شرح كتاب مختصر الدر الثمين والمورد المعين - PDF

Summary

This document is a detailed explanation of the book, "Mukhtaṣar al-Dur al-Thamin wa al-Mawrid al-Mu'īn." It delves into the concept of Taharah (purification), a fundamental aspect of Islamic jurisprudence. The text meticulously explores the different types of Taharah, relevant rules, and explanations.

Full Transcript

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫المادة‪ :‬شرح كتاب مختصر الدر الثمين والمورد المعين‬ ‫الدرس‪ -01 :‬باب الطهارة‬ ‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ون...

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫المادة‪ :‬شرح كتاب مختصر الدر الثمين والمورد المعين‬ ‫الدرس‪ -01 :‬باب الطهارة‬ ‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل‬ ‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدً ا عبده‬ ‫َ‬ ‫فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال‬ ‫ورسوله؛ أما بعد‪:‬‬ ‫بعد أن فرغنا من الكالم حول المقدمة األصولية لإلمام عبد الواحد بن عاشر ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل َت َعا َلى‪ -‬يف‬ ‫منظومته‪ ،‬ننتقل إلى المقصود من عقد هذه الحلقات‪ ،‬وهو التعرف على األحكام الفقهية المتعلقة باألركان‬ ‫الخمسة‪ :‬الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬والصوم‪.‬طب ًعا الشهادتان يتعلق هبما باب االعتقاد‪ ،‬وهو علم خاص‪ ،‬ثم قبل‬ ‫مر الصالة إال به‪ ،‬وهو الطهارة؛ فالطهارة ‪-‬كما هو‬ ‫شيء وعن ٍ‬‫ٍ‬ ‫أمر ال يتم أ ُ‬ ‫البدء بالصالة ال بد من الكالم عن‬ ‫ٌ‬ ‫شرط يف صحة الصالة‪.‬‬ ‫معلوم‪ -‬من باب «ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب»؛ ألن الطهارة ‪-‬كما سيأيت معنا‪-‬‬ ‫والطهارة نوعان‪ :‬طهارة خبث‪ ،‬وطهارة حدث؛ ولذلك قال اإلمام ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل َت َعا َلى‪ -‬بعد ختام مقدمته‬ ‫األصولية‪ ،‬قال‪« :‬كتاب الطهارة»‪.‬‬ ‫الكتاب فِعال بمعنى مفعول‪ ،‬أي‪ :‬مكتوب‪ ،‬والمقصود بالكتاب يف اصطالح المؤلفين‪ :‬هو جملة من‬ ‫قسمون مؤلفاهتم إلى كتب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫األبواب التي تندرج تحت عنوان واحد؛ ولذلك تجد أهل العلم بالحديث والفقه ُي ِّ‬ ‫ويقسمون الكتب إلى أبواب‪ ،‬واألبواب إلى فصول‪ ،‬والفصول إلى مباحث‪ ،‬والمباحث إلى مطالب‪ ،‬والمطالب‬ ‫إلى مسائل‪ ،‬والمسائل إلى فروع‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫والهدف من هذا ك ِّله هو تقريب العلم من الناس‪ ،‬حتى هذه المنظومة التي نقرؤها ليست مقصود ًة لذاهتا‪،‬‬ ‫مثال هذه األبيات الثالثة‪ ،‬سيكون عندك‬ ‫وإنما هي ُقصدت ألهنا ُت ِّ‬ ‫قرب العلم‪ ،‬وسرتون هذا اآلن‪.‬عندما تحفظ ً‬ ‫مجمل أحكام المياه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشْْْْْيء َسْْْْْ ِلْْ َمْْا‬ ‫الْْتْْغْْيْْ ِر‬ ‫ِمْْ َن‬ ‫حصْْْ ْ ُل الْطْهْْار ُة بِْمْْا‬ ‫س‬ ‫َف وصْْْ ْ ٌل‪َ :‬و َتْ ُ‬ ‫لْْعْْادة قْْد َصْْْْْ ُلْْ َحْْا‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طْْاهْْر‬ ‫أو‬ ‫إذا تْْْغْْ سْيْ ْ َر بْْ َْنْ ْ وجْ ْ ٍ ُطْ ْ ِر َحْ ْا‬ ‫ب‬‫ْمْ ْطْْ َْلْ ْ ٌق كْْْالْْ سْذ ِائْ ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َكْ ْ َمْ ْ وغْ ْ َرة فْْ ُ‬ ‫الز َمْْ ْ ُه يف الْْْْغْْْْالْْْ ِ‬ ‫ْب‬ ‫إال إذا َ‬ ‫‪1‬‬ ‫فجم َع ما يتعلق باألحكام‪ ،‬أحكام المياه عمو ًما‪.‬إ َذن الشاهد هنا أن المؤلفين ُي ِّ‬ ‫قسمون مؤلفاهتم إلى كتب‬ ‫َ‬ ‫وأبواب إلى آخره‪ ،‬كل هذا لتقريب العلم من المتعلمين‪ ،‬وهذه وظيفة أهل العلم‪ ،‬ووظيفة طلبة العلم‪ :‬أهنم‬ ‫قربون العلم من الناس‪ ،‬يقربه منه‪.‬والمقصود ‪-‬كما قلت‪ -‬من هذه المختصرات‪،‬‬ ‫قربون الناس من العلم‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫ُي ِّ‬ ‫والمقصود من هذه التفصيالت كلها‪ ،‬المقصود منها تقريب العلم من الناس‪.‬‬ ‫قال‪( :‬الطهارة)‪.‬الطهارة يف اللغة العربية‪ :‬هي النظافة‪ ،‬نقول‪َ « :‬ط ُه َر الشيء»‪ ،‬بمعنى تن سظف وتخ سلى عن‬ ‫طهر ُته»‪ ،‬بمعنى ن سظفتُه‪ ،‬وأزلت منه النجاسات واألوساخ‪.‬‬ ‫األوساخ‪ ،‬ونقول‪ « :‬س‬ ‫هبا الممنوع‪.‬‬ ‫وأما الطهارة يف االصطالح‪ ،‬يعني يف اصطالح الشارع‪ :‬فهي صفة حكمية‪ُ ،‬تبيح للمتل ِّب‬ ‫توضأت صارت الصالة يف حقك مباحةً؛ فهي صفة حكمية‪ ،‬ليست صف ًة‬ ‫َ‬ ‫أنت اآلن ممنوع من الصالة‪ ،‬فإذا‬ ‫فمثال يمكن أن تكون األوساخ يف ثوبك كالشحوم‪ ،‬وكاألوساخ والقاذورات األخرى من غير‬ ‫ً‬ ‫حقيقية‪.‬‬ ‫النجاسات‪ ،‬ويجوز لك أن تصلي‪ ،‬وقد تكون يف جلدك‪ ،‬وال نقول إن مِن شرط الصالة أن تتطهر من هذه‬ ‫خاصا‪ ،‬فنحكم لك بالطهارة؛ فهذا معنى‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫استعماال‬ ‫القاذورات واألوساخ‪.‬فهذه صفة حكمية‪َ ،‬تستعمل الماء‬ ‫الطهارة يف الشرع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جلباب هنا‪ ،‬نقول‪ :‬جلباب‬ ‫وأما معنى الطهارة يف اللغة‪ :‬فهي ُمط َلق النظافة؛ فعندما تجد األوساخ ً‬ ‫مثال يف‬ ‫غير طاهر‪.‬ولكن الجلباب الطاهر يف الشرع هو الذي ليست فيه نجاسة‪ ،‬وإن كانت فيه األوساخ‪ ،‬المقصود أال‬ ‫ٍ‬ ‫نجاسات يف الشرع‪.‬‬ ‫تكون فيه نجاسة من النجاسات المعتربة‬ ‫باب إلى الصالة‪ ،‬فال يمكن للمسلم أن يصلي إال‬ ‫قال‪« :‬كتاب الطهارة»‪.‬عقد هذا الباب ‪-‬كما قلنا‪ -‬ألنه ٌ‬ ‫تطهر‪.‬طب ًعا أهل العلم أو جماهير العلماء أطبقوا على أن يكون كتاب الطهارة هو أول كتاب يف مؤلفاهتم‪،‬‬ ‫إن س‬ ‫وبعض الناس لم يتجه هذا االتجاه‪.‬‬ ‫فمثال نلحظ أن اإلمام مالك ‪-‬رحم ُة اهللِ َع َل ِ‬ ‫يه‪ -‬يف ُمو سطئِه بدأ بكتاب «وقوت الصالة»‪ ،‬فبدأ بأوقات الصالة‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫قبل الطهارة‪ ،‬ونجد اإلمام ابن أبي زيد ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل‪ -‬يف رسالته بدأ بنواقض الوضوء‪ ،‬فقال‪« :‬يجب الوضوء من‬ ‫ث عن األحداث واألسباب‪ ،‬كأنه يقول إنه ال تجب الطهارة إال بعد الحدث‪ ،‬كأنه سار على قول‬ ‫الحدث»‪ ،‬فتحدس َ‬ ‫يتوض َأ»‪.‬‬ ‫ث حتى س‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬ال ي وقب ُل اهلل صال َة ِ‬ ‫أحدك وُم إذا أحدَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫‪2‬‬ ‫مالك ‪-‬رحم ُة اهللِ َع َل ِ‬ ‫يه‪ -‬فرأى أن هذه الطهارة ال تتعين إال بعد دخول‬ ‫فبدأ باألحداث قبل الوضوء‪.‬وأما ٌ َ َ‬ ‫هنجهم أن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬فقالوا‪ :‬الطهارة شرط يف الصالة‪،‬‬ ‫الوقت‪.‬وأما سائر العلماء‪ ،‬فكان ُ‬ ‫درج داخل كتاب الصالة‪ ،‬فنناقش أوقات الصالة يف كتاب‬ ‫فنبدأ بالطهارة قبل الصالة‪ ،‬أما ما يتعلق باألوقات ف ُي َ‬ ‫الصالة‪.‬‬ ‫قال ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل‪( :-‬كتاب الطهارة)‪.‬‬ ‫فصال ألنه يفصل ما سبق عما سيأيت‪ ،‬وستالحظون‬ ‫طب ًعا اإلمام ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل‪ -‬قال‪( :‬فصل)‪ ،‬والفصل ُس ِّمي ً‬ ‫أنه سيقول مرة أخرى (فصل‪ :‬فرائض الوضوء)‪ ،‬وإنما قال هنا فصل ولم ُي ِشر إلى عنوان الفصل‪ ،‬ألنه َوك ََل ذلك‬ ‫إلى فِطنة المستمعين أو إلى فطنة الطالب‪.‬فالمقصود بالفصل هنا «فصل المياه»‪ ،‬سيتحدث عن المياه‪ ،‬ما هي‬ ‫سائال سأل‪ :‬بماذا سنتطهر؟ فعقد هذا الفصل‪.‬‬ ‫كأن ً‬‫هذه المياه التي سنتوضأ هبا‪ ،‬س‬ ‫إ َذن «فصل المياه»‪ ،‬والمياه جمع ماء‪ ،‬وأصل ماء‪َ « :‬م َو ٌه»‪ ،‬فالهمزة منقلبة عن الهاء‪ ،‬واأللف منقلبة عن‬ ‫الواو‪ ،‬والدليل أننا نقول يف الجمع «ميا ٌه»‪ ،‬وال نقول «ميا ٌء»‪.‬‬ ‫كثير يف اللغة العربية‪ ،‬وهو علم خاص يف العربية يسمى علم الصرف‪ ،‬لكي تعلم أصل الكلمة‬ ‫والقلب هذا ٌ‬ ‫بناي»‪ ،‬و«دعاء» أصل همزهتا الواو‬ ‫حتى ال تخطئ يف معناها‪.‬عندما نقول «بناء»‪ ،‬فالهمزة هنا أصلها الياء « ٌ‬ ‫دعاو»‪.‬كيف؟ دعا يدعو‪ ،‬والبناء‪ :‬بنى يبني‪.‬‬ ‫« ٌ‬ ‫فأصل الهمزة يف البناء «الياء»‪ ،‬وأصل الهمزة يف الدعاء الواو‪ ،‬وأما الهمزة يف «أشياء ‪ -‬شيء» فهي أصلية‪.‬‬ ‫إذن اآلن تستطيع أن ُت ِّ‬ ‫فرق بين «دعاء» و«بناء» و«أشياء»‪.‬‬ ‫فالهمزة يف «أشياء» أصلية‪ ،‬ويف «بناء» أصلها ياء‪ ،‬ويف «دعاء» أصلها واو‪.‬هذا ُيع ِّلمه علم الصرف‪ ،‬وهو‬ ‫علم مهم من علوم العربية‪.‬‬ ‫العربية خمسة علوم‪ :‬النحو‪ ،‬والصرف‪ ،‬وعلوم البالغة الثالثة التي هي‪ :‬المعاين والبيان والبديع؛ فهذه‬ ‫خمسة علوم أساسية يف اللغة العربية‪ ،‬ال َينظر يف نصوص القرآن والسنة َمن لم ُيتقن هذه الخمسة‪.‬والذي ال يتقن‬ ‫ناظرا يف السنة؛ ألن هبذه‬ ‫ناظرا يف القرآن‪ ،‬أو ً‬ ‫هذه الخمسة ال يمكن أن يكون غير مقلد‪ ،‬وال يمكن بحال أن يكون ً‬ ‫درك ِس سر كالم العرب‪ ،‬ومراتب كالمهم‪ ،‬وعادهتم يف الكالم‪.‬‬ ‫العلوم الخمسة ُي َ‬ ‫‪3‬‬ ‫ولذلك تجدون األصوليين غال ًبا يتكلمون يف هذا‪ ،‬وقد بدأ هذا الكالم اإلمام الشافعي ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل‪ -‬فقال‪:‬‬ ‫إن معرفة علم الشرع يتوقف على معرفة َسنَن العرب يف الكالم‪.‬لماذا؟ ألن القرآن عربي‪ ،‬والنبي عربي‪ ،‬فال‬ ‫س‬ ‫فهم كالم اهلل وكالم الرسول ﷺ مِن دون َف وهم سنن العرب يف مخاطباهتا يف كالمها‪.‬‬ ‫يمكن أن ُي َ‬ ‫إ َذن قال‪« :‬فصل»‪.‬المقصود بعقد الفصل هذا‪ :‬فصل المياه‪ ،‬والمقصود‪ :‬المياه التي تصح هبا الطهارة‪.‬‬ ‫قال ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل‪:-‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشْْْْْيء َسْْْْْ ِلْْ َمْْا‬ ‫الْْتْْغْْيْْ ِر‬ ‫ِمْْ َن‬ ‫حصْْْ ْ ُل الْطْهْْار ُة بِْمْْا‬ ‫س‬ ‫َف وصْْْ ْ ٌل‪َ :‬و َتْ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بشيء َسلِ َما)‪،‬‬ ‫تحصل الطهارة بماء‪« ،‬بماء» جر مجرور‪ ،‬ثم جاء بجملة وصفية لهذا الماء‪( :‬مِ َن التغ سي ِر‬ ‫ماض‪ ،‬فاعله ضمير مسترت تقديره هو‪ ،‬أي الماء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بماء َسلِ َم من التغير بشيء‪ ،‬فْ«سلم» ٌ‬ ‫فعل‬ ‫والتقدير‪ٍ :‬‬ ‫(سلِ َما)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(م َن التغ سي ِر) جار ومجرور متعلق بْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫(بشيء) جار ومجرور متعلق بْ(التغ سي ِر) بشيء‪.‬التغير مشتق‪ ،‬تغ سير يتغ سير تغ سي ًرا‪ ،‬فالتغير هنا مصدر‪.‬‬ ‫نعت لماء‪.‬‬ ‫جر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫فْ«بشيء» جار ومجرور متعلق بالتغير‪ ،‬أي «تغ سي َر بشيء»‪ ،‬والجملة يف محل ٍّ‬ ‫باق على أصل ِخلقته التي خلقه اهلل عليها‪ ،‬كما أنزله اهلل‬ ‫بماء لم يتغير بشيء‪ ،‬أي‪ٍ :‬‬ ‫إ َذن‪ :‬تحصل الطهارة ٍ‬ ‫‪َ -‬ع سز َو َجل‪ -‬من السماء‪ ،‬هذا هو الذي تحصل به الطهارة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورا﴾ [الفرقان‪.]48 :‬وال سطهور بفتح الطاء‪ ،‬والمقصود به‬ ‫ودليله قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َأن َوز ولنَا م َن س‬ ‫الس َماء َما ًء َط ُه ً‬ ‫ورا﴾‪ ،‬وال سطهور هنا‬ ‫طاهرا»‪ ،‬بل قال ﴿ َط ُه ً‬ ‫ً‬ ‫َطهور على وزن َفعول‪ ،‬ففيه مبالغة‪.‬فلم يقل «وأنزلنا من السماء ما ًء‬ ‫طه ًرا لغيره‪ ،‬وهذه الخصيصة ليست إال يف الماء‪ ،‬ليست يف الزيت‪،‬‬ ‫طاهرا يف نفسه ُم ِّ‬ ‫ً‬ ‫صيغة مبالغة َفعول‪ ،‬فيكون‬ ‫وال يف اللبن‪ ،‬وال يف سائر السوائل‪.‬‬ ‫لذلك ال يجوز أن تقول إن اللبن طهور؛ ألن اللبن طاهر‪ ،‬وكذلك الزيت طاهر‪ ،‬وال يمكن أن يكونا‬ ‫طهران غيرهما كالماء‪.‬‬ ‫طهورين‪ ،‬ألهنما ال ُي ِّ‬ ‫طهر لغيره‪.‬لذلك إذا غسلت‬ ‫فالماء وحده جعل اهلل ‪َ -‬ع سز َو َجل‪ -‬فيه هذه الخصيصة‪ ،‬فهو طاهر يف نفسه‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫طهر نفسه بنفسه‪.‬‬ ‫يطهر‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫به أي شيء‪ ،‬فإنه ُ‬ ‫مثال إلى ماء البحر‪ ،‬ماء البحر يمكن أن يغرق فيه اإلنسان‪ ،‬فإذا أغرقه ومات وصار ميتة‪ ،‬يلفظه‬ ‫انظروا ً‬ ‫إلى الشاطئ‪ ،‬ولو ألقيت أزبال العالم يف البحر‪ ،‬فإنه يف الصباح س ُيلقيها يف الشاطئ‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫لماذا؟ ألنه طاهر يف نفسه‪.‬حتى الماء الراكد الماء‪ ،‬إذا ألقيت فيه األزبال والنجاسات فإهنا ترتسب‪ ،‬ويبقى‬ ‫الماء النقي فوق‪ ،‬فهو طهور‪.‬فهذا هو المقصود بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ط ُه ً‬ ‫ورا﴾‪.‬فالماء الباقي على أصل خلقته يصلح‬ ‫للطهارة‪.‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشْْْْْيء َسْْْْْ ِلْْ َمْْا‬ ‫الْْتْْغْْيْْ ِر‬ ‫ِمْْ َن‬ ‫حصْْْ ْ ُل الْطْهْْار ُة بِْمْْا‬ ‫س‬ ‫َف وصْْْ ْ ٌل‪َ :‬و َتْ ُ‬ ‫﴿وين َِّز ُل َع َلي ُكم مِن السم ِ‬ ‫اء َما ًء ل ِ ُي َط ِّه َرك وُم بِ ِه﴾ [األنفال‪﴿.]11 :‬ل ِ ُي َط ِّه َرك وُم بِ ِه﴾‪ ،‬فدل هذا على أن جميع‬ ‫و و َ س َ‬ ‫َُ‬ ‫المياه التي بقيت على أصل الخلقة فهي تصلح للطهارة‪.‬ما هي هذه المياه الباقية على أصل خلقتها؟ ً‬ ‫أوال‪ :‬مياه‬ ‫األمطار؛ ودليله القرآن‪.‬‬ ‫ومنها كذلك‪ :‬مياه اآلبار‪ ،‬ومياه العيون‪ ،‬ومياه األهنار الجارية؛ فهذه كلها ميا ٌه بقيت على أصل خلقتها‪.‬‬ ‫مثال بمياه اآلبار‪ ،‬بل وشرهبم لمياه األهنار‪ ،‬وشرهبم‬ ‫واألدلة مِن فعل النبي ﷺ كثيرة يف هذا الباب؛ فمنها‪ :‬س‬ ‫توضؤه ً‬ ‫طهورا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طهرة؛ فهذا يسمى ما ًء‬ ‫من مياه العيون ومياه اآلبار‪ ،‬فهذه المياه كلها ثبت باإلجماع أهنا ميا ٌه طاهرة ُم ِّ‬ ‫ومن المياه الباقية على أصل الخلقة‪ :‬ماء البحر‪ ،‬فماء البحر جاء بعض الناس إلى النبي ﷺ فقالوا‪« :‬يا‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إنا نركب البحر‪ ،‬ويكون معنا القليل من الماء‪ ،‬فإذا توضأنا به عطِشنا‪ ،‬أنتوضأ بماء البحر؟»‪ ،‬فقال‬ ‫طهر‪.‬‬ ‫ﷺ‪« :‬هو الطهور ماؤه‪ ،‬الحل ميتته»‪.‬هو الطهور ماؤه‪ ،‬المقصود بالطهور‪ :‬طاهر ُم ِّ‬ ‫ثم المياه التي تكون يف اآلبار‪ ،‬سئل النبي ﷺ عن بئر بضاعة‪ ،‬قال الراوي‪« :‬وهي بئر يل َقى فيها ِ‬ ‫الح َي ُض‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نج ُسه شيء»‪.‬فدل هذا على‬ ‫طهور ال ُي ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫والج َثث»‪ ،‬يعني ُيل َقى فيها النجاسات‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬إن الماء‬ ‫والنس َت ُن ُ‬ ‫طهرة‪.‬‬ ‫أن مياه اآلبار ومياه العيون كلها طاهرة ُم ِّ‬ ‫المكث؛ لإلجماع‪.‬وسيأيت معنا بعد قليل‪.‬إ َذن كل‬ ‫ِ‬ ‫ومن المياه كذلك‪ :‬الماء اآلجن‪ ،‬أي الذي تغير بطول ُ‬ ‫وتحص ُل الطهارة بما»‪ ،‬لألحاديث‬ ‫طهر‪.‬هذا هو المقصود بقوله « ٌ‬ ‫فصل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ماء بقي على أصل خلقته فهو طاهر ُم ِّ‬ ‫واآليات التي ذكرناها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشْْْْْيء َسْْْْْ ِلْْ َمْْا‬ ‫الْْتْْغْْيْْ ِر‬ ‫ِمْْ َن‬ ‫حصْْْ ْ ُل الْطْهْْار ُة بِْمْْا‬ ‫س‬ ‫‪َ........‬و َتْ ُ‬ ‫طهورا‪ ،‬ولذلك قال بعد ذلك‪« :‬إذا تغ سي َر بن وَج ٍ‬ ‫ً‬ ‫طب ًعا هذا الوصف له مفهوم‪ ،‬وهو أنه إذا تغير فإنه ال يكون‬ ‫طهورا‪ ،‬أي ال يصلح ‪-‬كما يقولون‪-‬‬ ‫ُط ِر َحا»‪ ،‬أي‪ :‬إذا تغير الماء بالنجاسة فإنه ُيطرح‪ ،‬ويصير ماء ِ‬ ‫نج ًسا‪ ،‬فال يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫‪5‬‬ ‫للعادة وال للعبادة‪.‬ال يصح للعادة معناه‪ :‬ال يجوز شربه‪ ،‬ألنه نج ‪ ،‬وال يجوز استعماله يف االستعماالت‬ ‫ٍ‬ ‫لمسلم أن يقرهبا‪.‬‬ ‫األخرى؛ ألنه نج ‪ ،‬والنجاسة كلها حرام‪ ،‬ال يجوز‬ ‫ثم قال‪« :‬إذا تغ سي َر بن وَج ٍ ُط ِر ًحا»‪.‬كما أنه ال يصلح للعبادة‪ ،‬أي ال يصلح ألن ُي َ‬ ‫غتسل به‪ ،‬وال يصلح ألن‬ ‫توضأ به‪ ،‬وال يصلح ألن ُتزال به النجاسة‪ ،‬ال من الثوب وال من البدن وال من المكان‪ ،‬وال يصح االستنجاء به؛‬ ‫ُي س‬ ‫ألنه نج ‪ ،‬ألنه تغير بالنجاسة‪.‬واإلجماع منعقد على أن الماء المتغير بالنجاسة ال يجوز استعماله ال يف العادة‬ ‫قديما وحدي ًثا إلى عصرنا الحاضر‪ -‬على أن هذا الماء ال يصلح ال للعادة وال‬ ‫وال يف العبادة‪.‬أجمع أهل العلم ‪ً -‬‬ ‫للعبادة‪« ،‬إذا تغ سي َر بن وَج ٍ ُط ِر ًحا»‪.‬‬ ‫دليال‬ ‫اإلجماع ً‬ ‫طرح وال يصح للعادة وال للعبادة‪ :‬اإلجماع‪«.‬ألي‬ ‫ُي َ‬ ‫والدليل على أن الماء النج‬ ‫دائما عندكم هو قال اهلل وقال رسول اهلل ﷺ‪ ،‬هل نلغي باقي األدلة؟ قرأنا يف أصول مالك ستة‬ ‫عندكم؟ الدليل ً‬ ‫دليال‪ ،‬وقلنا بأهنا كلها عوارض للقرآن والسنة‪ ،‬فلم ِ‬ ‫يأت شيء من فراغ»(‪.)1‬رأوا أن النبي ﷺ هنى الصحابة‬ ‫عشر ً‬ ‫عن استعمال الماء النج ‪ ،‬ولكن هذا لم ُين َقل‪ ،‬فاستغنَوا عنه باإلجماع المنعقد‪.‬‬ ‫خالف حتى‬ ‫َ‬ ‫أجمع المسلمون ‪-‬نقول لكم أجمع العلماء منذ القديم إلى يومنا الحاضر‪ ،‬ال يوجد أحد‬ ‫طرح‪ ،‬بل حتى عقالء اليهود والنصارى‬ ‫ُي َ‬ ‫الخالف الشاذ‪ ،‬حتى المبتدعة لم يخالفوا يف هذا‪ -‬على أن الماء النج‬ ‫والجن‪.‬إ َذن الدليل هو اإلجماع‪.‬‬ ‫يطرحون الماء النج ‪ ،‬فهذا فيه إجماع من اإلن‬ ‫ثم قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لْْعْْادة قْْد َصْْْْْ ُلْْ َحْْا‬ ‫ٍ‬ ‫طْْاهْْر‬ ‫أو‬ ‫إذا تْْْغْْ سْيْ ْ َر بْْ َْنْ ْ وجْ ْ ٍ ُطْ ْ ِر َحْ ْا‬ ‫بمعنى‪ :‬إذا تغير بالطاهر‪.‬اآلن عندنا الماء المتغير بالطاهر‪ ،‬مثل المشروبات الغازية‪ ،‬كلها مياه‪ ،‬ولكنها‬ ‫تغيرت بماذا؟ تغيرت بأمور طاهرة‪.‬‬ ‫التوضؤ بالمشروبات الغازية‪،‬‬ ‫س‬ ‫ٍ‬ ‫لعادة قد َص ُل َحا»‪ ،‬بمعنى‪ :‬ال يصلح للعبادة‪ ،‬فال يمكن‬ ‫ٍ‬ ‫طاهر‬ ‫لذلك قال‪« :‬أو‬ ‫وال بما يسمى ‪-‬يف العربية‪ -‬السويق؛ ألهنما متغيران بالطاهر‪.‬‬ ‫فحولناه إلى الفصحى بحسب ما تبين من‬ ‫ٌ‬ ‫حديث إلى الطالب الحاضرين‪ ،‬وقد كان بالدارجة المغربية س‬ ‫(‪ )1‬ما بين األقواس‬ ‫السياق‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وضابطه‪ :‬ما خرج عن اسم «الماء»‪ ،‬سوا ٌء ُس ِّمي «مياه غازية» أو «سويق» أو «ماء ورد»‪ ،‬فقد صار ما ًء‬ ‫مضا ًفا‪ ،‬حتى إن سميناه ما ًء فإنه يكون ما ًء مضا ًفا‪ ،‬فإذا خرج عن اسم الماء فإنه يصلح للعادة وال يصلح للعبادة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لْْعْْادة قْْد َصْْْْْ ُلْْ َحْْا‬ ‫ٍ‬ ‫طْْاهْْر‬ ‫أو‬ ‫إذا تْْْغْْ سْيْ ْ َر بْْ َْنْ ْ وجْ ْ ٍ ُطْ ْ ِر َحْ ْا‬ ‫فإذا تغ سير بالطاهر‪ ،‬فإنه ال يصلح للعبادة‪ ،‬ولكنه يصلح للعادة؛ لماذا؟ ألنه خرج عن ُمط َلق اسم «الماء»‪.‬‬ ‫أمرنا بالوضوء بالماء الباقي على اسم الماء‪ ،‬أو الباقي على أصل ِخلقته‪.‬‬ ‫واهلل ‪َ -‬ت َب َار َك َو َت َعا َلى‪ -‬إنما َ‬ ‫ِ‬ ‫الغالب»‪ ،‬هذا الطاهر الذي غ سيره إذا الز َمه يف الغالب‪ ،‬بمعنى أنه ال ينفك عنه‪ ،‬فإنه‬ ‫قال‪« :‬إال إذا الز َم َه يف‬ ‫يصلح للعبادة‪.‬‬ ‫مكان ما‪ ،‬أو كان يف ب ٍ‬ ‫حيرة‬ ‫ٍ‬ ‫كم وغ َر ٍة»‪ ،‬المغرة هو الطين األحمر‪ ،‬طب ًعا إذا كان الماء يسيل يف‬ ‫ُ‬ ‫لذلك قال‪َ « :‬‬ ‫مثال‪ ،‬أو كالطحالب (تلك‬ ‫فاستقر فيه‪ ،‬فتغير هبذه األشياء المالزمة له‪ ،‬كالطين األحمر ً‬ ‫ٍ‬ ‫مكان ما‬ ‫ما‪ ،‬أو كان يف‬ ‫س‬ ‫الخضراء التي تكون فوق الماء)‪ ،‬أو تغ سير بأوراق األشجار (سقطت فيه أوراق األشجار فتغير لونه بتلك‬ ‫مثال‪ ،‬ألن السويق تغ سير ِبفعل فاعل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشيء غير منفك عنه‪ ،‬تغ سي ٌر بشيء الز ٍم له‪ ،‬لي كالسويق ً‬ ‫األوراق)؛ فهذا تغ سي ٌر‬ ‫وتغ سير بشيء ينفك عنه وهو الدقيق‪.‬‬ ‫وكذلك المشروبات الغازية تغ سيرت بالملونات وبالنكهات التي وضعت فيه‪ ،‬فهي تنفك عنه‪ ،‬لذلك هذه‬ ‫التوضؤ هبا‪ ،‬ولكن الماء إذا تغير بشيء ال ينفك عنه الز ٍم له‪ ،‬فهذا يجوز التوضؤ به‪ ،‬ودليله الماء ِ‬ ‫اآلجن‬ ‫س‬ ‫ال يجوز‬ ‫التوضؤ به‪ ،‬ويجوز‬ ‫المكث‪ -‬يجوز‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫الذي تقدس م معنا‪ ،‬فإن اإلجماع منعقد على أن الماء اآلجن ‪-‬أي‪ :‬المتغير بطول ُ‬ ‫االغتسال به‪ ،‬واإلجماع هذا نقله ابن المنذر ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل َت َعا َلى‪ -‬يف كتابه «اإلجماع»‪.‬‬ ‫رة»؛ هنا مسائل‪:‬‬ ‫الغالب *** كم وغ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫«إال إذا الز َم َه يف‬ ‫َ‬ ‫المسألة األولى‪ :‬ما ضابط التغير؟ قال أهل العلم‪ :‬التغير ضابطه أن يتغير لونه أو طعمه أو ريحه‪ ،‬واستدلوا‬ ‫ٍ‬ ‫طعمه أو لونُه»‪.‬طب ًعا هذه‬ ‫طهور ال ُين َِّج ُسه شيء‪ ،‬إال إن تغ سي َر ِر ُ‬ ‫يحه أو ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بحديث ضعيف‪ ،‬وهو قوله ﷺ‪ « :‬س‬ ‫إن الما َء‬ ‫الزيادة ضعيفة‪ ،‬أول الحديث صحيح‪« ،‬إن الماء طهور ال يغير شيء» صحيح‪ ،‬وأما هذه الزيادة فضعيفة‪ ،‬ولكن‬ ‫وقع عليها اإلجماع من العلماء‪ ،‬أي إن هذا التغير معترب‪ ،‬فإذا تغير لونه أو ريحه أو طعمه فإ َذا تغير أحد هذه‬ ‫ستعمل للعادة وال يستعمل للعبادة‪.‬‬ ‫طرح‪ ،‬وإذا تغير بالطاهر فإنه ُي َ‬ ‫فإنه ُي َ‬ ‫األوصاف الثالثة بالنج‬ ‫‪7‬‬ ‫طاهر مِن جنسه‪ ،‬يعني ال يظهر فيه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫والمالكية عندهم خالف يف المسألة‪ :‬إذا تغير بطاهر‪ ،‬أو إذا خالطه‬ ‫مثال‪ -‬ماء الورد وجعلناه يف الماء‪ ،‬فال يمكن أن يظهر هذا التغير‪.‬فقالوا‪ :‬إذا تغير بالمماثل‪ ،‬أو إذا‬ ‫فإذا أخذنا ‪ً -‬‬ ‫خالطه الشيء المماثل‪ ،‬فيه قوالن ألهل العلم‪ ،‬طب ًعا هذا األمر يحتاج إلى ماذا إلى العلم؛ إن علم أنه مخلوط فإنه‬ ‫ال يتوضأ به‪ ،‬وإن كان ال يعلم وتوضأ به فوضو ُءه جائز‪.‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬وهو الماء القليل الذي سقطت فيه نجاسة؛ ففيه خالف بين أهل العلم‪ ،‬ومذهب اإلمام‬ ‫مالك ‪-‬رحم ُة اهللِ َع َل ِ‬ ‫يه‪ -‬أن الماء القليل إذا سقطت فيه النجاسة فهو مكروه االستعمال‪ ،‬وقالوا‪ :‬إذا استعمله‬ ‫َ َ‬ ‫ف ُيندَ ب له أن ُيعيد الوضوء‪ ،‬وأن ُيعيد الصالة‪.‬‬ ‫ولماذا قالوا فيه بالكراهة؟ ألن مِن أهل العلم َمن قال إنه نج ‪ ،‬ومنهم اإلمام الشافعي ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل‪،-‬‬ ‫واعتمد دليل الخطاب‪.‬وها نحن نستعمل اآلن ما درسناه يف أصول مالك‪ ،‬استعمل دليل الخطاب يف قوله ﷺ‪:‬‬ ‫بلغ الماء ُق سلتَين لم ي ِ‬ ‫وأي مفهوم؟ مفهوم المخالفة‪ ،‬ولكن مفهوم المخالفة فيه‬ ‫الخ َب َث»‪ ،‬س‬ ‫أي دليل هنا؟ س‬ ‫حمل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫«إذا َ‬ ‫ظرف إذا شر ًطا يجر»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مستقبل‬ ‫مفاهيم‪ ،‬وهنا مفهوم الشرط‪ ،‬لوجود «إذا» ظرفية شرطية‪« ،‬‬ ‫الخ َب َث» معناه‪ :‬إذا لم يبلغ قلتين حمل الخبث‪.‬طب ًعا هذا المفهوم‬ ‫بلغ الماء ُق سلتَين لم ي ِ‬ ‫حمل َ‬ ‫قال‪« :‬إذا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أخذ به اإلمام الشافعي ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل َت َعا َلى‪ ،-‬وأخذ به بعض المالكية كذلك‪ ،‬أخذوا بمفهوم هذا الحديث‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫وإن لم يتغير‪.‬‬ ‫قليال فرأيت النجاسة سقطت فيه‪ ،‬فإن هذا الماء ينج‬ ‫إذا كان الماء ً‬ ‫ولكن ما الذي جعل مال ًكا ‪-‬رحم ُة اهللِ َع َل ِ‬ ‫إن الما َء َط ٌ‬ ‫هور ال ُين َِّج ُس ُه‬ ‫يه‪ -‬ال يقول بالتنجي ؟ قوله ﷺ‪ « :‬س‬ ‫َ َ‬ ‫الماء بالقليل من النجاسة فهو مفهوم‪ ،‬وقد تعارض المنطوق والمفهوم‬ ‫شيء» ‪ ،‬قال‪ :‬هذا منطوق‪ ،‬وأما تنجي‬ ‫بلغ الما ُء ُق سلتَين لم‬ ‫إن الما َء َط ٌ‬ ‫هور ال ُين َِّج ُس ُه شيء» هذا عا ٌّم يف جميع المياه‪ ،‬وقوله ﷺ‪« :‬إذا َ‬ ‫هنا‪.‬فقوله ﷺ‪ « :‬س‬ ‫الخ َب َث» مفهومه‪ :‬أنه إذا لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث‪.‬فأخذوا باألصل الذي هو المنطوق‪ ،‬ولكنهم‬ ‫حمل َ‬ ‫ي ِ‬ ‫َ‬ ‫را َعوا الخالف‪ ،‬فقالوا بالكراهة‪.‬‬ ‫إ َذن دليله يف القول بالكراهة ما هو؟ مراعاة الخالف‪.‬‬ ‫وقد تقدس م معنا المقصود بمراعاة الخالف عند مالك ‪-‬رحم ُة اهللِ َع َل ِ‬ ‫يه‪ ،-‬فمراعاهتم للخالف جعلتهم‬ ‫َ َ‬ ‫يقولون‪ :‬إن الماء القليل إذا سقطت فيه النجاسة ولم ُتغ ِّيره ُي َ‬ ‫كره استعماله‪ ،‬وال يتعين استعماله إال إن لم يجد‬ ‫غيره‪ ،‬إذا لم يجد غيره يجب عليه أن يتوضأ به‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫الخ َب َث»‪ ،‬ثم بعد التسليم‬ ‫حمل َ‬‫بلغ الماء ُق سلتَين لم ي ِ‬ ‫ثم هناك كالم كثير يف مناقشة صحة حديث‪« :‬إذا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أي ُق سلة هذه المذكورة؟ أهي قالل مكان معين‪ ،‬أم أن ال ُق سلة ُي َ‬ ‫رجع‬ ‫بصحته‪ ،‬هناك مناقشة فقهية يف مقدار القلتين‪ ،‬س‬ ‫رجع فيها إلى العرب‪ ،‬أم إلى قريش‪ ،‬إلى آخره‪.‬ومثل هذا الشيء الذي يكون ضباب ًّيا‬ ‫فيها إلى ُعرف الناس‪ ،‬أم ُي َ‬ ‫يف الشرع شيء ضبابي‪ ،‬وإنما هو شيء مجمل‪ ،‬أو شيء غير‬ ‫هكذا‪ ،‬أقول ضباب ًّيا لك ي تفهموا‪ ،‬وإال فإنه لي‬ ‫محدد‪ ،‬إذا كان غير محدد يتعامل معه الفقهاء بإسقاطه‪ ،‬ويرجعون إلى الشيء المتين‪.‬‬ ‫لذلك المالكية ‪َ -‬ر ِح َم ُهم اهلل َت َعا َلى‪ -‬قالوا بمراعاة الخالف يف هذا الباب‪ ،‬ألن الشيء الذي تقع فيه‬ ‫ستعمل‪ ،‬وإن استعمله ُيندَ ب له أن ُيعيد الوضوء بماء طاهر‪ ،‬وأن ُيعيد‬ ‫النجاسة يستقذره الطبع‪ ،‬ولذلك قالوا ال ُي َ‬ ‫الصالة يف الوقت‪ ،‬أما إذا خرج الوقت فإنه ال ُيعيد تلك الصالة‪.‬‬ ‫طب ًعا األحناف لم ُيس ِّلموا للشافعية يف مفهوم المخالفة هذا‪ ،‬فقال األحناف‪ :‬الماء الكثير الذي ال تضره‬ ‫النجاسة هو المستبحر فقط‪ ،‬وأما الماء إذا كان قلتين وسقطت فيه النجاسة ‪-‬وإن لم ُتغ ِّيره‪ -‬فإهنم يطرحونه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المستبحر عندهم‪ :‬هو الذي إذا ُح ِّرك َط َرفه لم تظهر الحركة يف طرفه اآلخر‪.‬والبحر يف اللغة‪ :‬الماء الكثير‪،‬‬ ‫والماء‬ ‫بحرا‪.‬إذن هذه تفريعات فيما يتعلق بتغير الماء‪.‬‬ ‫فمطلق الماء الكثير يسمى ً‬ ‫الغالب *** كم وغ ٍ‬ ‫رة»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪َ -‬ر ِح َم ُه اهلل َت َعا َلى‪« :-‬إال إذا الز َم َه يف‬ ‫َ‬ ‫فمط َل ٌق»‪.‬أي‪ :‬هذا الماء الذي لم يتغير‪ ،‬يسمى الماء المطلق‪ ،‬الماء الباقي على‬ ‫ِ‬ ‫ثم قال ‪َ -‬رح َم ُه اهلل‪ُ « :-‬‬ ‫أصل خلقته يسمى الماء المطلق‪ ،‬والماء المطلق معناه‪ :‬المطلق من التقييد؛ وهذا قد تقدمت اإلشارة إليه‪.‬‬ ‫هو الماء الباقي على أصل خلقته‪ ،‬وإنما هو معتصر‬ ‫فعندما نقول‪ :‬ماء كذا‪ ،‬فإنه ماء مقيد‪ ،‬كماء الورد‪ ،‬لي‬ ‫من الورد‪ ،‬ال عالقة له بما نحن فيه‪ ،‬المياه التي نتحدث عنها ال عالقة له هبا‪ ،‬ألنه ماء مضاف أو مقيد‪ ،‬ونحن‬ ‫فم َط ٌلق»‪.‬‬ ‫نتحدث عن الماء المطلق‪ ،‬قال‪ُ « :‬‬ ‫حم ُة اهللِ َع َل ِ‬ ‫يهم‪ -‬يف مسألة‪ :‬ما هو الماء المطلق‪ ،‬أهو الباقي على‬ ‫طب ًعا هناك خالف فقهي بين علمائنا ‪َ -‬ر َ‬ ‫الباقي على أصل خلقته؟ وهذا الخالف فقط يف تصنيف المياه‪ ،‬وإال فالمياه هذه كلها‬ ‫أصل خلقته‪ ،‬أم أنه لي‬ ‫يجوز الوضوء هبا‪.‬فقالوا بأن الماء الباقي على أصل خلقته هو الماء النازل من السماء‪ ،‬وأما الماء المطلق فهو‬ ‫مثال يف قارورة أو آنية‪ ،‬فهذا هو الذي يسمى ما ًء مطل ًقا‪.‬والسؤال وار ٌد عليه؛ ألن ‪-‬كما تعلمون‪ -‬هذه‬ ‫الذي تجده ً‬ ‫المياه التي نستعملها يف المنازل ميا ٌه قد خالطتها مجموعة من الكيماويات‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫فالشاهد هنا أن هذه الماء يسمى مطل ًقا‪ ،‬أما الباقي على أصل خلقته ‪-‬وسيأيت معنا كالم للشيخ ميارة يف‬ ‫أصال‪ ،‬كمياه اآلبار والعيون أو األهنار‪ ،‬فهذه مياه باقية على أصل‬ ‫هذا الباب‪ -‬فهو الذي لم يتطرق إليه تغ سي ٌر ً‬ ‫خلقتها‪ ،‬غيرها يسمى الماء المطلق‪.‬‬ ‫لو قلت لك‪ :‬ائتني بماء‪ ،‬فأتيتني بماء يف إناء‪ ،‬فهذا ماء مطلق‪ ،‬ال أقول إنه ٍ‬ ‫باق على أصل خلقته‪ ،‬ألين ال‬ ‫أعلم من أين جئت به‪.‬فهذا هو الفرق بين الماء المطلق‪ ،‬والماء الباقي على أصل خلقته‪.‬‬ ‫كالذائب»‪.‬إ َذن عندنا الذي تغ سير بمالزم له‪ ،‬نقول إنه ٍ‬ ‫باق على أصل خلقته‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فمط َل ٌق‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪َ -‬رح َم ُه اهلل‪ُ « :-‬‬ ‫ِ‬ ‫كالذائب»‪ ،‬يعني الثلوج التي‬ ‫فمط َل ٌق‬ ‫أما المطلق فهو الماء النازل من السماء‪ ،‬ومنه كذلك الذائب‪ ،‬لذلك قال‪ُ « :‬‬ ‫ذاب‪.‬‬ ‫تذوب‪ ،‬أو ال َب َرد‪.‬ما معنى ال َب َرد؟ إذا َ‬ ‫هذا الماء الذي يذوب من الثلوج أو الربد يسمى ما ًء مطل ًقا‪.‬كذلك المياه المذابة من الجليد‪ ،‬الثلج‬ ‫معروف‪ ،‬يتساقط كالصوف‪ ،‬وأما الجليد كالذي يوجد يف «الثالجة»‪ ،‬فهناك فرق بين الثلج وبين الجليد‪.‬ثم هناك‬ ‫ال َب َرد المعروف‪.‬‬ ‫***‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫«كتاب الطهارة‬ ‫الناظم من مسائل االعتقادات المتعلقة بالقاعدة األولى من قواعد اإلسالم‪ ،‬وهي الشهادتان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لما َفر َغ‬ ‫س‬ ‫ٌ‬ ‫شرط فيها‪ ،‬والشرط متقدِّ ٌم‬ ‫شر َع يف بيان ما يتعلق بالقاعدة الثانية‪ ،‬وهي الصالة‪ ،‬وبدأ مِن ذلك بالطهارة‪ ،‬ألهنا‬ ‫َ‬ ‫ولما كانت الطهارة إنما تكون بالماء إال إذا ُف ِقد‪ ،‬احتِيج إلى معرفته قبلها‪ ،‬إذ هو كاآللة لها‪،‬‬ ‫على المشروط‪ ،‬س‬ ‫فلذلك َقدس َم الكال َم عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫كالذائب)‬ ‫وتحص ُل‪..‬إلى قوله‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫(قوله‪ٌ :‬‬ ‫فصل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بشيء‬ ‫طعمه أو ِر ُ‬ ‫يحه‪-‬‬ ‫حص ُل بالماء الذي َسلِم من أن يتغير‪ ،‬و‬ ‫أي أحدُ أو صافه ‪-‬لونُه أو ُ‬ ‫أخرب أن الطهارة َت ُ‬ ‫من األشياء‪ ،‬أعني النجسة أو الطاهرة‪ ،‬ولذلك ن سك َر شي ًئا»‪.‬‬ ‫والطاهر‪:‬‬ ‫ن سكر (شي ًئا) لكي يدخل فيه النج‬ ‫ٍ‬ ‫بشْْْْْيء َسْْْْْ ِلْْ َمْْا‬ ‫الْْتْْغْْيْْ ِر‬ ‫ِمْْ َن‬ ‫‪.................‬‬ ‫س‬ ‫‪10‬‬ ‫« ِ‬ ‫وشمل قوله «الطهارة»‪ :‬طهار َة َ‬ ‫الخ َبث‪ ،‬وهي إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمكان‪ ،‬فال يزول حكم‬ ‫ٍ‬ ‫شيء مما ُذكر إال بالماء المطلق»‪.‬‬ ‫النجاسة ‪-‬على المشهور‪ -‬عن‬ ‫يعني حتى حكم النجاسات فإنه ال يزول إال بالماء المطلق؛ ولذلك النبي ﷺ لما بال األعرابي يف طائفة‬ ‫المني من ثوب رسول اهلل ﷺ‬ ‫اهلل َعن َوها‪ -‬تغسل‬ ‫ِ‬ ‫بذنوب من ماء ف ُأ ِ‬ ‫المسجد‪ ،‬أمر َ‬ ‫س‬ ‫هريق عليه‪ ،‬وكانت عائشة ‪َ -‬رض َي ُ‬ ‫إذا كان رط ًبا بالماء‪.‬وانتقاص الماء‪ ،‬أي استعمال الماء يف االستنجاء مقدس م على استعمال الورق والحجر‪.‬‬ ‫«وأما عين النجاسة فتزول بالمطلق وغيره»‪.‬إ َذن عندنا حكم النجاسة‪ ،‬وحكم النجاسة‪ ،‬وهذا سيأيت معنا‬ ‫إن شاء اهلل‪ ،‬ولكن ال بأس يف اإلشارة إليه‪.‬عين النجاسة هي النجاسة بنفسها‪ ،‬يمكن أن تزال بأي شيء‪ ،‬تزيله‬ ‫مثال بعود أو ورق أو خشب أو أي شيء‪ ،‬ولكن الحكم ال يزول إال بالماء‪ ،‬ال بد من الماء المطلق إلزالة حكم‬ ‫ً‬ ‫النجاسة‪.‬‬ ‫أيضا‪ :‬طهار َة الحدث وهي الوضوء والغسل‪ ،‬ألن الحدث هو المنع المر ستب على األعضاء ك ِّلها‪،‬‬ ‫«وشمل ً‬ ‫وهو الحدث األكرب الموجب للغسل»‪.‬‬ ‫وتحص ُل الطهارة» دخل فيه طهارة َ‬ ‫الخ َبث‪ ،‬ودخلت طهارة الحدث‪ ،‬ويف طهارة الحدث‬ ‫ُ‬ ‫إ َذن‪ٌ « :‬‬ ‫فصل‪:‬‬ ‫هناك طهارة الحدث األكرب‪ ،‬وهي الغسل‪ ،‬وطهارة الحدث األصغر‪ ،‬وهي الوضوء‪.‬‬ ‫« أو على بعضها‪ ،‬وهو الحدث األصغر الموجب للوضوء‪ ،‬فال يرتفع الحدث يف الوجهين إال بالمطلق‬ ‫اتفا ًقا»‪.‬اتفا ًقا أي يف المذهب‪ ،‬لم يقل إجما ًعا‪.‬ال ال بل فيه اإلجماع‪ ،‬الحدث األصغر واألكرب ال يزوالن إال‬ ‫بالماء المطلق إجما ًعا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشيء من األشياء‪ ،‬فإن تغ سي َر الماء بشيء من األشياء ففيه تفصيل‪ ،‬أشار‬ ‫«هذا هو حكم الماء الذي لم يتغير‬ ‫ٍ‬ ‫بطاهر كاللبن‬ ‫له بقوله‪( :‬إذا تغير بن وَج ِ ‪..‬البيت)‪ ،‬وحاصله أن الماء إذا تغيرت أو صافه أو أحدُ ها‪ ،‬فإما أن يتغير‬ ‫كالبول والخمر»‪.‬‬ ‫والزيت‪ ،‬أو بنج‬ ‫الجمهور يرون نجاسة الخمر‪ ،‬لقول اهلل ‪َ -‬ت َب َار َك َو َت َعا َلى‪َ ﴿ :-‬يا َأ سي َها ا سل ِذي َن آ َمنُوا إِن َسما ا ول َخ وم ُر َوا ول َم وي ِس ُر‬ ‫اجتَن ِ ُبو ُه﴾ [المائدة‪ ،]90 :‬فْ ﴿ ِر وج ﴾ هنا معناه‪ :‬نج ‪ ،‬وإن قال‬ ‫ِ‬ ‫اب َو واألَ وز َال ُم ِر وج ٌ مِ ون َع َم ِل س‬ ‫الش وي َطان َف و‬ ‫َو واألَن َوص ُ‬ ‫بعض أهل إن النجاسة هنا ُت َ‬ ‫حمل على المعنوية‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫فنقول‪ :‬ربنا ‪َ -‬ت َب َار َك َو َت َعا َلى‪ -‬أخربَ بالنجاسة عن الخمر والميسر واألنصاب واألزالم‪ ،‬كأنه قال‪ :‬الخمر‬ ‫هنا خربٌ واحد لمبتدأ وما ُعطف عليه‪،‬‬ ‫رج ‪ ،‬والميسر رج ‪ ،‬واألنصاب رج ‪ ،‬واألزالم رج ؛ ألن رج‬ ‫حمل على النجاسة الحسية إن أمكن‪.‬‬ ‫فإذا قلنا الخمر نج ‪ ،‬فالظاهر أن ُي َ‬ ‫أم ال؟ يجوز‪.‬الميسر فعل‪ ،‬هل يمكن أن يوصف بالنجاسة‬ ‫أيمكن هنا أن يوصف السائل بأنه نج‬ ‫الحسية؟ ال‪ ،‬ألنه ال يمكن أن يوصف الفعل بالنجاسة الحسية‪ ،‬وإنما يوصف بالنجاسة المعنوية‪.‬األزالم كذلك‪،‬‬ ‫واألنصاب كذلك‪.‬‬ ‫إ َذن األزالم واألنصاب والميسر يستحيل أن توصف بأهنا نجسة نجاس ًة حسية‪ ،‬فنُ َؤ ِّوله إلى النجاسة‬ ‫المعنوية‪ ،‬ولكن الخمر يبقى على الظاهر‪ ،‬والظاهر ال ُي َؤ سول إال بالقرينة كما تقدم معنا يف باب «الظاهر والمؤول»‪،‬‬ ‫يه‪.-‬‬‫هذا تقدم معنا الكالم حوله‪ ،‬وقد استفضنا الكالم فيه يف أصول مالك ‪-‬رحم ُة اهللِ َع َل ِ‬ ‫َ َ‬ ‫إ َذن‪ :‬ظاهر اآلية أن الخمر نج ‪ ،‬ولهذا قال الجمهور بنجاسته‪ ،‬أما ما س‬ ‫تمسك به من قال بأن الخمر لي‬ ‫يهم‪ -‬سكبوا الخمر يف سكك المدينة‪،‬‬ ‫ان اهللِ َت َعا َلى َع َل ِ‬ ‫ضو ُ‬‫نجسا‪ ،‬فكله يقبل التأويل‪.‬أعالها أن الصحابة ‪ِ -‬ر َ‬ ‫ً‬ ‫يهم‪ -‬أن يسكبوا النجاسة يف سكك المدينة وينجسوا‬ ‫ان اهللِ َت َعا َلى َع َل ِ‬ ‫تصور من الصحابة ‪ِ -‬ر َ‬ ‫ضو ُ‬ ‫فقالوا‪ :‬ال ُي س‬ ‫الطرقات‪.‬‬ ‫نقول‪ :‬الطرقات فيها بول الحمير وبول البغال وهي نجسة باإلجماع‪ ،‬بل حتى أبوال الصبية وغيرهم‪ ،‬ثم‬ ‫وللريح‪ ،‬وخاص ًة هواء المدينة ساخن‪ ،‬فهذه الخمور لن تبقى ً‬ ‫كثيرا يف سكك‬ ‫هذه األماكن تتعرض للشم‬ ‫المدينة‪.‬‬ ‫يعضد ما نقول‪ :‬أن النبي ﷺ ُسئل عن آنية اليهود والنصارى‪ ،‬وعن آنية الكفار عمو ًما‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ومما ُ‬ ‫«اغسلوها‪ ،‬وكلوا فيها»‪.‬‬ ‫لماذا يغسلوهنا إ َذن؟ ألنه يكون فيها الخمور وغير ذلك‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫غسل إال من النجاسات‪ ،‬ولذلك الظاهر‬ ‫هنا أن مذهب الجمهور يف قولهم بنجاسة الخمر ٌ‬ ‫قول سديد‪ ،‬وقول أقرب إلى الصواب‪.‬‬ ‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫المادة‪ :‬شرح كتاب مختصر الدر الثمين والمورد المعين‬ ‫الدرس‪ -02 :‬أنواع المياه‬ ‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل‬ ‫فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدً ا عبده‬ ‫ورسوله؛ أما بعد‪:‬‬ ‫أما البول فهو نجس باإلجماع‪.‬‬ ‫قال‪« :‬فإن تغير بنجس فإنه يطرح لنجاسته‪ ،‬فال يستعمل يف العبادات من وضوء أو غسل أو إزالة نجاسة‬ ‫عن ثوب أو بدن أو مكان‪ ،‬وال يف العادات من شرب أو طعام‪ ،‬ألن حكمه حكم مغيره‪ ،‬ومغيره نجس فهو كذلك‬ ‫أيضا»‪.‬‬ ‫نجس ً‬ ‫هذا ما يقال له‪ :‬انتقال الحكم بالمجاورة‪ ،‬أو بالمخالطة‪ ،‬حكم الشيء يعطى حكم جاره‪ ،‬ويعطى حكم‬ ‫مخالطه‪ ،‬ولكن هنا ال بد من شرط وهو الغلبة‪ ،‬ولذلك قال‪ :‬التغير‪ ،‬ألن التغير ال يحصل إال إن كان غال ًبا‪.‬‬ ‫قال‪« :‬وإن تغير بطاهر فإنه يصلح للعادات دون العبادات‪ ،‬ثم استثنى من المتغير بطاهر‪ :‬ما تغير بما يالزمه‬ ‫وال ينفك عنه غال ًبا‪ ،‬كالمتغير بالمغرة والزرنيخ إذا كان الماء يجري عليهما‪ ،‬وحكم عليه بأنه مطلق فيستعمل يف‬ ‫العادات والعبادات م ًعا»‪.‬‬ ‫أضف إليه الكربيت كذلك‪ ،‬فتجد يف بعض المناطق يف المغرب‪ ،‬تجد الماء ساخنًا يفور‪ ،‬وسبب سخونته‬ ‫الكربيت؛ ولذلك يتغير بالكربيت‪ ،‬طعمه ليس كطعم سائر المياه‪.‬كذلك الطحلب كما تقدم معنا‪.‬‬ ‫«والمطلق هو الباقي على أصل خلقته بحيث لم يخالطه شيء‪ ،‬ويقال له طهور‪ ،‬وإلى هذا ذهب الناظم‬ ‫حيث حكم على المتغير بالمغرة ونحوها بأنه مطلق‪ ،‬وكذلك المتغير بالطحلب‪ ،‬بضم الطاء وسكون الحاء وضم‬ ‫الالم وفتحها»‪.‬المغرة بفتح الميم‪ ،‬وأصلها مغرة‪ ،‬وإنما سكنت الغين تخفي ًفا؛ ولذلك نقول مغرة‪ ،‬وال نقول‬ ‫مغرة‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫«وهو خضرة تعلو الماء لطول مكثه‪ ،‬وكذلك المتغير بالمكث وهو طول اإلقامة‪ ،‬وإنما لم يضره تغيره‬ ‫بذلك لمشقة االحرتاز من المغير المذكور‪.‬قاله يف التوضيح»‪.‬يعني قاله الشيخ خليل يف كتابه «التوضيح» يف‬ ‫شرح «جامع األمهات» البن الحاجب‪ ،‬فالتوضيح للشيخ خليل بن إسحاق الجندي ‪-‬رحمه اهلل‪.-‬‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫«وقوله (كالذائب) تشبيه إلفادة الحكم‪ ،‬ومعناه أن الماء إذا ذاب بعد أن كاد جامدً ا فهو مطلق ً‬ ‫وذلك كالثلج والربد والجليد‪ ،‬وسواء ذاب بموضعه أو بغيره»‪.‬بموضعه أي يف مكانه‪ ،‬أو بغيره كأن ننقله إلى‬ ‫مكان آخر‪ ،‬أو أن نذيبه بفعلنا‪ ،‬بأن نجعله فوق النار فنذيبه‪ ،‬فهذا الماء يكون مطل ًقا‪.‬‬ ‫«ويدخل يف ذلك الملح الذائب بعد جموده‪ ،‬لكن بموضعه»‪.‬لماذا قال «الملح الذائب بموضعه»؟ ألنه‬ ‫إذا نقل الملح من موضعه صار طعا ًما‪ ،‬فالملح الذي يف البيوت ‪-‬إذا ذاب‪ -‬ال يصلح للوضوء‪ ،‬وإن بقي جامدً ا‬ ‫فال يصلح للتيمم‪.‬‬ ‫متى يصلح للتيمم؟ إذا كان يف موضعه‪ ،‬كالذهب والفضة والحديد والكوبالت والقصدير وهذه المعادن‪،‬‬ ‫فكلها إذا كانت يف المغارة يجوز التيمم هبا كما سيأيت معنا يف باب التيمم‪ ،‬ولكن إذا نقلت فال يجوز‪.‬‬ ‫إذا قلت إنه يجوز‪ ،‬فتيمم بالفلوس‪ ،‬وال أحد يقول بجواز التيمم بالسكة أي النقود‪ ،‬النقود ال يجوز التيمم‬ ‫هبا عند جميع العلماء‪.‬نعم هي معادن‪ ،‬لكن دخلت الصناعة؛ لذلك قال‪« :‬الملح يف موضعه»‪ ،‬ألنه لم يصر‬ ‫طعا ًما‪ ،‬أما إذا صار طعا ًما فال‪.‬‬ ‫«ولفظ (نجس) يف البيت الثاين بسكون الجيم للوزن‪ ،‬و(ذائب) آخر البيت الثالث بالذال المعجمة‪.‬وقد‬ ‫ذكرنا هنا يف األصل عشر تنبيهات»‪.‬األصل يقصد به الشرح الكبير‪ ،‬وهو «الدر الثمين والمورد المعين»‪ ،‬أما هذا‬ ‫الذي ندرسه فهو مختصره فقط‪ ،‬والكتاب مطبوع‪.‬‬ ‫«األول‪ :‬هل الماء المطلق والطهور مرتادفان؟ وهو ظاهر كالم القاضي عبد الوهاب‪ ،‬وهو ظاهر النظم‪.‬‬ ‫أو الطهور أعم من المطلق؟ وهو ظاهر صنيع ابن الحاجب‪ ،‬وعليه فكل مطلق طهور‪ ،‬وليس كل طهور مطل ًقا»‪.‬‬ ‫هذا أشرنا إليه‪ ،‬وقلنا إن الخالف فيه ال يضر‪ ،‬ألهنم أجمعوا على أن الماء المطلق يجوز استعماله يف‬ ‫العبادات‪.‬‬ ‫«ألن الذي لم يتغير‪ ،‬والمتغير بما ال ينفك عنه غال ًبا كالزرنيخ والمغرة طهور وليس بمطلق»‪.‬هذا ليس‬ ‫ما ًء مطل ًقا لماذا؟ ألنه ماء مضاف‪ ،‬ومتغير‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫أصال‪ ،‬وهذا خالطه غيره‪.‬‬ ‫«ألن المطلق ‪-‬على هذا القول‪ -‬ما لم يخالطه شيء ً‬ ‫الثاين‪ :‬يف تقسيم ابن الحاجب المياه إلى ثالثة أقسام‪ :‬القسم األول‪( :‬المطلق)‪ ،‬وهو الذي لم يخالطه‬ ‫شيء‪ ،‬ويلحق به يف الحكم المخالط بما ال ينفك عنه غال ًبا‪.‬القسم الثاين‪ :‬ما خولط بما ينفك عنه غال ًبا ولم يتغير‪،‬‬ ‫وفيه تفصيل بين الماء الكثير والقليل»‪.‬‬ ‫قد أشرنا إليه‪ ،‬وأشرنا إلى أدلته‪ ،‬أشرنا إلى قوله ﷺ‪« :‬إن الماء طهور ال ينجسه شيء»‪ ،‬وقوله ﷺ‪« :‬إذا‬ ‫بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»‪.‬وأشرنا إلى مذهب األحناف القائلين باالستبحار‪.‬‬ ‫نجسا‪.‬القسم الثالث‪ :‬ما خولط بما ينفك عنه غال ًبا‬ ‫طاهرا أو ً‬ ‫ً‬ ‫«وبين أن يكون المخالط الذي لم يغيره‬ ‫وتغير»‪.‬وهذا األخير هو الذي ال يصلح للعبادة‪ ،‬إذا غيره الطاهر فيصلح للعادة‪ ،‬وإذا غيره النجس فإنه يطرح‪.‬‬ ‫«التنبيه الثالث‪ :‬يف بيان طهارة الحدث والخبث وما تحصالن به من المطلق أو غيره»‪.‬هذا سيأيت معنا يف‬ ‫باب االستنجاء واالسترباء‪ ،‬إن شاء اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪.-‬‬ ‫ولكن فيما يتعلق بطهارة البدن‪ ،‬وخاصة السبيلين‪ ،‬ألهنما محل لخروج النجاسات‪ ،‬أما ما يتعلق بطهارة‬ ‫المكان وطهارة الثوب وطهارة البدن يف غير السبيلين‪.‬‬ ‫فقد اتفق علماؤنا ‪-‬رحمهم اهلل‪ -‬على أن هذه الثالث ال تحصل الطهارة فيها إال بالماء المطلق‪ ،‬وعندهم‬ ‫خالف يف طهارة المكان‪ ،‬فبعض العلماء قالوا إنه يطهر بالشمس والريح‪ ،‬فالمكان إذا وقعت فيه نجاسة وتبخرت‬ ‫بفعل الحرارة‪ ،‬ثم حملت بفعل الريح‪ ،‬قالوا‪ :‬يطهر المكان‪ ،‬واستدلوا لذلك بأثر لعبد اهلل بن عمر ‪-‬رضي اهلل‬ ‫عنهما‪ ،-‬قال‪« :‬كانت الكالب تقبل وتدبر يف مسجد رسول اهلل ﷺ»‪.‬‬ ‫ألن مسجد النبي ﷺ لم تكن توصد أبوابه كلها‪ ،‬فالباب موجود‪ ،‬ولكن ال يوصد‪ ،‬فكانت الكالب تقبل‬ ‫دائما مثل هذه‬ ‫وتدبر يف المسجد‪ ،‬وال يبعد أن تنجس المسجد‪ ،‬ولم ينقل أهنم كانوا يسكبون المياه فيها‪ ،‬ولكن ً‬ ‫مثال‪ -‬حديث األعرابي الذي بال يف طائفة المسجد‪ ،‬كانوا سيرتكون بوله للريح والشمس‪،‬‬ ‫األدلة تضعف أمام ‪ً -‬‬ ‫ولكن النبي ﷺ أمرهم باإلتيان بذنوب من ماء‪ ،‬فأهرق عليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال بد من استعمال الماء‪.‬‬ ‫واعرتضهم الخرون فقالوا‪ :‬إن هذه المياه التي سكبوها على البول ليست كثيرة‪ ،‬وإذن فستكون النجاسة‬ ‫باقية يف المكان‪ ،‬فأجابوهم بالتفرقة بين ورود النجاسة على الماء‪ ،‬وبين ورود الماء على النجاسة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذا ورد‬ ‫الماء على النجاسة‪ ،‬فهذا تنجيس‪ ،‬أما إذا ورد الماء على النجاسة‪ ،‬فهذا تطهير‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫وكل هذه أقيسة عند الفقهاء ‪-‬رحمهم اهلل تعالى‪ ،-‬يحاولون هبا أن يجعلوا قاعدة المياه عندهم تسير على‬ ‫نظرا للقاعدة الكبيرة التي تدفع التناقض عن‬ ‫دائما فيما يتعلق باألحكام الشرعية‪ً ،‬‬ ‫سنن واحد‪ ،‬هذا هاجس الفقهاء ً‬ ‫الشريعة اإلسالمية‪.‬قال اهلل ‪-‬عز وجل‪﴿ :-‬ولو كان من عند غير اهلل لوجدوا فيه اختال ًفا كث ًيرا﴾ [النساء‪.]82 :‬‬ ‫فاالختالف ال يمكن أن يكون يف شريعة اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬بل الشريعة تسير على سنن واحد‪.‬‬ ‫إذن قال‪« :‬بيان طهارة الحدث والخبث وما تحصالن به من المطلق الماء»‪.‬إذن القاعدة أن جميع‬ ‫النجاسات ال تنتفي حكمها ‪-‬أقول حكمها ال عينها‪ -‬إال بالماء المطلق‪.‬‬ ‫«والرابع يف تقييده قول الناظم‪( :‬وتحصل الطهارة‪..‬إلى آخره) بغير االستنجاء‪ ،‬أما االستنجاء فيكفي يف‬ ‫رفع حكم الخبث إزالة النجاسة باألحجار ونحوها‪ ،‬ولو مع وجود الماء»‪.‬‬ ‫لماذا؟ للنقل المتواتر عن النبي ﷺ وعن الصحابة يف استعمالهم لألحجار‪ ،‬وهذا سيأيت معنا ‪-‬إن شاء اهلل‬ ‫تبارك وتعالى‪ -‬يف باب االسترباء‪.‬‬ ‫حديث عبد اهلل بن مسعود ‪-‬رضي اهلل عنه‪ ،-‬قال‪« :‬أتيت النبي ﷺ بثالثة أحجار وروثة‪ ،‬فأخذ الحجرين‬ ‫وألقى الروثة‪ ،‬وقال‪ :‬ائتني بغيرها»‪.‬فهنا النبي ﷺ يستعمل الحجارة‪.‬‬ ‫«الخامس‪ :‬يف شمول قول الناظم (بما سلم من التغير)‪ :‬تغير اللون والطعم والريح‪ ،‬وما يف الريح من‬ ‫الخالف»‪.‬بعض العلماء ‪-‬وهم الجمهور‪ -‬قالوا‪ :‬إذا تغير الريح فال يصلح الماء للعبادة‪.‬‬ ‫وبعضهم قال‪ :‬تغير الريح ال يضر‪ ،‬واستدل اإلمام البخاري ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬يف صحيحه على أن تغير‬ ‫الريح هذا يؤثر يف طهورية الماء وعدم طهوريته‪ ،‬بحديث عجيب‪ ،‬هو حديث الشهيد‪ ،‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬إن‬ ‫الشهيد يأيت يوم القيامة‪ ،‬وجروحه تثعب د ًما‪ ،‬اللون لون الدم‪ ،‬والريح ريح المسك»‪ ،‬فاستدل بأن تغير الريح هذا‬ ‫يجعل تلك الدماء طاهرة‪ ،‬فتلك الدماء تكون طاهر ًة بتغير الريح‪.‬إذن العكس‪ ،‬فإذا تغير الريح بالشيء النجس‪،‬‬ ‫فإن الطاهر سيتغير إلى النجس‪ ،‬هذا يف المقابلة‪.‬‬ ‫فاستعمل ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬قياس العكس‪.‬ارجعوا لفتح الباري يف كتاب الطهارة‪ ،‬فحديث الشهيد هذا‬ ‫ذكره يف كتابه يف كتاب الطهارة‪.‬إذن الصواب أن الريح إذا تغير بالشيء‪ ،‬طب ًعا نحن ال نتحدث الن عن تغيره‬ ‫بنجس أو بطاهر‪ ،‬سواء تغير بطاهر أو بنجس‪ ،‬فإنه ال يصلح للعبادة؛ هذا هو الهدف‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫«السادس‪ :‬يف بيان الطاهرات من األشياء والنجسة منها‪ ،‬لما تقدم من التفصيل بين أن يتغير الماء بطاهر‬ ‫أو بنجس‪ ،‬فاحتيج ألجل ذلك إلى معرفة الطاهر من النجس‪ ،‬وانجر الكالم من ذلك لبيان ما يؤكل من الحيوانات‬ ‫وما ال يؤكل‪ ،‬حيث عدوا من الطاهرات ما ذكي‪ ،‬وجزؤه إال محرم األكل‪ ،‬أي فال تعمل فيه الذكاة»‪.‬‬ ‫طب ًعا هذا االستطراد استطراد طويل عند اإلمام ميارة ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف الكبير‪ ،‬ونحن لن نستطرد إليه‪.‬بيان‬ ‫األعيان الطاهرة‪ ،‬وبيان األعيان النجسة‪ ،‬هذا شيء خارج نظم اإلمام سيدي عبد الواحد بن عاشر رحمه اهلل‪.‬‬ ‫أما قوله‪« :‬وانجر الكالم من ذلك لبيان ما يؤكل من الحيوانات وما يؤكل»‪ ،‬فهو خاص باألطعمة‪ ،‬يدرس‬ ‫يف كتاب األطعمة‪ ،‬وال يدرس يف باب الطهارة‪ ،‬ولكن له عالقة وطيدة به‪.‬‬ ‫ولهذا فإن الفقيه يجب عليه أن يضبط اختياراته يف الطاهرات‪ ،‬لكي يضبط اختياراته يف المطعومات‪ ،‬ألنك‬ ‫تلقى الواحد يحكم هنا بالنجاسة‪ ،‬فإذا كان يف المطعومات يأكله‪ ،‬فإذا قلت إن الشيء نجس فإنه ال يؤكل‪ ،‬وإذا‬ ‫قلت إنه طاهر فمعناه أنه يؤكل؛ ألن أكل الشيء أو االنتفاع به فرع عن طهارته‪ ،‬وعدم االنتفاع بالشيء فرع عن‬ ‫نجسا‪ ،‬فهناك رابط وطيد بين كتاب األطعمة وبين كتاب الطهارة؛ ولذلك استطرد إليه‪.‬ما يؤكل من‬ ‫كونه ً‬ ‫الحيوانات وما ال يؤكل‪ ،‬حيث عد من الطاهرات ما ذكي‪.‬‬ ‫نجسا‪ ،‬فهو طاهر‪ ،‬والسمك طاهر‪،‬‬ ‫اللحم الذي عند الجزار إذا سقط عليك‪ ،‬ال إشكال‪ ،‬لماذا؟ ألنه ليس ً‬ ‫وهذه كلها طاهرات‪ ،‬لماذا؟ ألهنا تؤكل‪.‬كل ما يؤكل فهو طاهر‪.‬‬ ‫قال‪« :‬وجزؤه إال محرم األكل‪ ،‬أي فال تعمل فيه الذكاة»‪.‬مثل الحمار‪ ،‬لو أتينا بحمار فقلنا‪« :‬بسم اهلل‪،‬‬ ‫طاهرا؟ ال‪ ،‬ال تعمل فيه الذكاة‪.‬كل ما ال يؤكل لحمه ال تعمل فيه الذكاة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اهلل أكرب»‪ ،‬وذبحنا الحمار‪ ،‬هل يكون‬ ‫والذكاة هو الذبح‪.‬‬ ‫«السابع‪ :‬يف حكم إزالة النجاسة‪ ،‬وصفة زوالها‪ ،‬مع كوهنا محقق ًة أو مشكو ًكا فيها»‪.‬نعم‪ ،‬إذا كانت محققة‬ ‫فيجب إزالتها‪ ،‬وإذا كانت مشكوكة فيجب نضحها‪.‬سيدي إذا كانت محققة يجب غسلها‪ ،‬وإذا كانت مشكوكة‬ ‫فيجب نضحها‪ ،‬والدليل‪« :‬إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يغمس يده يف اإلناء حتى يغسلها ثال ًثا‪ ،‬فإن أحدكم ال‬ ‫يدري أين باتت يده»‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ال يدري أين باتت يده‪ ،‬هذا شك‪ ،‬فاعتربه النبي ﷺ‪ ،‬فأمر بغسل اليدين‪.‬ومنه حديث أنس ‪-‬رضي اهلل‬ ‫عنه‪« :-‬فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس‪ ،‬فنضحته بالماء»‪.‬لماذا نضحه؟ ألنه شك يف نجاسته‪.‬‬ ‫إذن النجاسة المحققة اإلجماع أهنا تغسل‪ ،‬ألنك تراها وال تشك فيها‪ ،‬وأما النجاسة المشكوكة فإهنا تنضح‪.‬‬ ‫«الثامن‪ :‬فيما يعفى عنه من النجاسات لعسر االحرتاز منه»‪.‬كرشاش البول‪ ،‬إذا دخل إلى المرحاض‬ ‫مثال من اشرتى اللحم‪ ،‬تسقط‬ ‫فتبول‪ ،‬فال بد أن يرشه بول الماء‪ ،‬فهذا معفو عنه‪.‬وكبعض الدماء التي قد تصيب ً‬ ‫عليه بعض نقاط دماء‪ ،‬فهذه نجاسة معفو عنها‪.‬‬ ‫«التاسع‪ :‬يف ذكر فروع‪ ،‬بعضها يتعلق بالمياه‪ ،‬وبعضها بالنجس والطاهر‪ ،‬وبعضها بإزالة النجاسة»‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬هذا ليس على شرطنا‪.‬‬ ‫«العاشر‪ :‬يف ذكر نظائر جرت عادة الشيوخ بذكرها هنا‪ ،‬فيقولون‪ :‬ثمانية مسائل هي من باب إزالة النجاسة‪،‬‬ ‫ويكفي فيها المسح عن الغسل‪ ،‬وثمانية أثواب ال يطلب غسلها إال مع التفاحش‪ ،‬وثمانية أشياء تحمل على‬ ‫الطهارة‪ ،‬وثمانية تجب مع الذكر وتسقط مع النسيان‪ ،‬فإن تعلق لك غرض بشيء من ذلك‪ ،‬فراجعه يف الشرح‬ ‫الكبير»‪.‬‬ ‫بعد أن تكلم المصنف ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬على ما يتعلق بأقسام المياه التي هبا تقع الطهارة انتقل ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬ ‫إلى أول طهارة من الطهارات وهي الوضوء‪.‬‬ ‫بْْ ْدئْْْه‬ ‫دلْْ ْك وفْْ ْور نْْ ْيْْ ْة‬ ‫فصْْل فرائض الوضْْوء سْْبع وهي‬ ‫فصال ألنه يفصل‬ ‫قال ‪-‬رحمه اهلل‪( :-‬فصل فرائض الوضوء سبع وهي)‪ ،‬قلنا فيما مضى إن الفصل سمي ً‬ ‫الموضوع السابق عن الالحق ولذلك سمي بالفصل‪.‬‬ ‫قال ‪-‬رحمه اهلل‪( :-‬فصل فرائض الوضوء) طب ًعا دخل يف الموضوع مباشرة دون أن يقف مع الوضوء ألن‬ ‫قصده أن يعلم المبتدأ وأن يعلم األمي فرائض العبادات وسننها ومستحباهتا فقط‪ ،‬أي مسألة التنظير كالتعاريف‬ ‫مثال الوضوء هو‪.‬‬ ‫مثال هذه ليست على شرطه كأن يقول ً‬ ‫ً‬ ‫فالوضوء يف اللغة كما هو معلوم هو مطلق النظافة‪ ،‬نقول وضوء بمعنى نظف ويقال وضوء يف األصل‬ ‫للحسن‪ ،‬نقول جارية وضيئة بمعنى جارية حسناء أو جميلة‪ ،‬ثم الوضوء يف المعنى الشرعي هو فعل مخصوص‬ ‫يستعمل فيه الماء على جهة مخصوصة يف أعضاء مخصوصة معنية بقصد القربة‪ ،‬فعندما يتوضأ المسلم فإنه‬ ‫‪6‬‬ ‫مثال مرة واحدة أو مرتين أو ثال ًثا يف أعضاء مخصوصة ليس يف سائر األعضاء‪،‬‬ ‫مخصوصا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫استعماال‬ ‫يستعمل الماء‬ ‫بل يتوضأ للوجه واليدين وللفم ولألنف وللقدمين ويمسح بالرأس وباألذنين‪.‬‬ ‫الشاهد هنا أنه يستعمله يف أعضاء مخصوصة بنية؛ ألن النية من ماذا تدخل يف ماهية الوضوء‪ ،‬بل ال يقبل‬ ‫أي عمل من األعمال إال بنية كما سيأيت معنا إن شاء اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬يف باب الفرائض‪.‬‬ ‫يقصد هبذا الوضوء ماذا؟ القربي أو نقول يقصد به استباحة الممنوع‪ ،‬ألن اإلنسان قبل وضوئه تكون‬ ‫الصالة ممنوعة عليه ويكون الطواف ممنو ًعا عليه هذا هو المقصود بالوضوء من حيث الشرع‪ ،‬ثم اإلمام ‪-‬رحمه‬ ‫اهلل‪ -‬كما تقدم أراد أن يذكر لنا فرائض هذا الوضوء بحيث لو تخلف فرض من هذه الفروض التي سيذكر فإن‬ ‫المسلم يكون غير متوضئ بمعنى أن وضوئه هذا باطل‪.‬‬ ‫ثم يجب التفرقة بين الوضوء الذي هو الفعل‪ ،‬فالوضوء هو فعل الوضوء‪ ،‬وبين الوضوء بالفتح الذي هو‬ ‫الماء المعد للوضوء كما تقدم معنا يف الطهارة‪ ،‬قلنا إن الطهور هو الفعل والطهور هو الماء المعد للطهارة يسمى‬ ‫هورا‪ ،‬ومنه قول النبي ﷺ‪« :‬الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر‬ ‫هورا وفعل الطهارة يسمى ط ً‬ ‫ط ً‬ ‫سنين» فعرب عن الرتاب بالطهور لماذا ألنه يف محل الماء أو ألنه بدل الماء فعرب عنه بالطهور‪.‬‬ ‫قال‪( :‬فصل فرائض الوضوء) فرائض هذا جمع على غير قياس لمفرده الذي هو الفرض ألن الفرض يجمع‬ ‫على فروض‪ ،‬أما الفرائض فهي جمع فريضة وليس جمع فرض‪ ،‬فالفرض يجمع على فروض وال يجمع على‬ ‫فرائض فهو جمع على غير قياس‪.‬‬ ‫قال‪( :‬فصل فرائض الوضوء) مضاف أو مضاف إليه أي هذه الفرائض خاصة بالوضوء بمعنى أنه ال يسمى‬ ‫متوض ًئا إال من أتى هبذه الفروض‪ ،‬قال‪( :‬فرائض الوضوء سبع) سبع خرب لفرائض أي الفرائض سبع‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫(وهي) بدأ ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يفصل فيها‪ً ،‬‬ ‫أوال مشروعية الوضوء ثابتة بالقرآن والسنة واإلجماع يف القرآن قول اهلل ‪-‬‬ ‫تبارك وتعالى‪﴿ :-‬يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم﴾ [المائدة‪ ]6:‬وأما من السنة قوله‬ ‫ﷺ‪« :‬ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه‪.‬‬ ‫وأجمعت األمة على أن استباحة الممنوع ال يكون إال بالوضوء طب ًعا للقادر عليه ولواجده‪ ،‬ال بد أن يكون‬ ‫قادرا على الوضوء‪ ،‬أي غير مريض‪ ،‬وواجدً ا للماء غير فاقد‪ ،‬وسيأيت معنا حكم المريض والفاقد يف باب‬ ‫المسلم ً‬ ‫التيمم‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫إذن بدأ ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬بسرد الفرائض قال‪( :‬وهي دلك) لماذا بدأ بالدلك مع أن األصل أن يبدأ بالنية؟ هذا‬ ‫من ضرورة النظم ثم إنه أخر الكالم على النية ألمور سنذكرها يف محلها‪ ،‬والمقصود بالدلك هو صب الماء مع‬ ‫إمرار اليد‪ ،‬دليل الدلك قو?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser