مكافحة الفساد | تحديات وحلول PDF
Document Details
2020
Tags
Summary
This document is a study about combating corruption in Palestine. It analyses the concept of corruption, its causes, and effects. The study also explores the role of various sectors in combating corruption, such as government bodies, civil society organizations, and the private sector.
Full Transcript
2020 هيئة مكافحة الفساد الطبعة األولى شباط 2020 تم إنجاز هذا المؤلف من قبل فريق من األساتذة واألكاديميين ،وليس بالضرورة أن يعبر مضمون ما جاء فيه عن رأي هيئة مكافحة الفساد والجامعات والكليات الجامعية المشاركة في إعداده. فريق اإلعداد :هيئة مكافحة...
2020 هيئة مكافحة الفساد الطبعة األولى شباط 2020 تم إنجاز هذا المؤلف من قبل فريق من األساتذة واألكاديميين ،وليس بالضرورة أن يعبر مضمون ما جاء فيه عن رأي هيئة مكافحة الفساد والجامعات والكليات الجامعية المشاركة في إعداده. فريق اإلعداد :هيئة مكافحة الفساد ،وفريق من األكاديميين في الجامعات اآلتية: جامعة النجاح الوطنية ،جامعة بيت لحم ،جامعة بيرزيت ،الجامعة العربية األمريكية، جامعة بوليتكنك فلسطين ،جامعة فلسطين األهلية ،جامعة االستقالل ،جامعة القدس المفتوحة ،جامعة القدس ،جامعة الخليل ،جامعة فلسطين التقنية خضوري، الكلية العصرية الجامعية. تقييم ومراجعة :لجنة من هيئة مكافحة الفساد. المؤلف محكم علمياً هيئة مكافحة الفساد ©حقوق النشر محفوظة هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية للتواصل مع هيئة مكافحة الفساد البيرة ،البالوع ،شارع مكة Al-Bireh, Al-Baloa’, Macca St. 0 2 2 4 2 4 0 1 6 / 0 2 2 4 2 4 0 1 7/ 0 2 2 4 2 4 0 1 8 02 242 4015 [email protected] فهرس المحتويات 4 فهرس المحتويات 6 فهرس الجداول 6 فهرس الحاالت الدراسية 6 فهرس األشكال 8 المقدمة 12 الفصل األول :ماهية الفساد واآلثار الناجمة عنه 13 تمهيد 14 1.1التأصيل الفلسفي لمفهوم الفساد 14 .1.1.1تبلور ظاهرة الفساد والعقد االجتماعي والدولة 17 .2.1.1االتجاهات النظرية لتأطير مفهوم الفساد 18 2.1مفهوم الفساد ()Corruption 18 .1.2.1تعريف الفساد 20 .2.2.1تحديد مفهوم الفساد من وجهة نظر محلية وإقليمية ودولية 20 .1.2.2.1مفهوم الفساد من وجهة نظر محلية 20 .2.2.2.1مفهوم الفساد من وجهة نظر إقليمية 21 .3.2.2.1مفهوم الفساد من وجهة نظر دولية 21 .3.2.1أشكال الفساد في فلسطين 24 .4.2.1أسباب الفساد 26 .5.2.1اآلثار المترتبة على الفساد 30 .6.2.1اإلطار المفاهيمي للعالقة بين حقوق اإلنسان والفساد بأنواعه 30 .1.6.2.1تعريف حقوق اإلنسان 31 .2.6.2.1آثار الفساد على التمتع بحقوق اإلنسان 32 .3.6.2.1أهمية الربط بين التمتع بحقوق اإلنسان وآثار الفساد 34 3.1حجم الفساد ومدى انتشاره في دول العالم 38 4.1دور الشريعة اإلسالمية في محاربة الفساد 44 5.1أسئلة الفصل األول 48 الفصل الثاني :منظومة مكافحة الفساد في فلسطين 49 تمهيد 50 1.2هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية ()The Anti-Corruption Commission 50 .1.1.2نشأة هيئة مكافحة الفساد 50 .2.1.2صالحيات هيئة مكافحة الفساد 53 .3.1.2اختصاصات هيئة مكافحة الفساد 54 .1.3.1.2االختصاص الوقائي لهيئة مكافحة الفساد 55 .2.3.1.2االختصاص المتمثل في إنفاذ القانون 55 .4.1.2نيابة جرائم الفساد ()The Anti-Corruption Prosecution 55 .5.1.2محكمة جرائم الفساد ()Corruption Crime Court مكافحة الفساد | تحديات وحلول 4 57 2.2إنجازات وتجارب وطنية في تعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد 60 3.2تحديات تواجه مكافحة الفساد في فلسطين 60 4.2دور أهم المؤسسات الرقابية في فلسطين 60 .1.4.2ديوان الرقابة المالية واإلدارية ()State Audit & Administrative Control Bureau 68 .1.1.4.2دور ديوان الرقابة المالية واإلدارية في مكافحة الفساد 69 .2.4.2المجلس التشريعي ()The Palestinian Legislative Council 74 .3.4.2دوائر الرقابة الداخلية لدى المؤسسات الحكومية 76 5.2أسئلة الفصل الثاني 80 الفصل الثالث :دور القطاعات المختلفة في مكافحة الفساد 81 تمهيد 82 1.3الحكم الرشيد ()Good Governance 82 .1.1.3مفهوم الحكم الرشيد 83 .2.1.3تعريف الحكم الرشيد 84 .3.1.3أهمية الحكم الرشيد 86 .4.1.3أهمية الحكم الرشيد على مستوى مؤسسات القطاع العام 86 .5.1.3مبادئ ومعايير الحكم الرشيد 88 .6.1.3أسباب استدعت ظهور الحكم الرشيد 89 .7.1.3دور الحكم الرشيد في مكافحة الفساد 90 .8.1.3تحديات تطبيق الحكم الرشيد 91 2.3دور المجتمع المدني ( )Civil Societyفي محاربة ظاهرة الفساد 92 .1.2.3اإلطار القانوني والتشريعي الناظم لعمل منظمات المجتمع المدني 93 .2.2.3دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد 96 .1.2.2.3أمثلة على رقابة منظمات المجتمع المدني على السلطة التنفيذية 98 .3.2.3مظاهر إدارية ومالية تؤدي إلى فساد في المنظمات األهلية 102 3.3الحكم المحلي ()Local Government 104 .1.3.3اإلطار القانوني الناظم لعمل الهيئات المحلية 104 .2.3.3دور الهيئات المحلية في مكافحة الفساد 106 .3.3.3شبهات الفساد في الهيئات المحلية 109 4.3دور القطاع الخاص في مكافحة الفساد 114 5.3دور اإلعالم في مكافحة الفساد 114 ”.1.5.3الصحافة االستقصائية ( )Investigative Journalismكخيار مهني “ 115 .2.5.3أهمية الصحافة االستقصائية: 116 .3.5.3مهام الصحافة االستقصائية في مكافحة الفساد 118 .4.5.3واقع الصحافة االستقصائية في فلسطين 120 6.3أسئلة الفصل الثالث 124 قائمة المصادر والمراجع 5 مكافحة الفساد | تحديات وحلول فهرس الجداول 19 الجدول ( :)1بعض تعريفات الفساد 36 الجدول ( :)2ترتيب الدول على مؤشر مدركات الفساد في العام 2019 فهرس الحاالت الدراسية 23 حالة دراسية ( :)1شبهة فساد في إحدى المحاكم 26 حالة دراسية ( :)2شبهة فساد في ديوان الموظفين العام 29 حالة دراسية ( :)3شبهة فساد في دائرة المياه 29 حالة دراسية ( :)4شبهة فساد في وزارة التربية والتعليم 32 حالة دراسية ( :)5شبهة فساد في وزارة الصحة 33 حالة دراسية ( :)6شبهة فساد في الضابطة الجمركية 100 حالة دراسية ( :)7شبهة فساد في نادي رياضي 102 حالة دراسية ( :)8شبهة فساد في جمعية مسنين 108 حالة دراسية ( :)9شبهة فساد في بلدية ()x 113 حالة دراسية ( :)10شبهة فساد في شركة مساهمة عامة فهرس األشكال 24 الشكل ( :)1أسباب الفساد في المجتمعات 26 الشكل ( :)2اآلثار االجتماعية االقتصادية والسياسية للفساد 54 الشكل ( :)3آلية تقديم الشكاوى في هيئة مكافحة الفساد 58 الشكل ( :)4آلية حماية المبلغين عن الفساد 62 الشكل ( :)5أشكال الرقابة التي يمارسها ديوان الرقابة المالية واإلدارية 66 الشكل ( :)6منهجية الرقابة لدى ديوان الرقابة المالية واإلدارية في فلسطين 67 الشكل ( :)7أنواع التقارير التي تصدر عن ديوان الرقابة المالية واإلدارية 90 الشكل (" :)8استراتيجية مكافحة الفساد متعددة األوجه" مكافحة الفساد | تحديات وحلول 6 7 مكافحة الفساد | تحديات وحلول مقدمة أصبــح الفســاد ظاهــرة عالميــة تعانــي منهــا كافــة الــدول بغــض النظــر عــن طبيعــة نظامهــا السياســي أو االجتماعــي أو االقتصــادي ،بــل إن هــذه الظاهــرة باتــت مشــكلة مســتعصية، كونهــا مرتبطــة بقيــم وســلوكيات وأخالقيــات البشــر عبــر التاريــخ ،وتؤثــر بشــكل ســلبي علــى التنميــة ،وتحــول دون تحقيــق تطلعــات الشــعوب نحــو الرقــي والتقــدم والعدالــة واالســتقرار؛ قوماتــه وآفاقــه المختلفــة ،كمــاإذ يعــد الفســاد آفــة تُ هــدد االســتقرار المجتمعــي فــي ُم ّ أن جرائــم الفســاد مــن الجرائــم األكثــر خطــورة علــى البنــاء المؤسســاتي للدولــة لمــا لهــا مــن مســاس بــكل مناحــي الحيــاة السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة واإلداريــة والقانونيــة واألمنيــة والثقافيــة ،ولمــا لهــا مــن أثــر علــى بنــاء ثقــة مواطنــي الدولــة بمؤسســاتها العامــة ومــا فــي حكمهــا ،فلــم يتــرك الفســاد حقــا مــن حقــوق اإلنســان إال وأصابــه بالعطــب. ومـــع إدراك كافـــة الدول لخطورة ظاهرة الفســـاد ،األمر الذي اســـتدعى وقـــوف المجتمع الدولي كوحـــدة واحـــدة لمحاربـــة هـــذا الوبـــاء والحـــد مـــن ظاهـــرة الفســـاد الهدامة لكافـــة مناحـــي الحياة، فلـــم تقـــف المجتمعـــات مكتوفـــة األيـــدي لمكافحـــة هـــذه اآلفة بل أنشـــأت مؤسســـات ،وســـنت قوانيـــن للحـــد مـــن انتشـــاره ومحاربتـــه ونشـــر الوعي في بيـــان أســـبابه وأشـــكاله وســـبل معالجته. وقـــد تـــم إطالق العديد مـــن االتفاقيات الدولية لمكافحة الفســـاد من ِقبل العديـــد من االتحادات والمنظمـــات الدوليـــة ،والتـــي ربمـــا أشـــهرها اتفاقيـــة األمـــم المتحـــدة لمكافحـــة الفســـاد التـــي اعتمـــدت بموجـــب قرار الجمعيـــة العامة لألمم المتحـــدة رقم 58/4بتاريـــخ 2003/10/31ودخلت حيـــز التنفيـــذ بتاريـــخ .2005/12/14وقـــد ســـعت كثيـــر من الـــدول لالنضمـــام إلى هـــذه االتفاقية. نحو يكافحوبالرغـــم مـــن كل الجهـــود الدوليـــة إال أنها لم تنجـــح في تطبيق هـــذه االتفاقيات علـــى ٍ الفســـاد ،بل شـــهدت العديد مـــن الدول المنضمة إلـــى االتفاقية األممية لمكافحة الفســـاد المزيد مـــن مظاهر تعميق الفســـاد وانتشـــاره مما تســـبب في الفجـــوة بين دخول أفـــراد المجتمع ،ونقص فـــادح فـــي الخدمـــات الصحيـــة والتعليميـــة وارتفـــاع نســـبة البطالـــة ،وتقليـــص الخدمـــات الضرورية تحول عـــدم الرضا المجتمعيللحيـــاة مثـــل الكهربـــاء والماء والتعليم ،والعمـــل والصحة ،ما أدى إلى ُّ عـــن انتشـــار الفســـاد إلى حـــركات احتجاج مجتمعية واســـعة ،وبخاصـــة في دول العالـــم الثالث وفي نحو أطاح باســـتقرار صدارتهـــا العديـــد من الـــدول العربية مثل لبنان والعراق ومصر والســـودان ،على ٍ العديد من أنظمـــة الحكم. وعلـــى صعيـــد الـــدول العربيـــة تم إصـــدار االتفاقية العربيـــة لمكافحة الفســـاد من أجـــل التعاون بين هـــذه الـــدول فـــي تفعيـــل الجهود العربيـــة والدوليـــة لمكافحة الفســـاد ،خاصة في اتفاقية تســـليم المجرمين واســـترداد المنهوبات. أمـــا فـــي فلســـطين فقد تـــم بذل العديـــد من الجهـــود للحد من ظاهرة الفســـاد؛ حيث تم تأســـيس هيئة مكافحة الفســـاد بموجب القرار بقانون رقم 7لســـنة 2010بشـــأن تعديل قانون الكســـب غير المشـــروع رقـــم 1لســـنة 2005وتعديالته ،حيـــث تتمتع الهيئة بالشـــخصية االعتبارية واالســـتقالل مكافحة الفساد | تحديات وحلول 8 اإلداري والمالـــي ،وقـــد منحها القانون الصالحيات واالختصاصات الالزمة لمكافحة الفســـاد ،وذلك مـــن خـــال تنفيذ القانون بمعاقبة مرتكبي جرائم الفســـاد ،ومن خالل القيـــام بالعديد من اإلجراءات للوقايـــة من الفســـاد.كما انضمت دولة فلســـطين إلـــى اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفســـاد فـــي العـــام ،2014وإلـــى اإلنتربـــول الدولـــي الســـترجاع الفاريـــن مـــن العدالـــة واألمـــوال المنهوبة، إضافـــة إلى إنشـــاء هيئـــة محكمة متخصصة للنظر في قضايا جرائم الفســـاد والتســـريع في اجراءات المحاكمـــة والبت في هـــذه القضايا. وحيـــث إن التأثيـــر الســـلبي للفســـاد يمس كافـــة أفـــراد المجتمع ،فإن ذلـــك يتطلب مشـــاركة كافة المواطنيـــن فـــي القطاعات المختلفة في محاربة الفســـاد؛ ولذلك اعتمدت هيئة مكافحة الفســـاد عمليـــة التخطيط االســـتراتيجي عبـــر القطاعي؛ حيـــث اتاحت الفرصـــة من خاللها لجميـــع القطاعات والشـــركاء مـــن القطاع العـــام والخاص ،والمجتمـــع المدني والمؤسســـات الدولية ،للمشـــاركة في تحليـــل الوضـــع وتحديـــد األولويات فـــي القطاعـــات المختلفة بما يخـــدم الرؤية المشـــتركة للجميع فـــي محاولة القضاء على الفســـاد. وفـــي إطـــار ممارســـة الهيئـــة الختصاصاتهـــا فـــي الوقايـــة مـــن الفســـاد ،فقـــد تمـــت الشـــراكة مـــع الجامعـــات الفلســـطينية لتأليـــف هـــذا المســـاق ،الـــذي يســـتهدف طلبـــة البكالوريوس فـــي جميع التخصصـــات باعتبـــاره متطلبـــاً اختياريـــاً . يهـــدف هـــذا المســـاق إلـــى تعريـــف الطالـــب بمفهوم الفســـاد ،وأســـباب ظهـــوره ،والتعـــرف على أشـــكاله ،واآلثـــار المترتبـــة علـــى انتشـــار هـــذه الظاهـــرة مـــن النواحـــي السياســـية واالقتصاديـــة واالجتماعيـــة ،والتعـــرف علـــى آليـــة اإلبالغ عـــن الفســـاد ،ودور القطاعـــات المختلفة فـــي مكافحة الفســـاد.ويتوقـــع مـــن الطالـــب أن يكـــون ملمـــاً بالقواعـــد الســـلوكية واآلداب المتعلقـــة بالعمـــل الوظيفـــي ،والتحلـــي باألخـــاق وقيـــم النزاهـــة ،وأن يتجنـــب الوقـــوع فـــي شـــبهات الفســـاد. يقوم هذا المساق على ثالثة فصول: الفصـــل األول :يتنـــاول التأصيـــل الفلســـفي لمفهـــوم الفســـاد ،وتعريـــف الفســـاد محليـــاً وإقليميـــاً ودوليـــاً ،وأســـباب الفســـاد ،وصـــور وأشـــكال الفســـاد واآلثـــار المترتبة على انتشـــار الفســـاد ،وحجم الفســـاد ومـــدى انتشـــاره فـــي دول العالـــم ،وآثـــار الفســـاد علـــى التمتـــع بحقـــوق اإلنســـان ،ودور الشـــريعة اإلســـامية فـــي محاربة الفســـاد. الفصـــل الثانـــي :يتناول منظومة مكافحة الفســـاد في فلســـطين ،حيث يســـتعرض نشـــأة مكافحة الفســـاد ،والتعريـــف بصالحياتهـــا ،واختصاصاتهـــا ،ودور كل مـــن نيابة جرائم الفســـاد ومحكمة جرائم الفســـاد ،كما يســـتعرض بعض اإلنجـــازات والتجارب الوطنية فـــي تعزيز منظومـــة النزاهة ومكافحة الفســـاد ،والتحديات التي تواجه مكافحة الفســـاد في فلســـطين.ثم يبين الفصل دور المؤسســـات الرقابيـــة فـــي فلســـطين (ديـــوان الرقابـــة الماليـــة واإلداريـــة ،والمجلس التشـــريعي ،ودوائـــر الرقابة الداخليـــة لدى المؤسســـات الحكومية) في مكافحة الفســـاد. الفصـــل الثالـــث :يناقـــش دور القطاعات األخـــرى في مكافحة الفســـاد ،وهي :منظمـــات المجتمع المدنـــي ،والحكم الرشـــيد ،والهيئـــات المحلية ،والقطـــاع الخاص ،والصحافة االســـتقصائية. يعـــادل هـــذا المســـاق ثـــاث ســـاعات معتمـــدة ،منهـــا ســـاعتان “نظريـــة” ،وســـاعة عمليـــة الهدف منهـــا إعطـــاء فرصة كبيرة للطـــاب للتعرف والتواصل مع المؤسســـات المختلفـــة التي تعمل على مكافحـــة الفســـاد ،وذلـــك من خـــال الزيـــارات الميدانية لهـــذه المؤسســـات واطـــاع الطالب على واقـــع عمـــل هـــذه المؤسســـات ،ومنحـــه فرصة طـــرح األســـئلة والنقـــاش مـــع العاملين فـــي هذه المؤسســـات ،أو اســـتضافة أحـــد العامليـــن فيهـــا إلى المحاضـــرة واللقاء مـــع الطالب. 9 مكافحة الفساد | تحديات وحلول مكافحة الفساد | تحديات وحلول 10 الفصل األول “ماهية الفساد واآلثار الناجمة عنه” 11 مكافحة الفساد | تحديات وحلول الفصل األول ماهية الفساد واآلثار الناجمة عنه أهداف ومخرجات التعلّ م للفصل األول: 1.التعرف على نشأة الفساد من ناحية فلسفية. لغة واصطالحاً .2.اإللمام بمعنى مصطلح الفساد ً 3.تحديد مفهوم الفساد من وجهة نظر محلية وإقليمية ودولية. 4.التعرف على أسباب ظهور الفساد في المجتمعات. 5.التعرف على اآلثار السياسية واالقتصادية واالجتماعية للفساد. 6.التعرف على اإلطار المفاهيمي للعالقة بين حقوق اإلنسان والفساد بأنواعه. 7.التعرف على آثار الفساد على التمتع بحقوق اإلنسان. 8.التعــرف علــى حجــم الفســاد ومــدى انتشــاره فــي العالــم ،وترتيــب الــدول على مؤشــر مدركات الفساد. 9.التعرف على دور الشريعة اإلسالمية في محاربة الفساد. مكافحة الفساد | تحديات وحلول 12 ال يخــص الحديــث عــن الفســاد مجتمعــاً بعينــه وال دولــة بذاتهــا ،إنمــا هــو ظاهــرة عالميــة تشــكو منهــا كل الــدول وبدرجــات متفاوتــة ،وأصبــح الفســاد ظاهــرة ممتــدة ،تؤثــر علــى جميــع المجتمعــات واالقتصاديــات ،ويشــكل الفســاد ظاهــرة خطيــرة حيثمــا كان وكيفمــا تمــت ممارســته ،وينتــج عنــه مشــاكل ومخاطــر تؤثــر علــى اســتقرار المجتمعــات وأمنهــا ،وأخطــار كبيــرة علــى النمــو االقتصــادي واإلنفــاق الحكومــي واالســتثمار ،ويؤثــر علــى القيــم األخالقيــة والعدالــة ،كمــا يؤثــر علــى تنميــة المجتمــع وســيادة القانــون فيــه، ويقتــرن الفســاد بأشــكال الجريمــة ،خصوصــاً الجريمــة المنظمــة والجريمــة االقتصاديــة وغســيل األمــوال؛ ممــا يهــدد االســتقرار السياســي والتنميــة المســتدامة لهــذه الــدول والمجتمعــات. وقــد حاربــت مختلــف األديــان الفســاد بكافــة أشــكاله ،واحتــوت علــى مبــادئ ســامية وأخالقيــات عاليــة تدعــو إلــى الصــاح واإلصــاح والنزاهــة ،وتؤكــد علــى حســن التصــرف واإلدارة الســليمة ،ولجــأت مختلــف دول العالــم إلــى تجريــم الفســاد ووضــع القوانيــن لمحاربتــه ،كمــا رفضــت المجتمعــات علــى اختــاف مســتوياتها الفســاد ونبذتــه ،وذلــك لمــا كان للفســاد مــن نتائــج ســلبية علــى الناحيــة االجتماعيــة ،وتأخــر برامــج النهضــة والتنميــة المجتمعيــة والوطنيــة بســببه ،وســوء اســتخدام المــوارد ،وســوء اإلدارة والتنظيــم. يتنــاول هــذا الفصــل التأصيــل الفلســفي لمفهــوم الفســاد ،وتعريــف الفســاد مــن وجهــة نظــر محليــة وإقليميــة ودوليــة ،ويوضــح صــور وأشــكال الفســاد ـواء االقتصاديــة أو فــي فلســطين ،ويســلط الضــوء علــى أســباب الفســاد سـ ً االجتماعيــة أو السياســية ،واآلثــار الناجمــة عنــه ،وآثــار الفســاد علــى التمتــع بحقــوق اإلنســان ،وحجــم الفســاد ومــدى انتشــاره فــي دول العالــم ،ودور الشــريعة اإلســامية فــي محاربــة الفســاد. 13 مكافحة الفساد | تحديات وحلول 1.1التأصيل الفلسفي لمفهوم الفساد إذا كانـــت النظريـــات يجـــب ان تبـــدأ مـــن حيـــث تبـــدأ الموضوعـــات التـــي تتناولها ،فـــإن الظاهرة “الفســـاد” يجـــب ان يبـــدأ تأطيرهـــا المعرفـــي مـــن صلـــة العالقـــة بين الدولـــة كعقـــد اجتماعي محايـــد والحكومـــة كجهـــاز تنفيذي للدولـــة ،وألنه ال يمكن أن تســـتقيم نظرية مـــا وتصبح ذات إال إذا كان المنظور التاريخـــي ركيزتها األولى ،فالمعرفـــة الحقة تفترض قـــدرة تفســـيرية أعلـــىّ ، بداهـــة معرفـــة الـــكل وليس أجـــزاء مختلفـــة متناثـــرة منـــه ،وذلـــك ألن المعرفة تتغيـــر وتتطور عندمـــا تكـــون جزءاً من نســـق معرفـــي أكبر. إال إذا تقابـــل الفســـاد وحتـــى يمكـــن إدراك القبـــح الكامـــن فـــي الفســـاد فـــإن ذلـــك ال يتأتـــى ّ مـــع الحكـــم الصالـــح.والتقابـــل هـــو عالقة بين شـــيئين أحدهمـــا مواجـــه لآلخر ،كتقابل الســـلب واإليجـــاب ،أو كتقابـــل الســـواد والبيـــاض أو تقابـــل العمـــى والبصـــر ،أو تقابل الصالح والفاســـد. وألن طبيعـــة الدماغ البشـــري ال تقبل الفصل بين المتقابـــات /المتناقضات ،فحين تبدأ عمليتا التقابـــل والتناقض في العقل البشـــري باالشـــتغال فإنهـــا تضع الطرف األول فـــي حالة تعارض وتناقـــض مـــع الطرف الثاني فـــوراً ،أي الحكم الصالح فـــي مواجهة الحكم الفاســـد ،والخير في مواجهـــة الشـــر ،والضـــوء في مواجهـــة العتمـــة ،والظلم في مواجهـــة العدل. بد من اإلشـــارة وحتى يتضح المضمون القبيح والرديء والظالم والمشـــين لماهية الفســـاد ،ال ّ أو االنطـــاق مـــن القيمـــة المضـــادة للفســـاد وهـــي الحكـــم الصالـــح.ولكـــن هـــل يوجـــد حكـــم سياســـي (نظـــام سياســـي) دون دولـــة؟ وهل وجدت فـــي التاريخ دولـــة دون عقـــد اجتماعي؟ ومـــا هـــي القيـــم الكامنـــة فـــي العقـــد االجتماعي الـــذي أســـس لمؤسســـة الدولـــة؟ وما هي الدولـــة ،وهـــل يمكـــن أن تكـــون هناك دولـــة دون نظام سياســـي؟ وهـــل تكمن جذور الفســـاد السياســـي فـــي الدولـــة أم فـــي النظـــام السياســـي ،وهل هنـــاك وظائـــف للدولـــة مختلفة عن وظائـــف الحكومـــة؟ ولماذا تلتقي الشـــعوب على الدولـــة وتختلف على الحكومـــة؟ وهل كان البشـــر فـــي مجتمعاتهـــم المختلفة بحاجة إلـــى الدولة؟ قد تكـــون هذه بعضاً من اإلشـــكاليات التـــي تطرح نفســـها بقوة عند “اللحظـــة المعرفية” التي تتوق للفهم العميق لظاهرة الفســـاد إال من حيث يبـــدأ الموضوع السياســـي ،االقتصـــادي ،االجتماعـــي ،الثقافـــي ...فال نظرية تبـــدأ ّ الذي فـــي إطاره تنمـــو الظاهرة. .1.1.1تبلور ظاهرة الفساد والعقد االجتماعي والدولة: في الســـياق التاريخي وتطور الفكر اإلنســـاني ،انشـــغل البشر في ســـعيهم الدائم لتحقيق األمن والرفـــاه.وجـــد العلماء أن غياب الملكية الخاصة لدى المجتمعات البدائية مكن تلك المجتمعات مـــن البقاء والعيـــش اآلمن بعيداً عن الصراع واألزمات واالقتتال والعنف والهيمنة واالســـتبداد. وســـادت العدالـــة والمســـاواة والحريـــات اإلنســـانية ،وهي القيـــم واألخالق اإلنســـانية المالزمة والملتصقة بالذات اإلنســـانية.ومع زيادة األعداد البشـــرية في حيز التجمعات اإلنســـانية وتعقد العالقـــات االجتماعيـــة وتداخلهـــا ،ونـــدرة الغـــذاء والمـــاء أحياناً ،بـــدأت الملكية الخاصـــة بالظهور فأتاحـــت لنمـــو نظام اجتماعـــي يعتمد على قانون شـــريعة الغاب “البقاء لألقـــوى” وهو القانون الـــذي فـــي إطـــاره جـــرى اختـــراق معظـــم القيـــم اإلنســـانية وســـحقها ومحاولـــة طمســـها على اإلطـــاق.أي إن عموميـــة الفســـاد المضـــاد لألخالق اإلنســـانية قاد إلى ما يشـــبه تحول البشـــر إلـــى قطيع مـــن الذئاب المتناحرة ،وكما هو اإلنســـان مدني بطبعه فهو عقالنـــي بوجوده أيضاً. والطبـــع المدنـــي “العيش المشـــترك” دفع اإلنســـان (العقالني) ،العقالني بالموضـــوع والوجود نحـــو البحـــث عـــن نظـــام اجتماعي آخـــر لحماية األمـــن والملكيـــة وأســـباب االطمئنـــان المختلفة األخـــرى لتجـــاوز حرب الجميع ضـــد الجميع. مكافحة الفساد | تحديات وحلول 14 بحـــث علمـــاء القـــرن الســـابع عشـــر وخاصـــة هوبـــس وجـــون لـــوك وروســـو وميكافيلـــي وجون بـــودان ثـــم الفالســـفة الذين بحثوا فـــي العدالـــة المثالية من خـــال الملكية العامة (المدرســـة الماركســـية) عـــن الجـــذور األولـــى لتبلـــور نشـــوء الدولـــة (كعقـــد اجتماعـــي) للخـــروج مـــن حالة االضطـــراب العموميـــة المســـتدامة الداميـــة المدمـــرة التـــي يمتنـــع فيهـــا اإلنتـــاج ويتعطـــل اإلبـــداع وينعـــدم فـــي ظاللهـــا القاتمـــة الســـواد قيـــام صناعـــة أو علـــم أو تجـــارة أو حيـــاة آمنة علـــى المســـتوى الشـــخصي والعام بســـبب الخـــوف الدائم والخطـــر الداهم للقتـــل أو الطرد أو اإلقصاء أو االســـتعباد عند كل لحظة تاريخية أو اشـــراق شـــمس أو غيابها.وألن الكائن البشري بد إذا منإال بالعيش المشـــترك مع اآلخرين فـــا ّ ككائـــن مدنـــي ال يســـتطيع أن يحيا ويتكامـــل ّ تحكيـــم العقـــل لتالفي المـــوت الذي يطارد البشـــر للعيش بســـام وأمن أصبحا نادريـــن.الرغبة فـــي الســـام واألمـــن الدائـــم جعـــل المجتمعـــات واألفـــراد يميلـــون إلى التنـــازل عن أجـــزاء من الحقـــوق الطبيعيـــة واالقتصـــار على قـــدر من الحرية يتســـاوى بحرية اآلخرين من خـــال التعاقد بيـــن الناس المتســـاوين. وقـــد أشـــار جـــان جـــاك روســـو :إن الخضـــوع للقـــوة هو فعـــل من أفعـــال الضـــرورة ،ولكـــن هذا الخضـــوع لقـــوة أخـــرى فوق قـــوة المجتمـــع التي أصبحت تســـمى (دولـــة) ،يلزمه وجـــود حاكم يفوضـــه المجتمـــع (بالحكـــم) بشـــرط حماية أمـــن المجتمع الـــذي أصبح مفقـــوداً .1 إن التفويـــض الـــذي يقـــوم بـــه المجتمـــع للحاكم هـــو بمثابـــة عقد اجتماعـــي للخـــروج أو الهرب مـــن قانون شـــريعة الغـــاب إلى قانـــون الدولـــة المحايـــدة العادلـــة المفوضة باســـتخدام القوة فـــارغ كما يقـــول هوبس.2ٍ كالم ٍ الشـــرعية.فالعقـــود بال ســـيف ليســـت ســـوى ســـرابٍ أو أصبـــح العقـــد االجتماعي بمثابة التعبير الدقيق واألمين عن إرادة الشـــعب ،والذي افترض تبلور قـــوة ضاغطـــة مفوضة باســـتخدام القوة الشـــرعية فـــوق الجميـــع وضمان احتـــرام المتعاقدين لعقدهـــم ،وأن تفـــرض عليهـــم هـــذه القـــوة الناشـــئة (الدولـــة) العقـــاب الـــازم عنـــد الضـــرورة، ويتجـــاوز العقـــاب المنفعـــة التي يحوزونها إذا خرجـــوا عن عهدهم بالعقـــد االجتماعي ،وتمارس الدولـــة ســـلطتها على الجميع مقابل تنازل الناس لها عن ســـلطاتهم الطبيعيـــة أو أجزائها منها ولهـــذا وجدت الدولـــة التي يدينون لهـــا جميعاً بالســـام والحماية. مفهـــوم أدق مـــن وصـــف العقـــد االجتماعي بعقـــل المجتمـــع المنزَّ ه عـــن الهوى ٌ ليـــس هنـــاك حيـــث اســـتهدف تاريخيـــاً فـــض اشـــتباك المصالـــح والتوتـــرات الناجمـــة عنهـــا ،وأن العقـــد الذي أفضـــى لظهـــور (الحاكـــم) أو النظام السياســـي الحقـــاً أصبحت مهمتـــه التاريخيـــة الحفاظ على إال الصالـــح العـــام دون انحيـــاز لفئـــة علـــى حســـاب أخـــرى.وأن ال يتنـــازل األفـــراد عـــن حقوقهم ّ بالقـــدر الـــذي يتيـــح للســـلطة الناشـــئة القيـــام بواجباتها للدفـــاع عـــن مصالحهم بحياديـــة تامة. طرف في العقد شـــأنه شـــأن المحكوميـــن ،فإذا ٌ ووفـــق منطـــق العقـــد االجتماعـــي ،والحاكم تجـــاوز الحاكـــم حـــدود صالحياتـــه المفـــوض بهـــا وهـــي تحقيـــق العـــدل والصالـــح العـــام ،يكون للشـــعب الحـــق فـــي تغييـــر حكومتـــه إذا انحـــازت (بالفســـاد) أو انحرفـــت (باإلفـــراط) بالعنف أو مصـــادرة الحريـــات الطبيعية.3 وإذا كان العقـــد االجتماعـــي هـــو عقـــل المجتمع فإن الدولـــة كجهاز تعاقدي هـــي عبقرية هذا العقل الذي شـــكل القيمة المعيارية األســـمى لفكرة فلســـفية مجردة تجســـد ســـيادة الشعب .1جان جاك روسو.العقد االجتماعي.ترجمة ذوقان قرقوط.دار القلم.بيروت -لبنان ،1973.ص.39 .2مطر ،أميرة :الفلسفة السياسية من أفالطون إلى ماركس.دار غريب للطباعة والنشر.القاهرة – جمهورية مصر العربية ،1999.ص.80 .3مجاهد ،حورية مجاهد :الفكر السياسي من أفالطون إلى محمد عبده.مكتبة األنجلو المصرية.القاهرة – جمهورية مصر العربية.1999.ص .402-383 15 مكافحة الفساد | تحديات وحلول الـــذي يختـــار بإرادتـــه الحرة حكومتـــه التي تمـــارس الســـلطة نيابة عنه وهـــي المخولـــة قانونياً / تعاقديـــاً بإصـــدار األوامـــر /منظومـــة القوانين لتمكيـــن الدولة من القيـــام بوظيفتهـــا التاريخية األساســـية التـــي وجـــدت ألجلهـــا ،وهـــي حماية أمـــن المواطنيـــن وحرياتهـــم من األخطـــار التي كانـــت تهددهـــم فـــي ظـــل الحالـــة الطبيعية التـــي وجدوا فيهـــا “بعد ظهـــور الملكيـــة الخاصة” منافيـــة للوجود اإلنســـاني اآلمن واألخالقي.ولذلك تعين على الدولـــة أن تمتلك إرادة حيادية كاملـــة نزيهة وســـط المصالـــح المتباينة للفئـــات االجتماعية.لذلك فهي المؤسســـة األخالقية األعظـــم ألنهـــا الجهـــة الحياديـــة المعبـــرة عـــن تطلعـــات كافـــة الناس ضمـــن مصلحـــة عامة ،ال تخضـــع أليـــة انحيـــازات عرقيـــة ،أو دينيـــة ،أو جنســـية ،أو جهويـــة ،أو طائفية ،أو مذهبيـــة أو أي متغيـــر اثنـــي أو اجتماعـــي تحت أية ظـــروف طارئة. تأســـس علـــى ذلـــك الفكر اإلنســـاني القائل :بـــأن العقـــد االجتماعي الـــذي أفضى إلـــى الدولة، جعـــل منهـــا دولـــة اإلنســـان فـــي إنســـانيته ال فـــي شـــهواته وميولـــه الطبيعيـــة نحـــو الملكيـــة واالســـتحواذ على حقوق اآلخرين الســـاكنين فـــي حيزه الجغرافي ،دولـــة تجمعها االخالق التي تعتبـــر أساســـاً لها ممـــا يجعل هذه الدولـــة في تناقض مباشـــر ودائم مع العـــرق والدم والدين والفئـــة والتراتـــب واالصطفاء واالســـتعالء.وهي الجهـــة الحيادية األرقى من كل المؤسســـات االجتماعيـــة األقـــدم ألنهـــا تهيـــئ اإلرادة العامـــة لخدمـــة الفـــرد وتهيـــئ الفرد لخدمـــة اإلرادة والمصلحـــة العامـــة“.الدولـــة تتكـــون – مهمـــا كانـــت طريقـــة تكونهـــا – تنمـــو ،تتطـــور ،تنظـــم نفســـها إداريـــاً ووظيفيـــاً ،وسياســـياً ،تأخـــذ طريقهـــا فـــي التنميـــة االقتصاديـــة ،تتحـــرك ككائن اجتماعـــي عضـــوي ،ال تقبـــل بالجمود أو الســـكون أو التراجع.ومنذ نشـــأتها وهـــي تحمل معها مصداقيتهـــا”.لذلـــك فـــإن الشـــعوب لم تختلف علـــى وظيفة الدولـــة وإنما كان الخـــاف دائماً علـــى حكومـــة هـــذه الدولـــة أو نظامها السياســـي الذي قـــد يتعثر أو ينحـــاز أو يمتهن الفســـاد ويشـــجعه باالســـتبداد والمحســـوبيات والحســـابات العرقيـــة والدينيـــة والتراتبيـــة والطبقيـــة والســـلطوية والتســـلط والعنف ومصادرة الحريات والرشـــاوى وســـوء اســـتخدام المال وإهدار المـــوارد والطاقات.4 والمصداقيـــة المشـــار إليهـــا مشـــتقة من الفعـــل الثالثي “صدق” ومن االســـم المقتـــرن بالفعل وهـــو “الصـــدق” كأعظـــم المعاييـــر األخالقيـــة الجامعـــة المحيطـــة بـــكل المثـــل العليـــا لألخالق إال بضده ،فإن الكذب وفـــق مقاربة الثنائيات الضدية اإلنســـانية ،وإذا أدركنـــا أن المعيـــار ال يعرف ّ يندرج ضمن أشـــد المعايير اإلنســـانية االخالقية انحطاطاً وتوحشـــاً وفساداً وظلماً وتخريباً.بل إن الكـــذب مـــن أخطر الصفـــات اللصيقة بالظلم والفوضى والعدوان والســـرقة والســـلب واالحتيال والغـــش والغطرســـة والســـفاهة والفظاعة واإلجـــرام واالنحطـــاط واالبتذال.وإذا كان الفســـاد لصيقـــاً بالكـــذب المنافـــي للصـــاح والصالـــح العام.فإن الفســـاد كمفهـــوم وداللة أشـــد ارتباطاً بالكـــذب مـــن أية صفة أخـــرى قريبة مـــن الـــدالالت المقترنة به. لذلـــك :فـــإن األصـــل للموضـــوع المطـــروح للدراســـة وهـــو “الفســـاد” يفتـــرض أن “الدولـــة هـــي المؤسســـة االجتماعيـــة األرقـــى ألنهـــا المؤسســـة القيميـــة المرتبطـــة بالصـــدق والمصداقيـــة فـــي الحكـــم السياســـي للمجتمع السياســـي /المدني ،وهـــي خاصيتهـــا األبرز فـــي التعاطي مع المجتمـــع وفق مضمون العدل والمواطنة المتســـاوية وتحقيق أمن وســـامة الجميع ،بما في ذلـــك حماية حقـــوق المواطنين كافـــة (اإلرادة العامة) بما يحقق حماية الحريـــات الطبيعية التي ولـــد اإلنســـان بهـــا.وهـــذه هـــي الوظيفة األساســـية للدولـــة التي لـــم تنقطـــع مصداقيتها منذ اختلقتهـــا الشـــعوب للخـــروج إلـــى األبد من شـــريعة الغاب الوحشـــية.وحتى تحقـــق الدولة هذه ..4غالب ،عبد الكريم :أزمة المفاهيم وانحراف التفكير.مركز دراسات الوحدة العربية.بيروت – لبنان ،1998.ص 219-189 مكافحة الفساد | تحديات وحلول 16 بـــد من تطوير المؤسســـة التنفيذية “الحكومة” كمخزن للســـلطات المعبرة عن الوظيفـــة كان ال ّ وظيفـــة الدولة من جهة ،تصبح الحكومة هي الوســـيلة لتجســـيد ســـلطة الدولـــة وإرادتها وهي أداة تصنـــع وتنفـــذ سياســـاتها مـــن جهة أخرى.ومـــن ثم فهي مـــرآة للتعبير عنها ولكنها ليســـت بديال عنها.وسياســـة الدولة ليســـت سياســـة شـــخصية أو حزبية أو طائفية ...وبالتالي ً مرادفاً أو فالدولـــة هـــي التـــي تختار وتدرب األفراد الذين يتشـــكل منهـــم الجهاز اإلداري الـــذي يتم تجهيزه ألداء مهـــام تتســـم بالـــدوام واالســـتمرار.لذلـــك كلـــه ،إذا كانت وظائـــف الدولـــة ذات طابع عام وفلســـفي مجـــرد ،فإن وظائـــف الحكومة أكثر تحديـــداً وذات طابع عملي مباشـــر يمكن اخضاعه للمعاينة والبحث والدراســـة للحكم عليه إن كان حكماً سياســـياً صالحاً أو حكماً سياســـياً فاسداً .5 .2.1.1االتجاهات النظرية لتأطير مفهوم الفساد: نظـــراً للنتائـــج الكارثيـــة لحلـــول ظاهـــرة الفســـاد واســـتفحالها ،وســـرطنتها لخاليـــا المجتمعـــات الحيـــة ،ونتائجهـــا الكارثية على أمن المجتمعات ومســـتقبلها ،فقد كانـــت الظاهرة دوماً محطة محورية للبحث والدراســـة ســـواء لفهم جذورها ألجل تعطيل وإعاقة تطورها واســـتفحالها ،أو مدها في الحيز السياســـي الرســـمي ألجل فهم النتائج المترتبة على نموها وتطورها واتســـاع ّ أو المدنـــي أو االســـتثماري التنمـــوي (القطـــاع الخـــاص).وعموماً تبلـــورت االتجاهـــات النظرية لتعريـــف الفســـاد في أربعة اتجاهات كبرى تشـــكل معاً التقاربات األساســـية لدراســـة الظاهرة، وهـــي فيمـــا يلي :االتجاه األخالقي ،واالتجـــاه القانوني ،واتجاه المصلحـــة العامة ،واتجاه الرأي العام .6 أوال :االتجاه األخالقي ً الـــذي نجـــد موروثـــه فـــي الفكـــر السياســـي اليونانـــي ومـــا تـــاه من آثـــار فـــي الفكر السياســـي العالمي ،فهو يشـــير إلى أن الحكم يعد فاســـداً إذا حكم عليه المجتمع بذلك ،وإذا أحس الذي يمارس الفســـاد بالذنب.والمجتمع الفاســـد هو الذي تســـيطر عليه وتخترقه المصلحة الخاصة فـــا يأبـــه للقيـــم المدنية وتغيب عنـــه معاني الوالء والتعـــاون ويحكمه العنف والرشـــوة. ثانياً :اتجاه الرأي العام قـــدم هـــذا المدخـــل مســـاهمة كبيـــرة فـــي مجـــال تحديـــد مواطـــن الفســـاد وتحليلهـــا كنتيجة َّ لتطـــور منهـــج الدراســـات السياســـية المقـــارن التـــي تضمنـــت االهتمـــام بقيـــاس الـــرأي العـــام ونظرتـــه وإدراكه ألشـــكال الفســـاد وحجمهـــا وآثارهـــا الكارثية على النســـق المجتمعـــي والبناء ســـواء كانـــت الثقافة ً السياســـي.حيـــث تلعـــب ثقافة المجتمـــع دوراً هاماً في تحديد الفســـاد، فـــي مســـتوى المثـــل والمعاييـــر المجتمعيـــة التي يقاس بهـــا الســـلوك ،أو الثقافة السياســـية وأهميتهـــا العميقـــة في تحديد توجهـــات المواطنين حول القضايا والمشـــكالت التي تبرز خالل عمل النظام السياســـي.فما تراه بعض المجتمعات ســـلوكاً فاســـداً قد تراه أخرى أنه ســـلوك اعتيـــادي ،ويدخـــل ضمن الفســـاد األبيـــض الذي يمارســـه الجميع. ثالثاً :االتجاه القانوني أصبـــح هـــذا االتجـــاه أكثـــر نفعاً وتأثيـــراً في مقاومة الفســـاد وإجهـــاض خالياه مع تطـــور النظم السياســـية باتجـــاه الديمقراطيـــة التـــي تقـــوم علـــى القضـــاء المســـتقل ،وفصـــل الســـلطات والمواطنة والتعددية والمشـــاركة السياســـية والشـــفافية واإلعالم الحر لضبـــط عمل النظام. .5نافعة ،حسن :مبادئ علم السياسة.مكتبة الشروق الدولية.القاهرة – جمهورية مصر العربية.ص .228 .6ليام ،محمد حليم :ظاهرة الفساد السياسي في الجزائر األسباب واآلثار واإلصالح.مركز دراسات الوحدة العربية.بيروت – لبنان.2011.ص.80-68 17 مكافحة الفساد | تحديات وحلول لذلـــك فـــإن هـــذا االتجاه ينطلق مـــن تحديد مفهوم الوظيفـــة العمومية وشـــروطها وإجراءات عملهـــا وشـــروط صحتهـــا قانونياً .وعليه يصبح الفســـاد مـــن ناحية قانونية“ :هو الســـلوك الذي يخالـــف الواجبات الرســـمية للمنصـــب /الوظيفة العموميـــة مهما كانت صالحياتهـــا ،تطلعاً إلى مكاســـب خاصـــة أو مكانـــة اعتبارية/معنوية في البنـــاء االجتماعي”. لـــذا فهو ســـلوك ينطوي علـــى انتهاك القانون بممارســـته أنواعـــاً معينة من التأثير تســـتهدف تحقيـــق مصلحـــة خاصـــة علـــى حســـاب /أو من حســـاب المصلحـــة العامـــة.وتتمثل أبـــرز تجليات هـــذا الســـلوك المخالـــف للقانـــون في الرشـــوة( :تقديـــم تســـهيالت أو منح /أعطيات لشـــاغل المنصـــب العام بهدف اســـتمالته والتأثير عليه وشـــراء ذمته وضميره).والمحســـوبية :أولويات القرابـــة والصداقـــة أو المشـــترك الدينـــي أو المكاني أو السياســـي /األيدولوجـــي على الكفاءة واالســـتحقاق فـــي التســـهيالت أو التوظيفـــات أو أداء الخدمات فيما يتضمـــن االعتداء ونهب المـــال والمـــوارد العامة ،أو اســـتخدامها بصورة غير مشـــروعة في التشـــريعات التي ينص عليها القانـــون.ووفقـــاً لهذا المدخل :ال يكون الســـلوك الوظيفي فاســـداً فقـــط باإلقدام على فعل غيـــر مشـــروع ،وإنمـــا يكـــون أيضـــاً باالمتنـــاع أو تعطيـــل عمل مشـــروع كتعطيـــل إجـــراء قانوني معين . إال انعكاس لغياب النظام السياســـي ال شـــك أن عموميـــة الفســـاد ،وارتفاع مســـتوياته ما هـــو ّ الديمقراطـــي الكـــفء المتعـــارف عليـــه فـــي الثقافـــة العربيـــة (بالحكـــم الصالـــح) الـــذي يتوخى الحكمـــة والعقالنيـــة والمعايير األخالقية المتعـــارف عليها في المجتمعات اإلنســـانية.ولذلك فـــإن الفســـاد السياســـي هـــو المدخـــل العريـــض واألساســـي واالســـتراتيجي الـــذي تنبثـــق عنه ً كافة.7 الممارســـات االجتماعيـــة والثقافيـــة واإلعالميـــة واالقتصادية الفاســـدة رابعاً :اتجاه المصلحة العامة ضمـــن هـــذا االتجـــاه يمكـــن الحديث عن الفســـاد عندمـــا يكون صاحـــب الوظيفة العامـــة مكلفاً بالقيـــام بأعمـــال الوظيفـــة وتقـــدم له مزايـــا أو منح مالية غيـــر منصوص عليها فـــي القانون من طـــرف مـــا؛ التخـــاذ تدابير تفيد هذا الطرف الذي قـــدم المزايا ،وتضر بالجمهـــور ومصالحه ،حيث ُع ِّـــرف الفســـاد ضمن هذا االتجـــاه بأنه انتهاك المصلحة المشـــتركة بجلب مصالح شـــخصية عبر خيانة المســـؤولية فـــي العمل العام. 2.1مفهوم الفساد ()Corruption سنستعرض فيما يلي تفسير مفهوم الفساد ً لغة واصطالحاً : .1.2.1تعريف الفساد: الفساد لغة :التلف والعطب ،واالضطراب والخلل ،والجدب والقحط والحاق الضرر. 8 الفســـاد اصطالحـــاً :هنـــاك كثير مـــن التعريفات الخاصة بالفســـاد كمـــا يتضح في الجـــدول (،)1 وبشـــكل عـــام ،تتفـــق كل التعريفـــات على أن الفســـاد هو الحصـــول على منفعة شـــخصية ،من الوظيفـــة العامـــة التي هـــي مرتكز الفســـاد إال إن المقصود بذلك ،هو حدوث الفســـاد في كل مـــن القطاعين :العـــام والخاص. .7السعيد ،مصطفى كامل :العوامل واآلثار السياسية للفساد.الفساد والحكم الصالح في البالد العربية.مركز دراسات الوحدة العربية.بيروت -لبنان.2004.ص .280-273 مكافحة الفساد | تحديات وحلول 18 الجدول ( :)1بعض تعريفات الفساد التعريف المنظمات واالقتصاديون اســتخدام المنصــب العــام لتحقيــق مكاســب خاصــة ،وهــو أيضــا اســتغالل موظفــي الدولــة لمواقعهــم وصالحياتهــم للحصــول علــى كســب غيــر حمد مشــروع او منافــع يتعــذر تحقيقهــا بطــرق مشــروعة.9 الخــروج عــن القانــون والنظــام أي عــدم االلتزام بهما أو اســتغالل غيابهما مــن أجــل تحقيــق مصالــح سياســية ،أو اقتصاديــة ،أو اجتماعيــة للفــرد أو حمد لجماعــة معينــة.فهــو ســلوك يخالــف الواجبــات الرســمية للمنصــب العــام تطلعــا إلــى تحقيــق مكاســب خاصــة ماديــة ومعنويــة.10 ســوء اســتعمال الســلطة لتحقيــق أربــاح أو منافــع خاصــة ،ويشــمل ذلــك جميــع أنــواع الرشــاوى للمســؤولين المحلييــن أو السياســيين ،ولكنــه األمم المتحدة يســتبعد الرشــاوى التــي تحــدث فــي القطــاع الخــاص.11 منظمة الشفافية استغالل السلطة من أجل المنفعة الخاصة.12 الدولية اســتخدام الوظيفــة لتحقيــق منافــع خاصــة أو االســتغالل الســيئ البنك الدولي للوظيفــة العامــة والرســمية مــن أجــل تحقيــق مصلحــة خاصــة.13 الفساد = االحتكار +حرية التصرف – المساءلة. روبرت ليتجارد ســلوك يتضمــن انحــراف المســؤولين العاميــن وانتهاكهــم لألســس التــي صامويل هنتغوتن يقــوم عليهــا النظــام السياســي بغيــة تحقيــق مصالحهــم الخاصــة. .8حمد ،أحمد :مكافحة الفساد في التشريع الفلسطيني والمقارن “دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة”.دار الشروق للنشر والتوزيع.عمان -األردن.2019.ص .28 .9نفس المصدر السابق.ص .29 .10نفس المصدر السابق.ص .29 .11داود ،ابتهــال محمــد رضــا ،الفســاد اإلداري وآثــاره السياســية واالقتصاديــة مــع اإلشــارة إلــى التجربــة العراقيــة فــي الفســاد ،دراســات دوليــة ،العــدد ( ،)48جامعــة بغــداد، العــراق.2011 ، .12وارت ،محمد :الفساد وأثره على الفقر إشارة إلى حالة الجزائر.جامعة سعد دحلب البليدة ،العدد ( ،)8الجزائر.2013 ، .13داود ،ابتهال ،مصدر سابق. 19 مكافحة الفساد | تحديات وحلول .2.2.1تحديد مفهوم الفساد من وجهة نظر محلية وإقليمية ودولية: .1.2.2.1مفهوم الفساد من وجهة نظر محلية: علـــى صعيـــد الحالـــة الفلســـطينية فقـــد ورد تعريـــف للفســـاد فـــي تقريـــر المجلس التشـــريعي الفلســـطيني حول ملف الفســـاد في العام “ :1997بأنه الخروج عن أحكام القانون أو األنظمة الصـــادرة بموجبـــه ،أو مخالفـــة السياســـات العامـــة المعتمدة مـــن قبل الموظـــف العام بهدف جنـــي مكاســـب لـــه ،أو آلخريـــن ذوي عالقـــة ،أو اســـتغالل غياب القانـــون بشـــكل واع للحصول علـــى هـــذه المنافع”.ولـــم يتطرق قانـــون مكافحة الفســـاد رقـــم ( )1لســـنة 2005وتعديالته لتعريـــف الفســـاد ولكنـــه حدد أشـــكاله كما ســـيرد الحقاً . .2.2.2.1مفهوم الفساد من وجهة نظر إقليمية: عرفـــت االتفاقيـــة العربيـــة لمكافحة الفســـاد بأنه ظاهـــرة إجراميـــة متعددة األشـــكال ذات آثار ســـلبية على القيـــم االخالقيـــة والحياة السياســـية والنواحـــي االقتصاديـــة واالجتماعية.14 تهدف االتفاقية إلى: تعزيـــز التدابيـــر الراميـــة إلى الوقاية من الفســـاد ومكافحته وكشـــفه بكل أشـــكاله ،وســـائر الجرائـــم المتصلـــة به ومالحقـــة مرتكبيها. تعزيز التعاون العربي على الوقاية من الفساد ومكافحته وكشفه واسترداد الموجودات. تعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة وسيادة القانون. تشـــجيع األفراد ومؤسســـات المجتمـــع المدني على المشـــاركة الفعالة في منع الفســـاد ومكافحته. .3.2.2.1مفهوم الفساد من وجهة نظر دولية:15 هنـــاك عـــدة تعريفـــات للفســـاد مـــن المؤسســـات والمنظمـــات الدوليـــة العاملـــة فـــي مجـــال مكافحـــة الفســـاد: عرفـــه برنامـــج األمـــم المتحـــدة اإلنمائـــي بأنه “ إســـاءة اســـتخدام القـــوة الرســـمية أو المنصب أو الســـلطة للمنفعـــة الخاصـــة ،ســـواء عـــن طريـــق الرشـــوة أو االبتـــزاز او اســـتغالل النفـــوذ أو المحســـوبية أو الغـــش أو تقديـــم إكراميـــات لتفعيـــل الخدمـــات أو عـــن طريـــق االختـــاس. أما البنك الدولي فعرفه بأنه “استغالل المنصب العام بغرض تحقيق مكاسب شخصية”. أمـــا منظمـــة الشـــفافية الدوليـــة فعرفتـــه بأنـــه “اســـتغالل المصلحـــة العامة لتحقيـــق مصلحة خاصـــة” وعرفتـــه اكاديميـــة اإلنتربـــول لمكافحـــة الفســـاد بأنـــه “ :أي تدبيـــر يتخـــذه أو يتقاعس عـــن اتخـــاذه األشـــخاص أو المنظمـــات العامـــة أو الخاصة بما يشـــكل انتهاكاً للقوانيـــن أو خيانة لألمانة”. أمـــا صنـــدوق النقـــد الدولـــي فقد وضـــع تعريفا للفســـاد اإلداري جاء فيه إنه “ســـوء اســـتعمال الوظيفـــة العامـــة مـــن أجـــل الحصـــول علـــى مكســـب خـــاص ،ويتحقـــق عندمـــا يقبـــل الموظف الرســـمي رشـــوة أو يطلبهـــا أو يبتزها”. مـــع التركيـــز هنا على الفســـاد في القطاع العام ،فيحدث الفســـاد عندما يقـــوم موظف بقبول .14الموقع االلكتروني لجامعة الدول العربية.https://carjj.org/sites/default/files/achievements/ltfqy_lrby_lmkfh_lfsd.pdf، 2019/11/5 : .15حمد ،أحمد.مصدر سابق.ص .31-30 مكافحة الفساد | تحديات وحلول 20 أو طلـــب أو ابتـــزاز أو رشـــوة ،لتســـهيل عقـــد أو إجـــراء طـــرح منافســـة عامـــة ،كمـــا يتـــم عندمـــا يعـــرض وكالء أو وســـطاء لشـــركات أو أعمـــال خاصـــة تقديم رشـــوة لالســـتفادة من سياســـات أو إجـــراءات عامـــة للتغلـــب على المنافســـين ،وتحقيـــق أرباح خارج إطـــار القوانيـــن المرعية ،كما يمكـــن للفســـاد أن يحصـــل عـــن طريـــق اســـتغالل الوظيفـــة العامـــة دون اللجـــوء إلى الرشـــوة، وذلـــك بتعييـــن األقارب أو ســـرقة أمـــوال الدولة. وقـــد توســـع مفهـــوم الفســـاد ليشـــمل كل خـــروج عـــن القواعـــد القانونيـــة والقيم اإلنســـانية المتعـــارف عليهـــا بشـــأن العمل الوظيفـــي ،وبدأت تختلـــف تعريفات الفســـاد باختـــاف الزاوية التـــي ينظـــر مـــن خاللها إليه ،فيعد فســـاداً كل ســـلوك انتهك أيا مـــن القواعـــد والضوابط التي يفرضهـــا النظـــام ،كما يعد فســـاداً كل ســـلوك يهدد المصلحـــة العامة بخيانتها وعـــدم االلتزام بهـــا وذلـــك بتغليـــب المصلحـــة الخاصة علـــى المصلحـــة العامة ،وكذلك أي إســـاءة الســـتخدام الوظيفـــة العامة لتحقيق مكاســـب خاصة ،وقد يتضمن مفهوم الفســـاد النيـــة واإلرادة اآلثمة التـــي تســـتهدف التكســـب من الوظيفـــة العامة بـــأي صورة.16 .3.2.1أشكال الفساد في فلسطين: ُ تمكنت فلســـطين كغيرها من الدول من وضع قانون لمكافحة الفســـاد ،ولهذه الغاية أنشـــئت هيئـــة مكافحـــة الفســـاد بموجـــب القـــرار بقانـــون رقم ( )7لســـنة ( )2010بشـــأن تعديـــل قانون الكســـب غير المشـــروع رقـــم ( )1لســـنة 2005م وتعديالتـــه ،17حيث حدد القانون الفلســـطيني الفســـاد بأنـــه :يعتبر فســـاداً لغايات تطبيق أحـــكام هذا القـــرار بقانون الجرائـــم المبينة أدناه: .1الرشوة (:)Bribery وتشـــمل طلب الرشـــوة ،قبول الرشوة ،عرض الرشوة سواء لنفســـه أو لغيره وال تقتصر الرشوة علـــى البـــدل المادي وإنما تشـــمل هديـــة أو وعداً أو أيـــة منفعة أخرى ليقـــوم بعمل حق بحكم عمـــا غير حق أو ليمتنـــع عن عمل كان يجب أن يقوم بـــه بحكم وظيفته.ً وظيفتـــه أو ليعمـــل .2االختالس (:)Embezzlement كل موظـــف عمومـــي أدخـــل فـــي ذمته مـــا وكل إليه بحكـــم الوظيفـــة أو بموجـــب تكليف من رئيســـه أمـــر إدارتـــه أو جبايتـــه أو حفظـــه مـــن نقود وأشـــياء أخرى للدولـــة أو ألحد مـــن الناس. .3التزوير (:)Forgery and forfeiture تحريـــف مفتعـــل للحقيقـــة فـــي الوقائـــع والبيانـــات التي يـــراد إثباتها بصـــك او مخطـــوط يحتج بهمـــا ،نجـــم أو يمكـــن أن ينجـــم عنه ضـــرر مادي أو معنـــوي ،ويجب حتـــى تكتمل هـــذه الجريمة اســـتخدام هذا المســـتند أو الوثيقـــة المزورة. .4استثمار الوظيفة (:)Exploitation of office مـــن وكل إليـــه بيع أو شـــراء أو إدارة أمـــوال منقولة أو غير منقولة لحســـاب الدولة أو لحســـاب إدارة عامـــة ،فاقتـــرف غشـــاً في أحد هذه األعمـــال أو خالف األحكام التي تســـري عليها إما لجر مغنـــم ذاتـــي أو مراعاة لفريق أو إضـــراراً بالفريق اآلخر أو إضراراً بـــاإلدارة العامة. .16الفســاد اإلداري والمالــي :الواقــع واآلثــار وســبل الحــد منــه.الموقــع اإللكترونــي لالئتــاف مــن أجــل النزاهــة والمســاءلة (أمــان)https://www.aman-palestine.org/media- : center/2045.htmlبتاريخ .2020/2/2 .17القانــون األصلــي ،قانــون الكســب غيــر المشــروع رقــم ( )1لســنة .2005المنشــور فــي الوقائــع الفلســطينية.العــدد الثالــث والخمســون.فبرايــر .2005رام اللــه -فلســطين.وجــرى تعديــل هــذا القانــون 6مــرات بموجــب :قــرار بقانــون رقــم ( )7لســنة 2010م بشــأن تعديــل قانــون الكســب غيــر المشــروع رقــم ( )1لســنة 2005م ،وقــرار بقانــون رقــم ( )13لســنة 2014م بشــأن تعديــل قانــون مكافحــة الفســاد رقــم ( )1لســنة 2005م ،وقــرار بقانــون رقــم ( )4لســنة 2017م بشــأن تعديــل قانــون مكافحــة الفســاد رقــم ( )1لســنة 2005م ،وقــرار بقانــون رقــم ( )37لســنة .2018وقــرار بقانــون رقــم ( )9لســنة 2019بشــأن تعديــل قانــون مكافحــة الفســاد رقــم ( )1لســنة 2005م وتعديالتــه ،وقــرار بقانــون رقــم ( )27لســنة 2019م بشــأن تعديــل قانــون مكافحــة الفســاد رقــم ( )1لســنة 2005م وتعديالتــه. 21 مكافحة الفساد | تحديات وحلول .5إساءة االئتمان (:)Breach of trust كل من ســـلم إليه على ســـبيل األمانة أو الوكالة ،وألجل اإلبراز واإلعادة ،أو ألجل االســـتعمال علـــى صـــور معينـــة ،أو ألجل الحفظ ،أو إلجـــراء عمل -بأجر أو دون أجر -مـــا كان لغيره من أموال ونقـــود وأشـــياء ،وأي ســـند ،يتضمـــن تعهـــداً أو إبراء وبالجملـــة كل من وجد في يده شـــيء من هـــذا القبيـــل فكتمـــه أو بدله أو تصرف بـــه تصرف المالك أو اســـتهلكه أو أقـــدم على أي فعل يعـــد تعديـــاً أو امتنع عن تســـليمه لمن يلزم تســـليمه إليه. .6التهـــاون فـــي القيـــام بواجبـــات الوظيفـــة (Complacency in carrying out office :)duties كل موظـــف تهـــاون بـــا ســـبب مشـــروع فـــي القيـــام بواجبـــات وظيفتـــه وتنفيـــذ أوامـــر أمـــره المســـتند فيهـــا إلـــى األحكام القانونيـــة.وإذا لحق ضرر بمصالـــح الدولة من جراء هـــذا اإلهمال، فإنـــه يتـــم معاقبتـــه مع ضمـــان قيمة هـــذا الضرر. .7غســـل األمـــوال الناتجـــة عـــن جرائـــم فســـاد (Money Laundering Emanating from :)Corruption Crimes وفقاً للقرار بقانون رقم ( )20لســـنة 2015م فإنه يعد مرتكباً لجريمة غســـل األموال وتمويل 18 اإلرهـــاب كل من قام بأي فعـــل من األفعال اآلتية: 1.اســـتبدال أو تحويـــل أو نقـــل األمـــوال مـــن قبـــل أي شـــخص ،وهو يعلـــم بأن هـــذه األموال تشـــكل متحصـــات جريمـــة لغـــرض إخفـــاء أو تمويـــه األصل غيـــر المشـــروع لهـــذه األموال، أو لمســـاعدة شـــخص متـــورط فـــي ارتـــكاب الجريمـــة األصليـــة علـــى اإلفـــات مـــن التبعات القانونيـــة المترتبـــة علـــى أفعاله. 2.إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية أو المصدر أو الموقع أو التصرف أو الحركة أو الملكية أو الحقوق المتعلقة باألموال من قبل أي شخص يعلم أن هذه األموال تشكل متحصالت جريمة. 3.تملـــك األمـــوال أو حيازتهـــا أو اســـتخدامها مـــن قبـــل أي شـــخص وهـــو يعلـــم فـــي وقـــت االســـتالم أن هـــذه األمـــوال هـــي متحصـــات جريمـــة لغـــرض إخفـــاء أو تمويـــه األصـــل غير المشـــروع لهـــذه األمـــوال. 4.االشـــتراك أو المســـاعدة أو التحريض أو التآمر أو تقديم المشـــورة أو النصح أو التســـهيل أو التواطؤ أو التســـتر أو الشـــروع في ارتـــكاب أي من األفعال المنصـــوص عليها أعاله. .8الكسب غير المشروع (:)Illicit gain كل مـــال حصـــل عليـــه أحـــد الخاضعيـــن ألحـــكام هـــذا القـــرار بقانـــون ،لنفســـه أو لغيـــره بســـبب اســـتغالل الوظيفـــة أو الصفـــة ،ويعتبر كســـباً غير مشـــروع كل زيادة في الثروة تطـــرأ بعد تولي الخدمـــة أو قيـــام الصفة علـــى الخاضع لهذا القـــرار بقانون أو على زوجه أو علـــى أوالده القصر، متـــى كانـــت ال تتناســـب مـــع مواردهـــم ،وعجز عن إثبـــات مصدر مشـــروع لها. .9المتاجرة بالنفوذ (:)Influence Peddling قيـــام الموظـــف أو أي شـــخص آخر ،بشـــكل مباشـــر أو غيـــر مباشـــر ،بالتماس أو قبـــول أي مزية غيـــر مســـتحقة لصالحـــه أو لصالح شـــخص آخر ،لكي يســـتغل ذلك الموظف أو الشـــخص نفوذه الفعلـــي أو المفتـــرض بهـــدف الحصول مـــن إدارة أو ســـلطة عمومية على مزية غير مســـتحقة. .18فلســطين :قــرار بقانــون رقــم ( )20لســنة 2015م بشــأن مكافحــة غســل األمــوال وتمويــل اإلرهــاب.الوقائــع