🎧 New: AI-Generated Podcasts Turn your study notes into engaging audio conversations. Learn more

سورة الزخرف.docx

Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...
Loading...

Full Transcript

سُورَةُ الزُّخۡرُفِ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلي آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ سورة الزخرف افتتحها الله ¸ بالحرفين المقطعين {حمٓ} ثم أتبعها بالقَسم {وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} أي: والقرآن المبين: البين في نفسه، المبين لغيره. وجواب القَسم {إ...

سُورَةُ الزُّخۡرُفِ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلي آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ سورة الزخرف افتتحها الله ¸ بالحرفين المقطعين {حمٓ} ثم أتبعها بالقَسم {وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} أي: والقرآن المبين: البين في نفسه، المبين لغيره. وجواب القَسم {إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا} القَسم، وجواب القَسم شيء واحد، أقسم بالقرآن الكريم على القرآن الكريم؛ لعِظم القرآن {عَرَبِيّٗا} وعربية القرآن هي أفضل اللغات لفظًا {لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} يخاطب كفار قريش قائلًا: أنتم عرب وهذا القرآن نزل بلسانكم؛ ليُرجى منه أن تعقلوا وأن تفهموا هذا القرآن. هذا حال نزوله عليهم، ومن أين ينزل؟ قال: {وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ} أي: أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، مثل الكتب السماوية الأخرى {لَدَيۡنَا} ووصف أم الكتاب بأنها لدى الله ¸، والظرف (لدى) أخص من الظرف (عند) لم يقل (وإنه في أم الكتاب عندنا) قال {لَدَيۡنَا} يدل على العلم اللدني: العلم الخاص لله ¸ الذي لا يطلع عليه أحد، ثم وصفه بوصفين قال: 1. الصفة الأولى: {لَعَلِيٌّ} فهذا القرآن عليٌ في ألفاظه وعليٌ في معانيه والشيء إذا كان في مكان عالٍ قد يقع لعدم اتزانه، فقال: 2. الصفة الثانية: {حَكِيمٌ} أي: متقن ومحكم، ومليء بالحكمة هذا من جهة القرآن الذي أنزله الله ¸. من جهتهم هم عاملهم بالرحمة الله ¸، فقال: {أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ} أي أتحسبون أنا لا نذكركم بسبب إسرافكم، كلا بل سنذكركم برسولنا، وكتابنا على مدة ثلاث وعشرين سنة، وكلمة {أَفَنَضۡرِبُ} مأخوذة من ضرب البعير: إذا كان ضربه الراكب؛ فحاد به عن الطريق، فالله ¸ يقول: {أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ} كأن الله ¸ يضرب الذكر فينصرف الذكر عنهم، {صَفۡحًا} أي على صفحته فينصرف عنكم {أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} وهذا لن يحدث، ثم كما بشرهم بالرحمة، بين قربه للنبي' حتى لا ييأس النبي '، فقال: {وَكَمۡ أَرۡسَلۡنَا مِن نَّبِيّٖ فِي ٱلۡأَوَّلِينَ} أرسل قبل النبي ' مائة وأربعة وعشرين ألف نبي و{كَمۡ} تفيد الكثرة. فكيف كان حالهم عندما جاءهم أنبياؤهم؟ قال: {وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} ففعلوا بأنبيائهم كما فعل هؤلاء بك يا رسول الله، والاستهزاء بالنبي يكون بأمرين: 1. تكذيب النبي 2. تكذيب الكتاب الذي جاء به النبي. فماذا كان فعل الله معهم؟ قال: {فَأَهۡلَكۡنَآ} هذه الأمم المكذبة من قبل، وحالهم أنهم {أَشَدَّ مِنۡهُم بَطۡشٗا} أي: هم أشد من قريش بطشًا- أشد منهم قوة، وأشد منهم عدة، وأكثر منهم عددا {وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلۡأَوَّلِينَ} الله ¸ جعلها أمثلة مشهورة، كقوم نوح، وعاد، وثمود، كلها أمثلة مشهورة عند المشركين تبين من هذه الآيات أن الله ¸ سيرسل إليهم الذكر، وأنه لن يقطعه عنهم، فسألهم سؤالين: سؤال في أول، وسؤال في آخرها. السؤال الأول: يقول للنبي ': {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم} وهذه اللام {وَلَئِن} تسمى لام القَسم، أي: والله لأن سألتهم {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ} وأكدوا قولهم بلام التأكيد وبالنون {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} وفي آخر السورة كذلك، يقول الله ¸: {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} إذًا على آيات الآفاق من السماوات والأرض يشهدون أن الخالق هو الله، وعلي آيات الأنفس {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} يشهدون كذلك أن الخالق هو الله ¸، في الآية الأولى قال: {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} هم لا يقولون {خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} إنما يقولون خلقهن الله، فسمى الله ¸ نفسه باسمين، أي إذا كنتم تقرون بأن الله هو الخالق فإن الله ¸ هو{ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} خلق هذه الأشياء بعزته وخلقها بعلمه؛ ولذلك رتب عليها أمرين آخرين، بعد إقرارهم بتوحيد الربوبية، قال: {ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا} فتعيشون عليها، لو شاء الله ¸ لجعلها تميد بهم، وتتحرك، ولا تصبح مهادًا فيستطيعون العيش عليها، وانظروا لكلمة {لَكُمُ} مع أنهم كفار، لكن يقول: 1. {ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا} 2. {وَجَعَلَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا} ولو شاء الله ¸ جعل الأرض هذه كلها مياه فلا يستطيع أحد أن يمشي عليها، أو يجعل الأرض هذه كلها جبالًا، أو يجعلها تميد بهم، لكن الله ¸ جعل فيها سبلًا بين الجبال، وبين الأودية وفي البحار؛ {لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} إلى المكان الذي تريدون أن تصلوا إليه، وكلمة {لَّعَلَّكُمۡ} أشارت إلى شيء آخر، وهو: {لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} أن الخالق هو الله الذي يستحق العبادة، فتوحدوه ï، فكلمة {لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} أُخذ منها التوحيد. انتقل بعد ذلك إلى السماء بعد ذكر الأرض، قال: {وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ} وهذا الماء لم ينزل دفعة واحدة؛ لأنه لو نزل دفعة واحدة لأفسد الأرض، لكن قال: {نَزَّلَ} أي: ينزله بالتدريج، وأحيانًا يمسكه، وإذا نزله، نزله تدريجيًا {بِقَدَرٖ} وهذا الماء ينزل على قدر الحاجة، ثم بين أثر هذا الماء في الأرض، فقال: {فَأَنشَرۡنَا} أي: أحيينا، والنشور: يدل على الحياة والحركة والنمو، كالشيء كان ميتًا ثم أنشره الله ¸، قال: {فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا} ولم يقل (بلدًا) أنثها؛ كناية على ضعفها لما أصابها الجدب والقحط؛ حتى جاءها الماء {ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ} وانبتت النباتات، ثم قال: {كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ} كما أخرجنا هذا النبات الميت؛ فأنتم كذلك تخرجون إذا متم، - قوله: {كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ} إشارة إلى البعث. - قوله: {لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} هذه إشارة إلى التوحيد. وهم يكذبون بتوحيد الله، ويكذبون بالبعث والنشور فاستدل الله ¸ عليهما، ثم زادهم الثالثة، قال: {وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا} كلمة {ٱلۡأَزۡوَٰجَ} في اللغة العربية تأتي على معنيين: 1. الأصناف. 2. الذكر والأنثى. فهي تشمل هذا وهذا فلو جعلناها على النبات، فالله هو الذي {خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا} من أصناف النبات، ولو جعلناها على الحيوان، قال الله ¸: {ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ} {وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا} والذي يخلق الأزواج: هو الفرد سبحانه الواحد الأحد الذي لا زوج له، ثم قال بعدها: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ} وكلمة الأزواج يندرج فيها الأنعام: إبل، وبقر، ومعز، وضأن، لكن الإبل ستكون لها ميزة أخرى غير ميزة الطعام، وهي الركوب؛ ولذلك قال: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ} والفلك عرفها البشر عندما بنى نبي الله نوح ' السفينة وكيفية تصميمها نظروا إلى الطيور التي تعوم على وجه الماء؛ فجعلوا السفن مثلها، وقوله: {وَٱلۡأَنۡعَٰمِ} يقصد بها الإبل، مع أن الإبل خلقت من الشياطين، ومع ذلك تسخر للإنسان يسخرها ويركبها ويمشي بها {مَا تَرۡكَبُونَ} ثم بين العلة والاستراحة عند ركوبها، فقال: {لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ} والإبل لها ظهر، والسفينة لها بطن، ليس لها ظهر، لكن عندما تدخل السفن الكبيرة لها بطنًا وظهرا، وربما يكون لها دور آخر، فقال: {لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ} طالما أنعام الأولى أن يقول (ظهورها)، لكن قال: {عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ} إشارة إلى أن ركوب الذكر أفضل في الأسفار، فإذا انتقيت الجمل؛ فيكون أفضل من أن تركب على النوق {وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مَا تَرۡكَبُونَ} {لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ} استويت على ظهر الدابة، أو السفينة؛ فلا بد من أن تشكر الله ¸، وهذا الشكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، فبدأ بـ: شكر القلب، فقال: {ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ} والتذكر يكون بالقلب؛ لأن هذا الحيوان الذي تركبه أو هذه السفينة؛ ستقلل لك المكان والزمان، تنقلك عبر أماكن بعيدة وفي أوقات قليلة. شكر اللسان، قال: {وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا}؛ لأن هذه الأشياء سُخرت بأمر الله ¸، ولو شاء الله لما جعل الإبل مطيةً للركوب، ولو شاء الله ¸ لما جعل الفلك تطفو فوق الماء {وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} أي: نحن لا نطيق تحريكه إلا بأمر الله ¸، فالإبل أكبر منا خِلقة، والفلك هذه لها مجاديف، أو أشرعة وكلها تتحرك بأمر الله ¸. ثم يذكرك هذا السفر الحسي؛ بسفر آخر معنوي، وهو: السفر إلى الله ¸، فكما أنك تركب السفينة في البحر والإبل للسفر في البر، فأنت تركب هذه الأرض وتتقلب فيها ليلًا ونهارًا؛ للسفر إلى الله ¸؛ ولذلك في دعاء السفر، تقول: {وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} فهذا انقلاب حِسيٌ عندما تسافر بالسفينة أو بالإبل؛ ستنقلب إلى بلدك وأهلك مرة أخرى، وكذلك {وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا} في الآخرة {لَمُنقَلِبُونَ} - قوله: {إِلَىٰ رَبِّنَا}؛ لإثبات التوحيد. - وقوله: {لَمُنقَلِبُونَ} لإثبات البعث والنشور. فجمعت هذه الآيات إثبات التوحيد والبعث والنشور، إثبات التوحيد لما قال: {لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ}، وإثبات البعث والنشور، لما قال: {كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ}، ثم جمع، وقال: {وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} منذ قليل سألهم النبي ' سؤالا: {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} {وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًا} مع أنهم ادَّعَوْا أنهم وحدوا الله في الربوبية، لكن في الألوهية {وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًا} أي: منفصلًا عن الله ¸، أي جعلوا الله ¸ له أجزاء، والمقصود بالآية أنهم ادَّعوا أن الملائكة بنات لله ¸، قالوا إن الله ¸ لما خلق الجن تزوج من سروات الجن وأنجب منهن الملائكة، وهؤلاء الملائكة كن إناثًا {إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ} وصل في الكفر إلى أعلى غاية {مُّبِينٌ} أوضح أنواع الكفر هذا الجنس الذي ادعوا أن الله ¸ اتخذه وجعله جزءًا، جعلوه من البنات، وجعلوا لأنفسهم البنين، فقال الله ¸: {أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ} وقد يخلق لإثبات خلقتهم، فهم مخلوقون، وليسوا أجزاء من الله {أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ} كما تزعمون أنهن الملائكة {وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ} فهذه قسمة ضيزى؛ أن تجعلوا لله ¸ البنات، وتجعلون لأنفسكم البنين ثم زاد الأمر، قال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحۡمَٰنِ مَثَلٗا} هم ضربوا الرحمن مثلا أنه له البنات، لكن إذا بُشر أحدهم بأن زوجهُ وضعت، فذهب لتلقي البشارة فإذا به يبُشر بأنها أنثى التي ضربوها للرحمن مثلًا؛ فيتولد عن هذه البشارة غضب، وهذا الغضب يحبس به الدم في وجهه {ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا} يتغير لون وجهه فيصير أسودًا {وَهُوَ كَظِيمٌ} هذا القلب **مقارنة بين الإناث والذكور:** **الدليل العقلي:** لو أن ملك أراد أن يقيم مملكة فسيتخذ جندا من الذكور؛ لأن الأنثى منذ صغرها وهي تنشأ في الحلية، من لبس الذهب وغيره {أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ} فهي لا تصلح لملك أن يتخذها جنديًا يدافع عنه، وفي الخصام عند الجدال {وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} لا تستطيع أن تبين لخصمها حقيقة مسألتها؛ فلن تصلح لأن يرسلها رسولًا يتكلم مع الناس ويخاصم ويجادل؛ إذًا لن تصلح في الجدال، ولا في الجلاد {أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} كل هذه أدلة عقلية تبين أن الملائكة ليسوا بناتٍ لله ï، وليسوا معبودات من دون الله ¸. **الدليل الحسي:** ثم نقلهم الله ¸ للأدلة الحسية فقال لهم: {وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ} كررها مرة أخرى ليصل لهذا الدليل {وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ} وظيفتهم أنهم عباد، ومكانهم قال في قراءة أخرى: {وَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمُۥ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ} جعلوهم إناثا فضربهم بالدليل الحسي، {أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡ} هل شهد هؤلاء المشركون خلق الملائكة عندما خلقهم الله ¸، وذكرهم بالخلقة مرة أخرى يعني لم يجعلهم أجزاء منه، فطلب منهم دليلا عقليا، ودليلًا حسيًا، ثم قال: {سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ} الباطلة: شهادة الزور عندما ادَّعوا أن الملائكة بنات الله، ودخول (السين) على الفعل المضارع {سَتُكۡتَبُ}: تعني أن الكتابة تكون في المستقبل؛ وهذا فيه إشارة إلى رحمة الله ¸ عند كتابة السيئات، فملك الحسنات يكتب مباشرة وهو أمير على ملك السيئات، أما ملك السيئات يُرجئ العبد؛ لعله يتوب، وإن أصروا عليها تكتب {وَيُسۡـٔلُونَ} سوف يسألون عنه هم زعموا أولًا أن الملائكة بنات لله، ثم ادَّعوا أن الله ¸ تركهم يعبدونهم من دون الله ¸، فقالوا وادَّعوا بالمشيئة {وَقَالُواْ لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُم} أي: أنهم ما عبدوهم إلا لأن الرحمن أراد منهم عبادتهم و{مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ} يكذبون، فالخرص: هو الكذب. أولًا: جعلوهم إناثًا. ثانيًا: جعلوهم معبودات من دون الله، وليس عندهم دليل عقلي، أو دليل نقلي. **الدليل النقلي:** قال الله: {أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا} غير القرآن {مِّن قَبۡلِهِۦ} من قبل هذا القرآن، يقول إن الملائكة بنات الله، ويقول اعبدوا الملائكة من دون الله {فَهُم بِهِۦ مُسۡتَمۡسِكُونَ} فليس عندهم دليل عقلي، ولا دليل نقلي، لكن ما يوجد عندهم إلا التقليد لآبائهم. فقال: {بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ} على ملة وعلى دين، وهي: عبادتهم للأصنام، وعبادتهم للملائكة من دون الله ¸ {وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم} ونحن سنسير على نفس الآثار، {مُّهۡتَدُونَ} جعلوا اتباعهم إياهم اهتداء؛ لشدة غرورهم بأحوال آبائهم، وهذا الأمر يجعل النبي ' ييأس؛ فأراد الله ¸ أن يصبره، فقال له: {وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ} نفس هذا الكلام {إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ} و{مُّقۡتَدُونَ} أعم من {مُّهۡتَدُونَ} أي بعضهم يقول مهتدين والبعض يقول سائرين فالله ¸ جمع هذه الألفاظ بمعانيها في قوله: {مُّقۡتَدُونَ} هم اقتدوا بالآباء في مسألة الشرك وعبودية غير الله، وجعل الملائكة بنات لله ¸، فقال له الله ¸ بعد ما ذكر أن الأمم السابقة حدث معها نفس الأمر، فكل رسول بَيَّنَ لقومه و{قَٰلَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم} كل رسول أتى قومه وهم يهتدون بآبائهم وهو يقول لهم {أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَيۡهِ ءَابَآءَكُمۡ} وهي رسالة من عند الله ¸ هذه قراءة، وفي قراءة أخرى يقول الله ¸ للنبي ' {قُلۡ} لهم مثل ما قال الأنبياء السابقون لأممهم {قَٰلَ} أو {قُلۡ} {أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَيۡهِ ءَابَآءَكُمۡۖ} والأولى بهم لما يأتهم رسول يقول سآتيكم {بِأَهۡدَىٰ} وهم يقولون {وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} فهو يقول {أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم} الأولى يقولون له أعطنا ما عندك ونقارن بين هذين الطريقين ثم نقرر، لكن هم مباشرة {قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} لسنا بحاجة أن نطلع على الهدى الذي معك. فكانت النتيجة {فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ} وانتقام الله ¸ صفة من صفاته في مقابل أفعالهم، فانتقم من قوم نوح بالغرق، وانتقم من عاد بالريح، وانتقم من ثمود بالصاعقة {فَٱنظُرۡ} يا رسول الله {كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} منذ قليل قالوا {إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} فالآن سيأتيهم بأعظم آبائهم وأعظم آبائهم هو إبراهيم ' وكلهم يقول هو أعظم أب عندهم، سواء اليهود أو النصارى أو المشركون، وهو الذي بنى الكعبة؛ فهو أعظم الآباء، فقال مذكرًا لهم: {وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ} طالما تريدون أن تقتدوا بالآباء؛ فاختاروا أبًا فاضلًا، مثل: إبراهيم، ولا تقلدوا آباءكم الضالين، بل قلدوا هذا الأب الذي هو رسول من عند الله ومعه أدلة، قال: {وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ} وإبراهيم نفسه لم يكن مقلدًا لا لأبيه ولا لقومه {وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦٓ إِنَّنِي بَرَآءٞ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ} {إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي} وهذا معنى: كلمة لا إله إلا الله، قال: {إِنَّنِي بَرَآءٞ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ} من أصنامٍ ونجومٍ وملائكةٍ {إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي} إلا الله، وكلمة {فَطَرَنِي} خلقني دون مثال سابق {فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ} في سورة الشعراء، قال: {فَهُوَ يَهۡدِينِ} في الحال، وهنا قال: {فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ} في المستقبل؛ لأنه يتكلم عن الذرية التي ستأتي بعده؛ ولذلك قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ} وهي لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، ولا تُجْعَلُ الجملةُ كلمةً؛ إلا إذا كانت جملةً عظيمةً، فتصبح مثلًا من الأمثلة، وكلمة من الكلمات {فِي عَقِبِهِۦ} وعَقِبُ إبراهيم: هم بنو إسماعيل العرب، وبنو إسحاق من بني إسرائيل، سواء هؤلاء أو هؤلاء من أولاد إبراهيم {لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} إذا انحرف أحد منهم عن الطريق وادِّعى هذه الدعوة، وقال: {إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ} فيأتي نبي ويذكره بهذه الكلمة التي قالها أبوهم إبراهيم '؛ فيتذكر ويعود مرة أخرى، ومنهم الذي رجع ومنهم الذي لم يرجع، ومن الذين لم يرجعوا إلى نزول هذه السورة كفار قريش. فقال الله: {بَلۡ مَتَّعۡتُ هَٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ} وهو القرآن الكريم {وَرَسُولٞ مُّبِينٞ} محمد '، فبين الله ¸ ما فعله بأمة العرب مع أنهم انحرفوا عن كلمة إبراهيم '، وأراد أن يعيدهم إليها مرة أخرى؛ فأرسل إليهم الحق: وهو القرآن ورسول مبين: وهو محمد ' فلم يرجعوا، بل {وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ} القرآن {قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ} وقالوا عن النبي ' ساحر، بل زادوا وقالوا {وَإِنَّا بِهِۦ كَٰفِرُونَ} هذا استهزاء بالقرآن {قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ وَإِنَّا بِهِۦ كَٰفِرُونَ} هذا ما فعلوه مع الحق. وماذا فعلوا مع النبي '؟ {وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ} غير محمد ' {مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ} مكة أو الطائف {عَظِيمٍ} ذو مكانة، وهم يقصدون بالعظمة هنا عظمة المال والجاه، فقال الله ¸ للنبي ' {أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ} أي: الرسالة، فيقولون تصلح لفلان ولا تصلح لفلان، والإجابة لا {نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ} حتى الأشياء الدنيوية من مطعم ومأكل لا يستطيعون قسمتها، بل الله هو الذي قسمها بينهم {وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ} جعل هذا غنيا وهذا فقيرا {لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ} من التسخير فالغني يحتاج الفقير في العمل، والفقير يحتاج الغني في المال، هذا في الأمور الدنيوية، ثم قال: {وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ} النبوة والرسالة {خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} من حطام هذه الدنيا. قعد الله ¸ قاعدة أن مسألة الغنى والفقر، والشرف والرئاسة، وغيرها يعطيها الله ¸ للمسلم وللكافر، وأحيانا في الدنيا يعطيها للكفار أكثر، وتجد المسلمين فقراء وفي قلة من العيش، فقال الله ¸: {وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ} كلهم على الكفر {لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ} من أنواع النعيم ما يتنعم به في هذه الدنيا؛ لأنها لا تساوي عند الله شيئا، لكن لو فعل هذا؛ سوف يترك المسلم الإسلام؛ بسبب ما يرى من العزة التي فيها الكافر، والكافر القريب من الدخول في الإسلام؛ لن يدخل الإسلام، لكن جعل الله ¸ الناس طبقات، ولم يربط بين الغنى والكفر أو الإسلام، والفقر والإسلام أو الكفر؛ جعل للناس الحرية في دخول الإسلام وفي تركه {لِبُيُوتِهِمۡ} فذكر البيوت وما سواها من الأشياء الأخرى من باب أولى {سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ} والسقف جمع سَقْف أي سقوفا كثيرة، وهذه البيوت ليست طابقا واحدا، بل طوابق، ولذلك قال: {وَمَعَارِجَ} جمع معراج: وهو السُّلَّم، وهي من فضة، وسميت {مَعَارِجَ}؛ لأن الذي يصعد عليها يصعد كهيئة الأعرج {عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} يصعدون إلى الأعلى {وَلِبُيُوتِهِمۡ أَبۡوَٰبٗا} من فضة {وَسُرُرًا} ليس سريرا واحدا، وهي غ،ير سرير النوم، إنما هو السرير الذي يجلس فيه، وهي من فضة أيضا، وهذه السرر وهذا المظهر المبهج {عَلَيۡهَا يَتَّكِ‍ُٔونَ} لا يريد أن يعمل عنده ما يكفيه، ثم قال: {وَزُخۡرُفٗاۚ} وهو الذهب، فيبنون هذه الأشياء من الفضة، وبعضهم يجعلها بالذهب، وبدأ بالفضة؛ لأنها تعطي إضاءة أكثر، ثم ترصع بعد ذلك بالذهب، ثم جمع ذلك كله، وقال: {وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ} من الذهب والفضة والقصور {لَمَّا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ} أي: ما هو إلا متاع الحياة الدنيا -وفي المقابل- قال {وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ} الله ¸ يعطي الدنيا لمن أحب ولمن لا يحب، أما الآخرة فلا يعطيها إلا للمتقين. هذا الشخص الكافر الذي جاء إليه النبي ' بهذه الرسالة، فهم أعداد كثيرة من الناس والله ¸ سيذكرهم فردا فردا، فذكرها بصيغة الإفراد، قال: {وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ} يعني يصيبه العشى، فلا يبصر حق البصر، فيصيبه العشى في بصره، ويصيبه العشى في قلبه: أي: في بصيرته، والعشى هو: قلة البصر، وليس العمى، وانظروا إلى تدرج الآية، قال: {وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ} والقيض: هو قشرة البيضة الشفافة التي تلي القشرة الخارجية {لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا} شبه الشخص هذا بالبيضة التي تحيط بها القشرة من كل جانب، فكذلك الشيطان يأتيه من الأمام، ومن الخلف مستوعب كل الجهات {فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} دائم الملازمة له، وكان يتكلم عن الواحد، ثم عاد للجمع؛ لأن الواحد هذا مثال على أشخاص كثير، قال: {وَإِنَّهُمۡ} أي: الشياطين {لَيَصُدُّونَهُمۡ} وظيفة هذا الشيطان أنه يغوي هذا الرجل؛ حتى انحرف {عَنِ ٱلسَّبِيلِ} عن الصراط المستقيم، أما هذا الرجل الذي أصابه العشى {وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ} يحسبون أن هذا الطريق سوف يوصلهم إلى غايتهم {حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا} عند الموت، وفي قراءة {حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَٰنَا} القرين والشخص {قَالَ} الشخص للقرين (الشيطان) وهي تعم الإنس والجن {يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ} يتمنى أن بينه وبين قرينه بعد ما بين المشرق والمغرب من حيث المكان، وما بين المشرق والمغرب من حيث الزمان شتاء وصيفا، وبدأ بالمشرق؛ لأنه الأقرب {رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ} المشرقين زمانا، أي شتاء وصيفا، وبينه وبين قرينه بعد ما بين المشرق والمغرب مكانا {فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} أنت ثم قال الله ¸ لهم {وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ} يوم القيامة {إِذ ظَّلَمۡتُمۡ} في الدنيا {أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} كل واحد منهم يريد أن يدخل صاحبه النار، وكل واحد سيشعر بألم العذاب وحده؛ فلا يخفف عنهم اشتراكهم في العذاب ألم العذاب، وتقال لهم في الدنيا كذلك {وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ} يوم القيامة {فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} وفي قراءة (إنكم) يؤكدها الله ¸ وحدها (إنكم في لعذاب مشتركون) وهي قراءة شاذة ليست من القراءات العشر. الشخص الذي أصابه العشى تطور به؛ حتى وصل إلى درجة العمى، فقال الله: {أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ}؛ لأنه اتبع خطوات الشيطان فبدأت معه بالعشى وانتهت معه بالعمى، ثم قال للنبي ' حتى لا ييأس {أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ} وصل لدرجة إنه أصم لا يسمع؛ فل تسطيع أن تسمعه {أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ} وصل إلى درجة أنه لا يرى؛ فلن تسطيع أن تهديه {وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} في قلبه، فجمع لهم ما حدث للأسماع وللأبصار وللأفئدة، ثم قال للنبي ' مبينًا أنه سوف يعاقبهم إن لم يعودوا إلى رشدهم فقال: {فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ} إذا مَتَّ {فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ} في يوم بدر، وسينتقم منهم كما حدث للأمم السابقة {أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ} لو كنت حيًا، وهذه الآية تشير إلى يوم بدر، والنبي ' رأى ما حدث لصناديدهم في يوم بدر {أَوۡ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ} وهي تساوي الآية التي في سورة الدخان {يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} ثم أمر ' طالما أنهم كذبوا هذا الرسول المبين، وانحرفوا ولم يتمسكوا بالوحي أن يتمسك هو بالوحي، فقال: {فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِيٓ أُوحِيَ إِلَيۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} وقال عن القرآن الذي ادَّعوا أنه سحر: {وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَ} هو شرف لك وشرف لقومك {وَسَوۡفَ تُسۡـٔلُونَ} وهي إشارة إلى أن الإسلام سوف ينتشر، وسوف يأتي الجهال من الأمم من كل مكان يسألون أمة محمد '. ثم قال للنبي ': {وَسۡـٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ} فليس المقصود أن يسأل الأنبياء؛ لأنهم قد ماتوا، لكن المقصود أتباع الأنبياء المهتدين بكتب الأنبياء، وخاصة أتباع التوراة والإنجيل؛ لأنها قريبة عهد منهم؛ ولذلك سيأتي بعد قليل ذكر موسى، وبعدها ذكر عيسى {أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ} وهذا لا يوجد حتى لما سألهم وقال لهم {أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا مِّن قَبۡلِهِۦ فَهُم بِهِۦ مُسۡتَمۡسِكُونَ} لم يجدوا كتابًا فقال: {وَسۡـٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا} لم يقل (قبلك)، لكن قال: {مِن قَبۡلِكَ} أي أقرب الرسل إليك وأقرب الرسل إليه هم: موسى وعيسى، فقال بعدها: {وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ} فيحكي عن موسى ' قال: {وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِ‍َٔايَٰتِنَآ} وهنا يعني وصل إلى درجة الشفقة بالنبي ' أنه يأتي له بمثال متكامل؛ حتى تظهر الأشياء التي حدثت مع النبي ' أنها متطابقة مع ما حدث مع موسى ' ذاته، قال: {وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِ‍َٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ} كما أتيت أنت إلى صناديق قريش أبي جهل وملئه {فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} {فَلَمَّا جَآءَهُم بِ‍َٔايَٰتِنَآ} وهي التوراة واليد والعصا، وهي آيات عظيمة {إِذَا هُم مِّنۡهَا يَضۡحَكُونَ} وهي أشياء ليست مثيرة للضحك أصلًا، وهم يقابلون هذه الآيات العظيمة بالضحك، وقد يظن ظان ما دام أنهم يضحكون؛ إذا هي آيات مضحكة وآيات هينة؛ فقال الله: {وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَا} يعني هي آيات عظيمة وآيات كبيرة ليست آيات مسببة للضحك {وَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ} أخذهم الله ¸ بالعذاب، وهو: الضفادع والدم والطوفان والجراد والقمل {لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} وتكررت كما في أول السورة {وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} وهذه هي الغاية. {وَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ} وقد قيل للني ' مثلها {قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ} {وَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ} وما دام أنه ساحر فلن يدعو ربه {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} إذا كشفت عنا العذاب {إِنَّنَا لَمُهۡتَدُونَ} فقال الله: {فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ} يهدمون بناءهم في كل مرة، والذي كان يطلب منه الدعاء جنود فرعون بأمر من فرعون، فانتشر عند الناس أن هذا العذاب لا يرتفع إلا إذا دعا موسى '؛ وهذا الأمر سيجعلهم يؤمنوا. فقال الله ¸: {وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ} نادى بنفسه وأرسل المنادين في كل مكان {قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} {أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ} لا تظنون أن موسى هو الذي يدعو فيرفع العذاب، بل أنا الملك وأنا الذي لي ملك مصر {وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ} وكلمة مصر تنون؛ إذا أريد بها مصرًا من الأمصار، أي: قطرًا من الأقطار، وتمنع من الصرف؛ إذا أُريد بها مصر كلها، وهو ملك كل الأمصار في مصر؛ ولذلك منعت من الصرف {أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ} كل هذه الأمصار {وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ} ومصر لا يوجد فيها إلا نهر النيل، لكن نهر النيل ينقسم إلى: فرع دمياط، وفرع رشيد، وكذلك كانت هناك أفرع أخرى قنوات صغيرة، فكل قناة منها تسمى نهرًا، فقال: {وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓ} بأمري فأنا الملك، وأنا الذي أتصرف، وكان قد بنى قصر فعلًا والأنهار تجري من تحته {أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} ألا ترون ومع ذلك تريدون أن تذهبوا إلى موسى {أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ} والكفار قالوا للنبي ' {وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ} لكن لم يقولوا على النبي ' أنه (مهين)؛ لأنه منهم من العرب، أما موسى فليس من قوم فرعون؛ فاستطاع أن يقول الكلمة، قال: {أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} يدَّعي أن موسى لا يكاد يبين الكلام، وهذا كذب منه، فقبل أن يذهب موسى من عنده، وقبل أن يمن الله ¸ على موسى بالرسالة كان موسى {لَا يَكَادُ يُبِينُ} بسبب الجمرة التي وضعها على لسانه، لكن لما ذهب دعا الله، قال: {وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي} {وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي} والأنبياء يدعون على قدر الحاجة، فلم يقل (واحلل عقد لساني) قال: {وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي} فلما حلت العقدة أصبح يبين، بل كان من الفصحاء إذا تكلم فهذه الدعوة كاذبة لما قال: {أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} وقال نفس الشيء الذي قاله الآخرون {وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ} فقال: {فَلَوۡلَآ أُلۡقِيَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٞ مِّن ذَهَبٍ} وكان فرعون يلبس أسوره من ذهب ولم يقل مثلا (لولا ألقى عليه سواران) قال: {أَسۡوِرَةٞ} لأن الفراعنة كانوا يلبسون الأساور في العضد وفي الأعلى، قال: {فَلَوۡلَآ أُلۡقِيَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٞ مِّن ذَهَبٍ} كهيئة الملوك، أو يأتي كما يدَّعي أن معه الملائكة يُظهر لنا هؤلاء الملائكة {أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ} يملئون أُفُقَ السماء {مُقۡتَرِنِينَ} يؤيدونه فيما يدَّعي {فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ} استخف عقولهم {فَأَطَاعُوهُ} يرون موسى يدعو والله ¸ يرفع عنهم عذابًا تلو العذاب، ويرون فرعون يدَّعي هذه الادعاءات، كان الواجب عليهم أن يقيسوا بعقولهم، لكنه استخفهم فأطاعوه {إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} عندهم من الفسق ما سبب طاعتهم لفرعون فعندهم ما يؤهلهم للاستجابة قال الله: {فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا} يعني سببوا لنا الأسى: وهو شدة الغضب، والله ¸ يغضب وليس كمثله شيء، قال: {فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ} انتقم الله ¸ منهم وهيئة الانتقام {فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ} أغرقهم الله ¸ ولم يبق منهم أحدا قال: {فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا} لمن سيأتي بعدهم {وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ} للذين سيأتون بعدهم من الأمم، ومنهم كفار قريش {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا} هذه السورة بتجنيب ذكرت ثلاثة أنبياء: وهم: إبراهيم أبو الأنبياء، وبعده موسى، ثم بعده عيسى، لكن تخلف طريقة عرضها للأنبياء، فمع إبراهيم '، لما تكلموا، وقالوا {إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} أتى لهم بأب من آبائهم: وهو إبراهيم '، ولما وصل مع النبي ' {وَسۡـٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ} ذكر موسى '، وجاء ذكر عيسى '، قال: {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا} لكن القصة المقصودة في عيسى لكي ينتظم مع بقية الأنبياء{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ} لكي يفعل ما فعله إبراهيم في الدعوة للتوحيد، وما فعله موسى في الدعوة إلى التوحيد، لكن بدأها بهذه القصة، قال: {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا} والذي ضرب هذا المثل المشركون ومنهم رجل اسمه ابن الزعبري، جاء وجادل النبي ' لما نزلت سورة الأنبياء، ونزل فيها قول الله ¸ {إِنَّكُمۡ وَمَا} وكلمة (ما) تقال لغير العاقل {وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} أنتم الأصنام {أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ} فجاء ابن الزعبري وقال للنبي ' أعبد عيسى من دون الله؟ فقال النبي ' نعم، قال إذًا سيكون في جهنم ونحن نرضى أن نكون حصبًا في جهنم مع نبي الله؛ ففرح المشركون بابن الزعبري وظنوا أنه انتصر على النبي ' فذكرهم الله ¸ بهذا، قال: {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا} في سورة الأنبياء {إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} يعني يضجون فرحًا، وفي قراءة {يَصُدُّونَ} عن النبي '، وكذلك يضجون بالفرح فرحوا بانتصار ابن الزعبري بزعمهم {وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَ} أي نحن نعبد الأصنام، والنصارى يعبدون عيسى {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢا} هذا من باب الجدال؛ لأن في اللغة العربية كلمة (ما) لغير العقلاء فلا يندرج فيها العقلاء كعيسى '؛ ولذلك قال في سورة الأنبياء نفسها: {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ} {لَا يَسۡمَعُونَ حَسِيسَهَاۖ وَهُمۡ فِي مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَٰلِدُونَ} قال: {بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} {إِنۡ هُوَ} وبين الله حقيقة عيسى ' {إِلَّا عَبۡدٌ} كبقية البشر، لكن {أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ} فأصبح رسولًا {وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ} لما قست قلوبهم أعطاهم الله ¸ مثلًا حسيًا على قدرته؛ بأن وُلِدَ عيسى من غير أبٍ؛ لكي تلين قلوبهم؛ ولانت قلوبهم في عهدهم {وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ} إذًا مسألة أن الله ¸ يخلق بشرًا مثلنا: من أب وأم، أو يخلق بشرًا مثل: عيسى ' من أم بلا أب، أو يخلق بشرًا مثل: آدم ' من دون أم دون و أب، أو حواء من آب بدون أم هذه النظرية كلها تعود إلى مشيئة الله ¸ وأعطاهم مثالًا آخر، قال: {وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} أي يجعل الملائكة يسكنون الأرض، والبشر يسكنون السماء، فالأمر كله في يد الله ¸. عاد الله ¸ إلى القرآن مرة أخرى لما قال: {وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَ}، قال: {وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ} أي هذا القرآن علم للساعة؛ فهو الذي يعلمنا بالساعة، وينبئنا بأخبارها، وكذلك عيسى ' علم للساعة، فمن علاماتها أن المسيح ' ينزل ويتبع مهدي هذه الأمة، ويقتل الدجال، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويحج بيت الله ¸ {فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ} لا تمترن بالساعة واتبعوا النبي ' {هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} والاتباع بأن تسير على هذا الصراط المستقيم، فقال: {وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ} فالذي سيأخذهم عن هذا الصراط، هو نفس المعنى، لما قال: {نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} {وَإِنَّهُمۡ لَيَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ} فقال: {وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ} وبين عداوته الظاهرة {إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} ثم بين العبرة من الإتيان بعيسى هنا قال: {وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ} وهي شهادة أن لا إله إلا الله: وهي الدعوة إلى التوحيد {وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِ} في رسالة موسى من التوراة لما حرفوا ما فيها {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} هذا كلام المسيح {إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} فجعل نفسه في مقام العبودية وجعل الله ¸ في مقام الربوبية {فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡ} لما رفع عيسى ' فبعضهم قال هو عبدًا لله، والبعض قال هو الله، والبعض الآخر قال هو ابن الله {فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ} يوم القيامة ويوم القيامة قريب مجيئه، وبين قربه بأربعة أدلة: 1. أنها ساعة {هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ} 2. أنها هي التي تأتي {أَن تَأۡتِيَهُم} 3. أنها تأتي {بَغۡتَةٗ} 4. لا يشعرون بمجيئها {وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} عندها سيكون {ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ} كما قال في السورة الدخان: {يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡـَٔا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} قال {إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُۚ} وهنا قال: {إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} الله ¸ سيتكلم عن المتقين، وسيتكلم عن المجرمين حتى ختام السورة، بالنسبة للمتقين، قال لهم: {يَٰعِبَادِ} يقال لهؤلاء المتقون {لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ} فنفى عنهم الخوف، ونفى عنهم الحزن، ثم بين صفات المتقين، قال: {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا} فهم آمنوا بآيات الله ¸ {وَكَانُواْ مُسۡلِمِينَ} فجمعوا بين الإيمان والإسلام وسينتفي هذا الخوف وهذا الحزن؛ إذا دخلوا الجنة، يقال لهم: {ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ أَنتُم} يدخلون دخولا حقيقيا {وَأَزۡوَٰجُكُمۡ} ولم يذكر الأصحاب هنا؛ لأن الأصحاب ذكروا لما قال: {ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} أي المتقين من الإخلاء فهم أصدقاء ولما قال: {يَٰعِبَادِ} وكلمة عبادي جمع، ولما قال: {لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ} ولما قيل لهم: {ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ} كل هذا يندرج فيه الأصدقاء، لكن بعدها قال: {أَنتُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ} فجمع لهم أصدقاؤهم وجمع لهم أزواجهم {تُحۡبَرُونَ} يُعْطَوْنَ الحبور: وهو كرم الضيافة ومن كرم الضيافة {يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ} جمع صحفه وهي الصحفة تكون في الدنيا للطعام {مِّن ذَهَبٖ} فهي مصنوعة من ذهب {وَأَكۡوَابٖ} والأكواب جمع كوب والكوب ليس له عروة؛ ليسهل تناوله، (والصحاف) موضع الطعام والفواكه والحلوى، (والأكواب) موضع السوائل من العصير والخمر واللبن وغيرها {وَفِيهَا} في الجنة {مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ} لتذهب كل نفس مذهبها عندما تسمع هذه الآية، فكل نفس تشتهي شيئًا ستجده في الجنة، ومن الأشياء التي تشتهيها الأنفس: أشياء تكون للبصر؛ فأفردها بالذكر فقال: {وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُ} وهذا الجمال إذا كان سينقضي بموت؛ فيكون محزنًا، فقال: {وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} أي: تخلدون فلا موت ثم قال إشارة إلى هذه الجنة قال: {وَتِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ} ولم يقل أخذتموها، ولم يقل ملكتموها، قال: {ٱلَّتِيٓ أُورِثۡتُمُوهَا} جاءتكم عن طريق الإرث، وإذا جاءك شيء عن طريق الإرث؛ يكون خالصًا لك {بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} {لَكُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ كَثِيرَةٞ} الفاكهة تكون للتفكك {مِّنۡهَا تَأۡكُلُونَ} فهذه الفاكهة أيضا تكون للقوت؛ فالفاكهة نفسها يندرج فيها أنواع المآكل والمشارب، فكل ما في الجنة هو للتفكه، وليس للقوت؛ لأن البدن لا يحتاج إلى ما يقيمه، لكن يحتاج إلى ما يتلذذ به. ثم انتقل إلى القسم الثاني، قال: {إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ} تقابلهم بالتجهم، والعبوس، والزفير، والشهيق {خَٰلِدُونَ} ولما خلدوا فيها فلم يخفف عنهم عذابها، قال: {لَا يُفَتَّرُ عَنۡهُمۡ} لا يحصل للنار أي ضعف {وَهُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ} آيسون من الخروج، ولم يكن ذلك ظلم من الله، قال: {وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّٰلِمِينَ} وأهل النار بعد عذاب طويل (والعياذ بالله) لا نعلم مدته، تكون لهم أربعة أماني: 1. الأمنية الأولى: يطلبونها من الله ¸ {رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ} يريدون الخروج من النار، فيرد الله عليهم {قَالَ ٱخۡسَ‍ُٔواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} بعد هذه الأمنية وقد يئسوا من (روح الله) وعلموا أن لا خروج لهم منها، يطلبون الأمنية الثانية. 2. الأمنية الثانية: يطلبونها من (مالك) خازن النار أن يشفع لهم عند الله {وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ} يريدون أن يموتوا؛ ليرتاحوا من العذاب، فيرد عليهم مالك {قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ} بعد ذلك يتوجهون بأمنيتهم الثالثة إلى خزنة النار (الملائكة) ويطلبون منهم 3. الأمنية الثالثة: أمنية عجيبة تقشعر منها الأبدان {وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ يُخَفِّفۡ عَنَّا يَوۡمٗا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ} يريدون أن يستريحوا من العذاب ولو يوما واحدًا، فيأتيهم الرد من الملائكة (خزنة جهنم) {قَالُوٓاْ أَوَ لَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ} أي دعائكم غير مستجاب، وبعد ذلك يطلبون أمنيتهم الرابعة من أصحاب الجنة 4. الأمنية الرابعة: ويا لها من أمنية يسيرة {وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ} يتمنون شربة ماء {أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ} أو أي شيء من رزق الله عليكم، فيردون عليهم {قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} والسبب؛ لأنهم {ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ} فما جزائهم بعد ذلك {فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ} لماذا {كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} {وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ} وفي قراءة يقولون (ونادوا يا مال) لو كانت قراءة غير عشرية بالمعنى، أحيانا الكلمة يحدث فيها ترخيم، النبي ' كان يقول لعائشة (يا عائش) وكلمة (يا مالك) (يا مال) فأصحاب النار انقطعت بهم الأنفاس فلا يستطيعون أن يكملوا كلمة (مالك) قالوا ( يا مال) {يَٰمَٰلِكُ} طالما أننا لا نخرج؛ فــ {لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَ} فليميتنا قال: {قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ} {لَقَدۡ جِئۡنَٰكُم بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ} قال الله ¸: {أَمۡ أَبۡرَمُوٓاْ أَمۡرٗا فَإِنَّا مُبۡرِمُونَ} كلمة الأمر الكيد والتخطيط، فهل أحكموا خطة؟ وكادوا كيدا للنبي ' {أَمۡ أَبۡرَمُوٓاْ أَمۡرٗا فَإِنَّا مُبۡرِمُونَ} وهذا حدث يوم بدر {أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ} نسمع، والذي يسمع ويعلم قد ينسى بعد ذلك أو قد لا يؤاخذ، فقال: {وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ} جمعنا ما بين العلم والسمع وما بين الكتابة في أول السورة تكلم على أنهم {وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ} وهم الملائكة، فقال للنبي ': {قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ} {وَلۡدٞ} جمع ولد {فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ} أنا أعبد الله ¸ ولا أعبد غيره، فلو كان هناك أصلا ملائكة هم بنات لله؛ فسأعبدهم من دون الله، لكن الله ¸ أحد فرد {لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ} {وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} فقال: {قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ} فلست أعبدهم فقط، بل {فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ} ثم سبح الله ¸ نفسه قال: {سُبۡحَٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ} وارتقى قال: {رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ} أي: عن أن يصفو الله ¸ بأنه اتخذ من عباده جزءًا قال: {فَذَرۡهُمۡ} قال النبي ' {فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ} في الدنيا بدر وما بعدها من الغزوات و{يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ} في الآخرة يوم القيامة ثم قال الله ¸ وهو ï (لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا) فشأنه أنه {وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞ} فهو معبود في السماء يعبده أهل السماء، وهو معبود في الأرض يعبده أهل الأرض {وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ} الذي يضع الأمور في مواضعها {ٱلۡعَلِيمُ} الذي يعلم كل شيء. ثم نزه نفسه قائلًا: {وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا} فعم ملك كل شيء يعني منذ قليل ذكرًا أنه {رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ} ثم قال هنا: {وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ} السبع {وَٱلۡأَرۡضِ} السبع {وَمَا بَيۡنَهُمَا} كل الفراغات والفضاءات بينها {وَعِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ} فهو يملك الساعة وعنده علمها {وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} فإذا جاءت الساعة قال: {وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَة} {ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ} قال: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} فَيُشَفِّعُ الله ¸ من شاء من الملائكة، والأنبياء، والمؤمنين، ثم عاد للسؤال الذي بدأ به في أول السورة هناك قالوا: {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ} وهو آيات الآفاق، فأقروا بها وقالوا {خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} وهنا قال: {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ} وهي آيات الأنفس {لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} كيف يرجعون ويعودون من غيهم إذا أقروا بتوحيد الربوبية ولم يقروا بتوحيد الألوهية ثم ختم الله ¸ السورة بالقسم، فقال: {وَقِيلِهِۦ} فأقسم بقول النبي '، وقول النبي ' الذي أقسم الله ¸ به هو: {يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ} ثم قال الله ¸: {فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ} فأمر النبي بالصفح، وبالمسالمة؛ لأن الجهاد سيشرع بعد ذلك في المرحلة المدنية، ثم توعدهم قائلا {فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} إذا جاءت المرحلة المدنية وبدأ الجهاد في سبيل الله ¸.

Use Quizgecko on...
Browser
Browser