‬‬ ‫كما تشير متابعة تعريفات المفكرين والمحللين الذين أتوا بعد ذلك إلـى‬ ‫تعريفات كثيرة متنوعة‪ ،‬وتشير الدراسة ألهم االتجاهات األساسية التي تسود في‬ ‫هذا المجال‪ ،‬والتي تتراوح ما بين الضيق واالتساع وما بينهما وذلك فيما‬ ‫(‪)2‬‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬االتجاه األول‪:‬‬ ‫في مجال التعريفات التي اتجهت لتضييق المفهوم ذلك التعريف التقليدي‬ ‫الذي يحصر علم السياسة في دراسة األنماط المتعددة للمؤسسات السياسية‬ ‫)مثل الدولة وما يتفرع عنها من مؤسسات مثل الحكومة) إذ يستتد هذا التعريف‬ ‫إلى أن كلمة سياسة باللغة اإلنجليزية ‪ Politics‬مشتقة من الكلمة األغريقية‬ ‫‪ Polis‬وهي تعني الدولة كما سبقت اإلشارة‪.‬‬ ‫هذا فضال عن أن السياسة في اللغة العربية كلمة مشتقة من ساس‬ ‫يسوس‪ ،‬حيث تشير بناء على هذا للقوى التي تكون وتحدد حكومة الدولة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مصطفى غالب‪ ،‬سقراط ‪ ،foulabook.com‬وانظر مقارنة بين السياسة عند أفالطون وأرسطو‬ ‫فى السياسة‪ ،‬موسوعة ستنافورد للفلسفة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظر جمعا لهذا التعريفات فى‪ :‬االستير بونيت‪ ،‬فكرة الغرب‪ :‬الثقافة والسياسة والتاريخ ترجمة‬ ‫أحمد مغربى‪ ،‬المركز العربى لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،2018 ،‬والسياسة فى الفكر الغربى‬ ‫‪ ،marifeh.com‬ستيفن دى تانسى‪ ،‬علم السياسة‪ ،‬ترجمة رشا جمال ‪noor.book.com‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وعلى الرغم من كون الدولة تشغل ركنا أساسيا في مجال علم السياسة إال إن‬ ‫هذا التعريف قد القى عددا من االنتقادات األساسية من أساتذة العلوم السياسية‬ ‫ألسباب عدة يعود معظمها إلى ضيق نطاق المفهوم بقصره على الدولة فقط‬ ‫فيغفل بهذا دراسة عديد من القوى الرسمية مثل الرأي العام‪ ،‬فضال عن الخلط‬ ‫بين الدولة والحكومة على الرغم من إن الثانية جزءا من األولى واغفال دراسة‬ ‫الظاهرة السياسية في المجتمعات السابقة على ظهور الدولة‪ ،‬يضاف إلى هذا‬ ‫‪ -‬ما ستشير إليه الدراسة الحقا‪ -‬من ظهور عدد من الفاعلين في المجال‬ ‫الدولي من غير الدول مثل الشركات متعددة الجنسيات ممن أصبحن يمارسن‬ ‫دو ار مؤث ار على الدولة ذاتها‪.‬‬ ‫‪ - ٢‬االتجاه الثاني‪:‬‬ ‫وهو من التعريفات التي وسعت من نطاق المفهوم حيث يعتبر أن علم‬ ‫السياسة هو علم السلطة (القوة السياسية) حيث نقل بؤرة التحليل من النطاق‬ ‫الضيق الخاص بالدولة فقط‪ ،‬إلى النطاق األوسع الخاص بالسلطة في كل‬ ‫صورها‪.‬‬ ‫وتعرف السياسة بناء على هذا التعريف بأنها (سلطة ونفوذ) بما يعنيه هذا‬ ‫من فرض إرادة عليا على إرادات أخرى باستخدام طرق تتراوح ما بين اإلقناع‬ ‫أو اإلرغام وبأساليب رسمية وغير رسمية‪.‬‬ ‫إال أن هذا التعريف ونتيجة اتساعه المفرط القى عديد من أوجه النقد‬ ‫ألسباب عده أهمها عدم القدرة على حصر عالقات السلطة والنفوذ حيث تنتشر‬ ‫هذه العالقات بدءا من األسرة مرو ار بالقبيلة والنقابة والحزب والمنظمة الدولية‪،‬‬ ‫حيث رأى عديد من علماء السياسة أن هناك فرقا أساسيا بين طبيعة الدولة‬ ‫وطبيعة المجموعات البشرية األخرى مثل الحزب والنقابة والمنظمة الدولية‪،‬‬ ‫‪8‬‬ ‫يعود هذا الفرق إلى السلطة المطلقة (السيادة) التي تتمتع بها الدولة فقط‪،‬‬ ‫بعكس هذه المجموعات األخرى التي ال تحظى إال بسلطة محددة تستمدها في‬ ‫غالب األحوال من سلطة الدولة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬االتجاه الثالث(‪:)1‬‬ ‫تعد اإلشكالية السابقة هي اإلشكالية األساسية التي دعت عديد من علماء‬ ‫السياسة منهم ديفيد ايستون – العالم األمريكى ذائع الصيت ‪ -‬إلى محاولة‬ ‫حلها بتقديم مفهوم ثالث لعلم السياسة وهي العملية التي يطلق عليها عملية‬ ‫التخصيص السلطوي للقيم ‪ Authoritative allocation of values‬وذلك فى ظل‬ ‫محدودية الموارد حيث يعمل النظام على ترتيب مطالب الجماعات المختلفة‬ ‫وفق أولويات معينة تعود العتبارات عدة أبرزها أهمية الموارد والوزن النسبي‬ ‫للجماعة المتتافسة حول الموارد وهو ما يبرز في صورة ق اررات وسياسات‬ ‫تسعى لتحقيق بعض هذه المطالب‪.‬إال أن هذا االتجاه الثالث في تعريف علم‬ ‫السياسة وان كانت له وجاهته البحثية وأسانيده العلمية إال إنه قد وجهت إليه‬ ‫هو اآلخر عديد من االنتقادات أبرزها قصوره عن تقديم فهم متكامل لعلم‬ ‫السياسة فهو تعريف يجعل الهدف األعلى للنظام السياسي التخصيص‬ ‫السلطوي للقيم على حين توجد وظائف عملية أخرى ينبغي على النظام القيام‬ ‫بها‪ ،‬هذا عالوة على أن التعريف يقوم باألساس على كثرة الجماعات المتنافسة‬ ‫في المجتمعات‪ ،‬وهي ناحية ال تسود بنفس القدر في كافة النظم السياسية وهو‬ ‫ما يعود للطبيعة الغربية للمفهوم من ناحية ارتباطه بالخبرة األمريكية التي‬ ‫ينتمي إليها ديفيد ايستون‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر عرض كتاب ديفيد ايستون عن تحليل النظام السياسى فى ‪noor.book.com :‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪ -٤‬اتجاهات أخرى‪ :‬وتوجد فى هذا الصدد اتجاهات عدة من بينها(‪:)1‬‬ ‫أ ‪ -‬اتجاه ينظر لعلم السياسة على إنه النشاط السياسي الذي يسعى‬ ‫لتحقيق الصالح العام للمجتمع ككل‪.‬وهو تعريف وان كان ال يخالف المنطق‬ ‫الصحيح إال إنه يؤخذ عليه الشمول والتبسيط حيث ال يأخذ في اعتباره عناصر‬ ‫عدة فى التعريف كان يجب إدخالها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اتجاه ينظر إلى علم السياسة على إنه التسوية السلمية للمنازعات من‬ ‫خالل آليات عده منها التفاوض والحوار لمنع وصول الصراع إلى وسائل غير‬ ‫سلمية‪.‬وهو تعريف ضيق نطاق السياسة وجعلها فرع المعرفة المختص بتوزيع‬ ‫القيم في المجتمع استنادا لسلطة شرعية‪ ،‬إال أن هذا المفهوم لعلم السياسة على‬ ‫الرغم من أهميته فال يزال بدوره قاص ار على عرض رؤية متكاملة لعلم‬ ‫السياسة‪.‬‬ ‫وعليه وفي واقع األمر وازاء هذه االختالفات العديدة في النظر إلى مفهوم‬ ‫علم السياسة‪.‬يمكن القول إن دراسة السياسة البد أن تشير إلى كل ما له صلة‬ ‫بالقوى والمؤسسات القائمة في المجتمعات‪ ،‬فالسياسة ال تقتصر على تركيزها‬ ‫على الدولة أو القوة السياسية أو فض النزاع بين جماعات متصارعة لتقرير إن‬ ‫قيمة ما يجب أن تكون لها األولوية على األخرى‪ ،‬فهي تشمل كل هذا حيث‬ ‫تشير إلى كل ما له صلة بالقوى والمؤسسات الموجودة في المجتمع المعترف‬ ‫بأن لها سلطة شاملة نهائية في المجتمع بهدف أساسي هو حفظ النظام القائم‬ ‫وتحقيق األهداف التي يسعى المجتمع إليها مع تسوية الخالفات الناشئة‬ ‫بوسائل سلمية أساسية مثل الحوار والتفاوض‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هادى الشيب‪ ،‬د‪.‬رضوان يحيى‪ ،‬مقدمة فى علم السياسة والعالقات الدولية (المركز الديمقراطى‬ ‫العربى‪ )2017 ،‬فى ‪olemocraticac.ole‬‬ ‫‪10‬‬ ‫وعليه يمكن القول إن علم السياسة هو علم دراسة الظواهر السياسية‬ ‫بمنهج علمي تجريبي‪ ،‬حيث تشير الظواهر السياسية إلى كل ما يدور في‬ ‫الواقع السياسي من أنشطة وأحداث ذات صلة بشئون السلطة والحكم‪.‬إذ‬ ‫تشير إلى تفاعالت القوة الرسمية وغير الرسمية داخل الدولة وخارجها سواء‬ ‫بين الدول‪ ،‬أو بينهم وبين الفاعليين من غير الدول وذلك فى الشئون التى تهم‬ ‫الجماعة اإلنسانية‪ ،‬أما المنهج العلمي التجريبي فيتجه لتقديم تفسير غير‬ ‫منحاز للواقع السياسي‪ ،‬وتأسيسا على هذا فأنه تجب التفرقة بين السياسة كعلم‬ ‫وكممارسة‪.‬‬ ‫فكل ما يدور على ألسنة األفراد في المجتمع يوضع في مجال السياسة‬ ‫التي ال تستتد في غالبيتها على الدراسة والتحليل العلمي‪ ،‬حيث تستند تحليالت‬ ‫هؤالء على قضايا وحوادث ال تقوم على منهج علمى‪.‬‬ ‫أما علم السياسة فيستتد إلى المالحظة للظواهر وتحليل أسباب وجودها‬ ‫وكيفية عملها ومقارنتها مع غيرها من الظواهر للوصول إلى نتائج يمكن‬ ‫رصدها وتوقع ما سيحدث في المستقبل من سيناريوهات وفقا لهذه النتائج‬ ‫المستخلصة‪ ،‬وذلك بناء على دراسة علمية رصينة ودقيقة‪.‬‬ ‫ووفقا لهذا يتعارض علم السياسة مع النظرة الضيقة التي تستند إلى التحليل‬ ‫المبسط غير المتعمق الذي ال يبحث في ما وراء الحدث والقضية من سوابق‬ ‫ونظريات‪.‬‬ ‫وتعد دراسة العلوم السياسية دراسة لمنهجية السياسة أو دراسة العملية التي‬ ‫يتم من خاللها اتخاذ الق اررات الحكومية وهي بهذا تهتم بمن يحصل على ماذا‬ ‫وأين ومتى وكيف؟‬ ‫وهي أيضا دراسة السياسة والحكومة والسياسة العامة وذلك من خالل‬ ‫‪11‬‬ ‫درسة عمليات الحكومة‬ ‫وصف وتفسير الظواهر السياسية‪ ،‬وهو ما يشمل ا‬ ‫(كيف يصبح مشروع ما قانونا؟) ودراسة المؤسسات الحكومية (مؤسسة‬ ‫الرئاسة‪ ،‬أو المجلس التشريعي) فضال عن دراسة لسلوك الناس في الحكومة‬ ‫(سواء مسئولين منتخبين أم موظفي الحكومة) ودراسة كيفية تفاعل المواطنين‬ ‫مع حكوماتهم (هل يصوت األفراد ولماذا؟) وكذلك دراسة لدور المجتمع المدني‬ ‫وغيرها من ظواهر سياسية‪.‬‬ ‫والعلوم السياسية بهذا تسعى لزيادة معرفة األفراد وفهمهم للسياسة‪،‬‬ ‫والمؤسسات والعمليات السياسية من خالل دراسة علمية متعمقة ومنظمة‪ ،‬إذ‬ ‫يعد علم السياسة انعكاساً معرفياً لطبيعة الظاهرة السياسية‪ ،‬وفى هذا اإلطار‬ ‫يكون من المتطلبات األساسية النظر إلى علم السياسية كعلم يسعى لدراسة‬ ‫الظاهرة السياسية بما تحتوى عليه من قضايا ومشكالت سياسية مختلفة وهى‬ ‫بالشك كثيرة ومتجددة(‪ ،)1‬حيث يكون من المهم محاولة إيجاد حلول من خالل‬ ‫وسائل تتبعها الحكومات لمواجهة كل ما يعترضها من مشكالت‪ ،‬وتلبية‬ ‫تطلعات األفراد والحفاظ على حقوقهم وحرياتهم المختلفة‪ ،‬مع بيان أهمية‬ ‫المشاركة السياسية للمواطنين وتشجيعهم على ايجابية االنخراط فى القضايا‬ ‫المجتمعية لدولهم‪ ،‬حيث يفترض فى المنهج الذى يدرسه الطالب فى بداية‬ ‫تعرفه على العلوم السياسية أن يؤثر فيه تأثي اًر إيجابياً يجعله كلما عرف‬ ‫وتوسعت مداركه أن يكون أقدر على فهم ما يمر به العالم بصفة عامة‪ ،‬ودولته‬ ‫بصفة خاصة من قضايا ومشكالت األمر الذى يجعل هذا الطالب أفضل ممن‬ ‫لم يدرس هذا المنهج‪.‬‬ ‫(‪ )1‬من الدراسات المهمة التى تناولت مفهوم علم السياسة وماهيته وخصائصه‪ ،‬انظر‪ :‬د‪.‬نصر‬ ‫محمد عارف‪" ،‬حالة علم السياسة فى القرن العشرين‪ :‬تاج العلوم‪...‬هل يستطيع أن يكون‬ ‫علماً" (مجلة النهضة‪ :‬العدد األول‪ ،‬أكتوبر ‪ )1999‬ص ‪.34 -5‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ثانياً‪ :‬تطور علم السياسة‪:‬‬ ‫اعترفت الجامعات األوروبية واألمريكية بعلم السياسة كأحد أفرع العلوم‬ ‫االجتماعية منذ نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬وهو االعتراف الذى تبلور بانشاء كل‬ ‫من المدرسة الحرة للعلوم السياسية فى باريس عام ‪ ،1872‬ومدرسة لندن لعلم‬ ‫االقتصاد والسياسة عام ‪.1895‬وقد تأكدت أهمية هذا العلم عقب اعتماده‬ ‫كمادة للتدريس فى الجامعات األوروبية بصفة عامة‪ ،‬والجامعات األمريكية‬ ‫بصفة خاصة‪ ،‬حيث ساعدت عوامل عدة على نمو هذا العلم مثل الحرية‬ ‫الفكرية وتقدم العلوم االجتماعية‪ ،‬فضال عن الحاجة إلى علم السياسة من أجل‬ ‫المساعدة فى إعداد قادة سياسيين واداريين جدد وتنمية وعى المواطنين‪.‬وهو‬ ‫األمر الذى رافقه االتجاه نحو الدراسة االستقرائية لكثير من الظواهر السياسية‬ ‫مثل األحزاب السياسية وجماعات المصالح والرأى العام وغيرها خاصة فى‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية التى حدث بها عدد من التطورات المهمة ساعدت‬ ‫علماء السياسة على تبنى عديد من النظريات الجديدة حينذاك والتى عملت‬ ‫على التأثير على العلماء والمفكرين السياسيين فى أوروبا مما أحدث تحوالت‬ ‫تدريجية ايجابية عدة‪.‬هذا وأن ظلت النظرة السائدة إلى علم السياسة إلى فترة‬ ‫ما قبل الحرب العالمية الثانية على أنه فرع من أفرع العلوم االجتماعية التى‬ ‫تختص بالحياة السياسية وليس كميدان خاص للمعرفة‪ ،‬وذلك تأسيسا على‬ ‫تناول جميع العلوم االجتماعية للسياسة‪ ،‬إال أنه وبعد انتهاء الحرب العالمية‬ ‫الثانية برزت عديد من الظواهر السياسية أبرزها انقسام العالم إلى معسكرين‬ ‫(شرقى وغربى) وقيام دول جديدة‪ ،‬األمر الذى ساعد على التأكيد على أهمية‬ ‫علم السياسية وفتح المجال إلجراء بحوث ودراسات سياسية مستقلة‪ ،‬األمر‬ ‫الذى جعل علم السياسة بعد هذا موضوعاً يستقل بدراسته يتناسب مع تعقد‬ ‫‪13‬‬ ‫الظواهر السياسية والرغبة فى دراستها بعمق تحليلى من أجل سبر أغوارها‪،‬‬ ‫حيث اتجه الباحثون السياسيون إلى تحديد موضوع يختص به دون غيره من‬ ‫العلوم االجتماعية‪ ،‬وقد اهتم علماء السياسية فى البداية بدراسة موضوعات‬ ‫سياسية مهمة عدة منها الدولة‪ ،‬والسلطة أعقبها االهتمام بدراسة المؤسسات‬ ‫السياسية والدستورية والحزبية وكذلك السلوك السياسى‪ ،‬وهو ما جعل علم‬ ‫السياسة على النحو الذى نعرفه اليوم يشمل موضوعات كثيرة قديمة وجديدة‬ ‫ومتجددة‪ ،‬لذلك هناك الكثير من الباحثين السياسيين يستخدمون مصطلح العلوم‬ ‫السياسة وليس علم السياسة وهو ما يعود إلى وجود موضوعات وأفرع عدة لهذا‬ ‫العلم‪ ،‬إال أن ه يجب أن نؤكد فى هذا الصدد أن العلم جزء كامل ال يتج أز وأن‬ ‫تقسيم علم السياسة إلى أفرع جاء من أجل التعمق فى دراسة هذه الموضوعات‪.‬‬ ‫ومن أجل ايجاد حل للعديد من الموضوعات التى تندرج ضمن علم السياسة‬ ‫اجتمع عدد من علماء السياسة فى باريس عام ‪ 1948‬برعاية منظمة اليونسكو‬ ‫بهدف تأسيس جمعية عالمية تعنى بشئون علم السياسة حيث تم تأسيس ما‬ ‫أطلق عليه (الجمعية الدولية لعلم السياسة) التى حددت موضوعات علم‬ ‫السياسة فى أربع موضوعات هى‪:‬‬ ‫‪ -1‬النظرية السياسية وتشمل النظرية السياسية وتاريخ الفكر السياسى‪.‬‬ ‫‪ -2‬النظم السياسية وتشمل الدستور والحكومة المركزية والحكومة اإلقليمية‬ ‫والمحلية واإلدارة العامة‪ ،‬ووظائف الحكومة‪ ،‬والنظم السياسية المقارنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬األحزاب والرأى العام وتشمل األحزاب السياسية وجماعات الضغط ودور‬ ‫المواطن فى الحكم واإلدارة والرأى العام‪.‬‬ ‫‪ -4‬العالقات الدولية وتشمل السياسة الدولية‪ ،‬والتنظيمات واإلدارة الدولية‪،‬‬ ‫والقانون الدولى‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫ولقد وضع مؤتمر باريس حجر األساس فى تحديد موضوعات علم‬ ‫السياسة مع اختالفات طفيفة فتم االتجاه إلى اختصار الموضوعات األربعة‬ ‫إلى ثالثة فقط تتمثل فى النظرية السياسية والفكر السياسى‪ ،‬والنظم السياسية‪،‬‬ ‫والعالقات الدولية‪ ،‬دون أن يؤثر هذا تأثي اًر سلبياً على تناول الموضوعات‪ ،‬أو‬ ‫يمنع من ناحية أخرى عالقة علم السياسة بالعلوم األخرى(‪.)1‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬عالقة علم السياسة بالحقول المعرفة األخرى(‪:)2‬‬ ‫تقسم العلوم إلى نوعين رئيسين هما‪ :‬العلوم الطبيعية وتشمل علوماً مثل‬ ‫الفلك‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬والطبيعة‪ ،‬والجيولوجيا‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬والنبات‪.‬أما النوع الثاني‬ ‫فهو العلوم االجتماعية وتشمل التاريخ‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬واالجتماع‪،‬‬ ‫والسياسة‪ ،‬والقانون‪ ،‬واألخالق‪ ،‬واالقتصاد واإلدارة واإلنثروبولوجي‪.‬‬ ‫ولما كانت هذه العلوم بنوعيها تتعلق بحياة اإلنسان ونشاطه وعالقاته‪،‬‬ ‫وهي المجال األساسي للعلوم السياسية‪ ،‬فإن لها عالقات وثيقة مع العلوم‬ ‫السياسية‪ ،‬ولدلك ينبغي أن نشير إلى طبيعة هذه العالقات لكي يأخذها الباحث‬ ‫السياسي في اعتباره عند تصديه للدراسات السياسية‪ ،‬حتى تكون نظرته أكثر‬ ‫شموال‪ ،‬وأدق استنتاجا‪.‬‬ ‫‪-1‬العلوم السياسية والعلوم الطبيعية‪:‬‬ ‫هناك عالقة وثيقة بين العلوم السياسية والعلوم الطبيعية‪ ،‬وخاصة علمي‬ ‫(‪ )1‬مايكل جى روسكين‪ ،‬التطور التاريخى للعلوم السياسية‪ ،‬ترجمة زهير الخويلدىن شبكة النبأ‬ ‫المعلوماتية‪ ،‬كانون الثانى‪.2021 ،‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬د‪.‬بطرس غالى‪ ،‬ود‪.‬خيرى عيسى‪ ،‬المدخل فى علم السياسة ‪.maktabah.net‬‬ ‫د‪.‬جمال سالمة على‪ ،‬السياسة بين األمم‪ :‬النظرية السياسية وقضايا الفكر السياسى‪ ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫دار النهضة العربية‪.2005 ،‬‬ ‫‪15‬‬ ‫الحيوان والجغرافيا‪ ،‬فاإلنسان يعتبر مجاال مشتركا لعلم السياسة وعلم الحيوان‪،‬‬ ‫وقد أثرت نظرية التطور تأثي ار واضحا على الفكر السياسي وخاصة في صياغة‬ ‫النظرية الفردية التي تستتد على فكرة المنافسة والبقاء لألصلح‪ ،‬وكذلك تلتقي‬ ‫الدراسات السياسية مع الدراسات الجغرافية عند تناول مقومات الدولة مثل‬ ‫السكان واألرض والموارد الطبيعية والمناخ والتضاريس‪ ،‬فهذه االعتبارات كلها‬ ‫تؤثر على كيان الدولة قوة وضعفا‪.‬‬ ‫‪ -٢‬العلوم السياسية وعلم االجتماع‪:‬‬ ‫يبحث علم االجتماع في حياة اإلنسان باعتباره كائنا اجتماعيا من النواحي‬ ‫السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والدينية‪ ،‬واألسرية‪ ،‬وكيف‬ ‫ولماذا تدرج اإلنسان في كل هذه النواحي‪ ،‬والقوانين التي تنظم نشاطه وعالقاته‬ ‫المختلفة‪ ،‬ولكن هذه العالقات ال تعني كثي ار بحدود الدولة‪ ،‬أما علم السياسة‬ ‫فهو علم من العلوم االجتماعية يعني بحياة اإلنسان السياسية‪ ،‬التي هي جزء‬ ‫من حياته االجتماعية‪ ،‬ووحدة الدراسة األساسية في هذا العلم هي الدولة‪ ،‬وهو‬ ‫يعني بجزء معين من المجتمع اإلنساني‪ ،‬الذي أقام لنفسه وحدة سياسية‬ ‫منظمة‪.‬‬ ‫ولذلك تقدم العلوم السياسية إلى علم االجتماع الحقائق التي تتصل‬ ‫بمنظمات الدولة وفاعليتها باعتبارها جزءا من الحياة االجتماعية العامة‪ ،‬في‬ ‫حين يقدم علم االجتماع إلى العلوم السياسية الحقائق المتعلقة بتطور النظم‬ ‫السياسية‪ ،‬والسلطة‪ ،‬والتتظيم االجتماعي‪ ،‬ويعد من النتائج األساسية فى هذا‬ ‫الصدد علم االجتماع السياسى‪.‬‬ ‫‪ -٣‬العلوم السياسية وعلم االنثروبولوجي‪:‬‬ ‫يتناول علم االنثروبولوجي نواحي اإلنسان الفسيولوجية والتاريخية‪،‬‬ ‫‪16‬‬ ‫والجغرافية‪ ،‬والعنصرية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬وتشكل هذه النواحي مادة هامة‬ ‫في العلوم السياسية‪ ،‬وقد قدم علم االنثروبولوجي إلـى العلوم السياسية أفكار‬ ‫اإلنسان البدائي وعاداته وتنظيماته‪ ،‬التي ألقت الضوء على أصل الدولة ونشأة‬ ‫األفكار والنظم السياسية‪ ،‬كما قدم لها الدراسات الخاصة بتقسيمات األجناس‬ ‫وعالقة كل منها بالمحيط الخاص بها‪ ،‬مما يدحض االدعاءات السياسية‬ ‫الخاصة بالتمييز العنصري‪ ،‬وقدم لها أيضا الجوانب المختلفة في حياة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬التي يجب أن يأخذها الباحث السياسي في االعتبار‪.‬‬ ‫‪-٤‬العلوم السياسية وعلم التاريخ‪:‬‬ ‫يهتم علم التاريخ بتسجيل األحداث والتطورات السابقة وأسبابها‪ ،‬وعالقاتها‬ ‫مع بعضها‪ ،‬وهو يشمل التطورات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬ ‫والدينية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬وغالبا ما يتخذ الباحث السياسي من التاريخ مادة أولية‬ ‫لدراساته‪ ،‬في حين يتخذ الباحث التاريخي من النظم واألحداث السياسية مادة‬ ‫أولية لدراساته‪ ،‬وعلى حين تهتم العلوم السياسية بالدولة كما هى قائمة وكما‬ ‫ينبغي أن تكون‪ ،‬إال أن علم التاريخ يبحث فيما وقع فعال‪ ،‬ولذلك فأن أحداث‬ ‫الماضي بما انطوت عليه من نجاح واخفاق تلقي الضوء على أفضل النظم‬ ‫واألساليب السياسية في ظل ظروف معينة‪.‬ويعد علم التاريخ السياسى محصلة‬ ‫مهمة فى هذا الصدد‪.‬‬ ‫‪-5‬العلوم السياسية وعلم االقتصاد‪:‬‬ ‫يهتم علم االقتصاد ضمن اهتماماته العديدة بإنتاج الثروة وتوزيعها‬ ‫وتراكمها‪ ،‬وتعتبر الثروة من العوامل األساسية في قوة الدولة‪ ،‬كما يحدد توزيع‬ ‫الثروة داخل الدولة نظام الحكم فيها‪ ،‬فإذا كانت الثروة مركزة في فئة قليلة من‬ ‫السكان كان النظام رأسماليا‪ ،‬واذا كانت الثروة موزعة بشيء من التقارب بين‬ ‫السكان كان النظام اشتراكيا‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫ولقد أصبح من سمات الدولة الحديثة‪ ،‬سواء كانت ليبرالية أو اشتراكية‪ ،‬أن‬ ‫تتدخل بدرجة صغيرة أو كبيرة في الشئون االقتصادية‪ ،‬كما يلعب االقتصاد دو ار‬ ‫رئيسيا في العالقات الدولية‪ ،‬سواء في مجال التجارة الخارجية والجمارك‪ ،‬أو‬ ‫القروض واإلعانات‪ ،‬أو االتفاقيات النقدية واالستثمارية‪.‬وتعد من النتائج‬ ‫المهمة فى هذا الصدد علم االقتصاد السياسى‪.‬‬ ‫‪ - ٦‬العلوم السياسية وعلم النفس‪:‬‬ ‫يميل كثير من الكتاب المعاصرون في العلوم السياسية إلى تفسير عديد‬ ‫من الظواهر السياسية على ضوء قوانين علم النفس‪ ،‬وتستخدم الحكومات علم‬ ‫النفس في رسم السياسات العامة كما تلجا الدول المتحاربة أو المتنافسة إلى‬ ‫استخدام علم النفس في رسم خطط الحرب النفسية التي تشنها من خالل أجهزة‬ ‫األعالم المختلفة ووسائل التواصل االجتماعى‪ ،‬وهناك استخدامات أخرى لعلم‬ ‫النفس تلجأ إليها الدول‪ ،‬فى مقدمتها‪ :‬دراسة الجوانب النفسية والشخصية‬ ‫المتعلقة بسمات صانع القرار السياسى‪.‬ويعد بروز علم النفس السياسى من‬ ‫النقاط المضيئة األساسية فى هذا الصدد‪.‬‬ ‫‪ -٧‬العلوم السياسية وعلم األخالق‪:‬‬ ‫يهتم علم األخالق بتحديد ما هو خطأ وما هو صواب‪ ،‬وهو يلتقي مع‬ ‫العلوم السياسية في أنها تهنف إلى إعطاء المبادئ األخالقية الصفة القانونية‬ ‫والى فرض العقوبات الرادعة ضد من يعتدي على هذه المبادئ‪ ،‬والزعيم‬ ‫السياسي الحكيم هو الذي يلتزم بالمبادئ األخالقية في تصرفاته وسياساته‪،‬‬ ‫ألنه يستحوذ على ثقة وتأييد الشعب‪ ،‬وكثي ار ما قامت الثورات السياسية ضد‬ ‫الحكام الذين يخرجون على المبادئ األخالقية في حياتهم الخاصة أو العامة‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪ -٨‬العلوم السياسية وعلم القانون‪:‬‬ ‫يهتم علم القانون بدراسة القواعد القانونية التي تنظم عالقات األفـراد‬ ‫ببعضهم‪ ،‬وعالقاتهم بالدولة‪ ،‬وعالقة الدول ببعضها‪ ،‬وهو يلتقي مع العلوم‬ ‫السياسية في أنها تهتم أساسا بتتظيم هذه العالقات جميعها‪ ،‬والدولة هي التي‬ ‫تسن هذه القوانين‪ ،‬وتنفذها‪ ،‬وتطبقها عن طريق سلطتها التشريعية‪ ،‬والتتفيذية‪،‬‬ ‫والقضائية‪.‬‬ ‫ويتولى تنظيم عالقات األفراد ببعضهم‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬والقانون التجاري‪،‬‬ ‫والقانون الجنائي‪ ،‬وقانون األحوال الشخصية‪.‬كما يتولى تتظيم عالقات األفراد‬ ‫بالدولة‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬والقانون اإلداري‪.‬‬ ‫وأخي ار يتولى القانون الدولى العام تتظيم عالقات الدول ببعضها‪ ،‬ولذلك‬ ‫يقدم علم القانون لعلم السياسة‪ ،‬النظم القانونية المختلفة‪ ،‬التي طبفت في‬ ‫مختلف الدول واألزمان‪ ،‬لكي ينتقي من بينها أصلحها للتطبيق في ظل ظروف‬ ‫معينة‪ ،‬ولكي يستتبط منها النظريات السياسية المختلفة‪ ،‬كما تقدم العلوم‬ ‫السياسية لعلم القانون النظم والنظريات السياسية‪ ،‬لكي يستخلص منها القواعد‬ ‫المالئمة‪ ،‬التي يضفى عليها الصبغة القانونية‪ ،‬لتحقيق أهدف محددة‪.‬‬ ‫‪ -9‬العلوم السياسية وعلم اإلدارة‪:‬‬ ‫يبحث علم اإلدارة في جوانب عدة منها رسم‪ ،‬وتنفيذ‪ ،‬ومتابعة‪ ،‬وتقييم‪،‬‬ ‫الخطط والبرامج‪ ،‬من أجل تحقيق أهدافاً معينة‪ ،‬وهو في هذا يتفق مع العلوم‬ ‫السياسية‪ ،‬فالدولة تحدد لنفسها أهدافا معينة‪ ،‬وترسم الخطط والبرامج الكفيلة‬ ‫بتحقيقها‪ ،‬ثم تتفذها‪ ،‬وتتابعها‪ ،‬وتقيمها‪ ،‬وتتعدد هذه الخطط تبعا لتعدد أوجه‬ ‫النشاط التي تمارسها الدولة‪ ،‬وهناك خطط طويلة األجل‪ ،‬وأخرى متوسطة‬ ‫األجل وثالثة قصيرة األجل‪ ،‬وهناك خطط شاملة‪ ،‬وخطط جزئية‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫وعلى ذلك فعلم اإلدارة يقدم للعلوم السياسية التكتيك واألساليب التي تكفل‬ ‫نجاح العمل السياسي التتفيذي واإلداري‪ ،‬في حين تقدم العلوم السياسية لعلم‬ ‫اإلدارة القواعد االستراتيجية‪ ،‬التي تساعده في تحديد األهداف البعيدة واألهداف‬ ‫القريبة‪ ،‬وفي رسم الخطط والتكتيكات‪ ،‬التي تكفل له الوصول إلى أغراضه‪،‬‬ ‫باستخدام األساليب الديمقراطية أحيانا‪ ،‬واألساليب الدكتاتورية أحيانا أخرى‪،‬‬ ‫طبقا ألهداف األفراد المنفذين‪.‬‬ ‫‪ -1٠‬العلوم السياسية وعلم الفلسفة‪:‬‬ ‫تهتم الفلسفة بجوانب فكرية عدة منها معرفة حقيقة األشياء‪ ،‬وارجاع‬ ‫الظواهر إلى أصلها‪ ،‬واستتباط القوانين المنطقية التي تنظمها‪ ،‬والخروج من‬ ‫ذلك بالنماذج المثالية لها‪.‬‬ ‫أثر بعيد المدى على العلوم السياسية‪ ،‬ويخبرنا‬ ‫وقد كان لألفكار الفلسفية اً‬ ‫التاريخ أن معظم أفكار الفالسفة كانت ال تلبث أن تأخذ طريقها إلـى التطبيق‬ ‫العملي في الحياة السياسية فى كثير من األحيان‪ ،‬فأن أفكار سقراط وأفالطون‬ ‫وأرسطو‪ ،‬وابن خلدون وابن رشد والفارابي والغزالي‪ ،‬وجان جاك روسو‪،‬‬ ‫ومونتسكيو‪ ،‬وكارل ماركس‪ ،‬كان لها ولغيرها صدى بعيدا في العلوم السياسية‪،‬‬ ‫وفي النظم واألحداث السياسية‪ ،‬منذ العصور القديمة حتى األن‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالفلسفة تقدم للعلوم السياسية النماذج المثالية‪ ،‬لكي تعمل على‬ ‫ربطها بالواقع العملي‪ ،‬في حين تقدم العلوم السياسية لعلم الفلسفة النظم‬ ‫السياسية وتعد الفلسفة السياسية من أهم التطورات المهمة فى هذا الصدد‪.‬‬ ‫‪ -11‬عالقة علم السياسة بعلم االحصاء‪ ،‬استفاد علم السياسة من نقاط‬ ‫ايجابية عدة من علم االحصاء ويعد علم االحصاء السياسى من أبرز النقاط‬ ‫الدالة على هذا‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫الفصل األول‬ ‫الفكر السياسى‬ ‫يعد الفكر السياسى أحد األفرع األساسية لعلم السياسة‪ ،‬وهو مفهوم مركب‬ ‫من كلمتين (فكر) و(سياسى)‪.‬حيث تشير كلمة الفكر إلى معانى عدة منها أنه‬ ‫إعمال العقل فى المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول‪.‬فهو العملية التى‬ ‫ينعكس من خاللها العالم فى مفاهيم وأحكام ونظريات عدة(‪.)1‬‬ ‫أما بإضافة كلمة سياسى إلى الفكر فإن التحليل ينصرف فى هذه الحال‬ ‫إل ى نوع معين من أنواع الفكر‪ ،‬وهى مجموعة ما يصدر عن العقل اإلنسانى‬ ‫من أفكار ونظريات ووجهات نظر تتعلق بالعالم السياسى وظواهره وقضاياه‪،‬‬ ‫حيث توجد عالقة وثيقة بين الفكر السياسى والنظرية السياسية وان كان يسبقها‬ ‫فى النشأة‪.‬ويعبر بذلك الفكر السياسى عن مجموعة من األفكار المتعلقة‬ ‫بالجانب السياسى التى انتجها عقل مفكر أو للداللة على نوع من الفكر أو‬ ‫عصر ما‪ ،‬كأن نقول مثال فكر أفالطون‪ ،‬أو ابن خلدون‪ ،‬أو أن نقول الفكر‬ ‫اليونانى‪ ،‬والليبرالى واالشتراكى واإلسالمى وما إلى هذا ‪ ،‬ويفترض فى الفكر‬ ‫السياسى بصفة عامة أن يكون حاصل جمع عديد من المؤثرات الفكرية من‬ ‫أهمها البيئة التى يعيش فى إطارها المفكر وما تموج به من أحداث ومشكالت‪،‬‬ ‫حيث وكلما زخرت هذه البيئة باألحداث والمصادمات كلما أنتج المفكر مزيداً‬ ‫من األفكار المعمقة‪ ،‬يضاف إلى هذا قراءة المفكر فى التراث وأحداث التاريخ‬ ‫ودراسته للتفسير والحديث والفقه إذا كان مفك ار إسالمياً‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر مراجعات لمفاهيم عدة للفكر فى القواميس والمعاجم فى رؤيا للبحوث والدراسات‪:‬‬ ‫‪ruyaa.cc‬‬ ‫‪21‬‬ ‫هذا فضال عن تنقالت المفكر وارتحاله لعديد من الدول التى تمده بخبرة‬ ‫تحليلية وقدرة على التأمل والمالحظة ثم البحث والمقارنة‪ ،‬حيث يستطيع المفكر‬ ‫بناء على المنهج الذى يسلكه فى اكتشاف الظاهرة السياسية وخاصة من خالل‬ ‫المالحظة المباشرة والمنهج االستقرائى أن يصل بتحليله لعديد من النتائج‬ ‫الدقيقة المعبرة عن الواقع السياسى الذى يرصده‪.‬‬ ‫وتعرض الدراسة فيما يلى‪ -‬وبصورة مبسطة وموجزة‪ -‬نماذجاً توضيحية‬ ‫ألفكار عديد من المفكرين فى مجال الفكر السياسى اليونانى‪ ،‬وعصر النهضة‬ ‫والفكر الحديث فضال عن الفكر السياسى اإلسالمى والفكر السياسى‬ ‫االشتراكى‪ ،‬حيث تم اختيار هذه العصور باعتبارها من أزهى وأبرز العصور‬ ‫التاريخية التى شهدت أفكا اًر سياسية قدمها عدد من المفكرين المتميزين مثلت‬ ‫نقلة نوعية حقيقية فى مجال الفكر السياسى ال زالت كثير من نتائجها موصولة‬ ‫وتشكل عالمات مميزة فى تاريخ األفكار وال زالت تدرس فى عديد من‬ ‫الجامعات العربية واألجنبية إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أوال‪ :‬الفكر اليوناني‪:‬‬ ‫يتم فيما يلي تناول ثالث نماذج أساسية توضح األبعاد المختلفة التي دار‬ ‫حولها هذا الفكر حيث يتم التعرف على عدد من أهم أفكار كل من سقراط‬ ‫وأفالطون وأرسطو‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سقراط (‪ ٣99- ٤٧٠‬ق‪.‬م)‬ ‫ولد سقراط عام ‪ 470‬قبل الميالد في أثينا وكان يتمتع بحق المواطنة‬ ‫(‪ )1‬حول الفكر اليونانى د‪.‬حورية توفيق مجاهد‪ ،‬الفكر السياسى من أفالطون إلى محمد عبده‬ ‫(القاهرة‪ :‬األنجلو المصرية‪ ،)2019 ،‬ص ‪.73-55‬‬ ‫يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة اليونانية ‪hinolawi.org.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫األثينية األمر الذي جعله يسهم بصورة إيجابية في الحياة السياسية في مجتمع‬ ‫دولة أثينا‪.‬‬ ‫أ‪ -‬منهج سقراط الفكري‪:‬‬ ‫ينقسم منهج سقراط الفكري – الذى قام على استنباط المعرفة‪ -‬إلى شقين‬ ‫أساسيين‪:‬‬ ‫الشق األول‪ :‬التهكم والسخرية‬ ‫إذ كان سقراط عادة ما يبدأ في محاولته لمعرفة حقيقة ما إلى توجيه سؤال‬ ‫إلى محدثه األفتراضي الذي كان يختاره من أنواع مختلفة من أكبر مشاهير‬ ‫أثينا في السياسة أو الفنون حسب نوعية الموضوع المطروح للمناقشة‪ ،‬وما أن‬ ‫يبدأ محدثه باإلدالء برأيه يعمل سقرط على تتاول هذه األراء بتهكم وسخرية‪،‬‬ ‫األمر الذي يجعل محدثه يستشعر بعدم قدرته على االستمرار في اإلجابة مما‬ ‫سقرط‪.‬‬ ‫يجعله ينصت إلى ما يقوله ا‬ ‫الشق الثانى‪ :‬بناء وتوليد المعرفة‪:‬‬ ‫ويعمل من خالله على توليد المعرفة لدي محاورية عن طريق محاولة‬ ‫الكشف عنها‪ ،‬إذ كانت لديه قناعة أن المعرفة واألفكار المرتبطة بها موجودة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫خرجها وتذكيرهم بها‪.‬‬ ‫لدى الناس ودور المعلم هو ا ا‬ ‫ب ‪ -‬أهم أفكار سقراط السياسية‪:‬‬ ‫لم يترك سقراط فلسفة مكتوبة وأنما ما وصل لدينا تم من خالل ما رواه‬ ‫تالميذه خاصة تلميذه أفالطون في محاوراته‪.‬‬ ‫(‪ )1‬جورج رديبوش‪ ،‬سقراط‪ ،‬ترجمة د‪.‬أحمد األنصارى‪ ،‬ط‪( 1‬القاهرة‪ :‬المركز القومى للترجمة‪،‬‬ ‫‪ )2014‬الفصل األول‪.‬وحول محاورات سقراط التى توضح منهجه الفكرى انظر‪ :‬د‪.‬أحمد فؤاد‬ ‫األهوانى‪ ،‬محاورات سقراط (القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.)1995 ،‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪ -‬وتعد من أهم هذه األفكار أن الفضيلة هي المعرفة حيث تشكل جوهر‬ ‫مذهبه الفكري‪ ،‬إذ اعتقد بوجود نوعين من المعرفة النوع األول‪ :‬ظاهري غير‬ ‫دائم أو مستقر‪ ،‬أما النوع الثاني فهو دائم ومستمر لذا أطلق عليه المعرفة‬ ‫الحقيقية واعتبر إن على كل إنسان البحث عنها باعتبارها الفضيلة الحقيقية‪.‬‬ ‫وعليه يسمى مذهب سقراط وفق هذا التقسيم "بمذهب المعرفتان"‪.‬‬ ‫‪ -‬وقد آمن سقراط وهو ينادي بأهمية المعرفة أن هذه المعرفة يمكن اكتسابها‬ ‫من التعليم ومن الطبيعة بصورة عامة‪ ،‬ومن الطبيعة اإلنسانية بصورة‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫وقد عنى سقراط بالمعرفة كافة أنواع الفضائل على اعتبار أن الفضيلة هي‬ ‫القدرة الكامنة داخل اإلنسان التي توجهه لوضع الشيء في مكانه الصحيح‬ ‫وعليه تصبح المعرفة أساسا للسلوك عالوة على أن الفضيلة ثابتة ال تتغير‪.‬‬ ‫وتأسيسا على رؤيته للمعرفة‪ ،‬عارض سقراط مذهب السفسطائيين الذي كان‬ ‫منتش اًر في عصره والذي قام على أساس فصل السياسية عن األخالق مع‬ ‫االهتمام باألولى واهمال الثانية حيث اتجهوا العتبار الفضيلة شيئاً خاصاً‬ ‫والمعرفة وليدة الحواس وان كل شيء نسبي‪ ،‬وان الحق للقوة وليس للقانون‬ ‫الذي هو وسيلة الضعفاء الذين ال يستطيعون حماية أنفسهم‪.‬‬ ‫وقد أنتقد سقراط النظام السياسي في آثينا على أساس المبدأ الذي قام عليه‬ ‫وهو صالحية أي إنسان في تولي أي منصب‪ ،‬كما عارض من ناحية أخرى‬ ‫نظام الدولة في المجال الديني الذي قام على نظام رسمي لعبادة اآللهه حيث‬ ‫كانت من آرائه ضرورة أن يفكر اإلنسان بنفسه في نفسه وينعم النظر في‬ ‫اآلراء والمعتقدات وال يأخذها كمسلمات‪ ،‬فإن فعل هذا تذهب القداسة التي تخلع‬ ‫على المعتقدات الموروثة ويتضح بالتالي للفرد إي المعتقدات صحيح وأيها‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فاسد‪.‬‬ ‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.39-38‬‬ ‫‪24‬‬ ‫سقرط فقد أنتهت حياته بمحاكمته وتم الحكم عليه‬ ‫ا‬ ‫وبناء على أفكار‬ ‫باإلعدام عام ‪ 399‬ق‪.‬م حيث اتهم بتهمتين‪ ،‬األولى (دينية) تقوم علـى أساس‬ ‫الكفر بآلهة اليونان‪ ،‬الثانية (خلقية‪ -‬سياسية) تستتد على أساس افساد عقل‬ ‫الشباب بترويجه لفكرة أن قوانين الدولة باطلة‪ ،‬وهي التهمة التي اعتبرها من‬ ‫حاكموه تمس الشباب أكثر من الشيوخ نظ ار ألن الشيوخ ال يستجيبون للمقوالت‬ ‫الجديدة وبالتالي يصعب عليهم تغيير آرائهم بعكس الشباب‪.‬‬ ‫ويذكر عدد من المحللين في هذا اإلطار أن الدافع وراء هذه االتهامات‬ ‫يعد دافعا سياسيا باألساس ذلك إن تعاليمه ومذهبه الفلسفي مارسا عديداً من‬ ‫(‪)1‬‬ ‫اآلثار السلبية للنظام السياسي في أثينا‪.‬‬ ‫عامة فأن أفكار سقراط واعدامه المأساوي شكال نقطة تحول مهمة وأساسيه‬ ‫لدى تالميذه الذين آمنوا بآرائه وأخذوا بأفكاره وأبرزهم أفالطون‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬أفالطون (‪ ٣٤٧ - ٤٢٧‬ق‪.‬م)‬ ‫ولد أفالطون عام ‪ 427‬ق‪.‬م في أثينا حيث ينتسب إلى أسرة ارستقراطية‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ثرية أعدته للعمل بالسياسة حيث كان هذا شأن األسر االرستقراطية‪.‬‬ ‫وقد استطاع أفالطون أن يصوغ مجموعة متعددة من األفكار السياسية‬ ‫التي تراوحت ما بين المثالية (كما عكسها كتابه الجمهورية) وبين الواقعية كما‬ ‫ظهرت جليه واضحة في كتابيه (السياسي والقوانين) (‪.)3‬حيث تجمعت عديد‬ ‫من المؤثرات األساسية التي صاغت ووجهت أفكاره والتي يمكن ذكر أهمها‬ ‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 39‬ويوسف كرم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫(‪ ) 2‬حول حياته وأفكاره انظر‪ :‬ديف روبنسون‪ ،‬جودى جورفز‪ ،‬أقدم لك أفالطون‪ ،‬ترجمة إمام عبد‬ ‫الفتاح إمام (القاهرة‪ :‬المركز القومى للترجمة)‪.‬‬ ‫(‪ )3‬لالطالع على هذه المؤلفات انظر‪ :‬أفالطون‪ ،‬الجمهورية‪ ،‬ترجمة ودراسة د‪.‬فؤاد زكريا (القاهرة‬ ‫‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ )1985 ،‬وأفالطون‪ ،‬القوانين‪ ،‬ترجمة محمد حسن ظاظا‬ ‫(القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.)1986 ،‬‬ ‫‪25‬‬ ‫كالتالي‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬إعدام أستاذه سقراط‪ :‬حيث كان أفالطون في سن الثامنة والعشرين حينما‬ ‫أعدم سقراط في سن السبعين فعاش وعاصر هذه الحادثة التي مثلت أحد‬ ‫نقاط التحول األساسية في حياته ودعته لحمل رسالة أستاذه والدعوة إليها‬ ‫بكل جدية واهتمام‪ ،‬األمر الذي جعل عديد من المحللين يعتبرونه امتداد حي‬ ‫ألفكار أستاذه السياسية وخاصة في الفترة األولى من كتاباته والتي تمثلت‬ ‫في األفكار المثالية التي طرحها في كتابه الجمهورية التي بدا من خاللها‬ ‫وبكل وضوح أثر تعاليم أستاذه‪.‬‬ ‫ب‪ -‬معاصرة أفالطون للفترة األخيرة من حرب البيلوبوينز التي أطاحت بأطماع‬ ‫دولة آثينا في زعامة بقية دول المدينة بعد أن هزمتها اسبرطة في عام ‪404‬‬ ‫ق‪.‬م بعد حرب استمرت زهاء ربع قرن(‪ ،)1‬حيث خسرت آثينا في هذه الحرب‬ ‫مكانتها كبؤره لالشعاع الذي تنبثق منه المعرفة والثقافة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬عدم رضاء أفالطون عن سلوك حكام دول المدينة حيث كانوا أبعد ما‬ ‫يكونون عن المعرفة أو العمل لتحقيق مصالح دولهم إذ اتجهوا إلى عدم‬ ‫االهتمام بشئون الحكم نتيجة لقصورهم ونقص كفاءتهم وانصرفوا إلرضاء‬ ‫نزعاتهم الشخصية التي تركزت بصفة أساسية في تجميعهم للثروات‪.‬‬ ‫د‪ -‬رفض أفالطون لعديد من األفكار التي كان يرددها السوفسطائيين وأهمها‬ ‫انه ال توجد عدالة مطلقة أو حقيقة مطلقة حيث إن صاحب الحق هو‬ ‫صاحب القوة األمر الذي جعل القوة لديهم هي أساس الشرعية السياسية‪.‬‬ ‫وتأسيسا على هذه المؤثرات الفكرية األساسية قدم أفالطون من خالل‬ ‫(‪ )1‬عن حرب البلوبونيز انظر‪ :‬موسوعة مصر القديمة ج‪ :12‬النضال بين آثينا واسبرطة أو‬ ‫الحرب البلوبونيزية ‪ 421-431‬ق‪.‬م‪.‬فى‪.hindawi.org :‬‬ ‫‪26‬‬ ‫كتاباته ومحاوراته الفكرية عديد من األفكار السياسية التي كان محورها العبارة‬ ‫األساسية التي رددها أستاذه سقراط وهي (الفضيلة هي المعرفة) حيث تشير‬ ‫الدراسة فيما يلي لعدد من أفكاره التي أهلته وبحق ألن يطلق عليه أبو الفلسفة‬ ‫السياسية والتي تراوحت ما بين المثالية في بداية حياته والواقعية في نهاية‬ ‫حياته والتي كان يدرسها في أكاديمته التي كان يلقى فيها على طلبته كافة‬ ‫أنواع المعرفة بدون مقابل ردا على المعرفة السطحية وغير الصحيحة التي‬ ‫كان يروجها السفسطائيون نظير أجر(‪.)1‬‬ ‫أ‪ -‬أهم أفكار أفالطون المثالية‪:‬‬ ‫ردد أفالطون عديد من األفكار المثالية التي وردت في كتابه الجمهورية‬ ‫وتمثل أهمها في تأكيده على الدولة المثالية التي يجب أن تكون‪ ،‬من أهم هذه‬ ‫األفكار‬ ‫‪ ‬أهمية وجود الرجل الصالح الذي البد أن يعيش في دولة صالحة‪ ،‬حيث‬ ‫اعتبر الرجل الصالح هو من يملك المعرفة الحقيقية القائمة على الفضيلة‪،‬‬ ‫أما الدولة الفاضلة فهي التي تؤهل المواطن كي يصبح مواطنا فاضال‬ ‫تأسيسا على أن الوظيفة األساسية للدولة هي تحقيق الفضيلة النهائية‪.‬‬ ‫‪ ‬أن العدالة هي األساس الحقيقي الذي يكون المواطن الصالح والدولة‬ ‫الصالحة حيث اعتبر العدالة فضيلة خاصة (بالفرد) وفضيلة عامة‬ ‫(للدولة) فقد تحدث أفالطون عن العدالة وفي ذهنه ما ساد دول المدينة‬ ‫من تجزئة وأنانية وبعد عن العدالة فأصبحت كل مدينة مقسمة إلى‬ ‫طائفتين متعارضتين الفقراء واألغنياء‪ ،‬والظالمين والمظلومين‪.‬وقد عرف‬ ‫(‪ )1‬أفالطون ‪ :‬المحاورات الكاملة‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬الجمهورية‪ ،‬ترجمة شوقى داود تمراز‬ ‫‪m.marefa.org‬‬ ‫‪27‬‬ ‫العدالة على أساس كونها "اتحاد يؤلف بين األفراد" يجد فيه كل فرد الدور‬ ‫الذي يقوم به بما يتماشى مع استعداده وميوله‪.‬‬ ‫‪ ‬من أجل تحقيق العدالة والفضيلة داخل الدولة نادي أفالطون بضرورة‬ ‫وجود ما أسماه بالحاكم الفيلسوف الذى يكون فوق القانون‪ ،‬معتب ار هذا‬ ‫أفضل أنواع الحكم‪ ،‬حيث أشار إلى أنه يمكن أن يتولى الحكم وفقا‬ ‫لطريقين أساسيين‪:‬‬ ‫الطريق األول‪ :‬أن يتولى الحكم أحد الفالسفة وهذا ممكن‪.‬‬ ‫الطريق الثاني‪ :‬أن يصبح الحاكم فيلسوفاً‪ ،‬وهي الناحية التي ال يمكـن أن‬ ‫تتحقق بسهولة في فترة قصيرة حيث تحتاج إلعداد طويل المدى‪.‬وعليه فقد‬ ‫أقترح ضرورة إيجاد هذا الحاكم الفيلسوف من خالل وسيلتين أساسيين‪.‬‬ ‫الوسيلة األولى‪ :‬التعليم‬ ‫تأسيسا على قصور التعليم في آثينا عن تهيئة المناخ الالزم إليجاد الحاكم‬ ‫الفيلسوف أقترح أفالطون نظاما للتعليم محوره اإلساسي طلب المعرفة والسمو‬ ‫بقدرات اإلنسان العقلية والبدنية وعليه قام نظامه التعليمي على مراحل‪.‬‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬تمتد من سن العاشرة حتى سن العشرين يدرس الطالب‬ ‫خاللها موادا أساسية منها الموسيقى والشعر واألدب واألساطير فضال عن‬ ‫التربية الرياضية من أجل بناء الجسم السليم‪ ،‬وفي الفترة من ‪ 18‬عاما إلى ‪20‬‬ ‫عاما يتلقى الدارس تدريبا عسكريا ينمي المقدرة الجسدية‪.‬‬ ‫المرحلة الثانية‪ :‬من سن العشرين إلى الثالثين وهي مرحلة أكثر نضجا‬ ‫وتطو ار من سابقتها ويدرس فيها الطالب الرياضيات والفلسفة والميتافيزيقيا‪.‬‬ ‫المرحلة الثالثة‪ :‬من سن الثالثين إلى الخامسة والثالثين وتخصص لدراسة‬ ‫قواعد التفكير ومناهج الجدل وخاصة المنطق‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫المرحلة الرابعة‪ :‬من سن الخامسة والثالثين إلى الخمسين حيث من يصل‬ ‫إلى هذه المرحلة يصبح من الفالسفة أو من أسماهم أفالطون (بطبقة الحراس)‬ ‫حيث يكلفون بعدد من المهام العملية الكتساب الخبرة والمهارة‪.‬‬ ‫الوسيلة الثانية‪ :‬الشيوعية‬ ‫ارتأى أفالطون أن تكون الحياة على المشاع هي األساس المحدد لنمط‬ ‫معيشة من أسماهم بطبقة الحكام حيث تتصف هذه الحياة بنواحي أساسيه‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬تحريم الملكية الخاصة‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬إلغاء الزواج وتكوين األسره‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬إلغاء الرواتب مع حصولهم على ما يكفيهم من ضرورات الحياة‪.‬‬ ‫الرابعة‪ :‬المعيشة المشتركة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أهم أفكار أفالطون الواقعية‪:‬‬ ‫اتجه أفالطون في شيخوخته ومن خالل كتابيه السياسي والقوانين إلـى تبني‬ ‫عديد من األفكار الواقعية التي ال تمثل رجوعا عن أفكاره المثالية بقدر ما تشير‬ ‫إلى تفاعله مع عدد من النواحي األساسية منها ما تبين له من استحالة تطبيق‬ ‫أفكاره المثالية على أرض الواقع بعد ما مرت مرحلة زمنية على هزيمة أثينا‬ ‫وعلى وفاة أستاذه سقراط(‪.)1‬‬ ‫وتعد من أهم هذه األفكار الواقعية‪:‬‬ ‫‪ ‬أهمية القانون في الدولة حيث يطبق على جميع من فيها وفي مقدمتهم‬ ‫الحاكم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬وقد جاءت أفكار أفالطون الواقعية فى كتابيه السياسة (السياسى) والقوانين‪.‬انظر عرض‬ ‫الكتابين فى ‪books-library.net :‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪ ‬السماح للحكام بالملكية الخاصة وحرية تكوين أسر والغاء فكرة الشيوعية‪.‬‬ ‫‪ ‬تقسيم الحكومات تقسيما نوعيا إلى ثالث حكومات صالحة تلتزم بالقانون‬ ‫وثالث حكومات غير صالحة ال تلتزم بالقانون‬ ‫الحكومات غير الصالحة‬ ‫الحكومات الصالحة‬ ‫ملكية استبدادية‬ ‫الملكية‬ ‫األوليجاركية‬ ‫األرستقراطية‬ ‫الديمقراطية الغوغاء‬ ‫الديمقراطية‬ ‫حيث أن الحكومة الملكية عندما تفسد تصبح ملكية استبدادية‪ ،‬والحكومة‬ ‫االرستقراطية عندما تتحول لحكومة غير صالحة تصبح اوليجاركية تقوم على‬ ‫ارستقراطية األغنياء‪ ،‬والحكومة الديمقراطية نتيجة فسادها تتحول إلى ديمقراطية‬ ‫غوغاء‪.‬‬ ‫وقد اعتبر في هذا الصدد أن أفضل هذه الحكومات السابقة (الحكومة‬ ‫المختلطة) التي تجمع بين العقل والحكمة في النظام الملكي والحرية في النظام‬ ‫الديمقراطي‪.‬‬ ‫‪ -‬ضرورة تدخل الدولة في توزيع الثروة بحيث ال تصل ثروة أغنى فرد في‬ ‫الدولة أكثر من أربع مرات عن أفقر أي فرد فيها‪.‬‬ ‫‪ -‬الحث على ضرورة رقابة الدولة للدين ومنع أي نوع من الممارسة الدينية‬ ‫خارج نطاق المعابد‪.‬‬ ‫‪ -‬أهمية إتاحة فرصة التعليم للجميع داخل الدولة‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬أرسطو ( ‪ ٣٢٢ - ٣٨٤‬ق‪.‬م)‬ ‫ولد أرسطو في مدينة ستاجي ار المقدونية وذهب إلى أثينا ليدرس الفلسفة‬ ‫على يد أفالطون‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫تلقى أرسطو المعرفة على يد أفالطون في أكاديميته لمدة عشرين عاما‬ ‫سعى بعدها لتكوين مدرسة سياسية خاصة به‪ ،‬وقد استطاع من خالل أسلوبه‬ ‫التحليلي الواقعي أن يسهم في إثراء الفكر السياسي من خالل عديد من األفكار‬ ‫الواقعية التي قدمها والتي أهلته ألن يطلق عليه العديد من األلقاب منها أبو‬ ‫العلوم السياسية والشارح األول وأبو الحكومات المقارنة‪.‬‬ ‫ولد أرسطو عام ‪ 384‬ق‪.‬م في مدينه صغيرة تقع على حدود مقدونيا ونشأ‬ ‫في إطار بيئة منفتحة جعلته ينحو إلى الواقعية تمثلت في مؤثرات عدة أبرزها‬ ‫عمل والده كطبيب للملك فيليب المقدوني والد األسكندر األكبر‪ ،‬فضال عن‬ ‫عدم انتماءه الثينا فلم تؤثر هزيمتها أو أوضاعها السياسية على فكره على نحو‬ ‫خاص‪ ،‬يضاف إلى هذا عمله كمعلم لألسكندر األكبر‪ ،‬وارتحاله لعدد من‬ ‫الدول منها آسيا الصغرى‪ ،‬ودراسته لدساتير ‪ 158‬دولة مدينة في محاولة‬ ‫لمعرفة أفضل نظم للحكم‪ ،‬تعد هذه النواحي من أبرز المؤثرات السياسية على‬ ‫فكره السياسي جعلته ينحو في منهجه نحو الواقعية متبنيا المنهج االستقرائي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫التجريبي‪.‬‬ ‫أهم األفكار أرسطو السياسية‪:‬‬ ‫ترك أرسطو عدداً كبي اًر من الكتب والمؤلفات إال أنه ال يعرف على وجه‬ ‫التحديد متى وضع أرسطو كتاباته ومصدر الصعوبة يرجع إلى كونها ليست‬ ‫مؤلفات متكاملة أعدها صاحبها للنشر بل تمثلت معظمها في مجموعة من‬ ‫المحاضرات التي جمعت ولم تنشر إال بعد وفاته بأربعة قرون تقريباً‪.‬‬ ‫وقد تأثر أرسطو في كتاباته بأفكار أستاذه أفالطون (الواقعي) وكذلك بعدد‬ ‫(‪ )1‬لمزيد من التفاصيل حول حياة أرسطو وأفكاره السياسية‪.‬انظر‪ :‬مجدى السيد كيالنى‪ ،‬أرسطو‪،‬‬ ‫(القاهرة‪ :‬المكتب الجامعى الحديث‪.)2013 ،‬‬ ‫‪31‬‬ ‫من أفكار سقراط وعليه فقد كانت أيضاً فكرة الفضيلة هي المعرفة من األفكار‬ ‫المحورية األساسية التي غلفت أفكاره السياسية التي من أهمها‪:‬‬ ‫‪ -‬أن الدولة نشأت نشأة طبيعية بعكس أفالطون الذى أشار إلى نشأتها‬ ‫الصناعية‪ ،‬ويوجد لها وظيفتين أساسيتين هما‪ :‬تحقيق حاجات اإلنسان‬ ‫المادية والمعنوية‪.‬‬ ‫‪ -‬أن علم السياسة هو علم السيادة والسعادة‪ ،‬وهذه السعادة تعد فضيلة خاصة‬ ‫(للفرد ) وعامة (للدولة)‪.‬‬ ‫‪ -‬للدولة دور محوري في تحقيق العدالة وسيادة القانون مع ضرورة أن يتناسب‬ ‫القانون مع طبيعة األوضاع القائمة‪.‬‬ ‫أستقرر الدولة‪ ،‬وعليه فقد أكد على أهمية‬ ‫ا‬ ‫‪ -‬دور الوسطية والتوازن في تحقيق‬ ‫الطبقة المتوسطة والتي يمكن أن تحقق من خاللها الدولة أهدافها في تحقيق‬ ‫هذا االستقرار والتوازن ويمكن بالتالي تحقيق الدولة المثالية (عمليا) بشرط‬ ‫أن تكون كثيرة العدد لكي يتحقق الهدف‪.‬‬ ‫وقد أبدى اعتراضة على عديد من أفكار افالطون المثالية وخاصة األفكار‬ ‫الخاصة بالحاكم الفيلسوف واعداده عن طريق التعليم والشيوعية وتشبيه‬ ‫أفالطون لسلطة الحاكم بسلطة رب األسرة على أساس أن الحاكم – كما أشار‬ ‫أرسطو‪ -‬يقود شعباً من األحرار‪ ،‬على حين تتتوع عالقات رب األسرة بأسرته‬ ‫فهو حاكم دستوري مع زوجته‪ ،‬وحاكم مطلق مع أبنائه‪ ،‬وحاكم مستبد مع‬ ‫خدمه‪.‬‬ ‫‪ -‬تبني أرسطو تقريبا ‪ -‬التقسيم الذي تبناه أفالطون ألفضل أنواع الحكم‬ ‫والسابق اإلشارة إليها حيث اعتبر أن الحكومات الصالحة ثالثة هي الملكية‬ ‫واألرستقراطية والدستورية‪ ،‬تقابلها ثالث حكومات غير صالحة هي األستبدادية‬ ‫‪32‬‬ ‫واالوليجاركية والديمقراطية الغوغاء‪ ،‬إذ رأي أرسطو ‪ -‬مثل أفالطون ‪ -‬أن‬ ‫الحكومات تتجه للتدهور من الحكومات الصالحة إلى غير الصالحة حيث يبدأ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫التدهور من أكثرها سوءا إلى أقلها سوءا وهو ما يطلق عليه دورة الدساتير‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬فكر عصر النهضة والفكر الحديث‪:‬‬ ‫تتناول الدراسة في هذا الصدد نماذجاً من فكر عصر النهضة والفكر‬ ‫الحديث من خالل أفكار كل من ميكافيلي (عصر النهضة) وجون سيتوارت‬ ‫ميل (العصر الحديث)‪.‬‬ ‫ميكيافيلي (‪)15٢٦- 1٤٦9‬‬ ‫ولد نيقوال ميكيافيلي عام ‪ 1469‬في مدينة فلورنسا بإيطاليا‪ ،‬حيث انتمى‬ ‫إلى عائلة عريقة عملت بالسياسة‪ ،‬وقد تولى عدداً من المناصب السياسية‬ ‫المرموقة التي أهلته الكتساب عديد من الخبرات العملية واألقتراب من صانعي‬ ‫(‪)2‬‬ ‫السياسة والقرار‪.‬‬ ‫وقد ترك عديداً من المؤلفات السياسية منها فن الحرب‪ ،‬تاريخ فلورنسا‪،‬‬ ‫مقاالت عن الكتب العشر‪ ،‬فضال عن األمير الذي يعد من أشهر كتبه على‬ ‫األطالق الذي عمل من خالله على طرح عدد من األفكار التي قدمها إلى‬ ‫الحاكم (لورنز دي مديشي) طلبا لعفوه عنه وتوحيد دولته إيطاليا التي كانت‬ ‫مقسمة إلى خمسة أجزاء هي ميالنو‪ ،‬فلورنسا‪ ،‬البندقية‪ ،‬نابولي‪ ،‬فضال عن‬ ‫مقاطعة بابوية‪.‬‬ ‫وعليه فقد تبين في كتابه هذا فكرة أن الفضيلة هي الوحدة السياسية من‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬مصطفى النشار ‪ ،‬أرسطو (بيروت‪ :‬الدار المصرية اللبنانية‪)2018 ،‬‬ ‫(‪ )2‬حول التعريف بميكافيلى والميكافيلية انظر‪ :‬من هو ميكافيلى وما هى الميكافيلية‪ ،‬أطلس‬ ‫المعرفة ‪Atlas-know.com.2020/1/17‬‬ ‫‪33‬‬ ‫خالل حاكم قوي يأخذ بالحكم المطلق لتحقيق هدفه يتجه بعدها عقب توحيد‬ ‫الدولة لآلخذ بالحكم الديمقراطي باعتباره أفضل أنواع الحكم في الظروف‬ ‫العادية‪.‬‬ ‫ويمكن في هذا الصدد اإلشارة لعدد من األفكار األساسية التي قدم من‬ ‫خاللها ن صائحه للحاكم من أجل توحيد إيطاليا والتي ال تعبر عن الخط الفكري‬ ‫العام لم ؤلفاته بقدر ما تعكس رغبته في توحيد واستقرار دولته حيث أباح‬ ‫(‪)1‬‬ ‫لتحقيق هذا كافة الوسائل المتاحة على اعتبار أن الغاية تبرر الوسيلة‪.‬‬ ‫أ‪ -‬إتباع الواقعية‪ :‬إذ يجب ان يكون األمير واقعياً ي ارقب كل شيء دون أن‬ ‫يصدق كل ما يقال له‪ ،‬وال يخشى من أي شيء مهما كان مع ابتعاده عن‬ ‫المثالية في تعامالته مع األفراد‪ ،‬واعتماده على اإلرادة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬االهتمام بالذات‪ :‬عن طريق تثقيف ذاته‪ ،‬واكتساب المهاراة والقوة‬ ‫الجسدية بالتمارين الرياضية‪.‬‬ ‫أن يعتمد على رهبة وخوف الرعية بدال من حبهم أو كراهيتهم له‪ ،‬ذلك‬ ‫ج‪-‬‬ ‫أن كون األمير مرهوب الجانب تعد صفة مفضلة ومميزه تجعل الرعية‬ ‫يترددون في اإلساءه إليه‪.‬‬ ‫د‪ -‬أن يستطيع الجمع بين القوة والقانون‪ ،‬والقوة والحيلة‪ ،‬والكرم والبخل‪.‬‬ ‫ه‪ -‬القدرة على الجمع بين الوفاء بالوعود والرجوع عنها وذلك وفقا لطبيعة‬ ‫الموقف‪ ،‬واذا لم يكن هناك وسيلة أمام الحاكم عن الرجوع في وعوده‬ ‫فيجب عليه تقديم المبررات الموضحة لهذا‪ ،‬والتاريخ يمتلئ بكثير من‬ ‫األمثلة التي تشير لهذه المواقف كما أشار‪.‬‬ ‫(‪ )1‬حول أفكار ميكيافيلى فى كتابه األمير‪.‬انظر‪ :‬نيكولو ميكيافيلى‪ ،‬األمير‪ ،‬ترجمة أكرم مؤمن‬ ‫(القاهرة‪ :‬مكتبة ابن سينا‪.)2018 ،‬‬ ‫‪34‬‬ ‫و‪ -‬ابعاد األخالق والدين عن السياسة‪ :‬حيث فرق ميكافيلي في رؤيته‬ ‫لألخالق والدين ما بين التزام الفرد بهما ومدى أهميتها بالنسبة للدولة‪.‬‬ ‫فعلى حين أعتبرهما من األمور التي يمكن أن تكون مطلوبة للفرد في‬ ‫تعامله مع اآلخرين‪ ،‬إال أنه وبالنسبة للدولة فيجب أال تتمسك بهما إال في‬ ‫حالة كونهما يعمالن على تدعيم قوة الحاكم السياسية‪.‬حيث من الحقائق‬ ‫التي يجب ذكرها في هذا الصدد أن ميكيافيلي لم يكن معاديا للدين بصفة‬ ‫عامة بقدر ما كان رافضا للنفوذ الكبير الذي حصل عليه البابا في روما‬ ‫وجعله يمارس دو ار كبي ار تخطي دوره الديني‪ ،‬إذ أرجع لرجال الدين ما‬ ‫كانت تعانيه ايطاليا من تقسيم وضعف بعكس ما كانت تعيشه الدول‬ ‫األخرى التى حجمت من دور رجال الدين‪ ،‬وتعد عبارة "إيطاليا موحدة‬ ‫ومسلحة وخالية من الرهبان" من العبارات األساسية التي تعبر عن موقفه‬ ‫الرفض لدور رجال الدين في عرقلة توحيد إيطاليا‪.‬‬ ‫ا‬ ‫واذا كان ميكيافيلي كما يبدو من خالل نصائحه السابقة يركز على الدور‬ ‫المحوري لألمير‪ ،‬فإنه لم ينكر دور الشعب إذ كان يرى أن الشعب ‪ -‬وفي‬ ‫إطار العمل على توحيد إيطاليا‪ -‬يجب أن ال ينقاد للحاكم انقيادا أعمى بل البد‬ ‫له من أن يقتنع بعظم وأهمية ما يحدث بحيث يؤدي دو اًر مهماً في إنشاء‬ ‫إيطاليا وبدال من أن يكون الجيش مؤلفا من المرتزقة الذين يحاربون لقاء أجر‬ ‫يتقاضونه يجب أن ينخرطوا فى الجيش ضمانا للوالء والدافع الوطنى‪.‬‬ ‫جون سيتوارت ميل (‪)1٨٧٣ -1٨٠٦‬‬ ‫ولد جون سيتوارت ميل في لندن ‪ 1806‬ويعد من أهم مفكري القرن التاسع‬ ‫عشر ممن تناولوا (قضية الحرية ) من خالل عديد من أوجهها وهي الناحية‬ ‫التي أهلته ألن يطلق عليه أبو الحريات الكالسيكية في الفكر الغربي من خالل‬ ‫‪35‬‬ ‫سعيه إلصالح النظام الليبرالي الغربي‪ ،‬وتعد من أهم مؤلفاته‪ :‬عن النفعية‪،‬‬ ‫واضطهاد المرأة‪ ،‬وعن الحرية وهو يعتبر من أهم وأشهر كتاباته السياسية الذي‬ ‫أودعة أهم أفكاره حيث أعتبر الحرية هدفا ووسيلة للدولة والفرد‪.‬‬ ‫وقد عمل جون سيتوارت ميل من خالل تحليله للحرية على إكساب الفكرة‬ ‫مزيداً من الوضوح والتطور حيث أضاف عدداً من األفكار المهمة آلراء من‬ ‫سبقه‪.‬‬ ‫ومن المهم في هذا الصدد اإلشارة إلى أن العصر الذهبي للفكر الليبرالي‬ ‫في التطبيق خالل القرن التاسع عشر ارتبط بازدهار ونمو الثورة الصناعية في‬ ‫إنجلت ار أو ما عرف‪ ،‬باسم النظام الرأسمالي وهو األمر الذي صاحبه بداية‬ ‫تدخل الدولة في ضبط حدود هذا النشاط‪ ،‬فصدرت القوانين التي تنظم العمل‪،‬‬ ‫وتعمل على مراعاة عوامل األمان‪ ،‬حيث اعترفت النظم الليبرالية دوما بدور‬ ‫مهم للدولة‪ ،‬مع ضرورة االحترام الكامل لحقوق األفراد وحرياتهم وهو أمر ال‬ ‫(‪)1‬‬ ‫يتعارض مع مبدأ تدخل الدولة‪.‬‬ ‫وقد نظر سيتوارت ميل إلى الحرية على أنها تحرر الجميع (األكثرية‬ ‫واألقلية) من القيود‪ ،‬فيما عدا القيود القانونية فقد كان أكثر ما يزعج ميل هي‬ ‫فكرة استبداد األغلبية باألقلية‪ ،‬حيث أكد على قيمة وأهمية الفرد وضرورة أن‬ ‫ينعم بالحرية وال يذوب مع األغلبية‪ ،‬ومن هنا رأى ضرورة أن يكون للدولة حداً‬ ‫معين تقف عنده لكي ينمو رصيد الحرية عند األفراد في كافة المجاالت وبدون‬ ‫ذلك سيتحول األمر إلى استبداد حتى لو كانت هناك حرية في مجال معين‪.‬‬ ‫فإذا كان كل شيء في يد الدولة مثل الطرق والبنوك‪ ،‬والجامعات والشركات‬ ‫(‪ )1‬للتعريف بأفكار جون سيتوارت ميل ومنهجه الفكرى‪.‬انظر من تأليفه‪.‬جون ستيوارت ميل‪ ،‬سيرة‬ ‫ذاتية‪ ،‬ترجمة الحارث النبهان‪Ktabpdf.com.‬‬ ‫‪36‬‬ ‫فضال عن مكافأة األقراد تصبح الحرية اسما بال مسمى‪.‬‬ ‫ورغم أن الديمقراطية من نتائج الليبرالية فإن ميل انتقدها باعتبارها هيمنة‬ ‫لألكثرية على حرية ألقلية‪ ،‬ولو ?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser