أصول الفقه بعد التعديلات PDF
Document Details
Uploaded by SplendidSphinx7164
University of Duhok (Kurdistan Region)
Tags
Summary
هذا النصّ دراسةً شاملةً حول أصول الفقه، معنى الفقه لغةً واصطلاحًا، و موضوعه وأدلة الأحكام الشرعية، وكذلك أغراض أصول الفقه، و نشأة علم أصول الفقه.
Full Transcript
**المادة: أصول الفقه وقواعده** **أولاً: تعريف أصول الفقه** **أ-تعريف أصول الفقه باِعتباره مركباً إضافياً:** أصول جمع (أصل) وهو لغة: أسفل الشيء وما يبنى عليه غيره. وفي الاِصطلاح: يطلق على الدليل، كما يطلق الراجح، والقاعدة المستمرة، والصورة المقيس عليها. وأقرب المعاني الى المعنى الاِصطلاحي في أصو...
**المادة: أصول الفقه وقواعده** **أولاً: تعريف أصول الفقه** **أ-تعريف أصول الفقه باِعتباره مركباً إضافياً:** أصول جمع (أصل) وهو لغة: أسفل الشيء وما يبنى عليه غيره. وفي الاِصطلاح: يطلق على الدليل، كما يطلق الراجح، والقاعدة المستمرة، والصورة المقيس عليها. وأقرب المعاني الى المعنى الاِصطلاحي في أصول الفقه: هو الدليل ولهذا قال الآمدي: الإمام والفيلسوف سيف الدين علي بن أبي علي محمد الآمدي الكردي الديار بكري: **فأصول الفقه هي أدلة الفقه.** أو **وهي الأدلة التي يبنى عليها الفقه.** يمكن تعريفه بأنه: **\"أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد**\" وقد اشتمل هذا التعريف على ثلاثة من مباحث علم الأصول الأربعة وهي: الأدلة، وطرق الاستنباط، والاجتهاد، وذلك كما يلي: 1-أدلة الفقه الإجمالية\"، وهي: الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها. 2-كيفية الاستفادة منها\"؛ أي: كيفية استفادة الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية، والمقصود بذلك طرق الاستنباط، مثل: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم. 3-حال المستفيد\"؛ أي: المجتهد. ويدخل في ذلك مباحث التعارض والترجيح، والفتوى؛ لأنها من خصائص المجتهد، وتدخل مباحث التقليد أيضًا لكون المقلد تابعًا له. أو -- كما عرفه المتأخرون: **بأنه القواعد التي يُتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، عن أدلتها التفصيلية.** **شرح التعريف**: فالقواعد: وهي القضايا الكلية، التي تشتمل كل واحدة منها على أحكام جزئية كثيرة؛ كقاعدة: (إن الأمر للوجوب عند عدم قرينة تصرفه عن ذلك) فهذه القواعد تنطبق على **بقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}** أو (وأطيعوا الله ورسولَه) أو (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وكقاعدة: (إن النهي للتحريم إذا لم تصرفه قرينة عنه) فهي تنطبق على جزئيات كثيرة **وَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: بَابُ السُّخْرِيَةِ {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} \[**سُورَة الْحُجُرَاتِ / 11\] و**قَوْلُهُ: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} \[الإسراء: 33\] {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} \[النساء: 29\]** عن أدلتها التفصيلية: أي كل مسألة بدليلها كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة **فعلم أصول الفقه:** عبارة عن قواعدَ كليةٍ وأدلة إجمالية، أما جزئيات القواعد، والادلة التفصيلية لأحكام المسائل الجزئية، فليست من مباحث علم الأصول، وإنما هي من مباحث علم الفقه. **تعريف الفقه لغة واِصطلاحاً**: تعريف الفقه لغة: الفقه لغة: الفهم الفِطْنَة، من فَقُه يَفْقَهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ لِشُعَيْبٍ**: {يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}** \[هود: 91\] أَيْ مَا نَعْلَمُ حَقِيقَةَ كَثِيرٍ مِمَّا تَقُولُ وَتُخْبِرُنَا بِهِ**. {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}** \[الإسراء: 44\] وقوله تعالى: **{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)}** \[سورة طهٍ\] ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما بقوله: **(اللهم علمه الدين، وفقه في التأويل)** ========================================================================================================== **الفقه اِصطلاحاً:** هو العلم بالأحكام الشرعية العملية، المكتسب من أدلتها التفصيلية **ثانياً: موضوع أصول الفقه.** 1-أدلة الأحكام الشرعية ومصادرها، وكيفية استنباط الأحكام منها، وطرق دلالة الألفاظ على المعاني. 2-الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، من حيث ثبوتها بالأدلة. 3-أفعال المكلفين من حيث تعلق الأحكام الشرعية بها، وثبوتها لها. 4-المستنبط لتلك الأحكام من أدلتها وهو المجتهد، والشروط التي تأهله للاِجتهاد **استمداد علم أصول الفقه:** وقد آستمد علم أصول الفقه من علم الكلام (العقائد)، والعربية، والأحكام الشرعية. **ثالثاً: أغراض أصول الفقه** 1-معرفة أدلة الأحكام الشرعية، والإحاطة بأسرار التشريع، وقدرته بإعطاء الحلول في كل مستجدٍ مستحدث من الوقائع, التي لا نص فيها. 2-تُـبيِّن مسالك أسلافنا من الأئمة المجتهدين في الاِستنباط، واستخراج النصوص من ثنايا النصوص، على هدي قواعد منهجية ثابتة المعالم، مما ينير السبيل للباحث ليدرك مدى غنى شريعتنا السمحاء بأصولها وفروعها. 3-الوقوف على اسس الاِختلاف بين الأئمة، فيما اِختلفوا فيه من فهم النصوص، والاستنباط بها، والعلم بمستند كلِّ، وكيفية استثماره من دليله، ليكون الباحث على حظ من البصيرة في دينه. **رابعاً: نشأة علم أصول الفقه ومراحل التدوين فيه:** **نشأة علم أصول الفقه:** كان الصحابة -رضي الله عنهم في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم -يرجعون إليه في بيان أحكام الحوادث التي تنزل بهم، فلما توفي -صلى الله عليه وسلم -كان الصحابة يأخذون حكم حوادثهم ونوازلهم من الكتاب والسنة، فإذا لم يجدوا حكمها فيهما، اجتهدوا وأخذوا الحكم عن طريق الاجتهاد بأنواعه، ونهج التابعون ذلك، وزادوا أخذهم بفتاوى الصحابة واجتهاداتهم. ثم بعد ذلك كثر الاجتهاد، وكثرت طرقه، ثم أصبح لكل إمام قواعد قد اعتمدها في الفتوى والاجتهاد، وهؤلاء الأئمة لم يدونوا تلك القواعد التي اعتمدوها في اجتهاداتهم سوى الإمام الشافعي، فقد دوَّنها في كتابه: \" الرسالة \"، فنبه الشافعي أنظار العلماء والباحثين إلى متابعة البحث في هذا العلم، حتى أصبح علم أصول الفقه علماً مستقلاً رُتبت أبوابه، وحُررت مسائله، وجُمعت مباحثه، وأُلفت فيه المؤلفات على اختلاف في الطرق التي اتبعوها في التأليف. **خامساً: الإمام الشافعي أول من كتب في أصول الفقه.** الشافعي هو محمد بن إدريس بن العباس أبوعبدالله الشافعي المُطَّلِبي، ثالث الأئمة الأربعة الأصوليّ الفقيه، اللغوي المحدّث، ناصر الحديث، وأشهر مصنفاته \"الأم\" في الفقه و \"الرسالة\" في أصول الفقه و \"أحكام القرآن\" و \"اختلاف الحديث\" و \"جماع العلم\". ولد في غزة سنة(150ه) وتوفى في القاهرة سنة 204م. **أدلة الأحكام الشرعية** **أدلة التشريعية المتفق عليها بين الجمهور.** 1-الكتاب 2-السنة 3-الإجماع 4-القياس **أولاً: أدلة الأحكام الشرعية المتفق عليها(الكتاب)** **معنى الكتاب والقرآن** (لفظين مترادفين) الكتاب: اِسم للمكتوب مطلقاً والقرآن -- مصدر بمعنى القراءة قوله تعالى: **{فإذا قرأناهُ فآتبع قرءانه}** يعني قراءته (القيامة: 18) **تعريف الكتاب أو القرآن:** كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وحيا باللفظ العربي؛ المعجز المنقول بالتواتر، المتعبَد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس. **نزول القرآن.** من وقت أن منَّ الله تعالى على الإنسانية بالبعث المحمدي ابتدأ نزول القرآن، فأول آية نزلت كانت الخطاب من الله تعالى بالتكليف الذي كلفه تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بحمل الرسالة إلى خلقه، فقد نزلت أول آية وهي: **{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} \[العلق: 1-5\] ،** فكان هذا إيذانًا بأن دين العلم قد وجب تبليغه، وأن كتاب العلم قد ثبت تنزيله، وأن إعلاء شان الفكر قد جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين، وفيه إيماء إلى أن الإسلام والعلم يجتمعان، ولا يتناقضان أبدًا. توالي نزول القرآن منجَّمًا في مدة الرسالة المحمدية التي استمرَّت ثلاثًا وعشرين سنة يدعو فيها بالحق، وإلى صراط مستقيم، ينير السبيل، ويهدي للتي هي أقوم. أي أن مدة نزول القرآن (23) عاما على النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت الآيات القرآنية تنزل وقتًا بعد آخر، وكان التحدي بما نزل وإن لم يكن ما نزل كل القرآن؛ لأن كل جزء منه ينطبق عليه اسم الكتاب، بل القرآن؛ إذ إنَّ التحدي يقع به، والمعجزة تتحقق فيه، فقد تحدى أهل مكة أن يأتوا بمثله، ولم يكن قد نزل كله، فقد قال تعالى في سورة يونس، وهي مكية: **{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} \[يونس: 16، 17\]** ، وجاء التحدي في هذه السورة أيضًا فقال تعالى: {**وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} \[يونس: 37، 38\]** ، وجاء في سورة هود وهي مكية: **{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا ِبعشر سُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} \[هود: 13\].**ومن هذا كله يتبين أن بعض القرآن قرآن يتحدى فيه، فهو الكتاب الكامل في كله، والكامل في جزئه، وهو معجز في أجزائه، كما هو معجز في ذاته، وإن شئت فقل إنه معجزات متضافرة، وإذا كان لموسى تسع آيات بينات فلمحمد مئات من المعجزات البينات. **كيفية النزول:** -- منجماً حسب الوقائع والمناسبات لقد كان من فائدة إنزال القرآن منجَّمًا أنه كان ينزل لمناسبات ولأحداث، فيكون في هذه الأحداث بعض البيان لأحكامه، والمبيِّن الأول هو النبي -صلى الله عليه وسلم-كما قال تعالى**: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} \[النحل: 44\]** وقد نزل القرآن مُنَجَّمًا في ثلاث وعشرين سنة منها ثلاث عشرة بمكة على الرأي الراجح، وعشر بالمدينة، وجاء التصريح بنزوله مفرَّقًا في قوله تعالى: **{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} \[سورة الإسراء 106\]** أي جعلنا نزوله مفرقًا كي تقرأه على الناس على مهل وتثبت، ونزَّلناه تنزيلًا بحسب الوقائع والأحداث. أول ما نزل من القرآن الكريم**: {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) }\[سورة العلق- 1-5\] وآخر ما نزل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} \[سورة البقرة -- 281\]** **- أسرار نزول القرآن منجَّما:ً** أ-تبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم. جواباً لتساؤل المشركين وتطلعهم إلى نزول القرآن جملة واحدة. **قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ، وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} \[الفرقان: 32\]** ب-التدرج بالأمة من ناحية التربية والإعداد، تيسير حفظه وفهمه. ا**لاستفادة من نزول القرآن مُنَجَّمًا في التربية والتعليم،** وتلقي المبادئ والاحكام وإن تثبيت الفؤاد بنزول القرآن يكون بحفظ ما ينزل عليه جزءًا جزءًا؛ ذلك أن هذا القرآن نزل ليحفظ في الأجيال كلها جيلًا بعد جيل، وما يحفظ في الصدور لا يعتريه التغيير ولا التبديل، وما يكتب في السطور قد يعتريه المحو والإثبات والتحريف والتصحيف؛ ولأنَّ الله تعالى كتب للقرآن أن يحفظ، كان يحفظ جزءًا جزءًا، وكان ينزل مجزءًا ليسهل ذلك الحفظ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يحفظه عند نزوله، فكان يردد ما يتلوه عليه جبريل، ويتعجَّل حفظه، وقد قال الله -سبحانه وتعالى- لنبيه في ذلك: **{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} \[القيامة: 16-19\]** ، ونرى من هذا النص حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يحفظ ما يوحَى إليه، فيحرِّك به لسانه مستعجلًا الحفظ، فينبهه الله تعالى إلى أنه يتولى جمعه وإقراءه له، وأنه مبينه وحافظه، كما قال تعالى**: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} \[الحجر: 9\]** ج -- التأكيد على إعجاز هذا القرآن. فالمشركون تمادوا في غيهم، وبالغوا في عُتوِّهم، وكانوا يسألون أسئلة تعجيز وتحد يمتحنون بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نبوته، ويسوقون له من ذلك كل عجيب من باطلهم، كعلم الساعة: **{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} واستعجال العذاب: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}** فيتنزل القرآن بما يبين وجه الحق لهم، وبما هو أوضح معنى في مؤدى أسئلتهم، كما قال تعالى: **{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}** أي ولا يأتونك بسؤال عجيب من أسئلتهم الباطلة إلا أتيناك نحن بالجواب الحق، وبما هو أحسن معنًى من تلك الأسئلة التي هي مَثل في البطلان. **كتابة القرآن وجمعه:** منذ ابتداء نزول القرآن الكريم على الرسول الأمين، والنبي -صلى الله عليه وسلم-يحفظه، ويأمر من حوله ممن يحسنون الكتابة أن يكتبوه، وقد سمي أولئك الذين كتبوا القرآن بكتاب الوحي، ومنهم: أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي, عبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وأُبَيّ بن كعب، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم، وغيرهم كثير ممن كانوا يحضرون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-قبل نزول الوحي بالقرآن عليه، فيملي عليهم ما نزل، ويعلمون ما حفظه في حفظه الكثيرون من الصحابة، وخصوصًا من كانوا له -عليه الصلاة والسلام- ملازمين، وعلى مقربة منه -صلى الله عليه وسلم. وكان العارفون بالكتابة في المدينة قليلين, لكن لما أُسِرَ أعيان مكة في وقعة بدر جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفداء مالًا، ومن لم يجد فدية علَّم عشرة من صبيان المدينة، وهكذا انتشرت الكتابة وكثر الكُتَّاب، ولكثرتهم لم يكن يخلو مجلسه -عليه السلام- ممن يقوم بهذا الوظيف المهم، ومن ألزمهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت، كان إذا نزل قرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى به فأملى عليه, فكتب في اللخاف والأديم وجريد النخل وألواح العظام وغير ذلك, لعدم الكاغد إذ ذاك عندهم. كل ما يكتب منه يبقى في منزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ويأخذ الكاتب منه نسخة لنفسه ليبثه في الصحابة، ويحفظه الحفاظ الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وكان زوال القرآن على غير الترتيب الذي نقرؤه الآن في السور الكريمة، بل كان ذلك الترتيب من بعد النزول بعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من الله تعالى، فكان يقول -صلى الله عليه وسلم: ضعوا آية كذا في موضع كذا من سورة كذا، فتكون بجوارها متسقة متلاحقة المعنى مترابطة، متناسقة اللفظ، تلتقي بها كأنها تقف معها، وكأنهما كلام واحد قبل في زمن واحد، أحدهما لاحق، والآخر سابق، وكأن المتكلم قالهما في نفس واحد، من غير زمن بينهما يتراخى، أو يتباعد، وذلك من سر الإعجاز، ولا غرابة في ذلك؛ لأن القائل واحد، وهو الله -سبحانه وتعالى- العليم الخبير الذي لا تجري عليه الأزمان، ولا يحد قوله بالأوقات والأحيان؛ لأنه هو خالق الأزمان، والمحيط بكل شيء علمًا. ولذلك كان ترتيب القرآن الكريم في كل سورة بتنزيل من الله تعالى. وكان من الصحابة من يحفظه كله، فكان عبد الله بن مسعود يحفظه المكي، ويحفظ المدني، ولكن الرواة قالوا: إنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم المكي فقط، وكذلك جمع أُبَيُّ المدنيّ، وقالوا: إنه عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم-ما جمعه بعد الهجرة، وأكبر العرض هو عرض زيد بن ثابت -رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد كان سنة وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعد أن قرأ الرسول الأمين على روح القدس جبريل القرآن مرتَّبًا ذلك الترتيب الموحى به الذي نقرأ به القرآن الكريم. وإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلَّا وقد جمع القرآن في صدر طائفة من الصحابة، قيل: إن عددهم مائة أو يزيدون، ونحن نرى أنهم كانوا أكثر من ذلك عددًا، فإنه قتل من القرَّاء في إحدى مواقع الردة عدد يزيد على السبعين. **-المكي والمدني: طابع المكي والمدني.** كان نزول القرآن منجمًا سببًا في أن بعضه نزل بمكة وبعضه نزل بالمدينة، فكان منه المكي ومنه المدني، فالمكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة يسمَّى مدنيًّا، وما نزل قبل الهجرة يسمَّى مكيًّا، فالتقييم زماني وليس بمكاني، ليست العبرة بمكان النزول، إنَّمَا العبرة فيه بزمانه. **مميزات المكي:** 1-الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده، وإثبات الرسالة والبعث والجزاء بآيات الله الكونية والرد على المشركين ومجادلتهم، وقطع دابر خصومهم بالبراهين العقلية، وذكر القيامة وهولها، والنار وعذابها، والجنة ونعيمها. 2-وضع الأسس العامة للتشريع، والفضائل التي عليها يقوم المجتمع، وفضح جريمة المشركين في سفك الدماء وأكل أموال اليتامى ظلما، ووأد البنات، وما كانوا عليه من سوء العادات. 3-ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجرا لهم حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصبر على أذاهم، ويطمئن إلى الانتصار عليهم. 4-قصر الفواصل مع قوة الألفاظ، وإيجاز العبارة بما يصم الآذان، ويشتد قرعه على المسامع، ويصعق القلوب كقصار المفصل، إلا نادرًا. 5-وصيغة الخطاب في المكي تكون عامة كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاس} وقوله: {يَا بَنِي آدَمَ} أما المدني فصيغة الخطاب فيه غالبًا للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لذا فالآيات المكية فيها بيان العقيدة الإسلامية، وبطلان عبادة الأوثان ومجادلة المشركين والدعوة إلى التوحيد، ومخاطبة العرب، وفيها قصص الأنبياء الذين جاءوا إلى بلاد العرب ولهم آثار في أجزائها تنادي بما صنع أقوامهم، وما أصابهم الله تعالى بكفرهم من حاصب، ومن خسف جعل عالي ديارهم سافلها، ومن ريح صرصر عاتية. ولم يكن في الآيات المكية أحكام للمعاملات، وإن كان فيها إشارات إلى المحرمات كالخمر والربا\... **-حجية الكتاب ومقاصد تنزيله: لمقاصد تنزيله غرضان عظيمان** أ-أن يكون معجزة ناطقة **{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}** البقرة: ٢٣ **{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ** صَادِقِينَ} هود (13) {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء: ٨٨ ب -- أن يكون خير رصيد للهداية والحق، وأفضل المنابع والإرشاد والنورعقيدة وشريعة وسلوكاً وأخلاقاً فكانَ دستور عمل وكتاب أحكام. **دلالة الكتاب على الأحكام:** **تنقسم دلالة الكتاب على الأحكام تنقسم إلى قسمين:** **أ-قطعي الدلالة:** فالنص يكون قطعي الدلالة إذا دل على معنى واحد، ولا يحتمل غيره، مثل قوله تعالى**:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} \[النساء: 11\]** **{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} \[النور: 2\]** **{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} \[النور: 4\]** **ب -- ظني الدلالة**: إذا اِحتمل أكثر من معنى، وكان فيه مجال لترجيح بعض المعاني على بعض، وذلك كلفظ (قروء) كما فِي قَوْلِه تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} \[البقرة: 228\] - فإنه يحتمل أن يكون المراد به الطهر أو الحيض. وكذلك لفظ: (سلطاناً) {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} \[الإسراء: 33\] \- فإنه يحتمل أن يكون تسليطاً في القتل أو أخذ الدية. **-الأحكام التي جاء بها القرآن.** **أولاً\_ الأحكام الاعتقادية.** **ثانياً\_ الأحكام الخُلقية.** **ثالثاً\_ الأحكام العملية** وإليك صورة موجزة عن كل ناحية منها: **أولا: الأحكام الاعتقادية.** المراد بالأحكام الاعتقادية معرفة ما يتعلق بالله وصفاته وبالرسل الذين أرسلهم إلى خلقه وشئون اليوم الآخر. وقد أفرد علماء المسلمين علما خاصا به يسمى علم الكلام أو علم التوحيد. **ثانيا: الأحكام الخُلقية:** المراد بها بيان ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من الصفات التي ينتج عنها صدور الأفعال الخيرة بسهولة كالحلم والصفح والتواضع ولِين الجانب وتطهير النفس من الغل والحقد والحسد وما إلى ذلك وهي صفات منبثة في ثنايا القرآن الكريم والسنة النبوية. وهذه الناحية تعتبر دعامة أصيلة في توجيه الإسلام وهي الأساس لانقياد النفوس للعمل بما جاءت به الشريعة الإسلامية من الأحكام التي تنظم علاقات الناس وتحول بينهم وبين البغي والأثرة اللذين يورثان نيران العداوة والبغضاء ويشيعان الفساد في الأرض. وقد تدرك جانبا من ذلك التوجيه الخلقي العظيم فيما أدركه منذ بدء دعوة الإسلام رجل من أتباعه وقف موقفا بين يدي نجاشي الحبشة فدعاه الموقف إلى أن يسرد نواحي التوجيه البارزة في دعوة محمد بقضائه على ما كان شائعا بينهم من مفاسد خلقية إذ يقول: \"كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفته فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة فصدقناه وآمنا به\". ولا غرو فقد كان محمد حامل الرسالة لإسلامية أول من تخلَّق بأخلاقها فلقد هذبه الله وقوم خلقه ووصفه بأنه على خلق عظيم ولهذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \"أدبني ربي فأحسن تأديبي\". وروي أيضا أنه قال: \"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق\". **ثالثا: الأحكام العملية:** ويراد بها ما يتصل بأعمال المكلفين في عباداتهم لربهم وتعاملهم فيما بينهم أفرادا وجماعات. وتقع هذه الناحية في آخر مراتب التشريع كما هو التدرج الطبيعي فإنه بعد أن استصلح العقائد والأخلاق تمهيدا لاستصلاح هذه الناحية عقب بها لينقاد المسلمون إلى تقبل الأحكام العملية المتعلقة بما يصدر عن الشخص المكلف من أقوال وأفعال وتصرفات فعرفهم من هو المكلف الذي يخاطب بأحكام الشريعة ويلزم بها وما هي العوارض التي تؤثر على الشخص فتجعله غير مكلف كما بين لهم الصحيح والباطل في تصرفاتهم والحلال والحرام في أعمالهم واتصالاتهم أفرادا وجماعات. كما تناول أحكام العبادات التي يتقربون إلى الله بها من طهارة وصلاة وصوم وزكاة وحج. وأشار إلى ما يجب في تملك الأموال من حقوق نحو الفرد ونحو المجتمع وما ينبغي أن يكون عليه التعاقد في ضوء تعاليم الإسلام. كما أشار إلى النظم التي تحكم الأسرة من كافة نواحيها وتوضح علاقاتها في حياة الأفراد وبعد مماتهم. وبيَّن الجرائم والجنايات وما يقابل ذلك من عقاب وجزاء. كما أشار إلى نظام الحكم والتقاضي وطرق إثبات الدعاوى وتنفيذ الأحكام إلى غير ذلك من شئون الحياة. **-خصائص التشريع القرآني.** **أ-الإجمال والعموم: كقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} \[البقرة: 275\]** وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّصَهَا الْكِتَابُ. الثَّانِي: أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّصَتْهَا السُّنَّةُ، الثَّالِثُ: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَهَا الْكِتَابُ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ. وَهِيَ قَوْلُهُ: **{وَآتُوا الزَّكَاةَ} \[البقرة: 43\]** عَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّصَتْهَا السُّنَّةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ، والصَّحِيحُ أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ فِي الْبُيُوعِ الَّتِي فِيهَا الرِّبَا، فَأَمَّا بَيْعٌ لَا رِبَا فِيهِ فَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ التَّحْلِيلِ. ولكِنَّ قَوْلَهُ: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} والْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ، ثُمَّ هُوَ جَزْمٌ بِالْإِجْمَالِ، إنَّ الْبَيْعَ مُجْمَلٌ، لِأَنَّ الرِّبَا مُجْمَلٌ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْبَيْعِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يَعُودُ بِالْإِجْمَالِ عَلَى أَصْلِ الْكَلَامِ. وَمِنْهَا: الْآيَاتُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ**، كَقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} \[البقرة: 43\] وَقَوْله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} \[البقرة: 185\] وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} \[آل عمران: 97\]** **ب-قلة التكاليف: عَنْ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ -«إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ لَهَا رَحْمَةً لَكُمْ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا»** **ج --عدم الحرج:** ومِمَّا يُفْضِي إِلَى الضِّيقِ وَالْحَرَجِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِقَوْلِهِ **تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}وَقَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ «وَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» وَحَدِيثِ «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» «إنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ - ثَلَاثًا»** وكل ذلك ينافي شرع الشاق الثقيل. **ثانياً: أدلة الأحكام الشرعية المتفق عليها -السنة** تعريف السنة لغة واِصطلاحاً. (السُّنَّةُ) وَهِيَ لُغَةً (الطَّرِيقَةُ الْمُعْتَادَةُ) مَحْمُودَةً كَانَتْ أَوْ مذمومة (حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» **السنة في الاصطلاح الشرعي**: هي ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قول، أو فعل، أو تقرير. **فالسنن القولية:** هي أحاديثه قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات/ أمثلة: 1-قوله صلى الله عليه وسلم: **«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ»** 2-قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «**إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»** 3-قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: **«الْبَحْرُ طَهُورٌ مَاؤُهُ، حِلٌّ مَيْتَتُهُ»** **والسنن الفعلية:** هي أفعاله صلى الله عليه وسلم، مثل أدائه الصلوات الخمس بهيئاتها وأركانها، وأدائه مناسك الحج، وقضائه بشاهد واحد ويمين المدعي. **والسنن التقريرية:** هي ما أقرّه الرسول صلى الله عليه وسلم، مما صدر عن بعض أصحابه من أقوال وأفعال بسكوته وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار استحسانه فيعتبر هذا الإقرار والموافقة عليه صادرا عن الرسول نفسه**، كسكوته صلى الله عليه وسلم على لعب الغلمان بالحراب في المسجد.** **وسكوته على غناء جاريتين كانتا تنشدان وتغنيان بغناءٍ حماسيِّ في يوم عيدٍ ويدعو إلى التضحية والفداء ويثير في السامع النخوة والشجاعة. فسكوته صلى الله عليه وسلم يدل على جواز الفعل واِباحته، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت عن الباطل والمنكر.** **ما روي أنَّ بعض المنافقين كانوا يطعنون في نسب أسامة بن زيد لكَونه اسود، وَكَانَ أبوه زيد أَبيض، فَرَأهما قائفٌ وهما نائمان فِي الْمَسْجِد ملتحفان بثوب ولم يظهر سوى أقدامهما فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض، فَلَمَّا حكم هَذَا الْقَائِف بإلحاق نسب أسامة بزيد وَكَانَت الْعَرَب تعتمد قَول الْقَائِف ففَرح النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقول الْقَائِف. فكان ذلك اِقراراً بأن القيافة طريق من طرق ثبوت النّسَب وبهذا أخذ الجمهور من الفقهاء.** وعَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: **«كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي لَا آلُو قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»** **أ-من الكتاب:** 1-قال تعالى:{**قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ}** \[آل عمران: 32\] 2-وقال سبحانه وتعالى: **{من يطع الرسول فقد أطاع الله} \[النساء: 80\]** 3-قال تعالى: **{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} \[النساء: 59\]** **4-وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} \[الأحزاب: 36\]** 5-وقال تعالى: **{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} \[النساء: 65\]** **6-وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} \[الحشر: 7\]** فهذه الآيات تدل باجتماعها وتساندها دلالة قاطعة على أن الله يوجب اتباع الرسول فيما شرعه. **ب-من السنة نفسها:** **1-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ:« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»** **2-أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمَا يَعْدِلُهُ , يُوشِكُ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْكِتَابُ فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ»** ج-من الإجماع: اِجماع الصحابة رضوان الله عليهم في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته على وجوب اتباع سنته. فكانوا في حياته يمضون أحكامه ويمتثلون لأوامره ونواهيه وتحليله وتحريمه، ولا يفرقون في وجوب الاتباع بين حكم أوحى إليه في القرآن وحكم صدر عن الرسول نفسه. **تقسيمات السنة:** أ-من حيث كونها تشريعاً وغير تشريع. ب-من حيث طريق وصولها الينا. ج-من حيث الأحكام التي جاء بها. **أ-السنة من حيث كونها تشريعاً وغير تشريع.** **\*ما لا يكون مصدراً للتشريع الخاص بالذات:** 1-فما صدر عنه بمقتضى طبيعته الإنسانية من قيام، وقعود ومشي، ونوم، وأكل وشرب، فليس تشريعا، لأن هذا ليس مصدره رسالته، ولكن مصدره إنسانيته، لكن إذا صدر منه فعل إنساني، ودلّ دليل على أن المقصود من فعله الإقتداء به، كان تشريعا بهذا الدليل. 2-وما صدر عنه بمقتضى الخبرة الإنسانية والحذق والتجارب في الشئون الدنيوية من اتِّجار، أو زراعة، أو تنظيم جيش، أو تدبير حربي، أو وصف دواء لمرض، أو أمثال هذا، فليس تشريعا أيضا لأنه ليس صادراً عن رسالته، وإنما هو صادر عن خبرته الدنيوية، وتقديره الشخصي. 3-وما صدر عن رسول الله ودلّ الدليل الشرعي على أنه من خصوصياته، وأنه ليس أسوة فليس تشريعاً عاماً: كتزوجه بأكثر من أربع زوجات، لأن قوله تعالى: **{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} \[النساء: 3\]** دلّ على أن الحد الأعلى لعدد الزوجات أربع، وكون زوجاته أمهات للمؤمنين لا يحل لأحدٍ أن يتزوجهنَّ بعده. وكوصال الصيام في رمضان، وهذا وكاكتفائه في إثبات الدعوى بشهادة خزيمة وحده لأن النصوص صريحة في أن البيَّنة شاهدان. **\*ما لا يكون مصدرا للتشريع الخاص بالوصف:** ما يصدر عنه بوصف الإمامة والرياسة العامة، مثل صرف أموال بيت المال في جهاتها وجمعها من محالِّها، وتوليه القضاة والولاة، وعقد المعاهدات، فهذا ليس تشريعاً عاماً، بل هو خاصٌ بالوصف الذي إنبنت عليه هذه التصرفات، فلا يجوز الإقدام عليها لكل أحدٍ من تلقاء نفسه بحجة أن النبي فعله أو طلبه. **\*ما يكون مصدراً للتشريع العام:** **فالتشريع العام:** ما يصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، على وجه التبليغ بصفة أنه رسول، كأن يُبيِّن مجملاً، أو يخصص عاماً، أو يقيد مطلقاً، أو يبيِّن شأناً في العبادات، أو الحلال أو الحرام، أو العقائد والأخلاق، وما إلى ذلك فهذا تشريع عامٌ. **والخلاصة:** أن ما صدر عن رسول الله من أقوال وأفعال في حال من الحالات الثلاثة التي بيناها فهو من سنته ولكنه ليس تشريعا ولا قانونا واجبا اتّباعه، وأما ما صدر من أقوال وأفعال بوصف أنه رسول ومقصود به التشريع العام واقتداء المسلمين به فهو حجة على المسلمين وقانون واجب اتّباعه. فالسنة إن أريد بها طريقة الرسول وما كان عليه في حياته، فهي كل ما صدر عنه من قول أو فعل أو تقرير، مقصود به التشريع واقتداء الناس به لاهتدائهم. **ب-السنة من حيث طريق وصولها إلينا:** أ\--الطريقة الحنفية: 1-السنة المتواترة (اللفظي والمعنوي) 2-السنة المشهورة 3-السنة الأحادية. **-طريقة الجمهور**: 1-السنة المتواترة 2-السنة الأحادية: والآحاد أنواع ثلاث: -مستفيض -- عزيز -- غريب **أقسامها باعتبار سندها: -الطريقة الحنفية:** **تنقسم السنة باعتبار رواتها عن الرسول إلى ثلاثة أقسام: سنة متواترة، وسنة مشهورة، وسنة آحاد.** **1-فالسنة المتواترة:** هي ما رواها عن رسول الله جمع من الأصحاب يمتنع عادة أن تواطؤهم على الكذب لكثرتهم، ورواها عن هذا الجمع جمع مثله من التابعين، ثم نقلها عنهم جمع من تابعي التابعين، حتى وصلت إلينا بسند كل طبقة من رواته، جمعٌ لا يتفقون على كذب، من مبدأ التلقي عن الرسول إلى نهاية الوصول إلينا، والسنة المتواترة تعتبر قطعية الثبوت وتفيد (العلمَ الضروريِّ) ومن هذا القسم السنن العملية في أداء الصلاة، وفي الصوم الحج والآذان، وغير ذلك من شعائر الإسلام التي تلقّاها المسلمون عن الرسول بالمشاهدة، أو السماع، جموع عن جموع، من غير اختلاف في عصر عن عصر، وقل أن يوجد في السنن القولية حديث متواتر. **2-السنة المشهورة:** هي ما رواها عن رسول الله عدد من الأصحاب أو جمع لم يبلغ حد التواتر، ثم تواترت في عهد التابعين، وتابعي التابعين، حتى وصلت إلينا بسند، والسنة المشهورة من حيث إفادة العلم يقع في مرحلة وسط بين التواتر والآحاد لا يفيد العلم اليقيني القطعي ولكن يفيد الظن القريب من اليقين وهو ما يسمى (بالعلم الطمأنينة) ومن هذا القسم بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول عمر بن الخطاب أو عبد الله بن مسعود أو أبوبكر الصديق، ثم رواها عن أحد هؤلاء جمع لا يتفق أفراده على كذب، مثل حديث: \"إنما الأعمال بالنيات\"، وحديث: \"بني الإسلام على خميس\" وحديث \"لا ضرر ولا ضرار\". فالفرق بين السنة المتواترة والسنة المشهورة: أن السنة المتواترة كل حلقة في سلسلة سندها جمع التواتر من مبدأ التلقي عن الرسول إلى وصولها إلينا، وأما السنة المشهورة فالحلقة الأولى في سندها ليست جمعاً من جموع التواتر بل الذي تلقاها عن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع لم يبلغ جمع التواتر وسائر الحلقات جموع التواتر. **3-السنة الآحادية:** هي ما رواها عن الرسول آحادٌ لم تبلغ جموع أو عدد التواتر والشهرة ومعظم السنة من هذا النوع. بأن رواها عن الرسول واحد أو اثنان أو جمع لم يبلغ حد التواتر والشهرة، ورواها عن هذا الراوي مثله وهكذا حتى وصلت إلينا بسند طبقاته آحاد لا جموع التواتر، ومعظم السنة من هذا النوع، وخبر الآحاد لا يفيد (العلم اليقينيِّ وإنما يفيد الظن) ويعمل به في الأحكام العملية، إذا تحققت الشروط المعتبرة في للعمل بالآحاد. لذا من جهة الورود فالسنة المتواترة قطعية الورود عن الرسول، لأن تواتر النقل يفيد الجزم والقطع بصحة الخبرة كما قدمنا. والسنة المشهورة قطعية الورود عن الصحابي أو الصحابة الذين تلقوها عن الرسول لتواتر النقل عنهم، ولكنها ليست قطعية الورود عن الرسول، لذا فالسنة المشهورة أو سنة الآحاد فلأنها وإن كانت ظنية الورود عن رسول الله إلا أن هذا الظن ترجح بما توافر الشروط في الرواة من (العدالة وتمام الضبط والإتقان) ورجحان الظن كافٍ في وجوب العمل، لهذا يقضي القاضي بشهادة الشاهد وهي إنما تفيد رجحان الظن بالمشهود به، وتصح الصلاة بالتحري في استقبال الكعبة وهي إنما تفيد غلبة الظن، وكثير من الأحكام مبنية على الظن الغالب، ولو التزم القطع واليقين في كل أمر عملي لنال الناس الحرج. **ب-طريقة الجمهور في تقسيم السنة:** تتنوع السنة عند الجمهور إلى: السنة المتواترة والسنة الآحادية: والآحادية ثلاثة أنواع: 1-مستفيض: هو ما يرويه ثلاثة أو أكثر دون حد التواتر في الطبقات الثلاث. 2-عزيز: وهو ما يرويه اِثنان فقط في كل طبقة من الطبقات الثلاث أو في طبقة منها. 3-غريب: وهو ما يرويه واحد في الطبقات الثلاث. العمل بخبر الآحاد: **ج-السنة من حيث الأحكام التي جاءت بها** -الحالة الاولى: أن تكون موافقةً لما جاء في الكتاب. -الحالة الثانية: أن تكون شارحة للكتاب ومبيِّنةً لما جاء فيه. -الحالة الثالثة: أن تكون السنة مستقلة بإثبات حكم جديد. -الحالة الرابعة: أن تكون ناسخة لحكم ثبت بالكتاب. أما نسبة السنة إلى القرآن، من جهة الاحتجاج بها والرجوع إليها لاستنباط الأحكام الشرعية، فهي في المرتبة التالية له بحيث أن المجتهد لا يرجع إلى السنة للبحث عن واقعة إلا إذا لم يجد في القرآن حكم ما أراد معرفة حكمه، لأن القرآن أصل التشريع ومصدره الأول، فإذا نص على حكم اتبع، وإذا لم ينص على حكم الواقعة رجع إلى السنة فإن وجد فيها حكمه اتبع. **لذا أن الأحكام التي وردت في السنة وهي:** 1-إما أن تكون موافقةً ومؤكدةً لما جاء في الكتاب، فيكون الحكم له مصدران وعليه دليلان: دليل مثبت من القرآن، ودليل مؤيد من سنة الرسول. ومن هذه الأحكام الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والنهي عن الشرك بالله، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير حق، وغير ذلك من المأمورات والمنهيات التي دلت عليها آيات القرآن وأيدها سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم -، ويقام الدليل عليها منهما. 2- إما أن تكون سنة مفصلِّة ومُفسِّرة لما جاء في القرآن مجملاً، أو مقيِّدة ما جاء فيه مطلقاً، أو مخصِّصَة ما جاء فيه عاماً، فيكون هذا التفسير أو التقييد أو التخصيص الذي وردت به السنة تبييِّنا للمراد، من الذي جاء في القرآن لأن الله سبحانه منح رسوله حق التبيين لنصوص القرآن بقوله عز شأنه: **{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}** \[النحل: 44\] ، ومن هذا السنن التي فسرت وفصلت كما هو الحال في تحديد وتفصيل مواقيت الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، لأن القرآن أمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، ولم يفصل عدد ركعات الصلاة، ولا مقادير الزكاة، ولا مناسك الحج، والسنن العملية والقولية هي التي بينت هذا الإجمال؟ وكذلك **{وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}** \[سورة البقرة-275\] والسنة هي التي بيَّنت صحيح البيع وفاسده. ومنها أيضاً أن تكون السنة مخصصة لعام الكتاب، فالله أمر أن يرث الأولاد والآباء والأمهات، حيث قال: **{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ}** ولفظ الأولاد يعمُّ القاتل وغير القاتل، فجاءت السنة مخصصّة لهذا العموم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ: **«لاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ».** 3-أن تكون السنة مستقلة بإثبات حكم جديد سكت عنه القرآن فيكون هذا الحكم ثابتا بالنسبة ولا يدل عليه نص في القرآن. كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: **«لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»** وحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم **«كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ» وذو الناب من السباع، هو ما يفترس ويتقوى به ويصطاد** **الحيوان ويأكل قسراً، كالأسد والذئب والنمر، وكل ذي مخلب أي الظفر الطيور التي تصيد وتمسك بمخلبها، كالعٌقاب الخطافة والنسر والباز (الصقر)\...** وتحريم لبس الحرير والذهب على الرجال، وكذلك ما يحرم من الرضاع، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: **«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»** وغير ذلك من الأحكام التي شرعت بالسنة وحدها ومصدرها إلهام الله لرسوله، أو اجتهاد الرسول نفسه. 4-أن تكون السنة ناسخة لحكم ثبت بالكتاب، فالوصية للوارث الواردة في قوله تعالى: **{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِين} \[البقرة-180\] نسخت بقول رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لاَ وَصِيَّة لِوَارِثٍ»** **ثالثاً: أدلة الأحكام الشرعية المتفق عليها الإجماع** **أولاً: تعريف الإجماع لغة واِصطلاحاً** لغة: العزم والتصميم على الامر، وقد يتأتى من الواحد كما في قوله صلى الله عليه وسلم **«لَا صِيَامَ لِمَنْ لَا يُجْمِعُ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ»** صَوْمَ الْوَاجِبِ دُونَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ أي لم يعزم عليه. وإذا وجد من أكثر من واحد، فيكون دالاً على الاتفاق المسبوق بالعزم والتصميم من كل **منهم \[فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى\] {طه: 64}** أي صمموا عليه، متفقين متساندين. **الإجماع اِصطلاحاً:** اِتفاق مجتهدي الأمة، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور، على حكم شرعيٍّ اجتهاديٍّ، في واقعة من الوقائع. **ثانياً: أنواع الإجماع وحجيتُه:** الإجماع يعرف بقولِ وفعلٍ -- وبقول وإقرار -- وبفعل وإقرار. **أقسام الإجماع:** **1-الإجماع الصريح:** وهو أن يتفق مجتهدو العصر على حكم واقعة، بإبداء كل منهم رأيه صراحة بفتوى أو قضاء، أي أن كل مجتهد يصدر منه قول أو فعل يعبر بصراحة عن رأيه. 2**-الإجماع السكوتي:** وهو أن يبدي بعض مجتهدي العصر رأيهم صراحة في الواقعة بفتوى أو قضاء، ويسكت باقيهم سكوتاً مجرداً عن اِمارات الرضا أو السَّخط، وتنقضي مهلة النظر عادةً، وهي المهلة الكافية للبحث وتكوين الرأي ولا يكون منهم اِقرار ولا اِنكار. أما السكوت المقترن بإمارة الرضا فهو اِجماع صريح**، وإذا كان مقترناً بإمارة السَّخط اِختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولين: ذهب الجمهور**: إلى أنه ليس حجة، وأنه لا يخرج عن كونه رأي بعض أفراد من المجتهدين. **وذهب علماء الحنفية**: إلى أنه حجة إذا ثبت أن المجتهد الذي سكت عرضت عليه الحادثة، وعرض عليه الرأي الذي أبدى فيها ومضت عليه فترة كافية للبحث، وتكوين الرأي وسكت، ولم توجد شبهة في أنه سكت خوفاً أو ملَقَاً(ودَّاً) أوعيَّاً (كلام لا يفهم) أو استهزاء؛ لأن سكوت المجتهد في مقام الاستفتاء والبيان والتشريع بعد فترة البحث والدرس ومع انتفاء ما يمنعه من إبداء رأيه لو كان مخالفا، دليل على موافقته الرأي الذي أبدى إذ لو كان مخالفا ما وسعه السكوت. والذي أراه الراجح هو مذهب الجمهور: ولا ينسب إلى ساكت قول **و**الساكت من المجتهدين تحيط بسكوته عدة ظروف وملابسات منها النفسي ومنها غير النفسي، ولا يمكن استقصاء كل هذه الظروف والملابسات والجزم بأنه سكت موافقة ورضا بالرأي. فالساكت لا رأي له ولا ينسب إليه قول موافق أو مخالف، وأكثر ما وقع مما سمي إجماعا هو من الإجماع السكوتي. كالتكبير من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، وقطع صوم النفل، وقول الحنفي: لا يجوز أن يغسِّل الرجل زوجته؛ لأنه يحرم النظر إليها، فحرم غسلها كالأجنبية. فيقول المعترض: هذا فاسد الاعتبار، لمخالفته الإجماع السكوتي، وهو أن عليًّا غسَّل فاطمة ولم ينكر عليه أحد. **حجية الاِجماع الصريح:** **أما النوع الأول:** وهو الإجماع الصريح فهو الإجماع الحقيقي، وهو حجة شرعية في مذهب الجمهور. واِستدل الجمهور على الحجية بالكتاب والسنة والمعقول: **{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} \[النساء: 115\]** وجه الدلالة: توعد بالعذاب لمن يشاقق الرسول، ويتبع غير سبيل المؤمنين: وهو ما اِتفقوا عليه من الأحكام فيكون سبيلهم هو الحق الذي يجب اِتباعه، ممّا يدل على أنّ الإجماع حجة. \*ومنها قوله تعالى**: {َوكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}** \[سورة البقرة: 143\] **وجه الدلالة:** الوسط هو العدل، ولا عدالة مع الضلالة. لأن الأمة عدل لا تجز عليها ضلالة ودَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمَاعَتَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ. **\*من السنة:** فقد تواترت عن رسول صلى الله عليه وسلم توتراً معنوياً عصمة هذه الأمة عن الخطأ على لسان ثقات من الصحابة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: **«لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ»** أي أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى جَمِيعِهِمْ جَهْلُ التَّأْوِيلِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: **«يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»** قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: **«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً»** **من المعقول:** فهو أنَّ أهل كل عصر إذا اِتفقوا على حكمِ قضيةٍ وجزموا به جزماً قاطعاً بالإجماع. **ثالثاً: سند الحكم المجمع عليه:** 1-الإجماع المستند الى الكتاب -- مثل تحريم الجدة أخذاً من قوله **{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} {النساء: 23}** فالذي يعطه مدلول النص: أن المراد بالأم الأصل، والجدة أصل كالأم، وقد حصل الإجماع على التحريم , فكان حكماً قطعياً. مثال أخر: ما حدث في الإجماع على عدم تقسيم سواد العراق بين الغانمين فقد روي أن عمر رضي الله عنه رأى عدم تقسيم السواد بعد الفتح، وخالفه في ذلك نفر من الأصحاب كي لا يكون دولة بين **الأغنياء {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} \[ الحشر: -7-10\]** 2-الإجماع المستند الى السنة: الإجماع على توريث الجدة السدس المستند الى ما رواه المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إعطائها السدس. والإجماع على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، المستند الى **قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا»** والإجماع على منع بيع المطعوم قبل قبضه من البائع، المستند الى قول النبي صلى الله عليه وسلم **أَنَّ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ: «مَن ابْتَاعَ طَعاماً فَلاَ يَبِيعُهُ حَتَّى يَقبِضَهُ»** لذا فإن شروط الإجماع وهي: 1-لا بدَّ أن يكون الإجماع مَبْنياً على مستند صحيح من كتاب أو سنة. 2-أن يتفق جميع المجتهدين على الحكم في زمن معين صراحة أو وجود اِمارة على الرضا. 3-أن يقع الاتفاق من أهل الاِجتهاد الموصوفين بالعدالة ومجانبة البدع. 4-ثبوت صفة الاِجتهاد في المجتهدين. رابعاً: إمكان الإجماع **في إمكان الإجماع** لا خلاف بين العلماء في إمكان الإجماع عقلاً؛ لأن اتفاق المجتهدين في عصر على حكم لا يمتنع عقلاً، ولا خلاف في تصوره وإمكانه في ضروريات الأحكام. أما في غير ذلك وهو: الإجماع على الأحكام التي لا تكون، معلومة بالضرورة بأن كان الإجماع عن مستند ظني، فقد اختلف، العلماء في إمكانه على مذهبين: **المذهب الأول: أن الإجماع ممكن، أي: إجماع المجتهدين من** **أُمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - في عصر من العصور ممكن عادة.** **وهو مذهب جمهور العلماء. وهو الصحيح؛ للأدلة التالية:** **الدليل الأول: الوقوع، حيث إن الإجماع وقع فعلاً، ولا أدل على الإمكان من الوقوع، وأمثلة وقوع الإجماع كثيرة،** ومنها: 1 -الاجماع على حرمة شحم الخنزير كلحمه. 2 -الإجماع على حجب ابن الابن بالابن. 3 -الإجماع على تقديم الدَّين على الوصية. 4 -الإجماع على أنه لا زكاة في أعيان الشجر. 5 -الإجماع على أن الواجب في الغسل والمسح في الوضوء هو الفعل مرة واحدة. 6-الإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: لونه، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة لا يجوز الوضوء منه. **المذهب الثاني: أن الإجماع مستحيل عادة، فهو غير ممكن. ذهب إلى ذلك بعض النظامية، وبعض الشيعة، وبعض الخوارج.** دليل هذا المذهب: استدل أصحاب هذا المذهب بقولهم: إن أهل الإجماع قد انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا الانتشار يمنع نقل الحكم إليهم عادة، وإذا امتنع نقل الحكم امتنع الاتفاق الذي هو وقوع تساويهم في نقل الحكم إليهم. جوابه: يجاب عنه: بأن أهل الإجماع عدد قليل معروفون بأعيانهم، وهم المجتهدون، وعليه فيمكن أن ينقل الحكم إلى جميعهم **رابعاً: أدلة الأحكام الشرعية المتفق عليها -- القياس** أولاً: القياس لغة: هو التقدير والتسوية بين شيئين فأكثر. القياس اِصطلاحاً: وهو إثباتُ مِثْلِ حُكْمِ معلومٍ لمعلومٍ آخرَ لاِشتراكهما أو اشتباههما في علةِ الحكم عند المُثبت. **ثانياً: أركان القياس** 1-المقيس عليه: وهو الواقعة المنصوص على حكمها، فهو الاصل 2-المقيس: وهو الواقعة التي لم ينص على حكمها، ويراد إلحاقها بالأصل في الحكم، فهو الفرع. 3-الحكم: المراد به حكم الأصل المقيس عليه، والذي ورد به نص أو إجماع. 4-العلة: وهو الوصف الجامع بين الأصل والفرع. **ثالثاً: حجية القياس.** أ-ذهب جمهور الأصوليين من أهل السنة، وكثير من المعتزلة، والزيدية إلى أن القياس هو الأصل الرابع من أصول التشريع، وأنه دليل من الأدلة الأحكام الشرعية العملية، لا الاِعتقادية. ب -- وذهب فريق من المعتزلة والاِمامية الى التفريق بين منصوص العلة، ومستنبطها، فاِعتبروا القياس على أصل منصوص العلة حجة، وبطلوا القياس في العلة المستنبطة. **ادلة النافين:** 1-استدلوا بأن القياس مبناه الظن، والمبني على الظن ظن، وجاءت النصوص بالنهي عن اتباع الظن -من قَوْلِهِ تَعَالَى**- {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} \[الإسراء: 36\]** **{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}** \[الأنعام: 116\] {**إَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} \[يونس: 36\]** 2-أول من استعمل القياس اِبليس، وذلك أن الله أمره بالسجود لأدم فقاس، ليدفع ما أمره الله به **{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} \[الأعراف: 13\]** 3-القول بالقياس يتنافى مع كمال الشريعة، فإن النصوص استوعبت جميع الاحكام **{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} \[البقرة: 29\]** **أدلة المثبتين:** استدلوا بالكتاب**: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} \[الحشر: 2\]** أي نعتبر حالنا بحال بني نضير أي العبور أو الاِعتبار أو الاِ تعاض فهو مفيد للاِنتقال من شيء الى غيره، والتسوية بينهما في الحكم. ولا يكون إلا من طريق القياس. فقد جاء قول الله تعالى في شأن اليهود: قَوْلِهِ تَعَالَى**: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} \[الجمعة: 5\]** واِستدلوا بالسنة: قصة معاذ بن جبل لما بعثه الى اليمن الاجتهاد برأيه عند عدم وجود النص. واِستدلوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتدَّ بالمساواة بين الشيئين وقاس في كثير من المسائل، اِمرأة سألت عن الحج عن أبيها **«فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فِي الْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا» أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ \" قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ»** واِستدلوا بإجماع الأمة: وهو ما ثبت بالتواتر المعنوي عن جمع كثير من الأصحاب، أنهم عملوا بالقياس، وجعلوه أساساً لتعرّف الأحكام الشرعية، فقد حاربوا مانعي الزكاة وقاسوها على الصلاة، وقاسوا الاِشتراك في القتل على الاِشتراك في السرقة في إيجاب العقوبة. واِستدلوا بالمعقول: فالعقل السليم يقضي بالتسوية بين المتماثلين في الحكم. **رابعاً: شروط القياس وهذه الشروط متنوعة منها:** منها: ما يرجع الى الاصل منها: ما يرجع الى حكم الاصل منها: ما يرجع الى الفرع منها: ما يرجع الى العلة أولاً: ما يرجع الى الأصل -- يشترط في الأصل ألاّ يكون فرعا لأصل أخر؛ مثل أن يقيس الذرة على الأرز بعلة الطعم، او الكيلية او الاقتيات والادخار. أو أن يقيس الارز على البر الذي ورد به النص. **ثانياً: ما يرجع الى حكم الاصل:** أ-أن يكون معقول المعنى -- أي معللاً بعلة يستقل العقل بأدراكها، حتى يمكن الإلحاق والتعدية. مثل: حرمة بيع الانسان على بيع غيره. ومثال الحكم المستثنى من أصل كلي: إباحة بَيْعُ الْعَرَايَا: وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر خرصاً من غير المساواة بينهما بالكيل أو الوزن -- مستثناة من القاعدة الكلية: التي حرم بمقتضاها بيع الجنس بمثله متفاضلاً من الربويات والعقل يستطيع أن يدرك علة الحكم، وهو دفع الحرج عن الناس، لحاجة الناس الى الرطب في أوانها. فيقاس على بيع العنب بالزبيب -- التين بالتين. ب -- أن يكون حكم الاصل حكماً شرعياً عملياً: أما الأحكام الشرعية الاِعتقادية فإنها لا يجري فيها القياس، وينبغي أن يكون الحكم الشرعي العملي قد ثبت بالكتاب أو السنة أو الإجماع. ج -- أن لا يكون الأصل مخصوصاً بالحكم بدليل أخر: كما في قبول شهادة خزيمة وحده فآمتنع قياس غيره عليه، لما فيه ابطال من الخاصية. وكذلك الحال في جميع خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم. د-أن لا يكون معدولاً عن سنن القياس:(العلة القاصرة) ما أدركت فيه العلة ولكن لم يكن مشاركاً للمنصوص في تلك العلة، فيمتنع الاِلحاق لفقد المشارك، مثل، ضرب الدية على العاقلة فإنه معقول المعنى والمصلحة فيه ظاهرة، ولكنه لا يتعدى إلى الغرامات والكفارات، لأنها لم تشارك الدية في الاٍحتواء على مجامع المصلحة، وكذلك الشفعة، أثبتت لدفع الضرر وهو معقولٌ بيّنٌ ولن يختص بالعقار لمعان لا توجد في المنقول، فاِمتنع الاٍلحاق لعدم تعدِّي العلة. **ثالثاً: ما يرجع الى الفرع. وللفرع عدة شروط:** أ-أن تكون علة الاصل ثابتة في الفرع: مثل -- قياس قاتل الموصي له على قاتل الموّرث لاِستوائهما في علة حكم الاصل. ب-ألاّ يكون الفرع منصوصاً عليه، معلوم الحكم بالنص. ج--أن لا يؤدي القياس إلى صيرورة الفرع (مصير الفرع) متقدما على الاصل في الثبوت. **رابعاً: ما يرجع الى العلة** 1. أن تكون وصفاً ظاهراً. ما يمكن اٍدراكه بالحس، مثل الصٍغر في ثبوت الولاية على الصغير في ماله، والرشد لثبوت الولاية للرشيد، والإيجاب والقبول في عقد البيع ولنقل الملكية. فالتراضي في عقد البيع فإنه هو الوصف المناسب لأن يكون علة نقل الملكية، وكذلك القتل العمد العدوان علة للقصاص، فالمصلحة التي قصدها الشارع من القصاص هو حفظ النفس. 2. ان تكون وصفاً منضبطاً. بأن يكون للوصف حقيقة منضبطة محددة لا تختلف باٍختلاف الموصوف، مثل القتل الذي هو علة الحرمان القاتل من الميراث، وصف معينٌ محددٌ لا يختلف باِختلاف أشخاص القاتلين أو المقتولين. والسكر الذي جعل علة لتحريم المشروب. 3. ان تكون وصفا مناسباً. أي ربط الحكم به وجعله مترتباَ عليه يغلب فيه تحقق المصلحة المقصودة من الحكم، فالقتل العمد العدوان علة للقصاص، فالمصلحة التي قصدها الشارع من القصاص هو حفظ النفس والمحافظة على حياة الناس واٍطمئنانهم. وربط قطع يد السارق بأخذ المال خفية بطريق السرية يغلب معه تحقق المصلحة التي قصدها من الحكم وهي المحافظة على أموال الناس 1-الدلالة بالتصريح بالتعليل: مثل -- {**مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}** الحشر:7 2-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **«إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنَ أجْلِ الْبَصَرِ»** **ثانياً: الدلالة بالتنبيه والإيماء بالتعليل،** مثل: **{فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ}** البقرة: 282 وأثبت الولاية على السفيه، والضعيف، والذي لا يستطيع أن يمل هو، وأمر وليه بالإملاء عليه، لأنَّه أقامه فيما لا غناء عنه من ماله مقامه. قوله صلى الله عليه وسلم -- **«لاَ يَقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ»** **عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ»** ا**لمسلك الثاني: إثبات كون الوصف علة بالإجماع.** مثل أن الاجماع اِنعقد على أن العلة في تقديم الأخ الشقيق على الأخ لأب في الميراث هي امتزاج السببين في القرابة: سبب من جهة الاب، وسبب من جهة الام. فيقدم ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة -- فيقاس على تقديم الاخ الشقيق على الاخ لأب، في ولاية النكاح. مثال آخر أن الاجماع اٍنعقد على أن الجهل بالثمن هو علة فساد عقد البيع، فيقاس عليه المهر إذا كان فيه جهالة إفساد لعقد النكاح. **المسلك الثالث: الاستنباط**. في حالة عدم وجود نصٌ أو إجماع على العلة فإنَّ الطريق لتعرُّفها هو الاِستنباط والاِجتهاد (السبر والتقسيم -- المناسبة -- الدوران -- قياس الشبه) عن الأوصاف المختلفة في المحكوم فيه للوصول إلى أيهما يصلح أن يكون علة للحكم وهذا يكون بالطرق الآتية: أ-منهج الأصوليين: في اِختبار صلاحية الوصف للتعليل وهو السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ: فيكونان حيث لا يجود نص أصلا على مناط الحكم، ويراد التوصل بهما إلى معرفة العلة لا إلى تهذيبها من غيرها. \[وأما النظر في استخراج العلة غير المنصوص عليها، ولا المجمع عليها بواسطة السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ. أو بأي مسلك من مسالك العلة فيسمى (تخريج المناط) فهو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يرد نص بعلته ولم ينعقد إجماع على علته. أي لا نص على العلة لا صريحة ولا غير صريحة وسمي تخريج المناط لأنَّ العلة كانت خفية فأخرجها المجتهد\] **- تخريج المناط**: وجود حكم شرعي منصوص عليه، دون بيان العلة منه. فيحاول المجتهد التعرُّف إلى علة الحكم الشرعي واستخراجه لها. مثال على ذلك -- كما جاء النص على تحريم الخمر ولكن لم يبين العلة في تحريمه فاجتهد الفقهاء في اِستخراج علة تحريم الخمر -- وكذلك الربا. **- تحقيق المناط:** هو أن تكون العلة ظاهرة جلية دلَّ عليها النص الصريح أو المجمع عليه، وليس على المجتهد هنا إلا التحقيق من وجودها في الفرع. مثل: الهرة -- أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات -- فقد صرح النص بالحكم طهارة الهرة وسؤرها. ومن فروعها الفار **- تنقيح المناط:** هو أن تكون علة الحكم في الأصل غير مصَّرح بها ويذكر معها أوصاف أخرى (أي متعلق بالأوصاف التي دلَّ عليها ظاهر النص) والمجتهد هنا عليه إبراز كل علة مشتبه بها انها علة للحكم ويحذف ما لم يحقق شرط المناسبة. \- مثل، قوله عليه الصلاة والسلام: **«لاَ يَقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ»** فاِقتران الحكم بالغضب يدل على انها علة فيحذف خصوصه الغضب الذي يعتبر علة بالاِجتهاد ثبت أنه ليس علة بذاته ، وإنما يلازمه من تشويش الفكر -- فحذف خصوص الغضب ونيط النهي بالمعنى الأعم. الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً -- فقد ألغى أبو حنيفة ومالك وصف الجماع وأناط الكفارة بالمعنى الأعم أي بمطلق الإفطار عمداً لاِنتهاك حرمة رمضان **الأدلة التشريعية التي اِختلف فيها جمهور العلماء** 1-الاستحسان 2-الاستصلاح (المصلحة المرسلة) 3-العرف 4 سد الذرائع 5-الاستصحاب 6-قول الصحابي 7-عمل أهل المدينة 8-شرع من قبلنا. **المبحث الأول: الاستحسان** الاِسْتِحْسَانُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ عَدُّ الشَّيْءِ حَسَنًا، وَضِدُّهُ الاِسْتِقْبَاحُ. سواء كان ذلك الشيء من الامور الحسية، أو المعنوية، يقال استحسنت الرأي، أو القول، أو الصورة، أو الطعام، من إطلاق اللفظ على ما يميل إليه الإنسان ويهواه من الصور، والمعاني والاِستحسان في أصل الوضع: اِستفعال من الحسن. **الاستحسان اصطلاحاً:** عبارة عن العدول عن موجب قياس، الى قياس أقوى منه. وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ أَنْ يَعْدِلَ الْإِنْسَانُ عَنْ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِمِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ فِي نَظَائِرِهَا إلَى خِلَافِهِ لِوَجْهٍ أَقْوَى يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْ الْأَوَّلِ قَال النَّجْمُ النَّسَفِيُّ: فَكَأَنَّ الاِسْتِحْسَانَ هَاهُنَا إِحْسَانُ الْمَسَائِل، وَإِتْقَانُ الدَّلاَئِل. أقوال العلماء في الاٍستحسان: قال الإمام الشافعي: من اِستحسن فقد شرع. أي حسب مزاجه وتلذذه وما يهواه خارج عن الضوابط الشرعية من الكتاب والسنة والاِجماع والقياس. وقال الإمام مالك: الاستحسان تسعة أعشار العلم - أي يمثل تسعة اعشار الاجتهاد الفقهي، وكان معنى الاستحسان هو مراعاة المصالح والعدل، فهذا يعني أنه على الفقيه ألاّ يغيب عنه الالتفات إلى مقصود الشارع، وهو المصلحة والعدل، فإذا وجد مصالح مهملة ومضيعة، فالاستحسان يقتضي أن يجتهد ويقرر ما يعيد لها اعتبارها ويحقق حفظها. وإذا رأى اضرار قائمة، فالاستحسان أن يجتهد ويفتي بمنع تلك الأضرار، وإذا رأى نصوصا شرعية تفهم على نحو يفضي الى حصول ضرر محقق، أو تفويت مصلحة محترمة في الشارع، استحسن إعادة النظر في ذلك الفهم، وإذا وجد قياسا خرج على خلاف مقصود الشارع في العدل والمصلحة، فليعلم أنه قياس غير سليم، أو في غير محله، فيستحسن ألا يتقيد به، وأن يرجع إلى القواعد العامة للشريعة؛ وبهذا يكون الاستحسان فعلاً تسعة اعشار العلم. ومضمونه يكمن في الأخذ بجزئية في مقابل قاعدة كلية لدليل ينقدح في نفس المجتهد. **- حجية الاستحسان:** \- **انواع الاستحسان:** **النوع الاول: مسائل وجد لكل منهما قياسان متعارضان، أحدهما ظاهر جلي -- والاخر خفي.** ومن امثلته ما يأتي: أ-وقف الارضي الزراعية: فإنه يشبه البيع أي لا تدخل الحقوق الارتفاقية في الوقف إلا بالنص عليها. -- ويشبه الإجارة ايضا من حيث أن كلاً منهما يفيد ملك الانتفاع بالعين، مقتضى هذا أن تدخل الحقوق الإرتفاقية ولو لم ينص عليها. ودخول الحقوق الإرتفاقية في الوقف مع عدم النص عليها من باب الاستحسان. -ملاحظة: حق الارتفاق: حق مقرر على عقار لمنفعة عقار آخر Easement \* تحصيل منافع تتعلق بالعقار. ب -- هلاك العين المرهونة بيد المرتهن: وذلك بعد أن أبرأ الراهن من الدين قياساً لحالة الإبراء على حالة الاِستيفاء إذ بقي المرهون بعد الإبراء عن الدين، ولكن الاِستحسان عدم ضمان المرهون بعد الإبراء عن الدين، واِعتبار المرتهن بعد اِبرئه للمدين كالفاسخ للرهن. والمرتهن هو الدائن. ج-الدين الثابت المشترك لإثنين -- مثلاً -- في ذمة ثالث بسب متحد: إذا قبض أحد الشريكين مقدار حصته، لا يحق له الاِختصاص بها بل لشريكه أن يطالبه بحصته من المقبوض، فإذا هلك في يد القابض قبل أن يأخذ الشريك حصته، فإن مقتضى القياس الظاهر أن يهلك من حساب الإثنين، ولكن حكم فقهاء الحنفية بأن الهالك في يد القابض هالك من حصته فقط، وتكون الحصة التي لم تقبض للشريك الثاني اِستحساناً. **النوع الثاني: مسائل يتناولها دليل عام: وتنقسم الى عدة أقسام --** أ-استحسان يستند الى النص: وذلك بأن تقتضي القاعدة المقررة حكما في مسألة، ويرِدُ النصُ فيها من كتاب او سنة، على خلافه. فالقاعدة المقررة في التمليك:(انه لا يجوز ان يضاف التمليك الى زمان زوال الملك) ومقتضى هذه القاعدة بطلان الوصية، وعدم جوازها لأنها تمليك للعين مضاف إلى زمان زوال الملكية وكنها اِستثنت من ذلك اِستحساناً للنص الوارد بجوازها من قوله تعالى:{ **مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ**}- النساء (11) والقاعدة المقررة في البيوع: ان يكون المبيع موجودا لدى البائع وقت انشاء العقد -- فلا يجوز بيع المعدوم اخذا من قول الرسول صلى الله لحكيم بن حزام رضي الله عنه (لا تبع ما ليس عندك) وقوله صلى الله عليه وسلم **((مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ**)) ب -- استحسان يستند الى الاجماع: مثل اِستصناع -غير جائز لأن المعقود عليه غير موجود وقت العقد -- لكنه جاز استحسانا على خلاف القياس او القاعدة المقررة. **ج-استحسان يستند الى الضرورة والحاجة:** وذلك بأن تكون هناك ضرورةٌ تدعو إلى مخالفة ما يقضي به حكم القاعدة العامة. مثل اِغتفار الغبن اليسير في المعاوضات والمبادلات المالية إذ قلما نجد أو يخلو عقد من هذه العقود عن الغَبن اليسير، فلو لم يُغتفر ذلك للحِقَ الناس الحرجُ والعسرُ في معاملاتهم. ولكن أجاز اِستحساناً. وكذلك تطهير الآبار والحياض إذا تلوثت، فالقاعدة العامة أن لا تطهر مطلقاً، إذ نزح بعض الماء لا يؤثر في رفع النجاسة، ونزح جميع الماء لا يقيد طهارة ما ينبع أو يصب بعد النزح، لأنه لابدّ أن يلاقيَ نجساً في قاع البئر والحوض وجدرانهما فيتنجس بذلك، وأجاز ا