محاضرات مقياس ابستمولوجيا العلوم االجتماعية PDF

Document Details

HeavenlyRadium9127

Uploaded by HeavenlyRadium9127

Université Constantine 2

يسمينة خدنة

Tags

epistemology social sciences philosophy of science knowledge

Summary

هذه محاضرات حول منهجية العلوم الاجتماعية. تتناول ماهية الابستمولوجيا، وعلاقتها بفلسفة العلوم ونظرية المعرفة. وتشمل المحاضرات أيضًا مفهوم المعرفة، والعلوم، والروح العلمية، وخصائصها.

Full Transcript

‫د‪ /‬يسمينة خدنة‬ ‫محاضرات مقياس ابستمولوجيا العلوم االجتماعية‬ ‫الجذع املشترك علوم اجتماعية الرصيد‪ 3 :‬املعامل‪2 :‬‬ ‫أهداف املقياس‪:‬‬...

‫د‪ /‬يسمينة خدنة‬ ‫محاضرات مقياس ابستمولوجيا العلوم االجتماعية‬ ‫الجذع املشترك علوم اجتماعية الرصيد‪ 3 :‬املعامل‪2 :‬‬ ‫أهداف املقياس‪:‬‬ ‫القدرة على التفكير العلمي‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫القدرة على التحليل والتركيب‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫القدرة على االستنتاج في مجال العلم واملعرفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫املحور األول‪ :‬ماهية االبستمولوجيا وعالقتها بفلسفة العلوم ونظرية املعرفة‪:‬‬ ‫‪.1‬تعريف األبستمولوجيا‪:‬‬ ‫هناك اختالف كبير من قبل الباحثين في املعنى الدقيق لكلمة أبستمولوجيا‪ ،‬فإذا رجعنا إلى األصل االشتقاقي لهذا اللفظ‬ ‫وجدنا أنه مركب من جزئين‪ ،‬األول )‪ ( épistémè‬ومعناه العلم‪ ،‬و الثاني في )‪ (logie‬ويدل على العلم‪ ،‬النقد‪ ،‬دراسة ‪ ،...‬أي‬ ‫أنها تعني (علم العلم) وهو مصطلح استخدم ألول مرة من قبل الفيلسوف االسكتلندي جيمس فريدريك فيرير‪ ،‬في كتابه‬ ‫مبادئ امليتافيزيقا الصادر عام ‪ ،1854‬حيث قسم فيه الفلسفة إلى قسمين‪ :‬أنطولوجيا‪ ،‬وأبستمولوجيا‪.‬‬ ‫ولقد اختلف و البحث و في داللة كلمة ‪ ،‬هل هي مرادفة ملعنى كلمة باملعنى الحديث‪ ،‬أم أنها مرادفة في املعنى لكلمة اإلنجليزية‬ ‫وما يشابهها من بقية اللغات‪ ،‬هي تذهب الفرنسيون إلى اعتبار املعنى املراد هو العلم باملعنى الحديث وهو مصطلح عليه‬ ‫باالتجاه الفرنكوفوني‪ ،‬و وقد أدت هذه الداللة املفاهيمية إلى في تغيير الحقل املعرفي لكلمة أبستمولوجيا من حيث‬ ‫موضوعها ونتائجها‪ ،‬حيث أن و هذا العلم بهذا املعنى سيبحث في األوليات واملبادئ األولية والنظرية التي يحققها العلم‪ ،‬إلى‬ ‫غاية الكشف عن املنطقة املؤسس لهذه التفسيرات ومدى قيمتها املوضوعية‪ ،‬أي أنه سيبحث دائما عن تجويد ما وصل‬ ‫إليه العلم باستمرار‪.‬‬ ‫أما االتجاه املفاهيمي اآلخر فأطلق عليه تسمية األنجلو ساكسونيين‪ ،‬الذين كانوا أوفياء للمصطلح بمعناه اللغوي‬ ‫واالصطالحي القديم والذي يعني نظرية املعرفة‪ ،‬ليدا جاءت ابحاث هذه املدرسة لتركز على دراسة شروط العلم الضرورية‬ ‫والكيفية‪ ،‬وكيفية اكتسابه وقيمته‪ ،‬وينطلق هذا االتجاه من كون املعرفة يمتلكها العامة وهي ال ترتبط فقط باملعرفة‬ ‫العلمية‪،‬‬ ‫‪.2‬االبستمولوجيا وفلسفة العلوم ونظرية املعرفة‪:‬‬ ‫إن الغوص في معالجة مفهوم أو موضوع ابستمولوجيا يحتم على البحث والدارس ما حصل املفاهيم ذات العالقة بهذا‬ ‫املصطلح‪ ،‬وبهدف توضيحيه ومقارنتها واستخالص النتائج والخصائص املشتركة بين كل املصطلحات‪ ،‬فبمجرد البدء في‬ ‫‪1‬‬ ‫مناقشة مسائل املعرفة العلمية فتحضر ثالث مصطلحات رئيسية لتطرح على طاولة النقاش املعرفي‪ ،‬هذه املصطلحات‬ ‫الثالث هي‪:‬‬ ‫نظرية املعرفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فلسفة العلوم‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫األبستمولوجيا‬ ‫‪-‬‬ ‫إن هذه املفاهيم الثالث تنتمي إلى مدارس فكرية فلسفية مختلفة حيث نجد مفهوم ومصطلح نظرية املعرفة متداول في‬ ‫املدرسة األملانية‪ ،‬وبينما مصطلح ومفهوم فلسفة العلوم موظف في املدرسة األنجلوسكسونية في حين أن األبستمولوجيا‬ ‫موظفة في املدرسة الفرنسية‪ ،‬ولكن يمكننا أن نضيف هنا مالحظة بأن هذا ال يعني اقتصار املفهوم على مدرسة دون سواها‬ ‫فقد نشد في النص الواحد توظيف املفاهيم الثالثة‪.‬‬ ‫‪.3‬أسس األبستمولوجيا‪ :‬هناك الكثير من األسس التي يطرحها الباحثون في االبستمولوجيا‪ ،‬سنتطرق في هذا املبحث‬ ‫إلى بعضها‪:‬‬ ‫الشك‪ :‬هو حالة عدم اليقين‪ ،‬وهو جانب أساس ي من اإلدراك البشري والتفكير النقدي‪ ،‬ألنه يشجعنا على‬ ‫‪-‬‬ ‫التساؤل والتحقيق وتقييم املعلومات واألفكار قبل الوصول إلى استنتاجات‪ ،‬والشك استجابة صحية وعقالنية‬ ‫عند طلب املعرفة العلمية‪.‬‬ ‫الو اقعية‪ :‬العلم من خالل األساس الواقعي هو "املنهجية التي تهدف إلى االطالع على طبيعة الواقع"‪ ،‬فالواقعية‬ ‫‪-‬‬ ‫العلمية تتصور أن ادعاءات النظريات العلمية‪ ،‬سواء كانت قابلة للرصد أو غير قابلة للرصد‪ ،‬يجب أن ُت َّ‬ ‫فسر‬ ‫ً‬ ‫حرفيا‪ ،‬وتكون إما صادقة أو كاذبة‪ ،‬بمعنى أن الشكل الذي تظهر عليه األشياء في النظرية هو حقيقتها‪.‬‬ ‫فاألساس الواقعي يحيلنا إلى أن نتقبل وجود تلك الكيانات النظرية كأشياء حقيقية موجودة بالفعل في أرض الواقع‪.‬‬ ‫العلمية‪:‬‬ ‫‪-‬‬ ‫السياق‪ :‬بمعنى أن املعرفة العلمية تكون من خالل السياق املطروحة فيه‪ ،‬فال يمكن فهم قول‪ ،‬أو عمل‪ ،‬أو‬ ‫‪-‬‬ ‫ظاهرة‪ ،‬أو التعبير عنها إال نسبة إلى السياق الذي وقعت فيه أو طرحت في اطاره‪.‬‬ ‫‪.4‬موضوع األبستمولوجيا‪ :‬للفلسفة أربع مباحث رئيسية هي‪:‬‬ ‫االنطولوجيا‪ :‬مبحث الوجود (علم الوجود) يبحث في الكون واالنسان‪.‬‬ ‫األكسيولوجيا‪ :‬مبحث القيم (علم املعيار) تبحث فيما برتبط بقيم اإلنسان‪.‬‬ ‫البراكسيولوجيا‪ :‬مبحث املمارسة (علم العمل)‪.‬‬ ‫األبستمولوجيا‪ :‬بحث املعرفة (علم العلم)‪ ،‬ويرتبط مفهوم األبستمولوجيا بالنقد والقطيعة‪ ،‬حيث إن موضوع‬ ‫األبستمولوجيا هو املعرفة وهو علم العلم‪ ،‬فهي ترتكز على النقد الذي يؤدي إلى التصحيح الجزئي للمعارف‪ ،‬وإلى القطيعة‬ ‫التي تؤدي إلى التصحيح الشامل والكلي للمعارف‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫التصحيح الشامل هو الثورة العلمية التي تحدث عندما تتقادم املعارف املوجودة‪ ،‬وتصبح غير مسايرة للوقائع والتطور‪.‬‬ ‫املحور الثاني‪ :‬العلم واملعرفة العلمية‬ ‫‪.1‬مفهوم املعرفة‪ :‬هي عبارة عن مجموعة املعاني والتصورات واآلراء واملعتقدات الحقائق التي تتكون لدى اإلنسان‬ ‫نتيجة ملحاوالته املتكررة لفهم الظواهر واألشياء املحيطة به‪.‬‬ ‫وهي بهذا املعنى ال تقتصر على ظواهر معينة‪ ،‬بل تتناول جميع ما يحيط باإلنسان وكل ما يتصل بعناصر بيئته الطبيعية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬ولم تكن هذه األنواع هدف الدراسات املفكرون الباحثين في مختلف العصور‪ ،‬بل انصرفوا إلى‬ ‫دراسة بعض جوانبها دون بعض اآلخر‪.‬‬ ‫‪.2‬مفهوم العلم‪ :‬يذهب "ألكسيس رونبرج" في كتابه "فلسفة العلم‪ ،‬مقدمة معاصرة" إلى صعوبة ضبط مصطلح‬ ‫العلم‪ ،‬وذلك يعود في نظره خاصة "عندما نكون إزاء نوعين من العلوم لم تتحقق لهما الدقة والضبط ما تحقق للعلوم‬ ‫الطبيعية أو عندما نكون إزاء أنماط من املعرفة تحاول أن تتنزل بزي العلم وهي أبعد ما تكون عنه"‪.‬‬ ‫تعود كلمة علم ‪ Science‬في اشتقاقها الالتيني "‪ "scientia‬إلى املعرفة "‪ " knowledge‬وهي بمعناها األشمل كل معرفة منهجية‬ ‫أو ممارسة تؤدي إلى نتائج أو تنبؤات ألشياء من املمكن التنبؤ بها في هذا املعنى‪ ،‬من هذا التعريف يتضح لنا أن العلم يتميز‬ ‫بخصائص منهجية منطقية تميزه عن أية معرفة‪ ،‬ومن ثمة فهو يتميز بكونه مجموعة من املعارف التي تتصف بالوحدة‬ ‫والتعميم‪.‬‬ ‫اصطالحا فإن العلم فرع من فروع املعرفة والتي تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية ومن بين التعريفات العلم أنه‬ ‫املعرفة املنسقة التي تنشأ عن املالحظة والدراسة والتجريب والتي تم تحديد طبيعته وأسس أو أصول ما تم دراسته‪.‬‬ ‫ويعرف قاموس أكسفورد العلم بأنه ذلك الفرع من الدراسة الذي يتعلق بجسد املترابط من الحقائق الثابتة املصنفة والتي‬ ‫تحكمها قوانين عامة وتحتوي على طرق ومناهج موثوق بها استكشاف الحقائق الجديدة في نطاق هذه الدراسة‪.‬‬ ‫وعلي يمكننا القول بأن العلم هو املعرفة املنسقة التي تتم الوصول إليها باتباع القواعد املنهج العلمي صحيح مصاغة في‬ ‫قوانين عامة للظواهر الفردية املتفرقة‪.‬‬ ‫‪.3‬الفرق بين العلم واملعرفة‪:‬‬ ‫أدى التناظر والتقابل بين مفهومي العلم واملعرفة من حيث اشتقاقهما اللغوي إلى انقسام فالسفة العلم إلى فريقين‪ :‬الفريق‬ ‫األول‪ :‬يرى أن العلم واملعرفة لهما نفس املعنى‪ ،‬إنما يكمن الفرق بينهما في العمومية فقط ال من حيث الجوهر‪ ،‬وبذلك تكون‬ ‫املعرفة أوسع وأعم من العلم‪.....‬أما الفريق الثاني فيرى أن الفرق بينهما ليس فرقا في الكم وحسب‪ ،‬بل من حيث الكيف‪،‬‬ ‫أي يختلفان في املنهج والخصائص التي تميز محتوى كل منهما‪.‬‬ ‫إذا فقد التوفيق أن املعرفة ليست مرادفا للعلم‪ ،‬في املعرفة أوسع حدودا ومدلوال وأقطع شموال وامتدادا من العلم واملعرفة‬ ‫في شمولها تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية فكل علم معرفة وليس بالضرورة أن كل معرفة علما‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪.4‬مراحل املعرفة‪ :‬هل يتم الحصول على املعرفة في مراحل هي‪:‬‬ ‫املرحلة األولى‪ :‬وهي مرحلة املعرفة الحسية والخبرة الذاتية‪ ،‬والتي ما تزال قائمة بيننا حينما يعجز اإلنسان عن‬ ‫‪-‬‬ ‫تحسين موقف أو ظاهرة معينة‪ ،‬وتنطبق هذه املرحلة على مرحلة طفولة العلم‪ ،‬حيث حاول اإلنسان أن يجد حنا‬ ‫ملا يحيط به دون أن يستطيع التحرك بطريقة منظمة‪ ،‬وهذه املرحلة تنطبق على ما نسميه باملحاولة والخطأ وهي‬ ‫أولى مراحل تطور العلم‪.‬‬ ‫املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة االعتماد على مصادر الثقة والتقاليد السائدة‪ ،‬االعتماد على الحكماء فعندما يواجه‬ ‫‪-‬‬ ‫اإلنسان مشكالت ال تقع ضمن إطار خبرته الشخصية أو الحسية يلجأ إلى خبرات اآلخرين ليستعين بها في تفسير‬ ‫الظواهر وحل املشكالت التي تكون أوسع من خبرته الذاتية‪ ،‬هذه االستعانة يلجأ إليها الفرد منذ صغر سنه‬ ‫وتستمر معه في حياته‪.‬‬ ‫املرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة التأمل والحوار وهي مرحلة البحث عن دليل عقلي ومنطقي‪ ،‬ونجد أن عريس بواسطة‬ ‫‪-‬‬ ‫التفسير العقلي توصل من املعروف إلى غير املعروف عن طريق إتباعه لعملية استداللية استنتاجية تعتمد في‬ ‫أساسها على القياس واملنطقي‪ ،‬لكن طريقة االستنتاج أو االستدالل قد تخدع الباحث أحيانا ألنها ال تركز اهتمام‬ ‫الباحث على البحث عن الحقيقة ذاتها‪ ،‬بل تشغل عقله بالعمليات العقلية والحوار االستداللي‪.‬‬ ‫املرحلة الرابعة‪ :‬وهي مرحلة املعرفة العلمية والتدقيق العلمي‪ ،‬أي املرحلة التي تبدأ بوضع الفروض وإجراء‬ ‫‪-‬‬ ‫التجارب ثم استخالص النتائج وتعتبر هذه الطريقة أكثر دقة أمكن تحويل املعلومات املتعلقة إلى تعبير كمي‪ ،‬وهي‬ ‫كما يصفها أوجست كونت املرحلة املتأخرة من تطور العقل اإلنساني‪.‬‬ ‫‪.5‬أنواع املعارف‪ :‬اإلنسان هو كائن عارف يدرك الحقائق من حوله بشكل طبيعي وغريزي دون وعي عن طريق املعرفة‬ ‫الغريزية أو يصل إلى الحقائق بشكل قصدي عندما يبحث عنها عن طريق القدرة املعرفية‪ ،‬ألجل هذا كانت معارف‬ ‫اإلنسان متعددة من حيث طبيعتها ومنهجها‪ ،‬ولعل أهمها املعارف األربعة التالية‪ :‬السحرية‪ ،‬األسطورية‪ ،‬الدينية‪،‬‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫السحرية‪ :‬كل ما يجري من حركة في الكون مصدره أرواح خفية‪ ،‬ميزتها الغموض‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫األسطورية‪ :‬أصل الكون وكل املوجودات هي الخوارق‪ ،‬ميزتها الخيال املطلق دون ضوابط واقعية‪ ،‬رجل ذو رأس‬ ‫‪-‬‬ ‫حيوان‪ ،‬سمكة تطير ‪...‬‬ ‫الدينية‪ :‬تقر بوجود عالم غير حس ي آخر مقابل أو يتبع العالم الحس ي الذي نحن فيه‪ ،‬ميزتها املاورائية‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫العلمية‪ :‬ترى بأن العالم تحكمه قوانين يمكن تفسيرها عقليا‪ ،‬ميزتها طبيعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مالحظة‪ :‬هذه املعارف متعايشة وليست تطور زمني‪.‬‬ ‫‪.6‬أهداف العلم‪ :‬تعرفنا أن العلم هو نشاط يهدف الى الكشف عن الواقع من خالل االستمرار في طرح التساؤل‬ ‫الدائم‪.‬وللعلم أهداف أهمها‪:‬‬ ‫‪ -‬الفهم والتفسير‪ :‬يهدف العلم إلى أكثر من مجرد مالحظة ووصف الظواهر املختلفة طبيعية كانت أم‬ ‫اجتماعية‪ ،‬صح ألن الوصف لظاهرة معينة مهما كان دقيقا ال يؤدي في حد ذاته إلى فهم الظاهرة ومعرفة عوامل وأسباب‬ ‫‪4‬‬ ‫حدوثها‪ ،‬ويتم هذا من خالل تتبع ظروف النشأة ومراحل التطور والعوامل املؤثرة في الظاهرة والظروف املحيطة بها‪ ،‬مما‬ ‫يساعد على التوصل إلى نظريات معينة تفسر لنا أسباب هذه الظاهرة ثم نصل إلى تعميمات أكثر اتساعا وشموال لتفسير‬ ‫هذه النظرية‪.‬‬ ‫‪ -‬التنبؤ‪ :‬ال يقف العلم عند حد التوصل إلى تعميمات لفهم وتفسير األحداث والظواهر‪ ،‬فهو يهدف كذلك‬ ‫إلى التنبؤ بما يمكن أن يحدث إذا طبقنا هذه التعميمات في مواقف جديدة‪ ،‬فالتنبؤ هو قدرة الباحث على أن يستنتج من‬ ‫فهمه للظواهر وقوانينها نتائج أخرى مرتبطة بهذا الفهم‪ ،‬بمعنى آخر هو توقع النتائج التي يمكن أن تحدث إذا طبقنا‬ ‫القوانين التي توصلنا إليها‪.‬‬ ‫‪ -‬الضبط والتحكم‪ :‬إلى جانب التفسير والتنبؤ يهدف العلم كذلك إلى الضبط والتحكم في العوامل‬ ‫والظروف التي تجعل ظاهرة معينة تتم على صورة معينة أو تمنع حدوثها‪ ،‬ويرتبط هذا الهدف بالهدفين السابقين للعلم‬ ‫من حيث إن ضبط ظاهرة معينة يتوقف على فهمها بطريقة جيدة‪ ،‬والتحكم فيها يصبح ممكنا كلما زادت قدرتنا على التنبؤ‬ ‫بها‪.‬‬ ‫‪.7‬خصائص العلم‪:‬‬ ‫حقائق العلم قابلة للتعديل والتغيير‪ :‬حقائق العلم ليست مطلقة أو أبدية ال تتغير وال تتبدل فهي ليست مقدسة‬ ‫‪-‬‬ ‫ألنها صادرة عن اإلنسان وترتبط بزمان معين وظروف معينة‪ ،‬تعتبر صحيحة في حدود اإلمكانات املتوفرة في زمن‬ ‫ومكان محدد‪ ،‬فإذا توفرت أدلة وإمكانيات جديدة تبين خطأها أو عدم صحتها لذا نقول إن الحقيقة العلمية‬ ‫تتغير‪.‬‬ ‫العلم يصحح نفسه بنفسه‪ :‬ما دامت املعارف والحقائق العلمية قابلة للتعديل والتغيير‪ ،‬فإن العلم بذلك يخضع‬ ‫‪-‬‬ ‫أفكاره وحقائقه ونظرياته الجديدة للتحقق الدقيق ومثل هذا التحقق يجعل العلم يجدد ويطور نفسه‪.‬‬ ‫العلم تراكمي البناء‪ :‬ينتج عن الخاصيتين السابقتين إضافات مستمرة في العلم تجعله يزداد اتساعا وعمقا‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وهذا ما نسميه بالخاصية التراكمية للعلم حيث ال ينطلق العلماء في أبحاثهم من نقطة السفر في كل مرة يدرسون‬ ‫مشكلة أو ظاهرة معينة‪ ،‬بل يبدؤون من حيث توقف من سبقهم‪.‬‬ ‫العلم مرتبط باملجتمع يؤثرفيه ويتأثربه‪ :‬لم يكن العلم في أغلب األحيان غاية في حد ذاته‪ ،‬بل هو وسيلة ساعدت‬ ‫‪-‬‬ ‫اإلنسان على فهم األشياء وتفسيرها‪ ،‬لذ ا فإن ما توصل إليه العلم من اكتشافات علمية وتكنولوجية في مختلف‬ ‫املجاالت اثرت في املجتمعات‪ ،‬وبادلتها املجتمعات كذلك بالتأثير‪ ،‬حيث يمكننا أن نالحظ وجود التفاعل متبادل‬ ‫بين املجتمع والعلم ومن خالل هذا التفاعل ينمو ويتطور كل منهما‪.‬‬ ‫‪.8‬مصادر املعرفة العلمية‪ :‬تحاول االبستمولوجيا اإلجابة عن سؤال مفاده‪ :‬ما مصدر املعرفة العلمية؟ ونجد أ‪،‬‬ ‫هناك أطروحتين لإلجابة عن هذا السؤال‪.‬‬ ‫‪ -‬االستقراء‪ :‬يؤكد أصحاب هذا املوقف أن العلم استقرائي على اعتبار أن املعرفة العلمية ناشئة أصال عن التجربة‬ ‫أي أنها ناشئة عن مالحظة الواقع مثال‪ :‬نمو الطبقة الوسطى يؤدي الى تحول ديمقراطي "افتراض مستقر ملالحظة الواقع"‪.‬‬ ‫غير أن النقد املوجه ألصحاب هذا املوقف وأن مالحظة الظواهر ال تضمن تطور املعرفة العلمية انطالقا من أنه‬ ‫يمكن نغرق في مالحظة العديد من الوقائع دون أن يكون في مقدورنا استشفاف إمكانية تنظيمه‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪ -‬االستنباط‪ :‬ترى أن العالقات املمكنة بين الظواهر ما هي إال بناءات فكرية يمنك التحقق منها في الواقع الحقا في‬ ‫نظر أصحاب هذا األطروحة العلم استنباطي‪ ،‬إذ من املمكن أن نتخيل نظريا أن شعبا ما ال يمكن أن يحافظ على نظام‬ ‫سياس ي ما إال إذا كان هذا النظام يساهم في وقف انتشار املشاكل الخطيرة في البالد‪.‬انطالقا من هذا االفتراض التجريبي‬ ‫سيتم الحقا استنباط مجموعة من التأكيدات التي سنحاول التحقق منها عن طريق الدراسة الواقعية للوضع في مختلف‬ ‫البلدان‪ ،‬حسب هذه األطروحة فإن االفتراض يبنى أوال ثم يتم التحقق منه الحقا‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬يصعب الفصل بين االستقراء واالستنباط ألننا في الواقع أمام حركتين للفكر تبدوان وكأنهما في عالقة مستمرة‬ ‫وتقومان بأدوار متكاملة وأساسية في املمارسة العلمية‪.‬فالعلم يتضمن دائما لحظات لالستدالل وأخرى للمالحظة‬ ‫(االستقراء) ‪ ،‬يمكن أن يسبق بعضها البعض اآلخر به في بعض االحيان‪ ،‬هنا يكمن كل النقاش‪ :‬كلما تعمقنا أكثر في هاتين‬ ‫األطروحتين الكبيرتين (االستقراء واالستنباط) وتشعبت أبعاد تحليالتنا ملا يحمالنه من مضامين علمية ونظرية‪ ،‬بهدف‬ ‫معرفة مصدر املعرفة العلمية‪ ،‬كما اتسعت أكثر دائرة تصوراتنا‪ ،‬وازداد ادراكنا أن األمر يتعلق على مشكلة يتعذر‬ ‫حلها‪.‬فاملعرفة العلمية تعتمد على االستقراء واالستنباط في نفس ال وقت فنحن ننطلق من نظريات مسبقة وكذلك من‬ ‫خالل مالحظة الواقع فكالهما عملية ذهنية متسقة مع بعضها البعض‪ ،‬وعلى كل باحث ان يتعلم توظيف هاذين املنهجين‬ ‫اللذان أصبحا تحصيل حاصل في اي بحث علمي‪ ،‬فهما اساس البحث العلمي‪.‬‬ ‫‪.9‬ضوابط املعرفة العلمية‪ :‬حتى تكون املعرفة علمية يجب أن يتحقق شرطان يلتزم بهما الباحث وهما‪:‬‬ ‫‪ -‬السببية (العلية)‪ :‬خاصة بموقف الباحث تجاه الظاهرة التي يدرسها وهي أن ينطلق في دراسة الظاهرة وهو مسلم‬ ‫بأن الطبيعة تقوم في مجملها على قوانين ثابتة تتحكم في سيرها‪.‬بمعنى أن للطبيعة قوانين ثابتة كلما تكررت شروط‬ ‫الظواهر عادت تلك الظواهر إلى الظهور‪ ،‬فحتى تحدث الظواهر حسب مبدأ السببية تحتاج دائما على األقل لعنصرين‬ ‫معا هما علة وهي السبب ومعلول وهو النتيجة‪.‬ويكون التعليل تجريبيا أو منطقيا‪ ،‬أي أننا نبرهن عليه بالتجربة أو باملنطق‪.‬‬ ‫السببية هي دراسة لعالقات التأثيراملتبادلة بين الظواهر‪ ،‬وتتحقق بـ‪:‬‬ ‫✓ االستقراء التجريبي‪ :‬باستخدام الحواس‪ ،‬وهو محاولة اإلحاطة بكل الحيثيات عن طريق الحواس (يفكك‬ ‫الكليات لتحسسها بشكل جزئي)‪.‬‬ ‫ولالستقراء التجريبي (املنهج) مبادئ هي‪:‬‬ ‫املالحظة‬ ‫‪-‬‬ ‫الفرضية‬ ‫‪-‬‬ ‫التجربة‬ ‫‪-‬‬ ‫االستنتاج‬ ‫‪-‬‬ ‫التنفيذ (التعميم والتفنيذ)‬ ‫‪-‬‬ ‫✓ االستنباط العقلي (املنطقي)‪ :‬يعمل العقل على اكتشاف القوانين الثابتة‪ ،‬ويقوم بالتعميم والتجريد‪.‬‬ ‫(الجزئيات يربطها لتصبح كليات)‬ ‫‪6‬‬ ‫لالستنباط العقلي مجموعة مبادئ (تسمى مبادئ املنطق الصوري) وهي‪:‬‬ ‫مبدأ الهوية‪ :‬تسمية الش يء وتعريفه بحقيقته التي يوجد عليها‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مبدأ عدم التناقض‪ :‬أ ليس ب‪ ،‬املكتب ليس كرس ي‪ ،‬حتى في اللغة هناك املترادفات وليس التطابق‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مبدأ الثالث املرفوع‪ :‬إما أ وإما ب‪ ،‬ال يوجد خيار ثالث‪ ،‬هناك اثنان فقط‪ ،‬فإما أنك حظرت املحاضرة أو لم‬ ‫‪-‬‬ ‫تحضر‪.‬‬ ‫مبدأ التحقيق‪ :‬تحقق أ و ب ليس واجب بل ممكن‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مبدأ الترجيح‪ :‬تحديد أ و ب نسبي وليس مطلق‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬تميل السببية للعلوم الطبيعية بينما تميل املوضوعية للعلوم االجتماعية‪ ،‬رغم وجود التداخل‪.‬‬ ‫املوضوعية‪ :‬هي عكس الذاتية‪ ،‬وهي موقف يلتزم به الباحث اتجاه نفسه بالتخلي عن االحكام املسبقة‪(.‬سوف‬ ‫‪-‬‬ ‫يجدها الطالب مفصلة في املحور الالحق)‪.‬‬ ‫لتحقق املوضوعية هناك أداتين اقترحهما (إدموند هورسل) و(ماكس فيبر)‪:‬‬ ‫تعليق األحكام (هورسل)‪ :‬االمتناع عن تقييم املواقف (أو الظواهر) سواء باإليجاب أو السلب وذلك حتى‬ ‫‪-‬‬ ‫نتمكن من تحقيق أفضل فهم لها‪(.‬فالحواس قد تخدع االنسان لذا يجب تعليق األحكام عن املعارف التي‬ ‫نتحصل عليها بالحواس حتى ينظمها العقل) مثل رؤية ان الشمس تدور‬ ‫الحياد القيمي (فيبر)‪ :‬هي حالة ذهنية يلتزم بها الباحث‪ ،‬تتمثل في وقوف الباحث موقف حيادي سواء كان يميل‬ ‫‪-‬‬ ‫أو بكون ضد قيمة معينة‪ ،‬خاصة وان الظواهر االجتماعية مليئة بالقيم ويصعب تجنبها‪ ،‬لكن امتالك القدرة‬ ‫على تجنبها يساعد في تحقيق املوضوعية‬ ‫املحور الثالث‪ :‬الروح العلمية وخصائصها‪:‬‬ ‫‪.1‬تعريف الروح العلمية‪ :‬إن الروح العلمية وليدة حب االستطالع الذي يدفع العالم إلى فهم مختلف الظواهر التي‬ ‫تثير اهتمامه‪ ،‬ويتفاعل معها‪.‬‬ ‫من املعروف‪ ،‬أن اإلنسان قبل ممارسته ألي نشاط أو عمل أن يستعد له‪ ،‬من خالل تهيئة الظروف والشروط التي تحقق‬ ‫وتضمن النجاح فيه الحقا‪.‬كذلك هو األمر بالنسبة للبحث العلمي‪ ،‬فالباحث العلمي ال يمكنه االنطالق في مغامرة البحث‬ ‫إال بالتحضير الذهني له وهو ما يسمى بالروح العلمية‪.‬‬ ‫وعليه فالروح العلمية عبارة عن استعداد ذهني خاص يكتسب عن طريق املمارسة والتجربة‪ ،‬بمعنى أن االنغماس في عملية‬ ‫البحث العلمي هو السبيل لتنمية القدرات الخاصة بالروح العلمية‪.‬والتدرب على الروح العلمية ليس أمر سهل‪ ،‬ألن األمر‬ ‫يتطلب جهدا كبيرا لكن وبمجرد اكتسابه لها‪ ،‬سيشعر باالرتياح والسعادة في ميدان البحث‪ ،‬كما أن النتائج العلمية التي‬ ‫سيتوصل إليها الحقا ستكون موثوقة ودقيقة‪ ،‬ألنها بنيت على أسس علمية صحيحة‪.‬ونؤكد هنا أن اكتساب الروح العلمية‬ ‫أمر ضروري لجميع من يمارس البحث العلمي سواء كان طالب مبتدئ أو باحث متمرس ومحترف‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪.2‬خصائص الروح العلمية‪ :‬تتميز الروح العلمية بستة استعدادات ذهنية وهي‪ :‬املالحظة‪ ،‬املساءلة‪ ،‬االستدالل‪،‬‬ ‫املنهج‪ ،‬التفتح الذهني‪ ،‬وأخيرا املوضوعية‪.‬ولكل واحدة من هذه االستعدادات دور في إنجاز البحث العلمي‪ ،‬وسنفصلها في‬ ‫النقاط التالية‪:‬‬ ‫✓ املالحظة‪ :‬املالحظة مرادف للرغبة اإليجابية في االطالع والفضول املنبثق عن االهتمام بش يء معين‪.‬وهذه الصفة‬ ‫تتواجد عند جميع األشخاص لكن بدرجات متفاوتة لكن وجودها عند الباحث بدرجة عالية أمر ضروري‪ ،‬فالباحث من‬ ‫خالل مالحظته يسعى دائما ملعرفة أي ش يء عن كل ش يء‪ ،‬وبالتالي فإن روح املالحظة هي روح فضولية‪.‬‬ ‫يظهر االستعداد الذهني للروح العلمية من خالل امليل لالهتمام بكل ما يحيط بنا‪.‬فكلنا قد وجدنا في أماكن عامة‪ ،‬وقمنا‬ ‫بمالحظة املحيط حولنا‪ ،‬وهذا األمر يعبر على الرغبة في الكشف عما تخفيه املظاهر الخارجية‪ ،‬وفي الحقيقة هو يمثل‬ ‫خطوة أولى من جهد ملحاولة فهم محيطنا‪.‬‬ ‫يقول موريس أنجرس أن الروح العلمية التي تميل إلى املالحظة تمر بمراحل‪.‬واستنادا إلى تقسيم‪ )1973( Selye‬فإن روح‬ ‫املالحظة تمر بثالث مراحل تتمثل في‪ :‬اإلدراك‪ ،‬التعرف والتقييم‪.‬فاإلدراك يتم باملعاينة أو املشاهدة لظاهرة أو شخص ما‪،‬‬ ‫ثم يأتي التعرف‪ ،‬الذي يربط ما تشاهده العين باملعارف السابقة‪ ،‬وفي األخير‪ ،‬يتم تقييم ما تم مشاهدته وفق معيار محددة‪،‬‬ ‫كاملعرفة املسبقة من عدمها أو استخراج الصفات واملظاهر الخارجية‪.‬وجميع هذه العمليات تتم في الذهن في وقت وجيز‪،‬‬ ‫ولكن ال يمكن دائما الوصول إلى كل هذه املراحل‪.‬وهنا يكمن الفرق بين االنسان العادي الذي يكتفي باملالحظة البسيطة‪،‬‬ ‫وبين الباحث امللتزم بالروح العلمية الذي عليه أن يمر بجميع املراحل الثالث السابقة‪.‬‬ ‫تكمن أهمية روح املالحظة‪ ،‬في أنها املرحلة األولى للتحقق من الفرضيات التي وضعها الباحث لبحثه‪ ،‬عن طريق ربط الجانب‬ ‫النظري مع الواقع‪ ،‬وهو السبيل للوصول إلى عمل يقوم على أسس علمية‪.‬فاملالحظة بالنسبة للعلماء هي انشغال أساس ي‬ ‫ينبغي أن يظل تفكيرهم متشبثا به‪ ،‬كما يتشبث سائق السيارة بالطريق‪.‬‬ ‫✓ املسائلة‪ :‬هي فعل التساؤل حول ظاهرة ما‪.‬إنه من املستحيل أن نشاهد كل ش يء في الواقع‪ ،‬حيث إن األسئلة التي‬ ‫تطرح قبل املالحظة أو أثناءها هي التي توجه مشاهدتنا إذن بصفة عامة يمكن القول إن األسئلة هي التي تسمح لنا بانتقاء‬ ‫الظواهر وتحديدها (الظواهر التي سيتوقف عندها التفكير)‪.‬‬ ‫إذن من خصائص الروح العلمية هو حب التساؤل‪ ،‬فأثناء قيامنا باملالحظة فإن الروح العلمية تبحث عن تجاوز مجرد‬ ‫املشاهد البسيطة‪ ،‬حيث يتم طرح السؤال‪ :‬ملاذا أخذ هذا الش يء أو ذاك هذا االتجاه أو ذاك؟‬ ‫أو ملاذا تتبنى هذه املجموعات االجتماعية هذا السلوك أو ذاك ‪....‬إلخ؟ إنها الروح العلمية التي تحب التساؤل باستمرار‪.‬‬ ‫حتى لو قمنا بتطبيق املالحظة املركزة املتأنية فمن املستحيل في الواقع أن نشاهد كل ش يء في نفس الوقت أو نعطي نفس‬ ‫االهتمام لكل الظواهر موضوع املالحظة إن األسئلة التي تطرح قبل املالحظة أو أثناءها هي التي توجه بكيفية أو بأخرى‬ ‫مشاهدتنا‪.‬‬ ‫املساءلة عملية مهمة تساهم في‪:‬‬ ‫االستغناء عن التساؤل الهادف واملركز يفقد املالحظة قيمتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬ ‫املساءلة هي التي تسمح بتحديد مشكلة البحث وتعريفها‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫تسمح لنا بانتقاء وتحديد الظواهر التي سيتركز حولها أو يتوقف عندها التفكير (الشك يسمح بطرح األسئلة‬ ‫‪-‬‬ ‫التي من شأنها أن تؤدي إلى االكتشاف)‪.‬‬ ‫يقول غاستون باشالر "بالنسبة إلى الروح العلمية‪ ،‬فإن كل معرفة هي جواب لسؤال‪.‬إذا لم يكن هناك سؤال‪ ،‬ال يمكن‬ ‫أن تكون هناك معرفة علمية"‪.‬فاملعرفة العلمية تنطلق من املساءلة التي تعتبر بمثابة املفتاح الذي ال غنى عنه لفتح‬ ‫أبواب املعرفة‪ ،‬فاملالحظة في العلم ال تتم دون تحضير حيث يجب أن تكون دائما مسبوقة بتساؤالت تقود إلى التركيز على‬ ‫بعض الوقائع وتجاهل وقائع أخرى‪.‬‬ ‫✓ االستدالل‪ :‬هو فعل التصوير عن طريق الذهن ‪.‬يستعمله العقل بطريقة موهوبة‪ ،‬فيقوم بتوظيف األدوات‬ ‫الفكرية الضرورية من أجل الوصول إلى التقص ي والتساؤل عن طبيعة األشياء والكائنات‪.‬‬ ‫االستدالل هو فعل التجريد والذي يعني عزل جزء مكون لكل بواسطة التفكير مثل فصل عنصر ما من عناصر الظاهرة‬ ‫واعتباره مستقال عن العناصر األخرى‪.‬إذن االستدالل يساعد على تفكيك الظاهرة محل الدراسة بتجريد عناصرها التي‬ ‫بنيت عليها‪ ،‬وبالتالي الوصول إلى الحقائق التي ساهم تجمعها بطريقة معينة في تشكلها‪.‬‬ ‫االستدالل يسمح لنا بتحليل الواقع وتأويله‪.‬‬ ‫✓ املنهج‪ :‬إن القيام باملراحل السابقة من مالحظة قائمة على التساؤل املبني على االستدالل‪ ،‬ال تتم بطريقة‬ ‫فوضوية‪ ،‬وإنما البد من القيام بها وفق منهج محدد‪.‬واملنهج هو مجموعة من االجراءات والطرق الدقيقة املتبناة من أجل‬ ‫الوصول إلى نتيجة‪.‬يعرفه املعجم الفلسفي بأنه "وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة‪.‬فاملنهج عبارة عن طريق أو مسلك‬ ‫ضروري وصارم‪ ،‬على كل من يمارس البحث العلمي السير وفقا له‪ ،‬من أجل الوصول إلى نتائج دقيقة‪.‬كما أنه يمثل سلسلة‬ ‫من املراحل املتتالية التي ينبغي اتباعها بكيفية منسقة ومنظمة‪.‬‬ ‫تعتمد صحة أي بحث علمي على املنهج املعتمد فيه‪.‬وبشكل عام‪ ،‬فإن هناك مجموعة من املسلمات التي يؤمن بها املنهج‬ ‫العلمي وينطلق منها في دراسة الظواهر نشير إليها كما يلي‪:‬‬ ‫يفترض املنهج العلمي أن لكل ظاهرة سبب أو أسباب أدت إلى ظهورها تستشف من الحوادث التي سبقتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫يؤمن املنهج العلمي بأن الظواهر الطبيعية تتصف بالثبات نسبيا‪ ،‬من خالل احتفاظها بخصائصها ومميزاتها ملدة‬ ‫‪-‬‬ ‫محددة في ظروف محددة‪ ،‬لذلك يتمكن الباحث من دراستها والوصول إلى نتائج علمية‪ ،‬فلو كانت سريعة التغير‬ ‫ملا أمكنه دراستها لتغيرها أثناء مراحل البحث‪.‬‬ ‫يؤمن املنهج العلمي بأن بعض الظواهر واألشياء متشابهة بصفة كبيرة‪ ،‬لذا يمكن تصنيفها إلى فئات يمكن تعميم‬ ‫‪-‬‬ ‫النتائج عليها‪.‬‬ ‫تظهر أهمية املنهج في البحث العلمي في أن الباحث عندما يسير وفق منهج دقيق فإنه يصل إلى نتائج صحيحة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يجعله مطمئنا أثناء عملية البحث ومتأكدا مما سيصل إليه‪ ،‬ما يعني نجاحه في عمله‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫✓ التفتح الذهني‪ :‬يقوم التفتح الذهني على أساس احتمال عدم مالئمة الواقع مع األفكار املكتسبة‪ ،‬ومن ثم فإن‬ ‫الباحث يجب أن يظل مستمرا في تفتحه الذهني طوال مدة إنجازه للبحث‪.‬‬ ‫والتفتح الذهني هو عبارة عن موقف أو سلوك يسمح بتصور طرق جديدة في التفكير‪.‬فهو يساعد على قبول إمكانية عدم‬ ‫تطابق الواقع مع تفكيرنا أو مع املعرفة العامية املقبولة من طرف أغلب الناس‪ ،‬والتي تعرف بالحس املشترك‪.‬‬ ‫يجب على الروح العلمية أن تتقبل تجاوز األحكام املتفق عليها‪ ،‬وأن تبتعد عن العفوية في التفكير‪ ،‬وأن ترض ي بالتصورات‬ ‫املغايرة لألشياء غير تلك التي تعودت عليها‪.‬كما تتطلب مزيدا من التحكم في الذات‪ ،‬بتربيتها على ترك األحكام املسبقة‪،‬‬ ‫وقبول النتائج‪ ،‬حتى لو كانت مناقضة لألفكار املكتسبة أو ملا تم التعود عليه‪.‬‬ ‫تكمن أهمية التفتح الذهني في أنه يعمل على اكتشاف األبعاد الجديدة للظاهرة محل الدراسة‪ ،‬التي يمكن للخلفيات‬ ‫واألفكار السابقة أن تحجبها أو ترفض االقتناع بها‪ ،‬خاصة وأن العقل إذا تعود على ش يء ما يصبح غير قادر على رؤية ما‬ ‫هو جديد‪.‬وكما هو معروف فإن العلم يتطور عن طريق رفض األفكار القائمة ودحض النتائج السابقة‪ ،‬لذا يقول ‪Kuhan‬‬ ‫وهو أحد فالسفة العلوم‪ ،‬أن الثورات العلمية تنشأ عندما يتجرأ العلماء على سلوك املمرات غير تلك املعتادة‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫يشعرون بأنهم غير قادرين على إيجاد حل لظاهرة غير عادية ضمن النظرية والتجارب السابقة‪.‬فهم يصارعون من أجل‬ ‫رؤيتهم الجديدة للعالم‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬فإن الذهن املتفتح يبحث باستمرار عن االنفصال عن األفكار املسبقة‪ ،‬وهذا ال يعني نفي جميع املعارف‬ ‫السابقة‪ ،‬بل ال ينبغي قبولها دون اختبارها‪.‬فاملعرفة العامية ش يء‪ ،‬واملعرفة العلمية ش يء مغاير تماما‪ ،‬ودور التفتح الذهني‬ ‫يكمن في ضرورة االحتياط من األولى وإعادة تقييم الثانية‪.‬‬ ‫✓ املوضوعية‪ :‬هي التطرق للواقع بأكبر صدق ممكن‪ ،‬ويكون ذلك باستبعاد العوامل الشخصية والعاطفية‬ ‫واملجامالت من البحث العلمي‪ ،‬وبالتالي انجاز الدراسة بحياد‪ ،‬وبمنأى عن التحيز واملحاباة واملحسوبية‪ ،‬وهو ما يفرض على‬ ‫الباحث التحلي بصفات النزاهة واألمانة والصدق في جميع مراحل البحث‪.‬وفي هذا يقول ابن خلدون" فإن النفس إذا كانت‬ ‫في حال االعتدال في قبول الخبر‪ ،‬أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى يتبين صدقه من كذبه‪ ،‬ولكن إذا خامرها تشيع‬ ‫لرأي أو محلة فإ ن التشيع يحد الباحث من حريته ويجعله أسيرا لهذا الرأي"‪.‬‬ ‫ورغم أنه من الصعب جدا مناقضة الشخص لنفسه وذاته باتخاذ املوضوعية كعنوان لبحثه‪ ،‬إال أن اتخاذ الحيطة والحذر‬ ‫من كل العوامل الذاتية تعد خطوة أولى نحو املوضوعية‪ ،‬فالشخص املوضوعي هو الذي يتنكر لذاتيته ويجعل مصلحته‬ ‫وطاقته كلها في خدمة مشروع البحث الجاري إنجازه‪.‬‬ ‫يلعب النقد دورا مهما وضروري لإلبقاء على درجات عالية من املوضوعية‪ ،‬لذا وجب على الباحث أن يستعين بزمالئه في‬ ‫امليدان العلمي‪ ،‬أو ما يعرف باملجموعة العلمية‪ ،‬في تقييم عمله من خالل التغذية الراجعة‪ ،‬وقبول أراء الغير ونقدهم بصدر‬ ‫رحب‪.‬خاصة وأن االنتقادات هي الضمان األكثر يقين الستمرار املوضوعية في عمل ما‪.‬‬ ‫‪10‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser