مصحح التسجيل الثاني امراض القلب وعلاجه PDF
Document Details
Uploaded by SignificantAsteroid
American School of The Hague
Tags
Related
Summary
هذا النص يقدم شرحًا حول أمراض القلب وعلاجها من وجهة نظر إسلامية. يناقش النص كيفية التعرف على وجود المرض في القلب، ويوضح أنَّ معرفة هذه الأمراض وعلاجاتها أمرًا هامًا. يركز النص على دور الطاعة والحمية في الحفاظ على صحة القلب, وذكر بعض الأمثلة التي تبرز أهمية ذلك.
Full Transcript
الحمد لله وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم مستعينين بالله عز وجل نبدأ في الدرسين الثاني وهو الكلام عن أمراض القلوب وعلاجها نسأل الله عز وجل أن يطهر قلوبنا من كل مرض وأن يرزقنا وإياكم القلب السليم وانتهينا في اللقاء السابق من الكلام عن منزلة القلب في أعضاء البدن وقلنا أنه هو المهيمن والم...
الحمد لله وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم مستعينين بالله عز وجل نبدأ في الدرسين الثاني وهو الكلام عن أمراض القلوب وعلاجها نسأل الله عز وجل أن يطهر قلوبنا من كل مرض وأن يرزقنا وإياكم القلب السليم وانتهينا في اللقاء السابق من الكلام عن منزلة القلب في أعضاء البدن وقلنا أنه هو المهيمن والمسيطر ##### وكل أعضاء البدن لا تتحرك إلا بأمر من القلب وصلاح البدن متوقف على صلاح القلب كما صح ذلك عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وآله وسلم الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ [[الحِمَى] ](https://dorar.net/ghreeb/9291)، [[يُوشِكُ] ](https://dorar.net/ghreeb/11133)أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ. وذكرنا ان الامام ابن القيم عليه رحمة الله في اغاثة اللفان اراد ان يربط بين المحسوس وبين المعنوي ونعني بذلك اي امراض البدن المحسوسة اراد ان يجعلها اصلا ومرض القلب المعنوي قاساه عليه فتكلم عن ماهية امراض البدن وبعد ذلك عن طرق الصحة التي هي [حفظ القوة] [والحمية عن المؤذي] [واستفراغ المواد الفاسدة] بعد ذلك تكلم الإمام أي بن القيم عن ماهية مرض القلب هذا الذي وقفنا عليه؟ المعني بذلك كيف يتعرف المسلم على أن في قلبه مرض بغض النظري عن نوعية المرض يعني كيف أعرفه أن القلب مريض لأن هذه هي الخطوة الأولى التي من خلالها أبحث عن نوعية المرض كما قال في البدن لأنه تكلم عن ماهية مرض البدن الخروج عن اعتدالي وصلاحي يبقى البدن ماشي على وترة معينة خرج عنه الخروج هذا هو يبقى أعلاما على المرض ما طبيعة الخروج؟ وما الذي حدث؟ هذا اسمه نوعية المرض يبقى ابتداءً لابد أن نتعرف على ما هي مرض القلب لما نعرف أن القلب مريض أبدأ أفكر في المرض هذا اي نوع من المرض هو؟ لكن انني أبحث عن نوعية المرض دون أن أعرف ماهية مرض القلب هذا لا يحصل هذه هي الاشكالية التي توجد عند البعض ان هو لما يسمع بعض أمراض القلوب يغالط نفسه ولا توجد فيه لأنه ما وقف ابتداء على ماهية مرض القلب يقول الإمام بن القيم عليه رحمة الله: **\"ومرض القلب نوع من الفساد يحصل له يفسد به تصوره للحق وإرادته لهم فلا يرى الحق حقاً أو يراه على خلاف ما هو عليه\"** هذا هو تعريف المرض وعلاماته. القلب لما فسد بنوع فساد ترتب على ذلك فسد تصوره للحق ممكن لا يرى الحق حق او ممكن يراه باطلا. النبي صلى الله عليه وسلم حدد هذا الذي ذكره ابن القيم في نص نبوي شريف والحديث عند مسلم من حديث حذيفة ابن اليمان وفيه يقول حذيفة قال النبي صلى الله عليه و سلم **\"تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا** **عودا\"** المعني بالفتن هنا الابتلاءات والذنوب والمحن والإحن كل هذا يعرض على القلب قول نبينا صلى الله عليه وسلم **\"عودا عودا\"** لأهل العلم فيها تفسيران **\"عودا عودا\"** أي كعرض الحصير عود بجوار عود حتى يسجل الحصير أو **\"عودا عودا\"** أي عودا بعد عود يعني تعرض فتنة تأتي بعدها فتنة **فأي قلب ان اشربها** اي بعد العرض عليه **نكتت فيه نكتة سوداء** اي إذا عرضت الفتن على القلب اي قلب ان اشربها اي احبة والتصقت به نكتت فيه نكتة سوداء ومن اجل هذا الحديث حذر العلماء غاية التحذير من الجلوس مع اهل الأهواء واهل البدع او الاستماع لكلامهم لان الرجل المبتدع يتكلم معك ماذا يقول؟ سينتصر لبدعته ويروج لمذهبه الباطل فممكن كلمة تخرج منه ترد على القلب تجد في القلب محلا خاليا وهذه هي الخطورة يعني هم السلف الصالح لما كان المبتدع يذهب اليه يعتبروه كالجمل الأجرب فيترك وينصرف الراجل من السلف لما كان يعمل هكذا هل كان عاجزاً ان يناظره؟ لا والله هذا كان يستطيع ان يلقمه الحجة ويلقمه الحذر في فيه فيخرسه ولا يتكلم طوال حياته ولكن كانوا يخشون على انفسهم ان يصدر من المبتدئ كلمة ترسخ في القلب تترك في القلب أثرا سيئَ هذا الذي نقوله لان كثير من الناس يهوى الجلوس مع المخالف أي المخالف في الأصول ويقعد يتكلم معه من قال الكلام هذا؟ نحن عندنا أصول وثوابت شامخات كالجبال الأصول هذه كل من خالف فيها مبتدع لا نتكلم معه ولا نجلس معه بأي نوع من أنواع الجلوس لأن المسألة معروفة يعني لما يُجمع الأئمة على أصول معينة ويأتي واحد اليوم من هؤلاء يخالف فيها ونجلس معه وضربت لكم مثالا قبل ذلك لو أن شخصا قال تعالى اناظرك واناقشك وابرهن لك وادلل على ان الله عز وجل ما استوى على عرشه، ولكنه استولى عليه ينفع تجلس معه؟ هذا اتى بكلام المعطلة والجهمية وكلام اهل البدع من الاعتزال لو ان شخصا في الوقت الحاضر قال ابرهن لك وادلل لك بالأدلة النقلية والشرعية على ان العمل خارج عن مسمى الايمان ينفع اكلم معه؟ ما هذا! يكفي لو أن شخصاً قال: تعالى أناقشك وأجادلك، فإن الطلاق البدعي لا يقع. تعالى لنبحث معاً، ونرى إلى أين سنصل في النهاية. يعني أن المسألة هنا فيها فسحة من الدليل. ولكن في أصول الاعتقاد، لا ينفع أكثر من ذلك. فتعرض الفتن على القلوب عرض الحصير، عوداً عوداً. فأي قلب أُشربها، أي أحبها\... تُنكت فيه نكتة سوداء. وأي قلب أنكرها تُنكت فيه نكتة بيضاء. حتى تصير القلوب على قلبين. بعد عرض الفتن والابتلاءات، تتحول القلوب المكلفين إلى قلبين. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: \"أبيض مثل الصفا\"\... كالحجر الأصم، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض. ابن القيم يقول، وكان من وصايا شيخ الإسلام لنا: \"لا تجعل قلبك مثل الإسفنجة، كلما مر عليه شيء تشرب منه\". يعني الإسفنجة معروفة، أي شيء يمر عليها تأخذ منه قليلاً\... فإذا جعل الإنسان قلبه مثل الإسفنجة، كلما مر عليه شيء أخذ منه، فلن يسلم. فتصير الشبهات مع الشبهات تجعل قلبه خراباً. لكن شيخ الإسلام يقول: \"اجعل قلبك مثل الحجر، كلما مر عليه شيء لا يتعلق منه شيء\". فهذا واجبكم يا إخواني. فأبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض\... وأما الآخر، وردت عليه الفتن، فأُشربها، فنكت في قلبه نكتة سوداء، ثم نكتة سوداء أخرى. هذا الحديث، يا إخواننا، يشبه حديث الترمذي، حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: \"إذا أذنب العبد ذنباً، نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع سُقل قلبه، وإن عاد زيد في النكتة\". فذلك هو \"الرَّان\"\... الذي قال فيه ربنا عز وجل: \"كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ\". يبقى الرَّان، كيف يحدث؟ ذنب بعد ذنب، نكتة بعد نكتة، حتى يسود القلب. فذلك هو الرَّان: \"كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ\"\... وأما الآخر، قلبه أسود مرباداً كالكوز مجخياً. \"أسود مرباداً\" أي شديد السواد، \"كالكوز مجخياً\" أي منكوساً مقلوباً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه\... لهذا نريد أن نضع ضابطاً يمكن من خلاله أن ندرك أن القلب مريض، بغض النظر عن نوعية المرض. كأن شخصاً يشعر بارتفاع في درجة حرارة جسمه، يقول: \"أنا متعب، حرارتي مرتفعة\". لا يعرف هل هو التهاب في الحلق أو في الأمعاء، ولكنه يعلم أن ارتفاع الحرارة دليل على المرض\... كذلك أريد أن أجد علامة وضابطاً معيناً. إذا حدث شيء في القلب، يعني أن القلب مريض. ابدأ بالبحث: هل هو حقد؟ هل هو حسد؟ هل هو كبر؟ رياء؟ المهم أن نبتعد عن المصائب. نريد أن نضع هذا الضابط: النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: \"لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه\". فما معنى هذا؟ إذا نظرت إلى الحق\... ولم تعرف أنه حق أو شككت في كونه حقاً، فاعلم أن في قلبك مرضاً\... يا شيخ، ماذا تقول؟ إذا نظرت إلى الحق، ولم تعلم أنه حق، أو شككت في كونه حقاً، فاعلم أن في القلب مرضاً\... وما هو الحق الذي يتمثل في الكون؟ كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فمثلاً، لو أن إنساناً لم يستحسن عزّة النساء على الرجال، أو لم يستحسن عدم الاختلاط، أو لم يستحسن غض البصر، وقال: \"لا، نحن سنبقى مع بعض، المهم ألا يحدث الفاحشة وخلاص\". ويقول: \"في هذه الحالة أدرك الحق على خلافه، أدرك القبح على أنه حق، ونظر إلى الحق فلم يستحسنه، فالقلب مريض إذن\". معنى قوله: \"لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه\" هو أن الشخص يعتبر ما يمليه عليه هواه هو الحق. وهذا هو السبب، يا إخواني\... إذا استحسن المسلم المعصية فهذا دليل على مرض القلب، وإذا لم يستقبح المنكر فهذا أيضاً دليل على مرض القلب. كما قلنا في البداية، لو تذكرون، هذا هو فساد في الإدراك. وفساد الإدراك يعني ضعفاً في أداة الإدراك، أو أنه يرى الحق على غير ما هو عليه. يبقى هذا الشخص كمن يعيش في عالمه الخاص، ينظر إلى ما حوله\... من الأحداث والأمور. فإذا رأى المنكر، قال: \"هذا جيد\"، أو قال عن الظلم: \"دع الأمور تسير كما هي، وسيعود المال\". وبدأ كل شخص يُمَنّي نفسه بأمانٍ كاذبة. هذا مخالف للشرع، فكيف تستحسنه؟ لقد رأى المنكر كأنه معروف، كمن يشرب الماء العذب ويتألم من مرارته. إذن، هذا القلب\... مريض. يا إخواني، لو شرب شخص ماءً عذباً وقال إنه مر، فهذا دليل على أن حواسه مريضة. بنفس الطريقة، إذا رأى المنكر الذي أجمع العلماء على حرمته وقال إنه جيد، فهذا دليل على فساد في القلب. كيف يمكن أن يكون هناك فساد أكبر من هذا، يا إخواني؟ إذن، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه\... هذا هو مرض القلب. هل فهمتم، يا إخواني؟ أم نحتاج إلى شرحٍ أكثر؟ نسأل الله أن يبارك فيكم. قال الإمام: \"وعلاج أمراض القلب عموماً لا يخرج عن ثلاثة أمور\"\... وعلاج أمراض القلب عموماً لا يخرج عن ثلاثة أمور: الأول: حفظ القوة\... وذلك عن طريق الطاعة\... الثاني: الحمية عن المؤذي\... وذلك عن طريق اجتناب المعاصي والآثام\... حفظ القوة عن طريق الطاعة، والحمية عن المؤذي عن طريق اجتناب المعاصي والآثام، واستفراغ المواد الفاسدة\... عن طريق التوبة النصوح والاستغفار\... استفراغ المرض الفاسد\... عن طريق التوبة النصوح والاستغفار\... كما قلنا في علاج البدن: حفظ القوة يكون عن طريق إباحة الفطر للمسافر والمريض، لكي نحفظ القوة. في القلب، يكون عن طريق الطاعة. الحمية عن المؤذي، مثل الابتعاد عن الأشياء المؤذية للجسد، أما في القلب فالمؤذي هو المعاصي والآثام. انتبهوا، المعاصي والآثام\... أما استفراغ المواد الفاسدة في البدن فيكون عن طريق الحجامة أو حلق الرأس. أما في القلب، فيكون عن طريق التوبة النصوح والاستغفار. بهذه الأمور الثلاثة، يبرأ القلب من المرض. وعموماً، أي مرض له أسبابه وعلاجه، وسنذكر ذلك بالتفصيل لاحقاً\... قسم العلماء أمراض القلب إلى\... استفراغ المواد الفاسدة، وهو التوبة النصوح. ما معنى التوبة؟ هي الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، والاستغفار\... أحد الإخوة يقول: هذا بالنسبة لأمراض الشهوة. ولكن بالنسبة لأمراض الشبهة، الأمر نفسه. قلنا إن أمراض القلوب لا تخرج عن شهوات أو شبهات. الشهوة تحقق لذّة عاجلة، أما الشبهة فتؤدي إلى زعزعة في الاعتقاد. الشبهة، مثلما قلنا، علاجها حفظ القوة عن طريق الطاعات\... أليس من الطاعات طلب العلم؟ صحيح. إذن، نتعلم العلم الشرعي لكي إذا عُرِضَت علينا شبهة، لا تزيدنا إلا صلابة في الحق. الحمية عن المؤذي تعني ألا نجالس المبتدعة، وألا نقرأ كتبهم، ولا نستمع إلى كلامهم. وإذا وسوست لك نفسك، أو ضحك عليك الشيطان وقرأت في كتب المبتدعة\... حتى تظهر ما فيها من عوار إن كنت أهلاً لذلك، مثل شيخ الإسلام أو ابن حنبل، فافعل. وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء. انتبه لأن البعض قد يُعجب بنفسه ويقول: \"والله، أنا أقمت مناظرة مع نصراني\". ولكن ابن القيم كان يبتعد عن هؤلاء. يعني، هل أكملت كل علومك ثم تقول: \"ماذا أفعل؟ أريد أن أدعو إلى الإسلام ليُسلم الناس؟\"\... هل أصلحت إخوانك المسلمين أولاً؟ المتفق عليه بين العقلاء أن حفظ رأس المال أفضل بكثير من جلب شيء جديد. وهذا لا يعني أن نُقصّر في الدعوة، ولكن يجب أن نضع الأولويات. لأن كثيراً من الناس، يا إخواننا، لم تشتدّ له عضلاته بعد، ولم يقوَ ساعده، فيبدأ يتكلم في أمور ومسائل كبيرة. لو عرضت على ليث بن سعد لتراجع\... يجب أن نراعي ذلك. إذن، الحمية عن المؤذي تعني اجتناب المعاصي والآثام، والابتعاد عن أهل البدع، وعدم الكلام معهم، وعدم قراءة كتبهم. يعني أنت، مثلاً، لو قرأت في \"إحياء علوم الدين\" للغزالي\... في باب السمع والوجد، والله قد يتأثر قلبك إذا لم تكن من الراسخين. سيتأثر قلبك، وإذا علقت شبهة في القلب، فسيكون من الصعب إخراجها. إذن، سواء كان المرض شبهة أو شهوة، فإن العلاج الإجمالي لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة: حفظ القوة، الحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة. إذا وقعت شبهة في قلبك، فأخرجها\... لهذا، في زمننا هذا، لا يخفى أن هناك مرتعاً لإثارة كل الشبهات في كل أمور الشريعة، من أول العقيدة حتى إزالة الأذى عن الطريق. نحن في هذا الوقت يجب أن نتسلح بالعلم النافع، بعد الاستعانة بالله عز وجل. وتنقسم أمراض القلوب باعتبار الإحساس إلى قسمين: مرض لا يتألم به صاحبه في الحال مثل مرض الشهوات، وكذلك الشبهات ومن أخطرها مرض الجهل ولكن بسبب شدة فساد القلب، لا يشعر صاحبه بالمرض\... طيب، نريد دليلاً على صحة كلامنا\... اذكروا رواية الإمام أحمد بسند صحيح عن حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للصحابة الذين أفتوا رجلاً بجواز الاغتسال وهو مصاب بجرح في رأسه، فاغتسل ومات\... القصة معروفة، الصحابة كانوا في سرية، فأُصيب أحدهم بجرح، ثم احتلم، فلما أصبح سألهم: \"هل تجدون لي رخصة في ألا أغتسل، فقد احتلمت وجرحي عميق؟\" فقالوا: \"لا نجد لك رخصة، فاغتسل\"، فاغتسل ومات. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: \"قتلوه، قتلهم الله\"\... \"قتلهم الله\"، أي تسببوا في قتله. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: \"ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال\". العي هو الجهل. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهل مرضاً\... الجهل مرض، وجعل شفاؤه في العلم. طيب، كم في الأمة من جاهل وهو لا يشعر؟ كثير. هناك من يعاني من جهل مركب، يظن نفسه عالماً، ولكنه في الحقيقة لا يعلم. شيخ أحمد شاكر في تعليقته على مسلم\... ذكر رجلاً كان قلبه مليئاً بالجهل، ومع ذلك كان يتحرك ويمشي ويظن أنه من أعلم أهل زمانه. ولم يسعَ ولو لمرة واحدة إلى طلب العلم. وإن أردت أن تعرف حقيقة ما نقول، فانظر إلى المجتمع الذي تعيش فيه\... من يدرس العلم وكم عددهم؟ ومن يطلب العلم وكم عددهم؟ بالنسبة إلى المجتمع الذي هم فيه، يتضح لك مدى انتشار مرض القلوب، وأيضاً عدم سعيهم لإزالة هذا المرض. نسأل الله أن يردنا جميعاً إلى الإسلام رداً جميلاً. إذن، أمراض الشهوات والشبهات والجهل هي أمراض توجد في القلب\... وبسبب خطرها العظيم ومفسدتها الكبيرة، لا يشعر صاحب القلب بها. وهذه الأمراض، يا إخواني، من أخطر الأمراض. كما تعلمون، حتى في الأمراض العضوية، يقولون: \"المرض الخبيث لا يشعر به الشخص إلا عندما يكون على وشك الموت\"\... أحد الإخوة يقول: \"هذا الحديث ضعيف\". الحديث الذي ذكرناه عن \"قتلهم الله\" فيه اختلاف\... يا إخواننا، يجب أن يكون لدينا شفافية. الشخص الذي أرسل هذه الورقة، يقصد الحديث الذي ذكرته أنا: \"ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال\". إذا كان يقصد هذا الحديث، فالراجح أن العلماء ضعّفوه. ولكن، أحب أن أقول بملء الفم: في علم التصحيح والتضعيف، أنا أقول إن علمي محدود. أما أصول علم المصطلح، فالحمد لله، تعلمناه. والحديث، كما ذكرت\... حسّنه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على مسلم، وصححه الشيخ الألباني عليه رحمة الله. هذا مبلغ علمي في هذا الأمر. إذن، الشاهد أن هناك أمراضاً توجد في القلوب، ومن خطورتها أن صاحبها لا يشعر بها، ولا يشعر إلا عندما يصل القلب، أعاذنا الله، إلى مرحلة \"القلب الميت\". طيب، النوع الثاني من أنواع الأمراض هو نوع يتألم به صاحبه في الحال\... نوع يتألم به صاحبه في الحياة مثل الغم والغضب وسوء الظن والحقد والحسد كل هذه أمراض توجد في القلب، ولكن عندما تدخل إلى القلب، يحدث شيء من الارتباك وعدم الاستقرار، فيشعر صاحبه بالألم والمرض. هذا المرض، مع أنه خطير وكبير من الكبائر، إلا أن وطأته أخف من النوع الأول. ولكن، من الممكن، يا إخواني، أن يكون النوع الثاني من أمراض القلوب أخطر من الأول. ووجه الخطورة يكمن في أن صاحبه يعلم به ولا يسعى في علاجه. يعني يعلم أن قلبه مريض، ولا يسعى في علاجه. مريض ويعلم أن لديه حباً للذات وحسداً وسوء ظن وكبراً ورياء، ويعلم ذلك علماً يقينياً، ومع ذلك لا يسعى لتطهير قلبه وأخذ الأسباب للشفاء من هذه الأمراض. شأنه شأن صاحب النوع الأول\... إذن، يا إخواني، حتى ننتهي من هذه المقدمة ونبدأ إن شاء الله تعالى في سرد أمراض القلوب بأدلتها وأعراضها وأسباب علاجها، يجب أن نشير إلى أمر هام، وهو أن أمراض القلوب لا يطّلع عليها إلا علاّم الغيوب، وأيضاً يعلمها صاحب القلب. لذلك، يجب علينا أن ننشغل بقلوبنا ولا ننشغل بقلوب غيرنا. يجب أن يسعى الشخص لطلب العلم ليعلم ما به من مرض. كما تفضلت، القلب قد يكون مريضاً بمرض الجهل الذي نراه عند كثيرين. ومع ذلك، هذا الشخص لا يسعى لتعلم العلم الواجب. ولكنه لو طلب العلم وبدأ يحضر مجالس أهل العلم وسمع الذكر، مثلاً لو أن إنساناً يصلي خلف إمام وسمع قوله تعالى: \"لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ\...\"\... العقل يقول إنه يجب أن يسأل: ما معنى \"الذين في قلوبهم مرض\"؟ وهل القلوب تمرض؟ فإذا سأل وتعلم، سيزداد علماً. ولهذا، سيأتينا إن شاء الله في بحث قادم أن الإنسان إذا فرط في طلب العلم الواجب وقصّر في تحصيله، وأخطأ، فلا يُعذر بجهله إلا بضوابط أخرى، سنتناولها في بحث العذر بالجهل\... إذن، الشاهد يا إخواني، الذي أريد أن أنبهكم عليه هو أن قضية أمراض القلوب الغرض منها أن يُسقط كل إنسان ما يسمعه على نفسه. لذلك، قلنا سابقاً إن العلوم الشرعية تنقسم باعتبار الحاجة إليها إلى قسمين. اكتبوا هذه المعلومات: العلوم الشرعية تنقسم باعتبار الحاجة إليها إلى قسمين: علوم يحتاجها المكلف بين الحين والحين وعلوم يحتاجها المكلف في كل وقت وحين\... أما النوع الأول، فهو مثل العلم بمناسك الحج والعمرة. نحن نتكلم هنا عن عامة الناس، لا عن طلبة العلم ولا العلماء والدعاة، لأن هؤلاء دائماً ما تكون علومهم حاضرة وملازمة لهم. نحن نتكلم عن الجماعة العامة، مثل المتعلم على سبيل النجاة. كم مرة يحج الإنسان؟ مثلاً قد يحج مرة في العمر، وربما لم يحج إلا في سن متأخرة فيحمل العلم ويطبقه مرة واحدة، ثم ينتهي منه. مثل علم المواريث أو فقه الزكاة. هؤلاء من الناس قد لا يحتاجون إلى هذه العلوم بشكل دائم. نحن نتكلم هنا عن الشخص العادي الذي يجمع مالاً أو يدير عمله، فيحتاج إلى معرفة هذه الأحكام بين الحين والآخر\... أما النوع الثاني من العلوم، فهو العلم الذي يحتاجه المكلف في كل وقت وحين مثل علم التوحيد، والعلم بأركان الإيمان والإسلام مثل فهم الطهارة وأحكامها وكيفيتها آخر شيء قلناه هو أن القسم الثاني من العلوم هو الذي يحتاجه الإنسان في كل وقت وحين، مثل العلم بما يجب عليه تجاه الله عز وجل، من الإيمان به وإفراده سبحانه وتعالى بكل أنواع العبادة، وكذلك العلم بأركان الطهارة وكيفيتها وأيضاً، العلم بصلاح القلب واستقامته. لأن الإنسان منا دائماً لا بد أن يكون على استقامة، ولن تتحقق هذه الاستقامة إلا إذا كان صلاح قلبه قائماً. إذن، يصبح اهتمامنا بعلم أمراض القلوب وعلاجها أولى بكثير من غيره من العلوم، لأن هذا العلم نحتاجه في كل وقت وحين، أما غيره من العلوم فقد يعيش الإنسان طوال عمره ولا يحتاجه إلا مرة واحدة\... وهذا واقع. إذن، الشاهد يا إخواننا أن هذا المبحث يجب أن ننظر إليه بعين الإنصاف وبشيء من الحصافة والجدية، فهو لا يقل أهمية عن غيره، بل هو أهم من غيره. لذلك، يقول عبد الله بن المبارك: \"كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تأدب قبله عشرين سنة\". ومن الطرائف أن رجلاً ذهب مرة إلى الفضيل بن عياض وقال: \"يا إمام، عندي خمسة أحاديث أريد أن أقرأها عليك، يعني أقرأها لك بالسند وتصححها لي\". فقال الفضيل: \"اقرأ\". فقرأ الرجل على الفضيل ستة أحاديث. وبعد أن انتهى، قال له الفضيل: \"كم معك من حديث؟\" فقال: \"خمسة\". فقال له الفضيل: \"يا بني، قرأت ستة أحاديث. كيف أشرح لك الحديث وأنت كذاب؟ تعلم الصدق أولاً، ثم تعال لقراءة الحديث\"\... إذن، يا إخواني، الأدب والالتزام والحرص على طهارة القلب هي أهم الأمور في طلب العلم. ولكن، نظراً لقصر الوقت واتساع الخرق على الراقع، يعني بسبب الفتن والمشاكل التي نواجهها، يجب علينا جميعاً أن نمر بمرحلة طويلة من العمر نتعلم فيها الأدب وطهارة القلب والحرص على صدق النفس وبعد ذلك ندرس علوم الآلة، والأصول، وكتاب التوحيد، وأصول السنة لابن حنبل وغيره. لكن، بسبب الفتن التي تواجهنا من كل اتجاه، اضطررنا أن نسلك هذا المسلك، ونخوض في هذا البحر الذي لا ساحل له، ونسأل الله عز وجل السلامة والنجاة. تبقى معنا كلمة قالها الإمام وهب بن منبه رحمه الله\... دائماً نذكر هذا الكلام ونتأمله: قال وهب بن منبه: \"العلم كالغيث ينزل من السماء حلواً صافياً فتشربه الأجسام بعروقها وتحوله على قدر طعومها، فيزداد المر مرارة، والحلو حلاوة\". فالعلم كالغيث ينزل من السماء حلوًا صافياً، فتشربه الأشجار بعروقها وتحوله على قدر طعومها، فيزداد المر مرارة والحلو حلاوة. العلم كالغيث. الغيث هو الماء الذي ينزل من السماء حلوًا صافياً، فتشربه الأشجار بعروقها. مثلاً، تجد نبات الصبار بجوار شجرة التفاح، وكلاهما يُسقى بماء واحد. ولكن، تختلف ثمرة كل منهما عن الأخرى. الماء ينزل من السماء، وتمتصه جذور الصبار فتزداد مرارة، بينما شجرة التفاح تزداد حلاوة. وهكذا العلم، ينزل كالغيث، فتشربه الأشجار بعروقها وتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة، والحلو حلاوة. كذلك العلم، يحفظه الرجال، ويحوله كل منهم على حسب همته وما في قلبه فيزداد المتكبر كبراً، والمتواضع تواضعاً وهكذا العلم، يحفظه الرجال، فتحوله هممهم وما في قلوبهم، فيزداد المتكبر كبراً، والمتواضع تواضعاً. شخص تعلم علم الجرح والتعديل وقلبه مريض بالحسد والحقد، لا يوجد حل لمشكلته\... فلا يستطيع أن يتحدث عن العلم، ولن يعرف أحد مرضه، لأن قلبه فيه داء، أعاذنا الله من ذلك. نسأل الله أن يوفقنا، وسنبدأ مستعينين بالله عز وجل في اللقاء القادم بأول مرض من أمراض القلوب. وهذا الترتيب الذي سنتبعه هو اجتهاد شخصي مني.