شعب من "األوز" - مقدمة في علم اللغة االجتماعي PDF

Document Details

HeavenlyRadium9127

Uploaded by HeavenlyRadium9127

Université Constantine 2

2020

ياسر بكر

Tags

علم اللغة الاجتماعي الوضع الاجتماعي مصر تحليل اجتماعي

Summary

يشكل كتاب "شعب من "األوز" - مقدمة في علم اللغة االجتماعي" دراسة معمقة للوضع الاجتماعي في مصر، متناولاً سلوكيات الشعب المصري وخصائصه، مع محاولة ربطها بطبيعة طائر األوز. يقدم الكتاب تحليلاً نقدياً للأوضاع الاجتماعية والسياسية، مستشهداً ببعض الوقائع التاريخية والاجتماعية.

Full Transcript

‫شعب من «األوز»‬ ‫‪..‬مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫ياسـر بكـر‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫‪..‬مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫ياسـر بكـر‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫(مقدمة في علم اللغة االجتماعي)‬ ‫ـ ‪E. Book‬‬ ‫ـ المؤلف ‪ :‬ياسر...

‫شعب من «األوز»‬ ‫‪..‬مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫ياسـر بكـر‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫‪..‬مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫ياسـر بكـر‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫(مقدمة في علم اللغة االجتماعي)‬ ‫ـ ‪E. Book‬‬ ‫ـ المؤلف ‪ :‬ياسر بكر‬ ‫ـ بلد النشر ‪ :‬مصر‬ ‫ـ تاريخ النشر ‪ :‬سبتمبر‪2020‬‬ ‫ـ عدد الصفحات ‪ 220:‬صفحة‬ ‫***‬ ‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ‪.‬‬ ‫في محل اإلهـداء ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــ‬ ‫‪..‬اللــهم أنت وليي فـي الدنيا واآلخــرة‪،‬‬ ‫‪..‬توفني مسلماً‪ ،‬وألحقني بالصالحين‪،‬‬ ‫‪..‬واجعل لي لسان صدق في اآلخرين‪..‬آمين ‪.‬‬ ‫ياسـر بكـر‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫مقدمة‬ ‫‪..‬مرة ثانية ُنعيد السؤال ‪:‬‬ ‫‪..‬ماذا حدث‪.. ،‬ويحدث للمصريين ؟!!‬ ‫‪..‬في المرة األولى تسألنا عما حدث‪.. ،‬ويحدث للمصريين في كتابنا‬ ‫بعنوان‪ «( :‬فئران المركب» ‪..‬دراسة في التاريخ االجتماعي)*(‪ ،)1‬كان التساؤل‬ ‫تحت تأثير حالة من الصدمة تُعرف بـ «صدمة الثقافة»‪ ،‬وصدمة الثقافة هى‪:‬‬ ‫«إزالة وتحريف للعديد من اإلشارات الخفية والمألوفة التي أعتاد الناس عليها‪،‬‬ ‫واستبدالها بإشارات خفية أخرى غريبة‪. ».‬‬ ‫‪..‬كان السبب في طرح السؤال وقوعنا تحت تأثير تلك الحالة من «صدمة‬ ‫الثقافة» مما أصاب المصريين من «التنمر» العقور في مواجهة مرضى‬ ‫كورونا بقطع المياه والكهرباء عن مساكنهم‪ ،‬ومحاولة إجبارهم على تركها‬ ‫دون مراعاة لحقوق الجيرة‪ ،‬ومنع عمال توصيل الخدمات من توصيل الطعام‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )1‬ياسر بكر‪« ،‬فئران المركب»‪..‬دراسة في التاريخ االجتماعي‪ E. Book ،‬ـ بلد النشر ‪ :‬مصر ‪2020‬‬ ‫‪7‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫والمشروبات والدواء إليهم‪.. ،‬وبلغت الوقاحة مبلغها حين قام بعض الجيران‬ ‫بمنع أطباء «مستشفيات العزل الصحي» من الدخول إلى بيوتهم في ساعات‬ ‫راحتهم‪ ،‬وهروب المغسلين وعمال دفن الموتى من أداء مهامهم‪ ،‬وكان السلوك‬ ‫األخطر هو امتناع األهل عن استالم جثامين ذويهم من شهداء كورونا من‬ ‫ثالجات المستشفيات؛ مما حدا بالنيابة العامة إلصدار أوامرها لفرق الطب‬ ‫الوقائي بتغسيلهم ودفنهم في مقابر الغرباء‪ ،‬وبلغت حدة الصدمة في رفض أهالى‬ ‫بعض القرى دفن شهداء كورونا في مقابر القرية؛ مما اضطر قوات األمن لدفن‬ ‫الجثامين بالقوة الجبرية وتحت سناكي السالح ووابل من قنابل الغاز‪ ،‬والقبض‬ ‫على مثيري الشغب!!‪..‬كانت تلك السلوكيات تنطوي في جوهرها على تحلل‬ ‫البنية اإلدراكية ألعظم حقيقتين وجوديتين هما الموت والحياة‪ ،‬وسقوط الجدار‬ ‫المقدس الذي كان يغلف الموت عند الشعب المصري منذ فجر التاريخ ‪.‬‬ ‫‪..‬كان المشهد كله تسوده حالة من التخبط واالرتباك والعشوائية تمثلت في‬ ‫ضعف المستوى العلمي والمهني واألخالقي لألطباء‪ ،‬وتدني أدائهم في ظل عدم‬ ‫وجود برتوكوالت عالج مؤكدة أو وسائل تشخيص مؤكدة‪ ،‬وزاد األمر سوء‬ ‫تردي المنظومة الطبية في مصر بصفة عامة‪ ،‬وسوء األحوال في المستشفيات‬ ‫الحكومية‪ ،‬واالستغالل البشع والجشع للمستشفيات الخاصة للمترددين عليها‬ ‫دون تقديم خدمة عالج حقيقية!!‬ ‫‪8‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫‪..‬ليس معنى وقوعنا تحت تأثير «صدمة الثقافة» أننا فقدنا الرشد وسقطنا‬ ‫في كارثة «خلط المفاهيم»‪ ،‬وأطلقنا العنان لعواطفنا وخياالتنا‪ ،‬وتخلينا عن‬ ‫الموضوعية والمناهج البحثية واألساليب العلمية الرصينة؛ فقد كنا ومازلنا‬ ‫أيضاً نحرص على تحمل المسئولية وأداء الواجب تجاه الوطن وناسه من أي‬ ‫وقت مضى ـ وكنا ومازلنا ـ حريصون على تسجيل الوقائع بالصوت والصورة‬ ‫وتوثيق الشهادات عبر «وسائط المالتي ميديا ‪ »MultiMedia‬و«البود‬ ‫كاست ‪ ،»Podcast‬وتصنيف البيانات العالئقية في جداول والبيانات غير‬ ‫العالئقية بما تحمله من قيم رئيسية في وثائق وصور ومستندات مع اإلفادة من‬ ‫مرونة المعلومات وقدرتها على التشكل ‪.‬‬ ‫‪..‬وخرج كتاب (« فئران المركب» ‪..‬دراسة في التاريخ االجتماعي) إلى‬ ‫النور يحمل توصيفاً علمياً مدققاً لما حدث للمصريين‪ ،‬ورد ما أل َّم بهم ألسبابه‬ ‫التي كشف عنها البحث وأهمها حالة «االغتراب» في الوطن‪.. ،‬وتطوع البعض‬ ‫بتوجيه النقد إلى ذلك الجهد العلمي‪ ،‬وواجهت األمر بشجاعة غير مكترث بذلك‪،‬‬ ‫لكوني موقن تمام اليقين أن الكتابة عمل انقالبي ضد قوى االستبداد والجهل‬ ‫والتجهيل والظلم والظالم واإلظالم والتعمية والتعتيم‪ ،‬ومن الطبيعي أن تنتفض‬ ‫تلك القوى للدفاع عن وجودها غير المشروع ومكتساباتها الحرام‪ ،‬وأيضا لم‬ ‫أعرالتلويح بالمنع والحجب والمصادرة اهتماماً؛ فتلك المحاوالت قد بال عليها‬ ‫الدهر‪ ،‬وألقى بها في مزابل التاريخ‪ ،‬وتجاوزتها تكنولوجيا العصر في زمن‬ ‫‪9‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫السماوات المفتوحة والكتابات العابرة للحدود ‪.‬‬ ‫في كتاب (« فئران المركب» ‪..‬دراسة في التاريخ االجتماعي) أجابنا‬ ‫على السؤال‪.. :‬ماذا حدث‪.. ،‬ويحدث للمصريين ؟!! في ضوء ما وضعه‬ ‫أمامنا فريق االستبيان والرصد الميداني وتوثيق الشهادات‪ ،‬وكان أخطر ما تم‬ ‫رصده أن الوطن صار أشبة بـ «المقبرة» أو بـ «مدن الملح» على حد تعبير‬ ‫عبد الرحمن منيف بمعنى غياب مالمح الحياة اإلنسانية في المجتمع المصري‪،‬‬ ‫وخلوه من روحها‪ ،‬وغياب مشاعر الود التي تجمع الناس عند التالقي‪ ،‬وتم‬ ‫إرجاع ذلك إلى أسباب عديدة أهمها ‪:‬‬ ‫فقدان التنظيم االقتصادي وت َغ ّول الدولة وابتالعها للمجتمع‪ ،‬وعدم المساواة‬ ‫في توزيع نقاط القوة والسلطة والثروة بين أفراد المجتمع‪ ،‬وافتراس المواطن‬ ‫بالمبالغة في فرض الضرائب والمغاالة في تحصيل الرسوم اإلدارية والغرامات‪،‬‬ ‫واالنتقاص من حقوقه في الصحة والتعليم‪ ،‬وقضم حقوقه في المشاركة السياسية‬ ‫والحصول على تمثيل عادل في المحليات والمجالس النيابية‪ ،‬وبات المواطن‬ ‫يفتقد األمن االجتماعي واالقتصادي في ظل تدني دخل االسرة المصرية بما ال‬ ‫يكفي لتلبية احتياجاتها الضرورية‪ ،‬ويفتقد األمن الشخصي فى ظل الممارسات‬ ‫المنبتة الصلة بصحيح القانون من ناحية‪ ،‬وأهمها التوسع في إصدار قرارات‬ ‫الحبس االحتياطي بال ضوابط ولفترات مفتوحة‪ ،‬واإلسراف في المحاكمات‬ ‫‪10‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫االستثنائية‪ ،‬وحرمان المواطن في كثير من األحيان من المثول أمام قاضيه‬ ‫الطبيعي !!‬ ‫‪..‬ومن ناحية أخري ضعف عوامل «الضبط االجتماعي»‪ ،‬وفقدان‬ ‫اإلحساس بـ «األمن الثقافي»‪ ،‬وعجز الثقافة السائدة في المجتمع المصري‬ ‫عن تحقيق اإلشباع الذاتي من الحاجات الثقافية‪ ،‬وانعدام قدرتها على توفير‬ ‫حاجاتها على االنتاج ومغالبة الندرة والحاجة‪ ،‬ورفع خطر الخوف من فقدان‬ ‫القيم الثقافية والرمزية التي تجيب عن مطالب المجتمع‪ ،‬وضعف قدرة المجتمع‬ ‫على االستمرار في طابعه األساسي في ظل ظروف متغيرة أو تهديدات فعلية‬ ‫عن طريق الحفاظ على مكونات الثقافة األصلية في مواجهة التيارات الثقافية‬ ‫الوافدة أي عجز المجتمع عن حماية وتحصين هويته من االختراق واالحتواء‬ ‫من الخارج‪.‬‬ ‫‪..‬الحديث عن «األمن الثقافي» ليس رفاهية؛ فهو من أهم دعامات األمن‬ ‫القومي بصفة عامة؛ فهو الذي يصوغ مقومات األمن السياسي واالقتصادي‬ ‫واالجتماعي والعسكري‪ ،‬وقد تراجع دور مصر ومكانتها كثيراً بعد انقالب‬ ‫يوليو ‪ 1952‬عندما تمت عسكرة الثقافة والدبلوماسية بما يخالف طبيعتهما‬ ‫ويتنافر مع سمت العسكرية‪ ،‬فاألمن الثقافي وحده هو القادر على انتاج حزمة‬ ‫اإلجراءات التي تهدف إلى خلق مجموعة من اإلجراءات واألفكار والقواعد‬ ‫‪11‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫والقوانين القابلة للتطبيق‪ ،‬والتي يجب تفعيلها للوصول إلى التنمية البشرية‬ ‫*(‪)2‬‬ ‫بمفهومها الشامل‪ ،‬وتحقيق االستقرار والحماية والقوة والحرية والتقدم ‪...‬‬ ‫‪..‬ومع استمرار األحوال في التردي وتفاقمها نحو األسوأ‪ ،‬وظهور‬ ‫مستجدات تزيد األمر سوءاً؛ في ظل ثقافة التجهيل والتعتيم والتعمية والقهر‬ ‫واإلفقار انهدمت في المجتمع قيم العدل والكرامة والحرية التي تعد قوام حياته؛‬ ‫‪..‬لذا نُعيد طرح السؤال ‪:‬‬ ‫‪..‬ماذا حدث‪.. ،‬ويحدث للمصريين ؟!!‬ ‫لماذا شعب من «األوز»‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫وقد اخترت العنوان ‪« :‬شعب من األوز»؛ لما توافر لدي من معرفة عن‬ ‫ذلك الطائر الداجن‪ ،‬واستقر في عقيدتي عن ثمة تشابة بين طبائعه الفطرية‬ ‫والسمات الغالبة على أخالقيات وسلوك شعب مصر؛ التي ورد بعضها في‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )2‬مقال وهيب بوسعدية‪ ،‬وحمود صبرينة بعنوان ‪« :‬األمن الثقافي في المفهوم والمهددات»‪ ،‬مجلة‬ ‫الباحث للدراسات األكاديمية‪ ،‬مجلة دولية محكمة نصف سنوية‪ ،‬الناشر ‪ :‬كلية الحقوق ـ جامعة باتنة ‪ ،‬العدد‬ ‫‪ 11‬ـ الجزائر ‪ 2017‬ـ ص ‪379‬‬ ‫‪12‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫الجزء األول من كتاب المقريزي ‪« :‬المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واألثار»‬ ‫في عبارة عن حال مصر وأهلها ليس لها من إسناد‪ ،‬وهي منسوبة إلى مجهول‬ ‫بعبارة (وقال آخر)‪:‬‬ ‫«نيلها عجب وأرضها ذهب وخيرها جلب وملكها سلب ومالها رغب وفي‬ ‫أهلها صخب وطاعتهم رهب وسالمهم شغب وحربهم حرب وهي لمن غلب)‪،‬‬ ‫وعن العبارة ‪(:‬وهي لمن غلب) يقول ابن خلدون في مقدمته ‪« :‬من معايب‬ ‫أهل مصر؛ أنهم يمرون على الحاكم المعزول فال يسلمون عليه‪ ،‬ويعيرونه‬ ‫بعزله»‪.‬‬ ‫فقد عرف المصريون القدماء طائر األوز باعتباره أحد هبات النهر‪ ،‬ونجحوا‬ ‫في استئناسه ليصبح من الطيور المنزلية الداجنة‪ ،‬ورسموا صورته على جدران‬ ‫المعابد‪ ،‬وارتأوا أن روح اإلله أمون قد تمثلت في ذكر األوز‪ ،‬لكن أحفادهم‬ ‫ارتأوا في األوز طائر مزعج كثير الجلبة والصياح الكاذب؛ فصار مضرب‬ ‫أمثالهم في الحنو الزائف وشح العطاء ‪« :‬مثل الوز ‪..‬حنية بال بز» ‪..‬أى حنو بال‬ ‫إطعام أو سقاء ‪..‬وتعاطف بال إرضاع أو رواء!!‪ ،‬وصار مضرب أمثالهم عن‬ ‫ادعاء البعض للوجاهة االجتماعية واصطناع الخيالء الزائف بقولهم ‪« :‬عامل‬ ‫زي قنصل الوز»‪.. ،‬ورغم السمات السلبية لخيالء األوز فقد استلهمتها بعض‬ ‫الجيوش في استعراضاتها حيث كان لجيش ألمانيا الهتلرية فى االستعراضات‬ ‫‪13‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫مشية يطلق عليها «مشية األوزة» ‪..‬الغريب أن الرئيس السادات بعد حرب‬ ‫اكتوبر ‪ ،1973‬وتغيير زي الجيش المصري‪ ،‬وتغيير مسمى «وزارة الحربية»‬ ‫إلى وزارة الدفاع قد قام في االحتفال بالذكرى األولى للنصر بأداء استعراض‬ ‫«مشية األوزة» فظهر وهو يتمخطر‪ ،‬ومن خلفه الفريق حسن التهامي بلحيته‬ ‫المميزة في مشهد أقرب إلى الهزل منه إلى الزهو باالنتصار؛ بما حمل رسالة‬ ‫واضحة وهى ‪« :‬خروج مصر من دائرة المطالبة الجادة بالحق العربي في‬ ‫فلسطين»‪ ،‬وأن مصر قد انهت «صراع الحدود» مع إسرائيل‪ ،‬ولم تتخذ التدابير‬ ‫الكافية لـ «تحديات البقاء والوجود»!!‬ ‫أصل الداء ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬كان أخطر ما واجهته مصر بعد حرب أكتوبر ‪ 1973‬تصنيفها‬ ‫باعتبارها «دولة طرفية ‪ »Peripheral state‬تحتل موقعاً ضعيفاً في التقسيم‬ ‫الدولى للعمل*(‪ ،)3‬وألن التقسم الدولي للعمل يتناسب طردياً مع الكثافة األخالقية‬ ‫بما يحقق جودة المنتج ووفرته ورخص سعره*(‪)4‬؛ عبر مفهوم اقتصادي يعني‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫*(‪ )3‬مفهوم اقتصادي يعني اختصاص كل بلد في إنتاج المواد التي يتوفر فيها على ميزة تفاضلية‪ ،‬أي القادر‬ ‫على إنتاجها بأقل كلفة من البلدان األخرى‪ ،‬وذلك سعيا لتخفيض أعباء اإلنتاج عالميا‪.‬‬ ‫*(‪ )4‬د‪.‬نزيه نصيف األيوبي‪ ،‬الدولة المركزية في مصر ‪ ،‬ط‪ ١‬ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت‬ ‫‪١٩٨٩‬ـ ص ‪144‬‬ ‫‪14‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫اختصاص كل بلد في إنتاج المواد التي يتوفر فيها على ميزة تفاضلية‪ ،‬أي‬ ‫القدرة على إنتاجها بأقل تكلفة من البلدان األخرى‪ ،‬وذلك سعيا لتخفيض أعباء‬ ‫اإلنتاج عالميا‪ ،‬وهو أمر مفتقد في مصر نتيجة تركمات كثيرة من انهيار‬ ‫منظومة التعليم وعدم إعداد الفرد إعداداً جيداً للحياة؛ بما ال يهيئ لمصر‬ ‫الفرصة في اقتصاد قوي؛ بما جعلها أمام حتمية السير في طريق «االنفتاح»‬ ‫واالتجاه إلى االقتصاد الحر‪ ،‬والتخلى عن سياسة «المواطنين عيال الدولة»‪،‬‬ ‫وتفكيك األمبراطورية الضخمة للقطاع العام‪ ،‬وبيع منشأته‪ ،‬وتسريح «العمالة‬ ‫الفاسدة» التي تكونت على مدى أربعة عقود‪ ،‬والتي قضت كل حياتها في‬ ‫الوسط الصناعي أو التجاري‪ ،‬ولما كان هذا الوسط ال تسوده األخالق العالية؛‬ ‫فإن القسم األكبر من حياتهم قد انقضى بعيداً عن كل تأثير أخالقي‪ ،‬وخاصة أن‬ ‫تلك الفئات قد تعودت أن تحصل في مقابل «الوالء» على المكاسب الضخمة‬ ‫دون تقديم إنتاج حقيقي!!‬ ‫‪..‬ومع تحول مصر إلى سياسة «االنفتاح االقتصادي»‪ ،‬وما انتجته من نمط‬ ‫«االستهالك المتوحش» في ظل فساد الطبقة العاملة المصرية دخلت مصر إلى‬ ‫دوامة من االنهيار‪..‬ولم تستطع الخروج منها إلى اآلن !!‬ ‫وفرض على البالد قانون الطوارئ عشية اغتيال الرئيس السادات‬ ‫‪ُ..‬‬ ‫ومازال سارياً حتى األن‪ ،‬مما سهل على الدولة وضع المواطنين الحقا أمام‬ ‫‪15‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫حتميتين ‪« :‬إما الخصخصة أو الموت جوعاً»‪.‬‬ ‫‪..‬وفي ظل نظام الخصخصة تم تسريح «جحافل العمال والموظفين» من‬ ‫المصانع والشركات والكثير من أجهزة الدولة لينضموا تحت مسمى «عمالة‬ ‫زائدة» إلى قطاع الخدمات بأجور متدنية جعلت سلوكهم أقرب إلى أخالقيات‬ ‫البلطجية واللصوص والمحتالين والمتسولين في ظل انخفاض دخل األسرة بما‬ ‫جعلهم يفقدون األمن االجتماعي واألمن االقتصادي!!‬ ‫كل الشواهد تشير إال أننا مجتمع في أزمة‪ ،‬وأن ممارسة أفراد هذا‬ ‫المجتمع ألخالق األزمة أنتج سلوكيات تتمثل في أن أصبح كل فرد سجينا‬ ‫داخل جلده ويمارس الال مباالة واألنا مالية والتدين القشري الظاهري دون‬ ‫أن يكون له مردود أخالقي في السلوك‪ ،‬فال حرج من ممارسة الكذب والنفاق‬ ‫وتقاضي الرشوة دون إحساس بالذنب؛ فالذين يمارسون ذلك النوع من التدين هم‬ ‫الكذابون بمنتهى الصدق والغشاشون بمنتهى الضمير والنصابون بمنتهى االمانة‬ ‫والخونة بمنتهى االخالص والداعمون ألعداء الوطن بكل سخاء والمخربون‬ ‫لبلدانهم بكل وطنيه‪ ،‬وهم ال يدافعون عن دينهم إال إذا تأكد لهم أنه لن يصيبهم‬ ‫أذى من ذلك‪ ،‬ويوظفون النصوص الشرعية ألغراض السياسة وخدمة رأس‬ ‫المال واجتالب المنافع‪ ،‬ويحولون النص الديني إلى ساحة للعراك السياسي‬ ‫على المصالح الضيقة؛ بما ال يمنع من الغش والكذب واللصوصية والتزوير‬ ‫وأكل حقوق الغير بالباطل ‪..‬ال يخجلون من الكذب وال يستحون من العيب‪.. ،‬‬ ‫‪16‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫ويفصـلون بين المعامالت وال ِعـبادات‪ ،‬ال يجدون جرحاً في عدم االتـساق بين‬ ‫ِ‬ ‫أقوالهم وأفعالهم‪ ،‬وقد أفادت تقارير بعض الجهات الرقابية إلى أن الفساد ِّ‬ ‫يشكـل‬ ‫ّ‬ ‫موظـفي‬ ‫ظاهرة وأصبح سلوكاً يومياً‪..‬وارتفعت ِنـسبة تقاضي الرّ شوة بين‬ ‫الدولة‪ ،‬ووصلت إلى ‪ !!%55‬في ظل ثقافة تروج للمثل القائل ‪« :‬يكرهون‬ ‫الحرام‪ ،‬ويحبوا يغمسوا في مرقته!!»‪..‬يتساوى في هذا سكان «العشوائيات»‪،‬‬ ‫وسكان « الكمبوندات»‪.‬‬ ‫‪..‬بما يعني أن المنظومة القيمية في المجتمع المصري أصبحت قيما ما ِدية‬ ‫بما قلل من معايير الثقة بين الناس‪ ،‬وأن منظومة العدالة االجتماعية قد شهدت‬ ‫خلال غير مسبوق؛ فزادت حاالت الفساد والرغبة في الكسـب المادي السريع‪،‬‬ ‫سواء من خالل تقديم الخدمات المجانية في الهيئات الحكومية بمقابل مادي‪،‬‬ ‫وهو ما يعرف بالرشوة التي يتم إطالق مسمى «اإلكرامية» أو «الشاي» ـ على‬ ‫حد تعبير سفهاء المصريين ـ في إطار التالعب باللغة وتطويعها الستيعاب‬ ‫السلوكيات المستحدثة بما يحقق قبول الراشي ورضا المرتشي !!‬ ‫‪..‬كانت التغيرات متنوعة ومتسارعة وال حصر لها وال تحيط بها‬ ‫األوراق والدفاتر والتقارير‪.. ،‬فإذا سرت على قدميك في شوارع القاهرة لمدة‬ ‫ساعة ستكتشف بعض مظاهر االنحطاط األخالقي الذي يتمثل في غياب مفهوم‬ ‫«المصلحة العامة»؛ فـ ‪ % 60‬تقريباً من شوارع القاهرة تقريبا تشغلها المقاهي‬ ‫‪17‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫والمطاعم‪ ،‬ولم تعد ألرصفة المشاة فيها وجود‪ ،‬والجراجات العشوائية في‬ ‫الشوارع التي يسيطر عليها البلطجية برعاية فاسدين من مسئولي األحياء وأفراد‬ ‫من الشرطة‪.. ،‬وجميع التعامالت خاضعة للجشع وقلة الذوق والمساومة‪.. ،‬‬ ‫والمسألة تتوقف على الشطارة سواء مع بائعي السلع أو مقدمي الخدمات من‬ ‫أمثال مكارية العصر «سائقي التاكسي»!!‪.‬‬ ‫‪..‬ومع فقدان التنظيم االقتصادي كان البد أن تمتد آثاره إلى ما بعد العالم‬ ‫االقتصادي نفسه ليخلف بعده تدنياً في مستوي األخالق العامة*(‪)5‬؛ بما ترتب‬ ‫عليه حالة من «الفوضى المرضية» كانت مصدراً من مصادر «التضعضع‬ ‫العام» في المجتمع!!‬ ‫***‬ ‫‪..‬هذا ما حدث للمصريين !!‬ ‫‪..‬وهللا الموفق والمستعان ‪.‬‬ ‫ياسر بكر‬ ‫األسكندرية ـ ‪ 1‬سبتمبر ‪2020‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫*(‪ )5‬إميل دوركهايم ‪ ،‬في تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬ترجمة ‪ :‬حافظ الجمالي‪ ،‬مجموعة الروائع اإلنسانية‬ ‫السلسلة العربية ـ بيروت ‪١٩٨٢‬‬ ‫‪18‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــ‬ ‫ُ‬ ‫جمتمع «الفرجة»!!‬ ‫‪19‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫‪..‬مجتمع «الف ُرجة» ؟!!‬ ‫‪..‬مجتمع «الف ُرجة» ‪..‬هو المجتمع الذي يكتفي بالمشاهدة دون‬ ‫المشاركة أو االشتباك مع الواقع والتفاعل معه !!‪.‬‬ ‫‪..‬مجتمع «الف ُرجة» ‪..‬هو «المجتمع الجاهل» الذي يجأر بالشكوى‬ ‫ً‬ ‫حلوال لمشاكله؛ بما يجعله جزءً من‬ ‫من أوضاعه وأوجاعه‪ ،‬وال يطرح‬ ‫المشكلة!!‬ ‫مجتمع «الف ُرجة» هو المجتمع الذي اختفت فيه فضيلة «الجماعية»‪،‬‬ ‫وسادت فيه روح «الفردية» فتحول من مجتمع متراحم ومتضامن إلى‬ ‫مجموعة شراذم تبحث عن مصالحها الفردية‪ ،‬وتعتبر حب النفس فضيلة‬ ‫وليس رذيلة‪.‬‬ ‫‪..‬مجتمع «الف ُرجة» هو مجتمع المدن المصرية التي صارت أقرب إلى‬ ‫«حدائق حيوانات بشرية ‪.. »The Human Zoo‬تسودها العدوانية‬ ‫‪20‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫والعنف والبلطجة واالنفجار الجنسي والتحرش الجنسي واألنانية والفساد‬ ‫البنيوي الضارب الجذور في التاريخ!!» أو إلى «مقابر» أختفت فيها مالمح‬ ‫الحياة اإلنسانية !!‬ ‫‪..‬مجتمع «الف ُرجة» هو المجتمع السائد في القرى المصرية التي تحولت‬ ‫إلى ُ‬ ‫«الفرجة» فقط دون مشاركة فاعلة؛ فغيابهم عن أداء الواجب االجتماعي‬ ‫صار بال أعذار‪.. ،‬وحضورهم أصبح بال فائدة‪ ،‬ودائما ما يقتصر تضامنهم‬ ‫على الواجبات المجانية «غير المكلفة»!!‪..،‬مرجعيتهم حالة من «التنطع»‬ ‫تستند إلى موروثات شعبية بكل تنقضاتها وإلى االحتكام إلى «الورع الكاذب»‬ ‫و«الفتاوى الفاسدة» بعد المد الوهابي الذي ابتليت به مصر في السبعينيات‬ ‫من القرن الماضي!!‬ ‫القرية المصرية تمثل «جحيم مستعر» أضالعه ثالوث من «الفقر‪ ،‬الجهل‪،‬‬ ‫والمرض»‪ ،‬وصار الخروج منه يمثل حلماً لمن يعيشون فيها‪ ،‬وزاد أوضاعها‬ ‫سو ًء خروج العناصر الواعدة التى كان من الممكن أن تقود عملية التغيير‪ ،‬وبقى‬ ‫أراذل الناس من «شرار البقر» على «مذاود القرية» تعيث فيها فساد‪ ،‬وتنشر‬ ‫ثقافة التخلف ونكران حقوق اآلخر ‪.‬‬ ‫‪..‬كان مصطلح «أخالق القرية» من أخطر أكاذيب الخداع التي تم الترويج‬ ‫‪21‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫لها بعد انقالب ‪ 23‬يوليو ‪1952‬؛ فقد كان كل ضباط االنقالب من أصول‬ ‫ريفية‪ ،‬وكانوا ال ينتمون إلى أسر ذات تاريخ ومجد عسكري قديم‪ ،‬بما دفعهم‬ ‫إلى محاولة تدعيم شرعيتهم بالعزف على االنتماء للقرية‪ ،‬واإلشادة بـ «أخالق‬ ‫القرية»‪ ،‬وهو واقع ال تسانده الحقائق والدراسات الصادرة عن المركز القومي‬ ‫للبحوث االجتماعية والجنائية!! ‪.‬‬ ‫في «مجتمع ُ‬ ‫الفرجة» كل أعراض الخطر وشواهده تهدد بضياع «الهوية»‪،‬‬ ‫والهوية هي مجموعة الصفات والسمات التي يُعرف بها شعب ويُعرّ ف بها !!‪،‬‬ ‫وأول مقومات الهوية هي «اللغة»‪ ،‬وقد ظهرت األعراض في حالة االغتراب‬ ‫والتفكك اللغوي واالضطراب التواصلي في لغة الشارع والفتات المحالت‪،‬‬ ‫تلك الحالة التي أطلق عليها د‪.‬حسن ظاظا ‪«:‬التسمم اللغوي»‪ ،‬وتلك الحالة‬ ‫تبدأ بتسرب رشح دخيل من لغات أخرى تحتاج إليه اللغة فتتقبله‪ ،‬بل تحس مع‬ ‫تعاطيها له في البداية بمزيد من االنتعاش والقوة والنشاط يشجعها على تقبل‬ ‫جرعات أكبر فأكبر من هذا الدخيل‪ ،‬ولكن قدرتها على هذا كله واستيعابه في‬ ‫بنيتها العامة تخونها في النهاية؛ فتسقط من اإلعياء تاركة المجال للبقية الباقية‬ ‫من الدخيل تتسرب إليها بدون أي مقاومة حتى تجهز عليها وتميتها ‪. )1(*.‬‬ ‫‪..‬وغلبت «األنا»‪.. ،‬وغابت «النحن»؛ بما ينذر بـ «تحلل البنية المجتمعية»‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫* (‪ )1‬د‪.‬حسن ظاظا‪ ،‬اللسان واإلنسان‪..‬مدخل إلى معرفة اللغة‪ ،‬مكتبة الدراسات اللغوية ـ عدد ‪ ، ١‬دار القلم‬ ‫‪ ،‬دمشق ـ الدار الشامية ‪ ،‬بيروت ـ ط‪1990 ٢‬م ـ ص ‪118‬‬ ‫‪22‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫و«خراب العمران»؟!!‪.. ،‬وساد نمط من الفكر يتم الترويج له في أوساطهم‬ ‫للتشجيع على «استحسان الرداءة»‪ ،‬وقبول «القيم السلبية»‪ ،‬ونشر سحابة‬ ‫سوداء من الكآبة وعدم االكتراث والتبرم في سماء الوطن!!؛ بما يعني غرس‬ ‫قيم دخيلة في نظام القيم السائدة في المجتمع وتضخيم هذه القيم‪ ،‬بما يعنى‬ ‫إضعافا لتلك القيم العليا التاريخية‪ ،‬وإحالتها إلى مستوى القيم الفرعية التابعة أو‬ ‫الثانوية من خالل استخدام «خداع اللغة» وجاذبية «القيم» و«الرموز» الزائفة‬ ‫التي تم الترويج لها عبر آليات «الدعاية السوداء» ‪.‬‬ ‫‪..‬كانت الصعوبة دائماً أن البحث في «التاريخ االجتماعي للمصريين» كما‬ ‫أكدت مراراً وتكراراً في أكثر من مناسبة وموضع ودراسة أقرب إلى الدخول‬ ‫إلى المتاهة لكونه مثل حلقة كبيرة مُحكمة مكوناتها خليط من أجناس مختلفة‬ ‫من «هجين البشر» عبر التاريخ ـ يصعب حصرها ـ بين غازي ومستوطن‬ ‫ومار وثقافات كثيرة من «البزرميط» بعضها عابر وبعضها يعيش في الذاكرة‬ ‫ويسكن في الوعي الجمعي و«يعشش» في نسيج العادات والتقاليد وصار جزءاً‬ ‫من السلوك اليومي إلى يومنا هذا ‪..‬بعض هذه الظواهر تم تفسيره‪ ،‬وبعضها‬ ‫اآلخر قابل للتفسير ‪..‬وبعضها لم يفلح فطاحل العلماء في ايجاد تفسير مقبول‬ ‫له ‪..‬على سبيل المثال‪ :‬كيف تحول (حرف القاف) في اللغة العربية إلى حرف‬ ‫(األلف) في العامية المصرية؟!!‬ ‫‪23‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫‪..‬حلقة ال نعرف أين نقطة البداية فيها ‪..‬النقطة التي تمنحنا مساهمة عادلة‬ ‫في الحصول على بدايات ومنطلقات علمية وتاريخية وعملية ومنطقية للبحث‪.‬‬ ‫لذا نحاول التوسل في بحثنا هذا بـ «علم اللغة االجتماعي» إلدراك حقائق‬ ‫المجتمع‪ ،‬وفهم «إشكالياته»‪ ،‬وفض مغاليق تشابكاته ومتشابهاته وعالقاته‬ ‫وتقاطعاته علنا نصل إلى إجابة للسؤال في إطار منهج يعتمد على جمع المعطيات‬ ‫وإيجاد الصالت البنيوية فيما بينها‪ ،‬وفحص وتمحيص العالقات والعالئق‪،‬‬ ‫وتصنيف البيانات العالئقية والبيانات غير العالئقية ووضع الفرضيات المحتملة‬ ‫أو المتخيلة أو المتوهمة واخضاعها للمناهج المناسبة في محاولة للوصول إلى‬ ‫نظرية يمكن من خاللها حل ما استشكل علينا أو غاب عنا‪ ،‬وفهم ما صعب‬ ‫علينا‪ ،‬واالنطالق إلى المزيد من المعرفة والبحث العلمي ‪.‬‬ ‫‪..‬و«اللغة االجتماعية» هي التي تعني بدراسة السياقات االجتماعية التي‬ ‫تكتسب فيها اللغة وتستخدم‪ ،‬و«علم اللغة االجتماعي» هو الذي يعني بالعالقة‬ ‫بين اللغة والمجتمع‪ ،‬والذي وضع أساسه ابن خلدون في إطار سد الفجوة بين‬ ‫«علم اللغة العام» الذي يُعني ببناء اللغة بصفة عامة و«علم االجتماع» الذي‬ ‫يُعنى بدراسة العالقات االجتماعية‪ ،‬والعوامل المؤثرة في األفراد‪ ،‬والجماعات‬ ‫المتواجدة داخل المجتمع الواحد‪ ،‬والمجتمعات األخرى‪ ،‬فهو يدرس السلوك‬ ‫العام للمجتمع‪ ،‬وبعده الفكري‪ ،‬أو المعنوي في تفاعالت األفراد فيما بينهم‪،‬‬ ‫‪24‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫وطرق التعبير عن قناعاتهم وآرائهم‪.‬‬ ‫«علم اللغة االجتماعي»‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫وإذا كان لعلم االجتماع جوانب كثيرة وميادين مختلفة يقوم بدراستها كـ‬ ‫(علم االجتماع السياسي وعلم االجتماع االقتصادي وعلم االجتماع الصناعي‬ ‫وعلم االجتماع األدبي)؛ فإن اللغة تعد وجهاً من أوجهه اهتماماته؛ فهو يدرسها‬ ‫من خالل العالقة القائمة بين هذا الثالوت المتشكل بين اللغة والفرد أواألفراد‬ ‫والمجتمع‪ ،‬ويسمى هذا العلم «علم اللغة االجتماعي»‪.‬‬ ‫يُطلق على «علم اللغة االجتماعي» مسميات إصطالحية مختلفة منها‬ ‫«اللسانيات ااالجتماعية» أو «علم االجتماع اللغوي» أو «علم اللغة‬ ‫االجتماعي» أو «السوسيولسانيات» كلها مسميات لذلك العلم الذي يدرس‬ ‫اللغة في ضوء علم االجتماع أو يربط بين الملفوظ اللغوي بسياقة التواصلي‬ ‫واالجتماعي والطبقي‪ ،‬وهو حقل من حقول علم اللغة مهمته دراسة التنوعات‬ ‫واالختالفات في لغة واحدة أو أكثر‪ ،‬وهو يسعى إلى فهم اللغة كما هى موجودة‬ ‫بالفعل‪ ،‬أى دراسة اللغة وعالقتها بالمجتمعات التي تكون فيها؛ فهى تحاول‬ ‫اإلجابة على السؤال ‪(:‬من يتحدث ؟ ماذا ؟ وأين ؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟)‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫يعرف فيشمان «علم اللغة االجتماعي» ‪:‬‬ ‫«علم يبحث التفاعل بين جانبي السلوك اإلنساني ‪ :‬استعمال اللغة والتنظيم‬ ‫االجتماعي للسلوك ‪. ».‬‬ ‫ويرى البوف ‪:‬‬ ‫(أن الهدف من «علم اللغة االجتماعي» هو فهم بنية وتطور اللغة ودورهما‬ ‫في السياق االجتماعي الذي شكلة المجتمع اللغوي‪ ،‬وال توجد دراسة للغة ما‬ ‫دمنا ال نأخذ بعين االعتبار دراسة البيئة االجتماعية لألشخاص المتحدثين‬ ‫بها؛ فالبوف يحاول ربط طرق الكالم مع المتغيرات االجتماعية أى ربط كل‬ ‫متغير لغوي مع سبب خارج عن اللغة ‪ Linguistics‬والمتمثلة في (الطبقة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬الجنس‪ ،‬السن‪ ،‬الموطن‪ ،‬العرق‪ ،‬مواقف المتحدثين‪ ،‬ظروف‬ ‫االتصال) أو ربط كل مجموعة من المتغيرات اللغوية إلى واحد أو أكثر من‬ ‫‪)2(*.).‬‬ ‫المتغييرات االجتماعية‬ ‫ولقد أهدى ابن خلدون إلينا نصيحة غالية مقدمة في مقدمة كتابه الموسوم‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )2‬مقال د‪.‬عبد القادر على زروقي بعنوان ‪« :‬الجماعات اللسانية من منظور «علم اللغة االجتماعي»‬ ‫‪..‬دراسة في المفهوم وآلية البحث ‪ ،‬مجلة الباحث في العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬الناشر جامعى قاصدي‬ ‫مرباح ورقلة كلية اآلداب واللغات ـ العدد ‪ 35‬ـ الجزائر‪ ،‬سبتمبر ‪ 2018‬ـ ص ‪995‬‬ ‫‪26‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫بـ‪«:‬العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم‬ ‫من ذوي السلطان األكبر»‪:‬‬ ‫«ال تثقن بما يلقى إليك من ذلك وتـأمل األخبار واعرضها على القوانين‬ ‫الصحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه‪.».‬‬ ‫‪..‬وألن األنانية ‪ Egotism‬أخطر أعراض المرض في المجتمع المصري‬ ‫وأبرز السمات األكثر وضوحاً في االنحالل الفكري واألخالقي الذي يتفشى‬ ‫بين أفراده سنبدأ بتركيز الضوء عليها في ظل غلبة المصالح الفردية وتغييب‬ ‫المصلحة العامة ‪.‬‬ ‫يرى عالم االجتماع ماكس نورداو أن «األنانية» ‪:‬‬ ‫«هي إحدى السمات األكثر وضوحاً في االنحالل الفكري واألخالقي؛‬ ‫فالمنحط أخالقيا ال يعرف‪ ،‬وال يهتم بأن يعرف أي شئ سوى عن نفسه ولديه‬ ‫مهمة واحدة أال وهي إرضاء شهواته‪ ،‬واعتبر نورداو الشخص المنحط أخالقيا‬ ‫عاجزاً عن تحقيق الدرجة من تطوير نفسه أي الخروج التلقائي من الحدود‬ ‫الفردية المصطنعة‪ ،‬بمعنى أخر إلى ‪ :‬اإليثار ‪ Altruism‬بالنسبة إلى العالقة بـ‬ ‫طفال طوال حياته‪ ،‬ونادراً ما‬ ‫ً‬ ‫«الذات والال ذات»؛ فالرجل المنحط أخالقيا يظل‬ ‫‪27‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫يقدر أو حتى يدرك العالم الخارجي‪ ،‬ويشغل نفسه فقط بالعمليات العضوية في‬ ‫جسمه‪ ،‬إنه أكثر من أناني‪ ،‬أناني معتوة ‪.)3(*».‬‬ ‫يقول نورداو في كتابه بعنوان «الفساد األخالقي ‪:»Degeneration‬‬ ‫«إن الفساد األخالقي هو سلوك «أخر الزمن» ‪..‬إن السواد األعظم من‬ ‫الطبقات الوسطى والطبقات الدنيا ليسو في أخر الزمن بمقتضى ضعف مراكزهم‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وقدرتهم على التأثير‪ ،‬ويعتقد أن االنحالل يبدأ من قمة المجتمع‪،‬‬ ‫وأن االنحالل الذي بدأ بالطبقات المنتقاة «النخبة» كان أشنع صور االنحالل‬ ‫التي شهدها التاريخ‪.)4(*».‬‬ ‫ومصطلح «أخر الزمن» من األدبيات الفرنسية للتعبير عن مضمون نظرية‬ ‫فرنسيس بيكون ‪« :‬دورة الحضارة» الذي كان يرى ‪«:‬إن منتهى المدنية هو‬ ‫الرجوع إلى البدائية»‪ ،‬وأن الحضارة تبدأ طفلة ويشتد عنفوانها إلى أن تصيبها‬ ‫الشيخوخة فتضعف وتذبل ويصيبها الوهن لتنتهي إلى الهمجية‪.. ،‬وهو تصور‬ ‫به الكثير من االلتباس في التفريق بين الحضارة والمدنية!!‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )3‬ب‪.‬ج‪.‬براندر‪ ،‬ترجمة وتقديم ‪ :‬هاشم أحمد محمد ‪ ،‬رؤية الفوضى ‪..‬استطالعات عن انحسار الحضارة‬ ‫الغربية ‪ ،‬المركز القومي للترجمة ـ العدد ‪ ،2493‬ط ‪ 1‬ـ مصر ‪ 2016‬ص ‪62‬‬ ‫ (‪ )4‬اسماعيل مظهر ‪ ،‬معضالت المدنية الحديثة‪ ،‬الناشر مؤسسة هنداوي‪ ،‬المملكة المتحدة ‪ 2017‬ـ ص‬ ‫‪127‬‬ ‫‪28‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫***‬ ‫ما السبب فيما يعانيه المصريون من «الخواء االجتماعي»‪ ،‬و«االنهيار‬ ‫الحضاري»‪ ،‬وضعف «األمن الثقافي» في مواجهة ذلك السيل الجارف من‬ ‫الخصوصيات الثقافية الجديدة والدخيلة؟!!‪ ،‬وما السبب في انعدام القدرة على‬ ‫مواجهة «تشوهات العمران» الموصومة بالتلوث البصري والعشوئيات‬ ‫و«أمراض الترييف» و«أمراض التمدين»؟!!‪ ،‬وما السبب في انعدام‬ ‫«المواطنة الناشطة» التي تستطيع استعادة «الدولة المختطفة»‪ ،‬وتقويم‬ ‫«الدولة الفاشلة»!!‪.‬‬ ‫العرب والمصريون ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬جزء كبير من اإلجابة على تلك األسئلة يكمن في طرح تساؤلين ‪:‬‬ ‫التساؤل األول ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬هل العرب «ظاهرة صوتية» ؟!!‪.. ،‬بمعنى أنهم «دواجن» يتصايحون‬ ‫‪29‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫طلباً لـ «العلف ومُشبعات الغرائز والشهوات ‪..‬يعشقون الجنس‪ ،‬ويأكلون‬ ‫الضأن‪ ،‬ويرون أن اللحم فاكهة العرب»‪ ،‬ويصرخون هلعاً من «مذابح الخديعة»‬ ‫التي جلبتها تحديات العصر (االغتيال االقتصادي ـ الحروب السيبرانية ـ‬ ‫الحروب البيلوجية) ‪..‬يقولون ما ال يفعلون وال يقدرون على فعله !!؛ فقد‬ ‫ظلوا يتحدثون بضجيج عن أمجادهم وانتصاراتهم الخطابية حتى حسبوا أن ما‬ ‫قالوه قد فعلوه‪ ،‬وأنه لم يبق شيء عظيم لم يفعلوه لكي يفعلوه!!؛ ‪..‬فقد اسقطتهم‬ ‫الشهوات واألطماع والخيانة و«الزعامات الوهمية» و«األخبار المطبوخة»‬ ‫و«األحداث المفتعلة» في بقعة «معتمة من التاريخ» أصابتهم بحالة من لوثة‬ ‫الفكر وعتامة الرؤيا جعلتهم أسرى «اإلرباك ‪..‬والصياح العاجز ‪..‬والصمت‬ ‫الجبان‪..‬والتبعية المُهينة» !!‪ ،‬ولم يبق أمامهم ـ للتعويض النفسي ـ سوى أشعار‬ ‫العنتريات وأساطير البطوالت ورقصة «الدبكة» الشامية‪ ،‬و«الجنادرية»‬ ‫البدوية ولعبة «التحطيب» الريفية !! ‪..‬ربما ‪.‬‬ ‫حالة أوضحها معروف الرصافي بقوله ‪:‬‬ ‫كــان لي وطــن ابكي لنكبته ‪..‬واليوم ال وطـن لي وال ســكن‬ ‫وال أرى في بالد كنت اسكنها ‪..‬اال حـثالة ناس قـاءها الزمن‬ ‫وأبرز أخطر قضاياها مظفر النواب في قصيدته بعنوان ‪« :‬القدس عروس‬ ‫عروبتكم» ‪:‬‬ ‫« القدس عروس عروبتكم؟؟‬ ‫‪30‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫فلماذا أدخلتم كل زناة الليل حجرتها‬ ‫ووقفتم تسترقون السمع وراء االبواب لصرخات بكارتها‬ ‫وسحبتم كل خناجركم‪ ،‬وتنافختم شرفا‬ ‫وصرختم فيها ان تسكت صونا للعرض؟؟؟!‬ ‫فما أشرفكم‬ ‫أوالد (‪ )...‬هل تسكت مغتصبة؟؟؟‬ ‫أوالد (‪)...‬‬ ‫لست خجوال حين اصارحكم بحقيقتكم‬ ‫إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم‬ ‫تتحرك دكة غسل الموتى‬ ‫أما انتم‬ ‫ال تهتز لكم قصبة !!»‬ ‫وأوجزها نزار قباني بقوله ‪:‬‬ ‫«حربهم شائعة‪.. ،‬وسيفهم خشب‪.. ،‬‬ ‫وعشقهم خيانة‪.. ،‬ووعدهم كذب‪»..‬‬ ‫وعن حالة االدعاء المرضي والصلف العربي يقول أحمد فؤاد نجم ‪:‬‬ ‫«إيه يعني فى العقبه جرينا‪..‬‬ ‫‪31‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫وال ف سينا‬ ‫هى الهزيمه تنسينا‪..‬‬ ‫إننا احرار‬ ‫إيه يعني شعب ف ليل ذلة‪..‬‬ ‫ضايع كله‬ ‫دا كفاية بس أما تقول له‪..‬‬ ‫إحنا الثوار‪».‬‬ ‫***‬ ‫يؤكد ابن خلدون في عدة فصول من مقدمة كتابه الموسوم بـ ‪« :‬العبر‬ ‫وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي‬ ‫السلطان األكبر» انطباعاته عن العرب ‪:‬‬ ‫ أن العرب ال يتغلبون إال على البسائط بمعنى أنهم بطبيعة التوحش التي‬ ‫خطر‪)5(*.‬‬ ‫فيهم أهل انتهاب ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة وال ركوب‬ ‫الخراب*(‪)6‬‬ ‫ أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )5‬أبو زيد ولى الدين عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون ‪« ،‬العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب‬ ‫والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر»‪ ،‬طبعة مصححة اعتني بإخراجها‪ ،‬وألحق بها‬ ‫فهارس لألحاديث وللموضوعات أبو صهيب الكرمي‪ ،‬بيت األفكار الدولية ‪ ،‬عمان ـ األردن «بدون تاريخ»‬ ‫ـ ص ‪77‬‬ ‫ (‪ )6‬ابن خلدون ‪ ،‬مرجع سابق ـ ص ‪78‬‬ ‫‪32‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫(‪)7‬‬ ‫ ان العرب أبعد الناس عن السياسة والملك*‬ ‫األقل*(‪)8‬‬ ‫ أن المباني التي كانت تختطها العرب أسرع إلى الفساد إال في‬ ‫*(‪)9‬‬ ‫ أن العرب أبعد الناس عن الصنائع‬ ‫التساؤل الثاني ‪:‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬هل المصريون مثل «األوز» كثيرو الصخب ‪..‬قليلو العطاء ‪..‬ضعاف‬ ‫الهمة والعزم واإلنجاز؟!! ‪..‬جائز ‪.‬‬ ‫‪..‬المصريون ينفقون ‪ 140‬مليار جنية سنويا على شرب الشاي والقهوة‬ ‫والمُس ِكرات وتدخين السجائر والمعسل وتعاطي األفيون والحشيش وشم الهرويين‬ ‫وتعاطي المخدرات التخليقية وتناول المنشطات الجنسية‪.. ،‬ويثرثرون كثيراً في‬ ‫أمور السياسة وكرة القدم والجنس؛ وتتلون أحاديثهم بإيحاءات ذات ملمح بذئ‬ ‫‪..‬مدائحهم سباب‪.. ،‬واستحسانهم شتائم‪ ،‬لغتهم غير منضبطة‪ ،‬وأحاديثهم تنتهى‬ ‫غالباً بالسقوط في حالة من «اشكالية الال جدوى» واليأس وفقدان الثقة تعلنها‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )7‬ابن خلدون ‪ ،‬مرجع سابق ـ ص ‪79‬‬ ‫ (‪ )8‬ابن خلدون ‪ ،‬مرجع سابق ـ ص ‪78‬‬ ‫ (‪ )9‬ابن خلدون ‪ ،‬مرجع سابق ص‪204‬‬ ‫‪33‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫صريحة عبارتهم الشهيرة ‪« :‬مفيش فايدة»‪.. ،‬وفي قبضة اليأس واإلحباط‬ ‫وقلة الحيلة يصبح ال دور لهم في الحراك االجتماعي !!‪.‬‬ ‫‪..‬يحركهم تلقائياً الموروث التاريخي من القهر واالستبداد واإلذالل الذي‬ ‫تغلب على مضامينه اإلحساس باالحتقار والتسفيه والتنقيص؛ بما ترك بصمته‬ ‫على سلوك المواطن فزاده خنوعاً ودونية واعوجاجاً وتشوهاً!!؛ ال اختالف‬ ‫بينهم فهم نماذج نمطية تشكلت طبقاً للقالب الذي صاغته قبضة السلطة في حال‬ ‫عنفوانها وحال تراخيها !!؛ ففقدوا سمات التفرد والتمايز الشخصي‪ ،‬وصاروا‬ ‫جميعاً أقرب إلى وحدات مصنعة متشابهة خرجت من خط إنتاج واحد!!‬ ‫‪..‬فإذا ما ترهلت قبضة السلطة في أوقات الحروب واألزمات واالضطرابات‬ ‫والكوارث كثر هرج المصريين‪ ،‬وعال صوتهم وكثرت مطالبهم‪ ،‬وعمت‬ ‫الفوضى والمظاهرات واالحتجاجات الفئوية مثلما حدث بعد ثورة ‪ 25‬يناير‬ ‫‪ 2011‬التي أحدثت حالة من الهمجية‪ ،‬وخلفت أنماط من الفوضى غير المسئولة‪،‬‬ ‫وغير المسبوقة أو الملحوقة تسببت في فقدان األمان وسرقة السيارات وجرائم‬ ‫خطف النساء واألطفال والقتل والسرقة باإلكراه وانتهاك حرمة المساكن وتنامت‬ ‫ظاهرة البلطجة (عدد البلطجية المسجلين ‪ 590‬ألف بلطجي)‪ ،‬وتفشت ظاهرة‬ ‫العبث بمقدارت الدولة وإهانة الشرطة وإرهاب القضاء وترويع اإلعالميين !!‬ ‫‪34‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫‪..‬شاهدت بعينني ورصدت عبر وسائط المالتي ميديا التغير إلى األسوأ‬ ‫في سلوك المصريين بعد أن تحولوا إلى ناس أخرين لم نعرفهم من قبل بعد أن‬ ‫كسروا حاجز الخوف ‪..‬ناس أقرب إلى حيوانات الصحراء مملؤون بالحراشف‬ ‫والقسوة والخشونة ‪..‬جلودهم سميكة ونظراتهم زائغة‪ ،‬وأعماقهم بعيدة ال‬ ‫تدرك!!‬ ‫‪..‬فلما عادت الدولة بجبروتها القديم‪ ،‬واستشعر المصريون قوة قبضتها‬ ‫الخشنة التزموا «الصمت الجبان»‪ ،‬ودخل كل منهم إلى «شرنقته» ‪..‬تبدو‬ ‫أعراض ظاهرة «التشرنق» أنه عندما تغيب الدولة عن وظائفها الحقيقية‬ ‫التنموية وتكتفي بممارسة الجباية والقهر؛ فتتقوقع الفئات االجتماعية حول‬ ‫جماعاتها الفرعية ‪..‬قد تكون هذه الجماعات مهنية أو دينية أو مكانية أو عرقية‬ ‫قبلية ؛ فالجماعة الفرعية تتصدي لما عجزت عنه الدولة في كفالة الحماية‬ ‫ألصحابها‪ ،‬وتقديم الدعم والمكانة لهم‪ ،‬وهو من أهم أسباب تفسير االنعزال‬ ‫الطائفي (التفاف المسيحيين حول الكنيسة والبابا)‪ ،‬والتعصب (التفاف السلفيين‬ ‫حول أمراء الجماعات)‪ ،‬واالستعالء المهني (اصطفاف المهنيين للسيطرة على‬ ‫النقابات‪ ،‬وتسخيرها بما يخدم مصالحهم الشحصية)!!‬ ‫‪..‬وصف أحد المسئولين األمنيين حالة التقوقع االجتماعي أو «التشرنق‬ ‫‪35‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫االجتماعي ‪ »Social Shrinking‬عند المصريين بعبارة ‪(:‬شعب يخاف‬ ‫ما يختشيش)؛ فعندما شاهدوا «إحمرار عين الغولة» ـ يقصد عنفوان السلطة‬ ‫وجبروتها‪ ،‬وقدرتها على البطش ـ دخل كل منهم إلى علبته‪ ،‬وابتلع لسانه ‪..‬هذا‬ ‫شعب تجمعه طبلة ومزمار‪ ،‬وتفرقة عصا عسكري أمن مركزي!!‪. ).‬‬ ‫‪..‬كنت ألمس الصدق والواقعية والحزم والدراية والدربة في كالم رجل‬ ‫األمن المحترف‪ ،‬واستقر في عقيدتي ذلك القول الذي أوجز فيه وصف «طبيعة‬ ‫المصريين»؛ ‪..‬فقد كان يسترعي انتباهي أمران أن‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن المدن المصرية أصبحت أقرب إلى «حدائق حيونات بشرية ‪The‬‬ ‫‪.. »Human Zoo‬تسودها العدوانية والعنف والبلطجة واالنفجار الجنسي‬ ‫والتحرش الجنسي واألنانية والفساد البنيوي ذو الصالت القوية بأسباب ضاربة‬ ‫الجذور في عمق التاريخ!!‪..‬أو أنها صارت «مقابر» حيث تغييب فيها جميع‬ ‫مالمح الحياة اإلنسانية‪ ،‬وتخلو من روحها‪ ،‬ومن صور التالقي بين الناس‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ أن القرية المصرية قد تحولت إلى «مجتمع ُ‬ ‫للفرجة» فقط دون مشاركة‬ ‫فاعلة؛ فغيابهم عن أداء الواجب االجتماعي واألسري بال أعذار‪.. ،‬وحضورهم‬ ‫بال فائدة بما يعني أن غيابهم وحضورهم مجرد إضافة إلى مشهد «العبث»‪.. ،‬‬ ‫وصارت الحياة في القرى أنماطاً من «التنطع» بغطاء من «الورع الكاذب»‪،‬‬ ‫‪36‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫والمفضوح في ظل ضعف الروابط المجتمعية‪ ،‬وتفشي التضامن الظاهري غير‬ ‫المنتج والقائم على المنفعية والمصلحية‪ ،‬ومبدأ االسترزاق و«بذل الجهد األقل»‪،‬‬ ‫وال يقيمون ألخوانهم وزناً إال بمقدار ما يعود من نفع في مشاركة الحياة!!‬ ‫جائحة كورونا ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬وجاءت جائحة كورونا في موجتها األولى مع بداية عام ‪2020‬؛ لتكشف‬ ‫حالة العوار المزري في أخالق المصريين‪ ،‬وأخطرها إنعدام التضامن‪ ،‬وسيادة‬ ‫«األنا» وغياب «النحن»‪ ،‬وغلبة المصالح الفردية على المنفعة العامة ؟!! في‬ ‫حالة من «الخواء االجتماعي ‪ »Anomie‬التي تتلخص أعراضها في تفكك‬ ‫الروابط بين الفرد ومجتمعه‪ ،‬وتعرض البنية المجتمعية للتكسر والتحلل‪ ،‬وتفشي‬ ‫الجريمة والفوضى والتفكك األسري‪ ،‬واالنهيار الحضاري وفقدان قيم الرجولة‬ ‫النخوة‪)10( *.‬‬ ‫وانعدام‬ ‫ضعف الفوارق اللغوية ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬وصارت «اليد السوداء» التي تدير منظومة الفساد واإلفساد تحكم الجميع؛‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )10‬ياسر بكر ‪« ،‬فئران المركب»‪..‬دراسة في التاريخ االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫وتوجه الفعل؛ فاختفت التقسيمات اللغوية الفرعية داخل اللغة العامية المتداولة؛‬ ‫فلم يعد هناك أسلوب خاص لطبقة األثرياء‪ ،‬وآخر للطبقة الوسطى‪ ،‬وثالث لطبقة‬ ‫السوقة والعوام‪ ،‬واتجاه رابع في التعبير خاص بطبقات المجرمين ولصوص‬ ‫المال العام والخارجين عن القانون والقتلة وقطاع الطرق‪ ،‬ونتيجة للزحام‬ ‫وانعدام الحرية الدستورية وفقدان الحرية الشخصية وانتهاك حدود الخصوصية‬ ‫بدأ الفرق اللغوي بين الطبقات ينعدم؛ فقد الحظ علماء اللغة أن بإضعاف الفوارق‬ ‫بين الطبقات تضعف الفوارق اللغوية أيضا؛ فال فرق بين سلوكيات ولغة خطاب‬ ‫األطباء والمهندسين والحرفيين وضباط الشرطة و«سماسرة الدين» والقوادين‬ ‫واإلعالميين وسائقي التوتوك‪ ،‬وال فرق بين لغة وملبس وسلوكيات الراقصات‬ ‫وأساتذة الجامعة وبائعات الدجاج وخادمات المنازل وبائعات الجنس في «علب‬ ‫الليل» وعارضات الهوى من «قطط الشوارع»؛ فقد انصهروا جميعاً في بوتقة‬ ‫شكلت منهم سبيكة مجتمعية رديئة جمعت بينهم في خطاب مُسف يقوم على‬ ‫شذوذ المفردات وسياقات االبتذال وتدني السلوكيات وانحطاط األخالق والجشع‬ ‫والرغبة في المكسب السريع!!‬ ‫يؤكد د‪.‬رمضان عبد التواب على دور الزحام في العمران في انعدام‬ ‫الفرق اللغوي‪ ،‬وخلق اللغة المشتركة ‪..‬بينما يساعد الفراغ وخلخلة السكان‬ ‫‪)11(*.‬‬ ‫وتفرقهم في مساحات متسعة على االنقسام إلى لهجات‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )11‬د‪.‬رمضان عبد التواب‪ ،‬التطور اللغوي ‪..‬مظاهرة وعلله وقوانينه ‪ ،‬مكتبة الخانكي ـ القاهرة ‪1997‬‬ ‫ـ ص ‪17‬‬ ‫‪38‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫(كائنات القاع) ‪:‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬كان المكون األخطر في التركيبة االجتماعية هم (كائنات القاع)‬ ‫بما أُتيح لهم من فرص الترقى الوظيفي دون أن يكون لهم نصيب من الترقي‬ ‫االجتماعي والثقافي؛ فحاولوا سد تلك الفجوة بتدعيم هيمنتهم على المجتمع‪،‬‬ ‫والتظاهر بالوجاهة من خالل اإلنفاق االستهالكي السفيه للمال الحرام المكتسب‬ ‫من الفساد الحكومي (الرشاوي ـ العموالت ـ االختالس)‪ ،‬أو المال الخليجي‬ ‫المغموس بمذلة الكفالة «رق العصر» والمهانة ‪ ،‬أو من نتاج الجشع والممارسات‬ ‫االحتكارية؛ فصاروا أقرب إلى الفيروسات في منطقة وسط بين الموت والحياة‬ ‫عالقة على جدران المجتمعات البشرية تحقنها بالبرامج المعادية للحياة وتفسد‬ ‫أدائها وتقتل مالمح الحياة اإلنسانية فيها‪..‬على النحو الذي يراه بعض المصريين‬ ‫قليلي الحيلة أنها أخالق «أخر الزمن» ‪.‬‬ ‫معدالت الفقر واألمية في مصر‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫تشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة واإلحصاء إلى أن نسبة‬ ‫المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر ‪ %32,5‬من مجموع السكان (‪104‬‬ ‫‪39‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫مليون نسمة) لكن تقرير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع لألمم المتحدة‬ ‫أشار إلى وجود ‪ 48‬مليون مصري فقير يعيشون في ‪ 1171‬منطقة عشوائية‬ ‫متفرقة في أنحاء مصر‪ ،‬كما أشارت تقارير البنك الدولي أن ‪ %60‬من األسر‬ ‫المصرية تفتقد األمن لالقتصادي بسبب انخفاض دخل األسرة‪ ،‬وما يترتب‬ ‫عليه من األمن االجتماعي نتيجة ارتفاع نفقات التعليم والدروس الخصوصية‪،‬‬ ‫وارتفاع تكلفة العالج وغالء أسعار الدواء وغالء أسعار الطعام والمالبس‬ ‫وسائر أعباء المعيشة المختلفة (الكهرباء ـ الغاز ـ مياه الشرب ـ المواصالت)‪.‬‬ ‫‪..‬كما تشير تقارير الجهاز المركزي للتعبئة واإلحصاء إلى أن األمية بين‬ ‫المصريين تبلغ ‪ 27,1‬مليون مواطن‪ ،‬وهؤالء مهمشون بسبب عجز وسائل‬ ‫التأثير واالرتقاء الثقافي والحضاري من النفاذ إليهم‪ ،‬ومد يد العون لهم واألخذ‬ ‫بأيديهم واالرتقاء بهم‪ ،‬وبسبب انشغالهم بأمور معيشتهم ولقمة عيشهم عن التعلم‬ ‫الذي يعتبرونه ترفاً ال مبرر له‪ ،‬وال فائدة منه وال جدوى من ورائه في ظل حالة‬ ‫االستبعاد االجتماعي والبطالة التي يعاني منها خريجو الجامعات الذين سدت‬ ‫أمام الغالبية منهم من المتفوقين دراسياً فرص التوظف بزعم عدم توافر أسباب‬ ‫«اللياقة االجتماعية»!!‬ ‫‪40‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫االستبعاد االجتماعي ‪:‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫يوجد ثالث أشكال لالستبعاد االجتماعي بلغوا حالة من التطور‬ ‫والوضوح‪:‬‬ ‫األول ‪ :‬هو استبعاد القابعين في القاع‪ ،‬والمعزولين عن التيار الرئيسي‬ ‫للفرص التي يتيحها المجتمع ‪.‬‬ ‫الثاني ‪ :‬هو استبعاد «العصاميون النوابغ» من التوظف والترقي االجتماعي‬ ‫بزعم عدم توافر أسباب «اللياقة االجتماعية» ‪.‬‬ ‫الثالث ‪:‬عند القمة وهو االستبعاد اإلرادي وهو ما يطلق عليه جون هيلز‪«:‬ثورة‬ ‫الصفوة» حيث تنسحب الجماعات الثرية من النظم العامة‪ ،‬وأحيانا من الحياة‬ ‫اليومية ‪..‬إذ يختار أعضاؤها أن يعيشوا بمعزل عن بقية المجتمع‪ ،‬وبدأت‬ ‫تلك الجماعات تعيش في مجتمعات منعزلة «كمبوندات» محاطة باألسوار‪،‬‬ ‫وتنسحب من نظم التعليم العام والصحة وغيرها من الخدمات الخاصة بالمجتمع‬ ‫الكبير‪.‬‬ ‫‪41‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫وبعيدا عن الطوباوية فقد قدم العلم االجتماعي معنى ملموس للعدل‬ ‫ومؤشر صادق للمساواة هو اندماج الناس في مجتمعهم على أصعدة‪ :‬اإلنتاج‬ ‫واالستهالك والعمل السياسى والتفاعل االجتماعي‪ ،‬والال مساواة هي االستبعاد‬ ‫أو الحرمان أو اإلقصاء عن هذه المشاركة؛ فالحكومة التي تتظاهر بأنها مهتمة‬ ‫باإلستبعاد االجتماعي‪ ،‬ولكنها ال تبالي بعدم المساواة االجتماعية هي حكومة‬ ‫تعاني من الخلط‪ ،‬واضطراب الرؤية؛ فال معنى للعدالة االجتماعية سوى «تكافؤ‬ ‫الفرص»*(‪)12‬‬ ‫وزاد من األوضاع سوء أن فوائد الدين العام في ميزانية ‪ 2020‬ـ ‪2021‬‬ ‫قد بلغت ‪ 566‬مليار جنية‪ ،‬وأقساط الدين العام قد بلغت ‪ 556‬مليار جنية بما‬ ‫يعني أن نصف الموزانة العامة للدولة يذهب لخدمة الدين العام بحيث ال يتبقى‬ ‫من ميزانية الدولة ما يمكن توجيهه للخدمات االجتماعية التي هي أساس قوة‬ ‫الدولة مثل التعليم و الصحة !!؛ ‪..‬بما يعني حالة من «الحرمان الدائم»‪ ،‬وليست‬ ‫حالة عابرة من حرمان «الفئات الهشة» من برامج الرعاية االجتماعية !!؛‬ ‫بما يعني التباعد بين المجتمع بحالته الراهنة‪ ،‬ومستوى «الجودة االجتماعية‬ ‫‪ »Social Quality‬أو «مجتمع الجودة» ‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫* (‪ )12‬جون هيلز‪ ،‬جوليان لوجران‪ ،‬دافيد بياشو‪ ،‬االستبعاد االجتماعي‪ ،‬ترجمة د‪.‬محمد الجوهري‪ ،‬عالم‬ ‫المعرفة ـ العدد ‪ ٣٤٤‬ـ الكويت ‪ ،‬اكتوبر ‪٢٠٠٧‬‬ ‫‪42‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫مناهج البحث ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬وقد توخينا في هذه الدراسة االلتزام بالمنهج األمبريقي في بعضها‬ ‫والمنهج االستقرائي والمنهج البنيوي في بعضها األخر في محاولة لرصد‬ ‫العالقات المتبادلة بين اللغة والمجتمع‪ ،‬وفهم السياقات االجتماعية التي تكتسب‬ ‫فيها اللغة وتستخدم؛ لألهمية التي تسهم بها اللغة في فهم حقائق المجتمع فأي‬ ‫محاولة لفهم مجتمع ما دون التوسل بلغته هي درب من الحماقة يفضي إلى‬ ‫الهباء!!‪ ،‬وإية محاولة لتفسير ظواهر اللغة دون الرجوع إلى ثقافة المجتمع‬ ‫هي محاولة عبثية؛ وكذلك اللغة ال يمكن فهمها خارج سياقها‪ ،‬وخارج القيود‬ ‫المفروضة عليها؛ فاللغة سلوك اجتماعي في المقام األول ‪.‬‬ ‫سنحاول االقتراب من «الحالة المصرية» التي يمكن توصيف أعراضها‬ ‫بـ ‪ :‬التفكك اللغوي الذي يبدو واضحاً في لغة الشارع والفتات المحالت بما يؤكد‬ ‫موت لغة لحساب لغة أو امتصاص لغة للغة أخرى أو ابتالع لغة للغة أخري‬ ‫وسط خطرين أحداهما من الخارج للمؤمراة على لغة القرآن الكريم خاصة أن‬ ‫مؤسسات ‪ Comprador‬ومدارسه تشيع بين العامة والخاصة أكذوبه تفوق‬ ‫اللغة اإلنجليزية على كل لغات الدنيا البالغة ما بين‪ 6000‬لغة و‪ 10000‬لغة‬ ‫‪43‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫تقريباً !!*(‪ ،)13‬وأخر من الداخل؛ فقد سادت بين غالبية أفراد الشعب المصري‬ ‫من المهمشين والمحبطين والفقراء واألميين والحرفيين وسائقي التكاتك (‪7‬‬ ‫مليون سائق توك توك)‪ ،‬وغيرهم من أطياف العمالة المشوهة «العمالة الرثة»‬ ‫ما اصطلح على تسميته بـ «لغة الكابوريا» وقد شاع هذا المصطلح بعد تداوله‬ ‫فعال لسانياً منطوقاً عبارة‬ ‫في فيلم ‪« :‬البحر بيضحك ليه» بعد أن أحدث البطل ً‬ ‫عن خليط من «الفونيمات» التي يصعب تفسيرها أو فهمها في إطار اللغة‬ ‫المألوفة‪ ،‬وعندما سألته البطلة ‪ :‬عن معني ذلك ؟!‪ ،‬أجاب‪ :‬أحبك بـ «لغة‬ ‫الكابوريا»‪.. ،‬وصارت تلك اللغة بكل تشوهاتها واقعاً ابتلع جماليات العامية‬ ‫المصرية‪ ،‬وذاعت الكلمات «انتخ» بمعنى‪ :‬استرخى‪ ،‬و«شهيص»‪ ،‬بمعنى‬ ‫‪ :‬فرح وسرور‪ ،‬و«استكنس» بمعنى‪ :‬تفهم وتدبر‪ ،‬و«هنك» بمعنى‪ :‬اإلنهاك‬ ‫واإلرباك‪ ،‬و«روشن» بمعنى‪ :‬الحماقة والخروج عن المألوف ‪..‬ألخ‪ ،‬وغيرها‬ ‫قوال وعلى األذان سمعاً ووعتها‬ ‫من نوعية تلك الكلمات التي جرت على األلسنة ً‬ ‫العقول فهماً ‪.‬‬ ‫«لغة الكابوريا»‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬وسرعان ما انتشرت «لغة الكابوريا» وصار لها صدى مسموع فى الشارع‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫* (‪ )13‬ديفيد كريستال‪ ،‬موت اللغة‪ ،‬ترجمة ‪ :‬فهد ابن مسعد اللهيبي‬ ‫‪44‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫وفى المواصالت العامة وفى األندية والتجمعات وفى المدارس والجامعات‪،‬‬ ‫ولها ألفاظها ومفرداتها‪ ،‬ومصطلحاتها الدالة على قيم أصحابها وقناعاتهم‪،‬‬ ‫وعلى سماتهم النفسية‪ ،‬ولها إشاراتها اليدوية‪ ،‬وتعبيراتها المنطوقة‪ ،‬وأيضا‬ ‫المسموعة‪ ،‬وشفراتها وتكويداتها الممثلة فى «لغة الكالكسات» من خالل نفير‬ ‫أبواق‪ ،‬وإشارات أضواء السيارات بما يعني أننا أمام حالة من «التلوث اللغوي»‬ ‫أو «التسمم اللغوي»!!‪ ،‬بما ينذر بالخطر الداهم لكون اللغة وعاء الفكر وبدون‬ ‫ضبطها لن ينضبط التفكير‪ ،‬وبتلوثها يصبح التفكير مشوشاً !!‬ ‫لغة «القشالقات» ‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫وكان هناك رافد آخر لتسرب لغة فظة تناسب طبيعة الحياة العسكرية‪،‬‬ ‫وتفتقد إلى التهذيب ومراعاة اللياقة وهي لغة «القشالقات ‪ »Parracks‬إلى‬ ‫العامية المصرية بكل ما تحمله من خشونة و«فوقية» واستعالء على اعتبار‬ ‫أن كل من هو دون القائد «نفر» أو «نمرة في السجالت»‪ ،‬وقد شاعت تلك‬ ‫اللغة في أوساط اإلدارة المدنية ودوائر السلطة والجماهير المدنية بعد اعتماد‬ ‫سياسة مخطط لها لـ «عسكرة المجتمع ‪ »Stratocracy‬عبر تعيين ضباط‬ ‫متقاعدين في وظائف مدنية في الوزارات والمحافظات والهيئات المختلفة‪،‬‬ ‫وامتداد اإلمبراطورية التجارية للجيش لتشمل كل قطاعات االقتصاد‪ ،‬إضافة‬ ‫‪45‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫إلى تقنين هذه األمور وشرعنتها عبر سلسلة من القوانين والمراسيم الرئاسية‪،‬‬ ‫ومنح الحصانة لهؤالء العسكريين في أثناء عملهم المدني وبعد تقاعدهم‪ ،‬إلى‬ ‫جانب استخدام اإلعالم والخطاب الرسمي إلخراج الهيمنة العسكرية وكأنها‬ ‫مساهمة في تنمية المجتمع‪ ،‬وعلى اعتبار أن العسكريين أقدر من غيرهم في‬ ‫اإلدارة‪ )14(*،‬والترويج لمصطلح‪« :‬مالئكة البذلة الكاكية» الذي اطلقته د‪.‬هدى‬ ‫زكريا أستاذ االجتماع العسكري بالكلية الحربية لنعت العسكريين!!‪ ،‬وفرض‬ ‫«أنشودة الصاعقة» بعنوان ‪«:‬ألوا إيه علينا دوله ‪..‬ألوا إيه ؟!» في طابور‬ ‫الصباح على أطفال المدارس رغم ركاكة ألفاظها‪ ،‬وتفكك بنائها‪ ،‬وافتقادها‬ ‫لجماليات الشعر وروح الغناء !!‬ ‫وصارت طبقة «العسكريين» بصفة عامة تمثل طبقة عازلة ‪Impeded‬‬ ‫في مصر بين المجتمع والدولة بما لها من امتيازات خاصة‪ ،‬ومساكن يتم عزلها‬ ‫بأسوار عن باقي الكتلة السكنية‪ ،‬ومستشفيات خاصة وأندية خاصة ودور‬ ‫مناسبات خاصة‪ ،‬وأسواق خاصة ال نخضع ألليات السوق!!‬ ‫لغـة «التيت»‪:‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫وهي لغة تم تداولها بمعرفة رواد التواصل االجتماعي في إطار «التواصل‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )14‬د‪.‬زينب أبوالمجد ‪ ،‬عسكرة األمة‪ :‬الجيش واألعمال التجارية والثورة في مصر‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة‬ ‫جامعة كولومبيا‪.)E-BOOK( -‬ـ نيويورك ‪2017‬‬ ‫‪46‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫المنتفخ»؛ لتمرير أشكال جديدة من الرسائل تنطوي على عدم مراعاة الذوق بين‬ ‫مستخدمي الرسائل القصيرة‪ ،‬وأفكار غير مهذبة تنطوي على ملمح بذئ للتعبير‬ ‫عن ألفاظ ومعان وأفكار ال تقرها معايير تلك المواقع التي تحظر العنف والبذاءة‬ ‫والتمييز والعنصرية‪ ،‬وتتعامل من يخرقون اتفاق «بروتوكوالت االستخدام»‬ ‫بالحظر لمدد محددة أو إيقاف حساباتهم‪ ،‬وقد اصطلح على تسمية تلك اللغة بـ‬ ‫«لغة التيت ‪ ،!!» TYT‬وتعني ‪« :‬خذ وقتك»‪ ،‬وهي أختصار من (‪Take‬‬ ‫‪. )Your Time‬‬ ‫‪..‬و«التواصل المنتفخ» مصطلح أطلقه بيتر جروبر في كتابه بعنوان‪« :‬فن‬ ‫العدوان ‪:‬االنفعاالت‪ ،‬والطاقات‪ ،‬تقييدها والسيطرة عليها»‪ ،‬وقد قصد جروبر بـ‬ ‫«التواصل المنتفخ» ذلك التواصل الذي يغلب على مضامينه االحتقار والتسفيه‬ ‫والتنقيص المتبادل والطرائف العنصرية والنكات الساخرة ‪.‬‬ ‫يقول بيتر جروبر شارحاً العالقة بين التواصل واالنتفاخ و والشر‪:‬‬ ‫«إننا ننفخ أنفسنا‪ ،‬كلمة ينفخ أو يمأل بالهواء بالنفخ هي في األلمانية‬ ‫شرير»‪)15(*.‬‬ ‫القديمة ‪ ،bosi‬ومنها نشأت الكلمة لـ ‪ boese‬أى‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ (‪ )15‬بيترجروبر‪ ،‬فن العدوان ‪:‬االنفعاالت‪ ،‬والطاقات‪ ،‬تقييدها والسيطرة عليها ‪ ،‬تقديم روبرت ليه‪ ،‬تعريب‬ ‫‪ :‬نوال الحنبلي ‪ ،‬مكتبة العبيكان ـ الرياض ‪ 2004‬ـ ص ‪7‬‬ ‫‪47‬‬ ‫شعب من «األوز»‬ ‫«العربيزي» و «الكرشونية»‪:‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مع انتشار الهواتف النقالة‪ ،‬وأجهزة الالب توب راح الناس يتواصلون في ما‬ ‫بينهم عبر الكتابة بلغة تم االصطالح على تسميتها بـ «العربيزي ‪،»Arabizi‬‬ ‫وهى كلمة منحوتة من كلمتي «عربي» و «إنجليزي»‪ ،‬ومثيلتها في اإلنجليزية‬ ‫كلمة «‪ ،»Arabish‬وفي الفرنسية كلمة «‪ ،»Franco-arabe‬وهى إحياء‬ ‫لفكرة «الكرشنة»‪ ،‬والكرشنة الحديثة اصطالحأ هي لغة تواصل شبابية‬ ‫تعتمد على الدمج بين اللهجة العامية والحروف الالتينية‪ ،‬واألرقام للتعبير‬ ‫عن جمل عربية‪ ،‬وبدأت لغة الكرشنة الحديثة باستخدام االنترنت‪ ،‬والهواتف‬ ‫النقالة‪ ،‬وانتقلت إلى االستخدام التجاري والدعاية اإلعالمية‪ ،‬و«العربيزي» أو‬ ‫«الكرشنة الحديثة» ليس لها قواعد‪ ،‬وهي تشهد يومياً تعبيرات واختصارات‬ ‫جديدة‪ ،‬ولم يعد استخدامها مقتصراً على مواقع التواصل االجتماعي بل شقت‬ ‫طريقها إلى النظام التعليمي حتى أن بعض التالميذ استخدموا الحرف الالتيني‬ ‫في موضوعاتهم اإلنشائية*(‪.)16‬‬ ‫يأتي خطر هذه اللغة عن طريق كتابة اللغة العربية بالحرف الالتيني‪،‬‬ ‫ولتعويض النقص في الحروف الالتينية عن نظيرتها العربية تُستخدم بعض‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫* (‪ )16‬مقال أ‪.‬د‪.‬محمود السيد بعنوان‪«:‬العربيزي ظاهرة خطيرة على لغتنا العربية» ‪ ،‬مجلة التعريب‪،‬‬ ‫المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر‪ ،‬العدد ‪ ٤٩‬ـ دمشق ‪ ،‬ديسمبر ‪ ٢٠١٥‬ـ ص‪١٤‬‬ ‫‪48‬‬ ‫مقدمة في علم اللغة االجتماعي‬ ‫بدال من‬ ‫ً‬ ‫فمثال رقم «‪ »2‬الالتيني يستخدم ً‬ ‫ً‬ ‫بديال عن الحروف العربية؛‬ ‫األرقام‬ ‫حرف الهمزة‪ ،‬ورقم «‪ »3‬الالتيني يستخدم بدال من حرف العين‪ ،‬ورقم «‘‪»3‬‬ ‫الالتيني مضاف إليه (‘) يُستخدم ً‬ ‫بدال من حرف الغين‪ ،‬ورقم

Use Quizgecko on...
Browser
Browser