تاريخ مصر في عصور البطالمة والرومان PDF
Document Details
Uploaded by CheapestSalmon
جامعة عين شمس
2024
سامي عبد الفتاح
Tags
Related
- الجزء الأول رابعة ابتدائي الفصل الدراسي الأول PDF
- الجزء الأول رابعة ابتدائي الفصل الدراسي الأول PDF
- الجزء الأول رابعة ابتدائي الفصل الدراسي الأول رابعة ابتدائي PDF
- دراسات اجتماعية الصف الخامس الفصل الدراسي الأول 2024 - 2025 PDF
- الفن في العصر المتأخر - ورقة بحث PDF
- محاضرات في التاريخ المصري القديم PDF
Summary
هذه المحاضرات تتناول تاريخ مصر في العصرين البطلمي والروماني. تغطي جوانب مختلفة مثل االقتصاد، والسياسة، واالجتماع. تركز الدراسة على تفاعل الحضارة المصرية مع الحضارة اليونانية والرومانية.
Full Transcript
ر محاضات ر يف تاريخ مصر في عصري البطالمة والرومان د /سامي عبد الفتاح 1 2 نموذج رقم ()12 جامعة :عين شمس...
ر محاضات ر يف تاريخ مصر في عصري البطالمة والرومان د /سامي عبد الفتاح 1 2 نموذج رقم ()12 جامعة :عين شمس البنات لآلداب والعلوم والتربية كلية: التاريخ قسم: توصيف مقرر دراسي العام الجامعي ()2024 -2023 -1بيانات المقرر: الرمز الكودي 215 :تا اسم المقرر :تاريخ مصر فى الفرقة :الثانية الفصل :األول العصر اليونانى والرومانى الشعبة :عام 4 عدد الساعات الدراسية )6( :نظري التخصص :تاريخ 2 عملي ج يهدف هذا المقرر إلى: -2أهداف المقرر: -1تعريف الدراسة بالتنظيم الدقيق لألوضاع االقتصادية واالجتماعية وما يترتب عليه ازدهار وتنمية الدولة. -2استفادة الدراسة من تنمية الوعى السياسى وترسيخ الهوية الوطنية. 3 -3إلمام الدراسة بالتحليل العلمى للقضايا التاريخية والسياسية واالجتماعية. -4تنمية مهارة الدراسة فى استخالص أسباب القوى الشاملة وكذلك عوامل الضعف واالنحالل. -3المستهدف من تدريس المقرر :بانتهاء هذا المقرر ُيتوقع أن تكون الدراسة قادرة على أن: المعلومات أ.1.تتعرف على مقدمات فتح اإلسكندر األكبر لمصر أ. واألعمال التى قام بها. والمفاهيم: أ.2.تذكر الدور الذى لعبته مدينة اإلسكندرية فى العصر اليونانى والرومانى. أ.3.تحدد التحوالت السياسية واالقتصادية لمصر خالل العصر الرومانى. أ.4.تصف سياسة البطالمة االقتصادية واالجتماعية والعسكرية. ب.المهارات المهنية ب.1.تصمم عالقة روما بدول شرق البحر المتوسط. ب.2.توظف أهمية سورية بالنسبة إلى مصر خالل العصر الخاصة بالمقرر: اليونانى. ب.3.تستخدم أهمية مصر بالنسبة لإلمبراطورية الرومانية. ب.4.تبحث أهداف السياسة الخارجية للبطالمة. 4 ج.المهارات الذهنية :ج.1.تحلل طبيعة النظام السياسى الذى وضعه أغسطس لحكم مصر. ج.2.تفسر دوافع البطالمة لتكوين قوة عسكرية راسخة. ج.3.تستنبط السلطات التشريعية والقضائية للحاكم الرومانى فى مصر. ج.4.تستخلص التوجهات االقتصادية الجديدة فى مصر خالل العصر الرومانى. ج.5.تناقش سياسة االقتصاد الموجه لملوك البطالمة. د.1.تَُف ِّعل استخدام أدوات تكنولوجية جديدة د.المهارات العامة: د.2.تشارك فى العمل فى مجموعات. د.3.تتواصل فى حل المشكالت البيئية. د.4.تستثمر تطبيق التعليم الذاتى. د.5.تعبر عن الوعى السياسى والثقافى. جج األسبوع المحتوى -4محتوى المقرر: األول اليونانيون فى مصر قبل فتح 1.4 اإلسكندر األكبر. الثاني اإلسكندر المقدونى وحملته لفتح 2.4 بالد الشرق. الثالث عالميا. ً اإلسكندرية عاصمة وملتقى 3.4 5 الرابع نظام الحكم البطلمى. 4.4 الخامس السياسة الخارجية للبطالمة. 5.4 السادس تابع السياسة الخارجية للبطالمة. 6.4 السابع تكوين قوة عسكرية راسخة. 7.4 الثامن الحالة االجتماعية لمصر فى 8.4 العصر البطلمى. التاسع امتحان أعمال السنة. 9.4 العاشر الحالة االقتصادية لمصر فى 10.4 العصر البطلمى. التاريخ السياسى لمصر فى العصر الحادي عشر 11.4 الرومانى. الثاني عشر النظام القضائى فى مصر خالل 12.4 العصر البطلمى والرومانى. الحالة االقتصادية لمصر فى الثالث عشر 13.4 العصر الرومانى. الضرائب فى مصر خالل العصر الرابع عشر 14.4 الرومانى. 6 الخدمات اإلجبارية فى العصر الخامس عشر 15.4 الرومانى. السادس عشر االمتحانات النهائية السابع عشر -5أساليب التعليم والتعلم.1.5 :المحاضرة .2.5المناقشة والحوار .3.5التعليم الذاتى .4.5التعليم اإللكترونى -6أساليب التعليم والتعلم .1.6 للطالب ذوي القدرات المحدودة: .2.6 .3.6 -7تقويم الطالب: ج -توزيع الدرجات ب -التوقيت أ -األساليب المستخدمة 7 %30 األسبوع التاسع امتحان أعمال السنة %70 األسبوع السادس عشر/ نهاية تحريري امتحان السابع عشر الفصل الدراسي -8قائمة الكتب الدراسية والمراجع: -1أ.د.سامي عبد الفتاح محمد شحاته ،محاضرات في أ.مذكرات تاريخ مصر في عصري البطالمة والرومان ،القاهرة.2019 ، -1مصطفى العبادي ،مصر من اإلسكندر األكبر حتى ب.كتب ُمْل ِّزَمة الفتح العربي ،القاهرة.1965 ، -2إبراهيم نصحي ،تاريخ مصر في عصر البطالمة، القاهرة.1980 ، .1 ج.كتب مقترحة .2 د.دوريات علمية أو .1 نشرات.... .2 ه.مواقع إلكترونية 8 رئيس مجلس القسم العلمي: أستاذ المقرر: أ.د.فتحي عبد العزيز الحداد أ.م.د.سامي عبد الفتاح محمد شحاته 9 10 مقدمة تهدف الدراسة التي تضم صفحات هذا الكتاب إلى محاولة تتبع تاريخ مصر وحضارتها خالل العصرين اليوناني والروماني؛ فالعصر اليوناني شهد قيام دولة البطالمة في مصر ،والتقت خالله الحضارة المصرية بالحضارة اليونانية الوافدة ،ونحاول هنا توضيح المالمح الرئيسية لهذا العصر الذي افتتحه اإلسكندر األكبر ألنه يشكل بالضرورة الخلفية التاريخية التي ال يمكن فهم حضارة مصر في عصر البطالمة دون اإللمام بأبعادها. وفي العصر الروماني أصبحت مصر والية لها أهميتها الكبرى في اإلمبراطورية الرومانية مما جعل لهذه الدراسة قيمتها الخاصي بالنسبة لنا ،إذا كان لنا أن نستكمل تفهمنا لهويتنا أو شخصيتنا الحضارية في مصر وذلك بسبب التداخل الكبير بين حضارتنا اليونانية والرومانية ،وهو تداخل استغرق فترة طويلة من الزمن امتدت حوالي ألف عام- منذ فتح اإلسكندر األكبر لمصر عام ( 332ق.م ).حتى الفتح العربي ( 641م.). -لذا فهي فرصة للتعرف على تاريخ وأحوال مصر في عصور حاسمة من تاريخها. وكان المنهج الذي اتبعته في هذه الدراسة هو منهج التأريخ الحضاري الذي ال يقتصر على الجانب السياسي فحسب وإنما ينظر الدارس من خالله إلى المجتمع نظرة شمولية تضم الجوانب االقتصادية واالجتماعية والثقافية والفنية بحيث تصبح فيها المحصلة النهائية لتفاعل هذه الجوانب هي التاريخ الحقيقي للمجتمع. 11 ولقد قسمت هذه الدراسة إلى قسمين :القسم األول يتناول الجوانب السياسية والعسكرية واالجتماعية في مصر خالل العصر البطلمي؛ أما القسم الثاني فقد تم تخصيصه لتتبع مسارات ومستجدات هذه الجوانب في العصر الروماني. 12 تمهيد ر األكب اليونانيون يف مرص قبل فتح اإلسكندر ر لم يأت اليونانيون إلى مصر مع اإلسكندر للمرة األولى ،بل أن العالقات بين األمتين ترجع إلى أقدم الحقب التاريخية ،فقد كشفت الحفائر التي تمت حتى اآلن في جزيرة "كريت" عن آثار مصرية تثبت وجود عالقات بين مصر وهذه الجزيرة منذ عصر ما قبل األسرات ،وأن التقارب بينهما بلغ ذروته في عصر الدولة الحديثة. وفدا من (الكفتيو) -الذي يعتقد وتؤيد هذه اآلثار نقوش مصر القديمة التي تمثل ً أنهم أهل "كريت" -يقدمون لـ "تحوتمس" الثالث أواني فضية وسبائك من البرونز ،لعلها هدايا للملك المصري من أجل تحسين العالقات وللسماح لهم بالتبادل التجاري مع مصر. ولم يقتصر األمر على "كريت" ،بل أن اآلثار المصرية التي عثر عليها بكميات وفيرة في مناطق مختلفة من شبه الجزيرة اليونانية ذاتها تثبت أن تجارة مصر قد وصلت إلى األسواق اليونانية الهامة في ذلك الوقت مثل "إسبرطة" و"ميكيني" و"أرجوس".ولكن هذه الصالت األولى تنتهي عند نهاية األلف الثاني قبل الميالد بعد سقوط الدولة المينوية في "كريت" والدولة الميكينية في شبه الجزيرة. مرت بالد اليونان في القرون الثالثة التالية بفترة من الفوضى واالضطراب بسبب الغزو الدوري ( )Dorian invasionوآثاره ،وفي نفس الوقت حدثت في مصر تطورات سياسية عنيفة قضت على الدولة الحديثة وعرضت البالد للحكم األجنبي الليبي والفارسي. 13 ومع ذلك فيبدو أن المستوى الصناعي الراقي الذي بلغته مصر خالل عصر الدولة الحيثة قد بقى كما هو. ومنذ القرن الثامن قبل الميالد أخذ اليونانيون ينتشرون بكثرة في مصر.فكان بعضهم يقيم فيها مدة مؤقتة ألجل التجارة ،بينما كان غيرهم بنخرطون في الجيش المصري كجنود مرتزقة ويشتركون في محاربة السوريين والحيثيين واألشوريين.وكان ال يسمح لهؤالء الجنود أن يستقروا مع أسرتهم إال في بعض المناطق على الحدود ،ألن المصريين كانوا يأنفون من االختالط باألجانب. كبير من هؤالء الجنود عددا ًا وقد استخدم "بسماتيك" األول ( 611 -665ق.مً ). المأجورين واضطر في بادئ األمر إلى اسكانهم في مستعمرات خاصة عند "دفنة" ،حيث كانوا يعيشون معزولين عن السكان.على أن الخدمات الكبيرة التي قام بها هؤالء الجنود الشجعان في توطيد عرش "بسماتيك" دفعته إلى ادخالهم في حرسه الخاص ،كما جعلته يسعى إلى التقريب بينهم وبين المصريين.ولهذه الغاية جاء بعدد من األطفال المصريين واسكنهم مع الجنود اليونانيون ليستطيعوا تعلم اللغة اليونانية ويصبحوا تراجمة.كذلك أخذ يشجع التجار اليونانيون على المجىء إلى مصر ألن المكوس التي كان يستوفيها الجباة عن البضائع كانت تدر أمو ًاال طائلة على الخزينة.ولما ارتقى "آماسيس" العرش في سنة ( 570ق.م ).اتخذ بعض التدابير التي كان يبدو ألول وهلة أنها ضد اليونانيون ولكنها أدت في النتيجة إلى تثبيت أقدامهم في مصر.فقد ألغى "آماسيس" معسكرات "دفنة" وأمر بتهديم مصنع السفن اليوناني الذي انشىء في عهد "نخاو" ومنع دخول السفن اليونانية 14 إلى النيل ولم يسمح لليونانيين بالتجارة إال في مكان معين عند مصب النيل الغربيي حيث مركز للتبادل فأخذ اليونانيون يجتمعون في ًا كان التجار من مدينة "ميليتوس" قد اسسوا هذه البقعة التي انقلبت في مدة قصيرة إلى مدينة كبيرة سميت "نوقراتيس" أي "ملكة ألفا.وقد جعل البحر".وقد بنيت فيها عدة معابد يونانية ضخمة وبلغ عدد سكانها خمسين ً "آماسيس" حرسه الخاص كله من اليونانيين الذين سكنوا في "ممفيس" وأصبح لهم حي خاص في العاصمة وتزوج أميرة يونانية وصار يرسل الهدايا إلى المعابد اليونانية ومنح مدينة "نوقراتيس" حقوًقا واسعة في الحكم الذاتي. ولما تولى "باسمتيك" الثاني العرش استصحب معه فرقة من اليونانيين في الحملة التي شنها على الحبشة.وقد نقش كثيرون من هؤالء الجنود أسماءهم على المعابد في "أبي سمبل" بمصر العليا أثناء مرورهم بها. كانت "نوقراتيس" مدينة تجارية وصناعية في الوقت نفسه.وقد اسست فيها مصانع كثيرة لألواني الخزفية والفسيفساء.وكانت تستورد إلى مصر مختلف البضائع اليونانية وتصدر إلى اليونان المنتوجات المصرية من حبوب وورق البردي ومعادن ثمينة وعاج وريش نعام.واشتهرت المدينة بمالهيها ونسائها الجميالت وباعة اآلزهار فيها.وال كثير على اقتباس اليونانيين للحضارة المصرية. شك في أن وجود هذه المدينة قد ساعد ًا وقد كشفت الحفريات األثرية عن آثار "نوقراتيس" التي كانت قد قامت على انقاض مدينة مصرية قديمة ،ووجدت قناة كانت تربط بينها وبين مدينة "سايس". 15 لقد تأثر اليونانيون باألمم الشرقية المجاورة التي اتصلوا بها في مبدأ تاريخهم واقتبسوا عنها الكثير من عناصر الحضارة.وفي مقدمة هذه األمم يأتي المصريون.ومنذ القرن السابع نرى الكثيرين من مشاهير اليونانيين يزورون مصر ويعجبون بحضارتها القديمة مثل "تاليس" و"فيثاغورس" و"صولون" و"أفالطون" و"ديموقريطس".وقد رأى اليونانيون أن المصريين لم يكونوا "برابرة" ،بل أمة عريقة في الحضارة متقدمة في الفنون والعلوم قبل اليونانيين باآلف السنين. ويذهب بعض العلماء اليونانيون ،مثل "هيرودوت" و"بلوتارخ" ،إلى أن مذهب "أورفيوس" وما يتضمنه من اعتقاد بالحساب بعد الموت إنما اقتبس عن عبادة "إيزيس" و"أوزريس" عند المصريين.ومن المحتمل أن يكون "تاليس" قد تعلم الهندسة من المصريين كثير من الصناعات اليونانية كالنسيج وسكب المعادن ونقش العاج مقتبسة عنهم. كما أن ًا شبها بينها وبين التماثيل وإذا دققنا في التماثيل التي صنعها أقدم النحاتين اليونانيين نالحظ ً بعيدا أن يكون المعماريون اليونانيون قد استوحوا المصرية واألشورية والفينيقية.وليس ً فكرة األعمدة الدورية من مشاهد المعابد المصرية. ر بالفينيقيي: ر اليونانيي عالقة في الدرجة الثانية بعد المصريين يأتي الفينيقيون بين األمم التي اتصل بها اليونانيون واقتبسوا الحضارة عنها.وقد استطاع الفينيقيون بين سنة ( 700 -1000ق. م ).أن يسيطروا على تجارة البحر األبيض المتوسط نتيجة لضعف الدولة المصرية تحت حكم األسرات ( )25 -21وأصبحت بالدها عرضة لغارات الليبيين واألحباش.وكانت 16 بالد اليونان بعد غارة الدوريين في حالة فوضى قد زالت منها معالم الحضارة اإليجية وسكنتها قبائل بدوية ،بعيدة عن فن المالحة وعاجزة عن انشاء األساطيل الكبيرة.وقد استفاد الفينيقيون الذين تجمعوا أوًال حول ملك "جبيل" ثم حول ملك "صيدا" ،من هذه األوضاع فأخذوا يجوبون في كل أنحاء البحر المتوسط وتقدموا في فن المالحة وصنع السفن.وازدهرت لديهم مختلف الصناعات مثل النسيج والصباغة والزجاج واتسعت تجارتهم.وكان النشاط التجاري يدفع الفينيقيين إلى االختالط بجميع األمم في حوض البحر األبيض المتوسط والقيام بدور الوسيط في تمازج الحضارات وانتشارها.فال عجب إذا رأينا اليونانيين تبهرهم بضائع الفينيقيين ويرحبون بالسفن الفينيقية التي كانت تحمل إليهم األواني الخزفية والزجاجية الملونة والتحف المصنوعة من العاج وبصورة خاصة األقمشة األرجوانية.وقد اسس الفينيقيون ًا كثير من المستعمرات والمراكز التجارية في جزر بحر "إيجة" وشواطئه ،وبالدرجة األولى في "ردوس" و"قوس" وخليج "قورنت". طبيعيا أن يتعلم اليونانيون أشياء كثيرة من الفينيقيين مثل صنع السفن ً لقد كان الكبيرة والصباغة.كذلك يبدو لنا تأثير الحضارة الفينيقية في عبادة "أفروديت" التي تشبه "عشتروت" عند الفينيقيين. على أن أهم شيء كان له أعمق األثر في الحضارة اليونانية وتطورها الفكري السريع هو اقتباس الحروف األبجدية.إن الكتابة الفينيقية قد استمدت عناصرها من الخطين المصري والبابلي كما يستدل من تدقيق األلواح الكتابية التي عثر عليها في طور سيناء ثم في رأس شمرة والتي تبين لنا مرحلة االنتقال من الكتابة التصويرية إلى الكتابة 17 عظيما ً تقدما الهجائية.وال شك في أن اختراع الحروف األبجدية من قبل الفينيقيين يعتبر ً خطير في تطور الحضارة البشرية.وأقدم كتابة بالحروف األبجدية الفينيقية قد ًا وعامال ً اكتشفت على تابوت الملك "احيرام" في "جبيل" والذي يرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر قبل الميالد. 18 القسم األول عصر البطالمة 19 20 الفصل األول الشق ر مقدون وحملته لفتح بالد ر اإلسكندر ال ي منذ منتصف القرن السادس قبل الميالد ظهرت دولة فارسية جديدة.هي الدولة األخمينية على مسرح السياسة في الشرق األوسط ،قضت على الدولة البابلية وورثتها في منطقة ما بين النهرين وبسطت نفوذها غرًبا فشملت معظم أجزاء الشرق األوسط بما في ذلك آسيا الصغرى وسواحل سوريا وفينيقيا وفلسطين ومصر االي فتحها "قمبيز سنة ( 525ف.م.).ومنذ ذلك الوقت ومصر تارة تخضع لحكم الدولة الفارسية وتارة أخرى تثور حتى عام ( 332ق.م ).حين حضر اإلسكندر األكبر. أما بالد اليونان فإنها لم تسلم من خطر هذه الدولة الفارسية الناشئة ،إذ استطاع "قورش" ،أول ملوكها ،من إخضاع المدن اليونانية على سواحل آسيا الصغرى الغربي، وبعد ذلك لم يكف خلفاوه عن محاولة غزو العالم اليوناني نفسه حتى استطاع "دارا" األول أوًال ،ثم "اكزرسيس" ثا ًنيا من غزو بالد اليونان واحتالل معظم أجزائها بما في ذلك "أثينا" ذاتها ،لوال هزيمة األسطول الفارسي في معركة "سالميس" سنة ( 480ق.م ).وفشل حملتهم نتيجة لذلك.ومنذ هذا التاريخ واإلغريق يرون في "فارس" عدوهم التقليدي ويجتهدون في االنتقام من الغزو الفارسي ،خاصة وأن "فارس" لم تفتأ طوال القرنين الخامس والرابع قبل الميالد من التدخل في شئون العالم اليوناني وتأليب المدن بعضها ضد بعض كلما سنحت لهم الفرصة حتى رأينا الملك الفارسي يظهر بمظهر الفيصل في منازعات المدن اليونانية وحروبها على نحو جرح كبرياء اإلغريق وجعلهم يتطلعون إلى 21 من يوحد كلمتهم ويقودهم في حرب مقدسة ضد الفرس.ولقد استطاع "فيليب" ملك "مقدونيا" جمع المدن اليونانية تحت زعامته ،إن رغبة وإن كرًها.ولكنه اغتيل أثناء استعداده لغزو "فارس" فخلفه ابنه "اإلسكندر" الذي نفذ خطة أبيه فقاد اإلغريق في حرب مقدسة ضد "فارس" في سنة ( 334ق.م.). في هذا الوقت كانت اإلمبراطورية الفارسية تعاني من داءين خطرين األول هو سوء اإلدارة في الواليات التي كانت تسمى "ساترابيات" ،واآلخر وهو األسوأ أنه تربع على عرشها ملك ضعيف متردد هو "دا ار الثالث" ولهذا سرعان ما أنهارت اإلمبراطورية الفارسية أمام عبقرية "اإلسكندر" الفذة.ولقد سلك "اإلسكندر" في حرب ضد فارس خطة غريبة، إذ بعد أن استولى على آسيا الصغرى وانتصر في معركة "إيسوس" سنة ( 333ق.م). جنوبا فاستولى لم يتتبع الملك الفارسي المنهزم شرًقا نحو عاصمته "صوصه".وإنما انحدر ً على سوريا وفينيقيا وفلسطين بعد معارك عنيفة عند سور غزة.بعد ذلك اتجه إلى مصر التي سلمها له الوالي الفارسي دون مقاومة واستقبله المصريون بالترحاب استقبال البطل المنقذ لهم من الحكم الفارسي الغاشم.خاصة وأن المصريين كانوا قد ألفوا اإلغريق كثير ما ناصروهم في ثوراتهم ضد "فارس" ،كما كان وجودهم كتجار في كأصدقاء ًا "نقراطيس" ،مصدر كسب كبير للمظارعين المصريين ومن أكبر عوامل تنشيط التجارة الخارجية لمصر كما بينا من قبل. ويرجع المؤرخون عادة تفسير خطة "اإلسكندر" الغريبة في عدم تتبع الملك نهائيا إلى عبقريته العسكرية في أنه أراد محاصرة األسطول ً الفارسي والقضاء عليه 22 الفارسي القوي عن طريق االستيالء على جميع السواحل في شرقي البحر األبيض المتوسط التي يمكنه أن يلجأ إليها ،وهي الخطة التي يوردها "أريانوس" على لسان أيضا أن شهرة مصر "اإلسكندر" في خطبة نسبها له في هذا الصدد.ولكن من المحتمل ً كمصدر هام للغالل كان له دخل كبير في توجيه خطة "اإلسكندر" هذه الوجهة ،إذ يمكن استخدامها كقاعدة لتموين المدن اليونانية من ناحية وتموين جيوشه الغازية شرًقا من ناحية أخرى. على أي حال وصل "اإلسكندر" بلوزيوم (الفرما) في خريف سنة ( 332ق.م). جنوبا على امتداد الفرع البلوزي للنيل حتى وصل إلى "ممفيس" ،وهناك سلمه ومنها اتجه ً البالد "مازاكسي" الوالي الفارسي على مصر.وال بد أن "اإلسكندر" شعر حينئذ أن آماله فعال ،وان مرحلة الخطر والمعارك الكبرى قد أنهت ،فهذه مصر أكبر وأغنى قد بأن تتحق ً قطر في الدولة الفارسية قد دانت له واستقبله أهلها بالترحاب استقبال البطل المنقذ. قائدا نابغة يحسن معاملة الناس ماهر بقدر ما كان ً ًا سياسيا ً كان "اإلسكندر" ودا ،فزار اإلله "بتاح" وقدم القرابين لآللهة، وكسب ودهم.فال أقل من أن يبادل المصريين ً مهرجانا ً عونا حسب التقاليد الدينية المصرية.بعد ذلك أقام ويقال أن "اإلسكندر" نصب فر ً موسيقيا رياض ًيا حسب التقاليد اليونانية ،اشترك فيه عدد من اشهر الفنانين والممثلين في ً بالد اإلغريق ،وال شك أن مثل هذا المهرجان كان يخدم غرضين في وقت واحد.أوًال هو وثانيا بمثابة ترفيه كان جنوده في أشد الحاجة إليه بعد استمرار النقلة وتوالي المعاركً ، 23 هو عرض أمام المصريين لجانب من الحضارة اليونانية التي خرج "اإلسكندر" يبشر بها ويقدمها للشرق. بعد ذلك اتجه "اإلسكندر" وجماعة من رجال إلى الشمال الغربي في زيارة إلى معبد اإلله "آمون" في واحة سيوة.فاتخذوا الفرع الجنوبي من النيل حتى الساحل ،ثم تتبعوا الساحل غرًبا حتى وصلوا قرية تعرف باسم "راقوده" تواجهها في البحر جزيرة تعرف باسم "فاروس" كما تقع إلى الجنوب منها بحيرة "ماريا" (أو مريوط).هناك قرر "اإلسكندر" تأسيس مدينة "اإلسكندرية" وأمر بأن تتخذ عاصمة لمصر.وتعتبر هذه المدينة أعظم ورمز لحضارة العصر الذي مركز ًا وأخلد أعمال "اإلسكندر" في مصر ،كما تصبح من بعد ًا ابتدأه "اإلسكندر". بعد أن انتهى "اإلسكندر" من معاينة مكان مدينته الجديدة واصل السير غرًبا مستأنفا رحلته لـ "سيوة" وكان خط سيره عن طريق الساحل الشمالي إلى "بريتونيوم" ً وفدا من إغريق "برقة" ،ثم (( )Paraetoniumمرسى مطروح) حيث استقبل فيما يقال ً جنوبا إلى "سيوة". اتجه ً بعد ذلك يتجه "اإلسكندر" نحو الشرق ليواصل فتوحاته ،ففي سبتمبر من عام ( 332ق.م ).يقضي على الجيش الثاني لإلمبراطور الفارسي في "جوجميلة" بأعلى نهر دجلة ويفتح له انتصاره هذا أبواب العواصم اآلسيوية الكبرى" :صوصة" و"برسوبوليس"، ويعقب هذا في ( 330ق.م ).باالستيالء على عاصمة "ميدية" والجلوس على عرش "فارس" ،ثم يوسع دائرة فتوحه فيصل إلى شاطئ بحر قزوين ثم إلى "بارثيه" ثم إلى "باكترة" 24 في ( 329ق.م ).وإلى حدود الهند في عام ( 327ق.م ).ويعود بعد ذلك إلى "بابل" حيث يموت في ( 323ق.م ).بعد إحدى عشرة سنة من حياة المعركة جعلت من صاحب سيدا للنصف الشرقي من العالم المعروف. السيطرة على اليونان ً شخصية اإلسكندر : ولكن هذه الفترة لم تكن مجرد سنوات من الغزو والفتح ،وإنما قدر لها أن تشهد عنصر آخر غير النشاط العسكري الذي أرتفع بـ "اإلسكندر" إلى الذروة ،وكان هذا العنصر ًا قائما حتى ذلك الوقت بين الغرب والشرق -بين هو النظرة الجديدة للحاجز الذي كان ً بالد اليونان والمنطقة التي كانت تمتد فوقها اإلمبراطورية الفارسية.لقد ظلت هذه النظرة موضع تساؤل حتى هذه اللحظة ،واختلف تفسيرها بين من ينادي بأن "اإلسكندر" أراد أن تاما بين حضارة الشرق وحضارة الغرب في كافة مزجا ً عالميا يمزج فيه ً ً نظاما ً يقيم الجوانب السياسية والثقافية واالجتماعية ،وبين من يقول أن "اإلسكندر" لم يقصد إلى شيء من هذا ،وإذا كان قد ظهر من بين أعماله ما يشير إلى هذا االتجاه فإنما كان من باب الدهاء أو االضطرار السياسي دون أن يقوم على أساس من اإليمان بفكرة أو مبدأ. الموقف عقب وفاة اإلسكندر : من أعقد مواقف التاريخ الذي نتج بعد وفاة "اإلسكندر" فجأة في يونيه سنة (323 ق.م ).ذلك أن هذه اإلمبراطورية المترامية التي أنشئها "اإلسكندر" في سرعة غريبة أقطار متباينة أشد التباين لم تسكن قد خضعت لنظام سياسي وإداري شعوبا و ًا ً وشملت 25 محكم يكفل لها البقاء واالستمرار.كما أن مسألة وراثة العرش لم يكن "اإلسكندر" قد تفرغ بعد لتنظيمها في الوقت الذي لم يكن له وريث شرعي. من أجل هذا عندما توفى "اإلسكندر" فجأة كان األمر بيد كبار قواده وأعواته في الحملة ،الذين كان لكل منهم أطماعه وآماله وقليل منهم من كان يؤمن بفكرة "اإلسكندر" عن وحدة العالم ومبدأ العمل على مزج الحضارات بين الشرق والغرب تنتج عن ذلك حضارة عالمية واحدة تجلب على اإلنسانية السالم والرخاء.ولكن من آل إليهم أمر اإلمبراطورية كانوا على النقيض من ذلك وكان االختالف بينهم يتوقف على مدى اختالف أطماعهم ،فمنهم من أراد اإلبقاء على وحدة اإلمبراطورية ليخلف "اإلسكندر" على رأسها مثل "برديكاس" ( )Perdicasأوًال و"أنتجونس" ( )Antigonusمن بعده ،ومنهم من كان يسعى للحصول لنفسه على إحدى الواليات ليستأثر بها ويؤسس فيها دولة مستقلة مثل "بطليموس" (.)Ptolemaeus هذا هو الموقف الذي نشأ في "بابل" عند وفاة "اإلسكندر" بها ولكن ما من شك أن "برديكاس" ،صاحب المركز األسمى في الحملة بعد "اإلسكندر" وبمثابة رئيس أركان حربه ،كان أقوى شخصية في "بابل" في ذلك الوقت ويبدو أنه كان موضع ثقة "اإلسكندر" الكاملة وأقرب الناس إليه ،حتى ليقال أن "اإلسكندر" حين حضرته الوفاة منح "برديكاس" خاتم الملك.لذلك لم يكن مستغرًبا أن يشعر "برديكاس" بأنه صاحب الحق األول في فعال أن يصل إلى التسوية التالية لتوزيع السلطة في تولي مقاليد األمور بنفسه ،واستطاع ً اإلمبراطورية. 26 بعد خالف بين القادة حول مشكلة الوراثة أتفق الجميع على أن يتولى العرش أخا غير شقيق ملكان هما "أريديوس" ( )Arhidaeusالذي لقب بـ "فيليب" الثالث ،وكان ً ولدا. لـ "اإلسكندر" والمولود المنتظر لـ "اإلسكندر" من "روكسانا" زوجته الفارسية إذا كان ً ولدا في أغسطس سنة ( 323ق.م ).وسمى "اإلسكندر" الرابع.بعد ذلك وجاء المولود ً وصيا ً منحت القيادة العليا للجيش في آسيا لـ "برديكاس" الذي استطاع أن يجعل من نفسه عاما على الملكين خاصة وأن "أريديوس" فيليب الثالث كان معروًفا بالبالهة وضعف ً العقل وعدم القدرة على الحكم بنفسه.أما القيادة في اليونان فقد منحت لـ "أنتيباتروس" ( )Antipatrosأكثر قواد "اإلسكندر" مكانة وشعبية بين الجنود. وكان "اإلسكندر" قد تركه لتدبير شئون "مقدونيا" في غيابه ولإلشراف على اليونان ،وقد بقى له هذا المنصب في التسوية الجديدة.هؤالء هم القادة الذين كانت لهم الكلمة العليا في بادئ األمر ،أما سائر أجزاء اإلمبراطورية فقد وزعت بين القادة األخرين واستمر العمل بالنظام الفارسي ،فكل والية سميت "ساتربية" وحاكمها "ساترًبا" ،ولكن يهمنا من هؤالء ثالثة سيصبحون فيما بعد هم واألسر المالكة التي انشأوها في والياتهم محور التاريخ في مدى القرون الثالثة التالية وهم "أنتجونس" ،و"سليوقس" ،و"بطليموس" بن الجوس الذي منحت له والية مصر. هكذا قامت في مصر أسرة جديدة ودولة جديدة ،وكان "بطلميوس" على علم تام مقدما مع "برديكاس" بأنه إذا ناصر ً بقيمة الغنم الذي فاز به ،ويقال أنه كان متفًقا "برديكاس" في صراعه من أجل السلطة سيعينه "برديكاس" ساترًبا على مصر.ولذلك لم 27 يضع "بطلميوس" وقتًا بعد صدور القرار بمنحة ساتربية مصر بل مضى إليها في الحال تاركا سائر القادة في خالفاتهم ومنافساتهم.وكأنه على يقين من المستقبل بأنه ليس مجرد ً حاكم معين من قبل السلطة المركزية ،وإنما هو مؤسس دولة جديد مستقلة. ملكا لمصر؟ ولكن من هو هذا الحاكم الجديد الذي أصبح فيما بعد ً جدا تكاد تنحصر في أنه كان ينتمي إلى إن معلوماتنا عن تاريخه األول قليلة ً أسرة تعتبر من صغار او أوسط النبالء في "مقدونيا".ويقال أنه تعلم وتربى في صباه في القصر الملكي المقدوني مع "اإلسكندر" كعادة أبناء النبالء.وفي أثناء حملة "اإلسكندر" اصبح احد أعضاء الحرس الخاص لـ "اإلسكندر" ،الذين لم يقتصر مهمتهم على مجرد السهر على سالمة الملك وإنما كانوا بمثابة مستشاري هيئة أركان حربه ً أيضا.ونعلم أنه أخلص اإلخالص كله في خدمة "اإلسكندر" وأنه أظهر تفوًقا وقدرة حربية عظيمة في معارك عديدة.وكان "بطليموس" إلى جانب هذا كله على جانب كبير من الثقافة ذا ذوق أبي وميل إلى دراسة التاريخ.فلم يقصر حياته أثناء حملة "اإلسكندر" على الواجب مستخدما في ذلك ً كتابا عن سيرة "اإلسكندر"، العسكري ،وإنما استغل هذه الفرصة وكتب ً معرفته الوثيقة بشخصية البطل الذي يكتب عنه ودرايته بكافة تفاصيل الحملة وأسرارها. سالما إال أن أجزاء منه قد وصلتنا في ورغم أن هذا الكتاب العظيم لم يصل إلينا ً كتابات الالحقين من المؤرخين الذين اعتمدوا عليه في التأريخ لعصر "اإلسكندر".وتمتاز كتاباته التي وصلتنا باإلتزان والرأي السديد والبعد عن المبالغات وغلبة حكم العقل على 28 كثير بوصف جدا أنه صحب "اإلسكندر" في مصر ألنه يهتم ًا حكم العاطفة.ومن المحتمل ً مصر والرحلة إلى واحة سيوة. وصفا لها ً أحدا من مصادرنا لم يذكر أما عن شخصية "بطليموس" فرغم أن ً مكتفين بوصف أعماله ،فإن العملة الفضية التي أصدرها "بطليموس" حاملة صورته على أحد وجهيها ،تظهر شخصيته على أنه حازم واقعي جم النشاط ذو عزيمة وإرادة قوية كبيرة على االحتمال والعمل.وبالرغم من أنه ال ينبغي المبالغة في االعتماد على مثل هذه األدلة ،إال أن ما نعرفه عن أعمال "بطليموس" السياسية والعسكرية تؤيد مثل هذا االستنتاج. ً عالميا اإلسكندرية عاصمة وملتق ميال من "نقراطيس" في االتجاه الشمالي الغربي ،وعلى على بعد حوالي أربعين ً مسافة بضعة أميال غربي فرع النيل القانوبي ،اختار "اإلسكندر" البقعة التي شيدت عليها مدينة "اإلسكندرية" ،وهي تقع على ذلك الشريط من اليابسة الذي يفصل البحر عن بحيرة مريوط.ويبدو أن "اإلسكندر" اختار هذه البقعة لجفافها وارتفاعها عن مستوى الدلتا، فضال ً وبعدها عن رواسب فرع النيل القانوبي ،وسهولة وصول مياه الشرب إليها ،وذلك عن قرب جزيرة "فاروس" وبحيرة مريوط منها.فقد قدر "اإلسكندر" أنه بمد جسر من تبعا التجاه هبوب الجزيرة إلى الشاطئ يمكن توفير مرفأين في هذا المكان ،يستخدم أيهما ً الريح ،وأن البحيرة يمكن استخدامها مرفأ للمراكب اآلتية من داخل البالد عن طريق النيل. 29 تماما أبرز ما اتسمت به هذه المنطقة من وجملة القول ان "اإلسكندر" أدرك ً مميزات جعلتها أفضل مكان على الشاطئ إلنشاء مدينة كبيرة. ولعل وجه الشبه بين موقع جزيرة "فاروس" تجاه شاطئ الدلتا وموقع صور على جزيرة تجاه الشاطئ اآلسيوي هو الذي لفت نظر "اإلسكندر" إلى ما يتوافر لموقع "اإلسكندرية" من مميزات ،فقرر على الفور إنشاءها دون تدبير سابق ،بدليل ما ترويه المصادر القديمة عن عدم توافر كمية كافية من الجير لتعيين مواقع األجو ار والمعابد وأسوار المدينة واالستعانة بالحبوب المخصصة لمؤنة الجنود إلتمام التخطيط مما اعتبر سعيدا ينم عما ستصيبه المدينة من الرخاء والرفاهية. ً فأال ً ويتضح أن "اإلسكندرية" كانت أول ميناء لمصر على مياه البحر المتوسط العميقة ،ألن "بلوزيون" -إذا صح ما يرويه "استرابون" -كانت تقع على فرع النيل البلوزي كثير عن البحر. على مسافة أربعة كيلومترات تقر ًيبا من البحر.وقد كانت "نقراطيس" تبعد ًا أما "قانوب" ،وهي التي كانت تعتبر ميناءها ،فإنها بحكم موقعها عند مصب النيل القانوبي وتعرضها للرواسب الطميية كانت ال تصلح للوفاء بالهدف المنشود.وإذا كانت "بلوزيون" قد احتفظت بمكانتها باعتبارها مفتاح مصر من ناحية الشرق -وترينا وثائق "زينون أن جماركها كانت عامرة في القرن الثالث بما يتدفق عليها من واردات سوريا- تبعا الزدياد أهمية "اإلسكندرية" التي جذبت إليها أنظار فإن "نقراطيس" تضاءلت" أهميتها ً الشرق والغرب ً معا وأصبحت تقوم بدور كبير في حياة مصر االقتصادية ،ال باعتبارها أيضا باعتبارها ميناءها األول.ذلك أنها كانت تستقبل من الخارج ما عاصمتها فقط بل ً 30 تحتاج إليه البالد فتوزعه عليها ،ويأتي إليها من كل أنحاء البالد ما يزيد على حاجتها مركز تجارًيا فحسب بل ًا فتصدره إلى مختلف األسواق الخارجية.ولم تكن "اإلسكندرية" هاما. صناعيا ً ً مركز أيضا ًا كانت ً وسرعان ما غدت "اإلسكندرية" أكبر مدينة إغريقية في العالم تفوق في اتساعها أكبر المدن القديمة" :أثينا" و"قورنثة" و"سراقوسة".وقد غدت كذلك في طليعة عواصم الحضارة اإلغريقية واستمتعت بمكان الصدارة في حلبة هذه الحضارة طوال القرنين الثالث والثاني قبل الميالد ،فال عجب ان خلعت أسمها على حضارة هذين القرنين. ومما ال شك فيه أن بناء قوات "بطلميوس" واستيالئه على الملحقات الطبيعية لمصر والسيطرة على الطرق البحرية المؤدية إليها لم تقتصر تكاليف طائلة فحسب بل أيضا فترة من الوقت غير قصيرة. ً أمنا من ويبدو أن "منف" بموقعها الداخلي وبتحصيناتها القوية كانت أكثر ً "اإلسكندرية" الواقعة على شاطئ البحر ،قبل تحصينها بأسوار منيعة وتأمين سالمتها بقوات بحرية كبيرة. يعا من مدينة "منف" المصرية العريقة إلى وأن قيام "بطلميوس" بنقل عاصمته سر ً مدينة "اإلسكندرية" اإلغريقية الحديثة ،بما ينطوي عليه ذلك من جرح مشاعر المصريين، كان ال يتمشى مع السياسة التي اضطرته ظروفه إلى اتباعها في بداية عهده ،وهي سياسة استرضاء المصريين ،لكي يجنحوا إلى الهدوء والسكينة وينصرفوا إلى استغالل موارد 31 البالد االقتصادية ،وما كان أحوج "بطلميوس" عندئذ إلى استتباب األحوال في البالد وإلى الحصول على أكبر قدر من األموال. لذلك فإنه في ضوء معلوماتنا الحالية ال نستبعد أن "بطلميوس" لم يتخذ "اإلسكندرية" عاصمة له إال في عام ( 311 /312ق.م ).بعد االنتصار الباهر الذي أحرزه عند "غزة" في حملة ذلك العام ،وأقضى إلى استعادته جوف سوريا وكذلك إلى استعادة "سلوقس" والية بابل ،حيث أصبح شوكة غليظة في جانب "انتيجونوس" وهو الذي كان أكبر خطر يتهدد "بطلميوس" منذ عام ( 316ق.م.). 32 الفصل الثاني البطلم والفلسفة الدينية ي نظام الحكم أتخذ البطالمة ألنفسهم صفة كونهم أحفاد الفراعنة ،وهؤالء حكموا مصر باعتبارهم آلهة بين البشر ،وبذلك أصبح الملوك البطالمة في نظر المصريين يحكمون مصر باعتبارهم ورثة عرش الفراعنة ،أي على أساس نظرية الحق اإللهي المطلق ،فكرة تأليه الملوك البطالمة لم تقتصر على المصريين بل امتدت إلى جميع سكان مصر بما فيهم اإلغريق أنفسهم. البطالمة ينصبون أنفسهم فراعنة: لقد ساءت أحوال مصر االقتصادية إلى أبعد الحدود خالل القرنين الخامس والرابع قبل الميالد أثناء الحكم الفارسي للبالد والثورات المتتالية التي قام بها المصريون في ذلك الحين.وقد صاحب كل ذلك حالة من الفوضى اإلدارية واالضطراب السياسي. ومن هنا كان على البطالمة أن يعيدوا تنظيم شئون مصر االقتصادية واإلدارية ،وحتى يمكنهم ذلك كان ال بد من ظهور السلطة المركزية القوية ،وكان من المنطقي أن تظهر تلك السلطة من جديد في شكل الملوك الفراعنة.وهكذا عمد البطالمة إلى تنصيب أنفسهم يجيا وعلى ما سنرى فيما يلي: فراعنة في مصر ،وقد تم لهم ذلك تدر ً ً اإلسكندر ينصب نفسه فراعنا لمرص: 33 لقد عرفنا أن "اإلسكندر" قد قدم القرابين في معبد "بتاح" بمجرد وصوله إلى "منف" كما قدم القرابين للعجل "أبيس" على عكس ما فعله ملوك الفرس.ولكن األقاويل أضافت عونا لمصر في معبد "منف" ،وأن ذلك التتويج قد تم بنفس أن "اإلسكندر" قد تم تتويجه فر ً األسلوب والطقوس التي كانت متبعة مع الفراعنة المصريين والبعض يشكك في صحة هذه الرواية ،ولكن الجانب األكبر يرى صحتها. عونا في "منف" أنه عند وصوله إلى معبد والدليل على أن "اإلسكندر" قد توج فر ً "آمون" بواحة سيوة قد سمحوا له بدخول "قدس األقداس" ولم يكن يسمح لغير الفرعون بذلك.كما نعلم أن كبير الكهنة في سيوة قد نادى "اإلسكندر" باسم ابن "آمون" وهذا اللقب ال يحمله سوى الفرعون.كما أن النقوش المصرية التي تتحدث عن "اإلسكندر" تذكر مشفوعا بثالثة من األلقاب الرسمية التي كان يحملها الفراعنة فهي تقول عنه أنه ً اسمه أخير "ابن رع".وحورس هو أول ألقاب "حورس" وكذلك أنه يحمل لقب "نسوت بيتي" و ًا الفراعنة ،ونسوت بيتي معناها سيد القطرين ،وقد كان ذلك هو رابع األلقاب الرسمية للفراعنة ،أما ابن رع فقد كان خامسها وآخرها في الترتيب. لقد علمنا أن ورثة "اإلسكندر" كانوا أخاه غير الشقيق "فيليب إرهيدايوس" وابنه المسمى "اإلسكندر الرابع" ،ولكن أيًّا منهما لم يضع قدميه على أرض مصر ،ومن ثم ال رسميا كفرعون للبالد. ً يتصور أن يكون أي منهما قد توج ولكن القائد "بطلميوس" قد عنى منذ أول لحظة لتوليه إدارة مصر بأن يبرزهما كليهما كفرعونين للمصريين.وقد تم له ذلك ألنهما وريثان شرعيان لـ "اإلسكندر".وهذا 34 كال عونا للبالد ،ومن ثم اعتبرهما فرعونين مثله.وتحمل إلينا الوثائق أن ً األخير كان فر ً منهما قد حمل األلقاب الفرعونية الخمسة التقليدية. البطالمة األوائل يتشبهون بالفراعنة: لقد فهم القائد "بطلميوس" من الوهلة األولى مدى أهمية مركز الفرعون في قلوب المصريين ،ومدى الفائدة التي تعود عليه إذا توصل إلى حمل لقب "فرعون" ،وخاصة أنه كان ينوي وضع يده على مقاليد الحكم في مصر.والوثائق تكشف أن البطالمة لم يتوصلوا إلى تنصيب أنفسهم فراعنة والتتويج طبًقا للطقوي المصرية إال بعد فترة من الوقت. ولكن رغم عدم حمل البطالمة األوائل لقب فرعون وعدم مرورهم بطقوس وإجراءات التتويج فإن هؤالء الحكام األوائل قد أخذوا يتشبهون بالفراعنة المصريين في مظهرهم وفي تصرفاتهم. وأول ما قام به البطالمة في سبيل التشبه بالفراعنة المصريين هو حملهم لأللقاب التي اعتاد الفراعنة حملها ،وذلك بجوار ألقابهم اإلغريقية.ونحن نعرف أن األلقاب التي اعتاد الفراعنة حملها تعبر عن مدى اإلخالص لآللهة المصرية وعن الصلة التي تقوم وضوحا من عهد الملك ً بين تلك اآللهة وبين الفرعون.وقد ظهر حمل ألقاب الفراعنة أكثر البطلمي الثاني "فيالدلفوس" إذ حمل األلقاب التقليدية الخمسة للفراعنة ،بينما حمل "بطلميوس" األول اللقبين الرابع والخامس والمقصود بهما من يحكم القطرين و"ابن رع". ولكن مع حمل البطالمة األوائل ألقاب الفراعنة المصريين ،ومحاولتهم التشبه بالفراعنة فإنهم كانوا يقفون أمام اإلغريق بوجه مغاير ً تماما ،فالوثائق اإلغريقية التي 35 وصلت إلى أيدينا كانت تغفل ذكر األلقاب الفرعونية بينما تركز على األلقاب اإلغريقية. فعلى سبيل المثال عثر على نص إغريقي يذكر "بطليموس" الثالث على أنه "بطليموس بن بطليموس ،وأرسينوي اإللهين األخوين ،شيد لإلله سرابيس المعبد والسياج المقدس". بينما نجد نفس النص ولكن باللغة المصرية يتحدث عن نفس الملك على أنه "ملك الجنوب والشمال ،وريث اإللهين األخوين الذي اختاره آمون ،حياة رع القوي ،ابن رع ،بطلميوس أبدا حبيب بتاح قد شيد هذا المعبد". المعمر ً بطليموس الرابع وخلفاؤه ينصبون فراعنة: لقد حمل "بطليموس" الرابع جميع ألقاب الفراعنة ،ولم يكتف بأن يرد ذلك في الوثائق المدونة بالمصرية فقط ،بل لقد أصر على أن يظهر تلك األلقاب في الوثائق ملكا باإلغريقية بل إن هناك عدة قرائن تحمل على القول بأن نفس هذا الملك قد توج ً عونا طبًقا للطقوس الفرعونية.واألرجح أن هذا الملك البطلمي قد لجأ إلى تنصيب نفسه فر ً مضطر أن ًا الضط ارره إلى ذلك ،إذ مرت به ظروف قاسية في الخارج والداخل ،فقد كان يواجه "أنطيوخوس" الثالث حاكم سوريا وأن يستعين بجنود مصريين لعدم كفاية جنوده اإلغريق ،وأن يواجه ثورات شعبية داخلية. وإذا كانت القرائن هي التي دعتنا إلى القول بأن "بطليموس" الرابع قد توج كفرعون لمصر ،فإن الشك لم يعد له مجال بالنسبة لتنصيب "بطليموس" الخامس "أبيفانس" واألدلة من اآلثار على ذلك كثيرة ولعل من أشهرها النص الوارد على حجر رشيد الذائع الصيت والذي حمل ألقاب الفرعون باإلغريقية والهيروغليفية والديموطيقية ويتضمن قرًا ار أصدره 36 وداخليا ً خارجيا ً الكهنة المجتمعون في "منف" عام ( 196ق.م.).ويبدو أن سوء األحوال كان السبب الدافع في لجوء هذا الملك إلى التتويج كفرعون للبالد. أما بقية البطالمة فقد لجأوا إلى التتويج لألسباب السابقة ولدوافع إضافية ،إذ ظهرت االنقسامات بين أفراد األسرة المالكة ،كما ظهر نفوذ قوي لروما في مصر.وعلى كل حال تحمل إلينا النقوش على المعابد كيف توج كل من الملوك البطالمة واأللقاب التي حملها. 37 البطلم ي الفلسفة الدينية للحكم أتخذ البطالمة قرارهم بوضع اليد على مقاليد الحكم في البالد قد سلكوا سبيل بديهيا ،ولكن المشكلة ثارت ً خالفة الفراعنة.ومن هنا فإن استنادهم على الديانة كان بسبب األصل العرقي لهؤالء الحكام الجدد ،إذ ال يغيب عن البال أنهم قد قدموا من مقاطعة "مقدونيا" شمال بالد اليونان.وسنرى فيما يلي كيف توصل البطالمة إلى استغالل الدين ليعتمدوا عليه كأساس لسلطتهم في مصر وعلى جميع سكانها: ا أوًل :البطالمة يعتنقون الديانة المرصية: لقد كان اإلغريق يكفلون للمعتقدات الدينية كل التبجيل واألحترام ،وقد رأينا من قبل كيف أنتشرت بعض العبادات المصرية في بالد اليونان نفسها منذ القدم.ومن جهة أخرى كانت األفكار والمبادئ الفلسفية اإلغريقية تضمن حرية العقيدة وتحارب االضطهاد الديني. وقد كشف "اإلسكندر" المقدوني بمجرد دخوله أرض مصر عن اتجاهه نحو اعتناق الديانة المصرية القديمة.وإن الكشف عن ذلك االتجاه العقائدي قد ظهر في عدة صور.منها تقديم القرابين في المعابد المصرية ،ومنح المعابد المنح المالية واالقطاعات من األراضي الزراعية ،وإقامة المعابد الجديدة ،أو اضافة منشأت جديدة إلى المعابد القائمة من قبل. أساسا لمعبد "إيزيس" في مدينة "اإلسكندرية"، ومن الثابت أن "اإلسكندر" قد وضع ً معبدا في الواحة البحرية وقد أضاف قاعة جديدة في معبد "الكرنك" وقام باصالح كما أنشأ ً 38 المدخل الغربي لذلك المعبد العظيم هذا وقد استمر البطالمة في إعالنهم تقديس العقائد المصرية ،ويعد من أكبر األدلة على ذلك ما تركوه لنا من معابد ضخمة ،إذ أن المعابد العظيمة في "دندرة" و"إدفو" و"فيلة" ،قد شيدت في العصر البطلمي.وال شك أن تشييدها يكشف عن مدى ضخامة المبالغ التي رصدت لذلك الغرض ومدى االهتمام الفني الذي خصص لها. ً ثانيا :بقاء البطالمة عىل والئهم للديانات اإلغريقية: رغم موقف البطالمة من العقائد المصرية إال أنهم كانوا ينتمون إلى العنصر مفترضا.ولكن الوالء للديانات اإلغريقية ً اإلغريقي ،وبالتالي كان والؤهم للديانات اإلغريقية كان في الواقع له سبب آخر على أكبر جانب من األهمية.فقد وصل عدد كبير من اإلغريق إلى أرض مصر للمساعدة في استعمارها ،باإلضافة إلى أن السياسة البطلمية كانت تعتمد على تشجيع استمرار وصول اإلغريق إلى مصر لينخرطوا في سلك الجندية وليساعدوا في تولي الوظائف اإلدارية بالبالد.ومن هنا كان والء البطالمة ضرورًيا للديانات اإلغريقية واحترام عبادتها وشعائرها.وقد نتج عن ذلك إنشاء عالقات قوية بين البطالمة وبين مراكز العبادات في بالد اإلغريق نفسها ،حيث يقدمون إليها القرابين ويوفدون إليها البعثات الرسمية.ويبدو أن عناية كبرى كانت موجهة إلى المعابد المقامة في جزيرة "ديلوس" وأن الحفالت الدينية كانت تقام في مواسم معينة باسم البطالمة في معابد تلك الجزيرة.ولكن نشاط البطالمة الديني لم يقف عند ذلك الحد بل لقد لجأوا طبًقا لألعراف اإلغريقية إلى إحياء الحفالت الدينية على أرض مصر على نمط الحفالت 39 الدينية التي كانت تقام في أثينا.ونلفت النظر إلى أن البطالمة قد وجهوا عناية خاصة لعبادة اإلله اإلغريقي "ديونوسوس". ً ثالثا :البطالمة يمزجون الديانات المرصية واإلغريقية: لقد احترم البطالمة كال من الديانات المصرية والديانات اإلغريقية في نفس الوقت، مالئما. ً حاال ،ولكن هذا الوضع لم يكن كما رأينا ً فمن جهة كان معنى ذلك الوضع هو اإلزدواجية في االنفاق سواء على إنشاء المعابد الجديدة ،أو إقامة الشعائر فيها أو تعيين العدد الكبير من رجال الدين.ومن جهة أخرى كان االعتراف بثنائية العقيدة ال يتفق مع الهدف الذي رسمه البطالمة ألنفسهم من إقامة إمبراطورية واسعة متماسكة السكان".ولما كان "بطليموس" األول يعتقد أن ثروة معا في العمل على تقدم مرافق البالد مصر تتوقف على مساهمة المصريين واإلغريق ً "وتبعا لذلك ً االقتصادية ،فإنه رأى من الضروري أن يؤلف بين قلوب هذين العنصرين". فإنه وجه همه إلى التغلب على النفور الديني الذي كان من المحتم أن يعوق األلفة بينهم، بإنشاء ديانة جديدة يشترك في التعبد إلى آلهتها المصريون واإلغريق على النحو الذي درج عليه كل فريق منهما". وقد بدأ البطالمة ذلك المزج عن طريق التقريب بين كل إله مصري ونظيره من تعقيدا إذ أن "بطليموس" األول قد دعا آلهة اإلغريق ،ولكن مزج الديانات أخذ صورة أكثر ً إلى عقد لجنة لبحث هذا األمر ،كان من بين أعضائها الكاهن المصري "مانتون" والكاهن اإلغريقي "تيموثيوس" واستقر رأي اللجنة على أن يكون محور الديانة الجديدة هو الثالوث 40 المقدس سرابيس وإيزيس وحاربوكراتيس ،وكل من اإللهه "إيزيس" واإلله "حاربوكراتيس" مصري معروف من قبل بال شك ،ولكن "سرابيس" يشكل ديانة مستحدثة. وقد اعتقد المصريون أن "سرابيس" هذا عبارة عن مزج اإللهين المصريين "أوزوريس" و"أوبيس" ،بينما تصور اإلغريق أنه "زيوس" كبير اآللهة اإلغريقية.ويقرر العلماء أن هذا اإلله المستحدث كان يتمتع بنفس النفوذ الذي تمتع به من قبل اإلله المصري "آمون -رع" أيام الفراعنة ،وقد أقام له البطالمة المعابد الضخمة في أنحاء متفرقة من مصر وخاصة في اإلسكندرية ومنف. ً إلها ر يف نظر اإلغريق أيضا: ً البطلم يصبح ي ر ً ابعا :الملك لقد ادعى البطالمة أنهم امتداد للفراعنة الذين حكموا مصر من قبل ولعدة آالف من السنين ،وبالتالي كان من السهل عليهم أن يدعوا الصفة اإللهية في نفس الوقت. ولكن هذه الصفة اإللهية للملك لم يكن معترًفا بها إال في نظر المصريين ،أما بالنسبة لإلغريق فقد بقى البطالمة مجرد ملوك في بداية األمر ،والملك في نظر اإلغريق ال يعدو أن يكون ر ً ئيسا للجماعة يختار من بين أبنائها. ولكن هذه اإلزدواجية في الصفة كون الملك ً إلها في نظر رعاياه المصريين ومجرد زعيم بشري في نظر رعاياه من اإلغريق ،لم ترق في أعين الملوك البطالمة.ومن هنا كان سعي البطالمة ومنذ عهد ملكهم الثاني "بطليموس فيالدلفوس" إلى كسب األلوهية مستعينا بما استقرت ً أيضا ،وقد توصل ذلك الملك إلى تحقيق هدفه في نظر اإلغريق ً عليه بعض األعراف اإلغريقية المغرقة في القدم ،على ما سنرى ً حاال. 41 فقد تذكر الملوك البطالمة أن اإلغريق منذ قديم الزمن كانوا ينظرون إلى بعض موتاهم على أنهم أبطال ويرفعونهم نتيجة ذلك إلى مصاف اآللهة وقد كانت تلك النظرة أحيانا بالنسبة لألسالف الذين أسسوا األسر ،وفي هذه الحالة تكون ً تطفو على السطح العبادة عائلية مقصورة على أفراد األسرة.ولكن في أحيان أخرى كان التأليه يحدث بسبب التحلي بفضيلة غير عادية أو صفة من صفات البطولة الخارقة أو بسبب إنشاء وتأسيس إحدى المدن الحرة ،وفي مثل هذه الحاالت تكون العبادة عامة. وقفا على األموات بل نصادفه بالنسبة لألحياء في بعض ولكن التأليه لم يكن ً األحيان.ولقد ذهب "أرسطو" في كتابه (السياسة) إلى القول "إذا وجد في دولة شخص يسمو على المواطنين اآلخرين في الفضيلة والمقدرة السياسية فإنه ال يجب إطالًقا اعتباره مساويا لغيره في أنه يسمو على غيره في ً فردا في الدولة ،ألنه ال ينصف إذا اعتبر ً إلها بين البشر". الفضيلة والمقدرة السياسية وإن مثل هذا الرجل يجب اعتباره ً إلها في نظر اإلغريق المقيمين وعلى هذا فإن "اإلسكندر" المقدوني قد أصبح ً في مصر باعتباره مؤسس مدينة "اإلسكندرية" ،ولكن عبادته كانت محلية في إطار أسوار مدينة "اإلسكندرية" دون سواها.ولكن "بطليموس" األول قد قرر بعد فترة أن يجعل تقديس مقدونيا أو ً كاهنا ً "اإلسكندر" المقدوني عبادة عامة في مصر ،وقد عين لتلك العبادة يقيا يتمتع بمكانة رفيعة ويعينه الملك لمدة عام ،وقد أرخت كافة الوثائق باسمه سواء إغر ً مكتوبا باإلغريقية أو بالمصرية القديمة. ً منها ما كان 42 كما أن "بطليموس" الثاني "فيالدلفوس" قد تمكن من أن يؤله والده "بطليموس" نظر لقيامه بإنشاء مدينة إغريقية حرة هي مدينة "بطلمية" في صعيد مصر ولكن األول ًا الجديد هو أن عبادة "بطليموس" األول قد اصبحت عبادة رسمية عامة في مصر كلها، وليست مقصورة على مدينة بطلمية ،وقد أمر "بطليموس" الثاني بأن يقام حفل إغريقي في اإلسكندرية مرة كل أربع سنوات إلحياء ذكرى أبيه ،والجديد ً أيضا هو أن "بطليموس" معا باسم الثاني قد أشرك أمه "برنيكي" مع أبيه في العبادة ،وقد تمت عبادة االثنين ً اإللهين "سوترس" وأنشئت لهما المعابد. ثم نصل إلى تأليه "بطليموس" الثاني "فيالدلفوس" اثناء حياته ،وقد صحبته زوجته معا تحت اسم اإللهين األخوين وأخته "أرسينوي" في صفة التأليه ،وقد تمت عبادة االثنين ً "أدلفوي" ،وأقيم لهما معبد خاص بمدينة اإلسكندرية وقد عين كاهن واحد ليرأس هذه العبادة الجديدة بجوار العبادة الخاصة بـ "اإلسكندر" المقدوني ،ومن هنا فقد حمل هذا الكاهن اسم "كاهن اإلسكندر واإللهين أدلفوي".ولما توفيت الملكة "أرسينوي" أنشئت لها عبادة إغريقية خاصة بها باسم اإللهه "فيالدلفوس" ،وهكذا وصل "بطليموس" الثاني إلى اثبات صلته باآللهة حيث أنه ابن إلله ،كما أنه تزوج من امرأة مقدسة ،ولم يعد من منفردا أثناء حياته.وهكذا تكشف الوثائق المعاصرة لحكمه كيف ً العسير أن يعلن كإله كان هناك عدد كبير من الكهنة القائمين على عبادة وشعائر ديانة الملكة الراحلة "أرسينوي" ،والسم الملك "بطليموس فيالدلفوس" نفسه وحده أثناء حياته. 43 وقد اصبحت عادة معتادة بعد ذلك أن يقوم كل ملك بطلمي بعد مرور عدد من سنوات حكمه بإعالن نفسه في مصاف اآللهة ،ويصحب ذلك االعالن احتفال ديني ضخم ومهيب يجزل الملك المؤله فيه العطايا لرجال الدين وحتى يضمن كل ملك أن تمتد صفة األلوهية إلى أوالده من بعده ،كان يحرص على إعالن ألوهية زوجته أسوة به.وقد استمر هذا التقليد حتى آخر العهد البطلمي في مصر في شكل تأليه الملكة "كليوباتره" السابعة والملوك البطالمة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر الذين شاركوها السلطة ،واألخير منهم كان إبنها من قيصر الذي سماه اإلسكندريون "قيصرون". وهكذا أصبح الملوك البطالمة آلهة في نظر اإلغريق كما كانوا معتبرين كذلك في نظر المصريين ،وأن اختلف األسلوب المتبع للوصول إلى تلك النتيجة ،إذ في نظر إلها ألنه سليل الفراعنة وهو آلهة على األرض ،أما في المصريين كان الملك البطلمي ً نظر اإلغريق فقد اعتبر كذلك ألنه سليل الملوك الذين أنشأوا المدن اإلغريقية الحرة. 44 الفصل الثالث السياسة الخارجية للبطالمة ينقسم موضوع السياسة الخارجية للبطالمة ،إلى مراحل زمنية ثالثة :المرحلة األولى :وهي تمتد عبر الفترة التي تشمل حكم البطالمة الثالث والشطر الذي ينتهي بمعركة "رفح" ( 217ق.م ).من حكم "بطليموس" الرابع ،وفيها نجد السياسة الخارجية فعاال ،والمرحلة الثانية عنصر ً ًا المصرية تتخذ شكل مد إيجابي يجعل من سياسة حكامها يشغلها بقية حكم البطالمة حتى بداية عهد "كليوباتره" السابعة -آخر افراد البيت الحاكم شكال جزرًيا يقابل المد السياسي الذي البطلمي -وفيها تتخذ السياسة الخرجية المصرية ً عرفته في المرحلة األولى ،فينقلب موقف مصر من اتجاهه اإليجابي إلى سلبية تنحدر أخير تأتي المرحلة بدال من دور التحفز واالنطالق.و ًا به إلى وضع االنتظار واالستقبال ً جديدا يتمثل في طموح ً موقفا الثالثة التي يشغلها حكم "كليوباتره" السابعة ،وفيها نجد ً الملكة المصري البطلمية إلى مد نفوذها بشكل لو تحقق لجعل حدود هذا النفوذ مطابًقا طبيعيا أن يؤدي هذا الطموح اإليجابي إلى ً لحدود اإلمبراطورية الرومانية نفسها ،وقد كان صراع "كليوباتره" مع القيادة العسكرية والسياسية للعالم الروماني ولكن هذا االتجاه ال يلبث أن يالقي نهاية سريعة حين ينهار حلم "كليوباتره" بعد أن تنهار خططها امام القوات المناوئة في روما ،ثم تنهار بالتالي الدولة البطلمية لتصبح مصر إحدى الواليات التي تدور في فلك اإلمبراطورية الرومتنية.ولنبدأ الحديث عن المرحلة األولى. التوسع للبطالمة ر يف المرحلة األوىل: ي االتجاه 45 في هذه المرحلة نجد أنه فيما عدا المناسبتين اللتين تعرضت فيها مصر للغزو المباشر من جانب "برديكاس" في ( 321ق.م ).ومن جانب "أنتيجونوس" في ( 306ق. م ).فإن سياسة البطالمة كانت تتسم في هذه المرحلة بالطابع أو االتجاه التوسعي إذ تمخض الصراع بين خلفاء "اإلسكندر" آخر األمر عن قيام دول على أنقاض إمبراطورية "اإلسكندر" األكبر ،وكانت دولة البطالمة عندئذ أقوى هذه الدول ،أي اقوى دولة في العالم الهلينيتي ،تليها دولة السلوقيين ،وكانت تشمل واليات إمبراطورية "اإلسكندر" في بالد ما كبير من آسيا الصغرى وسوريا وجانبا ًا ً بين النهرين وكذلك أغلب الواليات الشرقية البعيدة، (فيما عدا جوف سوريا).وكانت الدولة الثالثة هي مقدونيا ،وكانت تعتبر نفسها سيدة فعال على بعضها مثل "خالقيس" المدن اإلغريقية في شبه جزيرة البلقان وتسيطر ً و"قورنثه". وقد كانت لكل من هذه الدول حاجاتها ومراميها وكذلك خطتها ووسائلها لتحقيق ذلك ،وعلى الرغم من أن مصر خرجت من الصراع العنيف بين خلفاء "اإلسكندر" أقوى وأغنى دولة هلينيتية ،فإنه ال "بطليموس" األول وال الثاني فكر في إعادة تكوين إمبراطورية "اإلسكندر" ،فقد كان هدفها األساسي ،على نحو ما مر بنا ،هو الدفاع عن استقالل مصر الكامل ولعب الدور األول في حلبة السياسة وفي مضمار االقتصاد في العالم الهلينيتي. ونالحظ أنه في أغلب األحيان كان "بطلميوس" يتفادى تعريض مصائر مصر خطيرا ،وليس مرد ذلك ،كما يزعم بعض مؤرخي الغرب ،إلى أنه كان يسيطر ً يضا تعر ً ميال للحرب من شعوب مقدونيا وتراقيا وآسيا ،فهو لم يعتمد على المصريين على شعب أقل ً 46 في جيشه ،وإنما مر?