تاريخ مصر في عصور البطالمة والرومان PDF

Summary

يُقدم هذا المستخلص لمحاضرة عن تاريخ مصر في العصور البطلمية والرومانية. يبدأ الكتاب بمقدمة تُسلط الضوء على عصر الإسكندر الأكبر وفتح مصر، و يناقش الكتاب التغييرات السياسية والحضارية التي حدثت خلال هذه الفترة.

Full Transcript

**[المحاضرة الأولى]** يتناول هذا الكتاب تاريخ مصر في عصري البطالمة والرومان، وهو عصر يمتد ما بين عام ۳۳۲ ق.م. وحتى عام ٢٨٤ ميلادية، ويعد من أخصب عصور التاريخ المصري. ففي عام ۳۳۲ ق.م تمكن الإسكندر الأكبر من فتح مصر، وكانت آنذاك إحدى ولايات الإمبراطورية الفارسية، ثم أعقب ذلك بإسقاط الإمبراطورية الفار...

**[المحاضرة الأولى]** يتناول هذا الكتاب تاريخ مصر في عصري البطالمة والرومان، وهو عصر يمتد ما بين عام ۳۳۲ ق.م. وحتى عام ٢٨٤ ميلادية، ويعد من أخصب عصور التاريخ المصري. ففي عام ۳۳۲ ق.م تمكن الإسكندر الأكبر من فتح مصر، وكانت آنذاك إحدى ولايات الإمبراطورية الفارسية، ثم أعقب ذلك بإسقاط الإمبراطورية الفارسية ذاتها، والاستيلاء على كافة ممتلكاتها، وقد واصل هذا الفاتح المقدوني تقدمه في قلب القارة الآسيوية، حتى وصل إلى وادي نهر السند، حيث قرر العودة، وفي مدينة بابل العريقة وافته المنية في عام ٣٢٣ ق.م. يطلق المؤرخون على العصر الذي أعقب وفاة الإسكندر الأكبر اسم العصر الهللينیستی. وهو عصر ذو ملامح محددة تختلف عن ملامح العصر السابق عليه، فقد انصهرت الحضارات الشرقية مع الحضارة الإفريقية في بوتقة واحدة، وتولدت حضارة جديدة هي الحضارة الهللينيستية، وهي حضارة ليست غربية ولا شرقية، بل إنها جمعت ما بين الشرق والغرب في تناغم جميل، يعكس أفكار الإسكندر الأكبر، الذي كان يؤمن بالمساواة بين البشر، وبذل جهوداً مضنية للتقريب بين الشرق والغرب. ومن الناحية السياسية فإن إمبراطورية الإسكندر لم تلبث أن إنهارت، وقاومت على أنقاضها ثلاث ممالك كبرى، هي مملكة **مقدونيا في بلاد اليونان،** **والدولة السلوقية التي كانت قاعدتها الرئيسية** **هي سوريا وبلاد الرافدين**، ولكنها شملت مناطق أخرى في بعض الأحيان، أما المملكة الثالثة فهي **مملكة البطالمة في مصر**، التي تمكنت من بسط سيطرتها على مناطق أخرى خارج مصر، لعل أشهرها إقليم جوف سوريا. ** [مقدمات العصر الهللينیستی]** تعد فتوحات الإسكندر الأكبر للشرق؛ بداية لذلك العصر: الذي اصطلح المؤرخون على تسميته بالعصر الهللينيستى، وهو عصر ذو ملامح حضارية متميزة، سوف نعود إلى مناقشتها لاحقا. والإسكندر الذي عرف بالأكبر فيما بعد، هو الإسكندر الثالث ملك مقدونيا، التي تقع شمال بلاد اليونان، وهذا يقتضي منا إلقاء نظرة سريعة على أحوال هذه البلاد، في الفترة السابقة على عصر الإسكندر، لكي نتعرف على الأسباب التي دفعت هذا القائد إلى فتح بلدان المشرق. لعبت طبيعة بلاد اليونان الجبلية، دورا مهما في الحيلولة دون قيام كيان سیاسي موحد؛ فقد قسمت السلاسل الجبلية هذه البلاد إلى أقاليم منفصلة، وأدى ذلك إلى قيام كيانات سياسية مستقلة، في كل من هذه الأقاليم، عرفت باسم دويلات المدن، أو ما يعرف بال Polisويعد هذا النظام هو محور الحضارة الإغريقية، وكان الإغريق يرون أن نظام دولة المدينة، هو النظام الأمثل، الذي ينبغي للإنسان الحر أن يعيش في كنفه، وكانوا ينظرون إلى من يعيشون في ظل أنظمة أخرى. نظرة لا تخلو من الإحساس بالتعالي ويطلقون عليهم لفظ Barbaros وتعد **مدينة أثينا**؛ من أشهر دويلات المدن، **وتشغل إقليم أتيكا**، الذي يتمتع بمكانة متميزة، وكذلك م**دينة إسبرطة** Sparta، التي تقع في **شبه جزيرة البليبونيز** Peloponnese **جنوب بلاد اليونان**، أما **مدينة طبية Thebes فإنها تقع في قلب بلاد اليونان**. كما وجدت أيضا دول أخرى، سواء في بلاد اليونان القارية. أو في الجزر التي تحيط بها. وقد شهدت دويلات المدن، تطورات مستمرة في أنظمتها السياسية. وكان لكل دويلة منها تجربتها السياسية المستقلة. وتراوحت هذه النظم ما بين الملكية، والأرستقراطية والديمقراطية. وفي شمال بلاد اليونان كانت تقبع دولة مقدونيا، وبينما شهدت باقي اليونان تحولات سياسية وحضارية مهمة؛ ظلت مقدونيا ذات طابع محافظ. لذا فقد ظلت نظرة الإغريق إلى سكان مقدونيا نظرتهم إلى قوم بدائيين. وقد سعى بعض ملوك مقدونيا، إلى الأخذ مظاهر الحضارة الإغريقية، مثل الإسكندر الأول الذي كان يستضيف في بلاطه بعض الكتاب الإغريق من أمثال هيرودوت، كما كان الملك أرخيلاوس (413- ۳۹۹ ق.م) -Archelaus شديد الإعجاب بالحضارة الإغريقية، وكان بلاطه يعج بالكتاب الإغريق، ويناله إن شاعر التراجيديا المعروف يوربیدیس Euripides؛ كتب إحدى مسرحياته في قصر الملك أرخيلاوس، وأنه راح يمجد هذا الملك، في تلك المسرحية. إلا أن الكثيرين من ملوك مقدونيا: على الرغم من إعجابهم بالحضارة الإغريقية، كانوا يرون أن الإغريق من الناحية السياسية، مجرد دويلات متناحرة، وكانوا ينظرون بإعجاب إلى الإمبراطورية الفارسية. وليس أدل على ذلك من تحالف الإسكندر الأول مع الفرس، خلال الحروب الفارسية وسماحه لقواتهم خلال الحملة الأولى عام 490 ق.م، على بلاد اليونان، بالمرور عبر أراضي مقدونيا؛ بل ومشاركته في الحملة الثانية في عام480 ق.م، إلى جانب الفرس. **[الفرس والإغريق:]** شهد الشرق الأدنى في حوالي عام.44 ق.م، قیام **قورش** أول ملوك الفرس بتأسيس **الإمبراطورية الإخمينية**، ومنذ عام 547 ق.م، أخذت هذه الدولة تشكل تهديدًا لجيرانها، لما يقرب من سبعين عاما متواصلة. وامتدت حدود إمبراطورية قورش؛ من بحر إيجة غربًا حتی جبال هندكوش في الشرق، ومن بحر قزوين شمالاً حتی صحراء بلاد العرب جنوبًا، وكانت المدن الإغريقية التي تقع على **ساحل إیونیا**(إيونيا هي مدينة إغريقية قديمة تقع على الساحل الغربي لآسيا الصغرى على البحر الأبيض المتوسط)، من المناطق التي خضعت للسيطرة الفارسية. وبعد وفاة قورش خلفه على العرش **قمبيز** 530-522ق.م: الذي سار على نهج سلفه، ولم تقتصر فتوحاته على القارة الآسيوية فقط، بل امتدت إلى تارة أفريقيا أيضا بسبب رغبته في الاستيلاء على مصر وقورینی، لما يمثله هذان البلدان من أهمية قصوى للإغريق؛ حيث كانوا يعتمدون عليها في الحصول على حاجتهم من الغلال، فأراد قمبيز حرمان الإغريق من هذه السلعة الحيوية، ويأتي ذلك في إطار الرغبة في محاربة الإغريق باعتبارهم يشكلون عقبة أمام انفراد الفرس بالسيادة البحرية على شرق المتوسط. وبعد وفاة **قمبيز** ارتقى عرش الإمبراطورية الفارسية ابنه **دارا** والذي يطلق عليه الإغريق **داریسوس** Duarius، وحكم فيما بين عامي 521-486 ق.م، وعمل على إعادة بناء الإمبراطورية، على أسس راسخة. وقد حدثنا المؤرخ هيرودوت عن تنظيمات دارا؛ فذكر أنه قسم الإمبراطورية إلى عدد من الولايات، على رأس كل منها حاكم يحمل لقب سترب satrap (كلمة فارسية تعنى حامى المملكة)، وقد جعلت هذه التنظيمات دارا واحدًا من أعظم رجال الإمبراطورية الفارسية. وعلى الرغم من الجوانب البراقة في تنظيمات دارا فقد وجد جانب سلبي، أخذ ينمو في عصر هذا الملك، ويتمثل في **الإحساس بالتفوق، والاستعلام، والجدارة بالسيادة** على سائر رعايا الإمبراطورية الفارسية، من الشعوب الأخرى. كما أن الأساس النظري الذي قامت عليه فكرة الملكية الفارسية كان يقوم على النظر إلى كافة رعايا الملك **باعتبارهم عبيدًا له**. وهو مفهوم لابد وأن يتصادم مع ما جُبل عليه الإغريق من نزوع إلى الحرية والاستقلال السياسي. وبالنسبة للمدن الإغريقية في آسيا الصغرى، التي وجدت نفسها خاضعة للسيادة الفارسية؛ فإنها على الرغم من تمتعها بالحرية في إدارة شئونها الداخلية وكانت مضطرة للإذعان لمفهوم السيادة الفارسية. وفي أثينا التي كانت تعد واحدة من أكبر دويلات الإغريق، التي أخذت نظام الحكم يتجه نحو الديمقراطية، وراحت أثينا تروج لهذا النظام وتحاول نشره في باقي المدن الإغريقية. وترتب على ذلك أن الأثينيين راحوا ينظرون إلى الفرس نظرتهم إلى طغاة برابرة لا ينبغي الخضوع لهم؛ ومن ثم نقد راحوا يحرضون **إغريق آسيا الصغرى** على الثورة ضدهم. لم تلبث الدعاية الأثينية أن أتت ثمارها، فانفجرت ثورة **المدن الأيونية** ضد الفرس، في 499 ق.م، وقام الثوار بإضرام النار في **مدينة ساردیس** Sardis، **عاصمة إقليم ليديا**. وتمكن الفرس من إخماد هذا التمرد، ولم ينس الملك دارا أن أثينا كانت في السبب في إشعال هذه الفتنة؛ فقرر أن يعاقبها، فأرسل حملة عسكرية في عام 494 ق.م. إلا أن سوء الأحوال الجوية حال دون إتمام الحملة. ولم يلبث أن أعاد الكرة في عام 490ق.م وفي هذه المرة نجحت القوات الفارسية في النزول في سهل ماراثون Marathon، الذي يقع بالقرب من أثينا، ولكن الأثينيين تمكنوا من إنزال هزيمة بالفرس عند هذا السهل. **[الإغريق في القرن الخامس ق.م]** بعد انسحاب الفرس من بلاد الإغريق، سيطر الخوف من عودتهم مرة أخرى، فأثينا فكانت أكثر إحساسا بالخوف؛ لذا راحت تدعو إلى قيام حلف دفاعی، من أجل التصدي للفرس، وسارعت العديد من المدن الأيونية، وجزر بحر إيجة إلى تلبية الدعوة، وتقرر إقامة حلف عسکری بزعامة أثينا، ووقع الاختيار **على جزيرة ديلوس** **Delos**؛ لكي تكون مقرًا لخزانة الخلف؛ لذا عرف هذا الحلف باسم **حلفه دیلوس.** ولم يلبث الحلفي أن تحول إلى أداة للهيمنة الأثينية، وراحت أثينا تمارس سياسة تقوم على التسلط، والاستيلاء على سائر أعضاء الحلف، وتعاملت بقسوة متناهية مع المدن التي فكرت في الخروج على سياستها، كما راحت تتدخل في الشئون الداخلية لتلك المدن، وإمعانًا في إظهار تسلطها؛ قامت السلطات الأثينية بنقل خزانة الحلف. إلى أثينا ذاتها. مما أدى إلى إثارة امتعاض باقي الأعضاء. أما إسبرطة فقد انكفأت على نفسها في البليونيز، بعد أن تعرضت لزلزال مدمر أدى إلى إلحاق أضرار مادية جسيمة بها، ما شجع الأرقاء (الهيلوتس Helots) على الثورة، من أجل التخلص من نير الإسبرطيين، إلا أن إسبرطة تمكنت من إخماد هذه الثروة. **[مقدونيا والإغريق]** كان للموقف المحايد الذي التزمت به مقدونيا. خلال هذه الحروب، أبعد الأثر في المحافظة على قوتها. وقد ساعدها على تحقيق المزيد من الاستقلال في سياستها وحالة الضعف التي سيطرته على الإمبراطورية الفارسية وفي النصف الثاني من القرن الخامس، فلم تجد صعوبة في التخلي عن صداقة الفرس. بعد وفاة أرخيلاوس، ملك مقدونيا القوي في عام ۳۹۹ ق.م، سيطر الضعف على هذه المملكة. مما شجع ملك طيبة على مهاجمة مقدونيا عام 367ق.م، وأخذ معه **الأمير فيليب Philip**. وقد أتاح البقاء في طيبة لهذا الأمير الفرصة أن يتعلم في مدرسة طيبة العسكرية التي كانت أفضل المدارس في بلاد اليونان. وبعد أن شب فیلیب عاد إلى مقدونيا، ونجح في ارتقاء العرش في عام ۳۵۹ ق.م. كان فيليب قد بلغ الثالثة والعشرين من العمر، عندما تربع على عرش مقدونيا، فأخذ يعمل على تقوية بلاده في شتى المجالات، وتحمس لنشر الحضارة الإغريقية في سائر أرجاء المملكة. واستطاع أن يبسط سيطرته على الكثير من الأقاليم المجاورة. وقد أحس الملك فيليب بأن خطر الفرس ما يزال يلوح في الأفق؛ فدعا الإغريق إلى الاتحاد، إلا أنهم أصموا آذانهم عن هذه الدعوة، ورأى البعض منهم أن فليب مثل خطرًا على حرية الإغريق، لا يقل بأي حال من الأحوال عن خطر الفرس، وأخذ خطباء أثينا في إلقاء مجموعة من الخطب النارية، لتحريض الإغريق ضد فيليب، ووصل به الأمر إلى اقتراح طلب المعونة من الفرس، لردء خطر مقدونيا. وعند هذا الحد وجد فيليب أنه لا مناص من فرض الوحدة على الإغريق، فحاربهم بعد أن اجتمعوا ضده، وأنزل بهم الهزيمة في **موقعة خايرونيا Chaeronea** **في عام338 ق.**م. وأجبرهم على تكوين حلف عسکری بزعامة مقدونيا، من أجل محاربة الفرس، والانتقام منهم لأنهم دنسوا مقدسات اليونان، وأعلن فيليب عزمه على قيادة الإغريق لحرب الفرس. وفي عام ۳۳۸ ق.م. عبرت طلائع القوات المقدونية **مضيق الهلسبونت**، وكان من المقرر أن يبدأ الزحف الكامل في عام 336ق.م. إلا أن اغتياله فيليب في هذا العام أوقف هذا المشروع. **[الإسكندر الأكبر:]** على **الاسكندر الثالث**، الذي عرفه **بالأكبر** فيما بعد، عرش مقدونيا، وكان يبلغ من العمر عشرين عاما، وكان قد أظهر منذ صباه المبكر نبوغًا، يدل على أنه سيصبح حاكمًا قديراً. وتلقى العلم على يد الفيلسوف **المشهور أرسطو**، وظل شديد العرفان لهذا الأستاذ، وأشاد به قائلاً \" أن أبی هو الذي وهبني الحياة، لكن أرسطو هو الذي علمني كيف أحيا\". وقد أظهر الإسكندر منذ صباه شجاعة وثقة كبيرة في النفس. وكان على ثقة من أنه سیرتقی عرش مقدونيا، ويروى عنه أنه عندما كان في عامه الثاني عشر، وافته الأنباء بأن فيليب انتصر في معركة كبيرة، فتضایق قائلاً \" إذا ظل أبی یکسب مزيدًا من المعارك، فلن يتبقى لي بلاد أفتحها. وعندما بلغ السابعة عشرة؛ قرر فيليب أن الوقت قد حان التدريب ابنه على الحكم. فأسند إليه مهمة تصريف الأمور في مقدونيا، عندما اضطر إلى التوجه جنوبا في بلاد اليونان، وفي تلك الأثناء انتهزت إحدى القبائل الفرصة، وأعلنت التمرد مستغلة حداثة سن الإسكندر، إلا أنه قمع هذا التمرد بعنف. واستولي على أكبر المدن التي تقع في أرض هذه القبيلة، وأطلق عليها اسم \" **مدينة الإسكندر** \" Alexandropolis A mosaic of a person riding a horse Description automatically generated **[الاسكندر الاكبر]** وفي معركة خايرونيا عام ۳۳۸ ق.م. كان الإسكندر يتولى قيادة الفرسان، وكان عمره ثمانية عشر عاما، وأظهر بسالة نادرة خلال المعركة، إلا أن العلاقة بين الإسكندر ووالده كانت متوترة، ويرجع سبب هذا التوتر إلى **أوليمپياس Olympias**، والدة الإسكندر، وعلى الرغم من أنها كانت سيدة شرسة، غريبة الأطوار، إلا أنها كانت عظيمة الأثر على ابنها. وكان فيليب قد ضاق بها ذرعًا؛ واتخذ لنفسه زوجة أخرى تدعى كليوباترا، وكانت مقدونية، بينما كانت أوليمبياس من منطقة إيبسروس Eperus، التي تقع غرب بلاد اليونان: لذا فقد راحت الأقاويل تتناثر حول رغبة فيليب في إنجاب وريث للعرش، يكون مقدونيًا خالصًا، مما يعني إزاحة الإسكندر عن ولاية العهد. وعندما بلغ التوتر في العلاقة بين فيليب وزوجته، درجة عالية، قرر فيليب نفي هذه السيدة المشاكسة إلى بلدها. وقد رافق الإسكندر والدته إلى المنفى. وبعد برهة أرسل فيليب إلى الإسكندر، طالبا منه العودة إلى مقدونيا، وقد استجاب الابن وعاد إلى **مدينة بيلا** \"Pella، **عاصمة مقدونيا**، وعلى الرغم من محاولات فيليب للتقرب من ابنه إلا أن الإسكندر ظل فاترا تجاه أبيه. وعندما أنجبت العروس المقدونية ابناً لفيليب، أستبد القلق بالإسكندر ووالدته، وساورهم الخوف من أن تتحقق الأقاويل التي أثيرت من قبل، في جنابات القصر. **وفي عام 336 ق.م تم اغتيال فيليب**، فكان من الطبيعي أن تشير أصابع الاتهام إلى الإسكندر ووالدته. وهو اتهام لم تثبت صحته. وعندما أصبح الإسكندر ملكا؛ كان أول عمل أقدمت عليه أوليمبياس هو قتل كليوباترة وابنها، وهو عمل أثار استباء الإسكندر. تربع الإسكندر على عرش مقدونيا في عام 336 ق.م.، وعمره عشرين عاما، وما أن ترامي إلى المدن الإغريقية نبأ وفاة فيليب حتى هبت ثائرة، رغبة في التخلص من نير مقدونيا، وكان الإغريق يعتقدون أن الإسكندر شاب صغير لا تتوفر لديه قوة فيليب ولا خبرته. تزعمت **مدينة طيبة** ثورة الإغريق ضد مقدونيا، فسار إليها الإسكندر، واستولی عليها، وأمر بتسوية المدينة بالأرض، وبيع ثلاثين ألفا من أهلها في أسواق العبيد، إضافة إلى قتل ستة آلاف آخرين منهم. وقد أراد الإسكندر أن يجعل من طيبة أمثولة، حتی يتعظ باقي الإغريق، ويبدو أنهم قد استوعبوا الدرس جيدا، فلم يسببوا متاعب تذكر الإسكندر بعد ذلك. بعد أن اطمأن الإسكندر إلى هدوء الأحوال، في بلاد اليونان، شرع في القيام بالحملة، التي كان يتأهب أبوه فيليب للقيام بها، ضد الإمبراطورية الفارسية. وبعد عامين من اعتلائه العرش، أي في عام 334ق.م، عبر بقواته **مضيق الهلسبونت**، وقام بزيارة سهل طروادة، وهو المكان الذي شهد أحداث حرب طروادة، وربما حملت هذه الزيارة مغزی مهم، فبالإضافة إلى الإعجاب الشديد الذي يكنه الإسكندر **لأخيل بطل ملحمة الإلياذة**، التي تناولت أحداث حرب طروادة، فإن هذه الحرب نظر إليها البعض على إنها مرحلة من مراحل الصراع بين الشرق والغرب، وهي مرحلة انتهت بانتصار الغرب ممثلاً في أجداد الإغريق، الذين هزموا طروادة، القوة الشرقية. توغل الإسكندر بعد ذلك في آسيا الصغرى، وكانت من ممتلكات الإمبراطورية الفارسية. وكان جيشه يبلغ ثلاثين ألف من المشاة، وأربعة آلاف من الفرسان. وهو جيش صغير، إذا ما أخذنا في الاعتبار ما كانت تتمتع به الإمبراطورية الفارسية، من قدرة على إعداد قوات كبيرة. وأحرز الإسكندر أول انتصاراته على الفرس، عند نهر صغير يسمى **جرانیکوس** Granicos مما أتاح له فرصة الاستيلاء على باقي أقاليم آسيا الصغرى، وكذلك الجزر المتاخمة للشاطئ. واصل الإسكندر سیوه، متجها صوب الجنوب، فوصل إلى **إسوس Issos** (طرسوس الحالية). وفي هذا الموقع دارت رحى معركة كبيرة؛ حيث كان الجيش الفارس، بقيادة **الملك دارا الثالث** مرابطا عند هذا المكان، وأحرز الإسكندر نصراً باهرًا، فر على أثره الملك دارا الثالث، تاركًا والدته وزوجته وبناته، اللاتي وقعن في أمر الإسكندر فأكرمهن وعاملهن معاملة طيبة. وأمر الإسكندر ببناء مدينة في هذا الموقع احتفالا بالنصر، حملت اسم الإسكندرية (الإسكندرونة) فيما بعد. عقب الهزيمة فر دارا إلى الشرق، وكان من المتوقع أن يسير الإسكندر في إثره؛ إلا أنه رأى أنه من الأصوب أن يقوم بالاستيلاء على قواعد الأسطول الفارسي في البحر المتوسط أولا، لذلك قرر السير إلى الجنوب. ويرى بعض الدارسين أن المؤرخين قد بالغوا في الإشادة بعبقرية الإسكندر. عند إشارتهم إلى هذه الخطوة، وأن الأمر لا يعدو رغبة الإسكندر في الاستيلاء على مصر؛ وذلك لما كانت تتمتع به من شهرة. **باعتبارها من أهم مصادر الغلال في العالم القديم**، وأنه كان يحتاج إلى مصدر لتمويل جيشه، قبل الإقدام على الاتجاه إلى الشرق. اجتاح الإسكندر ساحل فينيقيا، وراحت المدن تستسلم وأحدة تلو الأخرى. إلا **أن مدينة صور** استعصت عليه، وأغلقت أبوابها دونه. فحاصرها لمدة سبعة شهور. واضطرت للاستسلام بعد مقاومة عنيدة، فأنزل الإسكندر بأهلها عقابا أشبه بما فعله مع طيبة من قبل. وفي أثناء حصاره لمدينة صور، تلقي الإسكندر رسالة من الملك دارا، حملت عرضا من الملك الفارسي، يقضی بالاعتراف بالإسكندر ملكً، وأن يتنازل له عن الأراضي التي تقع غربي نهر الفرات، كما عرض أن يزوجه ابنته، إلا أن الإسكندر رفض هذا العرض. **[فتح مصر:]** في خريف عام ۳۳۲ ق.م. تقدم الإسكندر نحو مدينة غزة، فسلمت له بعد أن حاصرها لمدة شهرين، وأصبح على مشارف مصر، فبلغ **مدينة بيلوزیون Pelosion** (تل الفرمة الحاليا) **شرقی بورسعيد، وهي بوابة مصر الشرقية**، وكانت أنباء انتصارات الإسكندر قد سبقته؛ فسارع الوالي الفارسي بالاستسلام للفاتح المقدونی. كما رحب به المصريون ترحيباً حارًا. فقد راجت شائعات حول ارتباط الإسكندر بالإله آمون، وانحداره من صلب آخر فراعنة مصر، وأنه جاء لكي يحرر مصر من الاحتلال الفارسي. ولما كان المصريون يحلمون بالتخلص من الفرس؛ فقد سرتهم هذه الأنباء، وما هو جدير بالذكر أن المصريين كانوا قد ثاروا أكثر من مرة، وذلك من أجل استخلاص حريتهم من الفرس، إلا أن الفرس تمكنوا من إخماد هذه الثورات وإبقاء مصر تحت سيادتهم، ولما كان الإغريق قد مدوا يد العون للمصريين خلال هذه الثورات؛ فإن المصريين تصوروا أن الإسكندر قادم في هذه المرة على رأس الإغريق لتحريرهم. **[مصر قبیل الفتح المقدوني:]** شهد عصر الأسرة السادسة والعشرين طفرة في العلاقات بين مصر وبلاد الإغريق، وذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن **المرتزقة الإغريق** ساعدوا إبسماتيك الأول في اعتلاء العرش منذ ذلك الحين ازدادت أهمية الإغريق في مصر؛ فأنزل ملوك العصر الصاوي جنودهم الإغريق في مستعمرات خاصة، مثل مستعمرة دافنی Daphne في شمال شرق الدلتا، وذلك من أجل الدفاع عن المدخل الشرقي لمصر، الذي ظل يمثل الخطر الأكبر على مصر دوما كما استخدم الفرعون نخاو الثاني (610-595 ق.م)المرتزقة الإغريق في حملاته الآسيوية، وهي الحملات التي تمكن من خلالها هذا الفرعون من تحقيق السيادة المصرية، على أجزاء من بلاد الشام فيما بين عامي 608-605 ق.م ، إلى أن تمكن الملك **البابلي نبوخذ نصر** من إلحاق الهزيمة به في موقعة \" قرقمیش \" عام 605 ق.م. ومن الأعمال الهامة التي تنسب إلي الفرعون نخاو قيامه بحفر قناة تصل ما بين الفرع البلوزي للنيل والبحر الأحمر. وقد استمر فراعنة المصر الصاوي في استخدام المرتزقة الإغريق في جيوشهم، وشارك هؤلاء المرتزقة في حملات الملك إبسماتيك الثاني على النوية في عام 593 ق.م، وفي عهد الفرعون أبريس Apris (588-568ق.م) استأثر المرتزقة الإغريق بمكانة رفيعة في مصر، ما أدى إلى إثارة حتى الجنود المصريين، فثاروا بقيادة أحمس (أمازيس Amasis)، وأعقب ذلك اعتلاء أحمس للعرش، وعلى الرغم من أن هذا القائد تزعم ثورة ضد النفوذ الإغريقي؛ فإنه عندما تولى العرش رأى أنه من الأفضل أن يعمل علی کسب صداقة الإغريق. وشهد عهده الذي امتد ما بين عامي 568، 525 ق.م. نمطًا فريدا من تشجيع الإغريق على الاستقرار في مصر. لذا أطلقت المصادر الإغريقية على الفرعون أحمس الثاني لقب صديق الإغريق. واستمر وجود المرتزقة الإغريق في صفوف القوات المصرية، فقاتلوا إلى جانب هذه القوات في عهد الفرعون إبسماتيك الثالث في بيلوزيون عام 535ق.م. وهي المعركة التي لقى فيها الفرعون هزيمة على يد **الملك الفارسی قمبيز**، وكانت بداية للاحتلال الفارسي لمصر ولا يفوتنا أن تذكر أن الوجود الإغريقي في مصر: لم يقتصر على الجنود المرتزقة فقط، بلي شمل إلى جانب هؤلاء فئات أخرى، مثل التجار، وكان الفرعون إبسماتيك الأول، قد بادر بفتح أبواب مصر أمام التجار الأجانب، ومنهم الإغريق. بعد ازدياد النشاط التجاري للإغريق في مصر، قام التجار الإغريق بإنشاء مدينة تقراطيس Naucratis موقعها في محافظة البحيرة حاليا). وظلت هذه المدينة مركزًا تجاريًا وحضاريًا مهمًا، إلى أن احتلت الإسكندرية هذه المكانة فيما بعد، وإلى جانب المرتزقة والتجار توافدت على مصر أعداد من ذوي الخبرة في بعض المجالات، مثل رجال البحرية الذين ساعدوا الفرعون نخاو في بناء الأسطول، كما ذكر المؤرخ هيرودوت. وكانت مصر أيضا مثارًا لاهتمام رجال العلم والفلاسفة الإغريق، فأخذوا في التوافد إليها. ومن أشهر هؤلاء الفيلسوف طالیس وأفلاطون، أما هيرودوت أبو التاريخ فقد زارها في عام 450 ق. م، إبان الحكم الفارسي. وخصص الكتاب الثاني من مؤلفه للحديث عن مصر. ولم تقتصر العلاقات بين مصر وبلاد الإغريق قبيل الفتح المقدوني على الأفراد؛ بل تعدی ذلك لكي تشمل العلاقات بين مصر ودويلات المدن الإغريقية، وما هو جدير بالذكر أنه في أعقاب الاحتلال الفارسي لمصر. ورغبت مصر في التخلص من الحكم الفارسي، وكانت من بين الولايات التي شقت عصا الطاعة. وقاد التمرد حينها امير لیبی يدعی ایناروس Inaros. الذي نجح في السيطرة على منطقة غرب الدلتا، وهرع إلى مدينة أثينا طالبا مساعدتها في ثورته ضد الفرس. وتلقت اثينا هذا الطلب، وأبدت رغبتها في مساعدة هذا الثائر، لأن هذا الموقف يخدم السياسة الأثينية التي كانت على الدوام ترمي إلى بث القلائل في أرجاء الإمبراطورية الفارسية، العدو التقليدي للإغريق وقد أرسلت أثينا أسطولا لمؤازرة الثائر. **[الإسكندر الأكبر في مصر]** أبحر الإسكندر في **الفرع البلوزی** لنهر النيل ([^1^](#fn1){#fnref1.footnote-ref})، ووصل إلى مدينة منف مقر عبادة الإله بتاح، وحرص على إظهار احترامه للديانة المصرية، فقدم القرابين للإله، وحرص على إبداء احترامه للكهنة، ومن المرجح أنه توج فرعون طبقاً للطقوس المصرية. ومن ناحية أخرى فإنه أراد أن يؤكد كونه رسول الحضارة الإغريقية إلى الشرق؛ فأقام مهرجانًا رياضيًا وموسيقيًا في منف، على الطريقة الإغريقية. وبعد أن فرغ الإسكندر من كل ذلك؛ أبحر في **الفرع الكانوبي لنهر النيل**[^2^](#fn2){#fnref2.footnote-ref}، حتی مصب هذا الفرع عند مدينة كانوب (أبو قير المالية)، وسار بعد ذلك برًا قاصدًا مدينة قورینی Cyrene، وهي مستعمرة بناها الإغريق على ساحل ليبيا (مكانها الحالي قرية شحات بمحافظة الجبل الأخضر). وكانت تابعة للفرس. وفي أثناء سير الإسكندر بمحاذاة شاطئ البحر المتوسط، لفت انتباهه موقع قرية صغيرة يسكنها الصيادون المصريون، تدعى **راقودة Rhacotis**، وتقع قبالتها في البحر جزيرة صغيرة تسمى **فاروس Pharos،** فقرر إقامة مدينة في هذا الموقع، ويأتي ذلك في إطار رغبته في تخليد اسمه من خلال إقامة المدن، ومن ناحية أخرى فقد أراد إقامة ميناء يكون قادرًا على أن يسلب مدينة صور الأهمية التي تتمتع بها من الناحية التجارية. وعهد إلي مهندس يدعی **دینوکراتیس Deinocratis** بأن يقوم بتخطيط المدينة. وتم إقامة جسر يصل ما بين اليابسة وجزيرة فاروس، وقد حملت المدينة الجديدة اسم الإسكندرية. وبعد أن قام الإسكندر بوضع حجر الأساس لمدينته الجديدة، واصل سير في اتجاه الغرب. وعندما بلغ مدينة برايتونيون Paraetonion (مرسى مطروح الحالية)؛ التقى وفدًا من مدينة قورینی جاء لمبايعته وتقديم الهدايا له. فلم يعد هناك ما يدعوه إلى مواصلة السير إلى قورینی، وقرر أن يخترق الصحراء جنوبًا إلى واحة سيوة؛ حيث يوجد معبد الإله آمون، وهو معبد نال شهرة عالمية باعتباره من أشهر معابد الوحي في العالم، وقد أراد الإسكندر من خلال هذه الرحلة أن يحقق عدة أهداف، أولها **إثبات انتسابه للإله آمون**، كما أراد من ناحية أخرى أن يسال الوحي عن مدى نجاح خططه المستقبلية. وكانت رحلة الإسكندر ورفاقه إلى واحة سيوة محفوفة بالمخاط، فلم تكن لدي الإغريق خبرة بالسير في دروب الصحراء. ومن الجدير بالذكر أن بعض المصادر القديمة بالغت في الحديث عن المعجزات الي صاحب هذه الرحلة. عندما بلغ الركب نهاية الرحلة، تقدم الإسكندر نحو معبد الإله آمون فاستقبله كبير الكهنة قائلا \" أهلا بابن آمون\" **أهلا بابن آمون\"،** ودعاه إلى دخول قدس الأقداس. وكان الإسكندر يرغب في سماع هذا الاعتراف من كبير الكهنة. ثم دلف بعد ذلك إلى قاعة قدس الأقداس بمفرده. بعد أن فرغ الإسكندر من زيارة سيوه، عاد إلى وادي النيل، وحرص على أن يعلن للجميع عن دخول الحضارة الإغريقية إلى مصر، لكي تكون توأما للحضارة المصرية. ولكنه حرص على الإبقاء على النظم الإدارية المصرية القديمة، أما الإدارة المالية فقد عهد بها إلى الإغريق، وجعل على رأس هذه الإدارة مواطن إغريقي من **مدينة نقراطيس، ويدعي کلیومینیس** cleonenes. وأبقى على منف عاصمة لمصر. ومن الناحية الإدارية قسم مصر إلى قسمين هما الوجه البحري، والوجه القبلي. وجعل على كل قسم منها حاكما من أبناء البلاد **[الإسكندر في الشرق:]** بعد أن فرغ الإسكندر من تنظيم أحوال مصر؛ غادرها في عام ۳۳۱ ق.م. متجهًا إلى مدينة صور، تمهيدا للزحف إلى قلب الإمبراطورية الفارسية، ولم يكن أمام الملك الفارسي بعد أن رفض الإسكندر عرضه السخي، سوى أن يستعد للمواجهة العسكرية، وقد التقى جيش الإسكندر مع الجيش الفارسي في عام ۳۳۱ ق.م. **عند چاوجميلا Gaugamela بالقرب من أربيل** عند الموصل الحالية)، وفي هذه المعركة أحرز الإسكندر نصر باهرة على الملك دارا الثالث، الذي ولي الأدبار صوب الشرق، ويعتبر المؤرخون هذه المعركة واحدة من أهم المعارك في تاريخ البشرية. ودخل الإسكندر مدن الفرس العظيمة مثل سوسة ويرسبوليس Perspolis. وهكذا سقطت الإمبراطورية الفارسية. وصار الاسكندر وهو في سن السادسة والعشرين سيدا على العالم، واصل الإسكندر تقدمه في الإمبراطورية الفارسية، التي كانت حدودها تمتد إلى الهند شرقًا. وفي إقليم باكتريا (أفغانستان الحالية) تزوج من **روكسانا Roxana** أبنة حاكم هذا الإقليم. ثم واصل سيره حتى وصل إلى إقليم البنجاب ووادي نهر السند، وعند هذا الحد أدركت رجاله حالة من الملل والإعياء: فرفضوا أن يطبعوا قائدهم، وطالبوه بالعودة إلى بلادهم، وعلى الرغم من حالة الإحباط التي سيطرت على الإسكندر من جراء طلب رجاله؛ فإنه اضطر إلى الإذعان لهم. وقرر تقسيم قواته في طريق العودة إلى قسمين، يعود أحدهما عن طريق البر تحت قيادته، بينما يعود القسم الآخر بحرا، وعهد إلى أحد رجاله ويدعي نيارخوس Nearchos مهمة قيادة الأسطول الذي أعد لهذا الغرض. وجعل الهدف الرئيسي لهذه المهمة اكتشاف طريق للربط بين الغرب والشرق عن طريق البحر. ولم تكن أهدف الإسكندر تقتصر على إيجاد طرق الاتصال بين الشرق والغريب فقط؛ بل كان يهدف إلى إقامة جسر المحبة والتفاهم بين الشعوب. فتزوج من سيدة شرقية. وأمر رجاله بالزواج من سيدات فارسيات، وأقيم لهذا الغرض حفل كبير تزوج فيه تسعة آلاف من المقدونيين من سيدات أسيويات. ومكث الإسكندر في بابل التي كان يخطط لجعلها عاصمة الإمبراطورية، وأخذ يتطلع إلى سماع أخبار الأسطول، وكانت الاتصالات مع نیارخوس ورجاله قد انقطعت تماما، وظن الإسكندر أن الأسطول قد هلك في مياه المحيط الهندي، ولكنه فوجئ، بوصول نیارخوس إلى بابل. وفرح بهذا النبأ فرحا غامر، واستقبل نبارخوس بحفاوة بالغة، وراح يستمع باهتمام إلى المعلومات التي جمعها الأسطول خلال الرحلة. وشجعه ذلك على الاستمرار في استكشاف المزيد من المناطق. وكانت بلاد العرب على رأس البلاد التي حظيت باهتمام الإسكندر. فقد أسهبت بعض المصادر في الحديث عن ثروة هذه البلاد. **[الإسكندر الأكبر بلاد العرب:]** على الرغم من أن الخليج العربي جاء ذكره عند هكتيوس (هو مؤرخ يوناني، من أهل القرن السادس قبل الميلاد، يُنسب إلى مدينة ميليتوس في آسيا الصغرى) في حوالي 500ق.م. إلا أن فكرة الإغريق عن هذا الخليج ظلت محدودة، وكانوا يطلقون عليه اسم الخليج الفارسي نظرًا لخضوع هذا الخليج للنفوذ الفارسي في تلك الآونة. انفق الإسكندر الشطر الأكبر من عامه الأخير في الإعداد لخطة اكتشاف بلاد العرب؛ فأمر ببناء أسطوله في قبرص وفينيقيا لهذا الغرض، وتم نقل السفن برا إلى ثايساكوس -Thapsacus ( بالقريبه من دير الزور الحالية، في طريقها إلى بابل)، ويذكر أن الإسكندر أمر بإقامة ميناء في بابل لاتخاذه قاعدة للعمليات، وكان هذا الميناء من الضخامة بحيث أنه كان يتسع لما يقرب من الف سفينة. وفي إطار الاستعداد لإرسال الحملة الكبرى؛ بادر الإسكندر بإيفاد ثلاث حملات استكشافية في عام324 ق.م. وكان هدف هذه الحملات جمع المعلومات عن شواطئ بلاد العرب والجزر المتاخمة لها. وتولى قيادة البعثة الأولى أرخياس Archias ، وهو أحد رجال حملة نيارخوس. ويذكر أن أرخپاس وصل حتى جزيرة تيلوس Tylos (البحرين) أما البعثة الثانية فقد تولى قيادتها **أندرو** **ستشینز Androthenes من ثامسوس Thasos**، وقطعت هذه البعثة شوطا أطول من سابقتها، فوصلت إل تيلوس، وأصدر قائدها كتابا ظل بشكل مرجعا أساسيا للبحارة على نطاق واسع، وتولي **هيرون Frieron قيادة البعثة الثالثة**، التي بدأت رحلتها من جنوب بابل، وتمكنت من الطواف حول الجزيرة العربية، والوصول إلى ميناء هيروبوليس Heroopolis في مصر، حيث استدارت عائدة لتقديم التقارير إلى الإسكندر وبينما انطلقت هذه البعثات الثلاث من بابل، قامت في نفس الوقت بعثة من الاتجاه المقابل. فقد أمر الإسكندر بقيام حملة من ميناء هيروبوليس في مصر، للدوران حول بلاد العرب، إلا أن هذه الحملة لم تتجاوز باب المندب في مدخل البحر الأحمر. وعلى الرغم من ذلك فقد تمكنت من جمع معلومات طيبة عن الشواطئ الغريبة لبلاد العرب. وما هو جدير بالذكر أن الإسكندر كان يؤمن ايمانا راسخا بأهمية بناء المدن والمستعمرات، وكان يخطط لإقامة العديد من المستعمرات على شاطئ الخليج العربي. ويوجد دليل على قیام الإسكندر بإنشاء مستعمرة في شمال شرق الجزيرة العربية، على حدود بلاد الرافدين، وذكر اثنان من الكتاب القدماء أن الإسكندر دخل إلى بلاد العربية، وأقام مدينة حصينة أعدها لسکنی جنوده الذين انتهت مدة خدمتهم. إلا أننا لا نستطيع تحديد موقع هذه المدينة ومن المرجح أنه أطلق عليها اسم الإسكندرية. وربما كان الإسكندر يرمی من خلال إقامة هذه المدينة، إلى تحقيق عدة أهداف، أولها إقامة مركز دفاعی ضد غارات العرب، وثانيها إقامة ميناء يمكن اتخاذه قاعدة للعمليات للأسطول الكبير، الذي كان يجري بناؤه لغزي بلاد العرب، أما الهدف الثالث فهو خلق مركز تجاري على رأس الخليج العربي لاستقبال البضائع الوافدة من الشرق. وبينما كانت الاستعدادات لإرسال الحملة الكبرى لبلاد العرب تجرى على قدم وساق، جری إقامة حفل كبير في شهر يونية من عام ۳2۳ ق.م. على شرف نیارخوس والذي تقرر اسناد قيادة الحملة إليه، وفي اليوم التالي للحفل أصيب الإسكندر بالحمى، وعلى الرغم من هذا لم تتوقف الاستعدادات لإرسال الحملة، وحرص الإسكندر على الرغم من مرضه على مناقشة تفاصيل الخطة مع نيارخوس. وفي مساء اليوم العاشر من شهر يونية عام ۳۲3 ق.م. توفى الإسكندر، ولم يكن قد بلغ الثالثة والثلاثين من عمره، بعد أن حكم مدة إثني عشر عاما ونصف، تعد بحق من أخصب سنوات تاريخ البشرية. ::: {.section.footnotes} ------------------------------------------------------------------------ 1. ::: {#fn1} الفرع البيلوزى من النيل: هو واحد من فروع دلتا نهر النيل المندثرة وكان يقع عند نهاية مدينة بيلوزيوم شرق مدينة بورفؤاد الحالية، اللي سماها العرب الفرما.[↩](#fnref1){.footnote-back} ::: 2. ::: {#fn2} كان الفرع الغربي الأقصى من فروع النيل ويصب عند كانوب --بالقرب من ضاحية أبي قير الحالية- ويعتبر هذا الفرع هو الحد الغربي للدلتا أو مصر السفلى وقد أطلق عليه إسم الفرع الكانوبي نسبة الى هذه المدينة.[↩](#fnref2){.footnote-back} ::: :::

Use Quizgecko on...
Browser
Browser