مبادئ الإكراه في القانون العربي PDF

Summary

This document discusses the concept of coercion in Arabic law, focusing on its definition, types, elements, conditions, and consequences. The document examines the different facets of coercion and its relation to the validity of contracts.

Full Transcript

# المطلب الثالث ## الإكراه ### أولًا: تعريف الإكراه، وأنواعه - الإكراه كعيب من عيوب الإرادة هو رهبة تتولد في نفس الإنسان نتيجة تهديده بإيقاع أذى به أو بغيره بدون حق إن لم يبرم عقداً معيناً، فيحمله ذلك على إبرام العقد - فالمتعاقد المكره يقدم على إبرام العقد بإرادته، ولكن رضاءه به ليس سليماً، لأن...

# المطلب الثالث ## الإكراه ### أولًا: تعريف الإكراه، وأنواعه - الإكراه كعيب من عيوب الإرادة هو رهبة تتولد في نفس الإنسان نتيجة تهديده بإيقاع أذى به أو بغيره بدون حق إن لم يبرم عقداً معيناً، فيحمله ذلك على إبرام العقد - فالمتعاقد المكره يقدم على إبرام العقد بإرادته، ولكن رضاءه به ليس سليماً، لأنه وإن كان يستطيع عدم إبرام العقد - فذلك مقابل الرضي بوقوع الأذى المهدد به؛ فهو يقارن بين أمرين : إبرام العقد وتفادي الأذى، أو رفض التعاقد وتحمل الأذى، ويقرر إبرام العقد فهو إذن قد أراد العقد، ولكن إرادته كانت مدفوعة بعامل الخوف والرهبة، ولذلك فهي إرادة معيبة ### أما عن أنواع الإكراه: - قد يقتصر أثر الإكراه على مجرد صدور الإرادة معيبة ، ولكنه لا يعدمها - وهو الإكراه العائب لإرادة، فيكون العقد موجودًا، ولكنه قابل للإبطال - وقد يصل أثر الإكراه إلى حد انعدام الإرادة كلية - مثالها أن يبرم شخص عقدًا تحت تأثير التنويم المغناطيسي، أو تحت تأثير ما تناوله من مواد مسكرة أو مخدرة، ففي هذه الحالات لم يرد الشخص إبرام العقد، لأنه وقت أن تعاقد كان غير مميز - لأنه كان تحت تأثير التنويم المغناطيسي، أو المسكر أو المخدر، فلم تكن له إرادة. - كذلك إذا أمسك شخص بيد شخص آخر، وبصم بإصبعه على محرر يتضمن عقداً، فإن العقد لا ينعقد في هذه الحالة، إذ أن إرادة المتعاقد لم توجد على الإطلاق، ونفس الحكم يطبق في حالة اختلاس التوقيع ### ثانيا: عناصر الإكراه : يشترط حتى نكون بصدد إكراه، يعتد به القانون كعيب من عيوب الإرادة توافر عنصرين : - عنصر مادي هو التهديد، وعنصر معنوي هو الرهبة. ### العنصر المادي: التهديد : ويتمثل في استخدام وسائل تهدد بإلحاق أذى جسيم محدق بالنفس أو المال، سواء بالنسبة للمتعاقد أو لغيره. - فلكي نكون بصدد إكراه، يجب أن يقوم شخص بتهديد المتعاقد بإيقاع أذى به أو بغيره دون حق. - فإذا لم يكن ثمة تهديد بالإيذاء، فلا تكون الإرادة معيبة. - ولو وجدت في نفس المتعاقد رهبة أو خشية نشأت عن مصدر آخر غير التهديد بالأذى، فمجرد الخشية die يشعر بها الإنسان نحو شخص آخر ، ممن لهم سلطان عليه بحكم القرابة أو العمل أو غير ذلك لا تعتبر إكراها. - فالرهبة المتولدة في علاقة الأب من أبنه أو الرئيس من مرؤوسه أو الزوج من زوجته ، إذا ترتب عليها إبرام عقد معين خوفا من غضب من طلب منه إبرامه، فإنه لا يعتبر مكرها - على إبرام هذا العقد، ولا تكون إرادته معيبة، مادام ذو الشوكة أو النفوذ الأدبي لم يلجأ إلى تهديد الخاضع لشوكته أو نفوذه لا تصريحاً ولا تلميحاً - ويستوي أن يكون موضوع التهديد إيقاع أذى بشخص المهدد ذاته، أو أن يكون بإيقاع أذى بشخص آخر عزيز عليه، يحرص المهدد على عدم وقوع أي أذي له، والغالب أن يكون من أقاربه أو من أصدقائه، بل قد يهدد شخص آخر بإيقاع أذى بنفسه، كما لو هدد ابن أباه بالانتحار إن لم يهب له مالا معينا. - هل يشترط أن يكون التهديد دون حق؟ لا يكفي التهديد بإيقاع أذى، بل يجب أن يكون الأذى المهدد به غير مشروع، أي عملا لا يقره القانون، وقد عبر القانون عن ذلك باشتراط أن يكون التعاقد قد تم تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر دون حق - وقد يكون الأذى غير المشروع موجهاً إلى النفس؛ كالتهديد بالقتل أو الخطف، أو إلى الجسم؛ كالتهديد بالضرب، وقد يوجه إلى الشرف؛ كالتهديد بالاغتصاب وهتك العرض وتشويه السمعة، وأخيرا قد يوجه إلى المال؛ كالتهديد بإتلافه أو إحراقه أو إخفائه. - فإذا كان موضوع التهديد أذى مشروعاً ومتفقاً مع القانون، فإن التهديد بإيقاعه لا يعتبر إكراهاً يعيب العقد، - فإذا حل أجل دين ولم يف به المدين، فطلب الدائن منه إبرام عقد رهن ضماناً للدين، فرفض المدين، فهدده الدائن بالحجز على أمواله، وبيعها بالمزاد الجبري استيفاء لحقه قبله، فرضي المدين بالرهن، فلا تكون إرادة المدين معيبة، لأن الأذى المهدد به ، وهو الحجز على أمواله وبيعها، أذى مشروع. - بيد أنه لا يجوز استعمال الوسائل المشروعة للحصول على غرض غير مشروع، فمن شأن عدم مشروعية الغرض، أن يجعل الأذى المهدد به غير مشروع، ولو كان في ذاته مشروعاً، فتهديد الدائن لمدينه بإشهار إفلاسه إن لم يوافق على توقيع تعهد بالوفاء بمبلغ يزيد على ما هو مدين به فعلا، يعتبر تهديداً غير مشروع - وبالتالي يعيب إرادة المدين، واستصدار حكم بمنع الشخص من السفر، يعتبر إكراهاً - يعيب الرضا، إذا كان الغرض منه الحصول على غير المستحق. ### الخلاصة أن استعمال الوسائل القانونية لا يعتبر تهديداً بأذى غير مشروع مادام هذا الاستعمال مشروعاً، أي كان الغرض منه مجرد الحصول على ما هو مستحق . - أما إذا كان الغرض من استعمال الوسائل القانونية كرفع الدعوى والحجز وشهر الإفلاس، الحصول على أكثر مما يجب، فإن التهديد بها يعتبر غير مشروع، ويتوفر به الركن المادي للإكراه. - والتهديد بالأذى قد يكون تهديداً محضاً، أي مجرد وعيد بإلحاق الأذى في المستقبل، وقد يقترن التهديد بأذى فعلي وحال، كأن يضرب شخص آخر ويهدده بالاستمرار في ضربه، أو يحبسه ويهدده بالاستمرار في حبسه إن لم يرض بالتعاقد، ويطلق على مجرد التهديد الإكراه المعنوي أو النفسي، أما التهديد المصحوب بأذى حال فيسمى الإكراه المادي أو الجثماني، وفي الحالتين يكفي التهديد لتكوين الركن المادي لعيب الخوف. ### العنصر المعنوي الرهبة : - يجب - فضلاً عن صدور تهديد من شخص لآخر بإلحاق أذى به أو بغيره أن يترتب على هذا التهديد نشوء رهبة أو خشية في نفس المهدد، وأن تكون هذه الرهبة قائمة على أساس، وتكون الرهبة قائمة على أساس إذا أدي التهديد إلى اعتقاد المهدد أن خطراً جسيما محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال. - وتقدير ما إذا كان التهديد قد ولد في نفس المهدد مثل هذا الاعتقاد وتلك الرهبة أم لا ، مسألة موضوعية يتوقف الفصل فيها على ظروف الحال، ومن هذه الظروف جنس من وقع عليه الإكراه رجل أم إمرأة، وسنه : شاب أم رجل أم شيخ، وحالته الاجتماعية متعلم أم غير متعلم، غنى أم فقير ، محتاج أم غير محتاج، بصحة جيدة أم مريض، وكذلك أي ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه، وما يؤدي إليه من رهبة - أما تقدير توافر الرهبة من عدمه، فيتم على أساس شخصي - لا موضوعي - ينظر فيه إلى المتعاقد المهدد ذاته؛ فما يمكن أن يبعث الرهبة في نفس شخص، من الممكن أن يكون عديم الأثر بالنسبة لشخص آخر. - فإذا ثبت أن التهديد قد أخافه فعلا، فإن التهديد يعتبر إكراهاً - ولو كان هذا التهديد ليس من شأنه إخافة الشخص المعتاد. فإذا لم يبعث التهديد أية رهبة في نفس المهدد، لكونه شجاعاً لا يأبه بالتهديد، أو واثقاً من إمكان لجوئه إلى السلطة العامة لحمايته، أو لاعتقاده أن من هدده غير جاد في تهديده، أو لا يقدر على تنفيذ ما يهدد به، فإن التهديد لا يعتبر إكراهاً يعيب الإرادة. ### ثالثا: شروط الإكراه : - يجب أن يتوافر فيه شرطان أساسيان، حتى يمكن اعتباره عيباً من عيوب الإرادة: - الأول: أن يكون دافعاً إلى التعاقد. - والثاني: أن يتصل الإكراه بالمتعاقد الآخر؛ بأن يكون صادراً من أحد المتعاقدين أو على الأقل أن يعلم به المتعاقد مع المكره، أو أن يكون من المفروض حتماً أن يعلم به. ### الشرط الأول: أن يكون الإكراه دافعاً إلى التعاقد : - بأن تكون الرهبة التي نشأت عن التهديد هي التي حملته على قبول ما لم يكن ليقبله مختاراً، بمعنى أن يكون خوف الشخص من حصول الأذى المهدد به هو الذي دفعه إلى الموافقة على إبرام العقد ليتجنبه، بحيث أنه لولا هذا الخوف لما أبرم العقد . - فإذا ثبت أن الشخص كان يبرم العقد حتماً، حتى ولو لم يصب برهبة نتيجة للتهديد الذي وجه إليه، فإن ذلك يعنى أن هذه الرهبة لم تكن هي التي دفعته إلى التعاقد، وبالتالي أن رضاءه بالعقد لم يتأثر بها. ### الشرط الثاني: أن يتصل الإكراه بالمتعاقد الآخر: - لا شك أن التهديد الذي بعث الرهبة في نفس المتعاقد ودفعه إلى إبرام العقد يعيب إرادة المتعاقد المكره، إذا كان صادراً من المتعاقد الآخر شخصياً، ويعتبر الإكراه صادراً من المتعاقد الآخر - كذلك - إذا كان العقد قد أبرم بطريق النيابة، وصدر التهديد عن النائب، ولو لم يعلم المتعاقد (الأصيل) بهذا الإكراه، - كذلك يعتبر الإكراه صادراً من المتعاقد الآخر إذا صدر من شخص من الغير بتحريض من هذا المتعاقد أو من نائبه. - ولكن ما الحكم إذا لم يصدر التهديد لا من المتعاقد الآخر، ولا من نائبه ولا من شخص آخر بتحريض منهما ؟ - لاشك أن ينبغي التوفيق بين اعتبارين: - الأول أن هذا الإكراه يعيب إرادة المكره، لأنه يقبل تحت تأثير الإكراه مالم يكن ليقبله اختياراً. - أما الاعتبار الثاني: فهو أن الاعتداد بالإكراه الصادر من الغير بصفة مطلقة من شأنه إهدار مصلحة المتعاقد الآخر الذي لم يكن له دخل في حدوث الإكراه، مما يؤدي إلى عدم استقرار المعاملات. - ومن هنا نجد أن المشرع قد عمد - كما هو الشأن في التدليس - إلى التوفيق بين الاعتبارين السابقين، فلم يعتد بالإكراه الصادر من غير المتعاقدين، إلا إذا كان المتعاقد مع المكره يعلم أو من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه - فإذا صدر الإكراه من شخص آخر - كقريب أو صديق - ولم يكن هذا المتعاقد يعلم بهذا الإكراه، ولا كان من المفروض فيه أن يعلم به، فلا يجوز للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد استناداً إلى ذلك الإكراه، وذلك حتى لا يفاجأ المتعاقد معه، ولا يكون أمام المكره سوى الرجوع على الغير الذي صدر منه الإكراه بالتعويض، وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية، على أساس أن التهديد الذي صدر عنه يعتبر عملاً غير مشروع يلزمه بتعويض الضرر المترتب عليه. - فإذا تبين أن المتعاقد مع المكره كان يعلم بصدور الإكراه من الغير، أو كان من المفروض فيه أن يعلم به ، فإنه يكون للمكره أن يطلب إبطال العقد. - وتقدير ذلك يُنظر فيه إلى الظروف والملابسات التي أحاطت بإبرام العقد، فإذا كان من شأن إبرام العقد في تلك الظروف وهذه الملابسات، أن أي شخص معتاد لو وجد في مركز المتعاقد مع المكره لعلم بأنه ضحية إكراه دفعه إلى قبول التعاقد، أعتبر أن المتعاقد مع المكره كان من المفروض حتما أن يعلم بالإكراه. - ويثور التساؤل عن أثر الرهبة التي تدفع إلى التعاقد، والتي تنشأ - لا عن أحد المتعاقدين ولا عن شخص من الغير - بل عن أحوال وظروف لا دخل لإرادة الإنسان فيها أو ما يسمى بحالة الضرورة؟ كما لو أشرف طفل على الغرق، فطلب أبوه من أحد أصحاب القوارب إنقاذه، فلم يرض صاحب القارب بذلك إلا نظير أجر باهظ، فرضي الأب بذلك تحت تأثير خشيته من الخطر المحدق بابنه. - لا شك أن عبارة" الغير" الواردة بالنص تتسع لتشمل التهديد المتولد من الظروف وما يترتب عليه من رهبة، واستغلال هذه الظروف دليل قاطع على العلم بها. - ومن هنا فلا جدال أن الأبيعتبر مكرها على التعاقد، لأن المتعاقد معه، وإن لم يكن هو مصدر الإكراه، إلا أنه كان يعلم بالرهبة المتوافرة لدى الأب، وقد استغلها للضغط على إرادة الأب وحمله على التعاقد، بشروط لم يكن ليقبلها لو لم تتوافر تلك الرهبة، رغم أن التهديد بالأذى لم يصدر عن صاحب القارب ولا عن غيره، بل عن الظروف التي أوجدت الطفل في حالة الإشراف على الغرق. - وينطبق ذات الحكم في كل فرض يكون فيه استغلا للحالة الضرورة؛ فإذا احتاجت زوجة إلى عملية جراحية عاجلة، فلم يرض الجراح الذي طلبه الزوج بإجراء الجراحة إلا مقابل أتعاب باهظة تزيد كثيراً على ما يتقاضاه جراح في مثل مستواه الفني والمهني، كان هذا من قبيل الإكراه. ### رابعاً: إثبات الإكراه يقع على عاتق الطرف الذي يدعي أنه أبرم العقد تحت ضغط الخوف الناجم عن التهديد، أن يثبت توافر جميع الأركان اللازمة لوجود الإكراه، وله أن يستعين في ذلك بجميع طرق الإثبات، بما فيها شهادة الشهود والقرائن، نظراً لتعلق الأمر بوقائع وأفعال مادية. ### خامسا: جزاء الإكراه إذا ثبت أن إبرام العقد قد تم تحت تأثير الخوف، فإن العقد يكون قابلا للإبطال لمصلحة المتعاقد المكره، فيستطيع هذا المتعاقد أن يطلب إبطال العقد للإكراه في أي وقت، مالم يسقط حقه في الإبطال بالإجازة أو بالتقادم. - وإلى جانب إبطال العقد، يثبت للطرف المكره الحق في مطالبة الشخص الذي هدده بالأذى بتعويض الضرر الذي أصابه من جراء ذلك، لأن التهديد بالأذى غير المشروع يعتبر عملا غير مشروع، أي خطأ، وكل خطأ يلزم مرتكبه بتعويض الضرر الناشئ عنه. - وفضلا عما تقدم قد يتوافر في الفعل أركان جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات، كجريمة الضرب والجرح العمد ( ١٨٤ ) ، وجريمة التهديد ( ١٨٥ ) ، فيكون من ينسب إليه الإكراه عرضة لجزاءات جنائية إلـــى جانب الجزاءات المدنية.

Use Quizgecko on...
Browser
Browser