محاضرة الأسبوع العاشر الألفاظ المحدثة PDF

Summary

هذه محاضرة حول الألفاظ المحدثة في الأسماء والصفات، وتتناول حكم استخدام هذه الألفاظ في صفات الله تعالى، وتوضح المواقف المختلفة تجاهها، وتفصل في معانيها، وتبين موقف أهل السنة والجماعة منها.

Full Transcript

‫األلفاظ املحدثة في األسماء والصفات‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(ما تنازع فيه املتأخرون‪ ،‬نفيا و إثباتا‪ ،‬فليس على أحد؛ بل وال له ‪:‬أن يو افق أحدا‬ ‫ً‬ ‫ً ُ‬ ‫على إثبات لفظ أو نفيه؛ حتى يعرف مراده‪ ،‬فإن أراد حقا؛ قبل‪ ،‬وإن أراد...

‫األلفاظ املحدثة في األسماء والصفات‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(ما تنازع فيه املتأخرون‪ ،‬نفيا و إثباتا‪ ،‬فليس على أحد؛ بل وال له ‪:‬أن يو افق أحدا‬ ‫ً‬ ‫ً ُ‬ ‫على إثبات لفظ أو نفيه؛ حتى يعرف مراده‪ ،‬فإن أراد حقا؛ قبل‪ ،‬وإن أراد باطال؛ ُر َّد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وإن اشتمل كالمه على حق وباطل؛ لم يقبل مطلقا‪ ،‬ولم يرد جميع معناه؛ بل يوقف‬ ‫اللفظ ويفسراملعنى‪ ،‬كما تنازع الناس في« ‪:‬الجهة»‪ ،‬و «التحيز»‪ ،‬وغيرذلك‪).‬‬ ‫يذكر الشيخ هنا حكم األلفاظ املحدثة في صفات هللا تعالى‪ ،‬وهو مما تنازع فيه‬ ‫املتأخرون‪.‬‬ ‫فما كان كذلك؛ فإنه ال يجوز قبوله‪ ،‬بل يجب التوقف فيه‪ ،‬واالستفصال عن ُمراد‬ ‫ً ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ُ‬ ‫املتكلم به‪( ،‬فإن أراد حقا؛ قبل‪ ،‬وإن أراد باطال؛ ُرد)‪ ،‬وإن أراد حقا وباطال؛ ف ِّسر‬ ‫ُ‬ ‫وف ِّصل ‪:‬فيقبل ما أراد من الحق‪ ،‬ويرد ما أراد من الباطل ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثم يقال بعد ذلك ملن أراد بهذه األلفاظ معنى صحيحا ‪:‬ما أردته حق‪ ،‬ولكن التعبير عنه‬ ‫بهذه األلفاظ؛ خطأ‪ ،‬ألنها لم ترد في الكتاب وال في السنة‪ ،‬وألنها ألفاظ مجملة تحتمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حقا وباطال‪ ،‬وذكر الشيخ مثالين لتوضيح هذه القاعدة‪ ،‬وهما لفظا ‪( :‬الجهة)‪،‬‬ ‫و )التحيز(‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فلفظ «الجهة »قد يراد به ش يء موجود غير هللا؛ فيكون مخلوقا‪ ،‬كما إذا أريد بالجهة‬ ‫نفس العرش‪ ،‬أو نفس السموات‪.‬‬ ‫وقد يراد به ما ليس بموجود غير هللا تعالى‪ ،‬كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم‪.‬‬ ‫ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ «الجهة »وال نفيه‪ ،‬كما فيه إثبات العلو‪،‬‬ ‫واالستواء‪ ،‬والفوقية‪ ،‬والعروج إليه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫والخالق مباين للمخلوق‪ ،﷾ ،‬ليس في‬ ‫وقد ُع ِّلم أنه ما ثم موجود إال الخالق واملخلوق‪،‬‬ ‫مخلوقاته ش يء من ذاته‪ ،‬وال في ذاته ش يء من مخلوقاته‪.‬‬ ‫لفظ (الجهة )لفظ مجمل محدث‪ ،‬وقد أوضح الشيخ ما فيه من اإلجمال؛ فقد يراد‬ ‫بالجهة ش يء مخلوق‪ ،‬أي ‪:‬ش يء موجود غير هللا‪( ،‬وقد يراد به ما ليس بموجود غير‬ ‫هللا)‪ ،‬أي ‪:‬قد يراد به ما ليس بموجود من املخلوقات‪ ،‬بمعنى ‪:‬أن لفظ (الجهة )قد يراد‬ ‫به‪ :‬أمر وجودي‪ ،‬وقد يراد به ‪:‬أمر عدمي‪.‬‬ ‫فقد يطلق لفظ (الجهة) على العرش‪ ،‬أو السموات‪ ،‬وهي ‪:‬موجودة مخلوقة‪.‬‬ ‫وقد يطلق لفظ (الجهة) على ما فوق العالم وما وراء املخلوقات من العدم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ولهذا كان هذا اللفظ مجمال محتمال‪ ،‬كما أنه لم يرد في الكتاب وال في السنة نفيه وال‬ ‫إثباته‪ ،‬كما جاء إثبات لفظ( ‪:‬العلو‪ ،‬واالستواء‪ ،‬والفوقية‪ ،‬والعروج إليه ونحو ذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ومن املعلوم بالضرورة أن ما ثم في الوجود إال الخالق واملخلوق‪ ،‬فاملوجود‬ ‫قسمان ‪:‬واجب‪ ،‬وممكن‪ ،‬أو قديم‪ ،‬ومحدث‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مباين للمخلوق)‪ ،‬أي ‪:‬ليس حاال فيه‪ ،‬فاهلل تعالى (ليس في مخلوقاته ش يء‬ ‫الخالق‬ ‫و(‬ ‫ْ َْ‬ ‫من ذاته‪ ،‬وال في ذاته ش يء من مخلوقاته)؛ بل هو بائن ِّمن خل ِّقه‪ ،‬فوق كل ش يء ٍ‬ ‫وعال‬ ‫على كل ش يء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فيقال ملن نفى الجهة ‪:‬أتريد بالجهة أنها ش يء موجود مخلوق؟ فاهلل ليس داخال في‬ ‫املخلوقات؛ أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فال ريب أن هللا فوق العالم‪ ،‬بائن من‬ ‫املخلوقات‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وكذلك يقال ملن قال« ‪:‬إن هللا في جهة ‪»:‬أتريد بذلك أن هللا فوق العالم؟‪ ،‬أو تريد به أن‬ ‫هللا داخل في ش يء من املخلوقات؟ فإن أردت األول؛ فهو حق‪ ،‬وإن أردت الثاني؛ فهو‬ ‫باطل‪.‬‬ ‫على ضوء ما سبق من معنى (الجهة )وما يراد بها‪ُ ،‬يستفصل ممن نفاها وممن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أثبتها‪ ،‬فيقال للنافي ‪:‬أتريد بالجهة شيئا موجودا مخلوقا؟ أم تريد بها ما وراء العالم؟‬ ‫َ‬ ‫داخل املخلوقات‪ ،‬وإن أردت‬ ‫فإن أ َ‬ ‫دت بها األول؛ فنفيك صحيح؛ ألن هللا تعالى ليس‬ ‫ر‬ ‫الثاني؛ فنفيك باطل؛ (ألن هللا تعالى فوق العالم‪ٌ ،‬‬ ‫بائن من املخلوقات)‬ ‫ويقال ملن أثبت أن هللا تعالى في جهة ‪:‬أتريد بذلك أن هللا تعالى فوق العالم؟‪ ،‬أم تريد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بالجهة شيئا موجودا؛ فيكون هللا تعالى داخال في املخلوقات؟‬ ‫فإن أردت األول؛ فحق‪ ،‬وإن أردت الثاني؛ فباطل ‪.‬‬ ‫أعظم وأكبر؛ بل قد‬ ‫ُ‬ ‫وزه املخلوقات‪ُ ،‬‬ ‫فاهلل‬ ‫وكذلك لفظ «املتحيز»؛ إن أراد به أن هللا َت ُح ُ‬ ‫ََ ََُ َ َ َْ َ َ‬ ‫األ ْر ُ‬ ‫ض‬ ‫وسع كرسيه السموات واألرض‪ ،‬وقد قال هللا تعالى ‪﴿:‬وما قدروا َّللا حق قد ِّر ِّه و‬ ‫ات َم ْطوي ٌ‬ ‫ات ِّب َي ِّمي ِّن ِّه﴾ [الزمر‪ ،]٦٧ :‬وقد ثبت في‬ ‫ض ُت ُه َي ْو َم ْالق َي َامة َوالس َ‬ ‫ماو ُ‬ ‫يعا َق ْب َ‬ ‫َجم ً‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الصحاح عن النبي ﷺ أنه قال« ‪:‬يقبض هللا األرض ويطوي السموات بيمينه‪ ،‬ثم‬ ‫يقول ‪:‬أنا امللك‪ ،‬أين ملوك األرض؟‪».‬‬ ‫ُ‬ ‫وفي حديث آخر‪ :‬وإنه ليدحوها كما يدحو الصبيان بالكرة»‪ ،‬وفي حديث ابن عباس« ‪:‬ما‬ ‫السموات السبع‪ ،‬واألرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن؛ إال كخردلة في يد أحدكم‪».‬‬ ‫ً‬ ‫وإن أراد به أنه منحاز عن املخلوقات ‪ -‬أي ‪:‬مباين لها‪ ،‬منفصل عنها‪ ،‬ليس حاال فيها ‪-‬‬ ‫؛ فهو سبحانه كما قال أئمة السنة« ‪:‬فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه‪».‬‬ ‫‪3‬‬ ‫اللفظ الثاني من األلفاظ املحدثة املجملة التي ذكرها الشيخ ‪:‬لفظ (املتحيز)‪ ،‬فهو لم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يأت في صفات هللا تعالى ال نفيا وال إثباتا‪ ،‬فالواجب االستفصال عن معناه؛ فإن أريد‬ ‫به معنى حق؛ قبل املعنى الحق‪ ،‬ورددنا اللفظ املحدث املحتمل‪.‬‬ ‫وإن أريد به معنى باطل؛ رد املعنى الباطل واللفظ املحدث؛ فلفظ (املتحيز )قد يراد به‬ ‫أن هللا تعالى تحوزه املخلوقات ‪ -‬أي ‪:‬تحيط به ‪-‬؛ فهذا باطل؛ ألن هللا تعالى ُ‬ ‫أكبر وأعظم‬ ‫من أن يحيط به ش يء من مخلوقاته‪ ،‬فهو الكبير املتعال‪ ،‬وهو العلي العظيم‪ ،‬ومن‬ ‫دالئل عظمته أنه تعالى (وسع كرسيه السموات واألرض(‬ ‫والذي عليه أكثر أهل السنة أن« ‪:‬الكرس ي‪ :‬موضع القدمين »كما جاء عن ابن عباس (‬ ‫)وأبي موس ى )‬ ‫ومن دالئل عظمته أنه تعالى (يقبض األرض‪ ،‬ويطوي السموات بيمينه)‪ ،‬كما قال‬ ‫ض ُت ُه َي ْو َم ْالق َي َامة َوالس َ‬ ‫ماو ُ‬ ‫يعا َق ْب َ‬ ‫ض َجم ً‬ ‫ََ ََُ َ َ َْ َ َ‬ ‫األ ْر ُ‬ ‫ات‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫تعالى ‪﴿:‬وما قدروا َّللا حق قد ِّر ِّه و‬ ‫ات ِّب َي ِّمي ِّن ِّه﴾‪ ،‬وكذلك األحاديث الواردة في تفسير هذه اآلية«( ‪:‬يقبض هللا األرض‪،‬‬ ‫َم ْطوي ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ويطوي السموات بيمينه‪ ،‬ثم يقول ‪:‬أنا امللك‪ ،‬أين ملوك األرض؟‬ ‫وجاء هذا املعنى في عدد من األحاديث عن جماعة من الصحابة ‪.‬‬ ‫ومن شواهد هذا املقام ‪:‬الحديث الذي ُيروى أنه تعالى« ‪:‬يأخذ السموات‪ ،‬واألرضين‬ ‫ُ‬ ‫التصوير‬ ‫السبع‪ ،‬فيجعلها في كفيه‪ ،‬ثم يقول بهما كما يقول الغالم بالكرة>‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫وعظ ِّمها‪ ،‬فهي صغيرة وضئيلة في‬ ‫لكمال تصرفه تعالى في هذه العوالم على كثرتها ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫تقريب‬ ‫جانب عظمته‬ ‫ومما استشهد به في هذا املقام األثر الذي جاء عن ابن عباس ما السموات السبع‬ ‫واألرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن؛ إال كخردلة في يد أحدكم‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫فهو العظيم الذي ال أعظم منه‪ ،‬وهو الكبير املتعالي‪ ،‬فيمتنع مع هذه العظمة التي ال‬ ‫تحيط بها عقول العباد ‪:‬أن يحويه ش يء من مخلوقاته‪ ،‬فهو أعظم وأكبر من أن تحيط‬ ‫ً‬ ‫به مخلوقاته؛ فضال عن أن يحيط به ش يء منها‪.‬‬ ‫وإن أريد باملتحيز املنحاز عن العالم املباين للمخلوقات؛ فهو كما قال أئمة‬ ‫السلف( ‪:‬فوق سماواته‪ ،‬على عرشه‪ ،‬بائن من خلقه‪.‬‬ ‫ومعنى ‪( :‬بائن من خلقه) أنه ليس في ذاته ش يء من مخلوقاته‪ ،‬وال في مخلوقاته ش يء من‬ ‫ذاته‪.‬فاملتحيز؛ إما أن ُيراد به ‪:‬ما تحيط به األحياز؛ وهو ‪:‬الدخول في العالم واملخلوقات‪.‬‬ ‫وإما أن ُيراد به ‪:‬املنحاز الخارج عن العالم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فإن أريد املعنى األول؛ فهو باطل في حق هللا تعالى؛ ألنه تعالى خارج العالم‪ ،‬وليس حاال‬ ‫في مخلوقاته‪.‬‬ ‫وإن أريد به املعنى الثاني؛ فهو حق‪ ،‬لكن التعبير بهذا اللفظ ‪:‬خطأ‪ ،‬ملا سبق من أنه‬ ‫محدث ومحتمل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإن أريد به املعنيان جميعا؛ فهو باطل ‪ ،‬وهو كقول من قال« ‪:‬إن هللا تعالى ليس داخل‬ ‫العالم وال خارجه»‪ ،‬وقد سبق بيان ذلك في آخر «القاعدة األولى‪.‬‬ ‫ومثل لفظ (الجهة )و (التحيز )باقي األلفاظ املحدثة املجملة املحتملة ك «الجسم»‪،‬‬ ‫و «التركيب»‪ ،‬ونحو ذلك‪.1‬‬ ‫‪ 1‬شرح الشيخ البراك على التدمرية‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫(مو اقف الناس تجاه الحد والغاية ونحوهما من األلفاظ املحدثة)‬ ‫األمر اآلخر ‪:‬أن الناس لهم تجاه هذه األلفاظ املحدثة ثالثة مواقف‪:‬‬ ‫املوقف األول‪ :‬موقف أهل الحق أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو التفصيل الذي ذكرته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بأن أي لفظ يرد يقصد به وصف هللا أو تسميته فإنا ال نتعجل فيه‪ ،‬فإن اقتض ى كماال‬ ‫أخذنا بمعنى الكمال لكننا نستغني عن اللفظ؛ ألنه البد أن نجد هذا الكمال فيما تكلم‬ ‫هللا به عن نفسه‪ ،‬بل هلل عز وجل من األسماء والصفات ما هو جامع لكل‬ ‫الكمال‪ ،‬مثل ‪:‬اسم الجاللة (هللا)‪ ،‬ومثل (الحي القيوم)‪ ،‬ومثل (العلي العظيم)‪( ،‬األحد‬ ‫الصمد الذي لم يلد ولم يولد )إلى آخر ذلك من عبارات الكمال التي يدخل فيها كل‬ ‫كمال‪.‬‬ ‫أما املعاني الباطلة فترد‪ ،‬واأللفاظ ال نلتزم بها‪ ،‬بل نردها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إذا ‪:‬هذا الفريق الذي يفصل هم أهل السنة والجماعة‪.‬‬ ‫الفريق الثاني أو الطائفة الثانية ‪:‬هم الذين يثبتون هذه املعاني ويقصدون التشبيه أو‬ ‫ً‬ ‫التجسيم أو التمثيل‪ ،‬وهؤالء هم املجسمة‪ ،‬وسيأتي الكالم عنهم في ثنايا الدرس قريبا‪.‬‬ ‫واملجسمة ‪:‬هم الذين يطلقون هذه العبارات أو معانيها ويحدونها في حق هللا عز وجل‪،‬‬ ‫وقد ال يقولون بالحدود‪ ،‬لكنهم يقولون بما يفهم الحدود‪ ،‬بأن يتصوروا لربهم تصورات‬ ‫تدل على الحدود‪ ،‬ويجعلون هذه التصورات عقائد‪ ،‬وكذلك الغايات واألركان واألعضاء‬ ‫واألدوات‪ ،‬فاملجسمة أشكال وأنواع‪ ،‬واملمثلة كلهم يقولون بنوع من أنواع التحديد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والغايات واألركان‪ ،‬واألعضاء‪ ،‬واألدوات‪ ،‬وهؤالء أيضا جانبوا الحق ووقعوا في الكفر‪.‬‬ ‫وطائفة تنفي هذه األلفاظ وتنفي معها حقائق صفات هللا عزوجل و أفعاله‪ ،‬بمعنى‬ ‫أنهم يجعلون هذه القواعد عندهم هي املحتكم ثم يردون إليها معاني ألفاظ كالم هللا‬ ‫عز وجل على نهج غير سليم‪ ،‬فيردون هذه األلفاظ كما يردها السلف لكنهم يردون‬ ‫‪6‬‬ ‫ً‬ ‫معها معاني أسماء هللا وصفاته وأفعاله‪ ،‬فمثال ‪:‬يقولون بأنه ال يجوز في حق هللا الحد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والعلو الذاتي حد‪ ،‬إذا ‪:‬فالعلو منفي عن هللا‪ ،‬ويقولون ‪:‬العلو يكون علوا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معنويا‪ ،‬وأحيانا يقولون ‪:‬االستواء حد‪ ،‬والحد ممنوع‪ ،‬إذا ‪:‬االستواء له معنى آخر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فيؤولون معنى االستواء أو ينكرونه‪ ،‬وقد يقولون مثال ‪:‬اليد عضو‪ ،‬وهللا منزه عن‬ ‫ً‬ ‫العضو‪ ،‬إذا ‪:‬لليد معنى آخر غير حقيقتها التي تكلم هللا بها إلى آخره‪ ،‬فيردون هذه‬ ‫األلفاظ ويردون معها حقائق أسماء هللا وصفاته وأفعاله‪.‬‬ ‫وهذا الصنف هم املعطلة واملؤولة‪ ،‬وهؤالء اللبس عندهم أكثر من اللبس عند املشبهة؛‬ ‫ألن املشبهة أمرهم واضح‪ ،‬فالتشبيه ينفر منه الطبع‪ ،‬حتى العوام الذين ال يدركون‬ ‫تفصيل العقيدة‪ ،‬فإنهم في الغالب ينفرون من التشبيه‪ ،‬أما التأويل والتعطيل فإنه في‬ ‫الغالب يكون بأمور مشتبهات‪ ،‬ويكون بتلبيس‪ ،‬فيقع فيه كثير من الناس إذا لم‬ ‫يتشربوا العقيدة السليمة‪.‬‬ ‫فاملهم أن أصناف الناس تجاه هذه األمورثالثة ‪:‬األول‪ :‬الذين يفصلون ويردون‬ ‫املعاني إلى أسماء هللا وصفاته و أفعاله الواردة في الكتاب والسنة‪ ،‬وهم أهل السنة‬ ‫والجماعة‪.‬‬ ‫الثاني ‪:‬الذين يقبلون هذه األلفاظ وال يتأدبون في إطالقها على هللا عزوجل‪ ،‬وهم‬ ‫املمثلة‪ ،‬وهؤالء خرجوا عن الحق وكفروا‪.‬‬ ‫الثالث ‪:‬الذين يردون هذه األلفاظ ويردون معها حقائق صفات هللا و أفعاله‬ ‫وأسمائه‪ ،‬وهؤالء هم الجهمية املعطلة‪ ،‬واملعتزلة املؤولة‪ ،‬وأهل الكالم املؤولة‪.2‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إذا األلفاظ املحدثة الجديدة مثل الجهة والجسم‪ ،‬مثال لو قال لك إنسان ‪:‬هل هللا عز‬ ‫وجل له جسم‪ ،‬تقول ‪:‬كلمة جسم هذه لم يرد في القرآن وال في السنة إثباتها‪ ،‬ولم يرد‬ ‫‪ 2‬شرح الطحاوية للعقل‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫فيهما نفي هذه اللفظة‪ ،‬فماذا ُيقصد بجسم؟ فإن كان يقصد به البدن كما هو في‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬وما نعرفه من األبدان‪ ،‬فإن هذا معنى باطل ننفيه عن هللا عز وجل؛‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ألنه ليس كمثله ش يء‪ ،‬وإن كنت تقصد به اصطالحا خاصا لكل موصوف؛ فإن هللا عز‬ ‫وجل موصوف بصفة‪.‬‬ ‫ونحن نقول ‪:‬إن هذا االستعمال من حيث اللفظ بدعة؛ ألنه لم يرد في القرآن وال‬ ‫السنة‪ ،‬وفي بعض األحيان قد يمتحن بعض أهل البدع أهل السنة والجماعة بألفاظ‬ ‫يستخدمونها يقولون لهم ‪:‬هل تثبتونها أو تنفونها؟ فمثل هذه األلفاظ من حيث‬ ‫ً‬ ‫االستعمال بدعة‪ ،‬ومن حيث املعنى ال يصح نفيها؛ ألنك إذا نفيتها قد تنفي شيئا من‬ ‫ً‬ ‫الحق‪ ،‬وال يصح إثباتها؛ ألنك إذا أثبتها قد تثبت شيئا من الباطل لكن نستفصل فيها‪.‬‬ ‫مثل قول بعضهم ‪:‬هل هللا عز وجل في جهة؟ نقول ‪:‬ماذا تعني بجهة؟ إن كنت تعني جهة‬ ‫العلو؛ فإن هللا في العلو‪ ،‬وإن كنت تعني أنه محصور بمكان‪ ،‬فاهلل عز وجل غير‬ ‫محصور سبحانه وتعالى‪ ،‬وحينئذ يستطيع اإلنسان أن يثبت املعنى الصحيح وينفي‬ ‫املعنى الباطل‪.‬‬ ‫‪8‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser