تاريخ فنون اول فصل PDF

# وحدة الفنون الإسلامية إن وحدة الفنون الإسلامية التي نلمسها في منتجات وعمائر البلاد الإسلامية من أقصى المغرب في مراكش إلى أقصى المشرق في إيران والهند، أمر يدعو إلى الدهشة ويثير الرغبة في البحث عن الأساليب والواقع التي أدت إلى هذه الظاهرة الفريدة لأن هذه الأقطار في أصولها التاريخية مختلفة في اللغة...

# وحدة الفنون الإسلامية إن وحدة الفنون الإسلامية التي نلمسها في منتجات وعمائر البلاد الإسلامية من أقصى المغرب في مراكش إلى أقصى المشرق في إيران والهند، أمر يدعو إلى الدهشة ويثير الرغبة في البحث عن الأساليب والواقع التي أدت إلى هذه الظاهرة الفريدة لأن هذه الأقطار في أصولها التاريخية مختلفة في اللغة وأصول الجنس البشري والعادات والعقيدة وبالتالي فهي مختلفة في المظاهر الحضارية، وقد أجمع الباحثون والدارسون على أن العقيدة الإسلامية التي انتشرت في هذه المنطقة الشاسعة بسرعة عظيمة كانت ذات أثر قوي في تحقيق هذه الوحدة بحيث تغلبت على فوارق الجنس والتقاليد الوطنية المتوارثة، ولعل السر الكامن في قوة وفاعلية العقيدة الإسلامية أنها ليست قاصرة على العبادات، وإنما هي نظام للحياة ونظام يقوم على دعامات قوية ومتينة من المثل العليا والقيم والمبادئ الأخلاقية وأن هذه العقيدة تمتد إلى شئون الفكر والأدب والعادات والمعاملات فالقرآن الكريم هو كلام الله المنزل على رسوله محمد ( ) له في شؤون الدنيا بقدر ما له في شؤون الدين وأن حياة الرسول وأقواله وأفعاله هي جزء مفسر ومتمم للعقيدة الإسلامية والخلاصة أن العقيدة الإسلامية تقدم للإنسان نظامًا كاملا للحياة تغلبه النظرة الإنسانية السليمة، فيه صلاح الفرد والجماعة. ## عوامل وحدة الفنون الإسلامية - **القرآن الكريم أنزل باللغة العربية.** - **اللغة العربية أصبحت عاملا مشتركًا ورباطًا مميزًا.** - **الجنس والتقاليد الوطنية المتوارثة تغلبت عليها العقيدة الإسلامية.** - **تجميع العمال والفنيين من مختلف البلاد الإسلامية.** - **حرية الحركة والتنقل بين أجزاء وأقطار العالم الإسلامي.** - **المسجد رمزا للفكر الإسلامي** - **بساطة العقيدة وعدم وجود قرابين أو تأليه لشخصيات دينية** - **العقيدة الإسلامية تقدم للإنسان نظامًا كاملا للحياة تغلبه النظرة الإنسانية السليمة** # فلسفات وخصائص الفنون الإسلامية ## 1) التجريد والموسيقية **هما من أبرز صفات الفن الإسلامي فالقيمة الجوهرية الكامنة في الفن الإسلامي هي إيقاعه وتجريده، وما صحب ذلك من إحساس موسيقي رائع لا يجاريه فيه أي فن آخر ولا شك أن هذا الاتجاه مردوده إلى تصور المسلمين للعالم والإنسان والله، وبذلك فإن الإنسان هو جزء من الكون وليس محورًا وأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق البارئ المصور وبذلك فإن الإيمان مطلق بعظمة الله سبحانه وتعالى ومن أجل ذلك اتجه الفنان إلى النظر إلى المطلق وإلى المجرد ولم يهتم إطلاقا بمحاكاة الأشياء ومن أجل ذلك لم تكن وظيفة الفن الإسلامي نقل المرئي بل نقل ما هو غير مرئي ومحاولة الإحساس بالقوانين الرياضية التي تحكم هذا الوجود وتأكيدا لهذا الاتجاه اتجه الفن الإسلامي إلى الهندسة فتلاءم من جهة أخرى مع التأثيرات التي فرضها المكان كبيئة زراعية وبالرغم من أن هذا الاتجاه التجريدي الذي يتصف بالشمول فإنه لم يبلغ إطلاقا الإحساس بالطبيعة ولكنه أضفى لها إدراكا موازيًا مؤكدًا لوجودها.** ## 2) كراهية تصوير الكائنات الحية: **شاع رسم وتصوير الكائنات الحية في المنطقة العربية قبل الإسلام ولكنه لم يهتم قط بالمحاكاة الحركية لهذه الكائنات كما فعلت الحضارة الإغريقية في محاكاة الجسم الإنساني وصولا إلى تحقيق المثالية التي تعتبر الإنسان مقياسا لكل شيء. إلا أن الفنان لشغل فراغات أعماله وتغطية سطوحها بالنقوش قد غلب عليه هدف إذابة حجم الأجسام فيها بتجريدها من مادتها على اعتبار أن ذلك حلا مقنعا من أجل تحقيق الأغراض الجمالية والانصراف عن تمثيل الكائنات الحية.** ## 3) مخالفة الطبيعة: **خالف الفنان المسلم الطبيعة تأكيدًا لاتجاه الفكر الإسلامي الذي أوضحنا بعض جوانبه ويقول الدكتور بشـر فارس "أن خروج التصوير الإسلامي على أصل الهيئة البشرية إنما تستدعيه نية مستقرة في الطبع مبعثها الاستهانة بعظمة الإنسان فالإنسان هو ركيزة الفكر لتطور العالم مثل فلاسفة اليونان وأهل الفن والأدب في إيطاليا الناهضة. والفنان المسلم يواجه الطبيعة لكي يتناول عنصرها ويفككها إلى عناصر أولية ويعيد تركيبها من جديد في صياغة عزبة طروب وهو لا يفكر في محاكاة الطبيعة لأن هذا هدف لا يسعى إليه ولا يعنيه.** ## 4) تصوير المحال **إن مخالفة الطبيعة تؤدي إلى الاستقراء وبخاصة بالنسبة للفنان المسلم لإنتاج شكل جديد لا نظير له في الطبيعة ولكنها توازيها وهناك ارتباط وثيق بين الأسطورة الشعبية والفن التشكيلي من حيث معالجة الأشكال الحيوانية المركبة أو الخرافية على أساس أنه من الممكن أن تكون كذلك بصرف النظر عن شكلها الحاصل فعلاً.** ## 5) تحويل الخسيس إلى نفيس والبعد عن الترف **من المسلمات في العقيدة الإسلامية العزوف عن الإسراف في بهرج الحياة باعتبار ذلك عرضا زائلا، وما عند الله خير وأبقى وقد تأصل هذا الاتجاه لدرجة التقييد بصناعة الحرير نتيجة إلى ما ورد في بعض الأحاديث الشريفة من تحريم لبس الحرير على الرجال، ورد عن حذيفة بن اليمان قال : نهانا رسول الله (ﷺ) أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه"(۱). ومن منطلق هذا الحديث الشريف ورغم ازدهار الحضارة الإسلامية في الكثير من العصور ووصول الثراء إلى درجة تفوق كل تصور حيث كان في استطاعة المسلمين لو أرادوا أن يزينوا الأشياء ويتبهرجوا بكل صورة أن يفعلوا، وكان أيضا في استطاعتهم إن أرادوا أن يزينوا الأجزاء المهمة في المساجد وهي "مكان عبادتهم بالأحجار الكريمة ونصف الكريمة إلا أنهم لم يفعلوا واستطاعوا المواءمة بين ظهور المسجد بالعظمة والفخامة نتيجة للثراء المتزايد في المجتمع وبين فلسفة الفكر الإسلامي من الالتزام بأسلوب السلف الصالح في الحياة البسيطة، فاستطاع الفنان المسلم باستعمال أرخص الخامات كالطين والخشب أن يصنع محاريب المساجد من الخزف أو الخشب أو الجص أن أثراها بالزخارف والنقوش مما جعل هذه المحاريب قمة في الجمال والابتكار، كذلك نجح الفنان المسلم في مصر من تحقيق هذه الغاية بابتكار الخزف ذو البريق المعدني وهو نوع من الخزف لم يعرف إلا في الفن الإسلامي في ذلك الوقت. ويتيح الحصول على الأواني الخزفة من أرخص الخامات على الإطلاق "الطين" لتصبح بديلاً لأواني الذهب والفضة.** ## 6) الانصراف عن التجسيم **تبتعد الفنون الإسلامية عن التجسيم بشكل واضح في كل ما أنتج من أعمال لأنها لا تستهدف بذلك البحث عن البعد الثالث وهو العمق في الفنون الغربية ولكنها تبحث عن عمق تختلف به دون الفنون الأخرى. وهو العمق الوجداني وهذا العمق تمثله قصص ألف ليلة وليلة من ليالي الشرق حيث نجد مجموعة من قصص كل منها داخل الآخر. وترى في الزخارف عامة حيث تقودنا بعض الزخارف إلى زخارف أخرى في داخلها ثم تقودنا هذه بدورها إلى زخارف ثالثـة مما يجعلها تنتقل من مستوى فكري إلى آخر. ولعل هذا العمق الأدبي أو الزخارف كان سبيل الفنان المسلم في ذلك الوقت للبعد عن مادة الجسم بتوجيه النظر إلى الزخارف الفنية التي يعطيها.** # العناصر الزخرفية الإسلامية **لعل أبرز مميزات الفن الإسلامي أنه فن زخرفي فقد استفاد الفنان المسلم من كل ما وقع عليه نظره من عناصر سواء أكانت نباتية أو حيوانية أو آدمية لتحقيق أهدافه الزخرفية أو ما ينشده من بيان ورشاقة واتزان فهو يكيف هذه العناصر فحسب ولكنه استغل الكتابة العربية بنفس الطريقة وركب هذه العناصر وزاوج بينها في كثير من الموضوعات فهو يريد أن يحشد في عمله الفني كل ما لديه من عناصر ووحدات ليخرج هذا العمل آية في الرونق والجمال.** **وقد قسم الدكتور فريد شافعي تطور العناصر الزخرفية الإسلامية إلى أربع مراحل وهي كالآتي:** ## 1) الزخارف الهندسية **استعمل الإنسان الزخارف الهندسية في الكثير من الحضارات التي ظهرت منذ العصر الحجري إلى الآن ولا شك أن اهتمام الإنسان بالزخارف الهندسية مرده إلى سببين: الأول: نزوع فطري نحو التجريد. الثاني: التوجيه الذي تفرضه الحاجة والآداء أثناء عملية الإنتاج، وتعتبر الزخارف الهندسية عنصرًا أساسيًا من عناصر الزخرفة الإسلامية ومنذ العصر الأموي اتجه الفنان المسلم إلى الزخارف الإسلامية واستعملها استعمالا ابتكاريًا لم يظهر له مثيل في أي حضارة من الحضارات. وقد شاع استعمال الزخارف الهندسية في العمائر والتخطيطات والتحف المختلفة سواء من الجص أو الخزف أو النسيج والمعادن والرخام وكان الأساس الذي بنى عليه الفنان المسلم زخارفه الهندسية هو الشكل البسيط كالمستقيمات والمربعات والمثلثات والدوائر المتماسكة والمتقاطعة والأشكال الهندسية والمثمنة وغيرها من التداخل فيما بينها. والزخارف الهندسية تنقل للرائي إحساسا بالسكون كما يبدو فيها بعض الأحيان إحساس بالحركة نتيجة التنويع في استعمال الخامات المختلفة الألوان وتبادل الظل والنور على الأجزاء الغائرة والبارزة في الزخارف المحفورة في الخشب أو الجص، وأكثر الطرز الإسلامية استعمالا للزخارف الإسلامية هي الطرز التي ازدهرت في مصر وسوريا وكانت البداية رسومات هندسية بسيطة ثم تطورت بناء على أصول وقواعد هندسية ورياضية تبدأ من تقسيم محيط الدائرة إلى أجزاء متساوية ثم توصيل النقط بعضها ببعض للوصول إلى الأشكال الهندسية المختلفة فيما يدل دلالة واضحة على دراية واسعة بعلم الزوايا والهندسة وما إلى ذلك.** ## 2) الزخارف الخطية: **أدخل الفنان العربي الحروف العربية كعنصر رئيسي من عناصر الزخرفة ولا شك أن استعمال الكتابة في أول الأمر على المنتجات الفنية وسيلة من وسائل التسجيل سواء باسم المكان الذي صنع فيه أو اسم الصانع أو اسم الخليفة ثم تسجيلا للحمد والشكر وكانت الخطوط العربية في فجر الإسلام تنسب إلى المدن الإسلامية فتنقسم الخطوط الشمالية إلى قسمين: (1) الخط الحجازي. (٢) الخط الحراني. ومن الخط الحجازي نشأ الخط المدني والمكي، ومن الخط الحراني نشأ الخط الكوفي والبصري وينقسم الخط الكوفي(۱) بدوره على عدة أقلام مرجعها أصلان وهو المقور المعبر عن الآن باللين "النسخ" أي التي حروفه مرسلة بها استدارة والثاني المبسو وهـو المعروف به الآن "الكوفي" أي حروفه مستقيمة ذات زوايا(۱). ومن هنا يتضح لنا أن الخط الكوفي يشمل نوعين من أساليب الكتابة التي يطلق عليها الخط الكوفي. ولعل السبب في هذا الخطأ الشائع يرجع إلى أن معظم الكتابات التذكارية في العصور الأولى للاسم كتبت بالخط المضلع اليابس لأن هذا التضليع يكسبها طابعًا هندسيًا وعلى ذلك فهو أصح في الزخرفة ومن ثم فقد قصر لفظ كوفي على هذا الأسلوب من الخط. أما الخط اللين ذو الاستدارة فلم يعمم استخدامه للزخارف إلا في القرن الثاني عشر الميلادي والفنان استغل الكتابة استغلالا جماليًا واسع النطاق على الكثير من منتجاته الفنية فنرى أشرطة الكتابات التي استعملت فيها الآيات القرآنية لتزين المساجد كما استعملت الخطوط في تزيين التحف المختلفة من خزف ومعادن وبلاطات القيشاني والمنسوجات والأسلحة وظهر ما يعرف بكتابة الطراز على النسيج ويقصد بذلك إلى جانب ذكر اسم الخليفة ومصنع الطرز الزخرفية أيضًا واستعمل فيها الخط الكوفي اليابس ذو الزوايا. أيضًا اشتملت الكتابات على التحف المختلفة على عبارات دعائية (بركة) مكررة في أشرطة في العمل الفني. أو (۱) ابن خلدون - ج ٢ ص ٣٤٣ - صبح الأعشى - ج 3 - ص ١٥ .** ## 3) العناصر النباتية: **يعتبر ميدان الزخارف النباتية من الميادين الهامة التي جال فيها الفنان المسلم حيث ابتكر أشكالاً نباتية مختلفة خرج بها على الأشكال الطبيعية كعادته المألوفة في التجريد والبعد عن الطبيعة. وهناك نوع من الزخارف يطلب عليها الأرابيسك تتكون من خطوط منحنية مستديرة أو ملتوية موصل بعضها ببعض فتكون أشكالاً لا حدود، يتكون بينها فروع مما أظهر هذه الأعمال متمتعة بحركة ذاتية ناتجة من تمايل الخطوط وانسيابيتها في حرية وتلك النقوش النباتية التي صاغتها الخطوط الدوارة المزهرة وهي تنساب وتمتد في جهات عديدة بصيغ رياضية بسيطة تصنع إيقاعا موسيقيا متجانسًا في تشكيلات مجردة بهدف محاكاة الطبيعة أو تمثيل النماذج الهندسية المألوفة وبالرغم من بعد هذه الزخارف عن الطبيعة فإننا لا نستطيع أن نعتبرها زخارف هندسية وقد شـاع استعمال هذا النوع من الزخارف بداية من القرنين الثاني والثالث عشر الميلاديين. وبالرغم من عشق الفنان المسلم لهذا النوع من الزخارف النباتية "الأرابيسك" إلا أنه عرف واستخدم نوعًا آخر من الزخارف النباتية يتكون من سيقان نباتية وزهور ووريقات وكانت إيران والهند وتركيا أكثر البلاد اهتمامًا بهذا النوع من الزخارف، ثم انتقل هذا النوع من الزخرفة وانتشر بعد ذلك في مصر وسوريا في عصر المماليك.** ## 4) العناصر الزخرفية الآدمية والحيوانية: ** سبق أن ذكرنا أن الفنان المسلم لم يهتم بالتعبير عن الأشكال الآدمية والحيوانية تعبيرا مقصودًا به الإنسان أو الحيوان ولكنه استخدم هذا العنصر كوحدات زخرفية بحتة لها قيمتها الفنية وهو لم يكفت بذلك بل كان يحلو له أن يركب منها أشكالاً خرافية كالأفراد ذوي الأجنحة أو الأفراس والطيور ذات الوجوه الآدمية ولقيت هذه الحيوانات والرسوم الخرافية إقبالاً عند المسلمين لأنها تتفق في تكوينها مع معتقداته في البعد عن الطبيعة. هذا وقد استخدمت هذه العناصر الزخرفية في زخرفة الخشب والجص والنحاس والنسيج والبلور والخزف وغالبًا ما توضع هذه العناصر داخل أشكال هندسية وتم توزيعها على أساس التقابل والتدابر ويلاحظ أن كثيرًا من رسوم هذه الطيور والحيوانات كانت تنتهي أطرافها بأشكال هندسية أو نباتية كما كانت تزخرف أجسامها بمثل هذه الزخارف أو الكتابات إمعانا في تحويلها إلى عناصر زخرفة وأبعاده عن شكلها الطبيعي، وغالبًا ما تظهر على تحف الفن الإسلامي محتوية على هذا النوع من الزخارف:** - **أشرطة بها طيور وحيوانات متكررة تلو بعضها بعضا.** - **حيوانات أو طائران متدابران أو متقابلان وبينهما زخرفة ترمز إلى شجرة الخلود أو شجرة الحياة التي كانت معروفة عند الآشوريين ثم انتقلت عنهم إلى الفرس.** - **حيوان ينقض على حيوان آخر.** - **طائر جارح ينقض على حيوان أو طائر آخر.** - **مناظر صيد فيه الصيادين والحيوانات والطيور.** - **مناظر الحفلات الداخلية فيها الرقص والطرب.** - **رسوم لمجموعة من الطيور في تكوين زخرفي.**