مناهج البحث اللغوي PDF

Document Details

JubilantJuniper4971

Uploaded by JubilantJuniper4971

جامعة ابن خلدون تيارت

2009

عبد القادر شاكر

Tags

linguistic research methods comparative linguistics language studies academic research

Summary

This document deals with various research methods in linguistics, specifically focusing on the comparative method.  A detailed analysis of the comparative method and its components is presented, illustrating its significance in modern academic research. The text highlights the contributions and characteristics of the method.

Full Transcript

‫مجلة حوليات التراث ‪ -‬العدد ‪2009 / 09‬‬ ‫مناهج البحث اللغوي‬ ‫د‪.‬عبد القادر شاكر‬ ‫جامعة تيارت‪ ،‬الجزائر‬ ‫الملخص‪:‬‬ ‫إن الحديث عن مناهج البحث عديدة ومتشعبة‪ ،‬أصبحت تشغل بال الباحثين...

‫مجلة حوليات التراث ‪ -‬العدد ‪2009 / 09‬‬ ‫مناهج البحث اللغوي‬ ‫د‪.‬عبد القادر شاكر‬ ‫جامعة تيارت‪ ،‬الجزائر‬ ‫الملخص‪:‬‬ ‫إن الحديث عن مناهج البحث عديدة ومتشعبة‪ ،‬أصبحت تشغل بال الباحثين‬ ‫الأكاديميين على مختلف مشاربهم واختصاصاتهم‪ ،‬فلا يكاد أي بحث جامعي في الوقت الراهن‬ ‫أن يخلو من الخضوع لمنهج معين على حسب تخصص تلك الأبحاث الجامعية‪.‬وما يهمنا في‬ ‫بحثنا هذا في إطار اختصاصنا هو المنهج اللغوي المقارن‪.‬‬ ‫الكلمات الدالة‪:‬‬ ‫مناهج البحث‪ ،‬المنهج اللغوي المقارن‪ ،‬علم اللغة‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬اللغو يات‪.‬‬ ‫***‬ ‫قبل أن نلج في عمق الموضوع بالبحث والدراسة وعما يتميز به البحث المقارن‬ ‫وما قدمه و يقدمه من خدمة للبحث اللغوي‪ ،‬يجدر بنا أن نقدم تعر يفا لغو يا‬ ‫واصطلاحيا عن تأسيس لفظة المنهج‪.‬‬ ‫وردت كلمة منهج أو )المنهج( في القرآن الـكريم‪" :‬ولا تـتبع أهواءهم عما‬ ‫جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا")‪.(1‬‬ ‫أما إذا فتشنا عن اللفظة المذكورة )منهج( في التراث اللغوي العربي وفي‬ ‫المعاجم اللغو ية بالتحديد‪ ،‬فإننا نجد جل المعاجم تـتفق في تحديد لفظة )منهج(‬ ‫من حيث الجانب اللغوي والدلالي‪ ،‬ونبدأ بأقدم مصدر وقفنا عليه وثق كلمة‬ ‫المنهج هو‪ :‬أساس البلاغة للزمخشري )ت ‪539‬هـ( جاء عنه‪)" :‬ن هـ ج( أخذ‬ ‫النهج‪ ،‬والمنهج والمنهاج وطر يق نهج‪ ،‬وطرق نهجة‪ ،‬ونهجت الطر يق‪ ،‬بينته‪،‬‬ ‫وانتهجته‪ ،‬واستبنته‪ ،‬ونهج الطر يق وأنهج‪ ،‬وأنهج‪ :‬وضح‪ ،‬قال يزيد بن حذاق‬ ‫الشني‪ :‬ولقد أضاء لك الطر يق وأنهجت منه المسالك والهدى يعتدي")‪.(2‬‬ ‫وأنهج الطر يق‪ :‬وضح واستبان‪ ،‬وصار نهجا واضحا بينا‪ ،‬والنهج بتسكين الهاء‬ ‫هو الطر يق المستقيم)‪.(3‬وقد عرف المعجم الوسيط المنهج بأنه الخطة المرسومة‪،‬‬ ‫© جامعة مستغانم‪ ،‬الجزائر ‪2009‬‬ ‫د‪.‬عبد القادر شاكر‬ ‫واللفظة دلالتها محدثة‪ ،‬ومنه مناهج الدراسة ومناهج التعليم ونحوهما)‪.(4‬‬ ‫المنهج اصطلاحا‪ :‬و يعني الطر يقة أو الأسلوب وفي اللغة الأجنبية الفرنسية‬ ‫هو )‪.(méthode‬فالقصد من هذا المصطلح الطر يق أو السبيل أو التقنية‬ ‫المستخدمة لعمل شيء محدد‪ ،‬أو هو العملية الإجرائية المتبعة للحصول على شيء‬ ‫"ما" أو موضوع "ما"‪.‬‬ ‫وقد وظف المنهج على أنه التيار أو المذهب أو المدرسة‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫تعدد هذه المصطلحات فهدف المنهج وغايته واحدة‪ ،‬هو الـكشف عن الطر يقة أو‬ ‫الأسلوب لتيار معين أو مذهب معين أو مدرسة معينة)‪.(5‬‬ ‫وخلاصة القول‪ :‬فإن المنهج هو الطر يقة الخاصة التي تصلح لكل علم على‬ ‫حدة بل لكل موضوع من موضوعات هذا العلم‪ ،‬و يعني مجموعة القواعد العامة التي‬ ‫يتم وضعها بقصد الوصول إلى الحقيقة في العلم‪ ،‬إنه الطر يقة التي يتبعها الباحث في‬ ‫دراسة المشكلة لاكتشاف الحقيقة‪ ،‬أو الوصول لتحقيق الغاية المراد الوصول‬ ‫إليها)‪.(6‬‬ ‫والمناهج أو المذاهب أو المدارس عديدة متعددة وسنقف على أهمها‬ ‫بالدراسة وعلى ما قدمته من خدمات للبحث الأكاديمي الحديث والمعاصر ولا‬ ‫سيما في الجانب اللغوي‪.‬‬ ‫المنهج المقارن‪:‬‬ ‫المنهج المقارن أقدم مناهج البحث اللغوي الحديث وبه بدأ البحث اللغوي‬ ‫عصر ازدهاره في أواخر القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر‪.‬يتناول‬ ‫المنهج المقارن مجموعة لغات تنتمي إلى أسرة لغو ية واحدة بالدراسة المقارنة‪.‬‬ ‫‪ - 1‬عوامل ظهور المنهج المقارن أو أسباب ظهوره‪:‬‬ ‫لعل أسباب ظهوره المنهج المقارن قد تعود إلى نشاط البحث اللغوي الذي‬ ‫عرفته أوربا بالخصوص في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وما بعدهما ومن جملة‬ ‫ما تم تحقيقه ‪ -‬في ظل الأبحاث اللغو ية في خلال الفترة المذكورة ‪ -‬اكتشاف‬ ‫اللغة السنسكريتية على يد ألسير وليم جونز )‪ (Sir William Jones‬الذي كان‬ ‫‪- 84 -‬‬ ‫مناهج البحث اللغوي‬ ‫قاضيا في المحكمة العليا بالبنغال في سنة )‪1786‬م( هو الذي مهد الطر يق لتأسيس‬ ‫المنهج المقارن)‪.(7‬عند قيامه بدراسة رائعة من نوعها‪ ،‬تمت هذه الدراسة على‬ ‫اللغة الهندو أوربية وقدم على إثر هذه الدراسة خلاصة نتائج ما توصل إليه في‬ ‫بحثه المقارن قال‪" :‬إن اللغة السنسكريتية مهما كان قدمها بنية رائعة أكمل من‬ ‫الإغريقية وأغنى من اللاتينية‪ ،‬وهي تنم عن ثقافة أرقى من ثقافة هاتين اللغتين‪،‬‬ ‫لـكنها مع ذلك تـتصل بهما بصلة وثيقة من القرابة سواء من ناحية جذور الأفعال‬ ‫أم من ناحية الصيغ النحو ية حتى لا يمكننا أن نغزو هذه القرابة إلى مجرد‬ ‫الصدفة‪.‬ولا يسع أي لغوي بعد تصفحه هذه اللغات الثلاث إلا أن يعترف بأنها‬ ‫تـتفرع من أصل مشترك زال من الوجود")‪.(8‬‬ ‫النص لا يحتاج إلى تعليق؛ لأنه صور أحسن تصوير لما يربط اللغة‬ ‫السنسكريتية من روابط مشتركة ذات أصل واحد‪ ،‬وما تميزت به أو انفردت به‬ ‫اللغة الهندية من خصائص فردية عن أخواتها مثل اللاتينية‪ ،‬والإغريقية وغيرهما‪.‬‬ ‫من هنا اتفقت أراء الباحثين اللغو يين على أن المنهج المقارن هو أقدم المناهج‬ ‫المعروفة لدينا اليوم‪ ،‬وعلى أساس هذا المنهج تم تقسيم وتحديد الفصائل اللغو ية‬ ‫ضمن الدرس الفونولوجي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أهم مؤسسي علم اللغة المقارن‪:‬‬ ‫سبق لنا أن أشرنا إلى أن وليام جونز )ت ‪1796‬م( كان ممن مهدوا‬ ‫الطر يق وهيأوا الأرضية للعلماء الذين جاؤوا من بعده لمواصلة بحوثهم اللغو ية في‬ ‫كل الاتجاهات‪ ،‬وتحت تيارات متعددة ومدارس نقدية مختلفة‪ ،‬من بينها‬ ‫المذهب المقارن‪.‬وكانت اللغة السنسكريتية أساس للمقارنة ضمن اللغات الهندية‬ ‫الأوروبية‪ ،‬ومعظم الأبحاث تـتفقعلى أن بداية المنهج المقارن بدأت منذ نهاية‬ ‫القرن الثامن عشر‪.‬إلا أن عبده الراجحي يقول‪" :‬إن تأسيس الدرس المقارن قد‬ ‫بدأ على يد "يينش" )‪ (D. Jenisch‬حين أعلنت الأكاديمية الألمانية عن جائزة‬ ‫لمن يكتب بحثا عن أحسن وسيلة في التعبير اللغوي؛ فكسب الجائزة هذا الأخير‬ ‫وأصدر في سنة )‪1796‬م( كـتابه "مقارنة وتقدير فلسفيان نقديان لأربع عشرة‬ ‫‪- 85 -‬‬ ‫د‪.‬عبد القادر شاكر‬ ‫لغة أوربية قديمة وحديثة")‪.(9‬من هذا التاريخ تم تأسيس المذهب المقارن بأتم‬ ‫المعنى وكانت المدرسة الألمانية سباقة في احتوائها واحتضانها المنهج المقارن ولا‬ ‫ننسى لغوييها أمثال‪ :‬فردر يك فون شليجل )‪.(Friedrich Von Schlegel‬الذي‬ ‫يعتبر أول من دعا إلى النحو المقارن وكـتابه الذي أصدره في سنة )‪1808‬م(‬ ‫بعنوان‪" :‬عن اللغة و المعرفة عند الهنود")‪.(10‬‬ ‫لقد استمرت المدرسة الألمانية تطور أبحاثها اللغو ية في ظل المنهج المقارن إلى‬ ‫جانب المنهج التار يخي على يد ثلة من علماء اللغو يين أمثال‪:‬‬ ‫بوب )‪1791‬م ‪1867 -‬م( )‪ (Franz Bopp‬صاحب كـتاب )القواعد‬ ‫المقارنة(‪ ،‬وما توجهه اهتمام الناس إلى هذه اللغة )السنسكريتية( والقواعد‬ ‫المقارنة في أبحاثه إلا دليل على مدى إرساء القواعد المقارنة وفق ما تقتضيه‬ ‫الدراسات الأكاديمية العلمية الحديثة‪.‬‬ ‫بوب يعتبره جورج مونن مؤسس القواعد المقارنة بدون منازع‪ ،‬كان‬ ‫صاحب معرفة واسعة بعلوم عصره اللغو ية والفلسفية وتعلم الفارسية والعربية‬ ‫والعبر ية‪ ،‬والسنسكريتية على يد شيزي )‪ (Chézy‬الأستاذ في معهد كوليج دي‬ ‫فرانس )‪ (Collège de France‬منذ عام )‪1814‬م(‪ ،‬وهنا بباريس أنشأ بوب‬ ‫مذكرته‪" :‬في نظام تعر يف اللغة السنسكريتية ومقارنته بالأنظمة الصرفية المعروفة‬ ‫في اللغات اليونانية والفارسية والجرمانية‪.‬‬ ‫استدعي بوب في سنة )‪1821‬م( لتعليم السنسكريتية في جامعة برلين‪ ،‬تابع‬ ‫بوب أبحاثه في اللغة المقارنة طوال نصف قرن من الزمن وتقدم إلى المجمع اللغوي‬ ‫في برلين بخمس مذكرات على التوالي نذكر منها‪ ،‬التحليل المقارن بين اللغة‬ ‫السنسكريتية واللغات التي تمت إليها بصلة القربى‪1824) ،‬م ‪1831 -‬م(‪ ،‬وكذلك‬ ‫القواعد المقارنة )‪1833‬م ‪1852 -‬م(")‪.(11‬‬ ‫أما غريم )‪1785) (Jacob Grimm‬م ‪1863 -‬م( صاحب كـتاب‬ ‫)القواعد الألمانية( فهو يعد من مؤسسي المدرسة المقارنة أو النحو المقارن‪ ،‬فقد‬ ‫أسهم بعطاءاته في تأسيس المذهب المقارن بل والتار يخي‪ ،‬ولم يفرد له جورج‬ ‫‪- 86 -‬‬ ‫مناهج البحث اللغوي‬ ‫مونن ترجمة كاملة تخص حياة هذا اللغوي وجهوده وأبحاثه اللغو ية مثل ما فعل‬ ‫مع بوپ‪ ،‬وراموس راسك الدانماركي‪ ،‬أو شلايشر‪ ،‬بل أشار إلى هذا الرجل في‬ ‫عدة محطات من كـتابه تاريخ علم اللغة منذ نشأتها حتى القرن العشرين)‪.(12‬‬ ‫ما يثبت جهود جاكوب غريم في مجال البحث اللغوي المقارن جهوده‬ ‫للدراسات الصوتية المقارنة وما تخضع له من قوانين التحول التي تخضع لها‬ ‫الحروف الصحيحة في اللغة الجرمانية)‪.(13‬وهو متأثر مقلد في نظر بردسن‬ ‫)‪ (Predersen‬براموس راسك )‪ ،(R. Rask‬والاقتباس ظاهر في كـتاب غريم‬ ‫"القواعد الألمانية"‪ ،‬ففي طبعته الأولى )‪181‬م( لم يذكر غريم كلمة واحدة في علم‬ ‫الصوت‪ ،‬فحـين أفرد هذه الظواهر الصوتية خمسة وتسعون وخمسمائة ‪ 595‬صفحة‬ ‫من الطبعة الثانية )‪1822‬م(‪.‬‬ ‫)‪(14‬‬ ‫من الـكـتاب المذكور‪،‬‬ ‫وقد أشار راومر )‪ (Rowmer‬في موطن آخر‬ ‫وذلك في عام )‪1870‬م( إلى ما يدين به الألماني غريم للغوي الدانماركي‪ ،‬هذا‬ ‫دليل ثان على أن جريم قد تأثر بأستاذه راموس راسك و بخاصة في مجال‬ ‫الدراسات الصوتية المقارنة‪.‬ناهيك أنه كانت له جهود كبيرة في تأسيس المنهج‬ ‫التار يخي‪ ،‬بدليل قول‪ :‬جورج مونن‪" :‬لما كان بوب في سبيل إعداد القواعد‬ ‫المقارنة‪ ،‬كان غريم في الوقت نفسه يضع القواعد التار يخية للغة الألمانية‪ ،‬ثم‬ ‫راحوا يقتفون أثره فوضع دييز )‪ (Friedrich Diez‬قواعد مقارنة وتار يخية معا‬ ‫للغات الرومية ومنذ عام )‪1870‬م( كانت الأبحاث قد طبعت بطابع جديد)‪.(15‬‬ ‫و يصفه محمود السعران بخالق النحو المقارن في ألمانيا)‪.(16‬‬ ‫ولا ننسى أتباع مدرسة بوب وما قاموا به من أبحاث لغو ية متأثرين بمنهج‬ ‫المدرسة المقارنة أمثال‪ :‬ماكس مولر )‪ (M. Muller‬وجورج كورتيوس ) ‪G.‬‬ ‫‪ ،(Curtius‬وأوغست شليشر )‪1868 - 1821‬م( )‪،(August Schleicher‬‬ ‫قدم كل منهم خدمات بطر يقته الخاصة في فقه اللغة المقارن)‪.(17‬‬ ‫‪ - 3‬هدف المقارنة عند بوب وأتباعه‪:‬‬ ‫كان الهدف الأساسي من القواعد المقارنة عند بوب وأتباع مدرسته إثبات‬ ‫‪- 87 -‬‬ ‫د‪.‬عبد القادر شاكر‬ ‫القرابة بين اللغات‪ ،‬وهي لا تسعى إلى تـتبع تار يخها الطو يل خطوة خطوة‪ ،‬بل‬ ‫تعتمد طر يقة الموازنة الدقيقة الصارمة‪ ،‬وتنتهي من عملها أو تستنفذ خطوة‪ ،‬أو‬ ‫تستنفذ طاقتها إذ أثبتت أن التشابه بين أشكال لغتين لا يمكن أن يكون من قبيل‬ ‫الصدفة‪ ،‬وبالتالي لا بد أن تكون اللغتان قريبتين من الناحية التوليدية‪.‬إما أن‬ ‫تكون إحداهما منحدرة من الأخرى‪ ،‬وإما أن تنحدرا معا من أصل مشترك)‪.(18‬‬ ‫‪ - 4‬ميدان المنهج المقارن‪:‬‬ ‫إن علم اللغة المقارن أقدم مناهج البحث اللغوي كما يؤرخ له الباحثون‪ ،‬به‬ ‫بدأ البحث اللغوي عصر ازدهاره في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والقرن‬ ‫التاسع عشر للميلادي‪.‬فهو منهج يطبق على مجموعات لغو ية معينة من اللغات إنه‬ ‫يطبق على اللغتين أو عدة لغات منتسبة إلى أصل واحد بعيد‪ ،‬ثم خضعت في‬ ‫تار يخها الطو يل لتطورات منفصلة‪.‬‬ ‫وعندما يقف اللغوي إلى جمع السمات )الخصائص( المشتركة بين أمثال‬ ‫هذه المجموعة من اللغات يتمكن من أن ينشئ النحو المقارن لهذه المجموعة)‪.(19‬‬ ‫المنهج المقارن يهيئ السبيل لتصنيف اللغات بحسب خصائصها وتجميعها في‬ ‫عائلات ومستوى هذه المقارنة هو الجانب الفيز يولوجي والنحوي والدلالي‪ ،‬بفضل‬ ‫هذا المنهج تقدم البحث اللغوي شيئا فشيئا‪ ،‬فقورنت اللغات الأوربية المختلفة‬ ‫واللغات الإيرانية‪ ،‬واللغات الهندية‪ ،‬وثبت بهذه المقارنات أن كثيرا من اللغات‬ ‫تحمل أوجه شبه البنية والمعجم‪ ،‬وبذلك اتضحت معالم أسرة لغو ية كبيرة تضم‬ ‫لغات كثيرة في الهند وإيران وأوربا‪ ،‬وأطلق الباحثون على هذه الأسرة اللغو ية‬ ‫اسم اللغات الهندية الأوربية‪.‬ويسميها الباحثون الألمان أسرة اللغات الهندية‬ ‫الجرمانية‪.‬‬ ‫وقام الباحثون في اللغات السامية ‪ -‬أيضا ‪ -‬بتطبيق المنهج المقارن الذي‬ ‫يبحث مجموعة اللغات العربية والعبر ية والآرامية والأكادية والعربية الجنوبية‬ ‫والحبشية‪.‬‬ ‫وقد ازدهر البحث اللغوي المقارن خلال القرن التاسع عشر‪ ،‬و بحث في‬ ‫‪- 88 -‬‬ ‫مناهج البحث اللغوي‬ ‫اللغة السامية من حيث الصوت وبناء الكلمة‪ ،‬وبناء الجملة الخـبر ية والفعلية‬ ‫والاسمية‪ ،‬وتناول علم الدلالة وما يتعلق بتاريخ الكلمات وتأصيلها)‪.(20‬‬ ‫كان للمنهج المقارن دور في دراسة اللغات السامية في فترة كانت الـكشوف‬ ‫الأثر ية قد ظهرت إلى الوجود مكتوبة على النقوش‪ ،‬وهي اللغات الأكادية في‬ ‫العراق‪ ،‬والعربية الجنوبية في اليمن‪ ،‬والفينيقية في منطقة ساحل الشام‪ ،‬وأضيف‬ ‫إلى اللغات السامية في القرن العشرين اللغة الإجريتية التي اكتشفت في ساحل‬ ‫الشام بالقرن من مدينة رأس شمرا سنة ‪ 1926‬للميلاد‪.‬‬ ‫إن البحث المقارن يتناول أسرة لغو ية كاملة أو فرعا من أفرع هذه الأسرة‬ ‫اللغو ية‪ ،‬ولهذا يعد علم اللغة المقارن فرعا مستقلا من أفرع البحث اللغوي‪.‬‬ ‫يتناول المنهج المقارن المجالات المذكورة لعلم اللغة‪ ،‬فيبحث في الناحية‬ ‫الصوتية للأصوات الموجودة في هذه اللغات المنتمية إلى أسرة لغو ية واحدة‪،‬‬ ‫محاولا التوصل إلى قواعد مطردة تفسر التغيرات الصوتية التي طرأت على مدى‬ ‫الزمن‪ ،‬فانقسمت اللغة الواحدة إلى لهجات ولغات كثيرة‪ ،‬انقسمت بدورها إلى‬ ‫اللغات أخرى‪ ،‬وقد اتضح في إطار البحث اللغوي الصوتي المقارن أن مجموعة من‬ ‫الأصوات مستمرة دون تغيير يذكر على العكس من هذا فهناك أصوات خضعت‬ ‫لتغيرات بعيدة المدى منها صوت الضاد الذي اختفى بمضي الوقت من كل‬ ‫اللغات السامية باستثناء اللغة العربية‪ ،‬وكل هذه البحوث في مجال الأصوات‪،‬‬ ‫وتعد بمنهج مقارن)‪.(21‬‬ ‫كما يتناول المنهج المقارن بناء الكلمة وكل ما يتعلق بالأوزان‪ ،‬والسوابق‬ ‫واللواحق‪ ،‬ووظائفها المختلفة‪ ،‬فدراسة الضمائر في اللغات السامية تعد من‬ ‫الدراسات التي أولى لها علم الصرف المقارن عنايته؛ لأنها تخص بنية الكلمة فهي‬ ‫تتم بمنهج مقارن‪ ،‬وكذلك أبنية الأفعال في اللغات السامية‪ ،‬واسم الفاعل في‬ ‫اللغات السامية‪ ،‬أو المصدر في اللغات السامية‪ ،‬فكل هذه الدراسات تدخل تحت‬ ‫ما يسمى بعلم الصرف المقارن للغات السامية‪.‬‬ ‫كما يعد المنهج المقارن في بناء الجملة مجالا ثالثا من مجالات البحث في علم‬ ‫‪- 89 -‬‬ ‫د‪.‬عبد القادر شاكر‬ ‫اللغة المقارن‪ ،‬إن دراسة الجملة سواء أكانت فعلية أم اسمية في اللغات السامية‬ ‫فهي مناط البحث بالنسبة للمنهج المقارن‪.‬‬ ‫كما يبحث المنهج المقارن في اللغات السامية و بخاصة في الكلمات وتأصيلها‪،‬‬ ‫وغايته في هذه الدراسة التنقيب عن الكلمات المشتركة في المعنى أو المختلفة وما‬ ‫طرأ عليها من تغيير دلالي‪.‬كما يهدف إلى تأصيل المواد اللغو ية في المعاجم‪ ،‬وردها‬ ‫إلى أصولها السامية إن وجدت)‪.(22‬‬ ‫‪ - 5‬هل عرف العرب المنهج المقارن في دراساتهم التراثية؟‬ ‫إن وجود المناهج اللغو ية من حيث التأسيس حديثة العهد لم يتعد على قيامها‬ ‫أكثر من قرنين‪ ،‬واعتمادها طر يقا أو منهاجا يلتزم به كل باحث مهما كان‪ ،‬ومهما‬ ‫تنوعت إنتاجات وإبداعات هؤلاء الباحثين على اختلاف تخصصاتهم‪.‬‬ ‫على الرغم من حداثة خصائص المنهج المقارن وشروطه ومميزاته غير أن‬ ‫العرب لم يشروا إلى ذكر لفظة هذا المصطلح‪ ،‬ولا إلى أهميته في الدراسات اللغو ية‬ ‫أيام ازدهار نهضتهم الفكر ية‪ ،‬حالهم في ذلك حال الأمم المجاورة لهم مثل الفرس‬ ‫أو الهند أو اليونان‪ ،‬أو غيرهم‪ ،‬لـكن آثار وجود بعض بصمات المنهج المقارن‬ ‫فهي حاضرة في دراساتهم‪ ،‬وذلك من خلال ما استدل به الباحثون اللغو يون‬ ‫العرب المعاصرون ولنأخذ نصافي الموضوع‪ ،‬قال سليمان ياقوت‪" :‬ولم يكن جميع‬ ‫القدامى من اللغو يين العرب على جهل باللغات السامية‪ ،‬بل كان بعضهم يعرف‬ ‫العلاقة بين العربية وبعض هذه اللغات‪ ،‬وإن لم تثمر هذه المعرفة عندهم في‬ ‫الدرس اللغوي‪ ،‬ومقارنة العربية باللغات السامية‪ ،‬فقد ورد في كـتاب )العين(‬ ‫للخليل بن أحمد قوله‪" :‬وكنعان بن سام بن نوح‪ ،‬ينسب إليه الـكنعانيون‪ ،‬وكانوا‬ ‫يتكلمون بلغة تضارع العربية")‪.(23‬‬ ‫النص يفصح للقراء بأن اللغو يين العرب كانوا على دراية باللغات السامية‬ ‫أخوات العربية في وقت مبكر‪ ،‬والدليل على ذلك ما جاء على لسان الخليل بن‬ ‫أحمد الفراهيدي )ت ‪175‬هـ(‪ ،‬حين ضارع لغة العرب بلغة الـكنعانيـين‪ ،‬فهذه‬ ‫الدراسة أساسها هو المنهج المقارن بمفهومه العلمي؛ لأن معرفة العلاقة بين اللغتين‬ ‫‪- 90 -‬‬ ‫مناهج البحث اللغوي‬ ‫المذكورتين أو نفي الصلة بينهما لا يقوم بها إلا عالم أو عارف بلغتين متضلع فيهما‪.‬‬ ‫وواصل سليمان ياقوت جملة من الاستشهادات التي ثبتت ملامح وجود‬ ‫المنهج المقارن في الدراسات التراثية العربية كالتي جاءت على يدي أبي عبيد‬ ‫القاسم بن سلام الجمحي )ت ‪231‬هـ( عندما تعرض إلى أداة التعر يف في اللغة‬ ‫السر يانية‪ ،‬واللغة العربية‪ ،‬والرموز الإعرابية)‪.(24‬‬ ‫قلنا هناك بصمات للمنهج المقارن في الدراسات اللغو ية العربية القديمة‪،‬‬ ‫وهذا ما نقف عليه عند صاحب الإيضاح في علل النحو‪ ،‬قال‪" :‬الكلام اسم‬ ‫وفعل وحرف جاء لمعنى" فقال قائلون‪ :‬إنما قصد الكلام العربي دون غيره‪ ،‬وقال‬ ‫آخرون بل أراد الكلم العربي كله والعجمي")‪.(25‬‬ ‫المتمعن في النص قد يعي كل الوعي أن العرب عندما تعرضوا لدراسة‬ ‫لغتهم في كل سياقاتها كانوا يدركون اللفظة العربية من غير العربية هذه الأحكام‬ ‫والاستنتاجات هي من خصائص دراسات المنهج المقارن‪.‬‬ ‫وما يثبت وجود أدلة على أن المنهج المقارن تواجد في الدراسات العربية‬ ‫القديمة ما تناوله ابن دريد في جمهرته )كـتابه( يشير إلى ما اختصت به الأصوات‬ ‫العربية دون سائر الخلق صوتا الحاء والظاء "وزعم آخرون أن الحاء في السر يانية‬ ‫والعبرانية والحبشية كثيرة وأم الظاء وحدها مقصورة على العرب ومنها ستة أحرف‬ ‫للعرب ولقليل من المعجم وهن العين والصاد والضاد والقاف والطاء والثاء‪ ،‬وما‬ ‫سوى ذلك فللخلق كلهم من العرب والعجم إلا الهمزة")‪.(26‬‬ ‫كما توصل ابن حزم الأندلسي )ت ‪456‬هـ( إلى وجود علاقة القرابة بين‬ ‫العربية والعبر ية والسر يانية و بخاصة فيما يتعلق باللفظ‪ ،‬ثم أدرك أبو حيان‬ ‫الأندلسي صاحب البحر المحيط )ت ‪754‬هـ( العلاقة الموجودة بين الحبشية‬ ‫والعربية‪ ،‬وألف فيهما تأليفا مستقلا في البحر المحيط‪.‬‬ ‫قال‪" :‬وقد تكلمت عن كيفية نسبة الحبش في كـتابنا المترجم عن هذه‬ ‫اللغة المسمى بـ)جلاء الغبش عن لسان الحبش(")‪.(27‬هذا دليل آخر على أن‬ ‫علماء العرب القدامى قد تناولوا في دراستهم وأبحاثهم المنهج المقارن دون أن‬ ‫‪- 91 -‬‬ ‫د‪.‬عبد القادر شاكر‬ ‫يعر ّفوا أو يعرفوا أسس وخصائص هذا المنهج‪.‬‬ ‫هذا ما يثبت أن العرب لم تكن دراساتهم دراسة عقيمة متحجرة غامضة‬ ‫بل مروا في أبحاثهم وتعليمهم ودراساتهم مثل بقية الأمم والشعوب التي سبقتهم‪.‬‬ ‫الهوامش‪:‬‬ ‫‪ - 1‬سورة المائدة‪ ،‬الآية ‪.48‬‬ ‫‪ - 2‬انظر‪ ،‬الزمخشري‪ :‬أساس البلاغة‪ ،‬تحقيق أحمد عبد الرحيم محمود‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫ص ‪.474‬‬ ‫‪ - 3‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪ ،1988‬ج‪،14‬‬ ‫ص ‪.300‬‬ ‫‪ - 4‬المعجم الوسيط‪ ،‬ط‪ ،2.‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،1973 ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.957‬‬ ‫‪ - 5‬يراجع‪ ،‬نور الهدى لوشن‪ :‬مباحث في علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬المكتبة الجامعية‬ ‫الأزر يطة‪ ،‬الإسكندر ية ‪ ،2000‬ص ‪.285 - 284‬‬ ‫‪ - 6‬يراجع عبد المجيد علي عابدين‪ :‬مزالق في طر يق البحث اللغوي والأدبي وتوثيق النصوص‪،‬‬ ‫دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪ - 7‬يراجع‪ ،‬محمود فهمي حجازي‪ :‬مدخل إلى علم اللغة‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪ - 8‬جورج مونن‪ :‬تاريخ علم اللغة منذ نشأتها حتى القرن العشرين‪ ،‬ترجمة الدكتور بدر القاسم‪،‬‬ ‫مطبعة جامعة دمشق‪1395 ،‬هـ ‪1972 -‬م‪ ،‬ص ‪.162‬وأحمد محمد قدور‪ :‬مبادئ اللسانيات‪،‬‬ ‫دار الفكر المعاصر‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت ‪ -‬دمشق ‪1419‬هـ ‪1999 -‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪ - 9‬د‪.‬عبده الراجحي‪ :‬فقه اللغة في الـكتب العربية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬الإسكندر ية ‪،1988‬‬ ‫ص ‪.13‬‬ ‫‪ - 10‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪ - 11‬جورج مونن‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.180 - 177‬ومحمود السعران‪ :‬علم اللغة المقارن‬ ‫مقدمة للقارئ العربي‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة ‪1420‬هـ ‪1999 -‬م‪ ،‬ص ‪.271‬‬ ‫‪ - 12‬يراجع جورج مونن‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.185 - 169‬‬ ‫‪ - 13‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫‪ - 14‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.173‬‬ ‫‪ - 15‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫‪ - 16‬محمود السعران‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬ ‫‪- 92 -‬‬ ‫مناهج البحث اللغوي‬ ‫‪ - 17‬نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 18‬جورج مونن‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.186‬ومار يو باي‪ :‬أسس علم اللغة تأليف‪ ،‬ترجمة‬ ‫الدكتور أحمد مختار عمر‪ ،‬ط‪ ،2‬عالم الـكتب‪ ،‬القاهرة ‪1408‬هـ ‪1987 -‬م‪ ،‬ص ‪.232‬‬ ‫‪ - 19‬محمود السعران‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫‪ - 20‬محمود فهمي حجازي‪ :‬مدخل إلى علم اللغة‪ ،‬ص ‪.21 - 20‬‬ ‫‪ - 21‬نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 22‬نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 23‬انظر‪ ،‬محمود سليمان ياقوت‪ :‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬ ‫الإسكندر ية ‪ ،2002‬ص ‪.107‬‬ ‫‪ - 24‬نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 25‬أبو القاسم الزجاجي‪ :‬الإيضاح في علل النحو‪ ،‬تحقيق مازن المبارك‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬ ‫بيروت ‪1986‬م‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪ - 26‬عبد الجليل مرتاض‪ :‬في مناهج البحث اللغوي‪ ،‬دار القصبة‪ ،‬الجزائر ‪ ،2003‬ص ‪.65‬‬ ‫‪ - 27‬محمود سليمان ياقوت‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫الإحالة إلى المقال‪:‬‬ ‫۞ د‪.‬عبد القادر شاكر‪ :‬مناهج البحث اللغوي‪ ،‬مجلة حوليات التراث‪ ،‬جامعة مستغانم‪ ،‬العدد‬ ‫التاسع ‪ ،2009‬ص ‪.93 - 83‬‬ ‫‪http://annales.univ-mosta.dz‬‬ ‫‪- 93 -‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser