مصادر ومناهج البحث التاريخي PDF
Document Details
Uploaded by ReplaceableNessie3547
جامعة الزقازيق
أميرة نافع
Tags
Summary
This document is a lecture or course material on historical research methods and sources, particularly focusing on historical knowledge, methods and historical writing within the Arab and Islamic perspectives. It covers the different phases and development of historical writing in medieval Europe. It also examines the approaches to carrying out historical research. The lecture notes include the work of various historical figures and a discussion about historical evidence and sources.
Full Transcript
جامعة الزقازيق كلية اآلداب قسم التاريخ حماضرات يف مصادر ومناهج البحث التارخيي إعداد دكتورة أمرية نافع -1- الفه...
جامعة الزقازيق كلية اآلداب قسم التاريخ حماضرات يف مصادر ومناهج البحث التارخيي إعداد دكتورة أمرية نافع -1- الفهرس الفصل األول :علم التاريخ ومنهج البحث التاريخي الفصل الثاني :المعرفة التاريخية عند العرب والمسلمين الفصل الثالث: مراحل تطور الكتابة التاريخية في أوربا العصور الوسطى الفصل الرابع: كيفية إعداد بحث فى التاريخ -2- الفصل األول علم التاريخ ومنهج البحث التاريخي التاريخ هو وعاء الخبرة البشرية ،وهو العلم الخاص بالجهود البشرية ،أو هو المحاولة التي تستهدف اإلجابة على األسئلة التي تتعلق بجهود البشرية في الماضى ،ونستشف منه جهود المستقبل ،وقد يعتقد البعض أن التاريخ هو الماضى أو األحداث التي طواها الزمن في غيابه ،ولم تعد تهمنا في قليل أو كثير ،وليس هذا بصحيح ،فالتاريخ يشمل الماضي والحاضر والمستقبل معا ،وال يمكن الفصل بينهم ،بل هو بالضبط وحدة ال تتجزأ ،كالنهر الدفاق المياه ، المتالحق األمواج ،ال تجد في تياره فجوة ،وال ترى بين أمواجه ثغرة . ويرى المؤرخ راوس أن التاريخ يبحث في المجتمع اإلنساني وفي حكايته وكيف أصبح اإلنسان كما هو اآلن .ويقول السير تشارلز فيرث عن التاريخ " :التاريخ شئ ال يسهل تعريفه ،ولكن يبدو لي أنه سجل لحياة المجتمعات اإلنسانية وللتغيرات التي اجتازتها تلك المجتمعات ولألفكار التي تحكمت في توجيه نشاط تلك المجتمعات وللظروف المادية التي ساعدت أو عاقت تطورها . -3- ويعتبر ابن خلدون (2041 -2331م) أول من أشار صراحة إلى فكرة التاريخ في مقدمته بقوله :وفي باطنه نظر وتحقيق ،وتعليل للكائنات ومباديها دقيق ،وعلم بكيفات الوقائع وأسبابها عميق ،فهو أصيل في الحكمة عريق ".والحكمة في المفهوم العربي هى أعلى مراتب العلم . وفي رأى كثير من المؤرخين -مثل المؤرخ السخاوى أن التاريخ باألولى هو كيان األمم ،فال توجد أمة أو دولة إال ولها تاريخ يرجعون إليه ويعولون عليه ،ينقلها خلفها من سلفها ،وحاضرها عن غابرها ،ولوال ذلك النقطع الوصل. وهناك من ّعرف التاريخ بأنه فرع عظيم من فروع المعرفة ، وكتابته فن قديم العهد ،وكل فرد يعرف ما هو التاريخ ،فكلمة التاريخ مألوفة لديه ،ويعرف تماما ما تعنيه ،والتاريخ يتعامل مع أفكار وأعمال البشر الذين عاشوا في األزمنة الماضية . وإذا فما الطريق الذى نسلكه لدراسة التاريخ وكتابته ؟ وما منهج البحث الواجب إتباعه فى دراسة التاريخ وكتابته ؟ منهج البحث التاريخى هو المراحل التى يسير خاللها الباحث حتى يبلغ الحقيقة التاريخية -بقدر المستطاع -ويقدمها إلى المختصين بخاصة والقراء بعامة . -4- وتلخص هذه المراحل فى تزويد الباحث نفسه بالثقافة الالزمة له ، ثم اختيار موضوع البحث ،وجمع األصول والمصادر ،وإثبات صحتها ،وتعيين شخصية المؤلف وتحديد زمان التدوين ومكانه، وتحرى نصوص األصول وتحديد العالقة بينها ،ونقدها نقدا باطنيا إيجابيا ،وسلبيا ،وإثبات الحقائق التاريخية ،وتنظيمها وتركيبها، واالجتهاد فيها ،وتعليلها ،وإنشاء الصيغة التاريخية ،ثم عرضها عرضا تاريخيا معقوال. والبد من مالحظة أنه ليس المقصود بالحقيقة التاريخية الوصول إلى الحقيقة المطلقة ،إذ أن هذا أمر غير مستطاع لعوامل مختلفة ، مثل ضياع األدلة وانطماس اآلثار ،ومثل األغراض والمصالح.ومن ذا الذى يمكنه أن يعرف الحقيقة المطلقة في الماضي أو الحاضر ؟ وهل يمكن لإلنسان أن يعرف حقيقة ذاته تمام المعرفة ؟ فالحقيقة التى يصل إليها المؤرخ هى حقيقة صحيحة نسبيا ،وكلما زادت نسبة الصدق فيها اقترب التاريخ من أن يصبح تاريخا بالمعنى الصحيح ، فى حدود إمكانه . وحينما يعكف المؤرخ على دراسة التاريخ ،لن يجد الوقائع أو الحوادث ماثلة أمامه ،وعليه عندئذ أن يتجه إلى دراسة وفحص مخلفات اإلنسان وآثاره ،من كتابات ونقوش ومصنوعات ومنشآت ، -5- وآثار اإلنسان كلها ،تحمل بين طياتها أسرار الحوادث وخفايا التاريخ . ومن األمثلة التى تساعدنا على إدراك ما يواجه المؤرخ من الصعوبات أن بعض آثار اإلنسان قد تشيد للمبالغة والتعظيم ،مثل أقواس النصر التى أقامها نابليون فى بعض الواليات األلمانية ،والتى ال تدل حتما على أنه أصبح سيد أوربا على الدوام ،أو النوط الذى ضربه تذكارا لنزوله فى إنجلترا ،مع أن ذلك لم يحدث تاريخيا ، وسيبقى هذا النوط كذكرى ألمل لم يتحقق ؛ أو تمثال الرجل الذى يقتل األسد ،مع أن ذلك ال يحدث إال نادرا ،واألغلب أن األسود هى التى تفتك بالرجال ،ولو استطاع األسد أن يصنع تمثاال لفتكه باإلنسان لصح الوضع ،ولكان ذلك معبرا عن الحقيقة . وأحيانا قد يعبر المؤرخ على وثائق مزيفة ،سواء أكان ذلك بقصد الدعاية أم الدفاع عن فكرة معينة ،أم من أجل الشهرة ،أم لالتجار والكسب .وعلى ذلك ينبغى أن تدرس آثار اإلنسان ومخلفاته بروح النقد والحذر . وتتحدد قيمة التاريخ المكتوب بناء على بعض األسس الجوهرية، فأوال :ينبغى أن يفحص نوع المادة التى استقى منها الباحث معلوماته ،أهى نقوش أو آثار قديمة معاصرة لألحداث ثبتت صحتها وصحة معلوماتها ،أهى أصول ووثائق ومراسالت مستخرجة من -6- دور األرشيف التاريخية وثبت أنها غير مزيفة ،وأن معلوماتها صحيحة ،وأنه لم يسبق نشرها ،أو على األقل لم يسبق استخدامها بدرجة كافية ؟ أم أن المادة التى اعتمد عليها الباحث هى مجرد مراجع ثانوية ليست ذات قيمة علمية ؟ وثانيا :تتحدد قيمة التاريخ المكتوب بناء على قدرة الباحث على الدرس والبحث ،وقدرته على نقد ما تحت يده من األصول والمصادر والمراجع ،وطريقته في استخالص الحقائق وتنظيمها وتفسيرها وعرضها.ويختلف الباحثون في النقد وفى استخالص الحقائق بحسب اختالفهم في الفهم والتفسير واالستنباط . وأحيانا يضطر الباحثون فى التاريخ إلى وضع افتراضات مختلفة لمحاولة فهم مسألة تاريخية ،تواجههم فيها غوامض وفجوات وأحيانا يختلف الباحثون فى تقدير معنى الحوادث من ناحية السياسة أو االقتصاد ،وبذلك تأتى كتاباتهم متفاوتة أو مختلفة. على أن ذلك كله يقدم للمؤرخ آراء ووجهات نظر مختلفة متفاوتة عن عصر أو ناحية معينة ،وال يمكن أن يحتكر أحدها صفة الحقيقة، وهى كلها تعطى للتاريخ الحركة والحياة ،وتجعل البحث التاريخى مستمرا على الدوام ،باحتمال ظهور أدلة جديدة تلقى ضوءا جديدا على ما قد يكون غامضا أو مبهما من أحداث التاريخ ،وبالعكس عدم االختالف وعدم التفاوت يسببان الجمود والركود فى دراسة التاريخ، -7- وفى سائر ألوان العلوم والمعارف ،وفى شتى مظاهر الحياة على وجه العموم. وثالثا :تتحدد قيمة التاريخ المكتوب بناء على بعد الباحث عن التحيز واألهواء ،ومطابقته للواقع بقدر المستطاع .وأحيانا يتأثر الباحث بروح عصر معين ،مثل عصر الحروب الصليبية أو عصر االنقالب الصناعى أو نمو الديموقراطية أو ظهور االشتراكية ... فيكتب وهو يحاول إخضاع الموضوع المعين لرأيه وفكره. والكتابة التي يطعن فيها كاتب مسيحي على المسلمين في زمن الحروب الصليبية أو العكس ،ال تعد في إطالقها صحيحة.فالكتابة التي يتعمد فيها الكاتب أن يتخذ اتجاها معينا ،قد تعد تاريخا لنوع من التفكير أو النزعات اإلنسانية الجديرة بالدراسة ،ولكن ال يمكن أن يعد ما جاء بها معبرا عن الحقيقة التاريخية ،بالنسبة لما تناولته من الموضوعات . وبمعنى آخر يمكننا أن نقول إن قيمة التاريخ المكتوب تتحدد بناء على ثقافة الباحث ،وإلمامه بطريقة البحث التاريخى ،وبناء على استعداده الشخصى وملكاته. وكثير من كتب التاريخ تُعد من أمتع ثمرات العقول لنضج عقلية المؤرخ ،وثقافته الواسعة ،وخبرته الوطيدة ،وتبصره ،ونجاحه في -8- إعطاء وحدة واضحة جامعة ،وذلك بعكس كثير من الكتب التي تنسب للتاريخ ظلما ،والتى يكتبها من ال يفهم التاريخ . ومن ال يملك النقد ،ومن ال يتصف بالصبر والجلد والصدق ،ومن ال يطلب سوى المنفعة .ولن تزيد مثل هذه الكتابة عن مجرد معلومات موضوعة بين دفتى كتاب ،وتصبح مثل هذه الكتب غير جديرة بأسمائها ،وقد ال تساوى الورق الذى طبعت عليه. تعريف منهج البحث يعرف منهج البحث التاريخى بأنه مجموعة العمليات العقلية االستداللية التى تستخدم فى حل مشكالت العلم وبناء العلم نفسه فى مرحلة ما من تاريخه -وهو ما يعنى أن مناهج البحث التاريخى تتطور فى كل مرحلة من تطور علم التاريخ نفسه.ومن ثم فإن ثمة عالقة جدلية بين بنية العلم المعرفية ومناهج البحث فى هذا العلم بحيث تناسب مناهج البحث المرحلة التاريخية فى تطور العلم من جهة ،كما أنها تساعد العلم على االنتقال لمرحلة بمناهج جديدة من ناحية ثانية . -9- الفصل الثاني المعرفة التاريخية عند العرب و المسلمين المعرفة التاريخية عند العرب قبل اإلسالم : كان لعرب الشمال قبل ظهور اإلسالم نصيبهم من األخبار التاريخية التى تختلط فيها الحقائق واألساطير اختالطا يجعل التمييز بينهما من األمور الصعبة لعدم وجود مدونات يرجع إليها عند المقابلة والتمحيص ،والموازنة والتحقيق ،وكان أكثر هذه األخبار يدور حول ما يسمى "أيام العرب" .وقد سميت بذلك اإلسم ألن العرب كانوا يتحاربون نهارا ،فإذا أتى عليهم الليل أوقفوا القتال حتى الصباح .وتدور مادة "أيام العرب" حول الحروب والوقائع العظيمة والمعارك التى وقعت بين القبائل العربية كحرب البسوس وداحس والغبراء وذى قار وغيرها .ومما يميز "أيام العرب " هو استشهادها بالشعر الذى يعتبر سندا لألخبار المروية ،ولكن يؤخذ عليها أنها معلومات متفرقة لم تكن تعدو قصصا خرافية تخلو من الصفة التاريخية ،ويعوزها الربط والحبكة التاريخية ،وينقصها التاريخ الثابت المعين ،باإلضافة إلى أنها ال تخلو من التعصب والتحيز لبعض القبائل . - 11 - وعلى الرغم من المسحة الخيالية واألسطورية أليام العرب ، فالشك فى أنها قد نسجت حول نواة من األحداث التاريخية الحقيقية ،بحيث يمكن االعتماد عليها باعتبارها مصدرا هاما من مصادر تاريخ العرب قبل اإلسالم ،بل إنها سبيل لفهم ما وقع بين العرب قبل اإلسالم من حروب شجرت بين القبائل ،ووقائع كانت بين البطون واألفخاذ والقبائل ،كما كان لها تأثير فى نشأة علم التاريخ بعد اإلسالم. والواقع أنه إذا أجهدنا أنفسنا باحثين عن أى نوع من الكتابة التاريخية فى العصر الجاهلى ،لم نكد نظفر بشئ ،حتى البلدان المتحضرة التى كما نظن أنها تحرص على تسجيل حياتها وحضارتها ،مثل اليمن والحيرة وغسان ،لم يصل إلينا منها كتب تاريخية أيضا .وكان تاريخها منسيا لدى العرب ،سكانها أو غير سكانها ،ولذلك دخلت عليهم األباطيل والخرافات عندما أرادوا الكتابة عنها بعد ظهور اإلسالم ،وطاف بهم الخيال ،حتى أننا لم نستطيع أن نتثبت من حقيقة ما يقولون ،أو نركن إليه ،على الرغم من النقوش الموجودة حتى اليوم على اآلثار الباقية فى اليمن وشمال بالد الحجاز وجنوبى الشام ،مما يدل على جهل المؤرخين العرب بالخط الحمبرى والخطوط األخرى فى بالد العرب القديمة .والشئ الوحيد الذى نسمع - 11 - عنه هو تلك المدونات التاريخية المودعة فى أديرة الحيرة وكنائسها ،وإن كنا ال نعرف عنها شيئا فيما عدا ذلك . ولم تكن الكتابة فى العصر الجاهلى واسعة االنتشار ،ولكنها مع ذلك لم تكن مجهولة ما ،بل كانت شائعة االستعمال فى كتابة العهود والمواثيق والصكوك والرسائل ،ولكن العقلية الجاهلية كانت أقدر على قرض الشعر منها على معالجة كتابة التاريخ ،كانت عقلية شديدة التعصب للقبيلة ،نزاعة إلى األسطورة والخرافة ،قليلة الصبر على المراجعة والتحقيق ،متشبعة بروح عصرها وتقاليدها ،ومثل هذه الحالة ال تعوق قرض الشعر بل قد تكون من بواعث التشجيع على نظمه ،ألن فيها ما يحفز الخيال ويثير العاطفة ،ولكنها عقبة فى طريق النضج الذى تستلزمه الكتابة التاريخية . ولما كان عرب الشمال شديدى العناية بأنسابهم ،كثيرى الفخر واالعتزاز بآثار أسالفهم ،فقد حفظت األنساب عنصرا أساسيا من كيان المجتمع القبلى باعتبارها مادة تاريخية من الدرجة األولى تفيد فى الحفاظ على مقومات هذا المجتمع .وظلت األنساب باعتبارها نمطا من أنماط المعرفة التاريخية تؤدى دورها بعد اإلسالم فى خدمة المجتمع العربى .وقد تطورت األنساب فى صدر اإلسالم ،حيث جرى تكريس النسب لخدمة األهداف السياسية ،بل إن االهتمام باألنساب صار من مشاغل الحكومة التى استخدمت األنساب فى عدد من - 12 - النواحى اإلدارية ،حيث تم تنظيم العمل فى ديوان العطاء ،واختطاط المدن وسكانها على أساس النسب ،كما لعبت األنساب دوراًًُ أسياسياًًُ فى الشئون العسكرية إبان حركة الفتوحات العربية .ومن المعروف أن كثير من الناس فى عصور الثقافة العربية كانوا ينتحلون نسبا يصلهم بالنبى ، أو آل البيت ،أو لقريش على األقل. وعلى أية حال ،اهتم العرب فى العصر الجاهلى باالحتفاظ بأنسابهم وشجرات أنسابهم ،ولما جاء اإلسالم بمبدأ "إن أكرمكم عند هللا أتقاكم" خبا هذا الحماس لفترة محدودة فى عهد الرسول والخلفاء الراشدين ،ثم أخذ فى الظهور فى عصر الدولة األموية العتبارات سياسية . استمر تداول "أيام العرب" شفاها إلى أن بدئ فى تدوينها فى العصر األموى ،ومن المؤرخين العرب الذين اشتغلوا برواية أخبار العرب قبل اإلسالم عبيد بن شرية الجرهمى اليمنى (المتوفى عام 04 هـ تقريبا) ،ووهب بن منبه (ت 224هـ) ،ومحمد بن السائب الكلبى (ت 201هـ) ،وابنه هشام الكلبى (ت 140هـ) ،وأبى مخنف األزدى (ت 250هـ) ،وسيف بن عمر الكوفـــى األســــدى (ت 204هـ) ، والمدائــــــنى (ت 115هـ ) ،والزبــــــــير بن بكار ( ت 152هـ) . - 13 - وكان عبيد بن شرية الجرهمى اليمنى قصاصا أخباريا ،اتخذه معاوية ابن أبى سفيان سميرا ومحدثا يروى طرائف األخبار المتقدمة وغرائب األحاديث والسير ،وقد دونت أحاديثه فى كتاب عنوانه "كتاب الملوك وأخبار الماضين" .ويتناول عبيد فى هذا الكتاب تاريخ موطنه اليمن ،بادئا باجتماع البشر فى بابل ،ثم تفرقهم شيعا ، وخروج بعض بنى سام إلى اليمن ،ثم يأخذ ف سرد تاريخ هؤالء اليمنيين ،معتنيا بمن أرس إليهم من أنبياء .وكتا عبيد ذو أهمية كبيرة ،الفى تطور حركة التأليف فحسب ،وإنما ألنه يكشف النقاب عن الثقافات التى كان يعرفها العرب فى الصدر األول من اإلسالم" وربما التى كان يعرفها العرب فى الجاهلية وخاصة فى اليمن ، وتظهر الثقافة اإلسرائيلية بارزة ف الكتاب كله . أما وهب بن منبه ،فقد كان يمنيا من أهل ذمار بجوار صنعاء عاصمة اليمن ،وقيل إنه كان يهوديا وأسلم ،وينسبون إليه معظم اإلسرائيليات الواردة فى المصادر العربية ،وقد ركز وهب بن منبه على أخبار اليمن فى الجاهلية .ومن الكتب المنسوبة إليه كتاب "الملوك المتوجه من حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم شوأشعارهم" ،ولسوء الحظ لم يصل إلينا هذا الكتاب .ويغلب على أخبار وهب طابع القصص الشعبى الخرافى ،وقد حمل ذلك المؤرخ هاملتون جب إلى القول بأن كتابى وهب بن منبه وعبيد بن شرية - 14 - يمداننا ببرهان ساطع على أن العرب األول كانوا يفتقرون إلى الحس والمنظور التاريخيين ،حتى عندما يتطرقان إلى ذكر أحداث تكاد تكون معاصرة لهما . أما هشام بن محمد بن السائب الكلبى ،فقد كان أبوه محمد بن السائب الكلبى (ت 201هـ) غزير العلم باألنساب واللغة والتاريخ ، وخلفه إبنه فى علم األنساب ،فتتبع دراسات أبيه فى األنساب وتقدم بها ،وكتب هشام فى أخبار األوائل ،وفيما قارب اإلسالم من أمر الجاهلية ،وفى أخبار الشعراء وأيام العرب واألخبار واألشعار . ويعتبر ابن هشام من أعظم اإلخباريين فى تاريخ العرب فى الجاهلية ،وكان يعتمد على األصول والمصادر التاريخية التى تتعلق بموضوع دراسته . المعرفة التاريخية عند المسلمين: وفى أوائل عهد اإلسالم انشغل المسلمون بالفتوح والحروب والغزوات حتى علت مكانته .ولما هدأت موجة الفتوحات ،وحدث االستقرار ،وقامت مراكز علمية هامة فى األمصار اإلسالمية ،بدأ المسلمون يتجهون إلى إثبات األخبار ،وتسجيل األحداث ،وأقبلوا على جمع األحاديث النبوية وتفسير القرآن الكريم . - 15 - أما القرآن الكريم فهو كتاب هللا تعالى أنزله على رسول محمد ،وفى القرآن الكريم شئ من أخبار العرب قبل اإلسالم والسيما ذكر بعض القبائل العربية القديمة مثل عاد وثمود ،فضال عن قصص األنبياء فضال عن قصة أصحاب الفيل وبعض أخبار ملوك اليمن . ومن سور القرآن الكريم التى جاء فيها بعض أخبار العرب القدماء سورة البقرة وآل عمران والنساء والكهف والحاقة . وعلى الرغم من أن الكشوف األثرية قد أيدت صحة ما جاء فى الكتب المقدسة -والسيما القرآن الكريم -عن بعض أخبار العرب القدماء ،فإن المستشرقين ال يميلون إلى االعتماد على الكتب المقدسة فى ميدان التاريخ ،إذ أنهم يرون أن ما جاء فيها سرد بأسلوب مختصر وأنه كان يهدف -وخاصة القرآن الكريم -إلى عبرة أخالقية ،فضال عن أن بعض أخبارها ال يزال غير واضح ،وينقصه التحديد الزمانى -المكانى. وبعد وفاة الرسول كان البد من حفظ كالم هللا ورسوله ، وكانت األحاديث تتصل اتصاال وثيقا بنشأة التاريخ عند المسلمين بعد القرآن الكريم وتعنى كلمة "حديث" في اإلسالم أقوال الرسول . أما كلمة "سنة" فتعنى طريقة التصرف العادى فى النواحى - 16 - االجتماعية والدينية والقانونية .فالحديث يشير للقول ،والسنة تشير للعمل. وفى البداية كان الصحابة خير مصدر للمعلومات عن الحديث ،فقد سمعوا الرسول الكريم نفسه يتكلم وشاهدوا أعماله ،وبعد ذلك أخذ الناس األحاديث والسنة عن "التابعين" أي الجيل التالي لعصر النبوة الذين سمعوا الحديث عن الصحابة ،ثم أخذ بعد ذلك عن التابعين "تابعوا التابعين". ولذا نرى أن كل حديث كامل يتألف من قسمين :القسم األول هو سلسلة رواة الحديث على التوالى ويسمى "اإلسناد" أو "السند" ألنه يثبت صحة الخبر ،ويبدأ السند بآخر راو للحديث "المتن " أو محتويات الحديث. وكان علم التاريخ عند المسلمين فى البداية وثيق الصلة برواية الحديث وتفسير القرآن الكريم ،وذلك ألن المسلمين عندما اشتغلوا بجمع القرآن وتفسيره ودراسة األحاديث النبوية ،احتاجوا إلى تحقيق المناسبات التى نزلت فيها اآليات والمشاهد التى وردت فيها األحاديث ،ولذا عمدوا إلى جمع أخبار السيرة النبوية وأخبار الغزوات ومن ساهم فيها . - 17 - وعندما وجد المسلمين نوعا من التناقض فى الروايات عند جمع األحاديث ،بذلوا جهدا فى التفريق بين األحاديث الصحيحة واألحاديث الزائفة المدسوسة ،وقد جرهم ذلك إلى دراسة طبقات المحدثين ، والوصول إلى درجة تدقيق كل منهم فى نقل األحاديث . وأقدم الكتب التاريخية التى تجمع بين الحديث والتاريخ هى كتب المغازى والسير ،وتعنى المغازى غزوات الرسول وحروبه التى قام بها لقتال المشركين والدفاع عن الدين الجديد .وكان من الطبيعى أن تكون نشأة المغازى والسير فى المدينة المنورة بوصفها دار السنة التى عاش فيها الصحابة وشاهدوا الرسول الكريم وسمعوا أحاديثه ورووها إلى التابعين ،ولم تنتشر الكتابة فى تاريخ المغازى والسير من المدينة إلى غيرها من األمصار إال فى القرن الثانى للهجرة . وكانت كتب المغازى والسير تعتمد على األحاديث المروية عن النبى ، والتى يتحرى فى جمعها الصحة وتلتزم الدقة ،وكان لذلك فضل كبير فى رفع مستوى الكتابة التاريخية واالتجاه بها إلى الطريق السوى ،وقد كان لهذا االتصال بين رواية األحاديث وكتابة التاريخ تأثير بالغ فى الطريقة التى سار عليها مؤرخو اإلسالم فى كتابة التاريخ . - 18 - وكانت أخبار المغازى والسيرة مبعثرة فى داخل األحاديث من غير تبويب يؤلف بينها أو يجمعها فى باب واحد ،فلما رتبت األحاديث فى أبواب وكتب ،استقلت السيرة والمغازى بأبواب مستقلة فى كتب الحديث ذاتها ،ثم بعد ذلك وجدنا المغازى والسير مستقلة قائمة بذاتها فى كتب مستقلة منفصلة عن كتب الحديث. وقد توسعت دراسة المغازى فيما بعد ،فأصبحت تشمل الوقائع والحروب التى خاضها العرب بعد وفاة الرسول الكريم ، ضد غيرهم من األمم األخرى فى سبيل نشر اإلسالم ،ويالحظ ذلك فى الكتابات التى وردت عن القادسية واليرموك ونهاوند وذات الصوارى وغير ذلك .كما أنها شملت الوقائع والحروب األهلية التى نشبت بين العرب كالجمل وصفين وغيرهما . وظهر بجانب مؤرخى المغازى والسير طائفة أخرى من "اإلخباريين" الذين اهتموا باألخبار القديمة والقصص اهتماما طغى على المغازى والسير .ويبدو أنهم وجدوا فى هذا اللون من األخبار والحكايات والنوادر واألشعار تسلية للسامع قبل التدوين ،وللقارئ بعد عصر التدوين ،كما وجدوا فيها ملء مجالس السمر عند األمراء . ومما يذكر أن المساجد اتسعت لإلخباريين الذين كانت أخبارهم تحتوى على كثير من التواريخ المزدحمة بالقصص واألساطير - 19 - والبطوالت المبالغ فيها ،واألشعار المثيرة لإلنفعاالت ،وأخبار القبائل وما كان يدور بينها .وهذا اللون من األخبار كان مزيجا اختلط فيه الواقع بالخيال ،والحقائق باألوهام ،ويروى صاحبه خبرا صحيحا ويمزجه بأخبار مخترعة ،ويرويها كلها على أنها وقائع ثابتة ،وأحداث صادقة فهو يرويها كما يروى التاريخ ،ولكن ال يدقق فيها كما يدقق المؤرخ . والشك أن هؤالء اإلخباريين كانوا برواياتهم النواة األولى للرسائل التاريخية التى أخذت بعد ذلك تظهر وتؤرخ ألحداث بزغت منذ العهد اإلسالمى ،كحوادث الردة ،وفتوح الشام والعراق ، ومصارع الخلفاء ،والخالف بين األمويين والعلويين ،وقيام الدولة العباسية ،وغير ذلك من األحداث التاريخية التى أخذت تظهر بكثرة فى العالم اإلسالمى ،ومن المؤكد أن هذه الرسائل المدونة كانت النواة األولى للمؤرخين الذين اعتمدوا عليها فى تدوين تواريخهم العامة ،كالذى نجده فى كتاب الطبرى. وعلى أية حال ،ألف فى سيرة الرسول ومغازيه جماعة من المؤلفين والرواة والمحدثين ،جاءوا على طبقات .وأول من عرف بالتأليف أبان بن الخليفة عثمان بن عفان المتوفى عام 245 هـ ،وقد كان واليا على المدينة للخليفة األموى عبد الملك بن مروان سبع سنين ،وعرف بالحديث والفقه .ويقول ابن سعد اثناء حديثه - 21 - عن المغيرة بن عبد الرحمن " :وكان ثقة قليلة الحديث ،إال مغازى رسول هللا أخذها عن أبان بن عثمان ،فكان كثيرا ما تقرأ عليه ويأمرنا بتعليمها" . أما عروة بن الزبير المتوفى عام 20هـ فهو من معاصرى أبان بن عثمان ،ومن أشرف البيوت وأنبلها ،أخو عبد هللا بن الزبير ومصعب بن الزبير ،أبوهم الزبير بن العوام .ولم يقتصر عروة على الروايات الشفوية ،بل دون بعض األحداث طلبها منه عبد الملك بن مروان .وتمثل كتابات عروة أقدم المدونات التى وصلت إلينا عن بعض الحوادث الخاصة فى حياة النبى ، كما تمثل أقدم أثار الكتابة التاريخية العربية .وقد مكنه نسبه من أن يروى الكثير من األخبار واألحاديث عن النبى وحياة صدر اإلسالم ،فروى عن أبيه الزبير وأمه أسماء بنت أبى بكر ،وروى الكثير عن خالته عائشة . ومن أشهر مؤرخى السيرة أيضا شرحبيل بن سعد المتوفى سنة 213هـ (004م) ،كان مولى من موالى األنصار ،روى كثيرا عن زيد بن ثابت وأبى سعيد الخدرى ،وأبى هريرة .وقد اسهم شرحبيل فى كتابات السيرة أثبت فيها أسماء الصحابة الذين اشتركوا فى غزوة بدر ،وأسماء الصحابة الذين اشتركوا فى غزوة أحد ،كما أورد أسماء المهاجرين إلى الحبشة ،واسماء من هاجر من مكة إلى المدينة. - 21 - واشتهر محمد بن مسلم الزهرى المتوفى سنة 210هـ (002م) من بنى زهرة ،ويعتبر من أعظم مؤرخى المغازى ،وساعد حبه لجمع األخبار ذاكرة قوية ،وقد ألف كتابا عن القبائل العربية بأمر من خالد القسرى والى العراق ،ولكنه لم يتمه ،كما ألف كتابا فى سيرة النبى ، ولكن هذا الكتاب لم يصلنا .وقد عرف الزهرى بقوة أسانيده ،وامتاز عن غيره فى ذلك بنوع جديد من اإلسناد ،هو اإلسناد الجمعى ،حيث يدمج عدة روايات فى خبر متسلسل ،وقد سار بذلك خطوة هامة نحو الكتابة التاريخية المتصلة . وهناك كاتب آخر بين كتاب المغازى القدامى وهو عبد هللا بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم األنصارى المتوفى سنة 235 هـ (053م) ،كان من أهل المدينة ،وكان جده األعلى عمرو بن حزم من كبار الصحابة ،بعثه رسول هللا إلى أهل اليمن ليفقههم فى الدين ويعلمهم السنة ومعالم اإلسالم .وأما أبوه أبو بكر فقد ولى قضاء المدينة فى والية عمر بن عبد العزيز ،ثم ولى أمر المدينة فى خالفة سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ،وعرف أبو بكر بمقدرته فى رواية الحديث ،ولذلك عهد إليه عمر بن عبد العزيز بجمع الحديث .وورث إبنه عبد هللا بن أبى بكر هذه المواهب ، فاختص برواية الحديث المتصل بالمغازى ،فكان حجة فى ذلك ، وعنه روى ابن اسحق والواقدى وابن سعد والطبرى ،فرويت له - 22 - أخبار تتعلق ببدء حياة النبى ، ووفود القبائل إلى رسول هللا ، وأخبار فى حروب الردة وغيرها . ويظهر محمد بن إسحاق المتوفى عام 252هـ ( 017م) تقريبا وقد نشأ بالمدينة ،ولقى كثيرا من علماء المدينة وأخذ عنهم الحديث ،وكان يجمع األحاديث وخاصة ما اتصل منها بالمغازى حتى اشتهر بها ،وروى عن الشافعى أنه قال " :من أراد أن يتجر فى المغازى فهو عيال على محمد بن إسحاق" .والبن اسحاق فضل جمع األحاديث وترتيبها وتبويبها وسلسلتها ،وربما كان هو أول من فعل ذلك ،وحذا حذوه من بعده .وقد ألف بن اسحاق كتابا غطى به على جميع هؤالء المؤرخين المتقدمين ،وجذب أنظار المتأخرين على الدوام ،ويسمى كتاب ابن إسحاق هنا "كتاب المغازى" ،ولم يصل إلينا الكتاب بصورته األصلية ،ولكن وصل إلينا قسط عظيم منه فى سيرة بن هشام .وقد أشار ابن النديم فى كتاب الفهرست إلى كتاب البن إسحاق سماه "كتاب الخلفاء" ،ولسنا نعرف شيئا عن مادة هذا الكتاب ،ولكن الراجح أنه كان موجزا وأن إبن اسحاق تناول فيه المغازى خاصة ،وإن كان الطبرى قد ذكره بين رواته فى تاريخ الخلفاء الراشدين .وكان ابن إسحاق غاية فى النزاهة فى تاريخه ، بدون آراء المذاهب المتعادية بكل أمانة وبدن تحيز ،حتى لقد روى - 23 - أشعار المشركين فى هجاء الرسول وأصحابه ،وحتى اضطر ابن هشام أن يلطف من حدة بعض عبارات هذه األشعار أو أن يحذفها . ومن المؤرخين الذين حازوا شهرة واسعة فى القرن الثانى الهجرى محمد بن عمر الواقدى المتوفى سنة 140هـ ( 713م) ، وكان من أهل المدينة .ويعد الواقدى أعلى منزلة من المدائنى والكلبى كليهما ،ويقال إنه سمع من مالك بن أنس وسفيان الثورى ،وكالهما من أسمى الفقهاء منزلة ،ويقال أيضا إنه لقى ابن جريج الذى يرتبط إسمه بمتبدأ دراسة الحديث .وكان الواقدى حجة فى الحديث والفقه والتاريخ ،وقد واله هارون الرشيد القضاء بشرقى بغداد ،ثم واله المأمون القضاء بعسكر المهدى .وله مؤلفات عديدة فى القرآن والحديث والفقه والتاريخ ،ومن بين األخيرة كتاب "التاريخ الكبير" ،وكتاب "الطبقات" وكتاب "السيرة" ،وكتاب "المغازى" ،وكتاب "أخبار مكة" ،وكتاب "فتوح الشام" ،والشك أن جميع هذه الكتب لو بقيت ،لكان لها قيمة تاريخية كبيرة .وقد كانت كتب الواقدى عمدة للمؤرخين بعده اقتبسوا منها ووصلت إلينا مقتبساتهم .وأياما كان ،فقد كان الواقدى من أوسع الناس علما فى عصره بالمغازى والسير ،كما كان واسع العلم بالحديث والتفسير عوُّ ل عليها الطبرى فى والفقه ،وكان من أكبر المصادر التى ّ تاريخه . - 24 - ومن أوسع كتاب القرن الثانى الهجرى علما وأكثرهم مؤلفات فى التاريخ والسير على بن محمد المدائنى المتوفى سنة 115هـ (704م) ،وهو عراقى من أهل البصرة ،سكن المدائن ،ومنها انتقل إلى بغداد .وقد ذكر ياقوت الحموى من مؤلفات المدائنى عددا كبيرا من الكتب ،منها كتاب عن أمها النبى ،ٍ أى جداته ،وآخر عن صفته ،وكتاب عن أخبار المنافقين ،وكتاب عن عهود النبى الكريم ، ومنها كتاب عن أخبار قريش ،ومجموعة أخرى من الكتب فى أخبار الخلفاء ،وأخبار النساء ،وكتب أخرى فى األحداث منها كتاب "الردة" ،وكتاب "الجمل" وسلسلة أخرى من الكتب عن الفتوح ، منها كتاب "فتوح الشام" وكتاب "فتوح العراق" ،ومنها كتب فى أخبار العرب وأخرى فى أخبار الشعراء وأخبار الخيل .ومن الواضح أن المدائنى كان جهده ضخما ،وقد انتفع مما كتبه المؤلفون الذين جاءوا بعده فأكثروا من النقل عنه . والحقيقة أن أكثر ما كتب المؤرخون المتقدمون قد فقد وضاع ، أو لحقه التحريف وأضيف إليه ما لم يكن به ،ولم يصل إلينا منها كامال سوى سيرة عبد الملك بن هشام المتوفى سنة 127هـ (733م) ،والمعرفة بسيرة ابن هشام ،وهى مختصرة من سيرة ابن اسحاق .ولكن جهد هؤالء المؤرخين لم يذهب عبثا ،فقد مهدوا السبيل لظهور كبار المؤرخين المسلمين الذين ال يتسع المجال لذكرهم ، - 25 - أمثال الطبرى (ت 324هـ211 /م) ،واليعقوبى ( 170هـ 720 /م) ،والمسعودى (ت 301ه250 / ،م) ،ومسكويه (ت 012هـ / 2434م) ،وابن األثير ( 134هـ 2133 /م) وغيرهم من المؤرخين البارزين الذين أفادوا مما جمعه رواد المؤرخين ،واستهدفوا االستقالل فى الرأى وتوخوا الصدق فى الرواية. وتدل أكثر القرائن على أن التاريخ اإلسالمى نشأ نشأة مستقلة غير متأثرة بما كتبه أعالم المؤرخين اليونان أو الرومان أو الفرس ،فلم يعرف العرب أمثال هيرودوت وثيوكيديدس وزيتون عدد اليونان ،أوليفيوس وتاكيتوس عند الرومان .وكان أوائل المؤرخين عربا ، سواء كانوا من الجنوب أو من الشمال .ولكن هذه الحركة العربية ما لبثت أن تأخرت بمؤثرات خارجية من أهل الكتاب والفرس ،بل صار جميع المؤرخين من الموالى فى أواخر القرن الثانى من الهجرة . ويمتاز معظم المؤرخين المسلمين بأنهم لم يكونوا موظفين حكوميين ،ولم يؤلفوا تبعا ألمر من القائمين بالحكم ،وإنما كانوا أناسا عنوا بالتاريخ وتوفروا عليه لمجرد الرغبة الشخصية ،وحبا فى ذلك العلم ،ولذلك نجدهم يؤلفون ما يحلولهم من كتب ،وعما يحلو لهم من حوادث . - 26 - ويستهل األستاذ بارنز حديثه عن المؤرخين المسلمين فى العصور الوسطى بقوله " :كانت حضارة الشعوب اإلسالمية ال الحضارة المسيحية هى أرقى حضارات العالم وأكثرها تقدما فى العصور الوسطى .وكذلك كان بعض أقدر مؤرخى العصور الوسطى من المسلمين ،وأعظمهم ابن خلدون الذى فاق بمراحل أى مؤرخ مسيحى فى العصور الوسطى فى تفهمه لمبادئ التقدم اإلنسانى والثقافى ،وحتى ظهور فولتير فى القرن الثامن عشر لم يكن مؤرخ مسيحى يساميه فى هذا االعتبار ،والمؤرخون المسلمون فى مجموعهم إذا قارناهم بالمؤرخين المسيحيين فإنهم يمتازون باستقالل الرأى والنزاهة النسبية ،كما كانوا خيرا منهم فى استعمال التسلسل التقويمى ،وكان تاريخهم للمواد واألحداث أدق بكثير من الكتاب المسيحيين " . ابن خلدون وكتابة التاريخ : ولد عبد الرحمن بن خلدون فى مدينة تونس سنة 031هـ (2331م) ،وأصله من حضر موت ،ونزحت أسرته إلى بالد المغرب أثناء الفتح اإلسالمى لألندلس ،واستقرت أسرته فى تونس فى منتصف القرن الرابع الهجرى .وقد تنقل ابن خلدون كثيرا بدول شمال أفريقية فى الفترة الواقعة بين سنتى 052و 001هـ ،وكانت هذه الفترة تشتعل بالفوضى واالضطراب السياسى ،ثم انتقل إلى - 27 - القاهرة ،حيث عمل بها معلما وقاضيا ،واشتغل بالتأليف حتى وافته المنية فى رمضان سنة 747هـ (مارس . )2041وكان ألسفاره ومغامراته السياسية واتصاله بكثير من ملوك النصارى باألندلس إلى خان التتار بالشام فضل فى تكوين فلسفته التاريخية . ويعتبر ابن خلدون أهم من أرخ للحضارة اإلسالمية من المؤرخين المسلمين فى العصور الوسطى ،حتى عرف عند المؤرخين بأنه واضع أساس علم التاريخ .فبينما نرى أن غيره من المؤرخين اتجه إلى سرد األحداث التاريخية والتاريخ للشخصيات ، ولم يعنوا بدراسة العوامل االقتصادية واالجتماعية ،إذا بابن خلدون فى مقدمته المشهورة فى مؤلفه الضخم المسمى "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان األكبر" ،فصوال طويلة للكالم على نظم الحكم والسياسة فى العالم اإلسالمى ،ويبحث ما عرفه المسلمون من مهن وصنائع ونظم اقتصادية وعلوم وفنون ،ويضع لكتابة التاريخ منهجا جديدا من نقد الحقائث وتعليلها ،ويجعل المجتمع وتكوينه ونظمه وتطورها موضوعا للدرس العميق والتفكير الحر . ويقابل ابن خلدون الحضارة ،وما يسميه الملك ،ويقصد به السيادة أو الدولة ،ألن الملك فى رأيه ضرورة الزدهار العمران ، والحضارة ال يكفى أن تكون فى الحضر ،ولكن يجب أن تالزمها - 28 - سيادة ،وبمعنى آخر نظام واستقرار ،حيث تنمو وتزدهر وتتطور . ويرى ابن خلدون أن لكل حضارة عمرا معلوما ،ويجعلها تمر بأطوار فى الحياة مثل اإلنسان ،وأنه البد أن ينزل بها الهرم ،وأن كل حضارة تحمل فى طياتها جرثومة عدم الكمال ،وفى اللحظة التى تبلغ فيها الحضارة أوجها ،يبدأ االنحالل والسقوط .كما يرى ابن خلدون أن أشد أعداء الحضارة الترف ،فالحضارة تتدرج من الخشونة إلى الترف ،وأن الخشونة وحدها هى التى تحفظ الحضارة . وقد بلغت الكتابة التاريخية ذروتها بمقدمة ابن خلدون ،ففى تلك المقدمة يرى ابن خلدون أنه على المؤرخ معرفة طبائع العمران (األحوال فى االجتماع البشرى أو اإلنسانى) ،فمعرفة طبائع العمران تساعد المؤرخ فى تمحيص األخبار ،وعدم التشبع وفى تمييز الحق من الباطل فى األخبار ،وفى الوقوف على الصدق من الكذب . فالتاريخ هو "خبر عن االجتماع االنسانى الذى هو عمران العالم وما يعرض لطبيعته ذلك العمران من األحوال ،مثل التوحش والتأنس والعصبيات ،وأصناف تقلبات البشر بعضهم على بعض ،وما ينشأ عن ذلك من الملل ،والدول ومراتبها ،وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والصنائع ،وسائر ما يحدث فى ذلك العمران بطبيعته من األحوال" .ويمدنا ابن خلدون بمعيار سليم فى - 29 - إمكانية حدوث هذه الوقائع أو استحالتها " ،فالقانون فى تمييز الحق فى الباطل فى األخبار باإلمكانة واالستحالة أن ننظر فى االجتماع البشرى الذى هو العمران ،ونميز ما يلحقه من األحوال لذاته وبمقتضى طبعه ،وما يكون عارضا ال يعتد به وما ال يمكن أن يعرض له .وإذا فعلنا ذلك كان ذلك لنا قانونا فى تمييز الحق من الباطل فى األخبار والصدق من الكذب بوجه برهانى ال مدخل للشك فيه" . وال أدل على حصافة ابن خلدون المؤرخ وحسه المرهف نحو قيمة المصدر التاريخى ،من اهتمامه بالورقة الرسمية أو المستند الرسمى ،أو بمعنى آخر بالوثيقة ،التى هى فى وقتنا الحاضر تعتبر من أهم مصادر التاريخ ،بسبب أنها المادة الخام أو المنبع المباشر ،الذى يتصل به المؤرخ -فنجد ابن خلدون يتنبه إلى أهميتها فيذكر عبارة :تصفحهم (أى المؤرخون) ألوراق الدواوين ،ويقصد بها األوراق الرسمية ،ألن الدواوين هى المصالح الحكومية . وقد كتب ابن خلدون عن ولع الناس بالمبالغة والغرائب والسيما فى إحصاء األعداد من األقوال والعساكر ،فيقول " :وقد نجد الكافة من أهل العصر إذا أفاضوا فى الحديث عن عساكر الدول التى لعهدهم أو قريبا منه ،وتفاوضوا فى األخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى ،أو أخذوا فى إحصاء أموال الجبايات وخراج السلطان ونفقات المترفين وبضائع األغنياء الموسرين ،توغلوا فى العدد ، - 31 - وتجاوزوا حدود العوائد وطاوعوا وساوس اإلغراب ،فإذا استكشف أصحاب الدواوين عن عساكرهم واستنبطت أحوال أهل الثروة فى نصائعهم وفوائدهم ،واستجلبت عوائد المترفين فى نفقاتهم ،لم تجد معشار ما يعدونه ،وما ذلك إال لولوع النفس بالغرائب وسهولة التجاوز على اللسان والغفلة على المتعقب والمنتقد" . كما أدرك ابن خلدون أهمية دراسة العوامل الجغرافية من أجل معرفة تأثيراتها على مسار التاريخ ،إلى جانب التركيز على العوامل االقتصادية ومسئولياتها عن األحداث التاريخية .وشدد على دراسة التاريخ للعبرة والعظة ال للتسلية ،فنحن ندرس تواريخ الدول والملوك لنتعلم ،وندرس سير األنبياء لنتأسى بهم ،وندرس تجارب األمم ،ونرى ما وقعت فيه من األخطاء لتنجو بأنفسنا من المزالت ومواطن الضرر ،وهذه فى رأينا أعظم فوائد التاريخ فى نظر دارسيه من العرب ،ولهذا نجد ابن خلدون ،يسمى تاريخه الكبير "كتاب العبر" .كما أن ابن خلدون ينصح المؤرخ بأن يفهم المجتمع الذى كتب عن أحداثه فهما حقيقيا وواقعيا ،ويلم ببعض العلوم والمعارف التى تعينه على ذلك ،وتذللك له بعض الصعاب التى تقف فى طريقه . ومما يؤخذ على ابن خلدون أنه نفسه لم يراع فى كتابه الكبير "العبر" الدقة فى تطبيق آرائه التى أوردها فى مقدمته ،فوقع فيما - 31 - دعا إلى تجنبه من عوامل الخطأ والخضوع للمؤثرات المختلفة كالخزعبالت والخرافات .ووجدنا كتابه ال يخرج عن كونه سرد لروايات كبار المؤرخين مثل الطبرى والمسعودى واليعقوبى وابن األثير وغيرهم .فقد أخذ ابن خلدون يروى لنا كل شئ فى تاريخه دون أن يقف لحظة الختبار أمر أو تمحيصه ؛ والشك أن بعض العجز عن تطبيق آرائه يرجع إلى قصور األدوات والمناهج ،وضآلة المعطيات المقارنة ،وندرة الوثائق فى عصره .ولذلك لم يترك ابن خلدون إال تأثيرا قليال على الدراسة التاريخية سواء على قومه أو األوروبيين . وكيفما كان األمر ،فيشير روبرت فلنت Robert Flintإلى ابن خلدون قائال " :كان ابن خلدون أول كاتب يعالج التاريخ بوصفه علما له خصائصه الخاصة .وسواء أكان يمكن اعتبار ابن خلدون لهذا السبب هو المؤسس لعلم التاريخ أم ال ،فإن هذا قول قد يكون محل اختالف بين وجهات النظر ،ولكن أى قارئ أمين لمقدمته ال يستطيع أن ينكر أنه أحق بهذا اللقب من أى كاتب آخر ظهر قبل باتيستافيكو" لقد كانت مؤلفات مؤرخى القرنين الثامن والتاسع الهجريين/ الرابع عشر والخامس عشر بعد الميالد ،تجسيدا لمدى التطور الذي حققته المعرفة التاريخية ومنهج البحث التاريخي من ناحية ،وتحول القراءة العربية اإلسالمية للتاريخ من منظور القراءة السردية ،إلى - 32 - منظور "القراءة النقدية" الباحثة عن السببية وعن المعنى والمغزى في الظاهرة التاريخية ،وكانت تلك القراءة نتاجا طبيعيا لمفهوم العظة والعبرة الذي يميز المفهوم القرآنى للتاريخ .من ناحية ثانية ،كما أن الظروف التاريخية الموضوعية في العالم اإلسالمي آنذاك ساعدت على بلورة هذه الحقيقة في مصر وفلسطين وبالد الشام بشكل خاص من ناحية ثالثة . فمنذ منتصف القرن السابع الهجرى /الثالث عشر الميالدى جرت تغييرات سياسية واقتصادية عالمية جعلت من المنطقة العربية ،وال سيما مصر والشام والحجاز ،منطقة ذات أهمية فائقة من الناحية االقتصادية ،فقد تسببت الغزوات المغولية في تهديد طرق التجارة البرية التقليدية عبر آسيا بحيث بات طريق البحر األحمر والمحيط الهندى الطريق الرئيسى للتجارة العالمية .كما أن الظروف السياسية التي أحاطت بالعالم اإلسالمي في تلك الفترة أفرزت دولة سالطين المماليك ( 211 -107هـ2520 -2154 /م) لتقوم بدور القوة المدافعة عن العالم اإلسالمي على امتداد فترة تزيد على قرنين ونصف قرن من الزمان .وفي ظل الحماية التي وفرتها هذه الدولة تمركز عدد كبير من العلماء والمفكرين في رحاب دولة سالطين المماليك في مصر والشام والحجاز ،وقد أدى هذا بطبيعة الحال إلى نهضة ثقافية وعلمية واسعة النطاق .وكان طبيعيا أيضا أن تشمل - 33 - هذه النهضة الثقافية علم التاريخ الذي بات علما راسخا يؤدى دوره في خدمة المجتمع .وانتشر المؤرخون في شتى المراكز الثقافية ، وتقدم علم التاريخ على النحو الذي أشرنا إليه في السطور السابقة . ويمكن أن نميز بين مدرستين متمايزتين في مجال تدوين التاريخ في ذلك العصر ،المدرسة المصرية ،والمدرسة الشامية ،وقد مالت المدرسة المصرية إلى التواريخ العامة والسير الملكية ،والرسائل والخطط بشكل عام ،على حين اهتمت المدرسة الشامية اهتماما كبيرا بالتراجم والوفيات والشئون الدينية ونشاط رجال الدين .فقد كان عدد كبير من رجال المدرسة التاريخية المصرية من رجال السياسة واإلدارة أو المؤرخين المتفرغين ( ومن تلك الطائفة التي عرفت باسم " أوالد الناس" أي أبناء المماليك الذين نشأوا نشأة مدنية خالصة" ،على حين كان معظم المؤرخين الشاميين من أهل العمامة ،أى علماء الدين ،بيد أن التمييز الحاد بين المدرستين غير ممكن نظرا للتأثير المتبادل بينهما ،ونظرا ألن تقاليد الكتابة التاريخية كانت واحدة تقريبا .ويصدق هذا القول أيضا ،بدرجة كبيرة ،على المؤرخين الذين عاشوا في رحاب مكة المكرمة أو المدينة المنورة اللتين كانتا من المراكز العلمية المهمة في ذلك الزمان . - 34 - والناظر في تراث التدوين التاريخي العربي اإلسالمي الذي حفظه عصر سالطين المماليك سيجد أمامه ما يشبه المتحف الحى لتطور المعرفة التاريخية ،ومنهج البحث التاريخي ،و"القراءة" العربية اإلسالمية للتاريخ في ذروة تطورها ،ويمكن لعملية بحث بسيطة لمؤرخى عصر سالطين المماليك ،باستثناء ابن خلدون الذي تحدثنا عنه ،أن نكشف من الوهلة األولى أن قسما مهما منهم كان من رجال الدولة العسكريين الذين عرفوا في مصطلح ذلك العصر باسم "أرباب السيوف" ،ومن رجال الدولة المدنيين العاملين في الجهاز المالى واإلدارى الذين عرفوا باسم "أرباب األقالم " ،وقد قدم لنا المؤرخون من طراز "رجل الدولة" شهادات تاريخية عن عصرهم تعتبر من المصادر األولية ؛ ألن بعضهم كان مشاركا في األحداث التي سجلها قلمه وكان من شهود العيان .وتتميز كتابات هذا النفر من المؤرخين بوفرة الوثائق والسجالت ،كما تحمل الكثير من اآلراء والتحليالت التي ال تكتفي بالسرد . ومن أمثلة المؤرخين من أرباب السيوف "األمير ركن الدين بيبرس الدوادار الناصرى المنصورى " (ت 015هـ2315 /م) ، وقد كان من أمراء المماليك الذين خدموا مع السلطان المنصور قالون ،ثم ابنه السلطان الناصر محمد بن قالون ،ويعتبر من أهم مؤرخى التاريخ السياسي والعسكرى لدولة سالطين المماليك البحرية - 35 - (األولى) بحكم الوظائف العليا التي توالها في الجيش وفي الجهاز اإلدارى للدولة ،وقد شارك بيبرس الدوادار في صنع التاريخي السياسي والعسكرى على مدى فترة طويلة ونشيطة من حياته . وحين أجبرته ظروف الحياة السياسية المتقلبة على التقاعد اإلجبارى كتب تاريخا يشبه المذكرات الشخصية فأنتج لنا مصدرين مهمين من مصادر الفترة الباكرة من عصر سالطين المماليك ،أولهما ،تاريخه الشهير "زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة" ،وهو تاريخ عام لإلسالم ينتهى سنة 010هـ وثانيهما "التحفة الملوكية في الدولة التركية" الذي يبدأ بسلطنة "شجر الدر " أول سالطين المماليك .وفي كل من الكتابين كان "بيبرس الدوادار" خارج الرواية التاريخية يوردها ويحاول استقصاء األسباب ،وتحرى الحقائق .وقد كان عنوانا على عصره من حيث نوعية قراءة التاريخ في مؤلفاته . ومن أمثلة رجل الدولة -المؤرخ أيضا نجد المؤرخ الشامى "الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر المشهور بأبى الفداء" (ت 031هـ 2132 /م) وقد عاش معظم حياته في حماة ، وكان أبو الفداء من ساللة البيت األيوبى وكان مشاركا في الشئون السياسية منذ بلغ الرابعة عشرة من عمره ،وشارك في حروب المنصور قالون ضد الفرنج الصليبيين ،وكان من القادة الذين شاركوا في تحرير عكا من الصليبيين سنة 124هـ 2124 /م في - 36 - آخر المعارك الكبرى التي انتهت بطردهم تماما من المنطقة العربية ،كما حارب ضد المغول وضد األرمن.أما عن تربيته العلمية والثقافية فقد كانت امتدادا لما تميز به أسالفه األيوبيون بشكل عام . وقد تتلمذ على كبار مؤرخى عصره وأهمهم ابن واصل ،وبفضل هذه التربية العلمية الراقية ،ومناصب اإلدارة العليا التي توالها ،وتجربته الشخصية ،كان أبو الفداء مؤهال لتسجيل األحداث التاريخية في عصره . وكتابه "المختصر في أخبار البشر" كتاب في التاريخ العالمى ،كما يبدو من عنوانه ،وإن كان يميل إلى التركيز على حوادث بالد الشام ،التي ينتمى إليها المؤلف ،وعلى الرغم من أن أبا الفداء قد شارك في صناعة أحداث التاريخ المملوكى الباكر ،فإنه ال يقحم نفسه في سياق الرواية التاريخية ،وإنما يكتفي بسرد األحداث بشكل تقريرى ،ولكنه في بعض األحيان يطرح رأيه في بعض األحداث ذات الطابع العسكرى بشكل خاص . والمصادر التي اعتمد عليها أبو الفداء في تاريخه كثيرة ومتنوعة ،ما بين كتابات المؤرخين السابقين والمعاصرين ، والمشاهدة والمعاينة ،والسماع ،فضال عن الوثائق الرسمية .وقد كتب تاريخا تقليديا بدأه بذكر األنبياء ،ثم ملوك األمم القديمة ،مثل الفرس والمصريين واليونان وملوك العرب الجنوبيين قبل اإلسالم . - 37 - ثم اتخذ النظام الحولى في كتابة حوادث التاريخ اإلسالمي حسب قوله " ...وأما التواريخ اإلسالمية فرتبتها على السنين حسب تأليف الكامل البن األثير " وهو ما يكشف عن التفاعل واالعتماد المتبادل بين "أبى الفداء" والمؤرخين المعاصرين. وتتمثل القيمة األساسية لكتاب "المختصر في أخبار البشر" في أنه يحتوى على تفسيرات لألحداث التاريخية ال نجدها في المصادر المعاصرة ،وهو إضافة مهمة لتراث التدوين التاريخي العربي . لقد كان كل من "ابن أيبك الدوادار" و "أبو الفداء" يمثل نمط رجل الدولة -المؤرخ في عصر سالطين المماليك خير تمثيل ،كما كانا مثاال واضحا للمؤرخ السياسي /العسكرى في ذلك الحين .ومن المهم أن نشير هنا إلى حقيقة مهمة مؤداها أن التاريخ السياسي/ العسكرى كان النمط المفضل بين أنماط الكتابة التاريخية في ذلك الزمان ،فإن كان المؤرخ من المشاركين في مضمار السياسة والحرب كانت كتابته أكثر أصالة وأكثر أهمية ،وقد عرف ذلك العصر عددا كبيرا من المؤرخين الذين يمكن أن نصفهم بأنهم مؤرخون سياسيون /عسكريون . ويقترب من هذه النوعية من المؤرخين ذلك النفر من "أرباب األقالم" وأفراد الجهاز اإلدارى في دولة سالطين المماليك .وقد خرج من هذه الفئة عدد كبير من المؤرخين الذين تركوا لنا مصادر غاية - 38 - في األهمية حول النظام اإلدارى والمالى للدولة ،وعالقاتها بدول عالم ذلك الزمان ،كما ضمنوا صفحات مؤلفاتهم الكثير من الوثائق التي تحتوى على المعاهدات والمراسالت والمراسيم والتواقيع والمناشير (أى األوامر اإلدارية والسياسية الداخلية) .والواقع أن رجل اإلدارة /المؤرخ كان يختلف كثيرا عن رجل الدولة المؤرخ من حيث اتجاهه ونوعية األحداث التي كان يهتم بها ،وذلك على الرغم من أن اإلثنين عمال في خدمة الدولة نفسها ،وهو أمر يمكن تفسيره في ضوء الخلفية االجتماعية والثقافية لكل من الفريقين ودور كل منهما في المجتمع .ومع أن المؤرخين من هذا النمط كانوا كثيرين ،فإن هذه الدراسة سوف تكتفي باإلشارة إلى إثنين منهما فقط هما "شهاب الدين أحمد يحيى بن فضل هللا العمرى" (ت 002هـ / 2302م) ،و"أبو العباس أحمد بن على القلقشندى "(ت 712هـ/ 2072م) أما ابن فضل هللا العمرى ،فهو سليل أسرة من كبار اإلداريين الذين تولوا مسئولية "ديوان اإلنشاء" ،على مدى قرن من الزمان تقريبا .وكان مولده في دمشق ،ولكنه نشأ في مصر وتعلم بها وتتلمذ على شيوخ عصره ،وورث العمل في الدواوين عن والده ،وكتب في ديوان اإلنشاء عندما تولى والده كتابة السر في دمشق ،وكان هو الذي يتولى قراءة الرسائل الواردة إلى السلطان الناصر محمد بن قالون ،وقد عمل بالقضاء فترة ثم خلف أباه في رئاسة ديوان اإلنشاء ،وبسبب قربه من السلطان تعرض لغضبه ، - 39 - فصادر ممتلكاته ،وسجنه بعد أن عزله من وظيفته ألنه تكلم معه بطريقة أثارت حنقه .وقضى السنوات األخيرة من عمره بال عمل حتى توفي في دمشق التي شهدت مولده سنة 002هجرية. وهو تجسيد لنظرية وحدة المعرفة التي قامت عليها الحضارة العربية اإلسالمية فقد كتب في تقويم البلدان والتاريخ ،واإلدارة ، وتراجم الشعراء .بيد أن كتابه الموسوعي الذي حمل عنوان " مسالك األبصار في ممالك األمصار " جاء تجسيدا لهذه الحقيقة ،إذ أن صفحات هذا الكتاب ضمت األدب والتاريخ والديانات والجغرافيا واآلثار ،فضالًُ ًُ عن المعلومات التي تتعلق بالحياة االجتماعية ، واألقليات الدينية ،وقد أحصى حوالى خمسين من الشعراء ،وقد رتب تاريخه على النظام الحولى بداية من الهجرة حتى سنة 001 هجرية ،ولم يكن في هذا الكتاب الموسوعي ما يدل على أن العمرى كان مؤرخا غير عادى .ولكن الكتاب يحمل معلومات قيمة للغاية بسبب طبيعة المؤلف الذي كان من فئة رجال اإلدارة الذي كتب التاريخ . ولكن الكتاب المهم الذي يكشف عن طبيعة اإلدارى /المؤرخ في ابن فضل هللا العمرى كتابه الذي يحمل عنوان " التعريف بالمصطلح الشريف" والراجح أنه كتبه في الفترة األخيرة من حياته تحت وطأة التقاعد اإلجبارى بعد سنة 001هـ .وفي هذا الكتاب وضع العمرى - 41 - ثمار خبرته في العمل بديوان اإلنشاء وغيره من دواوين الدولة ، فترك لنا مصدرا مهما عن التاريخ اإلدارى والدبلوماسى لدولة سالطين المماليك ومن المثير أن هذا الكتاب يحمل قيمة تاريخية أكبر من كتابه الموسوعي الذي قصد أن يكون تاريخا . أما المثال الثانى لإلدارى المؤرخ فهو "أبو العباس أحمد بن على القلقشندى" الذي أشرنا إليه من قبل .وقد ولد سنة 051هـ في بلدة قلقشندة (بمحافظة القليوبية الحالية) في مصر .ودرس في إطار التعليم السائد في ذلك العصر .وقد تقلب في وظائف الفتيا والتدريس حتى وصل إلى العمل في ديوان اإلنشاء .وكتب القلقشندى عددا صغيرا من الكتب ولكن كتابه األهم "صبح األعشى في صناعة اإلنشا " سجل ضخم للحياة السياسية والعسكرية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية يضم الوثائق التي تغطى كافة هذه النواحى ، ويبدو أن القلقشندى قد أمضى عشر سنوات في تأليف هذا السفر الشامل .ومن ناحية أخرى ،يضم الكتاب معلومات غزيرة عن تطور الحكم واإلدارة في مصر منذ الفتح اإلسالمي حتى عصر سالطين المماليك ،كما يضم الكثير من المعلومات عن بالد الشام والحجاز ، ويعتبر هذا الكتاب مصدرا مهما من مصادر تاريخ العالم العربي واإلسالمي من جوانبه السياسية واالقتصادية والفكرية واإلدارية ، وكانت الوثائق العماد األساسى في كتاب "صبح األعشى" . - 41 - ومن ناحية أخرى ،كان هذا الكتاب إمتدادا لنمط من أنماط الكتابة التاريخية العربية ،وقد اعتمد القلقشندى في تأليفه على مصارد أخرى من النمط نفسه ،مثل "التعريف بالمصطلح الشريف" البن فضل العمرى "ومواد البيان "لعلى بن خلف .و"األموال" ألبى عبيد ...وغير ذلك من المصادر في هذا الفرع من الكتابة التاريخية . ولم يكن كتاب "صبح األعشى في صناعة اإلنشا" تاريخا سرديا خبريا مثل التواريخ العامة والحوليات ،وإنما كان رصدا للتطور اإلدارى في الدولة استوجب رصد التاريخ اإلدارى في العالم اإلسالمي منذ البداية حتى زمانه . ويتضح من دراسة مؤلفات المؤرخين من أمثال العمرى والقلقشندى أن هذا النمط من أنماط الكتابة التاريخية قد تطور مع تطور الدولة العربية اإلسالمية نفسها منذ البداية وحتى القرن التاسع الهجرى /الخامس عشر الميالدى من ناحية .وأن نمط رجل اإلدارة/ المؤرخ كانت تستهويه تلك الموضوعات ذات الصلة باإلدارة وشئون الحكم من ناحية أخرى ،بيد أن أهم ما يلفت النظر في هذا الطراز من المؤرخين أنهم عندما يكتبون "التاريخ" بمعناه التقليدى ،تكون كتاباتهم عبارة عن نسخ وتجميع للمعلومات دون أن يسهموا إسهاما أصيال من جانبهم ،ولكنهم حين يكتبون بقصد آخر غير تدوين - 42 - التاريخ مثل وضع المراجع والكتب اإلرشادية لمن يعملون في ديوان اإلنشاء مثال يضعون في متناول األجيال التالية من المؤرخين مادة غاية في الثراء والطرافة ،ويوفرون لهم معلومات النجد لها مثيال في المصادر التاريخية التقليدية ،كما أن كتبهم حفظت الكثير من الوثائق المتنوعة . لقد كانت كتاباتهم "قراءة" للتاريخ من وجهة نظر العاملين في الجهاز اإلدارى للدولة ،ومن ثم كانت أساليبهم المنهجية انعكاسا للهدف من هذه "القراءة" ،فقد كانت الحقيقة التاريخية بالنسبة لهم هى تلك القابعة بين سطور الوثائق وصفحات السجالت ،ولم يكن ثمة سبب منهجى يدعوهم إلى عدم االكتفاء بتسجيلها تسجيال يهدف إلى الرصد والتوثيق ،إذ أنهم لم يكونوا يبحثون عن "السببية" ولم يكونوا يسعون إلى الفهم من خالل االستقراء واالستنباط ،ولم يكونوا يه دفون إلى السرد التاريخي بقصد نقل األخبار ،وإنما كان هدفهم الوحيد الرصد والتوثيق ،ولذلك جاءت مؤلفاتهم جافة في أسلوبها غنية في مضمونها . وإذا كان طراز رجل اإلدارة /المؤرخ قد خرج من عباءة أرباب األقالم في تلك الفترة من تاريخ الثقافة العربية اإلسالمية ،فإن طراز عالم الدين /المؤرخ قد خرج من العباءة نفسها ،فقد كانت الخلفية التي قام عليها التعليم خلفية دينية بالضرورة ،ولذلك فإن كبار - 43 - المؤرخين والعلماء وموظفي الدواوين كانوا أيضا من علماء الدين والفقهاء ،ونقرأ في جميع سير وتراجم أعالم الحياة الثقافية والفكري ة آنذاك أن منهم من تلقى إجازة في الفقه ،أو األصول ،أو الحديث ،أو الفتيا ... ،أو غيرها من العلوم الدينية .ومن هذه الفئة خرج كثير ممن كتبوا في التاريخ وكانوا من أرباب الوظائف الدينية .ومن المهم أن نشير إلى أنهم اختلقوا قليال عن طراز رجل اإلدارة- المؤرخ على الرغم من أن "عالم الدين -المؤرخ" ،ورجل اإلدارة- المؤرخ ،كانا من أبناء الشريحة االجتماعية نفسها ،كما كانا نتاجا لنوع واحد من التعليم ،ولكن "قراءة" كل منهما للتاريخ كانت تختلف باختالف المقاصد والغايات . والمثال األول على طراز "عالم الدين -المؤرخ" هو "شمس الدين أحمد بن عثمان الذهبى" (ت 007هـ 2300 /م) ،وهو نموذج جيد لهذا الطراز ،وينحدر الذهبى من أسرة تركمانية في "ميار فارقين" إحدى المدن الشهيرة بديار بكر (في جنوب تركيا الحديثة) .وقد انتقل أحد جدوده إلى دمشق واتخذها موطنا ،وعمل والده بصياغة الذهب ،ومن هنا جاء لقبه "الذهبى" ،وكان له بعض االهتمام بالعلم .وولد شمس الدين في سنة 103هـ ،وتتلمذ على شيوخ عصره ،ونال عدداًًُ من اإلجازات العلمية ،ثم تولى مشيخة - 44 - الحديث في المدرسة الظاهرية بدمشق سنة 012هـ ،ثم النفيسية في سنة 012هـ . وكتب الذهبى ما يزيد على مائة مؤلف أكثرها في الحديث والتاريخ ،ولكنه كان من علماء الحديث في بالد الشام ،كما كان على عالقة وطيدة بمعاصريه من الفقهاء وعلماء الدين ،وأهم مؤلفات الذهبى كتابه الموسوم بـ "تاريخ اإلسالم وطبقات المشاهير واألعالم " وهو عبارة عن تاريخ عام لإلسالم ينتهى بحوادث سنة 044هـ 2342 /م ،وفي هذا الكتاب خلط الذهبى بين النظام الحولى والتراجم ،بمعنى أنه يسرد األحداث التاريخية على امتداد عقد كامل من السنين ،ثم يعقبها بذكر أهم الوفيات في هذه السنوات العشر . وهو بذلك يخالف المألوف في حوليات ذلك الزمان ،إذ جرت عادة المؤرخين في كتابة الحوليات على أن يتبعوا حوادث كل سنة بذكر من مات فيها من األعيان في السياسة والفقه والعلوم الدينية ، ومشاهير الحياة االجتماعية واألدبية . وكان طبيعيا أن يهتم "الذهبى" بسرد الحوادث ذات الصبغة السياسية والعسكرية التي كانت تحتل مركز الصدارة في اهتمامات مؤرخى ذلك الزمان (وما تزال كذلك حتى اآلن بشكل ما) ،ولكن اهتمامه باألحداث ذات الطابع الدينى ونشاط "أهل العمامة" يبدو واضحا في صفحات الكتاب ،وال يبدو "شمس الدين الذهبى" - 45 - خارجاًًُ على نطاق تقاليد الكتابة التاريخية في عصره ،أو متمايزا عن غيره من المؤرخين من علماء الدين ،بيد أن أهم ما يلفت النظر أنه كثيرا ما يقطع السرد التاريخي لكى يطرح تفسيره ورؤيته الخاصة للحدث التاريخي الذي يتحدث عنه .وقد اختصر "الذهبى" هذا الكتاب في كتاب آخر بعنوان "دول اإلسالم" أرخ فيه للحوادث والوفيات منذ وفاة النبى حتى سنة 025هـ .ويؤكد هذا الكتاب اهتمام الذهبى بالحياة الدينية بقدر اهتمامه بالحياة السياسية واالجتماعية . والمثال الثانى على هذا الطراز من المؤرخين المسلمين هو "الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن حجر" (ت 751هـ / 2002م) ،وهو فلسطينى األصل من عسقالن ،مصرى المولد والنشأة والدار والوفاة ،وهو ،مثل "الذهبى" نموذج جيد لهذا النمط من المؤرخين الذين جمعوا بين علم الحديث وعلم التاريخ ،فضال عن العلوم الدينية األخرى ،وقد كان ابن حجر محدثا ممتازا ،وفقيها عارفا ،كما كان مشاعرا رقيقا ،وقد انعكس هذا كله في حواديته التي حملت عنوان " إنباء الغُمر بأنباء العُمر" وبدأها بسنة ميالده ( 003هـ 2303 /م) وأنهاها سنة 754هجرية2000 /م لتكون أشبه بالمذكرات الشخصية التي تم تدوينها في ترتيب زمنى حسب توالى األيام والشهور والسنين داخل اإلطار الحولى العام .وقد انعكست في هذه الحولية ثقافة "ابن حجر" واهتماماته التي يشترك - 46 - فيها مع نظرائه من علماء الدين /المؤرخين فهو يسرد الحوادث في عبارات موجزة مقتضبة ،على حين يسهب في الحديث عن الجوانب الشرعية لتصرفات الدولة ،أو القضاة ،كما أنه يهتم اهتماما كبيرا بنشاط أقرانه من "أهل العمامة" الذين تحتل أخبارهم ،واجتماعاتهم ،ومناقشاتهم وأحوالهم المرتبة األولى في صفحات كتابه ،إنباء الغمر ،ثم يلى ذلك في األهمية أخبار السياسة ،والمجتمع ، واالقتصاد . أما الكتاب الثانى الذي ألفه "ابن حجر العسقالنى" في التاريخ فهو "الدُرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" ،وهو كتاب في التراجم والوفيات يتحدث في تسلسل أبجدى عن مشاهير األعيان الذين توفوا في القرن الثامن الهجرى /الرابع عشر الميالدى ،ممن كان لهم فضل في الجوانب العسكرية والسياسية واالجتماعية والدينية ...وما إلى ذلك . ولم يكن ابن حجر مؤرخا فذا ،ولم يكن هناك ما يمكن أن يميزه عن غيره من علماء الدين الذين كتبوا في التاريخ .فقد كانت عقليته ا?