مقدمة محاضرات المالية العامة 2025/2024

Summary

هذه المقدمة لمحاضرات مادة المالية العامة في جامعة ابن طفيل للعام الجامعي 2024/2025. تتناول المقدمة تاريخ المالية العامة في مختلف الحضارات، و دورها في الكشف عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة. كما تسلط الضوء على مكونات المالية العامة وتاريخها في الدولة الإسلامية.

Full Transcript

‫جامعة إبن طفيل‬ ‫كلية العلوم القانونية والسياسية_القنيطرة‬ ‫د‪:‬التوري إبراهيم‪.‬‬ ‫محاضرات في مادة المالية العامة‬ ‫السنة الجامعية‬ ‫‪2025/2024‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مدخل لعلم المالية العامة‪.‬‬ ‫تحتل ا...

‫جامعة إبن طفيل‬ ‫كلية العلوم القانونية والسياسية_القنيطرة‬ ‫د‪:‬التوري إبراهيم‪.‬‬ ‫محاضرات في مادة المالية العامة‬ ‫السنة الجامعية‬ ‫‪2025/2024‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مدخل لعلم المالية العامة‪.‬‬ ‫تحتل المالية العامة أهمية كبرى بالنسبة للدول والمجتمعات‪ ،‬فهي تعتبر المرآة‬ ‫العاكسة للظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية لكل دولة خالل فترة زمنية معينة‪.‬‬ ‫فالنفقات العامة واإليرادات العامة والميزانية العامة موضوعات علم المالية العامة لها‬ ‫دور مؤثر في الكشف عن الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية لكل دولة‪.‬‬ ‫تزداد أهمية المالية العامة كلما تزايد دور الدولة وتدخلها في مختلف المجاالت‬ ‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية وهو ما يتضح من خالل تطور الدولة من الدولة الحارسة‬ ‫إلى الدولة المتدخلة‪.‬‬ ‫فبعدما كان دور المالية العامة في ظل النظرية التقليدية محددا ً في كيفية توفير الموارد‬ ‫المالية لتغطية النفقات العامة الضرورية‪ ،‬لتحقيق القاعدة األساسية في المالية العامة وهي‬ ‫تحقيق وتأمين التوازن بين النفقات واإليرادات‪ ،‬أصبح في ظل النظرية الحديثة ينصب على‬ ‫ضرورة تكريس دور أكثر إيجابية للدولة‪ ،‬وذلك من خالل استخدام أدوات المالية العامة‬ ‫(النفقات العامة والموارد العامة والميزانية العامة) في التأثير في األنشطة االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬نظرة في أصل المالية العامة‪:‬‬ ‫المالية العامة ليست وليدة العصر الحديث‪ ،‬بل هي قديمة في التاريخ حيث تعرض لها‬ ‫كل من أفالطون وأرسطو وخاصة عند عرض آرائهما حول الدولة وإدارتها‪.‬‬ ‫وقد عرفت المالية العامة تطورا كبيرا اقترن بمراحل تاريخية محددة ترتبط ارتباطا‬ ‫وثيقا بوالدة ونشأة مفهوم الدولة وكذا الوظائف التي تقوم بها خالل كل مرحلة من تلك‬ ‫المراحل‪.‬فمن البديهي انه ال وجود لمالية الدولة قبل وجود الدولة ذاتها‪ ،‬وقبل هذا الوجود‬ ‫كانت هناك تجمعات عامة اتخذت شكال معينا من أشكال التجمع كانت لها ماليتها نظمتها كل‬ ‫جماعة حسب ظروفها الخاصة الخاضعة لألعراف والقواعد المنظمة لتلك الجماعة‪.‬‬ ‫فقد كانت الدول القديمة‪ ،‬عالوة على اإلغريق كما أشرنا سابقا‪ ،‬كالبابلية في العراق‬ ‫والفرعونية بمصر واإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬تلجأ إلى فرض الجزية على الشعوب‬ ‫المغلوبة‪ ،‬وإلى عمل األرقاء للحصول على موارد تنفق منها على مرافقها العامة‪ ،‬وقد عرفت‬ ‫مصر الفرعونية الضرائب المباشرة وغير المباشرة على المعامالت التجارية ونقل ملكية‬ ‫األراضي‪ ،‬كما عرفت اإلمبراطورية الرومانية أيضا أنواع معينة من الضرائب كالضريبة‬ ‫‪2‬‬ ‫على عقود البيع والضريبة على الشركات‪.‬‬ ‫أما خالل المرحلة الممتدة من العصور الوسطى‪ ،‬وخاصة في أوربا‪ ،‬وبسبب عدم‬ ‫التفرقة بين مالية الدولة ومالية الحاكم فقد كان هذا األخير يعطي نفقاته المحدودة من واردات‬ ‫أمالكه‪ ،‬ولم تكن تثار مسألة المالية العامة‪ ،‬إال في الحروب واألزمات‪ ،‬عندما تصبح واردات‬ ‫الملك غير كافية لتغطية األعباء‪ ،‬مما يدفع الملك إلى فرض ضرائب لتغطية نفقاته الطارئة‪،‬‬ ‫أو أن يضع يديه على أموال الخواص‪ ،‬باالستيالء والمصادرة‪ ،‬بدون وجه حق‪ ،‬نظرا‬ ‫لصعوبة وانعدام التظلم‪ ،‬أو رفع دعوى ضد السلطات العامة‪.‬‬ ‫أما عن المالية العامة في اإلسالم‪ ،‬فنجد أن عرب الجاهلية لم يعرفوا مالية عامة أو‬ ‫قواعد مالية تؤطر النفقات والموارد‪ ،‬ألنهم كانوا يعيشون عيشة قبلية ال أثر فيها لتنظيم‬ ‫األموال العامة‪ ،‬واستمر هذا الوضع في عهد رسول هللا "ص" عندما كان في مكة‪ ،‬حيث‬ ‫كانت إيرادات الدولة اإلسالمية في هذه الفترة تعتمد على تبرعات الصحابة لإلنفاق منها على‬ ‫الفقراء والمساكين‪ ،‬ولتغطية بعض الحاجات الضرورية‪ ،‬فلما هاجر الرسول "ص" إلى‬ ‫المدينة المنورة‪ ،‬وبدأ ظهور شكل الدولة اإلسالمية‪ ،‬أنشأ النبي "ص" بيت المال وعين لهذا‬ ‫الغرض المسجد فكانت توضع فيه مختلف األموال المحصلة عليها من مختلف المصادر‪،‬‬ ‫التي سنأتي على ذكرها‪ ،‬وكان النبي "ص" يتولى صرفها وفق ما تأمر به األحكام الشرعية‬ ‫وتقتضيه مصلحة المسلمين في أوقات السلم والحرب‪.‬وبعد وفاة النبي "ص" وضع أبو بكر‬ ‫الصديق رضي هللا عنه خالل السنة الثانية من خالفته نواة بيت المال فخصص مكانا في داره‬ ‫لجمع األموال التي ترد إلى المدينة وكان يقوم بصرفها بما يصلح لشؤون األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫واستكمل بيت المال بنياته وأسسه في عهد عمر بن الخطاب رضي هللا عنه بعد أن‬ ‫تدفقت األموال نتيجة الفتوحات اإلسالمية المتعددة‪ ،‬فخصص عمر بيت لجمع هذه األموال‬ ‫وأنشأ الدواوين لرصد الوارد والمنصرف من بيت المال‪ ،‬كما أمر بأن يكون لوالة األمصار‬ ‫دواوين على غرار دواوين بيت المال تسجل فيها اإليرادات والنفقات‪.‬‬ ‫وتكرس هذا النظام خالل المراحل الالحقة خاصة في عهد األمويين والعباسيين حيث‬ ‫تعددت الدواوين وتنوعت اختصاصاتها بهدف تدقيق حسابات الواردات والمصروفات‪ ،‬وتبعا‬ ‫لذلك فإن النظام المالي اإلسالمي حقق سبقا تاريخيا في مجال الفكر والتنظيم الماليين‪.‬‬ ‫أما فيما يخص اإليرادات التي شكلت مصدرا أساسيا لتمويل خزينة الدولة اإلسالمية‪،‬‬ ‫نجد من أهم هذه المصادر الزكاة‪ ،‬لكونها ركن من أركان اإلسالم‪ ،‬حيث ال يكتمل إسالم الفرد‬ ‫إال بأدائها‪ ،‬فهي عبادة مالية وليست ضريبة نقدية‪ ،‬فهي تختلف عن الضريبة التي يعرفها‬ ‫الفكر المالي المعاصر بأنها أداء نقدي تفرض الدولة بكيفية جبرية على األشخاص بشكل‬ ‫نهائي ودون مقابل قصد استعمال عائداتها في تغطية النفقات العامة‪.‬‬ ‫َََّلَ‬ ‫ة‬ ‫َ الص‬ ‫َام‬‫َق‬ ‫َأ‬‫وقد وردت عدة آيات تبين وجوب الزكاة منها قوله تعالى‪" :‬و‬ ‫‪3‬‬ ‫دوا " البقرة اآلية‬‫َُ‬ ‫َاه‬ ‫َا ع‬ ‫ْ إذ‬ ‫هدهم‬ ‫َْ‬‫َ بع‬ ‫ُون‬ ‫ُوف‬‫الم‬‫َ ْ‬‫َ و‬ ‫َاة‬ ‫َّك‬ ‫تى الز‬ ‫َآَ‬ ‫و‬ ‫‪ ،177‬وتعد الزكاة المصدر األول واألكثر أهمية للدولة اإلسالمية لما تتميز بها من وفرة‬ ‫الحصيلة وعدالة التوزيع الرباني‪.‬‬ ‫ومن بين مصادر بيت المال المسلمين‪ ،‬نجد الغنائم‪ ،‬وهي مجموع األموال التي‬ ‫يحصل عليها المسلمون في الحرو ب التي يدخلها الجيش اإلسالمي‪ ،‬وقد كان لهذا المورد‬ ‫األهمية الكبيرة ابتداء من السنة الثانية للهجرة حيث بدأت الحروب اإلسالمية تزداد شيئا‬ ‫ُم من شَيٍْ‬ ‫ء‬ ‫ْت‬‫َنم‬ ‫َا غ‬ ‫نم‬‫ََّ‬ ‫ُوا أ‬ ‫َم‬‫ْل‬‫َاع‬ ‫فشيئا‪ ،‬وقد جاء في وجوبها قوله تعالى‪" :‬و‬ ‫َّسُول " سورة األنفال اآلية ‪.41‬‬ ‫َللر‬ ‫ُ و‬ ‫ُم‬ ‫ُسَه‬ ‫ّلِل خ‬ ‫َن‬ ‫َّ َّ‬‫َأ‬‫ف‬ ‫‪ ‬أما الفيء كمصدر ثالث من مصادر التمويل اإلسالمي‪ ،‬فهو مجموعة من األموال‬ ‫ما‬ ‫التي تحصل عليها الدولة اإلسالمية‪ ،‬دون قتال‪ ،‬وفرضت بقوله تعالى " َّ‬ ‫َّه‬ ‫َلل‬ ‫ٰ ف‬ ‫َى‬‫ُر‬‫الق‬‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫هل‬ ‫ْ أ‬ ‫َسُوله من‬ ‫ٰ ر‬ ‫َى‬‫َل‬ ‫َّ‬ ‫اّلِلُ ع‬ ‫ء‬ ‫َف‬ ‫َاَ‬ ‫أ‬ ‫َسَاكين‬ ‫الم‬‫َ ْ‬‫ٰ و‬ ‫مى‬‫َاَ‬ ‫َت‬ ‫َْ‬ ‫الي‬ ‫ٰ و‬ ‫بى‬‫َْ‬ ‫ُر‬ ‫ْ‬ ‫الق‬ ‫َلذي‬ ‫َّسُول و‬‫َللر‬ ‫و‬ ‫بن السَّبيل " سورة الحشر اآلية ‪.7‬‬ ‫َاْ‬‫و‬ ‫‪ ‬الخراج فريضة دورية عينية تفرض على األرض المفتوحة قتاال أو صلحا‪ ،‬ويعد‬ ‫الخليفة عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ ،‬أول من سن الخراج في زمن خالفته‬ ‫وأمر بتحصيلها‪ ،‬وكانت أراضي العراق هي أولى األراضي التي كانت معنية‬ ‫بالخراج‪ ،‬حين وضع المسلمون أيديهم عليها‪.‬‬ ‫‪ ‬الجزية‪ :‬فريضة مالية تفرض على الرجل العاقل البالغ من أهل الكتاب وتقدر وفقا‬ ‫لظروفه وقدرته االقتصادية‪ ،‬وقد فرضت باآلية ‪ 29‬من سورة التوبة بقوله تعالى‪:‬‬ ‫اْلخر‬‫ْم ْ‬ ‫َو‬ ‫َل ب ْ‬ ‫الي‬ ‫ََ‬ ‫َ ب َّ‬ ‫اّلِل و‬ ‫ُون‬ ‫ْمن‬ ‫َل ُ‬ ‫يؤ‬ ‫َ َ‬‫الذين‬ ‫ُوا َّ‬ ‫َاتل‬‫«ق‬ ‫َ‬ ‫َ دين‬ ‫ُون‬ ‫يدين‬ ‫َل َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ و‬‫وله‬‫َسُ ُ‬‫َر‬ ‫َ َّ‬ ‫اّلِلُ و‬ ‫َّم‬ ‫َر‬‫ما ح‬ ‫َ َ‬ ‫مون‬‫َرُ‬ ‫ََ‬ ‫َل ُ‬ ‫يح‬ ‫و‬ ‫ُوا‬ ‫ْط‬ ‫يع‬‫ٰ ُ‬ ‫َّى‬ ‫َت‬‫َ ح‬ ‫َاب‬‫الكت‬‫ْ‬ ‫توا‬ ‫ُوُ‬ ‫َ أ‬ ‫الذين‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َق من‬ ‫ْ‬ ‫الح‬ ‫َ"‪.‬‬ ‫ُون‬ ‫َاغر‬ ‫ْ ص‬ ‫َه‬ ‫ُم‬ ‫ٍ و‬ ‫يد‬ ‫َن َ‬‫َ ع‬ ‫َْ‬ ‫ية‬ ‫ْ‬ ‫الجز‬ ‫‪ ‬العشور‪ :‬فريضة مالية نسبية تفرض على البضائع التجارية الداخلة إلى الدولة‬ ‫اإلسالمية من البلدان غير اإلسالمية وهي أشبه بالضرائب الجمركية في‬ ‫التشريعات الحديثة وحددت أسعارها بنسبة معينة هي ‪ %2,5‬على المسلمين و‪%5‬‬ ‫على أهل الكتاب‪.‬فيما يعامل الحربيين من الكفار بالمثل‪.‬‬ ‫‪ ‬تركة من ال وارث له‪ :‬حيث وفقا لنظام الميراث في الشريعة اإلسالمية فإن من ال‬ ‫وارث له يرثه بيت المال أي خزينة الدولة‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالنفقات‪ ،‬فقد كان تحديدها أيضا بواسطة مجموعة من النصوص‬ ‫القرآنية‪ ،‬باإلضاف ة إلى نفقات أخرى استوجبها تطور الدولة اإلسالمية وكثرة واردتها‪ ،‬فعلى‬ ‫‪4‬‬ ‫سبيل المثال فإنفاق الزكاة‪ ،‬حدد سبحانه وتعالى أصناف المستحقين للزكاة بقوله تعالى‪:‬‬ ‫ها‬‫َْ‬‫َي‬ ‫َ ع‬ ‫َل‬ ‫َاملين‬ ‫َ ْ‬ ‫الع‬ ‫َسَاكين و‬ ‫َ ْ‬ ‫الم‬ ‫َاء و‬ ‫َر‬ ‫ُق‬ ‫ُ لْ‬ ‫لف‬ ‫َات‬ ‫دق‬‫ََّ‬ ‫َا الص‬ ‫نم‬‫"إَّ‬ ‫َفي سَبيل‬ ‫َ و‬ ‫َارمين‬ ‫َ ْ‬ ‫الغ‬ ‫َاب و‬ ‫َفي الرق‬ ‫ْ و‬ ‫ُم‬ ‫به‬‫ُوُ‬‫ُل‬ ‫َة ق‬ ‫ََّلف‬ ‫ُؤ‬ ‫َ ْ‬ ‫الم‬ ‫و‬ ‫ٌ" سورة‬ ‫َكيم‬ ‫ٌ ح‬ ‫َليم‬ ‫َ َّ‬ ‫اّلِلُ ع‬ ‫َ َّ‬ ‫اّلِل و‬ ‫َة من‬‫َريض‬ ‫بن السَّبيل ف‬ ‫َاْ‬ ‫َّ‬ ‫اّلِل و‬ ‫التوبة اآلية ‪.60‬‬ ‫لذا فاألضاف المستحقة للزكاة هي ثابتة وال يجوز الزيادة فيها وال النقصان على انه‬ ‫يجب التذكير بأن حصيلة الزكاة تؤخذ من أغنياء كل منطقة لتوزع على مستحقيها من نفس‬ ‫المنطقة ويبعث الباقي إلى خزينة الدولة اإلسالمية ليوزع على المستحقين في جميع انحاء‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫أما إنفاق حصيلة الغنائم‪ ،‬فهي محددة باآلية ‪ 41‬من سورة األنفال‪ ،‬بقوله تعالى‪:‬‬ ‫َّسُول‬ ‫َللر‬ ‫ُ و‬ ‫سَه‬ ‫ُۥ‬ ‫ُم‬ ‫ّلِل خ‬ ‫َن‬ ‫َّ َّ‬‫َأ‬ ‫ُم من شَيء ف‬ ‫َنمت‬ ‫َا غ‬ ‫نم‬ ‫ََّ‬ ‫ْ أ‬ ‫ُوا‬‫َم‬‫َٱعل‬ ‫"و‬ ‫َٱبن ٱلسَّبيل"‪ ،‬ومن هذه‬ ‫ٰكين و‬ ‫َسَ‬‫َٱلم‬‫ٰ و‬ ‫ٰم‬ ‫َى‬ ‫َ‬‫َت‬‫َٱلي‬ ‫ٰ و‬ ‫بى‬ ‫ُرَ‬ ‫َلذي ٱلق‬ ‫و‬ ‫اآلية نرى أن حصيلة أموال الغنائم تقسم إلى عدة أقسام وحسب التحصيل التالي‪:‬‬ ‫‪ %80 ‬يأخذه من قاتل عليها؛‬ ‫‪ %5 ‬منها هلل ولرسوله ولذي القربى (أهل بيت رسول هللا "ص") علما أن الرسول‬ ‫"ص" لم يأخذ شيئا من هذه الغنائم‪.‬‬ ‫‪ %5 ‬منها لليتامى ‪ %5‬للمساكين ‪ %5‬منها البن السبيل‪.‬‬ ‫أما إنفاق اإليرادات األخرى غير الزكاة والغنائم والفيء‪ ،‬لم يتم تحديد إنفاقها كالجزية‬ ‫مثال‪ ،‬مما أعطى للدولة اإلسالمية المرونة الكبيرة إلنفاقها بالشكل الذي يلبي حاجات الدولة‬ ‫اإلسالمية التي إتسعت مساحتها بما فتح هللا على المسلمين من بلدان كثيرة ذات خيرات‬ ‫وفيرة‪ ،‬وقد كانت تلك الموارد في العادة تنفق في أمور متعددة تطلبتها ضرورة البناء‬ ‫االجتماعي واالقتصادي والديني في ذلك الحين‪ ،‬كرواتب وأجور العاملين‪ ،‬ونفقات الجيش‪،‬‬ ‫ونفقات النقل والمواصالت‪ ،‬حفر القنوات والسواقي لنقل الماء إلى األراضي‪ ،‬إقامة الجسور‬ ‫وشق الطرق‪.....‬‬ ‫بقيت القضايا المالية للدولة‪ ،‬تعالج هامشيا في مؤلفات السياسة واالقتصاد والقانون‪ ،‬ثم‬ ‫ألفت مؤلفات مثلث نقطة بداية لعلم المالية العامة‪ ،‬حيث كتب العالم الفرنسي بودان عام‬ ‫‪" 1576‬األصول المالية" ومونتسكيو كتاب روح القوانين‪ ،‬وكتاب ثروة األمم آلدم سميث‬ ‫الذي تعرض فيه للضرائب والنفقات‪.‬‬ ‫ثم جاءت الثورة الفرنسية في عام ‪ ،1789‬التي كان األثر الكبير في تطور القواعد‬ ‫المالية‪ ،‬وظهور األصول النظرية لعلم المالية العامة‪ ،‬وازدادت األبحاث المالية أهمية لتصبح‬ ‫موضوعات مستقلة‪ ،‬وأبحاث خاصة في اإلنفاق والجباية مكونة بذلك علم مستقل‪ ،‬له مدلوله‬ ‫‪5‬‬ ‫الخاص وكيانه المستقل‪ ،‬وإتسع نطاقه أي نطاق علم المالية العامة‪ ،‬ليشمل دراسة نشاط‬ ‫الدولة حينما يستخدم أدواتها المالية لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع‪ ،‬وإشباع الحاجات‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫ومن التعريفات الحديثة لعلم المالية العامة نجد تعريف عادل العلي في كتابه المالية‬ ‫العامة والقانون المالي الضريبي بانه‪" :‬العلم الذي يبحث في كيفية استخدام األدوات المالية‬ ‫من نفقات عامة وإيرادات عامة باتجاه تحقيق اهداف الدولة النابعة من فلسفتها السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية"‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مﺟاﻝ ونﻁاﻕ المالﻳة العامة‬ ‫أ‪.‬الﺣاﺟاﺕ العامة‬ ‫تعـد دراسـة الحاجـات العامـة‪ ،‬المقدمــة األولـى فـي مجـال البحــث فـي موضـوع‬ ‫الماليـة العامــة‪ ،‬فمــن المعــروف أن هــدف النشــاط اإلنســاني‪ ،‬وبصــرف النظــر عــن‬ ‫ماهيتــه يتجــه إلــى إشــباع حاجة ما‪.‬‬ ‫ويمكــن إشــباع بعــض هــذه الحاجــات عــن طريــق المبــادرة الفرديــة‪ ،‬كالحاجــة‬ ‫للمأكــل والمشــرب والملــبس والمســكن ‪....‬بينمــا بعــض الحاجــات ال يمكــن إشــباعها‬ ‫بالمبــادرة الفرديـة‪ ،‬وإنمـا يـتم إشـباعها عـن طريـق تـدابير مجتمعيـة أي عـن طريـق‬ ‫الدولـة‪ ،‬كالحاجـة إلـى األمـن الـداخلي أو الخـارجي والقضـاء والـدفاع‪ ،‬فهـذه الحاجـات‬ ‫يشـعر بهـا النـاس مجتمعـين فهـي توجـد مـع وجـود الجماعـة‪ ،‬ويطلـق علـى الحاجـات مـن‬ ‫النـوع األول بالحاجـات الفرديـة‪ ،‬ويطلـق علــى الحاجــات مــن النــوع الثــاني بالحاجــات‬ ‫الجماعيــة أو العامــة‪ ،‬وهــذه األخيــرة هــي التــي تتــولى الدولــة إشــباعها‪ ،‬فلــيس مــن‬ ‫مصــلحة الفــرد الســعي بمفــرده إلــى إشــباعها‪ ،‬إمــا بســبب عجزه كفرد أو الن قيامه‬ ‫بإشباعها يكلفه مبالغ ليس في مقدوره تحملها‪.‬‬ ‫إال أن األمـر ال يـتم وفقـا للقاعـدة السـابقة التـي تتميـز بالبسـاطة‪ ،‬إذ ال توجـد بـين‬ ‫هـاذين النـوعين مـن الحاجـات‪ ،‬فروقـا جوهريـة تحمـل إشـباع بعضـها مقصـورا علـى‬ ‫الدولـة‪ ،‬أو هيئاتهـا العامـة‪ ،‬وإشـباع الـبعض األخـر منهـا مقصـورا علــى المجهـود‬ ‫الفـردي‪ ،‬باسـتثناء بعـض الحاجـات غيــر القابلة للتجزئة التي ال يمكن بطبيعتها أن يتولى‬ ‫إشباعها غير الدولة‪.‬‬ ‫ومــا دام األمــر كــذلك‪ ،‬ولعــدم وجــود فــروق جوهريــة أو حــدود ثابتــة بــين‬ ‫هــاذين النــوعين مــن الحاجــات‪ ،‬يبــدو أن األمــر نســبي‪ ،‬فمــا يعــد حاجــة عامــة‪ ،‬أو‬ ‫حاجــة خاصــة‪ ،‬تختلــف بــاختالف الــدول فــي أنظمتهــا السياســية و االقتصــادية بــل‬ ‫فــي ذات الــدول بــين وقــت و آخــر‪.‬فمــثال مــا تعتبــر الــدول االشــتراكية حاجــة‬ ‫عامــة‪ ،‬ال تعتبــره الــدول الليبيراليــة حاجــة عامــة بــل حاجــة خاصة‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ولـذا‪ ،‬فقـد كانـت طبيعـة الحاجـة عامـة أو خاصـة‪ ،‬موضـوع خـالف بـين كتـاب‬ ‫الماليـة العامـة‪ ،‬فتعــددت المعــايير التــي اعتمــدت للتفرقــة بينهمــا‪.‬‬ ‫معاﻳﻳﺭ الﺗمﻳﻳﺯ ﺑﻳﻥ الﺣاﺟاﺕ العامة والخاصة‬ ‫ب‪.‬‬ ‫هناك مجموعة من المعايير للتمييز بين الحاجات العامة والخاصة وسنتناول أهمها‪:‬‬ ‫‪ ‬معيار طبيعة الجهة القائمة باإلشباع‪:‬‬ ‫يتجـه هـذا المعيـار إلـى ان الحاجـة تكـون فرديـة‪ ،‬إذا قـام األفـراد بمهمـة‬ ‫إشـباعها‪ ،‬وجماعيـة إذا قامــت الدولــة بتلــك المهمــة‪ ،‬تــم انتقــاد هــذا المعيــار ألنــه يرتكــز‬ ‫علــى الجهــة القائمــة باإلشــباعوليس الحاجة نفسها‪.‬‬ ‫‪ ‬معيار مصدر اإلحساس بالحاجة‪:‬‬ ‫يتجــه هــذا المعيــار إلــى أن اإلحســاس بالحاجــة‪ ،‬إذا كــان فرديــا فالحاجــة‬ ‫فرديــة‪ ،‬وإن كــانجماعي فالحاجة جماعية‪.‬‬ ‫تـم انتقـاد هـذا المعيـار بـدوره‪ ،‬ألن اإلحسـاس بالحاجـة سـواء كانـت فرديـة أو‬ ‫جماعيـة‪ ،‬يـتم مـن خــالل أفــراد الجماعــة نفســها‪ ،‬كمــا أن بعــض الحاجــات ال تقــوم‬ ‫الــدول بإشــباعها لوحــدها بــل يشــاركها فــي ذلــك القطــاع الخــاص رغــم أن اإلحســاس‬ ‫بهــا جماعيــا‪ ،‬ومــن ثــم يتــولى القطــاع الخاص أمر إشباعها‪ ،‬كما هو الحال في الخدمات‬ ‫التعليمية والصحية‪،‬‬ ‫‪ ‬معيار أكبر منفعة ممكنة بأقل نفقة ممكنة‪:‬‬ ‫يذهب أنصار هــذا المعيار إلى أن الدولة تقوم بإشباع الحاجة العامــة‪ ،‬بصــرف النظــر‬ ‫عــن التكلفــة الماديــة‪ ،‬أي ال يحكمهــا قــانون التكلفــة و المنفعــة‪ ،‬فــي حــين أن األفــراد‬ ‫يحكمهــم هــذاالمبــدأ فهــم يســعون إلــى تحقيــق أقصــى منفعــة ممكنــة بأقــل كلفــة ممكنــة‪،‬‬ ‫و ينتقــد هــذا المعيــار إلنكـاره خضـوع الدولـة إلـى إجـراء تقيـيم و موازنـة بـين الكلفـة و‬ ‫المنفعـة‪ ،‬مـع اخـتالف الدولـة عـن االفـراد فـي أن المنفعـة التـي تسـعى إليهـا الدولـة ذات‬ ‫طـابع جمـاعي و لـيس فـردي كالمنفعـة بالنسبة لألفراد‪ ،‬منفعة ال يمكن تقويمها بالنقود‪،‬‬ ‫كتحقيق التنمية االجتماعية الثقافية مثال‪...،‬‬ ‫‪ ‬معيار الدور التقليدي للدولة‪:‬‬ ‫يــذهب هــذا المعيــار إلــى أن الحاجــة جماعيــة أو عامــة إذا كانــت داخلــة فــي‬ ‫الوظيفــة التقليديــة للدولــة‪ ،‬وهــي األمــن والــدفاع والعدالــة‪ ،‬أمامــا عــدا ذلــك فيعــد فرديــا‪،‬‬ ‫إال أن هــذا المعيــار أنتقــد كـذلك بـالنظر أن الدولـة لـم تعـد حبيسـة الفلسـفة التقليديـة بـل‬ ‫تجـاوزت ذلـك إلـى الدولـة المتدخلـة والدولة المنتجة‪ ،‬ويتضـــح بالتـــالي صـــعوبة‬ ‫‪7‬‬ ‫التفرقـــة بـــين الحاجـــات العامـــة والحاجـــات الخاصـــة‪ ،‬لتـــداخلهما واختالفهمــا توســعا‬ ‫أو تضــييقا تبعــا الخــتالف الــدول فــي الفلســفة االقتصــادية والسياســية التــي تــنظم مقاليــد‬ ‫األمــور فيهــا‪ ،‬وتبعــا كــذلك لفقرهــا وغناهــا الــذي يحكــم ســخائها فيمــا تشــبعه مــن‬ ‫الحاجات أو العكس‪.‬‬ ‫لذا يذهب البعض إلى أنه ينبغي إلضفاء صفة العمومية على الحاجات‪ ،‬اجتماع‬ ‫شرطين‪:‬‬ ‫‪ ‬أن يحقق إشباع الحاجة منفعة عامة؛‬ ‫‪ ‬أن يتولى إشباع الحاجة الدولة أو إحدى هيئاتها العامة‪.‬‬ ‫ج‪.‬الخﺩماﺕ العامة‬ ‫بعـد أن عرفنـا مـا هـي الحاجـات العامـة والمعـايير التـي مـن خاللهـا يـتم تمييـز‬ ‫الحاجـة العامـة عـن الخاصـة‪ ،‬ال بـد أن نـذكر أن إشـباع الحاجـات العامـة يـتم كمـا قلنـا فـي‬ ‫السـابق عـن طريـق الدولـة‪ ،‬ولكن كيف يتم ذلك؟‬ ‫يــتم االســتجابة للحاجــات العامــة عــن طريــق تقــديم الخــدمات وتســمى‬ ‫الخــدمات العامــة‪ ،‬والتــي تطــورت تبعــا لتطــور ونشــأة حاجــات عامــة جديــدة بســبب‬ ‫عــدد الســكان‪ ،‬وحجــم الــدخل الــوطني والتطور العلمي‪.‬‬ ‫والخـدمات العامـة تنقسـم حسـب أهميتهـا إلـى خـدمات عامـة سياسـية مثـل الـدفاع‬ ‫األمـن القضـاء‪ ،‬وخــدمات إضــافية مثــل النقــل المواصــالت الصــخة التعلــيم‪...‬واألمــر‬ ‫يعــود فــي النهايــة لسياســة الدولة‪،‬‬ ‫ﺩ‪.‬النﻔﻘاﺕ العامة واﻹﻳﺭاﺩاﺕ العامة والمﻳﺯانﻳة العامة‬ ‫لقيــام الدولــة بالخــدمات العامــة‪ ،‬ال بــد لهــا أن ترصــد لهــا مجموعــة مــن‬ ‫النفقــات‪ ،‬تســمى النفقــات العامــة‪ ،‬و هــذه النفقــات تحتــاج بــدورها إلــى مــوارد‪ ،‬لــذا‬ ‫تلجــأ الدولــة إلــى االســتعانة بــإيرادات أمالكهــا ومشــاريعها‪ ،‬أو فــرض الضــرائب‬ ‫والغرامــات والرســوم أو اللجــوء إلــى االفتراضــات والغرامــات والهبــات كــل هــذه‬ ‫المصــادر تســمى بــاإليرادات العامــة‪ ،‬ولكــي ال يكــون عمــل الدولــة تخبطيـا كـان لزامـا‬ ‫عليهـا أن تضـع برنـامج خـاص لهـذه اإليـرادات والنفقـات فـي وثيقـة رسـمية هـي‬ ‫الميزانيــة العامــة‪ ،‬عــادة مــا توضــع لفتــرة زمنيــة مقبلــة وغالبــا مــا تكــون لســنة‬ ‫وهــذه النفقــات واإليرادات والميزانية العامة هي المواضيع الرئيسية و جال ونطاق علم‬ ‫المالية العامة‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الﻔﺭﻕ ﺑﻳﻥ المالﻳة العامة والمالﻳة الخاصة‪.‬‬ ‫تخضــع الماليــة العامــة‪ ،‬لقواعــد وأســس تختلــف عــن الماليــة الخاصــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫‪8‬‬ ‫مــن خــالل المجــاالت التالية‪:‬‬ ‫‪ ‬من حيث الهدف‪:‬‬ ‫إن هـدف الماليـة العامـة‪ ،‬هـو تحقيـق المصـلحة العامـة‪ ،‬وبالتـالي فـإن نشـاطها‬ ‫وعملياتهـا تنـدرج فـي دائـرة المنفعـة العامـة‪ ،‬أي إشـباع الحجـات الجماعيـة األساسـية‬ ‫للمجتمـع‪ ،‬بينمـا هـدف الماليـة الخاصــة ينحصــر فــي تحقيــق المصــلحة الخاصــة‪ ،‬أي‬ ‫أنهــا تســعى لتحقيــق الــربح مــن خــالل نشــاطها االقتصــادي‪ ،‬فالحــافز لــدى األفــراد‬ ‫والمشــروعات الخاصــة‪ ،‬هــو تحقيــق فائــدة وربــح مادي خاص‬ ‫‪ ‬من حيث تحصيل اإليرادات‪:‬‬ ‫تتمتـــع الدولـــة بســـلطة اإللـــزام واإلكـــراه فـــي تحصـــيل إيراداتهـــا الضـــريبية‬ ‫وغيرهـــا مـــن اإليــرادات‪ ،‬حيــث تعتمــد علــى وســائل القســر واإلجبــار فــي‬ ‫الحصــول عليهــا‪ ،‬بينمــا الماليــة الخاصـة (المشـروعات الخاصـة) تفتقـر إلـى هـذا‬ ‫العنصـر إذ تحصـل علـى إيراداتهـا عـن طريـق االختيــار والتعاقــد وبيــع منتجاتهــا‪ ،‬إال‬ ‫فــي الحــاالت التــي يتمتــع نشــاطها باإلحتكــار‪ ،‬فتفــرض إرادتها على األفراد‬ ‫المستهلكين‪.‬‬ ‫‪ ‬من حيث األسبقية في تقديم اإلنفاق واإليراد‪:‬‬ ‫تتحـدد فـي الماليـة العامـة‪ ،‬أوجـه اإلنفـاق أوال‪ ،‬ثـم يـتم البحـث عـن تـدبير المـوارد‬ ‫لهـذه النفقـات‪ ،‬فـي حـين أنـه فـي الماليـة الخاصـة يـتم تحديـد المـوارد أوال‪ ،‬ثـم تتحـدد‬ ‫النفقـات علـى ضـوء تلـك المـوارد‪ ،‬والسـبب فـي ذلـك أن الدولـة لهـا سـلطة االجبـار و‬ ‫اإلكـراه كمـا أكـدنا سـابقا‪ ،‬تسـتطيع أن تحصـل علـى المـوارد عـن طريـق اإلجبـار‪ ،‬أي أنهـا‬ ‫تتمتـع بسـلطات واسـعة لزيـادة إيراداتهـا ســواء المتأتيــة مــن الضــرائب والرســوم‪ ،‬أو‬ ‫مــن ممتلكاتهــا أو تلــك المتأتيــة مــن القــروض‪ ،‬فــي حـين نجـد أن األفـراد يرتبـون‬ ‫إنفـاقهم فـي ضـوء مـا يحصـلون عليـه مـن إيـراد‪ ،‬وبالتـالي ففـي حــين يســود مبــدأ‬ ‫أولويــة النفقــات علــى اإليــرادات فــي الماليــة العامــة‪ ،‬يســود أولويــة اإليــرادات على‬ ‫النفقات في المالية الخاصة‪.‬‬ ‫‪ ‬من حيث الملكية‪:‬‬ ‫تختلـف الملكيـة العامـة عـن الملكيـة الخاصـة‪ ،‬مـن حيـث شـكل الملكيـة؛ فـي الملكيـة‬ ‫العامـة تكـون ملكيـة وسـائل اإلنتـاج للمجتمـع ككـل‪ ،‬بينمـا فـي الملكيـة الخاصـة تكـون‬ ‫ملكيـة وسـائل اإلنتـاج فـي المشروعات الخاصة لفرد‪ ،‬أو لمجموعة من األفراد‪.‬‬ ‫الﻔصل األوﻝ‪ :‬مﻔهوم المالية العامة وعالقتها ﺑمختلف العلوم‪.‬‬ ‫المبحث األوﻝ‪ :‬المﻔهوم الﺗﻘلﻳﺩﻱ لعلم المالﻳة العامة‬ ‫‪9‬‬ ‫لقــد كانــت اإليــرادات العامــة فــي إطــار الفكــر الكالســيكي التقليــدي محصــورة‬ ‫ومحــددة‪ ،‬لمواجهــة تغطيــة النفقــات العامــة الالزمــة‪ ،‬وإلشــباع الحاجــات التــي تقــوم‬ ‫بهــا الدولــة‪ ،‬مــن دفــاع وأمــن داخلــي وخــارجي وبعــض األشــغال العامــة‪ ،‬وبمعنــى‬ ‫آخــر كــان علــى الدولــة وظـائف ومهـام يجـب القيـام بهـا‪ ،‬وتحقيـق ذلـك يحتـاج إلـى‬ ‫نفقـات عامـة تغطـي كلفـة هــذه المهــام واألعمــال‪ ،‬دون البحــث عــن إيــرادات كثيــرة‪،‬‬ ‫أي مــا يعــادل ويســاوي نفقاتهــا فــي إشـــباع الحاجـــات األساســـية والضـــرورية‬ ‫الالزمـــة للقيـــام باألعمـــال والوظـــائف المحـــددة للدولة‪.‬‬ ‫و بــذلك فــإن مفهــوم الماليــة العامــة كــان مفهومــا ضــيقا يــوازي مفهــوم الدولــة‬ ‫الحارســة أو الدركيــة " ‪ ، " Etat gendarmerie ’ L‬يقتصــر علــى إشــباع الحاجــات‬ ‫التــي يصــعب علــى األفراد القيام بتوفيرها باإلعتماد على أنفسهم و على إمكانياتهم الذاتية‪.‬‬ ‫وفـي هـذا اإلطـار يـرى كاسـتون جيـز" " ‪ G JEZE‬بـأن علـم الماليـة العامـة "‬ ‫يتكـون مـن مجمـوع القواعـد التـي يجـب علـى الحكومـات والهيئـات العامـة تطبيقهـا فـي‬ ‫تحديـد النفقـات العامـة وتـوفير الموارد الالزمة لتغطية هذه النفقات بتوزيع اعبائها على‬ ‫المواطنين"‪.‬‬ ‫ويسـتنتج مـن هـذا التعريـف أن هـدف الماليـة العامـة يقتصـر علـى تغطيـة‬ ‫اإليـرادات العامـة للنفقـات العامـة‪ ،‬أي أن علـم الماليـة كـان يقتصـر علـى اإلهتمـام بتـوفير‬ ‫اإليـرادات الالزمـة‪ ،‬لتمكـين الدولـة مـن ممارسـة مهامهـا و وظائفهـا التقليديـة‪ ،‬ولـذلك‬ ‫ينطـوي هـذا الهـدف علـى تحقيق أغراض مالية صرفة دون حاجة إلى تحقيق أية أغراض‬ ‫إجتماعية‬ ‫أو‬ ‫إقتصادية‬ ‫فالميزانيـة فـي إطـار الفكـر المـالي التقليـدي كـان لهـا طـابع مـالي فقـط‪ ،‬تحـدد‬ ‫نفقاتهـا اسـتنادا لحاجات الدولة اإلدارية والسياسية‪ ،‬ال يهمها سوى تعادل النفقات واإليرادات‪.‬‬ ‫ولقد تم تكريس مبادﺉ المالية العامة الكالسيكية في أربعة مبادﺉ أساسية‪:‬‬ ‫المبدأ األول‪ :‬فكرة االقتصاد في النفقات لكي ال تتضخم و ينتج عنها نقص في الموارد‬ ‫المبـدأ الثــاني‪ :‬مبــدأ المحايــدة‪ ،‬وهــو مبــدأ ضــروري حــى ال تــزاحم الدولــة‬ ‫القطــاع الخــاص في نشاطه اإلقتصادي‬ ‫‪-‬المبــدأ الثالــث‪ :‬الضــريبة هــي المــورد الرئيســي المقبــول‪ ،‬القــرض يمكــن أن‬ ‫يــﺅدي بالحكــام إلــى نفقــات غيــر ضــرورية‪ ،‬فقــد قــال ‪ J.B.SAY‬جــون باتيســت‬ ‫ســاي " القــرض خــراب لألمة "‬ ‫المبــدأ الرابــع‪ :‬التــوازن بــين النفقــات والمــوارد يعنــي ال وجــود للعجــز وكمــا‬ ‫قــال العميــد " ‪ALIX‬الميزانية والعجز شيئان متناقضان "‬ ‫‪10‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المﻔهوم الﺣﺩﻳﺙ لـلمالﻳة العامة‬ ‫أدت التطــورات السياســية واإلقتصــادية واإلجتماعيــة التــي حــدثث فــي بدايــة‬ ‫القــرن العشــرين إلــى تــدخل الدولــة فــي كافــة المجــاالت‪ ،‬والخــروج مــن حيادهــا‬ ‫التقليــدي وذلــك إليجــاد وتقــديم حلـول للمشـكالت التـي تجسـدت فـي األزمـة الماليـة‬ ‫الكبـرى عـام ‪ 1929 ،‬وبـذلك لـم تعـد الماليـة العامــة كمــا كانــت ذات طــابع حيــادي‪ ،‬بــل‬ ‫أصــبح لهــا دور تــدخلي وإيجــابي‪ ،‬وتقــوم الماليــة الحديثة على أسس وخصائص يمكن‬ ‫تلخيصها بالتالي‪:‬‬ ‫‪– 1‬أصـــبح هـــدف الماليـــة العامـــة بموجـــب المفهـــوم الحـــديث يســـعى إلـــى‬ ‫تحقيـــق التـــوازن اإلقتصـادي واإلجتمـاعي‪.‬ولـم يعـد يقتصـر كمـا كـان علـى تحقيـق‬ ‫التـوازن المـالي الحسـابي أو الرقمي للميزانية العامة‬ ‫‪ – 2‬أصــبحت الميزانيـــة العامـ ـة للدولـــة مـــرآة عامـ ـة لـــدور الدولـــة ووظيفتهـ‬ ‫ـا التدخليـــة فـــي المجتمــع‪ ،‬حيــث أن الميزانيــة العامــة والتــي تشــكل جــزءا مهمــا مــن‬ ‫أجــزاء الماليــة العامــة لهــا دور مهم في نشاط الدولة اإلقتصادي‬ ‫‪– 3‬أصـبحت نفقـات الدولـة وإيرادانهـا جـزءا مـن اإلقتصـاد الـوطني‪ ،‬وأداة مهمـة‬ ‫فـي يـد الدولـة للمساهمة في تحقيق األهداف السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية للدولة‬ ‫الحديثة‬ ‫‪ – 4‬أن حجــم النفقــات قــد توســع وحجــم اإليــرادات هــو اآلخــر قــد ازداد‬ ‫نتيجــة توســع المهــام ووظائف الدولة‪ ،‬وأصبحت معها الميزانية متعددة األهداف‪.‬‬ ‫والخالصــة أن مفهــوم علــم الماليــة العامــة الحــديث ال يعتــرف بأســبقية النفقــات‬ ‫عتــى اإليــرادات ولكــن يعتــرف بأســبقية األهــداف اإلقتصــادية واإلجتماعيــة‬ ‫والسياســية التــي تعتــزم الدولــة القيــام بها‪ ،‬فاإليرادات والنفقات تقرر وتنسق في المالية‬ ‫العامة الحديثة‪ ،‬طبقا لهذه األحداث‪.‬‬ ‫كمـا أن المفهـوم الحـديث للماليـة العامـة‪ ،‬يسـعى إلـى تطـوير أدوات النظـام المـالي‬ ‫سـواء مـن خــالل تطــوير الضــرائب حيــث أصــبحت لهــا أبعــاد جديــدة تتجــاوز البعــد‬ ‫التمــويلي للخزينــة لتمتــد إلــى البعــد االقتصــادي‪ ،‬عبــر الــتحكم فــي التضــخم وتشــجيع‬ ‫اإلســتهالك وتحفيــز اإلســتثمار وحمايــة اإلقتصــاد مــن المنافســة وغيــر ذلــك‪،‬‬ ‫باإلضــافة إلــى البعــد االجتمــاعي المتمثل في إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع‪.‬‬ ‫أو مـن خـالل النفقـات التـي لـم تعـد محايـدة بـل أصـبحت تتفاعـل مـع السياسـة‬ ‫اإلقتصـادية واإلجتماعيـة للدولــة فيــتم تخصيصــها مــثال إلـى تــذويب الفــوارق‬ ‫االجتماعيــة وإلــى محاربــة البطالــة عــن طريــق التشــغيل‪ ،‬وتحفيــز االقتصــاد‬ ‫‪11‬‬ ‫وتشــجيع اإلســتهالك‪ ،‬عــن طريــق الزيــادة في األجور وتوفير الخدمات االجتماعية‪.‬‬ ‫وهكـذا فـإن المفهـوم الحـديث لعلـم الماليـة العامـة ينطـوي علـى دراسـة القواعـد‬ ‫العامـة التـي تحكـم مختلـف أوجـه وأبعـاد النشـاط المـالي للدولـة وللهيئـات العامـة األخـرى‪،‬‬ ‫وبالتـالي فإنـه ال يقتصـر علــى دراســة ماليــة الدولــة بــل يهــتم بدراســة ماليــة جميــع‬ ‫الهيئــات العامــة بمــا فيهــا الدولــة‪ ،‬والجماعــات الترابيــة و المﺅسســات العموميــة وهــذا‬ ‫يعنــي أن الماليــة العامــة ال تعتبــر مرادفــا لماليـة الدولــة‪.‬وإن كانــت هــذه األخيــرة ال‬ ‫زالــت تشـكل حيــزا هامــا فــي إهتمامــات علــم الماليــة العامة‪.‬‬ ‫المﺑﺣﺙ الثالﺙ‪ :‬العالقة ﺑﻳﻥ المالﻳة العامة والعلوم األخﺭﻯ ‪:‬‬ ‫إن الفهــم المتكامــل لعلــم الماليــة العامــة ال يتســنى‪ ،‬إال بقرائتــه‪ ،‬التركيبيــة مــع‬ ‫مجموعــة مــن العلــوم األخــرى وانصــهاره فيهــا‪ ،‬وهــو أمــر بــديهي طالمــا أن هــذا‬ ‫العلــم تنصــب موضــوعاته على دراسة الظاهرة اإلنسانية‪ ،‬على اعتبار أن علم المالية‬ ‫العامة هو أحد العلوم اإلنسانية‪.‬‬ ‫فعلـم الماليـة هـو علـم قـائم الـذات‪ ،‬طالمـا أن عملياتـه بلغـت درجـة مـن النضـج‬ ‫المعرفـي والعلمـي تخضع لنظريات ومدارس مﺅطرة شأنه شأن باقي العلوم األخرى‪.‬‬ ‫إن علــم الماليــة العامــة‪ ،‬يتضــمن قواعــد موضــوعية ملموســة واقعيــا‪ ،‬مترجمــة‬ ‫إلــى تــدابير إجرائيــة‪ ،‬نلمســها فــي العمــل اإلداري والحيــاة العامــة‪ ،‬لمختلــف‬ ‫المﺅسســات خاصــة ذات الطــابع المالي منها‪.‬‬ ‫غير أن استقاللية المالية العامة كعلم‪ ،‬ال تعني أنه ليس له عالقة بباقي العلوم‪.‬‬ ‫المﻁلب األوﻝ‪ :‬عالقة علم المالﻳة العامة ﺑاالقﺗصاﺩ‬ ‫مـن المعلـوم أن إشـباع الحاجـات هـو الغـرض النهـائي لكـل مـن الماليـة العامـة‬ ‫واالقتصـاد‪ ،‬مـع اخـتالف نطــاق اإلشـباع فــي كــل منهمـا‪ ،‬ففــي حـين يهــتم االقتصــاد‬ ‫بإشـباع الحاجــات اإلنســانية خاصة كانت أو عامة تهتم المالية العامة بإشباع الحاجات‬ ‫العامة فقط‪.‬‬ ‫ومــن هنــا فالعالقــة بــين االقتصــاد والماليــة العامــة‪ ،‬مــن الناحيــة الوظيفيــة‬ ‫هــي عالقــة الجــزء " المالية العامة " بالكل " االقتصاد " أو هي عالقة الخاص بالعام كمــا‬ ‫ال تتعــدى الظــاهرة الماليــة نطــاق الظــاهرة االقتصــادية‪ ،‬وذلــك ألن الكميــات الماليــة "‬ ‫النفقات العامة‪ ،‬اإليرادات العامة " ال تتعدى أن تكون كميات إقتصادية وأمـام هـذا اإلرتبـاط‬ ‫بـين الماليـة العامـة واإلقتصـاد‪ ،‬زاد اإلهتمـام بدراسـة الجوانـب اإلقتصـادية للماليــة‬ ‫العامــة‪ ،‬بــل أصــبحت دراســة الجوانــب اإلقتصــادية الماليــة العامــة‪ ،‬أو دراســة الماليــة‬ ‫العامة من منظور إقتصادي‪ ،‬أساسية لفهم العالقة بين المالية العامة واإلقتصاد ومـع ذلـك‬ ‫‪12‬‬ ‫يبقـى لعلـم الماليـة العامـة خصوصـية‪ ،‬التـي تكفـي ألن تجعـل منـه علمـا متميـزا عـن غيـره‬ ‫مـن فـروع علـم اإلقتصـاد‪ ،‬ومصـدر هـذه الخصوصـية هـو طبيعـة مـن يقـوم بالنشـاط وهـو‬ ‫الدولـة وهيئاتهـا العامـة‪ ،‬مـن ناحيـة‪ ،‬ومـا حققتـه أبحاثـه فـي الوقـت الحاضـر مـن مسـتوى‬ ‫عـال من التجريد والتعميم والتنظيم‪ ،‬وهي األركان األساسية للعلم الحديث بصفة عامة ‪.‬‬ ‫المﻁلب الثاني‪ :‬عالقة علم المالﻳة العامة ﺑالﻘانوﻥ‬ ‫يشــكل القــانون األداة التنظيميــة‪ ،‬التــي تقــرر القواعــد الواجبــة االتبــاع فــي‬ ‫ظــواهر الماليــة العامـة‪ ،‬فمهمـة علمـاء الماليـة العامـة هـي دراسـة تـأثير النفقـات و‬ ‫اإليـرادات العامـة و الميزانيـة العامــة مــن الناحيــة النظريــة علــى األوضــاع فــي‬ ‫الــبالد‪ ،‬ليــأتي المشــرع ليضــع مــا يــراه مــن قواعــد قانونيــة مالئمــة و موافقــة‬ ‫لظــروف الدولــة و فلســفتها السياســية و االقتصــادية‪ ،‬فعلــم الماليـة هـو مجموعـة مـن‬ ‫المبـادﺉ و القواعـد العلميـة النظريـة التـي تـدرس النفقـات و اإليـرادات و الميزانيــة العامــة‬ ‫للدولــة‪ ،‬بينمــا القــانون المــالي هــو فــرع مــن فــروع القــانون العــام يتضــمن القواعد‬ ‫القانونية المنظمة لمالية الدولة و هيئاتها العامة‬ ‫وبالتــالي فــإن معظــم قواعــد الماليــة العامــة تصــاﻍ فــي شــكل قواعــد قانونيــة‪،‬‬ ‫فــال يــتم فــرض ضــريبة إال بقــانون‪ ،‬وال تعقــد القــروض العامــة إال بمقتضــى‬ ‫القــانون‪ ،‬والميزانيــة العامــة ال تصدر إال بقانون‪.‬‬ ‫فالقــانون بمفهومــه الواســع هــو القالــب الــذي تفــرﻍ فيــه مختلــف التــدابير‬ ‫واإلجــراءات التــي يتوجـب علـى السـلطات العامـة التقيـد بهـا فـي ميـدان الماليـة العامـة‪،‬‬ ‫ويصـطلح علـى هـذا القالـب "التشــريع المــالي " الــذي ينطــوي علــى مختلــف القــوانين‬ ‫واألنظمــة التــي تصــدرها الســلطات العامــة لتنظــيم ماليــة الدولــة " كالتشــريع‬ ‫الضــريبي‪ ،‬التشــريع الجمركــي‪ ،‬قــانون المحاســبة‪ ،‬مدونة تحصيل الديون العمومية‪"...‬‬ ‫كمــا أن الماليــة العامــة تــرتبط بالقــانون اإلداري إرتباطــا وثيقــا‪ ،‬فهــذا اإلرتبــاط‬ ‫يســتند بكــون القــانون اإلداري يهــتم بتنظــيم المرافــق العامــة‪ ،‬ســواء تعلــق األمــر‬ ‫بهياكلهــا أو بأنشــطتها‪ ،‬بينمــا يهــتم القــانون المــالي بتنظــيم النشــاط المــالي لهــذه‬ ‫المرافــق‪ ،‬ســواء تعلــق األمــر بمــوارد هــذه المرافق أو نفقاتها‪.‬‬ ‫فــإذا كــان ال يمكــن لــإلدارات العموميــة بمختلــف أشــكالها ممارســة وظائفهــا‬ ‫اإلداريــة‪ ،‬دون إعتمـادات ماليـة‪ ،‬فـإن القـانون المـالي السـنوي هـو الـذي يتـولى رصـد هـذه‬ ‫االعتمـادات لمختلـف مصالح الدولة‪ ،‬سواء على مستوى المركزي أو على المستوى الال‬ ‫مركزي الترابي‪.‬‬ ‫وتبعــا لــذلك فصــلة القــانون الماليــة جــد وثيقــة بالقــانون اإلداري‪ ،‬الــذي يتــدخل‬ ‫لتنظــيم اإلدارات الماليـة‪ ،‬سـواء منهـا المتدخلـة فـي تحصـيل المـداخيل العموميـة أو‬ ‫‪13‬‬ ‫المتدخلـة فـي صـرف النفقـات العمومية‪.‬‬ ‫فهـــذا القـــانون اإلداري‪ ،‬هـــو الـــذي يحـــدد المســـاطر المتبعـــة للتـــدبير‬ ‫المـــالي " فيمـــا يخـــص مساطرالتحصــيل أو مســاطر تنفيــذ النفقــات " ‪ ،‬و هــو الــذي‬ ‫يــنظم الوضــعية اإلداريــة للعــاملين بــاإلدارات الماليــة‪ ،‬كمــا يتــولى تنظــيم الهياكــل‬ ‫اإلداريــة الماليــة‪ ،‬و مــن ثــم فمــا دامــت اإلدارة الماليـة ال يمكنهـا إلسـتغناء عـن القـانون‬ ‫اإلداري‪ ،‬فإنـه كـذلك ال يمكنهـا ممارسـته مهامهـا بـدون إمكانيات مالية‪.‬‬ ‫المﻁلب الثالﺙ‪ :‬عالقة علم المالﻳة ﺑعلم الﺳﻳاﺳة‪:‬‬ ‫يهـتم علـم السياسـة‪ ،‬بدراسـة أنظمـة الحكـم " رئاسـي – شـبه رئاسـي – برلمـاني –‬ ‫ملكـي ‪ " ،...‬وأشــكال الــدول " بســيطة مركبــة " ‪...‬وعالقــة الســلطات العموميــة‬ ‫بعضــها الــبعض‪ ،‬وعالقاتهــا بــاألفراد والجماعــات‪ ،‬فــي حــين يتــولى علــم الماليــة‬ ‫دراســة النشــاط المــالي لهــذه الســلطات العموميـة وكيفيـة تمويلهـا للخـدمات التـي تقـدمها‬ ‫للمـواطنين‪ ،‬حيـث ال يمكـن للسـلطات العموميـة إنجاز سياستها اإلقتصادية واإلجتماعية إال‬ ‫إذا توفرت على األموال الالزمة لذلك‪.‬‬ ‫غيـر أنـه بـالرغم‪ ،‬مـن اسـتقالل علـم الماليـة العامـة عـن علـم السياسـة‪ ،‬فإنـه توجـد‬ ‫عالقـة تكامليـة بــين هــاذين العلمــين‪ ،‬إنطالقــا مــن التــأثير المتبــادل القــائم بــين النظــام‬ ‫السياســي للدولــة و بــين نظامـه المـالي‪ ،‬فالدولـة الليبيراليـة مـثال‪ ،‬أي ذات النظـام الليبيرالـي‬ ‫الـذي هـو شـكل مـن األنظمـة السياسـية للـدول‪ ،‬تعتمـد فـي سياسـتها علـى خوصصـة و‬ ‫تحريـر األسـعار و اقتصـاد السـوق‪ ،‬فـي المقابـل تعتمـد الـدول اإلشـتراكية علـى التـأميم و‬ ‫تـدخل الدولـة و التخطـيط المركـزي‪ ،‬و بالتـالي فإن طبيعة النظام السياسي للدولة يحدد نوعية‬ ‫المالية العامة التي ترتضيها الدولة لنفسها‪.‬‬ ‫الﻔصل الثاني‪ :‬النﻔﻘاﺕ واﻹﻳراﺩاﺕ العامة‪.‬‬ ‫ازداد االهتمام بالنفقات العامة‪ ،‬مع ازدياد تدخل الدولة في الحياة االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وذلك عندما تحول دورها من دولة حارسة إلى دولة متدخلة‪ ،‬ومع ازدياد‬ ‫النفقات العامة‪ ،‬تطلب األمر االهتمام أكثر بالمواد العمومية لتلبية هذه النفقات‪ ،‬حيث‬ ‫أصبحت الدول تعتمد على مجموعة من اإليرادات‪ ،‬الضرائب والرسوم والغرامات‬ ‫والهبات والقروض ومداخيل األمالك‪...‬وبالتالي لم تعد الضريبة هي المصدر الوصيد‬ ‫لإليرادات العمومية كما كان الشأن مع الدولة الحارسة‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬سنتناول في هذا‬ ‫الفصل‪ ،‬النفقات العامة (المبحث األول) واإليرادات العامة (المبحث الثاني)‪.‬‬ ‫المبحث األوﻝ‪ :‬النﻔﻘاﺕ العامة‪.‬‬ ‫للتعمق في دراسة النفقات العامة يجب تحديد مفهوم أو تعريف النفقة العامة‬ ‫‪14‬‬ ‫وأركانها (المطلب األول) تم دراسة أنواع النفقات العامة (المطلب الثاني)‪.‬‬ ‫المطلب األوﻝ‪ :‬ﺗعرﻳف النﻔﻘة العامة وأﺭكانها‪.‬‬ ‫تعرف النفقة العامة على أنها "مبلغ من النقود يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد إشباع‬ ‫حاجة عامة"‪ ،‬يظهر من هذا التعريف األركان الثالثة للنفقة‪:‬‬ ‫الﻔﻘرة األولى‪ :‬النﻔﻘة العامة مبلغ من النﻘوﺩ‪.‬‬ ‫يتميز إنفاق الدولة في وقتنا الحالي بأنه مبلغ نقدي‪ ،‬بعدما كانت الدولة في الماضي‬ ‫تميل إلى أداء بعض إلتزاماتها في صورة عينية‪ ،‬أي تقابال عينيا للحصول على البضائع‬ ‫والسلع والخدمات‪ ،‬أو تقدم للعاملين معها بعض المزايا العينية كمنحهم السكن والملبس‬ ‫والخدمات الصحية‪.‬‬ ‫وبالتالي يقصي هذا الشرط من قائمة النفقات العامة جميع العمليات التي تقوم بها‬ ‫الدولة دون مقابل مادي ولو كانت تتم مقابل تعويض عيني‪ ،‬ويرتبط هذا الشرط بتطور‬ ‫النظام االقتصادي من االقتصاد العيني إلى االقتصاد النقدي‪ ،‬حيث استقرار العمل‬ ‫باستعمال النقود في التعامل التجاري بدال من نظام المقايضة‪.‬ويسمح استعمال الدولة‬ ‫للنقود في النفقات العامة بتبسيط عمليات المراقبة على حسن استعمال األموال نظرا‬ ‫لسهولة تتبع صرف النقود والتحكم في معرفة مقاديرها خالفا لصعوبة تقدير قيمة اإلنفاق‬ ‫العيني‪ ،‬كما أن تبني الوسيلة النقدية تعتبر أكثر عدالة من طريقة الدفع العيني وأكثر سهولة‬ ‫في التطبيق‪.‬‬ ‫الﻔﻘرة الثانية‪ :‬قيام هيئة عامة ﺑالنﻔﻘة العامة‪.‬‬ ‫يشترط في اعتبار أن النفقة عامة‪ ،‬أن تصدر عن هيئة عامة (الدولة الجماعات‬ ‫الترابية‪ ،‬المؤسسات العمومية)‪ ،‬التي تتمتع بالشخصية المعنوية وباالستقالل المالي‪،‬‬ ‫وتمتلك الصفة اآلمرة وا لسيادية‪.‬طرح الفقه المالي معيارين للتمييز بين النفقات العامة‬ ‫والنفقات الخاصة وهما المعيار القانوني والمعيار الوظيفي في تحديد الطبيعة القانونية‬ ‫للنفقة‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬المعياﺭ الﻘانوني‪:‬‬ ‫يعتمد أصحاب هذا المعيار في تحديد الطبيعة القانونية للنفقة على أساس صفة القائم‬ ‫باإلنفاق وعلى طبيعة االختالفات بين نشاط الهيئات العامة والهيئات الخاصة‪.‬‬ ‫وتهدف األولى أي الهيئات العامة إلى تحقيق المصلحة العامة والتي يقوم بها‬ ‫أشخاص القانون العام (الدولة‪ ،‬الجماعات الترابية‪ ،‬المؤسسات العمومية) أي أن القائم‬ ‫باإلنفاق يمتلك السلطة اآلمرة‪ ،‬وهو ما يؤكد على أنه اختصاص سيادي تنفرد به هذه‬ ‫األشخاص العامة‪ ،‬بينما تهدف الثانية (األفراد‪ ،‬الهيئات الخاصة من شركات وجمعيات)‬ ‫‪15‬‬ ‫إلى تحقيق المصلحة الخاصة باالعتماد على التعاقد فيما بينها أو مع الهيئات العامة‪.‬إن‬ ‫هذا المعيار يستمد جذوره من الفكر المالي التقليدي الذي كان سائدا في ظل الدولة‬ ‫"الحارسة" ذات الوظائف المحدودة‪ ،‬ومع تطور الدولة وانتقالها إلى الدولة المتدخلة‬ ‫والمنتجة امتد نشاط الدولة ليشمل أوجه متعددة من اإلنفاق االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬حيث‬ ‫بدأت الدولة تمارس نشاطا مماثال لنشاط األفراد خصوصا في المجال االقتصادي تحقيقا‬ ‫للربح المالي‪.‬‬ ‫وأصبح المعيار القانوني غير كافي للتمييز بين النفقات العامة والنفقات الخاصة‪،‬‬ ‫وذلك النهيار األساس الذي يقوم عليه اختالف طبيعة نشاط الدولة عن نشاط األفراد‪،‬‬ ‫خاصة مع وجود هيئات خاصة بدأت تمارس أعماال تستهدف تحقيق النفع العام معتمدة في‬ ‫نشاطها على ما تفوضه الدولة لها من سلطات‪ ،‬كل هذه األسباب دفعت إلى اقتراح معيار‬ ‫ثان وهو المعيار الوظيفي‪.‬‬ ‫ثانيا‪:‬المعياﺭ الوظيﻔي‪:‬‬ ‫يستند هذا المعيار‪ ،‬على طبيعة وظيفة النفقة‪ ،‬وليس على أساس صفة القائم‬ ‫باإلنفاق‪.‬‬ ‫وبناء على ذلك تعتبر النفقة عامة إذا قامت بها الدولة بصفتها اآلمرة والسيادية‪ ،‬أو‬ ‫قام بها األشخاص الخاصة الذين تفوضهم الدولة صالحية استخدام السلطة اآلمرة‬ ‫والسيادية‪ ،‬وفي حال غياب السلطة اآلمرة والمصلحة العامة فإن النفقات التي تقوم بها‬ ‫الدولة أو هيئاتها (الجماعات الترابية المؤسسات العمومية) بما فيها شركات القطاع العام‬ ‫تعتبر نفقات خاصة‪.‬‬ ‫يبدو أن هدف المعيار الوظيفي‪ ،‬هو استبعاد جزء كبير من نفقات الدولة والتي‬ ‫تكون مماثلة لظروف القطاع الخاص‪ ،‬كاقتناء العقارات واستغالل المرافق التجارية‬ ‫والصناعية من عداد النفقات العامة‪ ،‬وإدخال بعض نفقات الهيئات الخاصة التي تنازلت‬ ‫لها الدولة عن بعض سلطاتها اآلمرة ضمن إطار النفقات العامة‪.‬‬ ‫وخالصة القول‪ ،‬إذا كان المعيار القانوني جاء متماشيا مع مفهوم الدولة الحارسة‬ ‫في قصر النفقات العامة عن مصروفات الدولة‪ ،‬فإن المعيار الوظيفي توسع في إدخال‬ ‫واستبعاد بعض النفقات العامة بهدف اقتصادي على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫الﻔﻘرة الثالثة‪ :‬إشباع النﻔﻘة العامة لحاﺟة عامة‪.‬‬ ‫يشترط في النفقة العامة أن يكون موضوعها األساسي هو إشباع حاجة عامة تحقق‬ ‫من خاللها منفعة تكتسي طابعا عاما وجماعيا يستفيد منها كل مواطن بصفته عضوا في‬ ‫المجتمع‪ ،‬سواء كانت هذه النفقة غير قابلة للتجزئة كالعدل واألمن والدفاع‪ ،‬أو كانت قابلة‬ ‫‪16‬‬ ‫لذلك كالتعليم والصحة‪.‬‬ ‫ويعتبر هذا العنصر ركنا جوهريا في تحديد طبيعة النفقة العامة وهو الذي يضفي‬ ‫عليها الطابع العام ويبرر شرعية صرفها‪.‬‬ ‫إن حجم الحاجات العامة والنفقات العامة المرتبطة بها‪ ،‬يختلف من دولة إلى‬ ‫أخرى‪ ،‬حيث نجد أن هذا الحجم في إطار الدولة المحايدة يقل بكثير عن الحجم السائد في‬ ‫الدولة المتدخلة‪ ،‬كما أن هذا الحجم يختلف كذلك حسب طبيعة النظام السياسي واالقتصادي‬ ‫لكل دولة‪.‬‬ ‫حيث أننا نالمس كثرة هذه الحاجات العامة والنفقات العامة المرتبطة بها في الدول‬ ‫ذات التوجه االشتراكي بينما يقل هذا التوجه في األنظمة السياسية الليبرالية‪.‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع النﻔﻘاﺕ العامة‪.‬‬ ‫مع تطور مهام وأدوار الدولة‪ ،‬أخذ موضوع تصنيف النفقات العامة يأخذ اهتماما‬ ‫متزايدا‪ ،‬وذلك لما له من آثار إيجابية على المجتمع واالقتصاد بصفة عامة‪ ،‬ولما له من‬ ‫دور في تسهيل مهمة أجهزة الرقابة على إنفاق المال العام‪.‬‬ ‫وتتعدد أنواع النفقات العامة حسب تعدد واختالف تصنيفها‪ ،‬ونظرا لتعدد تصنيفات‬ ‫النفقات العامة فسنقتصر على التصنيفات وفق المعاير التالية‪:‬‬ ‫الﻔﻘرة األولى‪ :‬ﺗﻘسيم النﻔﻘاﺕ ﺣسب معياﺭ االنتظام‪.‬‬ ‫من خالل هذا المعيار يمكن التمييز بين النفقات العادية والنفقات غير العادية‪.‬‬ ‫فالنفقات العادية هي تلك النفقات التي تظهر في الميزانية العامة كل سنة‪ ،‬حيث‬ ‫تتكرر بصفة دورية ومنتظمة إلشباع حاجة دائمة للدولة‪ ،‬وعلى هذا األساس يمكن‬ ‫تحديدها مقدما‪ ،‬كالنفقات المتعلقة بأجور الموظفين‪ ،‬ونفقات المعدات وصيانة البنيات‬ ‫اإلدارية ا لالزمة لتسيير المرافق العامة‪.‬وبالتالي فهي تمول عن طريق اإليرادات العادية‬ ‫كالضرائب والرسوم التي تتصف هي األخرى بنفس الصفات‪.‬‬ ‫أما النفقات غير العادية‪ ،‬أو غير المنظمة‪ ،‬فهي تلك النفقات التي ال تتجدد بصورة‬ ‫دورية بل يغلب عليها الطابع العرضي وغير المتوقع‪ ،‬أي أنها تلك النفقات التي تظهر‬ ‫الحاجة إليها في لحظات غير متوقعة‪ ،‬وبالتالي ال يمكن توقع حجمها‪ ،‬كالنفقات الحربية‬ ‫ونفقات الكوارث الطبيعية كالزالزل والفيضانات والجفاف‪...‬والنفقات االستثمارية‬ ‫الكبرى كبناء السدود‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬وبالتالي فهذه النفقات يتم تمويلها عن طريقها‬ ‫اإليرادات الغير عادية‪ ،‬كالقروض والتي تتصف بعدم الدورية شأنها شأن هذه النفقات‪.‬‬ ‫إال أن هذا المعيار تم إنتقاده لمجموعة من األسباب‪:‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪ -‬إن التطور في الوسائل المالية وازدياد وظائف الدولة حول ما كان يعتبر إنفاقا غير‬ ‫عادي باالعتماد على معيار الزمن والتكرار أصبح إنفاق عاديا متكررا ومتجددا كل‬ ‫سنة‪.‬‬ ‫‪ -‬إن تقسيم النفقات إلى عادية وغير عادية في حقيقة األمر قد جاء انسجاما مع الفكر‬ ‫المالي التقليدي أين كانت الدولة ال تتدخل في الحياة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بل‬ ‫تقتصر على مهام وهي األمن الداخلي والخارجي وتحقيق العدالة ونظرا لسقوط‬ ‫الفكر المالي التقليدي وظهور الفكر المالي الحديث‪ ،‬الذي أصبحت معه الدولة‬ ‫تتدخل في المجاالت االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬إفتقد هذا المعيار أي معيار تقسيم‬ ‫النفقات إلى عادية وغير عادية‪ ،‬إلى وجاهته‪.‬‬ ‫‪ -‬لم يعد القرض وسيلة غير تقليدية‪ ،‬فاستقرار مختلف ميزانيات الدول في عالمنا‬ ‫الحاضر‪ ،‬نجد أن أغلب الدول تعتمد على القرض‪ ،‬إما لتمويل عجز الميزانية‪ ،‬أو‬ ‫لتمويل نفقات استثمارية‪ ،‬وبالتالي أصبح القرض مصدرا ماليا دائما ومتكررا في‬ ‫كثير من ميزانيات الدول‪.‬‬ ‫الﻔﻘرة الثانية‪ :‬ﺗﻘسيم النﻔﻘاﺕ ﺣسب المعياﺭ االقتصاﺩﻱ‪.‬‬ ‫تنقسم النفقات العامة‪ ،‬حسب المعيار واالقتصادي‪ ،‬إلى نفقات حقيقية ونفقات‬ ‫تحويلية‪.‬‬ ‫فالنفقات الحقيقية‪ ،‬هي النفقات التي تتم بمقابل أي النفقات التي تحصل من خاللها‬ ‫الدولة على السلع والخدمات مقابل الثمن الذي تدفعه‪ ،‬وعليه فهي تمثل تيارا نقديا من قبل‬ ‫الدولة يقابل بتيار آخر وهو سلعة أو خدمة من قبل األفراد‪.‬وقد تكون منتجة أو استثمارية‬ ‫حيث تنطوي على اقتناء السلع اإلنتاجية بكيفية تدر عائدا ما ليا يؤدي إلى زيادة مباشرة‬ ‫في اإلنتاج الوطني‪ ،‬وبالتالي زيادة حجم الموارد المالية للدولة مثل بناء السدود وتشييد‬ ‫الطرق والقنوات وإنتاج الطاقة وغيرها‪ ،‬أو قد تكون غير منتجة أو استهالكية حيث ال تدر‬ ‫عائدا ماليا مباشرا القتصارها على ضمان سير الجهاز اإلداري كالنفقات المترتبة عن‬ ‫أداء رواتب الموظفين ومصاريف صيانة البنايات اإلدارية‪.‬‬ ‫أما لنفقات التحويلية‪ ،‬فهي تلك النفقات التي تتم بمقابل معين‪ ،‬أي أنها تمثل تيارا‬ ‫نقديا من قب ل الدولة ال يقابله من قبل األفراد سلعة أو خدمة معينة‪ ،‬حيث تقتصر الدولة‬ ‫على إعادة توزيع جزء من الدخل الوطني بين أفراد المجتمع‪ ،‬ويتم اللجوء إليها إلحداث‬ ‫التوازن االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وتبعا لذلك قد تكون نفقات تحويلية ذات طابع اقتصادي‪،‬‬ ‫مثل اإلعانات المالية لبعض المشروعات لإلستمرار في نشاطها لكون وجودها يعد‬ ‫ضروريا للمجتمع‪ ،‬وإعانات دعم التصدير وذلك بقصد تمكين المنتجين المحليين من‬ ‫خفض أسعار سلعهم المصدرة للخارج حتى تصبح في وضع تنافسي أفضل تجاه السلع‬ ‫‪18‬‬ ‫المماثلة لها في هذه األسواق‪ ،‬وقد تكون نفقات تحويلية ذات طابع اجتماعي مثل اإلعانات‬ ‫التي تقدمها الدول لضحايا الكوارث الطبيعية‪ ،‬والتعويض عن البطالة‪ ،‬والنفقات المترتبة‬ ‫عن دعم الدولة لبعض المواد االستهالكية الرئيسية واإلعانات المتعلقة بالتغطية‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫الﻔﻘرة الثالثة‪ :‬ﺗﻘسيم النﻔﻘاﺕ ﺣسب المعياﺭ الوظيﻔي‪.‬‬ ‫يقوم هذا التقسيم على أساس نوع الخدمة أو الوظيفة التي تؤديها الدولة‪ ،‬والتي ينفق‬ ‫المال من أجلها‪ ،‬بصرف النظر عن الجهة اإلدارية التي تقوم به‪ ،‬وعلى هذا األساس يتم‬ ‫تضيف جميع النفقات العامة‪ ،‬وتبويبها في مجموعات متجانسة طبقا للخدمة العامة المتعلقة‬ ‫بوظائف الدولة‪ ،‬وتبعا لذلك يمكن التمييز بين النفقات اإلدارية‪ ،‬والنفقات العسكرية‪،‬‬ ‫والنفقات االقتصادية‪ ،‬والنفقات االجتماعية وتروم الفائدة من هذا التقسيم إلى سهولة‬ ‫التعرف على حجم النفقات التي تتطلبها مختلف الوظائف التي تقوم بها الدولة‪.‬‬ ‫الﻔﻘرة الراﺑعة‪ :‬ﺗﻘسيم النﻔﻘاﺕ ﺣسب معياﺭ نطاﻕ ﺳرﻳانها‪.‬‬ ‫تنقسم النفقات حسب هذا المعيار‪ ،‬إلى نفقات مركزية وأخرى محلية‪ ،‬أما األولى‬ ‫فهي الموجهة لعموم المجتمع والتي تتولى الحكومة المركزية إنفاقها‪ ،‬ومثالها نفقات الدفاع‬ ‫األمن الخارجي‪...‬أما الثانية فهي النفقات الموجهة إلى منطقة معنية تتولى الجماعات‬ ‫الترابية إنفاقها في الغالب‪.‬‬ ‫والواقع أن تقسيم النفقات العامة إلى مختلف هذه األنواع حسب المعايير السالفة‬ ‫الذكر‪ ،‬يكتسي طابعا نظريا صرفا‪ ،‬حيث غالبا ما ال تأخذ به الدول عند إعداد وتحضير‬ ‫ميزانيتها‪ ،‬وبالفعل يتم األخذ بتقسيمات مختلفة تتأثر بالظروف التاريخية والسياسية‬ ‫واإلدارية لكل دولة أكثر من هذه االعتبارات والمعايير المشار إليها أعاله‪ ،‬وعلى سبيل‬ ‫المثال تقسم النفقات العامة في إطار قانون المالية بالمغرب‪ ،‬إلى نفقات التسيير ونفقات‬ ‫االستثمار ونفقات خدمة الدين‪ ،‬أما في فرنسا فتقسم النفقات العامة إلى النفقات المدنية‬ ‫والنفقات العسكرية ونفقات القروض‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬اﻹﻳراﺩاﺕ العامة‪.‬‬ ‫لقيام الدولة بوظائفها‪ ،‬البد لها من الحصول على تمويل إلنفاقها العام أي البد أن‬ ‫تحصل على الموارد المالية لتغطية نفقاتها العامة‪ ،‬وهذه الموارد هي لتي يطلق عليها‬ ‫باإليرادات العامة للدولة‪.‬‬ ‫إنحصرت أهداف اإليرادات العامة في ظل الفكر المالي التقليدي في تغطية النفقات‬ ‫العامة الالزمة لقيام الدولة بوظائفها التقليدية‪ ،‬بينما في الوقت الحاضر ترمي وتهدف هذه‬ ‫اإليرادات العامة إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية‪ ،‬أي أنها أصبحت أداة‬ ‫‪19‬‬ ‫للتوجيه االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وأصبحت بالتالي بجانب النفقات العامة أدوات للسياسة‬ ‫المالية التي تسعى الدولة من خاللها لتحقيق أهدافها‪.‬‬ ‫وكما لحق التطور مضمون النفقات العامة وأهدافها‪ ،‬لحق التطور أيضا أنواع‬ ‫اإليرادات العامة‪ ،‬بحيث لم تعد تقتصر هذه األخيرة على الضرائب والرسوم وإنما امتدت‬ ‫إلى القروض‪ ،‬وإيرادات أمالك الدولة والغرامات والهبات وغيرها من المصادر‪.‬‬ ‫ونظرا ألهمية بعض اإليرادات عن اإليرادات األخرى سنقتصر على إيرادات‬ ‫أمالك الدولة (المطلب األول)‪ ،‬وإيرادات الضرائب (المطلب الثاني) والرسوم (المطلب‬ ‫الثالث) وإيرادات القروض (المطلب الرابع)‪.‬‬ ‫المطلب األوﻝ‪ :‬إﻳراﺩاﺕ أمالك الدولة‪.‬‬ ‫تحتل إيرادات الدولة من أمالكها ومشروعاتها االقتصادية أهمية خاصة بين‬ ‫مصادر اإليرادات العامة األخرى بشكل خاص بالنسبة للدول التي يتوسع فيها القطاع‬ ‫العام‪.‬‬ ‫ويقصد بأمالك الدولة األموال العقارية والمنقولة التي تملكها الدولة ملكية عامة‪،‬‬ ‫وتخضع ألحكام القانون العام‪ ،‬واألمالك الخاصة هي تلك األموال الخاضعة ألحكام‬ ‫القانون الخاص‪ ،‬ويطلق على األموال األولى‪ ،‬الدومين العام‪ ،‬والتي تخصص للنفع العام‬ ‫وال تقصد الدولة من خاللها تحقيق الربح كهدف مباشر من خالل استغاللها‪ ،‬ومثال ذلك‪،‬‬ ‫الطرق العمومية واألنهار والجسور‪ ،‬والمدارس والمتاحف‪ ،‬والمنتزهات العمومية‬ ‫كالحدائق‪...‬إلخ‪ ،‬واألصل هو استغالل هذه األموال أو المرافق من طرف العموم بالمجان‬ ‫وتتحمل الدولة تكاليف اإلنفاق على هذا الدومين الذي يتم تمويله عن طريق الضرائب‪.‬‬ ‫فالدومين العام ليس الغرض منه الحصول على إيراد معين‪ ،‬ولذا تتحمل الدولة نفقات‬ ‫كبيرة في سبيل المحافظة عليه وتهيئة االنتفاع به‪ ،‬وللمحافظة على هذه األمالك العامة‬ ‫أيضا وضعت لها التشريعات مجموعة من الحدود التي ال يجب تجاوزها‪ ،‬حيث ال يجوز‬ ‫التصرف فيها وال الحجز عليها وال تملكها بالتقادم‪.‬‬ ‫وبالرغم من صفة المجانية التي تحدد صفة االنتفاع من الدومين العام أو األمالك‬ ‫العامة‪ ،‬فإنه مع ذلك يمكن أن يدر هذا الدومين دخال في بعض الحاالت عندما تقرر الدولة‬ ‫رسما معينا مقابل االنتفاع به أو استخدامه‪ ،‬كما لو قررت الدولة رسما مقابل زيارة‬ ‫الحدائق العامة أو استخدام الطرق العامة والغرض من هذه الرسوم ليس الحصول على‬ ‫اإليراد‪ ،‬وإنما تنظيم استعمال األفراد ألموال الدومين العام بما يتفق مع المصلحة العامة‪.‬‬ ‫ويطلق على األموال الثانية مصطلح الدومين الخاص‪ ،‬وهي تلك األموال المعدة‬ ‫لإلستغالل االقتصادي التجاري الصناعي‪ ،‬وتأتي أهمية هذا المورد نظرا لما يتمتع به‬ ‫الدومين الخاص في صفة االستمرار ومن ثم فهو مورد مستمر ويتجدد سنويا‪ ،‬وال يقصد‬ ‫‪20‬‬ ‫بذلك أن يتكرر سنويا بنفس المقدار وإنما تكراره سنة بعد أخرى‪.‬‬ ‫وهذه األموال تتملكها الدولة أو غيرها من األشخاص العامة وتستغلها وتتصرف‬ ‫فيها طبقا لألحكام التي تخضع لها ملكية األفراد‪ ،‬وهي أحكام القانون المدني‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يمكن استغالل هذه األمالك عن طريق تأجيرها لألفراد أو تفويتها‪ ،‬أي تتصرف فيها‬ ‫تصرف األفراد في أموالهم الخاصة‪.‬‬ ‫وبما أن الدومين الخاص‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك سالفا‪ ،‬هو المعد لالستغالل‬ ‫واالستعمال االقتصادي‪ ،‬فهو وحده بشكل عام يدر إيرادا‪ ،‬ومن ثم فهو وحده الذي يعنيه‬ ‫علماء المالية العامة بدخل الدولة من أمالكها‪ ،‬كمصدر من مصادر اإليرادات‪.‬‬ ‫يطلق الفقه المالي إصطالح الدومين الخاص على األموال الخاصة وهي األموال‬ ‫المنقولة والعقارية المملوكة للدولة أو األشخاص القانون العام األخرى‪ ،‬والتي ال تخصص‬ ‫مباشرة للنفع العام‪.‬‬ ‫تتحدد أنواع الدومين الخاص أو األمالك الخاصة للدولة ومنها‪:‬‬ ‫الﻔﻘرة األولى‪ :‬الدومين العﻘاﺭﻱ (ممتلكاﺕ الدولة العﻘاﺭﻳة)‪.‬‬ ‫يتشكل هذا الدومين من األراضي الفالحية‪ ،‬والمناجم‪ ،‬والمباني‪...‬ويساهم هذا‬ ‫النوع من الدومين مساهمة خاصة في إيرادات الدول ومنها المغرب‪.‬‬ ‫وقد كان لهذا الدومين أهمية تاريخية في العصور الوسطى المتمثلة باألراضي‬ ‫الزراعية والغابات‪ ،‬وبدأ هذا النوع يفقد أهمية على إثر زوال العهد اإلقطاعي‪ ،‬وتوسع‬ ‫الدولة في بيع هذا النوع من األراضي وترك أمر استغاللها لألفراد‪.‬‬ ‫الﻔﻘرة الثانية‪ :‬الدومين الصناعي والتجاﺭﻱ‪.‬‬ ‫يتضح من خالل استقراء التاريخ المالي‪ ،‬أن هذا الدومين ال يمثل أهمية كبيرة في‬ ‫الماضي‪ ،‬وقد ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬غير أن نطاقه ظل تحت‬ ‫تأثير المذهب الفردي محددا بتلك المشروعات التي ال يقوى عليها القطاع الخاص‪ ،‬إما‬ ‫ألنها تتطلب أمواال كبيرة ال يستطيع هذا القطاع على توفيرها‪ ،‬أو أنها من المرافق التي‬ ‫ترى الدولة ضرورة أن تكون في ملكيتها وبالتالي إدارتها بغية ضمان إستمرار الخدمة‬ ‫وتقديمها بأثمان منخفضة‪ ،‬منها مشروعات ال تهدف الدولة من خاللها تحقيق الربح بقدر‬ ‫ما تهدف إلى تحقيق النفع العام‪.‬‬ ‫ومع بداية القرن العشرين‪ ،‬وبالتحديد الثلث األول منه‪ ،‬حيث بدأ االنحالل يظهر‬ ‫واضحا في التكوين الفكري للمذهب الفردي‪ ،‬وبدأ يفقد مصداقيته تحت تأثير األزمات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ظهرت على الساحة الدولية فلسفة اقتصادية جديدة تدعوا إلى تدخل الدولة‪،‬‬ ‫كوسيلة لعالج تلك األزمات‪ ،‬فكان من تأثيراتها إتساع نطاق الدومين التجاري والصناعي‬ ‫‪21‬‬ ‫وازدادت أهميتها في الدول الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬ ‫وبعد بروز دعوات الخصخصة بدأت الدول في التخلي عن القطاع العام‪ ،‬إحياء‬ ‫لدعوات الفكر االقتصادي والمالي التقليدي‪ ،‬إال أنه مع ذلك فهذا الدومين ينشط بشكل كبير‬ ‫في الدول النامية حيث القطاع الخاص يظل ضعيفا في إمكانياته‪ ،‬مما جعل هذه الدول‬ ‫ومنها المغرب تتدخل في المجال الصناعي والتجاري عن طريق مجموعة من المؤسسات‬ ‫العمومية ذات الطبيعة الصناعية والتجارية‪.‬‬ ‫وتتكون إيراداتها في التجربة المغربية مما تفرضه من الرسوم شبه ضريبية على‬ ‫المنتفعين من خدماتها‪.‬‬ ‫حيث تنص المادة ‪ 67‬من القانون التنظيمي لقانون المالية ‪ 130.13‬عل?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser