نظرية النقد األدبي PDF

Summary

This document is a lecture from a course on Arabic literature. It discusses the concept of literature and literary criticism, its various approaches, and the evolution of the concept of "adab" (literature) throughout Arab history. The document also outlines the key elements of literary works, touching upon emotion, thought, imagination, and style as crucial components.

Full Transcript

‫قسم اللغات الشرقية وآدابها‬ ‫(‪( )2‬نظرية النقد األدبي)‬ ‫اللغة العربية‬ ‫المستوى الثالث‬ ‫كود المقرر‪ :‬لغ ع (‪)306‬‬ ‫دكتــــــــور‬ ‫فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم اللغة العربية وآدابها‬ ‫كلية اآلداب – جامعة عين شمس‬ ‫القاهرة (‪)2025 –...

‫قسم اللغات الشرقية وآدابها‬ ‫(‪( )2‬نظرية النقد األدبي)‬ ‫اللغة العربية‬ ‫المستوى الثالث‬ ‫كود المقرر‪ :‬لغ ع (‪)306‬‬ ‫دكتــــــــور‬ ‫فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم اللغة العربية وآدابها‬ ‫كلية اآلداب – جامعة عين شمس‬ ‫القاهرة (‪)2025 – 2024‬‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫دكــتــور‬ ‫فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم اللغة العربية وآدابها – كلية اآلداب – جامعة عين شمس‬ ‫‪1‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫الفصل األول‬ ‫مف اهيم أساسية‬ ‫حول مفهوم األدب والنقد األدبي ومناهجه‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم األدب‬ ‫ثانيا‪ :‬مفهوم النقد األدبي‬ ‫ثالثا‪ :‬مناهج النقد األدبي‬ ‫‪6‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫مف اهيم أساسية‬ ‫حول مفهوم األدب والنقد األدبي ومناهجه‬ ‫للنقد أنماط كثيرة ومتنوعة‪ ،‬فثمة نقد أدبي‪ ،‬ونقد رياضي‪ ،‬ونقد فني‪ )١(،‬ونقد‬ ‫سياسي‪ ،‬ونقد إعالمي‪ ،‬ونقد اجتماعي‪.‬والواقع أن أنماط النقد ومجاالته تتعدد‬ ‫بتعدد مجاالت الحياة ومناحيها المختلفة؛ وهذا ليس باألمر المستغرب إذا‬ ‫انطلقنا من النظر للنقد بوصفه نشاطا إنسانيا وممارسة فكرية هدفها األسمى‬ ‫‪ -‬متى كان النقد موضوعيا وبناء– جبر النقص‪ ،‬وتصحيح المسار‪ ،‬واالرتقاء‬ ‫بمعايير األداء ألفضل مستوياتها من أجل التطوير والوصول إلى الحقائق‬ ‫المجردة‪.‬‬ ‫النقد إذن ضرورة من ضرورات الحياة ال يمكن االستغناء عنها أو التقدم‬ ‫بدونها‪.‬وقد أ شرنا إلى أنماطه ومجاالته المختلفة لنفرغ منها إلى الحديث عن‬ ‫ذلك النمط الذي يتخذ من األدب مجاال له يتحرك فيه بغية تفسيره وايضاحه‬ ‫وتقييمه ‪.‬ويطلق على هذا النمط من النقد‪ :‬النقد األدبي‪.‬والسؤال الذي يطرح‬ ‫نفسه اآلن هو‪ :‬ما المقصود بالنقد األدبي؟‬ ‫مصطلح النقد األدبي يتكون‪ ،‬كما هو واضح‪ ،‬من شقين‪( :‬نقد) و(أدب)‬ ‫التعرف‬ ‫واذا أردنا أن نقف على المقصود من هذا المصطلح فنحن بحاجة إلى ُّ‬ ‫يقصد بالنقد الفني هنا النقد الذي يركز على الفنون البصرية مثل‪ :‬الرسم والنحت والعمارة‪ ،‬وكذلك‬ ‫(‪)١‬‬ ‫نقد العروض المسرحية‪ ،‬والنقد السينمائي‪ ،‬والنقد الخاص بفن الموسيقى‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫على كل شق منهما؛ ولذا سنقف في السطور القليلة التالية على تعريف األدب‬ ‫وتطور مفهومه والعناصر التي يتكون منها‪ ،‬ثم نحدد المقصود بالنقد األدبي‬ ‫ونتناول تطوره وحقوله المختلفة‪.‬وأحي ار نحاول الوقوف على مفهوم المنهج‬ ‫النقدي لننطلق بعدها لدراسة هذه المناهج بشيء من التفصيل‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم األدب‪:‬‬ ‫ما المقصود باألدب؟ وكيف تطور معنى الكلمة؟‬ ‫العمل األدبي هو المادة التي يمارس من خاللها الناقد األدبي عمله‬ ‫ونشاطه‪ ،‬والكالم عن العمل األدبي هو المقدمة الطبيعية للكالم عن النقد؛ إذ‬ ‫إن العملية النقدية تنشأ بعد وجود العمل األدبي مباشرة‪ ،‬أو قل خالل وجوده‪،‬‬ ‫أو ربما قبل وجوده أيضا من خالل ما يعرف بـ "النقد الذاتي" الذي يمارسه‬ ‫األدباء على أعمالهم التي يقومون بكتابتها‪ ،‬وخير مثال على ذلك في تراثنا‬ ‫القديم شعر زهير بن أبي سلمى ومدرسته الشعرية المعروفة بمدرسة الصنعة‪.‬‬ ‫‪ -1‬ماهية األدب‪:‬‬ ‫من الواضـ ــح أنه لم يتم حتى اآلن التوصـ ــل إلى اتفاو نظري حول ماهية‬ ‫األدب على الرغم من كل الجهود المخلصـ ـ ـ ـ ـ ــة التي بذلت والتي ما زالت تبذل‬ ‫في هذا الس ــبيل(‪ )١‬فليس لألدب تعريف واحد محدد‪.‬ومن الص ــعوبة أن نجد له‬ ‫نحيل القارئ هنا إلى المقدمة التي افتتح بها تيري إيجلتون كتابه "مقدمة في نظرية األدب"‪ ،‬والتي‬ ‫(‪)١‬‬ ‫نا قش فيها بإسهاب عددا من اآلراء المختلفة التي اهتمت بتعريف األدب وتحديد ماهيته‪.‬الكتاب‬ ‫ترجمة أحمد حسان‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬سلسلة كتابات نقدية‪ ،١99١ ،‬ص ‪ ١١‬ـ ‪29‬‬ ‫‪8‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫تعريفا ش ـ ـ ـ ـ ــامال جامعا لزواياه المختلفة؛ إذ تختلف تعريفات األدب وتتنوع وفقا‬ ‫الختالف وجهات النظر‪.‬‬ ‫الش ـ ـ ـ ــيء المثير حقا هو أن هذا االختالف العميق في تحديد األدب‪ ،‬وما‬ ‫ترتـب عليـه من عـدم وجود تعريف بعينـه يجتمع عليـه النقـاد والـدارسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‪ ،‬لم‬ ‫يحمل أحدا قط على إنكار وجود األدب‪ ،‬وان كنا نختلف بعد ذلك فيما يخص‬ ‫طبيعت ــه‪ ،‬ووظيفت ــه‪ ،‬والعالق ــات ا لتي تربط ــه بغيره من ظواهر الحي ــاة‪ ،‬وذل ــك‬ ‫بحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب المنظور اميديولوجي لكـل منـا‪.‬فالبعض يميـل إلى توسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيع ميـدان‬ ‫األدب والبعض اآلخر يميل إلى تضييق نطاقه‪.‬‬ ‫لكن بش ـ ــكل عام يمكننا القول إن األدب كيان لغوي قبل كل ش ـ ــيء‪ ،‬يقوم‬ ‫معماره على األصوات والكلمات والتراكيب اللغوية التي ال حصر لها‪ ،‬ويهدف‬ ‫بـاألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس إلى تحقيق التـأثير في القـارئ وامتـاعـه‪ ،‬وذلـك من خالل التقنيـات‬ ‫اميقــاعيـة واميحــاءات اللفظيــة وتفعيــل عنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الخيــال‪.‬وقــد ذهــب الــدكتور‬ ‫ش ـ ــوقي ض ـ ــيف في تعريفه لألدب إلى القول بأن هذه الكلمة تطلق "اليوم على‬ ‫الكالم ام نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائي البليي الجميـل الـذي يقصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـه التـأثير في عواطف القراء‬ ‫( ‪)2‬‬ ‫والسامعين سواء أكان شع ار أم نثرا"‬ ‫والتعريف الســابق يمثل بال شــك الحد األدنى مما يمكننا االتفاو عليه مع‬ ‫اختالف الرؤى والمشارب واألفكار‪.‬‬ ‫(‪ )2‬شوقي ضيف‪ :‬تاريخ األدب العربي‪ :‬العصر الجاهلي‪ ،‬ص‪١0‬‬ ‫‪9‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫‪ -2‬تطور مفهوم األدب‪:‬‬ ‫بالعودة إلى أحد المعاجم الخاص ـ ـ ـ ـ ــة بمص ـ ـ ـ ـ ــطلحات النقد العربي نجد أن‬ ‫مفهوم كلمة "األدب" قد تطور في تاريخ األمة العربية عبر عص ـ ـ ـ ــورها األدبية‬ ‫المتعاقبة منذ الجاهلية وحتى أيامنا هذه‪.‬وقد ارتبط هذا بال شـ ـ ــك بتطور حياة‬ ‫العرب وانتقالهم من طور البداوة إلى أطوار المدنية والحضارة‪.‬‬ ‫فقــد كــانــت كلمــة "أدب" في الجــاهليــة تعني‪ :‬الــدعوة إلى الطعــام؛ فــالفعــل‬ ‫أدب‪ /‬يأدب‪ :‬أي صـنع طعاما ودعا إليه‪.‬واآلدب هو الداعي إلى الطعام‪.‬قال‬ ‫الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد‪:‬‬ ‫ال تَرى ِ‬ ‫اآلد َب ِف َينا َينتَ ِقـر‬ ‫الجَفَلى‬ ‫ِ‬ ‫المشتَاة َندعو َ‬ ‫َنحن في َ‬ ‫(‪)١‬‬ ‫َ‬ ‫ومن ذلك المأدبة بمعنى الطعام الذي يدعى إليه الناس‪.‬‬ ‫وفي العصـ ـ ـ ـ ـ ــر امسـ ـ ـ ـ ـ ــالمي أصـ ـ ـ ـ ـ ــبح مفهوم الكلمة مفهوما أخالقيا حيث‬ ‫اس ـ ـ ـ ــتعمل الرس ـ ـ ـ ــول (ص ـ ـ ـ ــلى ل عليه وس ـ ـ ـ ــلم) كلمة "أدب" بمعنى جديد‪ :‬هو‬ ‫التهذيب والتربية والتحلي بمكارم األخالو؛ فجاء عنه في الحديث الشـريف أنه‬ ‫ص ـ ــلى ل عليه وس ـ ــلم قال‪" :‬أدبني ربي فأحس ـ ــن تأديبي"؛ أي هذبني وجعلني‬ ‫على خلق عظيم‪.‬‬ ‫(‪ )١‬المشتاة‪ :‬الشتاء‪ ،‬الجفلى‪ :‬الدعوة الجفلى أي العامة‪ ،‬ال ينتقر‪ :‬ال يختار أناسا دون أخرين‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫أما في العصـ ــر األموي‪ ،‬فقد اكتسـ ــبت كلمة "أدب" بامضـ ــافة إلى معناها‬ ‫األخالقي معنى تعليميا وثقافيا يتص ـ ـ ـ ــل بتحص ـ ـ ـ ــيل المعارف اللغوية والبالغية‬ ‫المختلفة‪ ،‬وتعلم المأثور مـ ـ ـ ـ ـ ـن الشعر والخطب وأخبار العرب وقبائلهم وأيامهم‬ ‫وأنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابهم‪.‬ومما يدعم هذا المعنى وجود طبقة من العلماء في تلك اآلونة‬ ‫عرفت بـ ـ ـ ـ ـ "طبقة المؤدبين"؛ وهم طائفة من المعلمين الذين كانوا يعلمون أوالد‬ ‫الخلفاء والسـ ـ ـ ـ ــادة كل ما يتصـ ـ ـ ـ ــل بالثقافة العربية‪ ،‬ويقومون بتلقينهم جملة من‬ ‫المعارف اللغوية واألدبية والبالغية والتاريخية‪.‬‬ ‫وفي العص ـ ـ ـ ــر العباس ـ ـ ـ ــي نجد المعنيين المتقدمين وهما‪ :‬التهذيب والتعليم‬ ‫يتقابالن في اس ـ ـ ــتخدام الناس ل كلمة األدب بامض ـ ـ ــافة إلى المعنى الفني الذي‬ ‫يقسـ ـ ـ ــم األدب إلى الشـ ـ ـ ــعر والنثر‪.‬فعلى سـ ـ ـ ــبيل المثال أطلق ابن المقفع على‬ ‫كتابين له‪ ،‬ضَـ ـ ـ جمنهما مجموع ة من النص ـ ـ ــائح الخلقية والحكم المختلفة‪ ،‬اس ـ ـ ــم‪:‬‬ ‫"األدب الكبير" و"األدب الصـ ـ ـ ـ ــغير"‪.‬في حين أطلق البعض اآلخر كلمة أدب‬ ‫على مؤلفات تتض ــمن نماذن من األش ــعار والخطب المس ــتحس ــنة‪ ،‬وتحتوي في‬ ‫الوقــت نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه على الكثير من األخبــار والنوادر واألمثــال والنكــات البالغيــة‬ ‫واللغوية‪.‬ومن األم ثلة على ذلك كتاب الكامل في اللغة واألدب للمبرد‪ ،‬وكتاب‬ ‫البيان والتبيين للجاحظ‪.‬‬ ‫فــالمبرد يــذهــب في كتــابــه إلى أن األدب "مــا بين كالم منثور وشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر‬ ‫مرصوف ومثل سائر وموعظة بالغة واختيار من خطبة شريفة‪ ،‬ورسالة بليغة"‬ ‫أمــا الجــاحظ فيورد كلمــة أدب في معنــاهــا األخالقي في قولــه‪" :‬اطلــب األدب‬ ‫فإنه دليل على المروءة‪ ،‬وزيادة في العقل‪ ،‬وصـ ـ ـ ــاحب في الغربة‪ ،‬وصـ ـ ـ ــلة في‬ ‫‪11‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫المجلس‪.‬ويوردهـا كـذلـك في معنـاهـا الفني المتعلق بـالشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر والنثر في قولـه‪:‬‬ ‫"وذكر بعض أهل األدب"‪ ،‬يقصد بذلك أهل التذوو والمعرفة بفنون القول‪.‬‬ ‫أما حديثا فإن كلمة األدب تنصــرف داللتها إلى عملية التعبير عن معنى‬ ‫من المعــاني في لغــة إنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائيــة جميلــة تعمــل على التــأثير في القــارئ واثــارة‬ ‫إحساسات جمالية وانفعاالت عاطفية لديه على نحو ما ذكرنا سالفا‪.‬‬ ‫‪ -3‬عناصر العمل األدبي‪:‬‬ ‫العمل األدبي في جوهره منجز لغوي ذو خصوصية نوعية فريدة‪ ،‬وهذا‬ ‫المنجز اللغوي سواء أكان قصيدة أم رواية أم مسرحية مكون من مجموعة من‬ ‫العناصر األساسية التي ال يخلو بحال من األحوال من عنصر منها‪.‬وتعد‬ ‫هذه العناصر أدوات األديب التي يصطنعها في صياغة نصه األدبي‪ ،‬كما‬ ‫أ نها تعتبر الركيزة األساسية التي ينطلق منها النقاد في عملية تقييم األدب‬ ‫ونقده والحكم عليه‪.‬‬ ‫ويمكننا تحديد هذه العناصر التي يتكون منها األدب‪ ،‬والتي يتمركز حولها‬ ‫البحث النقدي‪ ،‬في أربعة عناصر وهي‪ :‬العاطفة والفكر والخيال واألسلوب‪.‬‬ ‫أ‪ -‬العاطفة‪:‬‬ ‫يقصد بالعاطفة مجموعة االنفعاالت والمشاعر واألحاسيس التي يزخر بها‬ ‫العمل األدبي (من فرح أو حزن وحب أو بغض وغيرة أو أمل وخوف أو‬ ‫طمأنينة) والتي تولدت في نفس األديب إثر موقف معين فسعى إلى نقلها‬ ‫للقارئ؛ ليحدث داخل نفسه امثارة ذاتها‪.‬ذلك أن إثارة العواطف وتحريك‬ ‫‪12‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫المشاعر في نفس القارئ هي العنصر الظاهر في األدب‪ ،‬والفارو الواضح‬ ‫بينه وبين العلم الذي يتسم بجفاف العاطفة ومخاطبة العقل ال الوجدان‪.‬‬ ‫وال يكون األدب أدبا إال بقدر ما يحتويه من عاطفة‪ ،‬وكل عمل خال منها‬ ‫ال يدخل في نطاو األدب مثل‪ :‬كتب الرياضة وامحصاء والمعادالت الجبرية‪.‬‬ ‫ومثلما يتأسس األدب على العاطفة فإن سر خلوده يكمن فيها أيضا ألنها ال‬ ‫تتغير بخالف نظريات العلم المتغيرة‪ ،‬كما أن قيمة األدب تكمن في تسجيله‬ ‫أدو مشاعر الحياة وأعمقها‪.‬وحقا أن بعض فنون األدب ِ‬ ‫كالح َكم واألمثال ال‬ ‫ي َع جول فيها كثي ار على عنصر العاطفة لكن هذا الوجود الخافت للعاطفة تعوضه‬ ‫بقية العناصر‪ ،‬ال سيما عنصري الفكرة واألسلوب على نحو ما نجد في شعر‬ ‫( ‪)١‬‬ ‫المتنبي‪.‬‬ ‫هذا وتقاس العاطفة في النص األدبي بما فيها من صحة واعتدال‪ ،‬وبما‬ ‫فيها من قوة وحيوية وصدو وتنوع وخصوبة‪.‬‬ ‫والواقع أن مصطلح العاطفة مصطلح حديث النشأة‪ ،‬وقد ظهر واستخ ِدم‬ ‫في النقد األدبي الحديث دون النقد القديم الذي لم يتضمن إشارات واضحة إلى‬ ‫عنصر "العاطفة"‪.‬وينبغي أال يف َهم من هذا أن العاطفة غابت تماما عن النقاد‬ ‫القدامى وأنهم لم يتعرضوا لها؛ فقد حام نقادنا في حقيقة األمر حول العاطفة‬ ‫وان لم يسموها بهذا االسم ‪ ،‬وقد تضمن نقدهم جملة من المصطلحات التي‬ ‫تندرن تحت العاطفة وذلك من قبيل‪" :‬الوجد – الميل – الهوى"‪ ،‬كما وضع ابن‬ ‫رشيق للشعر قواعد أربعة هي‪" :‬الرغبة والرهبة والطرب والغضب"‪ ،‬وراح يقسم‬ ‫راجع‪ :‬أحمد أمين‪ :‬النقد األدبي‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬ط ‪ ،20١2‬ص‪30‬‬ ‫(‪)١‬‬ ‫‪13‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫الفنون الشعرية على أساسها قائال‪ " :‬فمع الرغبة يكون المدح والشكر‪ ،‬ومع‬ ‫الرهبة يكون االعتذار واالستعطاف‪ ،‬ومع الطرب يكون الشوو ورقة النسيب‪،‬‬ ‫ومع الغضب يكون الهجاء والوعيد والعتاب"‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الفكر‪:‬‬ ‫يعد الفكر ( المعنى ) أساس العمل األدبي ومادته البانية‪ ،‬ويشكل مع‬ ‫العاطفة مضمونه ومحتواه‪.‬وهو العنصر األهم في بعض فنون األدب مثل‬ ‫الحكم وأدب الوصايا‪.‬وقد كان للدارسين العرب القدامى تصورهم عن الفكر‬ ‫أو المعنى‪ ،‬وقد ظهر هذا بوضوح من خالل جهود البالغيين الذين شددوا على‬ ‫أن البالغة ال تتحقق إال إذا بلي المعنى مبلغه في نفس المتلقي‪ ،‬أي ق ِدم له‬ ‫فكرا‪.‬هذا من ناحية ومن ناحية أخرى‪ ،‬أولى النقاد العرب القدامى قضية‬ ‫المع نى اهتماما واضحا من خالل مناقشاتهم المسهبة لثنائية اللفظ والمعني‬ ‫وهي الثنائية األشهر في تراثنا النقدي القديم‪.‬‬ ‫هذا ويشترط في األفكار والمعاني الواردة في النص األدبي وضوحها ودقتها‬ ‫وتوازنها مع العاطفة بحيث ال تطغي عليها؛ فليست وظيفة األدب "أن يعلم‬ ‫الحقائق‪ ،‬وا نما وظيفته أن ينتفع بالحقائق المعروفة‪ ،‬ويهيج بها عواطف الناس‪،‬‬ ‫ويجعلهم يشعرون بها أكثر مما كانوا يشعرون من قبل"(‪.)١‬وقديما أشار اآلمدي‬ ‫إلى تقرير هذه القضية في كتابه "الموازنة بين الطائيين" حين قال‪" :‬من يعتمد‬ ‫دقيق المعاني من فلسفة يونان‪ ،‬أو حكمة الهند‪ ،‬أو أدب الفرس‪ ،‬ويكون أكثر‬ ‫أحمد أمين‪ :‬النقد األدبي‪ ،‬ص‪50‬‬ ‫(‪)١‬‬ ‫‪14‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫ما يورده منها بألفاظ متعسفة‪ ،‬ونسيج مضطرب (‪ )...‬قلنا له قد جئت بحكمة‬ ‫وفلسفة‪ ،‬ومعان حسنة لطيفة‪ ،‬فإن شئت دعوناك حكيما‪ ،‬أو سميناك فيلسوفا‪،‬‬ ‫ولكن ال نسميك شاعرا‪ ،‬وال ندعوك بليغا"‪.‬‬ ‫ويستفاد من كالم اآلمدي وغيره من نقادنا العرب الدعوة إلى ضرورة اهتداء‬ ‫الشعراء والمبدعين إلى أفضل الصور وأحسنها ألداء المعاني واألفكار‪.‬‬ ‫ن‪ -‬الخيال‪:‬‬ ‫لعنصر الخيال قيمته في تشكيل األدب من حيث هو ملكة وقدرة على‬ ‫التصوير‪ ،‬واخران المعاني في صورة مجسمة‪.‬كما أن الخيال وسيلة مبراز‬ ‫العاطفة؛ فكلما "كانت العاطفة قوية احتاجت إلى خيال قوي يعين عليها‪،‬‬ ‫كبير في ضعف اآلخر‪ ،‬فإذا كانت العواطف مسرفة‬ ‫أثر ًا‬ ‫وضعف أحدهما يؤثر ًا‬ ‫وهما ككثير من شعر أبي تمام في‬ ‫مبالغة ذهب الخيال كل مذهب‪ ،‬وكان ً‬ ‫األدب العربي كقوله‪:‬‬ ‫( ‪)2‬‬ ‫صب قد استعذبت ماء بكائي"‬ ‫ال تسقني ماء المالم فإنني‬ ‫والواقع أن قدرات األدباء متفاوتة وتختلف في قوة الخيال أو ضعفه؛ فهناك‬ ‫أدباء يسترجعون ما رأته عيونهم من مناظر أو أشياء خارجية مع شي من‬ ‫التلوين‪ ،‬وهو نوع من الخيال البسيط يرجع إلى التذكر البصري‪.‬وهناك الخيال‬ ‫األشمل الذي نراه في األعمال الروائية والمسرحية والذي يتم من خالله ابتكار‬ ‫نماذن بشرية بكل مكوناتها وأبعادها الجسمية والنفسية‪.‬كما أن بعض أنواع‬ ‫المرجع السابق‪ :‬ص‪48-47‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪15‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫األدب أحون إلى الخيال من بعضها اآلخر‪ ،‬فالحكم والوصايا واألمثال حاجتها‬ ‫للخيال أقل بكثير من حاجة الشاعر الوجداني أو الروائي والقاص‪.‬‬ ‫وبالنظر في مدونة النقد العربي ال قديم نجد أن حازم القرطاجني من أهم‬ ‫النقاد الذين توقفوا عند الخيال وقفة نقدية متأنية‪ ،‬فعلى الرغم من أنه كان يرى‬ ‫أن الطبع هو جوهر الشعر‪ ،‬لكنه وضع قوانين تشكل علم الشعر وتحدد كفاءة‬ ‫الشعراء‪.‬فهي ال تنحصر في المباني‪ ،‬وأحكامها فحسب‪ ،‬وانما أيضا تعتمد‬ ‫على أقوال المخيلة‪.‬فالشعر محاكاة قوامها التخييل لواقع كان ويكون ويمكن‬ ‫أن يكون‪ ،‬أي ليست المحاكاة مماثلة للواقع وانما هي تصور عنه‪.‬‬ ‫د‪ -‬األسلوب‪:‬‬ ‫األسلوب أقوى أدوات األديب وهو العنصر األهم في عملية امبداع والخلق‬ ‫األدبي؛ وما ذاك إال لكونه القالب الذي يضع فيه المبدع معانيه وأفكاره‪ ،‬ويجسم‬ ‫من خالله خياله‪ ،‬ويبرز شخصيته‪.‬كما أنه مدخل المتلقي إلى عالم النص‬ ‫ومكوناته المختلفة من عاطفة وفكر وخيال‪.‬وعليه فاألسلوب في أبسط تعريفاته‬ ‫هو‪ :‬الطريقة التي يتبناها المبدع وينفرد بها في اختيار ألفاظه وتأليف كالمه‬ ‫ونظم معانيه‪.‬‬ ‫وال يقصد باختيار ا أللفاظ مجرد اختيارها من "ناحية معانيها فقط‪ ،‬بل من‬ ‫ناحيتها الفنية أيضا بما توحيه من أفكار ترتبط بها‪ ،‬ومن ناحية وقعها‬ ‫الموسيقي‪.‬فقد تأتلف كلمة مع كلمة وال تأتلف مع أخرى‪ ،‬وقد تفعل كلمة في‬ ‫إثارة العواطف ما ال تفعله مرادفتها"‬ ‫‪16‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫ولعل أقدم من استخدم لفظة أسلوب في نقدنا القديم أبو بكر الباقالني في‬ ‫كتابه إعجاز القرآن؛ فقد أوضح أن لكل شاعر أو كاتب طريقة يعرف بها‪،‬‬ ‫وتنسب إليه‪.‬ومثلما يتعرف المرء على خط صاحبه إذا وضع بين خطوط‬ ‫عدة‪ ،‬فإن القارئ البصير بالشعر أو النثر يتعرف على أسلوب صاحبه‪.‬‬ ‫كما نجد اآلمدي كثي ار ما يحدثنا في الموازنة عن طريقة أبي تمام التي‬ ‫انفرد بها في أدبه وطريقة البحتري وهو يقصد أسلوب كل شاعر منهما‪.‬‬ ‫والواقع أن جل الجهود البالغية والنقدية للعرب القدامى قد دارت حول‬ ‫الطريقة المثلى لتأليف الكالم وكيفية ترتيبه وتنسيق العبارة؛ حيث وضعوا لذلك‬ ‫شروطا كثيرة أبرزها االبتعاد عن التنافر‪ ،‬والتعقيد‪ ،‬ومخالفة مقاييس اللغة‪،‬‬ ‫فضال عن ضرورة مطابقة الكالم لمقتضى الحال والمقام‪ ،‬ومعرفة الفصل من‬ ‫الوصل‪ ،‬وطرو تحسين وجوه الكالم لفظا ومعنى‪ ،‬ومراعاة التناسب والتالؤم‬ ‫في االستعارات والمجاز بشكل عام‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫‪17‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫ثانيا‪ :‬مفهوم النقد األدبي‪:‬‬ ‫بادئ ذى بدء يمكننا القول إن النقد األدبي إنما هو خطاب على خطاب‬ ‫فنا يتم االستحواذ عليه‬ ‫علما يتمكن منه بالتحصيل‪ ،‬أو ً‬ ‫آخر‪.‬وسواء أكان ً‬ ‫بالدربة والحدس‪ ،‬فإنه على كل حال "عملية تلحق العمل األدبي‪ ،‬أوبمعنى آخر‬ ‫تالحقه لتميز فيه الجودة والرداءة"(‪ ،)١‬وتفصل بين امحسان وامساءة‪.‬‬ ‫هذا المفهوم االصطالحي للنقد األدبي الذي يربطه بدرس األدب وتجلية‬ ‫جمالياته يلتقي مع الداللة اللغوية لكلمة نقد على نحو ما‪.‬وترتبط هذه الداللة‬ ‫ٍ‬ ‫بمعان عدة تكاد تتقارب‪ ،‬فمن معانيها‪ :‬ما يدور حول الفحص والتمييز‪،‬‬ ‫اللغوية‬ ‫والحكم بالحسن أو القبح؛ فنقد الدراهم هو معرفة جيدها من رديئها‪.‬ومن معانيها‪:‬‬ ‫العيب‪ ،‬على نحو ما ورد في حديث أبي الدرداء‪ " :‬إن نقدت الناس نقدوك وان‬ ‫تركتهم تركوك " ومعنى نقدتهم هنا ‪ :‬عبتهم‪.‬‬ ‫وربما يتضح هذا االلتقاء بين الداللة اللغوية والمفهوم االصطالحي للنقد في‬ ‫قول الشاعر ‪:‬‬ ‫ار‬ ‫الصيارف ِ‬ ‫الد َين َا‬ ‫ر جب ِشع ٍر َنَقدته مثل َما َينقد‬ ‫َأرس ج َ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫محمد عبد المطلب‪ :‬جدلية امفراد والتركيب في النقد العربي القديم‪ ،١990 ،‬ص‪.١١‬‬ ‫(‪)١‬‬ ‫ابن رشيق القيرواني‪ :‬العمدة‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص‪.١05‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪18‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫فنقد الشعر يحاكي ويماثل على نحو من األنحاء هذه العملية التي يتأتى‬ ‫بها نقد الدنانير‪ ،‬ويبقي مع ذلك وعي لدى القدامى بخصوصية النقد األدبي‬ ‫نظر الرتباطه بالكالم‪ ،‬على نحو ما يقول الشاعر ‪:‬‬ ‫وصعوبته‪ً ،‬ا‬ ‫(‪)١‬‬ ‫صعب‪ ،‬فكيف نقد الكالم؟‬ ‫ِ‬ ‫رف‬ ‫ِ‬ ‫الدينار إال على الصيـ‬ ‫ج‬ ‫إن َنق َد‬ ‫ٌ‬ ‫ولعله َيجمل بنا في هذا المقام أن نفرو بين حقلين من حقول الدراسة النقدية‪:‬‬ ‫ أولهما ‪ :‬النقد النظري ‪ ، theoretical criticism‬الذي يع َنى بتحديد أصول‬ ‫ناشدا الوصول إلى المبادئ العامة‬ ‫ً‬ ‫امبداع األدبي وتوضيح قواعده وأدواته‬ ‫وصياغة المعتقدات والمعايير النقدية والجمالية ‪.‬‬ ‫ واآلخر‪ :‬النقد التطبيقي ‪ ، practical criticism‬وفيه تتم مباشرة األعمال‬ ‫تكاز على جملة من المبادئ والمعتقدات النظرية‪ ،‬كما‬ ‫األدبية الفردية وتحليلها ار ًا‬ ‫ـيرا‪ ،‬موازنة ومقارنة‪.‬‬ ‫يتم التعامـل مع النصوص قراءة وتقييمـًا‪ ،‬شرحـًا وتفس ً‬ ‫وقد فرو عدد من الباحثين بين كل من نظرية األدب والنقد األدبي والتاريخ‬ ‫األدبي محاولين وضع الحدود بين هذه الفروع من الدراسات األدبية‪ ،‬فرأى‬ ‫رينيه ويليك أن "النظرية األدبية تدرس مبادئ األدب وأصنافه ومعاييره‪ ،‬وما‬ ‫انظر‪ :‬طارو سعد شلبي‪ ،‬الدرس التطبيقي‪ ،‬ص ‪.١8 -١7‬وقد ورد في اممتاع والمؤانسة‪،‬‬ ‫(‪)١‬‬ ‫جـ‪2‬ص‪ ، ١3١‬أن "الكالم على الكالم صعب ‪...‬ألن الكالم على األمور المعتمد فيها على‬ ‫صور األمور وشكولها التي تنقسم بين العقول وبين ما يكون بالحس ممكن وفضاء هذا متسع‪،‬‬ ‫والمجال فيه مختلف‪.‬وأما الكالم على الكالم فإنه يدور على نفسه‪ ،‬ويلتبس بعضه ببعض"‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬بينما تنتمي الدراسات التي تركز اهتمامها على األعمال األدبية‬ ‫( ‪)2‬‬ ‫نفسها إما إلى النقد األدبي‪ ،‬واما إلى التاريخ األدبي"‪.‬‬ ‫مذهبا أكثر تفصيالً في التفرقة بين نظرية األدب‬ ‫ً‬ ‫ويذهب بعض الدارسين‬ ‫محددا‬ ‫ً‬ ‫أدبيا‬ ‫والنقد األدبي حين يؤكد أن "النقد األدبي يتناول بالتحليل عمالً ً‬ ‫محاوالً خالل ذلك الكشف عن قيمته الفنية وعن أصالته وعن مواطن الجمال‬ ‫والقبح فيه‪ ،‬فهو إذن جهد تقييمى‪ ،‬وبصورة عامة‪ ،‬فإن أي جهد نقدي أدبي‬ ‫خالص يجب أن يتوصل في النهاية إلى جواب عن السؤال اآلتي‪ :‬هل هذا‬ ‫العمل جيد ؟‬ ‫أما نظرية األدب فهي ذلك العلم الذي يعنى بامجابة عن السؤال العام‪ :‬ما‬ ‫األدب؟ وهو بذلك يأخذ على عاتقه واجب دراسة قوانين تطور األدب وابداعه‬ ‫وتياراته الفنية وأصنافه وأنواعه وأشكاله والخصائص البنائية لتكوين األعمال‬ ‫األدبية‪ ،‬وغير ذلك من المسائل التعبيرية‪.‬وعلى هذا ال تعنى النظرية األدبية‬ ‫عرضا أو على سبيل االستشهاد‬ ‫بما امتازت به قطع أدبية خاصة من األدب إال ً‬ ‫أي أنها كما يعبر عن ذلك تودوروف ‪" :‬ال تعنى باألدب الحقيقي‪ ،‬بل باألدب‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الممكن"‪.‬‬ ‫رينيه ويليك‪ :‬مفاهيم نقدية‪ ،‬ترجمة ‪ :‬محمد عصفور‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع ‪ ، ١١0‬ص ‪.7‬‬ ‫تزفيطان طودوروف‪ :‬الشعرية‪ ،‬ترجمة‪ :‬شكري المبخوت ورجاء سالمة‪ ،‬الدار البيضاء‪،١987 ،‬‬ ‫(‪)١‬‬ ‫ص ‪.23‬‬ ‫‪20‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫أمر ضرورًيا‬ ‫وفي واقع األمر‪ ،‬فإن الفصل بين النقد األدبي والنظرية يعد ًا‬ ‫للباحث في مجال األدب لكي يتبين الفروو الدقيقة بين العلوم التي تبحث في‬ ‫الظاهرة األدبية‪.‬غير أنه ال يعني بالضرورة وجود عالقة انفصام وتقاطع بينهما‬ ‫تماما ومرتبطين بعالقة‬ ‫وعلى العكس من ذلك‪ ،‬نجد هذين الحقلين متالزمين ً‬ ‫جدلية تؤكد وحدتهما المركبة التي ال يمكن تبسيطها أو اختزالها‪.‬فنظرية األدب‬ ‫كثير في إضاءة عمله‪ ،‬كما أن‬‫توفر للناقد ودارس األدب أرضية فلسفية تفيده ًا‬ ‫النقد األدبي يفيد النظرية بما يتوصل إليه من النتائج في تحليله لألعمال األدبية‪.‬‬ ‫فكالهما خادم لآلخر‪ ،‬وكالهما سابق لآلخر والحق له ومبنى عليه‪.‬والناقد‬ ‫األدبي الذي يزعم أنه ال يبدأ من نظرية ولو على مستوى الالوعي إنما هو ناقد‬ ‫يضلل نفسه ويضلل غيره؛ إذ "ال توجد ممارسة من غير نظرية‪ ،‬مهما تكن تلك‬ ‫الطريقة مكبوتة أو غير مصوغة أو مفهومة على أنها واضحة إن كل ما نفعله‬ ‫خطابا نظرًيا كامالً حتى وان كان غير‬ ‫ً‬ ‫طبيعيا‪ ،‬يستلزم‬ ‫ً‬ ‫حين القراءة‪ ،‬مهما بدا‬ ‫محكي‪ ،‬عن اللغة والمعنى‪ ،‬وعن العالقات بين المعنى والعالم‪ ،‬وبين المعنى‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أخير عن الناس أنفسهم ومكانتهم في هذا العالم"‪.‬‬ ‫والناس‪ ،‬و ًا‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫كاترين بيلسي‪ :‬الممارسة النقدية‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد عبد المطلب‪ ،‬دار التوحيدي للنشر‪ ،‬سوريا‪ ،‬حمص‪،‬‬ ‫(‪)١‬‬ ‫ط‪ ،2003 ،١‬ص‪.22-2١‬‬ ‫‪21‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫ثالثا‪ :‬مناهج النقد األدبي‪:‬‬ ‫يعتمد البحث في المجال األدبي ـ شأنه شأن البحث في المجاالت المعرفية‬ ‫األخرى‪ ،‬على نظرية أدبية ما ينطلق منها‪ ،‬ومصطلح يتداوله الباحثون فيما‬ ‫بينهم‪ ،‬ومنهج محدد الخطوات وامجراءات‪.‬فما المنهج؟‬ ‫المنهج لغة‪ :‬الطريق الواضح والسبيل والخطة المرسومة(‪.)2‬ولذلك كثي ار ما‬ ‫يقال إن طرو البحث ترادف "مناهج البحث"‪.‬‬ ‫أما اصطالحا فله تعريفات كثيرة تختلف باختالف الموضوع المدروس وزاوية‬ ‫الرؤية وأبعادها‪.‬وعلى الرغم من ذلك يمكننا تعريف المنهج بشكل عام بأنه نظام‬ ‫صارم من القواعد والقوانين وامجراءات التحليلية التي تسيطر على سير العقل‬ ‫وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتائج معلومة في موضوع أو قضية ما تمكن في‬ ‫(‪)3‬‬ ‫النهاية من صياغة النظريات ومعرفة الحقائق‪.‬‬ ‫المنهج إذن ما هو إال عملية تنظيمية لسلسلة من العمليات الذهنية أو‬ ‫الحسية بهدف الكشف عن حقيقة مجهولة أو البرهنة على قضية من القضايا‪،‬‬ ‫وبعبارة أوضح يمكننا القول إنه طريق محدد المعالم يسلكه الباحث للوصول إلى‬ ‫هدفه المنشود أال وهو استكشاف القوانين والمبادئ التي تنظم الظواهر المدروسة‬ ‫سواء كانت اجتماعية أو علمية أو تربوية أو فلسفية أو سياسية أو أدبية حتى‬ ‫يمكن تفسيرها وضبط نتائجها والتحكم فيها‪.‬‬ ‫يق‪ :‬بينه وسلكه‪ ،‬ومنه المنهج والمنهان‪.‬‬ ‫ون َه َج فالن الطر َ‬ ‫‪ 2‬يقال َن َه َج الطريق‪ :‬وضح واستبان‪َ ،‬‬ ‫‪ 3‬راجع ‪ :‬يوسف خليف ‪ :‬مناهج البحث األدبي‪ ،‬ص‪١7‬‬ ‫‪22‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫وبعيدا عن التعميم السابق يمكننا القول مع رينيه ويليك بأن المنهج النقدي‬ ‫في دراسة األدب "إنما هو نمط من أنماط المعرفة تنهض على مجموعة من‬ ‫األسس العقلية التي يتبناها دارس من الدارسين للوصول إلى فهم وتفسير ظاهرة‬ ‫من الظواهر األدبية"‪ )4(.‬وبطبيعة الحال ليس ثمة منهج واحد لدراسة األدب بل‬ ‫مناهج وطرائق متعددة تعالج ظواهره وقضاياه المختلفة وتسعى باتجاه تحليلها‬ ‫تحليال مستقصيا؛ نظ ار لتعقد هذه الظواهر وتداخلها وتراكبها بشكل يجعلها أكبر‬ ‫وأعقد من أن يحتويها منهج واحد‪.‬‬ ‫ومن نافلة القول أن هذه المناهج النقدية ال تعرف الثبات بل إنها تتغير‬ ‫بتغير النظريات األدبية وتتجدد بتجددها "ألن المفروض فيها أن تفي بمطالب‬ ‫العلم المتجددة وحاجاته المتطورة‪ ،‬ومن هنا كان طبيعيا أن تكون في تغير‬ ‫مستمر‪ ،‬وأن تكون قابلة للتعديل والتطوير‪ ،‬بل من الطبيعي أن ترفض أحيانا إذا‬ ‫ثبت أنها لم تعد صالحة أو مالئمة‪.‬وال يمكن للعلم أن يتقدم أو يتطور أو يتجدد‬ ‫في ظل مناهج متجمدة متحجرة‪ ،‬وانما أن تظل المناهج في حركة دائبة لتساير‬ ‫(‪)5‬‬ ‫حركة العلم المستمرة دائما"‬ ‫وبيسر بالي يلحظ المرء أن الخطاب النقدي الحديث قد تضخم بعدد هائل‬ ‫من المناهج النقدية المستمدة من علوم أخرى مساعدة من مثل العلوم الطبيعية‬ ‫واالجتماعية والنفسية فضال عن الفلسفة واللسانيات‪.‬ويقودنا تعقد المناهج النقدية‬ ‫‪ 4‬نقال عن منذر عياشي‪ :‬الداللة اللسانية‪ ،‬مجلة الموقف األدبي‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،277‬دمشق‪١994 ،‬‬ ‫‪ 5‬يوسف خليف‪ :‬مناهج البحث‪ ،‬ص‪87‬‬ ‫‪23‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫الحديثة وتضخمها الذي نعاينه بوضوح إلى محاولة وضع مخطط عام نستعرض‬ ‫من خالله أبرز المناهج التي يقوم عليها البحث األدبي وأكثرها فاعلية في حقل‬ ‫النقد‪ ،‬إضافة إلى المقارنة بين هذه المناهج وبعضها البعض إثر تفصيل القول‬ ‫في كل منهج منها وتحديد خصائصه واجراءاته‪.‬‬ ‫ولعل تدقيق النظر في مجمل األبحاث األدبية واألعمال النقدية الحديثة‬ ‫يفضي بنا إلى القول بأن القرن المنصرم والسنوات األخيرة من القرن التاسع‬ ‫عشر كانا بمثابة مختبر واسع لجملة من المناهج النقدية حاول أصحابها مقاربة‬ ‫امبداع األدبي وفق قناعات ومواقف نظرية معينة تتعلق بماهية امبداع ووظيفته‬ ‫باألساس‪.‬وتتوزع هذه المواقف برغم تباينها وتمايزها الواضح على عناصر ثالثة‬ ‫هي المكون الفعلي للعملية امبداعية أال وهي‪ :‬المبدع والنص والقارئ‪.‬‬ ‫ولقد تعددت مناهج النقد الحديثة واختلفت فيما بينها وفقا لدرجة تركيزها‬ ‫على عنصر من العناصر الثالثة السابقة دون العنصرين اآلخرين‪.‬وفي حقيقة‬ ‫األمر فإن نصفي القرن العشرين يتفقان في حدوث تغير مزدون للنموذن النظري‬ ‫ومناهج النقد األدبي‪ ،‬أما التغير األول فقد تمثل في "إحالل شعرية الرسالة"‬ ‫(النص) محل "شعرية المرسل" والتغيير الثاني شهد المواجهة بين "شعرية الرسالة"‬ ‫و"شعرية التلقي"‪" )6(.‬وفى الحقيقة يمكن للمرء أن يقسم تاريخ نظرية األدب الحديثة‬ ‫جدا إلى ثالث مراحل‪ ،‬االنشغال بالمؤلف ‪-‬الرومانسية والقرن‬ ‫بصورة أولية ً‬ ‫خوسيه ماريا بوثويلو إيفانكوس‪ :‬نظرية اللغة األدبية‪ ،‬ص ‪.١2١‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫‪24‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫التاسع عشر‪ -‬واهتمام خاص بالنص ‪-‬النقد الجديد والبنيوية‪ -‬ثم تحول ملحوظ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫في االهتمام بالقارئ في السنوات األخيرة"‪.‬‬ ‫ولعل التفكير في نظرية األدب وتقسيمها على هذا النحو الذي يجعلها‬ ‫منشغلة في كل مرحلة من مراحلها بعنصر واحد فحسب من عناصر العملية‬ ‫األدبية يعد تبسيطها مخالً ربما ال يصمد للنقد أو للهجوم عليه بحال من األحوال‪،‬‬ ‫ألنه أوالً‪ :‬تقسيم عام يلغى الفروو الجوهرية بين المناهج والتوجهات النظرية التي‬ ‫ثانيا‪ :‬تقسيم متعسف يوحى بوجود حدود فاصلة‬ ‫تندرن تحت أحد العناصر‪ ،‬وهو ً‬ ‫كتلك التي تفصل الدول بين كل مجموعة وأخرى من تلك التوجهات‪ ،‬لكن على‬ ‫الرغم من ذلك فإن سيرة الدراسة األدبية تبدو حًقا منطلقة من الموقف األول‬ ‫(االهتمام بالمبدع) لتمر بالموقف الثاني (االهتمام بالنص) وال تأخذ بالموقف‬ ‫تقسيما‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‪.‬األمر الذي يجعل من هذا التقسيم‬ ‫ً‬ ‫الثالث (االهتمام بالقارئ) إال‬ ‫داالً على التحوالت الكبرى التي حدثت في الخطاب النقدي الحديث ومناهج‬ ‫وصالحا ‪-‬من بعد استقصائه‪ -‬للكشف عن المنزلة التي احتلها‬ ‫ً‬ ‫البحث األدبي ‪،‬‬ ‫وصالحا بالتالي ميضاح الدور‬ ‫ً‬ ‫القارئ حديثًا بالنسبة لكل من المبدع والنص‪،‬‬ ‫اميجابي والفعال الذي أسند إليه‪.‬ويجدر بنا قبل الشروع في هذا االستقصاء‬ ‫أن نؤكد على أن جميع التوجهات سواء كانت منطلقة من المبدع أو النص أو‬ ‫القارئ ال ينفى كل توجه منها التوجه السابق عليه أو يزيحه بصورة نهائية؛ بل‬ ‫إنه يهيمن ويسيطر على ما عداه من التوجهات التي تنسحب إلى الخلف دون‬ ‫تماما‪.‬‬ ‫أن تختفي ً‬ ‫تيري إيجلتون‪ :‬مقدمة في نظرية األدب‪ ،‬ص ‪.95‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫‪25‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫بيد أنه بمجرد تغير هذه الكيفية فقد تغيرت ً‬ ‫تماما صورة النقد ومالمحه‬ ‫وبيانا ألسباب الحكم‪.‬ذلك أن الناقد‬ ‫ً‬ ‫عند العرب بحيث أصبحنا نجد تحليالً‬ ‫سوف يتمكن – وذلك في مرحلة التدوين – من مباشرة النص ً‬ ‫بعيدا عن‬ ‫صاحبه "ويعود الفضل في ذلك إلى حركة جمع الشعر التي تخص القدامى‬ ‫والمحدثين ضمن المختارات‪ ،‬وكتب األدب‪ ،‬والدواوين"‪ )١(.‬وهذه المسألة‪:‬‬ ‫أعني تلك التغيرات التي ستلحق النقد القديم نتيجة التحول إلى الكتابية –‬ ‫ستكون محور حديثنا في الصفحات القادمة‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫توفيق الزيدي‪ :‬مفهوم األدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع‪ ،‬منشورات عيون‪ ،‬الدار‬ ‫(‪)١‬‬ ‫البيضاء‪ ،‬ط‪ ،١987 ،2‬ص‪. 30‬‬ ‫‪26‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫مناهج النقد األدبي‬ ‫ومنظومة المبدع–النص–الق ارئ‬ ‫أوالً‪ :‬المبدع‬ ‫ثانيًا‪ :‬النص‬ ‫ثالثًا‪ :‬التف اعل بين النص والق ارئ‬ ‫‪27‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫أوالً‪ :‬المبدع‬ ‫(‪)١‬‬ ‫إذا كان من الشائع بين المهتمين باألدب اعتبار القرن العشرين قرًنا للنقد‬ ‫نظر لما شهده هذا القرن من تحوالت نظرية متسارعة الخطى‪ ،‬وانقطاعات‬‫األدبى ًا‬ ‫معرفية لم يشهدها غيره من القرون‪ ،‬فإن بإمكاننا أن نطلق على القرن السابق‬ ‫عليه‪ ،‬أى القرن التاسع عشر‪" ،‬قرن المبدع" ونحن مطمئنون كل االطمئنان إلى‬ ‫تأسيسا لمشاريع نقدية رائدة دار‬ ‫ً‬ ‫هذه التسمية؛ فقد عرف القرن التاسع عشر‬ ‫معظمها‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬حول المبدع‪ ،‬وحاول تتبع السياقات التاريخية‬ ‫أيضا لنشأته وحياته‪ ،‬وقد امتدت آثار تلك المشاريع‬ ‫واالجتماعية بل واالقتصادية ً‬ ‫إلى القرن العشرين وشغلت ً‬ ‫جانبا من خطابه النقدى؛ ولذا سنقف عليها فيما يلى‬ ‫من صفحات‪.‬‬ ‫وبإمكان كل مطلع على الحركة النقدية فى ذلك الوقت الوقوف على االهتمام‬ ‫النقدى الواسع بشخص المبدع وامخالص التام لذاته الفردية المتعالية‪ ،‬األمر‬ ‫الذى أفضى‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬إلى الربط المحكم بينه وبين النص ومن ثم ترسيخ ما‬ ‫يمكن تسميته "بسلطة المبدع"‪.‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى امحجام عن‬ ‫تحليل الرسالة األدبية فى ذاتها من حيث هى بنية لغوية فى األساس والتعامل‬ ‫ثانويا لمعرفة شخصية األديب وحياته‬ ‫مصدر ً‬‫ًا‬ ‫معها‪ ،‬فى أحسن األحوال‪ ،‬بوصفها‬ ‫‪28‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫ليس إال‪.‬وهنا تلح على المرء جملة من التساؤالت تتعلق فى مجملها بطبيعة‬ ‫األسباب التى أدت إلى االهتمام بشخص المبدع‪ ،‬واألشكال المختلفة التى اتخذها‬ ‫هذا االهتمام‪.‬ثم إذا كانت طبيعة األمور تفرض تغير األحوال وتبدل المناهج‬ ‫وسقوطها لتحل محلها مناهج جديد‪ ،‬فكيف انسلخ النقد من هذا الدوران المحموم‬ ‫يحا؟! إن امجابة على‬‫إعالنا صر ً‬ ‫ً‬ ‫فى فلك المبدع ليعلن موته فى نهاية األمر‬ ‫التساؤالت السابقة التى تحاول جاهدة الوقوف على بزوغ نجم المبدع ثم أفوله‬ ‫بعد ذلك إجابة جد عسيرة‪ ،‬وربما تحتان إلى بحث مستقل بأكمله‪ ،‬والدخول فى‬ ‫مناقشات مسهبة ليس هذا مقامه؛ لذا سنقوم بمحاولة متواضعة نسعى خاللها‬ ‫إلى رصد أهم عالمات الطريق فى هذه الرحلة الطويلة التى قطعها النقد األدبى‬ ‫ٍ‬ ‫محاولة جادة منه لالقتراب من األفق المراوغ لهذا الكائن الخالو المتأبى فى‬ ‫فى‬ ‫أحيان كثيرة على كل فهم (المبدع)‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫والحق أن البحث فى عالقة العمل األدبى بالعالم الداخلى لمؤلفه أمر قديم‬ ‫قدم األدب ذاته‪ ،‬فقد تكلم أفالطون عن "املهام الشعرى" فى محاورة ِ‬ ‫"اميون"‪،‬‬ ‫وقدم "كوليردن" نظرية شبه كاملة فى معنى الخيال الشعرى"‪ )8(.‬كذلك لم يكف‬ ‫القدماء عن التأمل فى مقدرة األديب امبداعية‪ ،‬ومن ثم راحوا يفسرونها مرة بأنها‬ ‫إلهام إلهى كما تحكى أساطير اليونان القديمة‪ ،‬ومرة أخرى بأنها مناولة سرية‬ ‫(‪ )8‬محمود الربيعى‪ :‬مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص األدبى‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬مج‪،23‬‬ ‫ع‪ ،١994 ،١،2‬ص ‪.302‬‬ ‫‪29‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫من شياطين تتصل بالشعراء وتلهمهم شعرهم الذى ينظمون‪.‬وفى ذلك قال‬ ‫الشاعر الجاهلى‪:‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫ذكر‬ ‫وشيطانى َ‬‫شيطانه أنثى َ‬ ‫الب َشر‬ ‫ٍ ِ‬ ‫شاعر م َن َ‬ ‫ِإنى ج‬ ‫وكل‬ ‫وال يخفى مـا فى هـذه التفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيرات القـديمـة لظـاهرة امبـداع األدبى من طـابع‬ ‫ميتـافيزيقى صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف‪.‬وفيمـا يبـدو فـإن عمليـة الربط بين النص ومبـدعـه ظلـت‬ ‫حبيس ـ ـ ــة العفوية المطلقة‪ ،‬ولم تتخذ ش ـ ـ ــكل حركة علمية منظمة وواعية بأهدافها‬ ‫إال مع بدايات القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫ونســتطيع القول مع روالن بارت إن المؤلف "شــخصــية حديثة النشــأة‪ ،‬وهى‬ ‫من دون ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك وليــدة المجتمع الغربى من حيــث إنــه تنبــه‪ ،‬عنــد نهــايــة القرون‬ ‫الوس ــطى‪ ،‬ومع ظهور النزعة التجريبية امنجليزية‪ ،‬والعقالنية الفرنس ــية واميمان‬ ‫الفردى الـذى واكـب حركـة امصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالح الـدينى‪ ،‬إلى قيمـة الفرد‪ ،‬أو "الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخص‬ ‫البشــرى" كما يفضــل أن يقال‪.‬من المنطقى إذن أن تكون النزعة الوضــعية فى‬ ‫ميدان األدب‪ ،‬تلك النزعة التى كانت خالصــة األيديولوجية ال أرســمالية ونهايتها‪،‬‬ ‫هى التى أولت أهمية قصوى لشخص المؤلف"‪ )10(،‬خاصة بعد أن وضعته تحت‬ ‫مجهر الفحص بغرض الوصـ ـ ـ ـ ــول إلى معرفة علمية دقيقة بنشـ ـ ـ ـ ــاطه امبداعى‪.‬‬ ‫(‪ )9‬البيت ألبى النجم العجلى‪ ،‬األغانى‪ ،‬جـ‪ ،١0‬ص ‪.١60‬وقد حظيت قضية شياطين الشعر باهتمام‬ ‫كبير لدى الدارسين‪ :‬راجع تلك القضية فى مجلة فصول‪ ،‬مج‪ ،١0‬ع‪ ،١99١ ،2 -١‬ص ‪.23 –١3‬‬ ‫أيضا كتاب‪ :‬شياطين الشعراء دراسة تاريخية نقدية مقارنة‪ ،‬تأليف‪ :‬عبد الرازو حميدة‪ ،‬مكتبة‬ ‫وراجع ً‬ ‫األنجلو المصرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫(‪ )١0‬روالن بارت‪ :‬درس السيميولوجيا‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫‪30‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫وقـد بلغـت النزعـة الوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعيـة فى األدب ذروتهـا‪ ،‬كمـا هو معروف‪ ،‬مع ازدهـار‬ ‫النق ــد الطبيعى أو البيوجرافى "‪ "Biography‬على ي ــد ك ــل من سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ــت بوف‬ ‫وهيبوليت تين‪.‬‬ ‫لكن من المؤكـد أن المبـدع قـد حظى بـاهتمـام كبير من لـدن بعض التيـارات‬ ‫النقدية الحديثة التى ال تندرن بأى ش ـ ــكل من األش ـ ــكال تحت عباءة الوض ـ ــعية‪،‬‬ ‫والحديث هنا ينص ـ ـ ـ ــب جملة وتفص ـ ـ ـ ــيالً على التيار الرومانتيكى بكل اتجاهاته‪.‬‬ ‫ذلك التيار الذى يمثل‪ ,‬بال شك‪ ,‬البداية الحقيقية للولع بشخص المبدع‪ ,‬وتجربته‬ ‫الوجدانية‪ ,‬وأهوائه‪ ,‬وذوقه‪ ,‬وحياته بشكل عام‪.‬‬ ‫ولم تكن الرومانتيكية فيما يبدو س ـ ـ ــوى التجس ـ ـ ــيد األدبى لمحاولة امنس ـ ـ ــان‬ ‫الغربى الحديث تجاوز أزمته التى خلفتها الثورة الص ـ ـ ــناعية‪ ،‬وذلك بالتأكيد على‬ ‫الذات الفردية الفاعلة والدفاع عنها ومواجهة سـ ـ ـ ـ ـ ــيطرة اآللة وقهر الواقع المادى‬ ‫منسـ ــانية امنسـ ــان‪.‬وقد كان هذا النزوع نحو تأكيد الذات هو الشـ ــغل الشـ ــاغل‬ ‫للفلسـ ـ ــفة المثالية‪ ,‬ولفلسـ ـ ــفة الجمال (امسـ ـ ــتطيقا) التى حكمت النظر إلى العمل‬ ‫األدبى طيلة القرن الثامن عشـر‪ ،‬والتى انتهت‪ ،‬فيما يخص تسـاؤلها حول ماهية‬ ‫الجمـال ومقـاييسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ ،‬إلى أن الجمـال مرده الـذوو‪.‬والـذوو فردى‪.‬ومن ثم فقـد‬ ‫تعاطت هذه الفلسـ ـ ــفة الفن من حيث هو نشـ ـ ــاط ذاتى للفنان يعبر عنه ويجسـ ـ ــد‬ ‫تجاربه الروحية‪.‬وقد نش ــأت الرومانتيكية فى أحض ــان تلك الفلس ــفة حاش ــدة كل‬ ‫طاقتها ملغاء السـلطان المطلق للعقل‪ ,‬واحالل القلب البشـرى محله‪.‬ذلك الذى‬ ‫ال يتغير مهما تغيرت األوضاع والمعارف من حوله‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫وهكـذا وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـت الرومـانتيكيـة كـل ثقتهـا فى الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعور الفردى‪ ،‬واعتـدت‬ ‫بالعاطفة وامحس ـ ـ ـ ــاس الباطنى بوص ـ ـ ـ ــفها الطريقة الوحيدة إلى الحقيقة المطلقة‬ ‫وليس العقل‪ ،‬ثم نادت من بعد ذلك بأن تكون تلك العواطف والتجارب الروحية‬ ‫إيمانا منها بأن‬ ‫هى الموضـ ـ ــوع الرئيسـ ـ ــى للكتابة األدبية والنقدية على السـ ـ ـواء‪ً ،‬‬ ‫الك ًًتاب والش ـ ـ ــعراء عندما يؤلفون إنما تدفعهم إلى ذلك الحاجة الملحة للتعبير‬ ‫عن مش ــاعرهم وأفكارهم حول الكون والناس‪ ،‬والرغبة فى نقل ذلك إلى اآلخرين‬ ‫عبر رواء أدبى‪.‬‬ ‫وقـد نتج عن هـذا الفهم لمـاهيـة الكتـابـة األدبيـة توثيق الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـة بين الكتـاب‬ ‫والش ـ ـ ــعراء الرومانتيكيين وبين نتاجهم األدبى بحيث أص ـ ـ ــبح هذا النتان ص ـ ـ ــورة‬ ‫لعواطفهم الفرديـة وتجـاربهم الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬يتنوع بتنوعهـا ويتحقق لـه النجـاح بمـدى‬ ‫ص ـ ـ ـ ــدقها‪.‬ومن العبث لمن يريد فهم هذا النتان أو يرغب فى تقويمه أن يبحث‬ ‫فيه عن تجارب موضـ ـ ـ ــوعية‪ ،‬وانما يحوز الفهم فقط َمن يسـ ـ ـ ــتوعب شـ ـ ـ ــخص ـ ـ ــية‬ ‫المبدع التى تس ـ ــبق العمل فى الوجود وترفده من منابعها الروحية والخيالية التى‬ ‫"نوعا من الرياضـ ــة التى‬ ‫ال تنفد‪.‬وهكذا يتطلب النقد فى ش ـ ـريعة الرومانتيكيين ً‬ ‫يتدسـ ـ ـ ـ ــس معها الناقد إلى ما تختلج به نفس الشـ ـ ـ ـ ــاعر‪ ,‬على نحو ما ذهب إليه‬ ‫جـاك مـارتيـان فى برنـامجـه الـذى يـدعو فيـه النـاقـد قبـل أن يقـدم على الحكم على‬ ‫عمل ما إلى الكشـ ــف عما أ ارده الشـ ــاعر أص ـ ـالً‪ ,‬وما أفضـ ــى به إلى أن يكتب‪،‬‬ ‫وبيان ما خفى من أش ـ ــياء اعتملت فى نفس ـ ــه ثم مش ـ ــاركته فى الحدس والش ـ ــعر‬ ‫‪32‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫المولود فى اللحظـة المظلمـة لنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـه"‪ )11(.‬ومن خالل التـأمـل فى هـذه الكليـات‬ ‫سـ ـ ـ ــيتمكن الناقد من اسـ ـ ـ ــتخران معنى العمل كما تسـ ـ ـ ــتخرن الثمرة من قشـ ـ ـ ـرتها‪.‬‬ ‫وليس للغة أى دور فى هذه العملية‪ ،‬إنها‪ ,‬أى اللغة‪ ,‬مجرد وس ـ ــيلة مبراز معنى‬ ‫وحيــد موجود فى قصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد المبــدع‪.‬وهكــذا توارت التحليالت اللغويــة والعنــايــة‬ ‫بتركيبـاتهـا وقوانينهـا الـدالليـة أمـام هيمنـة الـذات العمالقـة للمبـدع التى تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوعب‬ ‫كل شىء ويصدر عنها كل شىء‪.‬‬ ‫لقد أصــبح المبدع ومقاصــده الواعية مدار الحديث األدبى‪ ،‬وذلك بعد أن تم‬ ‫اسـ ـ ــتبعاده لفترة طويلة‪ ,‬أو باألحرى تهميش دوره لصـ ـ ــالح الواقع الخارجى‪.‬هذا‬ ‫مـا صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنعتـه نظريـة المحـاكـاة التى حظيـت بـالقبول لفترة طويلـة امتـدت منـذ أن‬ ‫ازدهرت اآلداب فى بالد اليونان القديمة وحتى عصـ ـ ـ ــر النهضـ ـ ـ ــة األوربية؛ فقد‬ ‫قرنــت نظريــة المحــاكــاة الفن بــالكشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف عن العــالم الخــارجى ومحــاكــاة قوانينــه‬ ‫مختزلة بذلك دور المبدع إلى مجرد ناسـ ـ ـ ـ ـ ــخ لما هو موجود فى الواقع بشـ ـ ـ ـ ـ ــكل‬ ‫بعيدا كل‬ ‫فعلى‪.‬وبتأثير من هذه النظرية ظل المبدع فى الحقبة الكالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيكية ً‬ ‫حر وكامالً‪ ,‬فهو مطالب فحســب بالتأقلم‬ ‫البعد عن تشــكيل عمله األدبى تشــكيالً ًا‬ ‫مع أشـ ـ ـ ــكال أدبية نموذجية تم إنتاجها من قبل‪ ,‬والسـ ـ ـ ــير على هداها‪.‬وال تعنى‬ ‫مخالفة المبدع لهذه القوالب األدبية أو خروجه على قواعد تأليفها سـ ــوى قصـ ـ ًا‬ ‫ـور‬ ‫(‪ )١١‬لطفى عبد البديع‪ :‬ميتافيزيقيا اللغة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬سلسلة دراسات أدبية‪،١997 ،‬‬ ‫ص ‪.92‬‬ ‫‪33‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫أدبيا وخلالً ال يسـ ـ ـ ـ ــمح به‪ ،‬فاألدب عمل وصـ ـ ـ ـ ــناعة على المبدع أن يتقنها وأن‬ ‫ً‬ ‫يلتزم بأصولها‪.‬‬ ‫وقد رفض الرومانتيكيون اعتبار العمل األدبى ص ـ ـ ـ ــناعة من الص ـ ـ ـ ــناعات‪،‬‬ ‫وتمردوا على فكرة مح ــاك ــاة الواقع حي ــث ك ــان من ــاط العم ــل ل ــديهم هو الخلق‬ ‫واملهـام‪ ،‬فـامبـداع نتيجـة لقوى ميتـافيزيقيـة وعمـل من أعمـال الروح‪.‬إنـه معرفـة‬ ‫باطنية واحسـ ــاس شـ ــعرى‪ ،‬وهو طاقة خيالية خالقة تنبع من داخل األديب الذى‬ ‫ال يحاكى واقعة بل يخلق عالمه الخاص‪.‬‬ ‫وليس أدل على ما نقول من جملة المفاهيم التى طرحها التيار الرومانتيكى‬ ‫مزي ًحـا بهـا المفـاهيم القـديمـة من قبيـل (الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعيـة‪ ,‬والمحـاكـاة) ليحـل محلهـا‬ ‫مفاهيم أخرى تتش ـ ــح بوش ـ ــاح الفردية وتختال فى معاطف الذاتية‪ ,‬وتلهج بلس ـ ــان‬ ‫المبدع وتنحنى فى خض ـ ــوع لقدراته الخالقة وابداعاته الس ـ ــحرية‪.‬وهذه المفاهيم‬ ‫من قبيل (الخيال‪ ,‬الخلق‪ ,‬الذوو‪ ,‬املهام‪ ,‬الحدس‪ ,‬العبقرية الشـ ـ ـ ـ ـ ــعرية‪ ,‬الموهبة‪,‬‬ ‫امبداع‪ ,‬الصـ ـ ـ ـ ـ ــدو الفنى)‪.‬ولعل أخطر هذه المفاهيم على امطالو هو مفهوم‬ ‫"الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو" الـذى كـان لـه تـأثير كبير على الحركـة النقـديـة حتى صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار يحكم‬ ‫بمقتضـ ــاه على الشـ ــعر مثالً بالجودة من عدمها؛ فيقال هذا شـ ــعر جيد ألنه يدل‬ ‫على تجربة صـادقة‪ ,‬وهذا شـعر ردىء ألنه يفتقر إليها‪.‬وخالصـة ما نريد قوله‬ ‫إن اسـ ـ ـ ـ ـ ــتبدال االتجاه الرومانتيكى لمفهوم التعبير بمفهوم المحاكاة قد أكسـ ـ ـ ـ ـ ــب‬ ‫المبدع أهمية فاقت الواقع ذاته‪ ,‬وجعل من تجاربه وأحاسـيسـه مقيا ًسـا للحكم على‬ ‫األدب‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫(‪)3‬‬ ‫لعـل من المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلم بـه أن مفـاهيمنـا األدبيـة ال تتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل بمعزل عن اللغـة‬ ‫وتصـ ــورنا لوظيفتها باألسـ ــاس‪ ،‬وان كان لنا أن نرتد بآراء الرومانتيكيين إلى فهم‬ ‫وعاء وأداة ش ــفافة تتمثل وظيفتها فى‬ ‫ما للغة‪ ،‬فهو ‪ -‬وال ش ــك‪ -‬الفهم الذى يراها ً‬ ‫التعبير عن العقل الفردى للمتكلم ونقل مشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعره وأفكاره الخاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة لآلخرين؛‬ ‫فاللغة لديهم ليسـت "انعكا ًسـا فى الذاكرة امنسـانية لشـكل خارجى‪ ،‬ولكنها صـارت‬ ‫أداة للتعبير عن تجربة حس ـ ــية لإلنس ـ ــان ومعاش ـ ــه"‪ )12(.‬لقد تعامل الرومانتيكيون‬ ‫مع اللغة ‪-‬أوهم تص ــوروها‪" -‬بوص ــفها انعكا ًسـ ـا لعقل الكاتب أو انعكا ًسـ ـا للعالم‬ ‫على نحو مــا يراه الكــاتــب‪ ،‬وذلــك بــالمعنى الــذى ال يفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل لغــة الكــاتــب عن‬ ‫(‪)13‬‬ ‫تعبير عن وجود المؤلف نفسه"‪.‬‬ ‫شخصيته أو بالمعنى الذى يجعلها ًا‬ ‫وه ــذا الموقف من اللغ ــة هو نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ــذى يقف خلف بعض التوجه ــات‬ ‫األسلوبية التى عرفت "باألسلوبية امنتاجية"‪ ،‬والتى تعتمد فى تحديدها لألسلوب‬ ‫على منتجـه فتربط بينـه وبين نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـة الكـاتـب وعبقريتـه حيـث األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب هو‬ ‫"أوصـ ـ ــاف الخطاب األكثر خصـ ـ ــوصـ ـ ــية‪ ،‬واألكثر صـ ـ ــعوبة واألكثر ندرة‪ ،‬والتى‬ ‫ومن خاللها يمكن التعرف على‬ ‫(‪)14‬‬ ‫تسـجل عبقرية أو موهبة الكاتب أو المتكلم"‪.‬‬ ‫(‪ )١2‬بيير جيرو‪ :‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬ترجمة‪ :‬منذر عياشى‪ ،‬مركز امنماء القومى‪ ،‬لبنان‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫ص ‪.22‬‬ ‫(‪ )١3‬النظرية األدبية المعاصرة‪.‬رامان سلدن ص ‪.١١6‬‬ ‫(‪ )١4‬بيير جيرو‪ :‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪35‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫نمط تفكيره ومالمح شـخصـيته‪.‬لقد أخذت األسـلوبية امنتاجية تتعامل مع اللغة‬ ‫األدبية بوصـفها المظهر الذى تتجلى من خالله خصـوصـية المبدع‪.‬ولسـنا فى‬ ‫حـاجـة هنـا إلى بـذل العنـاء ألجـل إثبـات مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهمـة هـذا التوجـه فى توطيـد دعـائم‬ ‫مملكة المبدع‪ ،‬ويكفينا هنا أن نورد عبارة شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهيرة للكونت دى بوفون ( ‪conte‬‬ ‫‪ ،)de buffon‬الذى تعد آرائه بمثابة المنطلق األسـاسـى لهذا االتجاه‪ ،‬يقول فيها‬ ‫إن "المعارف واآلثار واالكتشـ ــافات تتضـ ــح بسـ ــهولة ويمكن نقلها‪ ،‬كما يكون من‬ ‫الممكن أن توضـ ـ ـ ــع فى قالب أدبى على أناس أكثر مهارة‪ ،‬فهذه األمور خارجة‬ ‫عن امنسان‪ ،‬أما األسلوب فهو امنسان نفسه‪ ،‬ومن ثم ال يمكن نقله أو اقتباسه‬ ‫(‪)15‬‬ ‫أو تبديله"‪.‬‬ ‫وقد تولدت عن مقولته تلك آراء تذهب إلى أن األس ـ ـ ـ ــلوب ش ـ ـ ـ ــىء ال يمكن‬ ‫تعلمه‪ ،‬وترى أن تعلمه أمر غير مجدى‪ ،‬وأن التمرين على إتقان أسـ ـ ــلوب بعينه‬ ‫شــىء عديم القيمة‪ ،‬إذ إن األســلوب ســمة شــخصــية وصــورة للذات اتخذت شــكل‬ ‫كلمات وحروف‪ ،‬إنه ظاهرة تتميز بخواص صـ ــاحبها وتتلون بشـ ــخصـ ــيته بحيث‬ ‫ال يكون األس ــلوب القوى المتين إال عنو ًانا على الش ــخص ــية القوية‪ ،‬وكذلك يقال‬ ‫ان‪.‬واذا نحن أردنا فهم‬‫فى األس ــلوب المهلهل الض ــعيف إنه لرجل ض ــعيف متو ٍ‬ ‫دقائق شـخصـية األديب وسـبر أغواره النفسـية فعلينا بأسـلوبه وال عجب فى ذلك‪،‬‬ ‫"فليس األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيئا مظهرًيا كالثياب‪ ،‬وانما هو من الرجل لحمه وعظمه‬ ‫(‪ )١5‬برند شبلنر‪ :‬علم اللغة والدراسات األدبية‪ ،‬ترجمة محمود جاد الرب‪ ،‬كلية اآلداب جامعة الملك‬ ‫سعود بالرياض‪ ،‬ط ‪ ،١987 ،١‬ص‪.26‬‬ ‫‪36‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫وجوهر‬ ‫ًا‬ ‫فكر وخلًقا وشـ ـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ـ ــية‬ ‫ودمه‪.‬أسـ ـ ـ ـ ـ ــلوب الكاتب هو الكاتب نفسـ ـ ـ ـ ـ ــه ًا‬ ‫(‪)16‬‬ ‫وكيانا"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والواقع أن تصــور األســلوب بوصــفه انعكا ًس ـا لشــخصــية المؤلف قد اكتســب‬ ‫قوة وحيوية جديدة بآراء المدرسـ ـ ــة المثالية األلمانية التى يمثلها كل من فوسـ ـ ــيلر‬ ‫وسـبتسـر‪.‬بيد أن هذا التوجه لم يؤد بصـفة عامة إلى منهج خصـب من الوجهة‬ ‫اللغوية ومثمر فى التطبيق على األعمال األدبية‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫كنا قد أش ـ ـرنا منذ برهة إلى ما نتج عن الثورة الصـ ــناعية من تجاهل للفرد‪،‬‬ ‫ومـا أعقـب ذلـك من ظهور الفلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـة المثـاليـة فى آواخر القرن الثـامن عشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫وسيطرتها على مقاليد الفكر والثقافة فى العالم الغربى‪ ،‬لكن هذه السيطرة لم تدم‬ ‫طويالً‪ ،‬فقد تهاوت تحت ضـ ـ ـ ـربات الفيلس ـ ـ ــوف "فويربا " (‪ )١804١872‬الذى‬ ‫قرر أن الفكر يتبع الواقع وليس العكس‪.‬وفى فرنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كـان أوجسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت كونـت‬ ‫(‪ )١857-١798‬يطبق هذا المبدأ نفســه تحت اســم "الوضــعية" على الد ارســات‬ ‫امنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانية التى رأى أنها يجب أن تلتزم بالمنهج العلمى القائم على المالحظة‬ ‫إن هى أرادت أن ترفع مسـتوى الدقة فى تحليالتها لكافة ظواهرها‬ ‫(‪)17‬‬ ‫والتجريب"‪.‬‬ ‫(‪ )١6‬محمد عبد المطلب‪ :‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫(‪ )١7‬شكرى محمد عياد‪ :‬امبداع والحضارة‪ ،‬آفاو جديدة لتاريخ األدب‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬مج‪ ،١0‬ع‪-١‬‬ ‫‪ ،١99١ ،2‬ص‪.١32‬‬ ‫‪37‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫وموضــوعاتها المختلفة‪.‬وســرعان ما شــاعت الوضــعية حتى شــملت كل العلوم‬ ‫امنس ــانية بما فيها الد ارس ــات األدبية التى نظر ممارس ــوها بعين االنبهار إلى ما‬ ‫حققته العلوم الطبيعية من إنجازات منهجية رصـ ـ ـ ــينة عملوا جاهدين لالسـ ـ ـ ــتفادة‬ ‫منها فى الكشف عن القوانين التى تتحكم فى ظاهرة األدب‪.‬‬ ‫وقد حمل عبء التأسيس لالتجاه الوضعى فى األدب ناقدان فرنسيان هما‪:‬‬ ‫س ـ ـ ــانت بوف (‪ )١869 -١804‬وتلميذه هيبوليت تين (‪ ،)١893 -١8١8‬وقد‬ ‫قام نقدهما على "التس ـ ــليم بالص ـ ــلة العض ـ ــوية التى ال تنفص ـ ــم بين حياة األديب‬ ‫وأدبه‪ ،‬ووجوب رؤية أحدهما فى ض ـ ـ ـ ـ ـ ــوء اآلخر‪.‬وهذا المنهج يعنى بأمور فى‬ ‫مقـدمتهـا البحـث فى طريقـة عمـل ذهن الكـاتـب أو كيفيـة اكتمـال التجربـة األدبيـة‬ ‫لــديــه‪ ،‬وفى عمليــة امبــداع األدبى ذاتهــا‪ ،‬ومــا تحفــل بــه نفس األديــب من عــالم‪،‬‬ ‫يعى بعض ـ ــه وال يعى بعض ـ ــه اآلخر‪ ،‬ومدى تأثير ص ـ ــفاته المكتس ـ ــبة والموروثة‬ ‫على أدبه‪ ،‬وتأثير كل ذلك على حياته السـ ـ ـ ـ ــلوكية‪ ،‬ثم أثر كل ذلك على إنتاجه‬ ‫األدبى‪.‬فهذا المنهج ذو ش ـ ـ ـ ـ ـ ــقين يتحركان فى مرونة بين تحليل نفس األديب‪،‬‬ ‫وتحليل أدبه برؤية كل منها فى ض ــوء اآلخر واعتبارهما كما يقال وجهين لعملة‬ ‫(‪)18‬‬ ‫واحدة"‪.‬‬ ‫وقد كرس سـ ـ ـ ــانت بوف كل جهوده النقدية لد ارسـ ـ ـ ــة السـ ـ ـ ــيرة الذاتية لألدباء‬ ‫إيمانا منه بأن األدب نتان فرد‪ ،‬وأن ما يثبت لنا من خالل كتاب أو عمل أدبى‬ ‫ً‬ ‫ما إنما هو امنسان نفسه حياته وفكره وروحه‪.‬وبناء على ذلك ذهب بوف إلى‬ ‫(‪ )١8‬محمود الربيعى‪ :‬مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص األدبى‪ ،‬ص ‪.305‬‬ ‫‪38‬‬ ‫د‪.‬فاطمة عبد التواب بدوي‬ ‫قسم‪ :‬اللغات الشرقية وآدابها – المستوى الثالث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫اللغة العربية‬ ‫أن النقاد لن َيتَأتجى لهم الولون إلى عالم األدب الفس ـ ـ ـ ـ ــيح إال بما يش ـ ـ ـ ـ ــبه الحلول‬ ‫النقدى فى حياة األدباء‪ ،‬والتتبع المس ـ ــتقص ـ ــى لكل ص ـ ــغيرة وكبيرة س ـ ــاهمت فى‬ ‫تكوينهم وبنائهم الروحى‪ ،‬وهكذا راجت على يد بوف ص ـ ـ ـ ــناعة التراجم والس ـ ـ ـ ــير‬ ‫الـذاتيـة إلى الحـد الـذى أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحـت فيـه غـايـة فى حـد ذاتهـا‪ ،‬وتوارى األدب خلف‬ ‫التفاصيل الكثيفة لحياة مبدعيه‪.‬‬ ‫ولم يتوقف جهـد بوف على المنـاداة بمحـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة الكـاتـب وامحـاطـة بظروف‬ ‫حياته بدعوى تحقيق الموض ــوعية فى فهم األعمال وتفس ــيرها‪ ،‬بل حاول أي ً‬ ‫ضـ ـا‪،‬‬ ‫من باب الولع الزائد بش ـ ــخص المبدع‪ ،‬وض ـ ــع الش ـ ــعراء والكتاب فى مكانهم من‬ ‫حركة التاريخ الطبيعى لألس ـ ــر الفكرية‪ ،‬وكتابة ما يعتقد به ويس ـ ــعى إلى تحقيقه‬ ‫من تقسـ ـ ـ ـ ــيم المواهب األدبية إلى أسـ ـ ـ ـ ــر على نمط ما كان يفعل علماء الحيوان‬ ‫والنبات عندما يصـ ـ ـ ـ ـ ــنفون الحيوان والنبات فى فصـ ـ ـ ـ ـ ــائل ً‬ ‫تبعا لخصـ ـ ـ ـ ـ ــائصـ ـ ـ ـ ـ ــها‬ ‫"الفسيولوجية" المختلفة‪ ،‬ويجزم بوف بأنك إذا بحثت فى طبائع العقول المختلفة‪،‬‬ ‫تبين أنها "تنتمى إلى بعض نماذن وبعض أص ـ ــول رئيس ـ ــية‪.‬فمعرفة أحد كبار‬ ‫المعاصـ ـ ـ ـ ـ ـرين تشـ ـ ـ ـ ـ ــرح لك وتبعث أمامك طبقة من الموتى‪ ،‬لما بينه وبينهم من‬ ‫جميعا‬ ‫ً‬ ‫تش ــابه واض ــح‪ ،‬ومن وجود بعض خص ــائص لألس ــر الفكرية التى ينتمون‬ ‫فإلى هذا الحد كان ولع بوف بش ـ ــخص ـ ــية المبدع حيث أراد تص ـ ــنيفها‬ ‫(‪)19‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser