نشأة الميزانية العامة PDF

Summary

This document is a student research paper on the origin and development of the general budget. It covers the historical context, definitions, and characteristics of general budget. The document is a student project for a public finance course.

Full Transcript

‫نشــــأة الميزانية العامـــة‬ ‫موضوع للبحث في وحدة‬ ‫المالية العامة‬ ‫من إعداد الطالبة‪:‬‬ ‫شيماء بنعدو‬ ‫تحت إشراف اﻷستاذ‪ :‬المصطفى قريشي‬ ‫شعبة القانون الخاص‬ ‫السداسي الثالث‬ ‫الفوج أ‬ ‫رقم الطالب‪2...

‫نشــــأة الميزانية العامـــة‬ ‫موضوع للبحث في وحدة‬ ‫المالية العامة‬ ‫من إعداد الطالبة‪:‬‬ ‫شيماء بنعدو‬ ‫تحت إشراف اﻷستاذ‪ :‬المصطفى قريشي‬ ‫شعبة القانون الخاص‬ ‫السداسي الثالث‬ ‫الفوج أ‬ ‫رقم الطالب‪2312743 :‬‬ ‫‪ 21‬نونبر ‪2024‬‬ 1 ‫جدول المحتويات‬ ‫جدول المحتويات ‪2..................................................................‬‬ ‫تقــــــــــــــــــــــــديم ‪3...............................................................‬‬ ‫المبحث اﻷول نشأة الميزانية العامة وتطورها ‪4...................................‬‬ ‫المطلب اﻷول‪ :‬نشأة الميزانية العامة ﻓﻲ انجلترا‪4..................................................................‬‬ ‫المطلب الثانﻲ‪ :‬نشأة الميزانية ﻓﻲ ﻓرنﺴا ‪5...........................................................................‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬ظهور الميزانية ﻓﻲ المغرب ‪6......................................................................‬‬ ‫أوﻻً‪ :‬نظام اﻷمناء ‪6...................................................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬آلية التدبير الموازنﻲ ‪8........................................................................................‬‬ ‫المبحث الثاني تأصيل مفهوم الميزانية العامة ‪9....................................‬‬ ‫المطلب اﻷول‪ :‬تدقيق المفهوم‪ :‬الميزانية أو الموازنة؟ ‪9...........................................................‬‬ ‫المطلب الثانﻲ‪ :‬تعريف الميزانية وبيان خصائصها ‪10...........................................................‬‬ ‫أوﻻ ‪ :‬التعريف ‪10...................................................................................................‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬الخصائص ‪11.................................................................................................‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬بين الميزانية العامة وبعض المفاهيم المشابهة ‪12..............................................‬‬ ‫خـــــــــــــــــاتمة ‪14.................................................................‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ﺗﻘــــــــــــــــــــــــديم‬ ‫قـــــانون الميزانيـــــة العامـــــة ‪ Le Droit Budgétaire‬ﻓـــــرع مـــــن ﻓـــــروع القـــــانون العـــــام الـــــداخلﻲ‪.‬إنـــــه‬ ‫يعنـــى بدراســـة وتحليـــل مختلـــف القواعـــد واﻷصـــول المرعيـــة ﻓـــﻲ شـــأن تنظـــيم وتـــدبير ميزانيـــة الدولـــة إنفاقـــا‬ ‫وإيرادا‪.‬‬ ‫يعـــد قـــانون الميزانيـــة العامـــة مـــن أهـــم اﻷدوات التـــﻲ تـــنظم إدارة المـــال العـــام ﻓـــﻲ الدولـــة‪ ،‬حيـــث يُعـــد‬ ‫اﻹطــــار التشـــــريعﻲ الـــــذي يـــــنظم كيفيــــة تخصـــــيص المـــــوارد الماليـــــة وتحقيــــق التـــــوازن بـــــين اﻹيـــــرادات‬ ‫والنفقــــات العامــــة‪.‬يشــــمل قــــانون الميزانيــــة قواعــــد وآليــــات تنفيــــذ الميزانيــــة‪ ،‬بمــــا ﻓــــﻲ ذلــــك إعــــدادها‪،‬‬ ‫مناقشــــتها‪ ،‬والمواﻓقــــة عليهــــا مــــن قبــــل الﺴــــلطة التشــــريعية‪ ،‬ﻓضــــﻼً عــــن آليــــات المراقبــــة والرقابــــة علــــى‬ ‫تنفيــــذها‪.‬يعكــــس قــــانون الميزانيــــة سياســــة الدولــــة اﻻقتصــــادية واﻻجتماعيــــة ويحــــدد أولوياتهــــا ﻓــــﻲ مختلــــف‬ ‫المجـــاﻻت مثـــل التعلـــيم‪ ،‬الصـــحة‪ ،‬الـــدﻓاع‪ ،‬والبنيـــة التحتيـــة‪.‬ومـــن خـــﻼل هـــذه الوثيقـــة‪ ،‬يـــتم تحديـــد مـــا ســـتقوم‬ ‫به الحكومة من مشاريع وخدمات طوال الﺴنة المالية‪.‬‬ ‫وعليـــــه‪ ،‬تعـــــد الميزانيـــــة العامـــــة أداة ماليـــــة جوهريـــــة تعتمـــــد عليهـــــا الحكومـــــات لتحقيـــــق أهـــــداﻓها‬ ‫اﻻقتصــــادية واﻻجتماعيــــة‪.‬ﻓــــﻲ هــــذا البحــــث‪ ،‬ســــنتناول تعريــــف الميزانيــــة العامــــة واﻹجابــــة علــــى تﺴــــاؤﻻت‬ ‫محوريــــة‪ ،‬منهــــا‪ :‬مــــا الﺴــــياق التــــاريخﻲ الــــذي نشــــأت ﻓيــــه الميزانيــــة العامــــة؟ متــــى بــــدأت تطبيقاتهــــا ﻓــــﻲ‬ ‫المغـــرب؟ كيـــف يـــتم تحديـــد مفهـــوم الميزانيـــة العامـــة؟ ومـــا هـــﻲ الخصـــائص التـــﻲ تميزهـــا؟ ومـــا الفـــرق بـــين‬ ‫الميزانية العامة والمفاهيم المشابهة لها؟‬ ‫قبـــــل التطـــــرق إلـــــى تأصـــــيل مفهـــــوم قـــــانون الميزانيـــــة العامـــــة‪ ،‬يجـــــب علينـــــا أوﻻً دراســـــة الﺴـــــياق‬ ‫التــــاريخﻲ لنشــــأة وتطــــور الميزانيــــة العامــــة كــــأداة للتــــدبير المــــالﻲ والمحاســــبﻲ‪.‬سنﺴــــتعرض أيضــ ـا ً اﻹطــــار‬ ‫النظــــري والمفــــاهيمﻲ لتحديــــد معناهــــا ومبناهــــا‪ ،‬باﻹضــــاﻓة إلــــى الخاصــــيات اﻷساســــية التــــﻲ تميزهــــا عــــن‬ ‫اﻷدوات المالية واﻻقتصادية اﻷخرى‪.‬‬ ‫أيضــــا تأصـــــيل‬ ‫ً‬ ‫سيشــــمل هــــذا البحــــث دراســـــة نشــــأة الميزانيــــة العامــــة وتطورهـــــا )المبحــــث اﻷول(‪،‬‬ ‫مفهوم الميزانية العامة )المبحث الثانﻲ(‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫المبحث اﻷول‬ ‫نشأة الميزانية العامة وتطورها‬ ‫تعتبـــر الميزانيـــة العامـــة بمفهومهـــا الحـــديث نتـــاج صـــراع تـــاريخﻲ طويـــل شـــهدته إنجلتـــرا‪ ،‬وﻓـــﻲ ﻓتـــرة‬ ‫ﻻحقــــة ﻓرنﺴــــا‪ ،‬بــــين الملــــك‪ ،‬الــــذي كــــان يﺴــــتفرد بممارســــة ســــلطة الجبايــــة واﻹنفــــاق دون قيــــد أو شــــرط‪،‬‬ ‫والشـــعب الـــذي كـــان يطلـــع ‪-‬مـــن خـــﻼل ممثليـــه‪ -‬الـــى تقييـــد هـــذه الﺴـــلطة عـــن طريـــق إخضـــاع كـــل جبايـــة أو‬ ‫إنفاق إلى إذنه المﺴبق‪.‬‬ ‫ولم تظهر تطبيقات هذه اﻵلية ﻓﻲ المغرب إﻻ بعد ﻓرض الحماية عليه ﻓﻲ بداية‬ ‫القــــرن العشــــرين وهــــذا مــــا ســــنتطرق إليــــه ﻓــــﻲ نشــــأة الميزانيــــة العامــــة ﻓــــﻲ انجلتــــرا )المطلــــب اﻷول(‬ ‫ونشأة الميزانية ﻓﻲ ﻓرنﺴا )المطلب الثاني( وكذا ظهور الميزانية ﻓﻲ المغرب )المطلب الثالﺚ(‪.‬‬ ‫المطلب اﻷول‪ :‬نشأة الميزانية العامة ﻓﻲ انجلترا‬ ‫نشأت الميزانية العامة ﻓﻲ شكلها الحديث بصورة تدريجية ﻓﻲ إنجلترا‪ 1‬نتيجة لنجاح مجلس العموم ﻓﻲ تقييد سلطات‬ ‫الملك ﻓﻲ اﻹنفاق والجباية‪.‬ﻓﻲ البداية‪ ،‬كانت الﺴلطات المالية تقع ﻓﻲ يد الملك‪ ،‬ولكن مع مرور الوقت‪ ،‬أصبح مجلس العموم‬ ‫هو الجهة المﺴؤولة عن تحديد اﻹنفاق والجباية‪.‬هذا التحول جاء كجزء من الصراع بين العموم والملكية‪ ،‬والذي أدى إلى‬ ‫تشكيل نظام ميزانية عامة يتطلب إذن مجلس العموم لتجاوز الحدود المحددة لﻺنفاق والجباية‪.‬‬ ‫ﻓﻲ العصور الوسطى‪ ،‬كان الملك يتمتع بحرية كاملة ﻓﻲ اﻹنفاق حﺴب مشيئته‪ ،‬حيث كانت النفقات تمول من ممتلكات‬ ‫التاج الخاصة‪.‬كانت سلطته ﻓﻲ ﻓرض الضرائب محدودة جدًا‪ ،‬مقتصرة على بعض الضرائب اﻻستثنائية التﻲ تﺴتلزمها‬ ‫ظروف خاصة مثل الحروب‪ ،‬وذلك بعد الحصول على مواﻓقة ممثلﻲ الشعب‪ ،‬كما نص عليه »الميثاق الكبير« ‪(Magna‬‬ ‫)‪Carta‬الصادر عام ‪.1215‬‬ ‫ولكن مع تزايد نفقات الدولة وعدم كفاية أموال التاج لتغطيتها‪ ،‬اضطر الملك إلى ﻓرض الضرائب على نطاق واسع‪،‬‬ ‫وغالبًا دون الحصول على مواﻓقة ممثلﻲ الشعب‪ ،‬مما دﻓع البرلمانات المتعاقبة إلى تكثيف ضغوطها لتقييد الﺴلطة الملكية ﻓﻲ‬ ‫الجباية‪.‬تحقق هذا بالفعل ﻓﻲ عام ‪ ،1628‬عندما أصدر الملك شارل اﻷول بـ »وثيقة إعﻼن الحقوق« )‪(Petition of Right‬‬ ‫التﻲ أقرت مبدأ مواﻓقة البرلمان المﺴبقة على ﻓرض الضرائب‪.‬‬ ‫غير أن هذا المبدأ لم يُطبق ﻓعليًا بﺴبب محاوﻻت الملك المﺴتمرة لﻼستئثار بﺴلطة ﻓرض الضرائب وعقد القروض دون‬ ‫الرجوع إلى ممثلﻲ الشعب‪ ،‬مما أدى إلى اندﻻع حرب أهلية بين أنصار البرلمان وأنصار الملك‪.‬انتهت الحرب باستﺴﻼم‬ ‫الملك ومحاكمته ﻓﻲ عام ‪.1649‬وتوج هذا الصراع بإصدار وليام الثالث ﻓﻲ عام ‪ 1688‬ما يﺴمى بـ »دستور الحقوق«‬ ‫)‪ ،(Bill of Rights‬الذي بموجبه امتد إذن البرلمان ليشمل كاﻓة أنواع اﻹيرادات والمصروﻓات كما إتخذ هذا اﻹذن صفة‬ ‫‪ 1‬يؤكد المؤرخون اﻹيطاليون بأن الجمهوريات اﻹيطالية )جينوة‪ ،‬البندقية ‪ (...‬هﻲ أول من استخدم أسلوب اﻹيرادات والنفقات ﻓﻲ ﻻئحتين‬ ‫متقابلتين‪ ،‬بحيث يشكل ذلك نوعا من الميزانية إﻻ أنهم يقرون بأن مبدأ اعتماد الميزانية من طرف ممثلﻲ الشعب ظهر ﻓﻲ أول اﻷمر عند الجرمان‬ ‫والفلك والنورمانديين )حﺴن عواضة‪ :‬المالية العامة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1981 ،‬ص ‪ ،28‬هامش‬ ‫‪4‬‬ ‫دورية ومتجددة على أن مبدأ اعتماد النفقات العامة من طرف البرلمان لم يطبق كامﻼ إﻻ منذ سنة ‪ ،1837‬ﻓﻲ عهد الملكة‬ ‫ﻓكتوريا‪ ،‬حيث أصبح البرلمان يناقش كل النفقات باستثناء مخصصات العرش‪.‬‬ ‫وبذلك‪ ،‬لم يتحقق تعميم مبدأ اﻹذن البرلمانﻲ ﻓعليًا إﻻ ﻓﻲ القرن الثامن عشر‪ ،‬عندما بدأ البرلمان ﻓﻲ مناقشة أعمال‬ ‫الحكومة من خﻼل إيراداتها ونفقاتها قبل بداية كل سنة‪ ،‬وذلك قبل أن يمنح اﻹذن أو يرﻓضه‪.2‬استقر بهذا مفهوم اﻹذن‬ ‫البرلمانﻲ وظهرت ضرورة تنظيم الميزانية العامة ﻓﻲ إنجلترا تحت تأثير المطالبات الشعبية‪.‬‬ ‫المطلب الثانﻲ‪ :‬نشأة الميزانية ﻓﻲ ﻓرنﺴا‬ ‫رغم اﻻحتجاجات الشعبية‪ ،‬استمر الملك ﻓﻲ ﻓرنﺴا ﻓﻲ ﻓرض وجباية الضرائب دون قيد أو شرط حتى قيام الثورة‬ ‫الفرنﺴية‪.‬ﻓﻲ عام ‪ ،1789‬قررت الجمعية الوطنية التأسيﺴية عدم شرعية أي ضريبة لم تأذن بفرضها وجبايتها‪.‬وقد تم تثبيت‬ ‫هذا المبدأ بشكل واضح ﻓﻲ شرعة حقوق اﻹنﺴان والمواطن‪ ،‬التﻲ أكدت على »أن من حق الشعب مباشرة أو بواسطة ممثليه‬ ‫أن يتأكد من ضرورة الضرائب وأن يوافق عليها بملء الحرية‪ ،‬ويراقب استعمالها‪ ،‬ويﻘرر أساسها ونسبتها‪ ،‬وطريﻘة‬ ‫جبايتها‪ ،‬ومدﺗها« )المادة ‪.(14‬كما تعزز هذا المبدأ ﻓﻲ دستور عام ‪ ،1793‬الذي نص على أنه »ﻻ يمكن فرض أية ضريبة‬ ‫إﻻ في سبيل المصلحة العامة‪ ،‬ولجميع المواطنين الحق في اﻹسهام بفرض الضرائب ومراقبة استخدامها والمطالبة ببيانات‬ ‫عنها«‪.‬‬ ‫أكدت مختلف اﻹعﻼنات والنصوص التﻲ صدرت أثناء الثورة الفرنﺴية وبعدها على مبدأ عدم شرعية ﻓرض الضرائب‬ ‫دون مواﻓقة ممثلﻲ اﻷمة‪.‬ومع ذلك‪ ،‬أغفلت هذه النصوص المبادئ اﻷخرى التﻲ أقرها دستور الحقوق اﻹنجليزي‪.3‬ولذلك‪،‬‬ ‫لم يكن ﻓﻲ ﻓرنﺴا »ميزانية« بالمعنى الحقيقﻲ حتى عام ‪.1814‬لقد بدأ اﻷخذ بالميزانية بعد سقوط نابليون وعودة الملكية ﻓﻲ‬ ‫عام ‪ ،1814‬وذلك »دون مناقشات أو محاوﻻت كما لو كان اﻷمر متعلق بظاهرة طبيعية«‪.4‬‬ ‫خﻼصة القول إن حق البرلمان ﻓﻲ اﻹجازة لم يتقرر إﻻ منذ ﻓترة حديثة نﺴبيا‪.‬كما أنه لم يتقرر مرة واحدة‪ ،‬ﻓقد بدأ‬ ‫بالنﺴبة للضرائب أوﻻ‪ ،‬ثم بالنﺴبة للنفقات العامة ثانيا‪ ،‬حيث وجد البرلمان أن حقه ﻓﻲ إجازة الضرائب يقتضﻲ بالضرورة‬ ‫مراقبته لكيفية ودواعﻲ إنفاق حصيلة هذه الضرائب‪ ،‬ثم اقتضى ذلك ضرورة تقديم اﻹيرادات العامة والنفقات العامة ﻓﻲ تقدير‬ ‫واحد يتضمنهما معا‪ ،‬وتكون له صفة دورية ومتجددة ﻓنشأت بذلك الميزانية التﻲ تﺴتوجب ضرورة إجازة البرلمان لما تتضمنه‬ ‫من إيرادات ونفقات‪.5‬‬ ‫‪ 2‬ﻓﻲ الوقت الذي كان ﻓيه البرلمان اﻹنجليزي يناضل من أجل إقرار مبدأ اﻹذن البرلمانﻲ كان يفرض الضرائب على شعوب المﺴتعمرات بقوة‬ ‫الﺴﻼح‪.‬ﻓفﻲ عام ‪ 1765‬قام مجلس العموم بفرض ضريبة الدمعة على المﺴتعمرات اﻹنجليزية بأمريكا دون رضى أهلها ‪...‬كما أراد أن يفرض‬ ‫ضرائب أخرى من بينها واحدة على الشاي ﻓﻲ عام ‪)1767‬يراجع د‪.‬زين العابدين ناصر‪ :‬اﻻتجاهات الحديثة ﻓﻲ دراسة الميزانية‪ ،‬مجلة العلوم‬ ‫القانونية واﻻقتصادية‪ ،‬العدد اﻷول‪ ،1967 ،‬ص ‪ 245‬وما بعدها(‪.‬‬ ‫‪ 3‬د‪.‬صباح نعوش ‪ :‬المالية العامة ومالية الدول النامية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،1983 ،‬ص ‪.298‬‬ ‫‪ 4‬د‪.‬زين العابدين ناصر‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪253.‬‬ ‫‪ 5‬د‪.‬محمد سعيد ﻓرهود‪ :‬مبادئ المالية العامة‪ ،‬مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية‪ ،‬جامعة حلب‪ ،1990 ،‬صفحة ‪.349‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬ظهور الميزانية ﻓﻲ المغرب‬ ‫ارتكز التنظيم المالﻲ ﻓﻲ المغرب‪ ،‬حتى بداية القرن العشرين‪ ،‬على »نظام اﻷمناء«‪.‬ولم تظهر الميزانية العامة كوثيقة‬ ‫قانونية ومحاسبية مكتوبة لتقدير نفقات الدولة وإيراداتها إﻻ ابتدا ًء من سنة ‪.1913‬‬ ‫أوﻻً‪ :‬نظام اﻷمناء‬ ‫تطورا ملحو ً‬ ‫ظا خﻼل ﻓترة حكم الﺴلطان‬ ‫ً‬ ‫تأسس نظام اﻷمناء ﻓﻲ عهد الﺴلطان موﻻي سليمان )‪ (1822-1792‬وعرف‬ ‫موﻻي الحﺴن اﻷول )‪.(1894-1873‬يتكون هذا النظام من هيئة لﻸمناء موزعة على الصعيدين المركزي والمحلﻲ‪ ،‬ويرأسها‬ ‫»أمين اﻷمناء«‪.‬‬ ‫‪.1‬أمين اﻷمناء‬ ‫يُعتبر أمين اﻷمناء بمثابة وزير للمالية‪ ،‬حيث يتوﻓر على مكتب ﻓﻲ المشور‪.‬يشرف على تدبير مالية الدولة بمﺴاعدة‬ ‫هيئة اﻷمناء الذين يعملون تحت إمرته‪.‬كان أمين اﻷمناء على دراية كاملة بالوضعية المالية للدولة من حيث اﻹيرادات‬ ‫والنفقات‪ ،‬باﻹضاﻓة إلى جميع اﻷموال المنقولة وغير المنقولة التﻲ تمتلكها الدولة‪.‬‬ ‫ومن المهام التﻲ يضطلع بها أمين اﻷمناء أيضًا اختيار اﻷمناء واقتراحهم على الﺴلطان لتعيينهم‪.‬كما يشرف على‬ ‫أعمالهم ويطلع على مداخيل الدولة ومصاريفها على المﺴتويين المحلﻲ والمركزي‪.6‬‬ ‫‪.2‬اﻷمناء المركزيون‬ ‫يﺴهر اﻷمناء المركزيون على تدبير مالية الدولة على المﺴتوى المركزي‪ ،‬وهم‪ :‬أمين الخرج‪ ،‬وأمين الدخل‪ ،‬وأمين‬ ‫الحﺴابات‪ ،‬وأمين الشكارة ‪.‬‬ ‫تتحدد مهام أمين الخرج أو الصائر ﻓﻲ تدبير نفقات القصور واﻷمراء‪ ،‬وإنجاز اﻷوامر بالدﻓع الصادرة عن الﺴلطان أو‬ ‫الصدر اﻷعظم‪ ،‬وأداء رواتب الجيش والموظفين‪ ،‬ومختلف الديون المترتبة ﻓﻲ ذمة الدولة بعد تأشير أمين اﻷمناء‪.‬‬ ‫أما أمين الدخل‪ ،‬ﻓيضطلع بجمع كاﻓة المداخيل التﻲ ترد إليه من اﻷمناء‪ ،‬وإيداعها ﻓﻲ بيت المال بحضور عدلين‪،‬‬ ‫وتدوينها ﻓﻲ سجل مخصص لهذا الغرض‪.‬‬ ‫يتولى أمين الحسابات مراقبة البيانات التﻲ يرﻓعها اﻷمناء أسبوعيًا وشهريًا للﺴلطة المركزية بشأن المداخيل التﻲ‬ ‫قبضوها‪.‬كما يقوم بمراقبة كشف الحصيلة العامة الذي يتقدمه كل أمين عند انتهاء مهامه‪.‬ﻓإذا تبين له‪ ،‬خﻼل عملية المراقبة‬ ‫أن العمليات المنجزة صحيحة‪ ،‬وضع عليها عبارة تفيد قبولها والتﺴليم بها‪.‬أما إذا تبين له أنها تنطوي على خطأ‪ ،‬ﻓقد كان‬ ‫ينص بجانب العملية الخاطئة بـ »له« مع ذكر الفاضل إذا كان بزيادة‪ ،‬بـ »عليه«‪ ،‬مع ذكر الناقص إذا كان ينقص‪.‬وﻓﻲ ختام‬ ‫عملية المراقبة‪ ،‬كان أمين الحﺴابات يجمع المقادير الفاضلة والمقادير الناقصة ثم يخصم بعضها من بعض‪.‬ﻓإذا ﻓضل لﻸمناء‬ ‫شﻲء‪ ،‬رد إليهم‪ ،‬وإذا بقﻲ عليهم دين‪ُ ،‬‬ ‫ط ِلبُوا به‪.‬وﻓﻲ حالة وﻓاة اﻷمين‪ ،‬يُطالب ورثته بتﺴديد دين قريبهم‪.7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪Bellaire Michaux : L'organisation des finances au Maroc, archives marocaines, Tome XI : pp. 283-285.‬‬ ‫‪ 7‬نعيمة التوزانﻲ هرج‪ :‬اﻷمناء ﻓﻲ المغرب ﻓﻲ عهد الﺴلطان موﻻي الحﺴن )‪ ،(1894-1873‬منشورات كلية اﻵداب بالرباط‪ ،‬مطبعة ﻓضالة‪،‬‬ ‫‪ ،1979‬ص ‪.253-241‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وأخيرا ﻓإن أمين الشكارة أو أمين العتبة يشرف على نفقات القصر خﻼل إقامة الملك به‪ ،‬ومراقبة حﺴابات أمناء الصائر‪،‬‬ ‫وبيانات النفقات قبل أن يقدمها اﻷمناء للﺴلطان‪.‬‬ ‫‪.3‬اﻷمناء المحليون‬ ‫يقوم بتصريف الشؤون المالية للدولة على الصعيد المحلﻲ عدد من اﻷمناء‪ ،‬أهمهم‪:‬‬ ‫‪-‬أمين المرسى أو الديوانة‪ :‬ويﺴهر على قبض الرسوم المفروضة على الصادرات والواردات بحدود البﻼد ومراسيها‪.‬‬ ‫‪-‬أمين المستفاد‪ :‬ويتكلف ﻓﻲ المدن بجمع حقوق الحاﻓر )رسم يفرض على دخول أبواب المدن( ‪ ،‬والمكوس‪ ،‬وتعهد‬ ‫اﻷمﻼك المخزنية‪.‬‬ ‫‪ -‬أمين الخرص‪ :‬ويقوم بتقدير الزكوات واﻷعشار باﻷراضﻲ الزراعية ﻓﻲ المناطق القروية وتحصيل قيمتها وتوريدها‬ ‫إلى أمين المﺴتفاد المقيم بأقرب مدينة‪.‬وعلى شاكلة النظام المالﻲ اﻹسﻼمﻲ ﻓقد كان المغرب يتوﻓر على مؤسﺴة بيت المال‬ ‫لتلقﻲ وحفظ اﻷموال المتأتية من مختلف المصادر ذات الطابع الدينﻲ مثل الزكاة والجزية والخراج والعشور ومداخيل‬ ‫اﻷحباس‪.‬وكان يخضع مباشرة للﺴلطان‪ ،‬وﻻ يمكن ﻓتحه إﻻ بحضور أربعة أشخاص يمتلك كل واحد منهم مفتاحا‪.‬‬ ‫وإلى جانب بيت مال المﺴلمين كان المغرب يتوﻓر على خزينتين‪ ،‬هما ‪ :‬خزينة دار الديال‪ ،‬وهﻲ بمثابة بيت مال إداري‬ ‫تودع به جميع المداخيل التﻲ ﻻ تكتﺴﻲ طابعا دينيا مثل اﻷعشار وهﻲ رسوم الجمرك على الواردات والصادرات‪ ،‬والصنك‬ ‫وهﻲ حقوق تؤدى بأبواب المدن على الﺴلع الواردة إليها من داخل البﻼد‪ ،‬والمكوس وهﻲ رسوم تفرض على الﺴلع المعروضة‬ ‫باﻷسواق والبهائم المبيعة‪ ،‬والصاكة المفروضة على التبغ ؛ وخزينة السلطان‪ ،‬وتضم أموال الﺴلطان الخاصة التﻲ ترد إليه‬ ‫من ممتلكاته الخاصة أو تقدم إليه كهدايا أو منح من القواد أو المرشحين لشغل الوظائف العمومية‪...‬‬ ‫ويمكن إبداء المﻼحظات التالية ﻓﻲ شأن التنظيم المالﻲ للمغرب ﻓﻲ هذه المرحلة‪:‬‬ ‫‪-‬شكل نظام اﻷمناء الهيئة اﻷكثر تنظيما التﻲ عرﻓها المغرب خﻼل ﻓترة ما قبل الحماية‪.8‬‬ ‫‪-‬اﻻعتماد الكلﻲ على »كفاءة اﻷشخاص ومدى استقامتهم«‪ ،‬أكثر من اﻻرتكاز على تنظيمات قانونية مكتوبة‪ ،‬مع بروز‬ ‫»الشخصية الذاتية للمخزن« ﻓﻲ جميع اﻷحوال ‪.9‬‬ ‫‪-‬تحكم اﻷمناء والجباة ﻓﻲ رقاب الﺴكان وإﻓراطهم ﻓﻲ ﻓرض اﻷتاوات والهدايا عليهم‪ ،‬وهو اﻷمر الذي حمل العﻼمة‬ ‫سيدي لحﺴن اليوسﻲ على توجيه مذكرته الشهيرة إلى الﺴلطان موﻻي إسماعيل والتﻲ يقول ﻓيها ‪» :‬ﻓلينظر سيدنا‪ ،‬ﻓإن جباة‬ ‫مملكته قد جروا ذيول الظلم على الرعية‪ ،‬ﻓأكلوا اللحم‪ ،‬وشربوا الدم‪ ،‬وامتشوا العظم‪ ،‬وامتصوا المخ‪ ،‬ولم يتركوا للناس دينا‬ ‫وﻻ ‪،‬دنيا‪ ،‬أما الدنيا ﻓقد أخذوها ‪ ،‬وأما الدين ﻓقد ﻓتنوهم عنه‪ ،‬وهذا شﻲء شهدناه‪ ،‬ﻻ شﻲء ظنناه‪ ،‬ثم إن أرباب الحقوق قد‬ ‫ضاعوا‪ ،‬ولم تصل إليهم حقوقهم‪ ،‬ﻓعلى الﺴلطان أن يتفقد الجباة‪ ،‬ويكف أيديهم عن الظلم‪ ،‬وﻻ يغتر بكل من يزين له الوقت‬ ‫ﻓإن كثيرا من الدائرين به طﻼب دنيا ﻻ يتقون ﷲ تعالى‪«...‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪Med LAHBABI : Le gouvernement marocain à l'aube du XXème siècle, les éditions maghrébines, 2eme éd.‬‬ ‫‪1975, p. 157.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫ابراهيم حركات‪ :‬المغرب عبر التاريخ‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،1985 ،‬ص‪.453.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫استشراء الفﺴاد المالﻲ وخاصة ﻓﻲ نهاية القرن ‪ 19‬وبداية القرن ‪ 20‬أدى إلى انهيار نظام اﻷمناء واختﻼل التوازنات‬ ‫المالية للدولة وعجزها عن سداد الديون الخارجية المترتبة ﻓﻲ ذمتها اﻷمر الذي ﻓتح الباب على مصراعيه أمام مختلف أشكال‬ ‫التدخل اﻷجنبﻲ‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬آلية التدبير الموازنﻲ‬ ‫لم تظهر الميزانية‪ ،‬كآلية للتدبير المالﻲ والمحاسبﻲ ﻓﻲ المغرب‪ ،‬كإﻓراز طبيعﻲ لتطور نظامه المالﻲ أو كاختيار يﺴتجيب لرغبة‬ ‫أو لحاجة ﻓﻲ تطوير هذا النظام‪ ،‬بل تزامن ظهورها مع تدخل القوى اﻻستعمارية ﻓﻲ المغرب التﻲ ﻓرضتها كنمﻂ للضبﻂ والتحكم ﻓﻲ‬ ‫اﻷوضاع اﻻقتصادية والمالية وتوجيهها وﻓق ما تقتضيه مصالحها‪.‬‬ ‫لم تكن الميزانية ﻓﻲ المغرب نتيجة لتطور طبيعﻲ ﻓﻲ نظامه المالﻲ أو استجابة لرغبة أو حاجة ﻓﻲ تطوير هذا النظام‪.‬بل ظهرت‬ ‫كآلية للتدبير المالﻲ والمحاسبﻲ تزام ًنا مع تدخل القوى اﻻستعمارية ﻓﻲ البﻼد‪ ،‬التﻲ ﻓرضتها كوسيلة للضبﻂ والتحكم ﻓﻲ اﻷوضاع‬ ‫اﻻقتصادية والمالية وتوجيهها بما يخدم مصالحها‪.‬‬ ‫كانت أول ميزانية عرﻓها المغرب بمبادرة من الﺴلطات العﺴكرية اﻻستعمارية ﻓﻲ عام ‪ ،1910‬وكانت ميزانية جهوية شملت منطقة‬ ‫الشاوية‪.‬تلتها ميزانيات محلية أخرى شملت تدريجيًا مناطق أخرى مثل‪ :‬المغرب الشرقﻲ ﻓﻲ عام ‪ ،1911‬مكناس ﻓﻲ ديﺴمبر ‪،1912‬‬ ‫والرباط وﻓاس ومراكش ﻓﻲ يناير ‪ ،1913‬وتادلة ﻓﻲ يوليو ‪. 1913‬‬ ‫بعد ﻓرض الحماية على المغرب‪ ،‬ألغيت وظيفة أمين اﻷمناء وأسندت مهامها إلى الوزارة الكبرى‪.‬ﻓﻲ يوليو ‪ ،1912‬تم إحداث‬ ‫»المديرية العامة للمالية«‪ 10‬التﻲ ضمت مصلحة للميزانية وأخرى لﻸمﻼك المخزنية‪.‬وقد عملت هذه المديرية على وضع أول ميزانية‬ ‫عامة لﻺمبراطورية الشريفة للﺴنة المالية ‪ ،1914-1913‬ﻓﻲ شكل وثيقة مرقنة من حوالﻲ ‪ 60‬صفحة‪ ،‬وتحمل تصحيحات وشروحات‬ ‫مكتوبة باليد‪.‬تضمنت هذه الميزانية تقديرات الموارد والنفقات المتعلقة على التوالﻲ بالمغرب الشرقﻲ وغرب المغرب‪ ،‬والقروض التﻲ‬ ‫أضيفت إليها تقديرات مصاريف المصالح اﻹدارية المركزية‪.‬كانت تقديرات هذه الميزانية كالتالﻲ‪:‬‬ ‫‪-‬النفقات‪ 23,613,322 :‬ﻓرنك‬ ‫‪-‬الموارد‪ 17,649,024 :‬ﻓرنك‪.‬‬ ‫تحضير وتنفيذ الميزانية العامة‪ ،‬التﻲ انتظم صدورها ابتدا ًء من عام ‪ ،1918‬كان يخضع ﻷحكام ظهير ‪ 9‬يونيو ‪ 1917‬المتعلق‬ ‫بنظام المحاسبة العمومية والنصوص المكملة والمعدلة له‪.11‬‬ ‫بعد حصول المغرب على اﻻستقﻼل ﻓﻲ عام ‪ ،1956‬اعتمدت البﻼد آلية التدبير الموازنﻲ لموارده ونفقاته‪.‬تم العمل تدريجيًا على‬ ‫إرساء دعائم نظام مالﻲ وطنﻲ مﺴتقل‪ ،‬حيث أُنشأت وزارة المالية ﻓﻲ عام ‪ 1956‬كبديل للمديرية العامة للمالية‪.‬ﻓﻲ عام ‪ ،1958‬تم وضع‬ ‫أول ميزانية وطنية تشمل جميع مناطق المغرب الموحد بعيدًا عن كل تدخل أجنبﻲ‪.‬وصدر أول قانون تنظيمﻲ للمالية ﻓﻲ عام ‪،1963‬‬ ‫اعتبارا من عام ‪...1960‬‬ ‫ً‬ ‫وأصبحت مقدرات الميزانية توضع بالدرهم ً‬ ‫بدﻻ من الفرنك الفرنﺴﻲ أو البﺴيطة الحﺴنية‬ ‫‪ 10‬ﻓﻲ منطقة الحماية اﻹسبانية تم إحداث مندوبية سامية بتطوان بموجب مرسوم ملكﻲ بتاريخ ‪ 27‬ﻓبراير‪ 1913‬تضم ‪ 5‬نيابات من بينها »نيابة‬ ‫المالية«‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪Voir, René Marchal : Précis de législation financière marocaine, 3° éd. pp. 5-8.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫المبحث الثانﻲ‬ ‫تأصيل مفهوم الميزانية العامة‬ ‫سا لفهم طبيعة وأبعاد إدارة‬ ‫يعد مفهوم الميزانية العامة من المفاهيم المحورية ﻓﻲ الدراسات المالية واﻻقتصادية‪ ،‬حيث يمثل أسا ً‬ ‫الموارد العامة وتوجيهها نحو تحقيق اﻷهداف اﻻقتصادية واﻻجتماعية للدولة‪.‬يتناول هذا المبحث التأصيل المفاهيمﻲ للميزانية العامة‪،‬‬ ‫بد ًءا بتدقيق المصطلحات المﺴتخدمة )الميزانية والموازنة( لتوضيح الفروق اﻻصطﻼحية بينهما‪ ،‬ثم تعريف الميزانية وبيان‬ ‫وأخيرا تمييزها عن الحﺴابات اﻷخرى المشابهة مثل قانون المالية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصائصها التﻲ تميزها عن غيرها من المفاهيم ذات الصلة‪،‬‬ ‫الحﺴاب الختامﻲ‪ ،‬والميزانية اﻻقتصادية‪.‬‬ ‫سيﺴلﻂ هذا المبحث الضوء على التطورات التاريخية واللغوية التﻲ أثرت على استخدام المصطلحين "الميزانية" و"الموازنة"‪،‬‬ ‫مع اﻹشارة إلى التوصيات التﻲ قدمتها الهيئات العربية المختصة ﻓﻲ هذا المجال‪.‬كما سيتم تقديم تعريف شامل للميزانية العامة‬ ‫وتوضيح خصائصها الرئيﺴة‪ ،‬مثل كونها بيا ًنا تقديريًا وزمنيًا محددًا‪ ،‬وأداة تشريعية تضمن اﻹذن القانونﻲ بالنفقات واﻹيرادات‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬سيتم التمييز بين الميزانية العامة ومفاهيم أخرى تشترك معها ﻓﻲ بعض الجوانب ولكن تختلف ﻓﻲ الجوهر‪ ،‬مما يﺴاهم ﻓﻲ‬ ‫ً‬ ‫تعميق الفهم العلمﻲ لهذا المجال الحيوي‪.‬‬ ‫المطلب اﻷول‪ :‬تدقيق المفهوم‪ :‬الميزانية أو الموازنة؟‬ ‫يميل خبراء المالية العرب من الوجهة اللغوية‪ ،‬إلى تفضــيل اســتخدام مصــطلح »الموازنة العامة« بدل »الميزانية العامة«‪.‬ﻓفﻲ‬ ‫سـنة ‪ 1969‬أصـدر المؤتمر العربﻲ الخامس للمنظمة العربية للعلوم اﻹدارية‪ ،‬الذي عقد ﻓﻲ الكويت‪ ،‬قرارا أوصـى بمقتضـاه بضـرورة‬ ‫اسـتخدام اصـطﻼح »الموازنة« للدﻻلة على الميزانية التقديرية‪ ،‬واصـطﻼح »الميزانية« للتعبير عن جدول المركز المالﻲ ﻓﻲ ختام الﺴـنة‬ ‫المالية ‪.‬‬ ‫وﻓﻲ ﻓبراير ‪ 1972‬أقر خبراء الميزانيـة العرب‪ ،‬خﻼل اجتمـاعهم المنعقـد بمقر المنظمـة العربيـة للعلوم اﻹداريـة بـالقـاهرة بقصــــد‬ ‫وضـع النظام المالﻲ الموحد للدول العربية‪ ،‬اسـتعمال مصـطلح »الموازنة«‪ ،‬وذلك نظرا ﻷن اسـتعمال مصـطلح »الميزانية« يفضـﻲ إلى‬ ‫الخلﻂ مع مصــطلح »الميزانية العمومية« الذي يﺴــتخدم ﻓﻲ علم المحاســبة للدﻻلة على الكشــف المالﻲ المفصــل لﻸصــول التﻲ تمتلكها‬ ‫المؤسﺴة وأرصدة الحﺴابات والمديونية والخصوم الخارجية ‪...‬وجميع اﻷرصدة الحﺴابية المدينة والدائنة اﻷخرى التﻲ تعكس المركز‬ ‫المالﻲ للمنشــأة‪ ،‬وتشــير إلى كشــف مالﻲ متوازن ﻓﻲ تاريخ معين عن ﻓترة ســابقة‪.‬وذلك على خﻼف »الموازنة« التﻲ ﻻ تكشــف عن‬ ‫المركز المالﻲ‪ ،‬وﻻ يشــترط تحقق التوازن بين مكوناتها )النفقات واﻹيرادات(‪.‬كما ﻻ تمثل أصــوﻻ وخصــوما‪ ،‬بقدر ما تمثل تقديرات‬ ‫للمبالغ التﻲ يتوقع إنفاقها وتلك التﻲ يحتمل تحصيلها عن ﻓترة مقبلة‪.‬‬ ‫وقد أوصى المؤتمر العربﻲ الﺴادس‪ ،‬الذي عقدته المنظمة العربية للعلوم اﻹدارية بالقاهرة ﻓﻲ شتنبر ‪ 1972‬ﻷجل إقرار مشروع‬ ‫النظام المالﻲ الموحد للدول العربية‪ ،‬باسـتخدام مصـطلح »الموازنة«‪.‬كما أوصـت باسـتخدامه أيضـا الندوة العلمية المنعقدة ﻓﻲ تونس ﻓﻲ‬ ‫يونيو ‪ 1980‬ﻹقرار النظام المحاسبﻲ الحكومﻲ الموحد للدول العربية‪.12‬‬ ‫‪ 12‬ﻓهمﻲ محمود شكري‪ :‬الموازنة العامة‪.‬ماضيها وحاضرها ومﺴتقبلها ﻓﻲ النظرية والتطبيق‪ ،‬المؤسﺴة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪ ،1990‬ص‪ 30.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫لكن ﻓﻲ ضوء تطبيقات الدول العربية‪ ،‬يتضح أن معظم هذه الدول‪ ،‬من بينها المغرب‪ ،‬تونس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬ليبيا‪ ،‬البحرين‪،‬‬ ‫الكويت‪ ،‬العراق‪ ،‬والﺴــودان‪ ،‬تﺴــتخدم مصــطلح »الميزانية«‪.‬بينما تفضــل دول أخرى مثل اﻷردن‪" ،‬لبنان‪ ،‬ســوريا‪ ،‬مصــر‪ ،‬وعمان"‬ ‫استخدام مصطلح »الموازنة«‪.‬‬ ‫إن اﻻختيار بين مصــطلحﻲ »الميزانية« و»الموازنة« يعتبر مﺴــألة شــكلية وليﺴــت جوهرية‪.‬لتجنب الجدل اللغوي‪ ،‬ســنﺴــتخدم‬ ‫المصـــطلحين معًا للدﻻلة على نفس المعنى‪ :‬وهو الميزانية التقديرية للدولة‪.‬أما بالنﺴـــبة لمصـــطلح »الحســـاب الختامي« أو »قانون‬ ‫التصفية«‪ ،‬ﻓﺴنعتمد عليه للتعبير عن »جدول المركز المالﻲ ﻓﻲ نهاية الﺴنة المالية«‪.‬وبالتالﻲ‪ ،‬ﻓإن اللفظين يعتبران متبادلين‪.‬‬ ‫المطلب الثانﻲ‪ :‬تعريف الميزانية وبيان خصائصها‬ ‫أوﻻ‪ :‬التعريف‬ ‫الميزانية العامة بيان ﺗﻘديري مفصل بالنفﻘات واﻹيرادات‪ ،‬غير الواردة بالميزانيات الملحﻘة أو ميزانيات مرافق الدولة المسيرة‬ ‫بصـورة مسـتﻘلة أو الحسـابات الخصـوصـية للخزينة‪ ،‬التي يأذن البرلمان للحكومة بصـرفها وﺗحصـيلها برسـم سـنة مالية مﻘبلة ﺗنفيذا‬ ‫للسياسة العامة للدولة‪.‬‬ ‫وتشتمل الميزانية العامة للدولة على جزأين‪ 13‬هما‪:‬‬ ‫‪-‬الجزء اﻷول‪ ،‬ويتعلق بالموارد ؛ التﻲ تشــــمل‪ :‬الضــــرائب والرســــوم‪ ،‬وحصــــيلة الغرامات‪ ،‬واﻷجور عن الخدمات المقدمة‬ ‫واﻷتاوى‪ ،‬وأموال المﺴــاعدة والهبات والوصــايا‪ ،‬ودخول أمﻼك الدولة‪ ،‬وحصــيلة بيع المنقوﻻت والعقارات وحصــيلة اﻹســتغﻼﻻت‬ ‫والمﺴـاهمات المالية للدولة وكذا القﺴـﻂ الراجع للدولة من أرباح الخدمات العمومية‪ ،‬والمبالغ المرجعة من القروض والتﺴـبيقات والفوائد‬ ‫‪14‬‬ ‫المترتبة عليها ‪ ،‬وحصيلة اﻹقتراضات والحصائل المختلفة‪.‬‬ ‫‪-‬الجزء الثاني‪ ،‬ويتعلق بالنفﻘات‪ ،‬وتتوزع إلى نفقات التﺴيير‪ ،‬ونفقات اﻻستثمار ‪ ،‬والنفقات المتعلقة بخدمة الدين العمومﻲ‪.‬‬ ‫تغطﻲ نفﻘات التسـيير مخصـصـات الﺴلطات العمومية‪ ،‬ونفقات الموظفين واﻷعوان والمعدات المرتبطة بتﺴيير المراﻓق العمومية‪،‬‬ ‫والنفقات المختلفة المتعلقة بتدخل الدولة وﻻســــيما المجاﻻت اﻹدارية واﻻقتصــــادية واﻻجتماعية والثقاﻓية‪ ،‬والنفقات المتعلقة بالتكاليف‬ ‫المشتركة بما ﻓيها نفقات الدين العمري والنفقات الطارئة والمخصصات اﻻحتياطية‪.15‬‬ ‫وأما نفﻘات اﻻســـتثمار ﻓإنها تضــم‪ :‬المخصــصــات المرصــدة للنفقات الناتجة عن تنفيذ مخططات التنمية المواﻓق عليها من لدن‬ ‫البرلمـان‪ ،‬والنفقـات غير المقررة ﻓﻲ مخطﻂ التنميـة والمبرمجـة ﻓﻲ قـانون المـاليـة للحفـاظ على الثروات الوطنيـة أو إعـادة تكوينهـا أو‬ ‫تنميتها‪.‬ويمكن أن تدرج بعض نفقات الموظفين واﻷعوان غير المرسـمين ﻓﻲ نفقات اﻻسـتثمار بشـرط أﻻ تتعلق إﻻ بمﺴـتخدمين معينين‬ ‫‪16‬‬ ‫لتنفيذها عن طريق الوكالة‪.‬‬ ‫وأخيرا ﻓإن النفﻘـات المتعلﻘـة بالدين العمومي‪ :‬تتضــــمن نفقـات ﻓوائد وعموﻻت القروض‪ ،‬والنفقـات المتعلقـة باســــتهﻼكات الدين‬ ‫المتوسﻂ والطويل اﻷجل‪.17‬‬ ‫‪ 13‬المادة ‪ 13‬من القانون التنظيمﻲ لقانون المالية رقم ‪ 7.98‬بتاريخ ‪ 26‬نونبر ‪.1998‬‬ ‫‪ 14‬المادة ‪ 11‬من نفس القانون‪.‬‬ ‫‪ 15‬المادة ‪ 14‬من نفس القانون‪.‬‬ ‫‪ 16‬المادة ‪ 15‬من نفس القانون‪.‬‬ ‫‪ 17‬المادة ‪ 16‬من نفس القانون‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬الخصائص‬ ‫إن الميزانية العامة تتميز‪ ،‬ﻓﻲ ضوء التعريف الﺴابق‪ ،‬بخاصيات أربعة‪ ،‬هﻲ‪:‬‬ ‫‪. 1‬الميزانية العامة بيان ﺗﻘديري‬ ‫الميزانية العامة بيان محاسـبﻲ تقديري مفصـل لما تعتزم الحكومة صـرﻓه من اعتمادات وما تتوقع تحصـيله من إيرادات والتقدير‬ ‫ليس عملية عشوائية بقدر ما هﻲ عملية احتمالية ترتكز على تنبؤات بمجريات الوقائع اﻻقتصادية والمالية مﺴتقبﻼ وﻓق أساليب وتقنيات‬ ‫علمية متقدمة‪ ،‬وﻓﻲ ضـــوء دراســـات مﺴـــتفيضـــة ودقيقة‪ ،‬تأخذ بعين اﻻعتبار مختلف المؤشـــرات الﺴـــياســـية واﻻقتصـــادية والمالية‬ ‫واﻻجتماعية واحتماﻻت تطورها على المﺴتويين القطري والدولﻲ‪.18‬‬ ‫‪. 2‬الميزانية إذن بالنفﻘات واﻹيرادات‬ ‫الميزانيـة العـامـة وثيقـة قـانونيـة ﻹجـازة النفقـات واﻹيرادات العـامـة واﻹجـازة إجراء قـانونﻲ يـأذن او يرخص بمقتضــــاه البرلمـان‬ ‫للحكومة بصرف النفقات وتحصيل الموارد‪.‬‬ ‫وتختلف إجازة اﻹنفاق عن إجازة الجباية من ناحيتين‪ ،‬هما‪:19‬‬ ‫‪-‬أن إجازة اﻹنفاق تقتصــــر على اﻻعتمادات التﻲ صــــادقت عليها الﺴــــلطة التشــــريعية‪ ،‬بحيث ﻻ يمكن تجاوزها‪ ،‬ﻓﻲ حين أن‬ ‫الترخيص بالجباية غير مقيد بأرقام اﻹيرادات المقدرة ﻓﻲ الميزانية وتملك الﺴلطة التنفيذية حق تجاوزها‪.‬‬ ‫‪-‬أن مصــــطلح اﻹجازة أو الترخيص ينطبق على النفقـات‪ ،‬باعتبـار أن الحكومة حرة ﻓﻲ إنفـاقهـا أو عدم إنفـاقهـا وﻓق ما تقتضــــيـه‬ ‫اعتبـارات المصــــلحـة العـامـة‪.‬إﻻ أنـه ﻻ ينطبق كـل اﻻنطبـاق على اﻹيرادات لكون الحكومـة مجبرة على تحصــــيلهـا تحـت طـائلـة العقـاب‬ ‫بالنﺴبة للموظفين المﺴؤولين عن التحصيل‪ ،‬مما يتجاوز مفهوم الترخيص‪. 20‬‬ ‫‪. 3‬الميزانية ﺗوضع لمدة زمنية محددة‬ ‫درجت الدول على وضـــع الميزانية العامة لفترة زمنية مقبلة تحدد ﻓﻲ ســـنة واحدة‪ ،‬تﺴـــمى »الســـنة المالية«‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫تاريخ بدايتها ونهايتها‪.‬‬ ‫إن الغاية من تحديد مدة الميزانية ﻓﻲ ســـنة واحدة هو الرغبة ﻓﻲ ﻓرض رقابة المشـــرع على الﺴـــلطة التنفيذية بصـــورة منتظمة‬ ‫ودورية من جهة أولى‪ ،‬وصــعوبة التنبؤ لمدد أطول من الﺴــنة من جهة ثانية‪ ،‬وﻷن الﺴــنة تعتبر الفترة الضــرورية والمناســبة ﻹعداد‬ ‫مشروع الميزانية العامة وعرضها على أنظار البرلمان ﻷجل المصادقة من جهة ثالثة )راجع قاعدة الﺴنوية(‪.‬‬ ‫‪. 4‬الميزانية عمل ﺗشريعي‬ ‫تقوم الﺴــلطة التنفيذية بتحضــير وتنفيذ الميزانية العامة‪ ،‬ﻓﻲ حين تتولى الﺴــلطة التشــريعية مناقشــتها واعتمادها‪.‬ﻓما هﻲ طبيعتها‬ ‫إذن؟ هل هﻲ عمل إداري أم تشريعﻲ؟‬ ‫‪ 18‬د‪.‬تيعﻼتﻲ عبد القادر‪ :‬محاضرات ﻓﻲ مادة المالية العامة‪.‬الميزانية )مطبوع( كلية الحقوق بوجدة‪ ،1991- 1990 ،‬ص‪.2.‬‬ ‫‪ 19‬د‪.‬حﺴن عواضة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44.‬‬ ‫‪ 20‬مثال ذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة اﻷولى من القانون المالﻲ الﺴنوي للمغرب بقولها‪... :‬ويتعرض كذلك للعقوبات المقررة ﻓﻲ شأن‬ ‫مرتكبﻲ الغدر جميع الممارسين للﺴلطة العامة أو الموظفين العامين الذين يمنحون بصورة من الصور وﻻي سبب من اﻷسباب‪ ،‬دون إذن وارد ﻓﻲ‬ ‫نص تشريعﻲ أو تنظيمﻲ‪ ،‬إعفاءات من الرسوم أو الضرائب العامة أو يقدمون مجانا منتجات أو خدمات صادرة عن‬ ‫مؤسﺴات الدولة«‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫الحقيقة أن تحديد الطبيعة القانونية للميزانية العامة موضــوع خﻼف بين الفقهاء‪.‬ﻓبينما يرى البعض أن »الميزانية تعتبر عمﻼ من‬ ‫‪22‬‬ ‫أعمال اﻹدارة من حيث الشكل والموضوع ‪.21«...‬وبينما يرى البعض اﻵخر أن »الموازنة بطبيعتها عمل إداري يتخذ شكل القانون«‬ ‫بﺴــــبـب ﻓقـدان مقتضــــيـات الميزانيـة للمعنى الفنﻲ الـدقيق للقـانون اســــتنـادهـا إلى قواعـد عـامـة ملزمـة بـل على تقـديرات احتمـاليـة للنفقـات‬ ‫واﻹيرادات العامة‪ ،‬ﻓإن اﻻتجاه الغالب ﻓﻲ الفقه يرى‪ ،‬وبحق‪ ،‬أن الميزانية قانون من حيث الشـــكل والموضـــوع‪ ،‬ﻻ تخضـــع ﻓقﻂ لنفس‬ ‫الشكليات المطلوبة ﻓﻲ سن القوانين‪ ،‬وإنما تتضمن أحكاما ﻻ تختلف عن اﻷحكام القانونية بأي شكل من اﻷشكال‪.23‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬بين الميزانية العامة وبعض المفاهيم المشابهة‬ ‫يختلف مفهوم الميزانية العامة للدولة عن بعض الحﺴـابات المشـابهة ومن بينها قانون مالية الﺴـنة‪ ،‬والحﺴـاب الختامﻲ‪ ،‬والميزانية‬ ‫اﻻقتصادية‪ ،‬والمخطﻂ اﻻقتصادي‪.‬‬ ‫‪-‬قانون مالية السـنة‪ :‬يصـدر سـنويا قانون بربﻂ الميزانية العامة يﺴـمى‪ :‬قانون مالية الﺴـنة‪.‬وهذا القانون‪» :‬يتوقع )‪ (...‬لكل سـنة‬ ‫مـاليـة‪ ،‬طبﻘـا للمـادة ‪ 1‬من الﻘـانون التنظيمي رقم ‪ 7.98‬لﻘـانون المـاليـة‪ ،‬مجموع موارد وﺗكـاليف الـدولـة ويﻘيمهـا وينص عليهـا ويـأذن‬ ‫بها ضمن ﺗوازن اقتصادي ومالي يحدده الﻘانون المذكور«‪.‬‬ ‫إن قانون مالية الﺴنة يشتمل‪ ،‬إذن‪ ،‬على مجموع موارد وتكاليف الدولة المتعلقة بالحﺴابات التالية‪:‬‬ ‫‪-‬الميزانية العامة ؛‬ ‫‪-‬ميزانيات مراﻓق الدولة المﺴيرة بصورة مﺴتقلة ؛‬ ‫‪-‬الحﺴابات الخصوصية للخزينة ؛‬ ‫‪-‬الميزانيات الملحقة‪.‬‬ ‫وبذلك ﻓإن الميزانية العامة هﻲ الشـق الذي يتناول‪ ،‬ﻓﻲ قانون مالية الﺴـنة‪ ،‬نفقات ومداخيل الدولة غير الواردة بالحﺴـابات اﻷخرى‬ ‫المشار إليها أعﻼه‪.‬‬ ‫‪-‬الحســاب الختامي أو قانون التصــفية‪ ،‬هو بيان بكاﻓة المبالغ النهائية التﻲ قامت الدولة بإنفاقها وتحصــيلها ﻓعﻼ ﻓﻲ ســنة مالية‬ ‫معينة‪.‬إنه يختلف مع الميزانية العامة من ناحيتين أولهما أن اﻷرقام المﺴـــجلة‪ :‬الحﺴـــاب الختامﻲ حقيقية‪ ،‬ﻓﻲ حين ﻓﻲ أنها تقديرية ﻓﻲ‬ ‫الميزانية‪.‬وثانيهما أن الحﺴــاب الختامﻲ بيان لفترة مضــت بينما الميزانية بيان لفترة قادمة وللحﺴــاب الختامﻲ أهمية كبيرة من حيث أنه‬ ‫يﺴــاعد كثيرا على مقارنة تقديرات الميزانية واﻹنجازات التﻲ تحققت ﻓعﻼ‪ ،‬اﻷمر الذي يقود إلى تحﺴــين طرق التقدير والتنبؤ بالنﺴــبة‬ ‫للميزانيات القادمة‪.‬‬ ‫‪-‬الميزانية اﻻقتصـــادية هﻲ عمل تقديري لمجموع النشـــاط اﻻقتصـــادي العام والخاص لدولة معينة ﻓﻲ ﻓترة زمنية قادمة تكمن‬ ‫أهمية الميزانية اﻻقتصــادية ﻓﻲ أنها تﺴــاعد على التنبؤ باتجاهات النشــاط اﻻقتصــادي ﻓﻲ المﺴــتقبل وتمكن ‪ ،‬بالتالﻲ‪ ،‬الدولة من تحديد‬ ‫الدور الذي يمكن أن تؤديه ﻓﻲ إطار هذا النشـاط تتشـابه الميزانية اﻻقتصـادية مع ميزانية الدولة ﻓﻲ أنها عمل تقديري لفترة زمنية مقبلة‪.‬‬ ‫إﻻ أنها تختلف عنها ﻓﻲ كونها تشـمل مختلف أوجه النشـاط اﻻقتصـادي والمالﻲ‪ ،‬العام والخاص‪ ،‬بينما تقتصـر ميزانية الدولة على جزء‬ ‫‪ 21‬د‪.‬قحطان الﺴيوﻓﻲ ‪ :‬اقتصاديات المالية العامة‪ ،‬طﻼس للدراسات والترجمة والنشر )دمشق(‪ ،1989 ،‬ص‪.75.‬‬ ‫‪ 22‬محمد سعيد ﻓرهود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.377.‬‬ ‫‪ 23‬ﻓهمﻲ محمود شكري‪ ،‬مرجع ‪ -‬ع سابق‪.‬ص ‪ 25‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ﻓقﻂ من النشـاط المالﻲ العام‪ ،‬هو نشـاط الدولة ﻓهﻲ ﻻ تشـمل النشـاط المالﻲ الخاص‪.‬كما ﻻ تشـمل مالية الجماعات المحلية والمؤسـﺴـات‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫‪-‬المخطط اﻻقتصـادي واﻻجتماعي‪ ،24‬هو »وسـيلة علمية وﻓنية يﺴـتهدف به برمجة اﻷعمال ﻓﻲ إطار منﺴـق ومدى زمنﻲ محدد«‪.‬‬ ‫إنه أداة يتم من خﻼلهـا »العمـل على تجنيـد وتوجيـه موارد الدولة‪ ،‬طبيعيـة كانت أو بشــــرية أو نقـدية«‪ ،‬وذلك وﻓقـا لتفـاعﻼت هذه الموارد‬ ‫المختلفة وتوجيه حركتها بشكل متناسق لتحقيق أهداف اقتصادية أو اجتماعية معينة كزيادة اﻹنتاج وعدالة التوزيع وتحقيق التنمية‪.25‬‬ ‫ورغم أن الميزانية العامة تعتبر بمثابة »صـورة للﺴـياسـة اﻻقتصـادية وتعكس طبيعة الخيارات العامة لمخططات التنمية«‪ ،26‬ﻓإن‬ ‫جوانب التباين واﻻختﻼف بين الﺴياسات المالية والتوجهات اﻻقتصادية المختلفة يمكن أن تؤثر على كيفية وضع الميزانية وتنفيذها‪.‬هذا‬ ‫التباين قد ينشــأ من أولويات الحكومة ﻓﻲ مجاﻻت اﻹنفاق واﻹيرادات‪ ،‬والﺴــياســات الضــريبية‪ ،‬واﻹصــﻼحات اﻻقتصــادية‪ ،‬وكذلك من‬ ‫التحديات اﻻقتصـادية المحلية والعالمية‪.‬ومن ثم‪ ،‬ﻓإن الميزانية العامة ﻻ تعكس ﻓقﻂ الموارد والنفقات المتوقعة‪ ،‬بل تتضـمن أيضـً ا رؤية‬ ‫شاملة لكيفية تحقيق اﻷهداف اﻻقتصادية واﻻجتماعية للحكومة ﻓﻲ ﻓترة زمنية محددة‪.‬‬ ‫‪ 24‬حول العﻼقة بين التخطيط والميزانية ﻓي المغرب‪ ،‬يراجع د‪.‬ﻋﻠي شفيق ‪ :‬العﻼقة بين الموازنة والتخطيط اﻻقتصادي واﻻجتماﻋي ﻓي المغرب‬ ‫‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬المجﻠة المغربية لﻠقانون المقارن‪ ،‬العدد ‪ ،1988 ،9‬ص‪.‬ص‪.77-59.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪Fathalah Oulalou : Quelques aspects de la problématique budgétaire face au développement. Le cas‬‬ ‫‪du Maroc. R.M.D.E.D, n° 6, 1993. p. 12.‬‬ ‫‪ 26‬نفس المرجع‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫خـــــــــــــــــاﺗمة‬ ‫ﻓﻲ ضوء ما تم تناوله ﻓﻲ هذا البحث من استعراض نشأة الميزانية العامة وتطورها‪ ،‬ودراسة تأصيل مفهومها ﻓﻲ الﺴياقات‬ ‫التاريخية المختلفة‪ ،‬يتبين أن الميزانية العامة ليﺴت مجرد وثيقة مالية وإدارية تُنظم اﻹنفاق واﻹيرادات‪ ،‬بل هﻲ أداة أساسية تعكس‬ ‫التوجهات الﺴياسية واﻻقتصادية واﻻجتماعية للدولة ‪.‬‬ ‫لقد بدأ ظهور الميزانية العامة كوسيلة لتقييد الﺴلطة المطلقة للحاكم ﻓﻲ إنجلترا وﻓرنﺴا‪ ،‬حيث تطورت تدريجيا ً لتصبح أداة‬ ‫رئيﺴية لتحقيق الشفاﻓية والمﺴاءلة ﻓﻲ إدارة المال العام‪.‬أما ﻓﻲ المغرب‪ ،‬ﻓقد ظهرت الميزانية العامة ﻓﻲ سياق تاريخﻲ مختلف يرتبﻂ‬ ‫بفترة الحماية‪ ،‬حيث تأثرت باﻷنظمة اﻷوروبية واستندت إلى نظام اﻷمناء التقليدي الذي كان يشرف على إدارة موارد الدولة‬ ‫ومصروﻓاتها‪.‬‬ ‫إن أهمية الميزانية العامة تتجلى ﻓﻲ قدرتها على تحقيق توازن دقيق بين اﻹيرادات والنفقات‪ ،‬وضمان تخصيص الموارد بشكل‬ ‫عادل وﻓعّال لتلبية احتياجات المجتمع وتحقيق التنمية المﺴتدامة‪.‬كما أنها تعكس التزام الدولة بمبادئ العدالة والمﺴاواة بين مواطنيها‪،‬‬ ‫من خﻼل تنظيم توزيع الثروات الوطنية ومراقبة استخدامها‪.‬‬ ‫يظهر البحث أيضًا أن الميزانية العامة ليﺴت ﻓقﻂ أداة تقنية لتنظيم المال العام‪ ،‬بل هﻲ تعبير عن سيادة القانون وديمقراطية اتخاذ‬ ‫القرار المالﻲ‪.‬ﻓمن خﻼل مناقشتها وإقرارها من قبل البرلمان‪ ،‬تتحقق الرقابة على الﺴلطة التنفيذية‪ ،‬مما يعزز الثقة بين المواطنين‬ ‫ومؤسﺴات الدولة‪.‬‬ ‫وﻓﻲ النهاية‪ ،‬نﺴتطيع القول إن الميزانية العامة تظل واحدة من أهم الركائز التﻲ يقوم عليها النظام اﻻقتصادي والﺴياسﻲ الحديث‪.‬‬ ‫ﻓهﻲ ليﺴت مجرد وثيقة سنوية‪ ،‬بل هﻲ مرآة تعكس أولويات الدولة واستراتيجياتها‪ ،‬ومدى التزامها بتحقيق رﻓاهية المواطنين وتوﻓير‬ ‫اﻻحتياجات اﻷساسية لهم ‪.‬‬ ‫إن دراسة الميزانية العامة وتطورها التاريخﻲ ومفاهيمها اﻷساسية ليس ﻓقﻂ مدخﻼً لفهم كيفية إدارة المال العام‪ ،‬بل هو أيضًا أداة‬ ‫لفهم طبيعة العﻼقة بين الدولة ومواطنيها‪ ،‬وكيف يمكن توظيف الموارد لتحقيق أهداف التنمية والعدالة اﻻجتماعية‪.‬‬ ‫‪14‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser