Summary

This document provides an overview of the Franks, a group of Western European peoples during the Roman Empire and the Middle Ages. It details their origins, expansion, and role in history.

Full Transcript

‫المحاضرة الخامسة‬ ‫الفرنجة‬ ‫شعبا من أوروبا الغربية خالل عهد اإلمبراطورية الرومانية والعصور الوسطى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان الفرنجة ‪Franks‬‬ ‫بدأوا كشعب جرماني عاش بالقرب من نهر الراين السف...

‫المحاضرة الخامسة‬ ‫الفرنجة‬ ‫شعبا من أوروبا الغربية خالل عهد اإلمبراطورية الرومانية والعصور الوسطى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان الفرنجة ‪Franks‬‬ ‫بدأوا كشعب جرماني عاش بالقرب من نهر الراين السفلي‪ ،‬على الحدود القارية الشمالية لإلمبراطورية‪.‬ثم وسعوا‬ ‫قوتهم ونفوذهم خالل العصور الوسطى‪ ،‬حتى أصبح الكثير من سكان أوروبا الغربية‪ ،‬وخاصة في فرنسا‬ ‫وبالقرب منها‪ ،‬يوصفون عادةً بالفرنجة‪ ،‬على سبيل المثال في سياق جهودهم المشتركة خالل الحروب الصليبية‬ ‫التي بدأت في القرن الحادي عشر الميالدي‪.‬كانت نقطة التحول الرئيسية في هذا التطور عندما أصبحت‬ ‫ساللة الميروفنجيين الفرنجية المتمركزة داخل اإلمبراطورية الرومانية الغربية المنهارة أوًًل حكام المنطقة بأكملها‬ ‫بين نهري اللوار والراين‪ ،‬ثم فرضوا السلطة بعد ذلك على العديد من الممالك األخرى بعد الرومان داخل وخارج‬ ‫اإلمبراطورية القديمة‪.‬‬ ‫قبليا‪ ،‬ولكن في غضون بضعة قرون طغى على أسماء الشعوب‬ ‫اسما ً‬ ‫لم يكن اسم فرانسي ‪ً Franci‬‬ ‫اتباعا لسوابق بعض المؤرخين مثل إدوارد جيبون وغيره‪ ،‬ارتبط اسم‬ ‫األصلية التي شكلت السكان الفرنجة‪.‬و ً‬ ‫أيضا اقتراحات‬ ‫الفرنجة ‪ Franks‬بالصفة اإلنجليزية فرانك ‪ ،Frank‬والتي تعني في األصل "حر"‪.‬كانت هناك ً‬ ‫مفادها أن كلمة فرانك مشتقة من كلمة جرمانية األصل وتعني "الرمح"‪.‬‬ ‫كما تم استخدام الكلمة الالتينية " ‪ " feroces‬والتي تعني (الشراسة) في كثير من األحيان لوصف‬ ‫الفرنجة‪.‬‬ ‫على الرغم من أن اسم الفرنجة لم يظهر حتى القرن الثالث الميالدي‪ ،‬إًل أن بعض القبائل الفرنجية‬ ‫األصلية على األقل كانت معروفة منذ فترة طويلة للرومان تحت أسمائهم الخاصة‪ ،‬سواء كحلفاء يقدمون الجنود‬ ‫معا لشن غارات‬ ‫لخدمة اإلمبراطورية‪ ،‬أو كأعداء‪.‬استُخدم المصطل‪-‬ح ألول مرة لوصف القبائل التي تعمل ً‬ ‫غالبا ما يقسم المؤرخون الشعوب الفرنجية التي عاشت ًلحًقا داخل حدود روما على‬ ‫على األراضي الرومانية‪ً.‬‬ ‫نهر الراين إلى مجموعتين ‪ -‬الفرنجة الساليون ‪ Salian Frankis‬إلى الغرب‪ ،‬الذين جاءوا ً‬ ‫جنوبا عبر دلتا‬ ‫‪1‬‬ ‫الراين؛ والفرنجة الريبوريون أو راينالند إلى الشرق‪ ،‬الذين غزوا في النهاية مدينة كولونيا الحدودية الرومانية‬ ‫وسيطروا على الضفة اليسرى لنهر الراين السفلي في تلك المنطقة‪.‬‬ ‫مؤرخا وشخصية بارزة في بالد الغال خالل القرن‬ ‫ً‬ ‫كتب جريجوري التوري (أسقف مدينة تور وكان‬ ‫السادس الميالدي) في كتابه عن تاريخ الفرنجة أن الفرنجة جاءوا أصالً من بانونيا‪ ،‬وسكنوا أوًلً ضفاف نهر‬ ‫حاليا) وأقاموا في كل مقاطعة باجوس‬ ‫الراين‪.‬ثم عبروا النهر وساروا عبر تورينجن (إحدي الوًليات األلمانية ً‬ ‫ملوكا ذوي شعر طويل مختارين من أرقى وأشرف عائالتهم‪.‬‬ ‫الرومانية‪ً ،‬‬ ‫بينما كانت هناك مصادر أخري تتحدث عن األصل األسطوري للفرنجة‪ ،‬وتروي تلك المصادر أن‬ ‫الفرنجة جاءوا أصالً من طروادة واستشهدوا بأعمال فيرجيل‪.‬وكتب القديس جيروم عن ملوك الفرنجة القدماء‪،‬‬ ‫الذين روى قصتهم الشاعر فيرجيل أوًلً‪ ،‬كان أول ملك لهم هو بريام ‪ ،Priam‬وبعد أن تم اًلستيالء على‬ ‫طروادة بالخداع‪ ،‬غادروها‪.‬وبعد ذلك‪ ،‬أصبح لهم ملك يدعى فريجا ‪ ،Friga‬ثم انقسموا إلى قسمين‪ ،‬األول‬ ‫ذهب إلى مقدونيا‪ ،‬والثاني غادر آسيا مع ملكهم فريجا‪ ،‬ولذلك أطلق عليهم اسم فريجي‪ ،‬واستقروا على ضفاف‬ ‫نهر الدانوب‪.‬ثم انقسموا مرة أخرى إلى قسمين‪ ،‬دخل نصفهم أوروبا مع ملكهم فرانسيو ‪.Francio‬وبعد عبور‬ ‫أوروبا مع زوجاتهم وأطفالهم‪ ،‬احتلوا ضفاف نهر الراين‪ ،‬وعلى مقربة من نهر الراين بدأوا في بناء مدينة‬ ‫"طروادة" (كولونيا ترايانا‪-‬زانتن ‪( ) Colonia Traiana-Xanten‬زانتن هي بلدة تقع في وًلية شمال الراين‪-‬‬ ‫حاليا)‪.‬إن هاتين القصتين متشابهتان في كشف حقيقة مفادها أن الفرنجة كانوا ًل يعرفون سوى‬ ‫وستفاليا‪،‬ألمانيا ً‬ ‫القليل عن خلفيتهم‪ ،‬وأنهم ربما شعروا ببعض الدونية مقارنة بشعوب أخرى من العصور القديمة كانت تمتلك‬ ‫قديما وتقاليد مجيدة‪.‬‬ ‫اسما ً‬ ‫ً‬ ‫ُذكر الفرنجة ألول مرة في تاريخ أوغسطس‪ ،‬وهو مجموعة من السير الذاتية لإلمبراطور الروماني‬ ‫أوكتافيوس‪.‬وًل تقدم أي من المصادر التاريخية قائمة مفصلة بالقبائل أو أجزاء القبائل التي أصبحت فرنجية‪،‬‬ ‫لكن أول ظهور للفرنجة في مصدر معاصر كان في عام ‪289‬م‪.‬حيث تم ذكر شعب الشامافي ‪Chamavi‬‬ ‫إحدي القبائل الجرمانية كشعب فرنجي في وقت مبكر من عام ‪289‬م‪ ،‬وشعب بروكتيري ‪ Bructeri‬من عام‬ ‫‪307‬م‪ ،‬وشعب تشاتواري ‪ Chattuarri‬من عام ‪306‬م إلى ‪315‬م‪ ،‬وشعب الساليون ‪ Salians‬من عام‬ ‫‪357‬م‪ ،‬وشعبي أمسيفاري ‪ Amsivarii‬من حوالي عام ‪364‬م إلى ‪375‬م‪.‬و ِ‬ ‫صف الفرنجة في النصوص‬ ‫ُ‬ ‫‪2‬‬ ‫الرومانية بأنهم حلفاء (‪ )laeti‬وأعداء (‪.)dediticii‬وفي عام ‪260‬م تقر ًيبا‪ ،‬توغلت مجموعة من الفرنجة حتى‬ ‫يبا قبل أن يقهرهم الرومان‬ ‫مدينة تاراغونا في إسبانيا الحالية‪ ،‬حيث اجتاحوا المنطقة لمدة عقد من الزمان تقر ً‬ ‫ويطردوهم‪.‬وفي عام ‪287‬م أو ‪ 288‬م‪ ،‬أجبر القيصر الروماني مكسيميانوس زعيم الفرنجة جينوبود‬ ‫‪ Genobaud‬وشعبه على اًلستسالم دون قتال‪.‬‬ ‫في عام ‪292‬م‪ ،‬هزم قن سطنطيوس األول‪ ،‬والد قسطنطين العظيم‪ ،‬الفرنجة الذين استقروا عند مصب‬ ‫نهر الراين‪.‬وتم نقل هؤًلء إلى منطقة توكساندريا القريبة (منطقة رومانية تقع في الجزء الجنوبي من هولندا‬ ‫الحديثة وفي الجزء الشمالي من بلجيكا الحالية)‪.‬حيث قام قنسطنطيوس "بقتل وطرد وأسر واختطاف" الفرنجة‬ ‫مستخدما مصطلح "األمم الفرنجية‪"nationes Franciae‬‬ ‫ً‬ ‫الذين استقروا هناك وغيرهم ممن عبروا نهر الراين‪،‬‬ ‫أحيانا‬ ‫ً‬ ‫ألول مرة‪.‬ويبدو من المرجح أن مصطلح الفرنجة في هذه الفترة األولى كان له معنى أوسع‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫الفريسيين ‪ Frisii‬الساحليين‪ ،‬وهي قبيلة قديمة تعيش في المنطقة المنخفضة بين دلتا نهر الراين ونهر إمس‪،‬‬ ‫وتشترك في بعض العناصر الثقافية واللغوية مع القبائل السلتية المجاورة‪.‬‬ ‫أصبحت الغارات الفرنجية على نهر الراين متكررة لدرجة أن الرومان بدأوا في توطين الفرنجة على‬ ‫حدودهم من أجل السيطرة عليهم‪.‬وفي عام ‪ 328‬م‪ ،‬تم القبض على بعض الغزاة الفرنجة من قبل الفيلق السادس‬ ‫المتمركز في ماينز‪.‬ونتيجة لهذا الحادث‪ُ ،‬قتل ‪ 700‬فرنجي وبيع ‪ 300‬منهم كعبيد‪.‬‬ ‫ مملكة الميروفنجيين‬ ‫ذكر جريجوري التوري أن ممالك الفرنجة الصغيرة كانت موجودة خالل القرن الخامس حول كولونيا‬ ‫وتورناي وكامبراي وأماكن أخرى‪.‬في نهاية المطاف‪ ،‬أصبحت مملكة الميروفنجيين ‪Merovingians‬‬ ‫‪ kingdom‬مهيمنة على بقية المملكة‪ ،‬ربما بسبب ارتباطها بهياكل السلطة الرومانية في شمال بالد الغال‪،‬‬ ‫والتي كانت القوات العسكرية الفرنجية مندمجة فيها إلى حد ما على ما يبدو‪.‬‬ ‫اشتق اسم الساللة الميروفنجية‪ ،‬من كلمة ًلتينية األصل ‪ Merovingi‬والتي تعني "أبناء ميروفك‬ ‫‪ ،"sons of Merovech‬نسبة إلي ملك الساليين ميروفك أو ميروفيتش ‪ ،Merovech‬الذي كان في قلب‬ ‫‪3‬‬ ‫أبدا أنهم ينحدرون من إله‪ ،‬وًل يوجد دليل على أنهم كانوا ُيعتبرون‬ ‫العديد من األساطير‪.‬لم يزعم الميروفنجيون ً‬ ‫مقدسين‪.‬‬ ‫كان شعر الميروفنجيين الطويل يميزهم عن الفرنجة‪ ،‬الذين كانوا يقصون شعرهم عادة‪.‬وكان‬ ‫أحيانا باسم "الملوك ذوي الشعر الطويل"‪.‬ولم يكن من حق الميروفنجيين الذين تم‬ ‫ً‬ ‫المعاصرون يشيرون إليهم‬ ‫قص شعرهم أن يحكموا‪ ،‬وكان من الممكن إبعاد منافس عن الخالفة بقص شعره وإرساله إلى أحد األديرة‪.‬كما‬ ‫استخدم الميروفنجيون مجموعة أسماء مميزة‪ ،‬ونري ذلك من خالل تطور أحد أسمائهم‪ ،‬كلوفيس إلى لويس‬ ‫شائعا بين أفراد العائلة المالكة الفرنسية حتى القرن التاسع عشر الميالدي‪.‬‬ ‫وظل ً‬ ‫كان شيلدريك األول ‪ ، Childeric I‬ملك الفرنجة الساليين‪ ،‬أحد القادة العسكريين العديدين الذين قادوا‬ ‫القوات الرومانية ذات اًلنتماءات العرقية المختلفة في الجزء الشمالي من بالد الغال مما ُيعرف اآلن بفرنسا‪.‬‬ ‫أسس هو وابنه كلوفيس األول ‪ Clovis I‬ساللة الميروفنجيين التي نجحت في توحيد معظم بالد الغال تحت‬ ‫حكمها خالل القرن السادس الميالدي بعد انهيار اإلمبراطورية الرومانية الغربية‪ ،‬فضالً عن ترسيخ الزعامة‬ ‫على جميع الممالك الفرنجية على حدود الراين أو بالقرب منها‪.‬وقد واجه شيلدريك وكلوفيس منافسة من‬ ‫الروماني إيجيديوس كمنافس على "ملكية" الفرنجة المرتبطين بقوات لوار الرومانية (وفًقا لجريجوري التوري‪،‬‬ ‫احتفظ إيجيديوس بملكية الفرنجة لمدة ‪ 8‬سنوات بينما كان شيلدريك في المنفى)‪.‬‬ ‫يمثل هذا النوع الجديد من الملكية‪ ،‬بداية ساللة الميروفنجيين التي نجحت في غزو معظم بالد الغال‬ ‫في القرن السادس‪ ،‬فضالً عن ترسيخ زعامتها لجميع الممالك الفرنجية على حدود الراين‪ ،‬مما ُيعرف اآلن بغرب‬ ‫وجنوب ألمانيا‪.‬ومن خالل البناء على أساس إمبراطورية الميروفنجيين هذه‪ ،‬أصبح ُينظر إلى الساللة الالحقة‬ ‫لهم‪ ،‬الكارولينجيين‪ ،‬في النهاية على أنهم األباطرة الجدد ألوروبا الغربية في عام ‪800‬م‪ ،‬عندما توج البابا ملكهم‬ ‫اطورا‪.‬‬ ‫شارلمان إمبر ً‬ ‫وفي عام ‪ 486‬أو ‪ 487‬م هزم كلوفيس منافسه سياجريوس بن إيجيديوس‪ ، ،‬ثم سجن الملك الفرنجي‬ ‫شا ارريك وأعدمه‪.‬وبعد طرد القوط الغربيين من جنوب بالد الغال في معركة فويلي‪ ،‬أسس هيمنة الفرنجة على‬ ‫معظم بالد الغال‪ ،‬باستثناء بورغوندي وبروفانس وبريتاني‪ ،‬والتي ضمها خلفاؤه في النهاية إلي مملكته‪.‬وبحلول‬ ‫عام ‪ 490‬م‪ ،‬كان قد غ از جميع الممالك الفرنجية إلى الغرب من نهر ماس باستثناء الفرنجة الريبوريين وكان في‬ ‫‪4‬‬ ‫وضع يسمح له بجعل مدينة باريس عاصمة له‪.‬وأصبح أول ملك لجميع الفرنجة في عام ‪509‬م‪ ،‬بعد أن غ از‬ ‫كولونيا‪.‬‬ ‫تزوج كلوفيس األول من أرثوذكسية بورغوندية تدعى كلوتيلدا في عام ‪493‬م‪ ،‬وبعدها اعتنق كلوفيس‬ ‫المسيحية على مذهب زوجته األرثوذكسي (أي وفًقا للعقيدة الخلقدونية) علي العكس من بقية الممالك الجرمانية‬ ‫األريوسية‪ ،‬وقام بتعميده القديس ريمي في عام ‪496‬م‪ ،‬وكان قد اعتنق بعض الفرنجة المسيحية في وقت مبكر‪.‬‬ ‫وسرعان ما تبع كلوفيس جزء كبير من األرستقراطيين الفرنجة في التحول إلى المسيحية‪.‬وتطلب تحول جميع‬ ‫الفرنجة للمسيحية من الوقت والجهد‪ ،‬استمر خالل فترة تزيد عن قرنين من الزمان‪.‬كان ًلعتناق كلوفيس‬ ‫للمسيحية تأثير عميق على مسار التاريخ األوروبي‪ ،‬ففي ذلك الوقت كان الفرنجة القبيلة الجرمانية المسيحية‬ ‫الكبرى الوحيدة التي ًل تحتوي على أرست قراطية آريوسية في الغالب‪ ،‬وهذا أدى إلى نشوء عالقة ودية طبيعية‬ ‫بين الكنيسة الكاثوليكية والفرنجة األقوياء بشكل متزايد‪.‬‬ ‫قسم كلوفيس األول مملكته بين أبنائه األربعة (ثيودوريك وكلودومير وشيلديبرت وكلوتير)‪ ،‬الذين اتحدوا‬ ‫لهزيمة بورغوندي في عام ‪534‬م‪.‬وحدثت عداوات داخلية أثناء حكم األخوين سيجبرت األول ‪Sigebert I‬‬ ‫وشيليريك األول ‪ ، Chilperic I‬والتي كانت تغذيها إلى حد كبير المنافسة بين ملكتيهما‪ ،‬برونهيلدا وفريديجوندا‪،‬‬ ‫والتي استمرت أثناء حكم أبنائهما وأحفادهما‪.‬نشأت ثالث ممالك فرعية مميزة‪ :‬أوستراسيا ونيوستريا وبورغوندي‪،‬‬ ‫كل منها تطورت بشكل مستقل وسعت إلى ممارسة النفوذ على اآلخرين‪.‬‬ ‫أعيد توحيد مملكة الفرنجة في عام ‪613‬م على يد كلوتير الثاني ‪ ،Clotaire II‬الذي منح نبالءه‬ ‫مرسوم باريس في محاولة للحد من الفساد وإعادة تأكيد سلطته‪.‬وفي أعقاب النجاحات العسكرية التي حققها‬ ‫ابنه وخليفته داجوبيرت األول ‪ ، Dagobert I‬تراجعت السلطة الملكية بسرعة في ظل سلسلة من الملوك‪،‬‬ ‫تقليديا باسم "الملوك الكسولين ‪." les rois fainéants‬في عام ‪751‬م وبموافقة البابا والنبالء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المعروفين‬ ‫خلع بيبين الثالث الملقب بالقصير آخر ملوك الميروفنجيين شيلدريك الثالث وتوج نفسه‪ ،‬وقد أدى هذا إلى‬ ‫تدشين ساللة جديدة‪ ،‬وهي الكارولينجيون‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ مملكة الكارولينجيون‬ ‫لقد ضمنت الوحدة التي حققها الميروفنجيون استمرار ما أصبح ُيعرف بعصر النهضة الكارولينجية‪.‬‬ ‫لقد عانت اإلمبراطورية الكارولينجية ‪ Carolingian Empire‬من حروب أهلية‪ ،‬ولكن الجمع بين الحكم‬ ‫الفرنجي والمسيحية الرومانية ضمن لها الوحدة األساسية‪.‬لقد اعتمدت الحكومة والثقافة الفرنجية إلى حد كبير‬ ‫على كل حاكم وأهدافه‪ ،‬وبالتالي تطورت كل منطقة من مناطق اإلمبراطورية بشكل مختلف‪.‬وعلى الرغم من‬ ‫أن أهداف الحاكم كانت تعت مد على التحالفات السياسية لعائلته‪ ،‬إًل أن العائالت الرائدة في فرنسا كانت تشترك‬ ‫في نفس المعتقدات واألفكار األساسية للحكم‪ ،‬والتي كانت ذات جذور رومانية وجرمانية‪.‬‬ ‫كانت ساللة الكارولينجيين عائلة نبيلة فرنجية‪ ،‬أخذت اسمها من اسم كارلوس ‪ ،Carolus‬وهو اًلسم‬ ‫الالتيني للعديد من ملوك الفرنجة بما في ذلك شارل مارتل وشارلمان ‪.‬أصل اًلسم من كلمة جرمانية شائعة‪،‬‬ ‫تُرجمت في اللغة األلمانية القديمة إلى كارل أو كيرل‪ ،‬وتعني "رجل" أو "زوج" أو " رجل حر"‪.‬فقد سميت اسم‬ ‫كارل أو شارل مارتل ‪ Charles Martel‬وحفيده شارلمان ‪ ،Charlemagne‬من نسل عشيرتي أرنولفنج‬ ‫‪ Arnulfing‬وبيبينيد ‪ Pippinid‬في القرن السابع الميالدي‪.‬‬ ‫ شارل مارتل‬ ‫نجيا‪ ،‬ومارتل هو لقب في اللغة الفرنسية القديمة يعني‬ ‫سياسيا وعسكرًيا فر ً‬ ‫ً‬ ‫عيما‬ ‫كان شارل مارتل ز ً‬ ‫أمير للفرنجة و"عمدة القصر ‪ ،"maior palatti‬وهو منصب ذو أهمية قصوى‬ ‫"المطرقة"‪ ،‬وكان بصفته دوًقا و ًا‬ ‫لدى البالط الملكي الميروفنجي‪.‬فقد كان عمدة القصر يعمل كوسيط بين الملك وأباطرة المنطقة؛ كما كان‬ ‫ينظر لمتولي هذا المنصب على اعتباره أهم شخص غير ملكي في المملكة‪.‬وبذلك كان شارل مارتل هو الحاكم‬ ‫ابنا لرجل الدولة الفرنجي بيبين الهيرستالي وامرأة‬ ‫الفعلي للفرنجة من عام ‪718‬م حتى وفاته عام ‪741‬م‪.‬كان ً‬ ‫نبيلة تدعى ألبايدا‪.‬نجح شارل في تأكيد مطالباته بالسلطة كخليفة لوالده باعتباره القوة وراء العرش في السياسة‬ ‫الفرنجية‪.‬واستمر في العمل على نهج والده‪ ،‬فأعاد الحكومة المركزية في فرنسا وبدأ سلسلة الحمالت العسكرية‬ ‫‪6‬‬ ‫التي أعادت تأسيس الفرنجة باعتبارهم أسياد بالد الغال بال منازع‪.‬ووفًقا للمصادر المعاصرة‪ ،‬فقد كان شارل‬ ‫فعاًل بشكل غير عادي في المعركة"‪.‬‬ ‫مارتل "محارًبا ً‬ ‫نجح شارل مارتل بين عامي ‪718‬م و‪ 732‬م في تأمين سلطته من خالل سلسلة من اًلنتصارات‪،‬‬ ‫وتوحيد الفرنجة تحت لوائه‪.‬وأصبح شارل اآلن هو المسؤول عن تعيين الملوك الميروفنجيين الذين ُيفترض أنه‬ ‫يخدمهم‪.‬وبحلول نهاية حكمه‪ ،‬لم يعين ًأيا منهم على اإلطالق‪.‬كما تمكن من إنهاء فترة الحروب األهلية التي‬ ‫كانت دائرة لسنوات طوال بين أفراد البيت الميروفنجي‪.‬‬ ‫كبير على الجيوش األموية بقيادة عبد الرحمن الغافقي حاكم األندلس في بالد‬ ‫فوز ًا‬ ‫حقق شارل مارتل ًا‬ ‫أيضا باسم معركة بواتييه أو معركة تور‪ ،‬التي دارت رحاها في‬ ‫الغال‪ ،‬في معركة "بالط الشهداء"‪ ،‬والتي تُعرف ً‬ ‫‪ 10‬أكتوبر ‪732‬م‪ ،‬وكانت معركة مهمة للمسلمين في األندلس‪.‬وقد أرجع العديد من المؤرخين الفضل في‬ ‫مهما في الحد من انتشار اإلسالم في أوروبا الغربية‪.‬‬ ‫عامال ً‬ ‫ً‬ ‫انتصار المسيحيين في المعركة باعتباره‬ ‫تفاصيل المعركة‪ ،‬بما في ذلك عدد المقاتلين وموقعها الدقيق‪ ،‬غير واضحة من المصادر الباقية‪.‬وتتفق‬ ‫معظم المصادر على أن األمويين كان لديهم قوة أكبر ورغم ذلك عانوا من خسائر أثقل‪.‬والجدير بالذكر أن‬ ‫القوات الفرنجية قاتلت على ما يبدو بدون سالح فرسان ثقيل‪.‬كانت ساحة المعركة تقع في مكان ما بين مدينتي‬ ‫بواتييه وتور‪ ،‬في شمال آكيتاين في غرب فرنسا‪ ،‬بالقرب من حدود مملكة الفرنجة ودوقية آكيتاين المستقلة‬ ‫آنذاك تحت حكم أودو الكبير‪ُ.‬قتل الغافقي في أرض المعركة‪ ،‬وانسحب الجيش األموي بعد هزيمته‪ ،‬وساعدت‬ ‫تلك المعركة في إرساء أسس اإلمبراطورية الكارولنجية والهيمنة الفرنجية على أوروبا الغربية للقرن التالي‪.‬ويتفق‬ ‫معظم المؤرخين على أن "تأسيس القوة الفرنجية في أوروبا الغربية شكل مصير تلك القارة وأكدت معركة تور‬ ‫تلك القوة"‪.‬وعلى الرغم من انتصاره‪ ،‬لم يتمكن شارل مارتل من السيطرة الكاملة على آكيتاين‪ ،‬وظل أودو دوًقا‬ ‫حتى توفي في عام ‪735‬م‪.‬‬ ‫ودفن في كنيسة سان دوني في باريس‪.‬وكانت أراضيه قد ُق ِِّسمت بين‬ ‫توفي شارل مارتل عام ‪741‬م‪ُ ،‬‬ ‫ابنيه كارلومان ‪ Carloman‬وبيبين‪ ،‬فمنح كارلومان أوستراسيا وألمانيا وتورنجيا‪ ،‬ومنح بيبين القصير نيوستريا‬ ‫وبورجوندي وبروفانس وميتز وترير في "دوقية موزيل"‪.‬وأصبح بيبين فيما بعد أول ملك من ساللة الكارولينجيين‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ بيبين القصير‬ ‫ابنا لشارل مارتل وزوجته روترود‪.‬تميزت تربية بيبين بالتعليم الكنسي الذي تلقاه من الرهبان‬ ‫كان بيبين ً‬ ‫المسيحيين في كنيسة دير القديس دوني‪ ،‬بالقرب من باريس‪.‬خلف بيبين والده كعمدة للقصر في عام ‪741‬م‪،‬‬ ‫وحكم فرنسا باًلشتراك مع شقيقه األكبر كارلومان‪.‬كان األخوان نشطين في قمع الثورات التي قادها البافاريون‬ ‫واألكويتانيون والساكسونيون واأللمانيون في السنوات األولى من حكمهم‪.‬في عام ‪ 743‬م أنهوا فترة حكم الفرنجة‬ ‫ملكا صورًيا للفرنجة الميروفنجيين‪.‬‬ ‫باختيار شيلديريك الثالث‪ ،‬الذي كان آخر ملوك الميروفنجيين‪ً ،‬‬ ‫وبسبب ميلهما إلى الكنيسة المسيحية والبابوية بسبب نشأتهما الكنسية‪ ،‬واصل بيبين وكارلومان عمل‬ ‫والدهما في دعم القديس بونيفاس في إصالح الكنيسة الفرنجية وتبشير الساكسونيين‪.‬بعد اعتزال كارلومان‬ ‫لحكم‪ ،‬وقرر دخول دير في عام ‪747‬م بعد سنوات من التفكير فقد كان رجل شديد التدين‪ ،‬وأصبح بيبين الحاكم‬ ‫الوحيد للفرنجة‪.‬وقمع ثورة قادها أخوه غير الشقيق جريفو ونجح في أن يصبح سيد فرنسا بالكامل بال منازع‪.‬‬ ‫ملكا‬ ‫وبعد أن تخلى عن التظاهر‪ ،‬أجبر بيبين آخر ملوك الميروفنجيين شيلدريك على دخول دير‪ ،‬وأعلن نفسه ً‬ ‫للفرنجة بدعم من البابا زاكاري أو زكريا في عام ‪751‬م‪.‬لم يؤيد جميع أفراد األسرة الكارولينجية القرار‪ ،‬واضطر‬ ‫بيبين إلى إخماد ثورة قادها ابن كارلومان‪ ،‬دروغو‪ ،‬ومرة أخرى بقيادة جريفو‪.‬‬ ‫ملكا للفرنجة‪ ،‬في برنامج طموح لتوسيع سلطته‪.‬فأصلح تشريعات الفرنجة وواصل‬ ‫شرع بيبين باعتباره ً‬ ‫إصالحات بونيفاس الكنسية‪.‬كما تدخل بيبين لصالح بابوية ستيفن الثاني ضد اللومبارديين في إيطاليا الذين‬ ‫استولوا علي العديد من المدن التابعة للبابوية ‪.‬وفي منتصف صيف عام ‪754‬م‪ ،‬قام البابا ستيفن الثاني بمسح‬ ‫عاما‪،‬‬ ‫بيبين من جديد بالزيت المقدس‪ ،‬مع ولديه شارل (شارلمان ًلحًقا) الذي كان يبلغ من العمر ‪ً 12‬‬ ‫ملكا ‪ ،‬وكان هذا‬ ‫وكارلومان الذي كان يبلغ من العمر ‪ 3‬أعوام‪.‬وهي مسحة ملكية للمساعدة في اًلعتراف به ً‬ ‫أول تتويج مسجل لحاكم مدني من قبل البابا‪.‬وتكمن إن أهمية مراسم المسحة في أن البابا قد تبناها حديثًا‪ ،‬ولم‬ ‫مسموعا بها في روما‪.‬وبعدها حاز بيبين لقب "حامي المواطنين المضطهدين"‪ ،‬مما يعني أنه أصبح اآلن‬ ‫ً‬ ‫يكن‬ ‫مدافعا عن الكنيسة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رسميا على الفرنجة انتخاب أي شخص‬ ‫ً‬ ‫أقيم هذا الحفل في كنيسة دير القديس دينيس‪ ،‬وحظر البابا‬ ‫ليس من الساللة المقدسة لبيبين كملك‪.‬وفي المقابل تمكن بيبين من استعادة عدة مدن التي استولي عليها‬ ‫‪8‬‬ ‫اللمبارديون من قبل في وسط إيطاليا‪ ،‬ثم منحها للبابا في عام ‪756‬م كجزء من ما أصبح يعرف تار ً‬ ‫يخيا باسم‬ ‫"هبة بيبين ‪ ،"Donation of Pepin‬رغم عدم وجود سجل باقي له‪.‬والتي شكلت األساس القانوني إلنشاء‬ ‫ال دولة البابوية في العصور الوسطى‪ ،‬حيث تم تأسيس الوًليات البابوية‪ ،‬توسيع نطاق الحكم الزمني للبابوات‬ ‫خارج دوقية روما‪.‬‬ ‫وقد أكد خليفتا بيبين‪ ،‬شارلمان ولويس التقي‪ ،‬على هبة بيبين في عامي ‪778‬م و‪817‬م على التوالي‪.‬‬ ‫وقد ُعرضت الهبة فيما بعد كدليل على صحة هبة قسطنطين‪ ،‬والتي بموجبها منح اإلمبراطور البيزنطي للبابا‬ ‫سيلفستر األول األسبقية الروحية والدنيوية في اإلمبراطورية الغربية‪.‬‬ ‫أيضا حريصون على إقامة عالقات طيبة مع القوة المتنامية لإلمبراطورية الفرنجية‪،‬‬ ‫كان البيزنطيون ً‬ ‫جدا ويعني النبيل‬ ‫فأطلقوا على بيبين لقب بطريق ‪ ،Patricius‬وهو من األلقاب اإلمبراطورية الشرفية الرفيعة ً‬ ‫أو الشريف‪.‬‬ ‫توفي بيبين عام ‪ 768‬م ألسباب غير معروفة‪ ،‬وخلفه ابناه شارلمان وكارلومان‪.‬ورغم أن بيبين كان بال‬ ‫نجاحا في عصره‪ ،‬إًل أن حكمه طغى عليه إلى حد كبير حكم ابنه األكثر شهرة‬ ‫ً‬ ‫شك أحد أقوى الحكام وأكثرهم‬ ‫شارلمان‪.‬‬ ‫ شارلمان العظيم‬ ‫اطور لما ُيعرف‬ ‫وملكا للومبارديين منذ عام ‪774‬م‪ ،‬وإمبر ًا‬ ‫ملكا للفرنجة منذ عام ‪768‬م‪ً ،‬‬ ‫كان شارلمان ً‬ ‫اآلن باإلمبراطورية الكارولنجية منذ عام ‪800‬م‪ ،‬وحمل هذه األلقاب حتى وفاته في عام ‪814‬م‪.‬وحد شارلمان‬ ‫معظم أوروبا الغربية والوسطى‪ ،‬وكان أول إمبراطور معترف به يحكم من الغرب بعد سقوط اإلمبراطورية‬ ‫الرومانية الغربية قبل ثالثة قرون تقر ًيبا‪.‬تميز عهد شارلمان بالتغيرات السياسية واًلجتماعية التي كان لها تأثير‬ ‫دائم على أوروبا طوال العصور الوسطى‪.‬‬ ‫يأتي اسم شارلمان‪ ،‬كما ُيعرف اإلمبراطور عادةً في اللغة اإلنجليزية‪ ،‬من الكلمة الفرنسية "‪Charles-‬‬ ‫‪ "le-magne‬والتي تعني (شارل العظيم)‪.‬وعادةً ما تطلق عليه السجالت الملكية الفرنجية المعاصرة لقب‬ ‫"كارولوس ماغنوس ريكس ‪ "Carolus magnus rex‬أي (شارل الملك العظيم)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫كان والد شارلمان بيبين قد تلقى تعليمه في دير سان دوني‪ ،‬على الرغم من أن مدى تعليم شارلمان‬ ‫شابا في بالط بيبين‪،‬‬ ‫يبا أنه تلقى تدر ًيبا في األمور العسكرية عندما كان ً‬ ‫الرسمي غير معروف‪.‬ومن المؤكد تقر ً‬ ‫والذي كان متنقالً‪.‬كما أكد شارلمان على تعليمه الخاص في الفنون الليبرالية (النحو – البالغة – المنطق –‬ ‫الحساب – الهندسة – الموسيقي – الفلك) من خالل تشجيع دراستها من قبل أطفاله وغيرهم‪ ،‬على الرغم من‬ ‫أنه من غير المعروف ما إذا كانت درسها عندما كان طفالً أو في البالط خالل حياته الالحقة‪.‬خاصة وأن‬ ‫مسألة معرفة شارلمان بالقراءة والكتابة محل جدال‪ ،‬مع وجود القليل من األدلة المباشرة من المصادر المعاصرة‪.‬‬ ‫ويملي عليه الردود والمراسيم‪ ،‬لكن هذا لم يكن غير عادي حتى‬ ‫ٍ‬ ‫وكانت تُق أر له عادةً النصوص بصوت عال ُ‬ ‫بالنسبة للحاكم المتعلم في ذلك الوقت‪.‬والمسجل لدينا من خالل المصادر المعاصرة أن شارلمان حاول تعلم‬ ‫الكتابة في وقت ًلحق من حياته فقط‪.‬‬ ‫واصل شارلمان سياسة والده في حماية البابوية وأصبح المدافع الرئيسي عنها‪ ،‬وأزاح اللومبارديين عن‬ ‫السلطة في شمال إيطاليا في عام ‪ 774‬م‪.‬وشهد حكمه فترة من التوسع أدت إلى فتوحات بافاريا وساكسونيا‬ ‫وشمال إسبانيا‪ ،‬فضالً عن حمالت أخرى دفعت شارلمان إلى توسيع حكمه ليشمل جزًءا ًا‬ ‫كبير من أوروبا‪.‬نشر‬ ‫(غالبا بالقوة)‪ ،‬كما يتضح في مذبحة فيردن ضد الساكسونيين‪.‬كما‬ ‫ً‬ ‫شارلمان المسيحية في فتوحاته الجديدة‬ ‫أرسل مبعوثين وبادر باًلتصال الدبلوماسي مع الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن الثامن الميالدي‪،‬‬ ‫بسبب اهتمامهما المشترك بالشئون األيبيرية‪.‬‬ ‫بعد أن أصبح ليو الثالث بابا روما في عام ‪ 795‬م‪ ،‬واجه معارضة سياسية‪.‬اتهمه أعداؤه بعدد من‬ ‫جسديا في أبريل ‪799‬م‪ ،‬محاولين سمل عينيه وقطع لسانه‪.‬هرب ليو وفر شماًلً لطلب مساعدة‬ ‫ً‬ ‫الجرائم وهاجموه‬ ‫شارلمان‪.‬وبعد سماعة أدلة من البابا وأعدائه‪ ،‬أرسل ليو إلى روما مع مبعوثين ملكيين تم تكليفهم بإعادة البابا‬ ‫طا للذهاب إلى روما بعد جولة مكثفة في‬ ‫وإجراء تحقيق آخر‪.‬في أغسطس عام ‪800‬م‪ ،‬وضع شارلمان خط ً‬ ‫أراضيه في نيوستريا‪.‬‬ ‫التقى شارلمان بالبابا ليو في نوفمبر بالقرب من روما‪ ،‬وهو الموقع التقليدي الذي بدأ فيه األباطرة‬ ‫الرومان دخولهم الرسمي إلى المدينة‪.‬ترأس شارلمان لجنة لسماع التهم‪ ،‬لكنه اعتقد أنه ًل يمكن ألحد أن يجلس‬ ‫في حكم البابا‪.‬أقسم ليو اليمين في ‪ 23‬ديسمبر‪ ،‬معلنًا براءته من جميع التهم‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫في القداس الذي أقيم في كنيسة القديس بطرس في يوم عيد الميالد عام ‪800‬م‪ ،‬توج البابا ليو الثالث‬ ‫ذهبيا فوق‬ ‫تاجا ً‬ ‫اطور للرومان ‪ ،"Imperator Romanorum‬فوجئ شارلمان بالبابا ليو يضع ً‬ ‫شارلمان "إمبر ًا‬ ‫اكعا أمام مذبح الكنيسة‪.‬ثم انحني ليو أمام شارلمان بعد تتويجه (وكان ذلك بمثابة معيار‬ ‫رأسه‪ ،‬بينما كان ر ً‬ ‫للخضوع في طقوس التتويج الرومانية منذ عهد دقلديانوس)‪.‬وًل يقدم هذا السرد ليو باعتباره رئيس شارلمان‪،‬‬ ‫اطورا‪.‬وكان شارلمان أول إمبراطور يحكم الغرب‬ ‫بل باعتباره وكيل الشعب الروماني الذي أعلن شارلمان إمبر ً‬ ‫ملكا‪.‬‬ ‫منذ عزل رومولوس أوغستولوس عام ‪476‬م‪.‬وفي نفس الوقت‪ ،‬قام ليو بتنصيب ابنه تشارلز األصغر ً‬ ‫يختلف المؤرخون حول نوايا التتويج اإلمبراطوري‪ ،‬ومدى علم شارلمان به أو مشاركته في التخطيط له‬ ‫مسبًقا‪ ،‬وأهمية األحداث بالنسبة للحاضرين ولحكم شارلمان‪.‬وقد اختلفت المصادر الفرنجية والبابوية حول‬ ‫التأريخ لهذا الحدث‪ ،‬وحقيقة ما تم بالفعل‪ ،‬يكتب إينهارد ‪ Einhard‬العالم ورجل البالط الفرنجي‪ ،‬وأحد أخلص‬ ‫تابعي شارلمان‪ ،‬وعمله األساسي المعروف باسم "سيرة شارلمان" روي لنا من خالله أن شارلمان لم يكن ليدخل‬ ‫أدبيا‬ ‫أسلوبا ً‬ ‫ً‬ ‫الكنيسة لو علم بخطة البابا؛ وقد اعتبر المؤرخون المعاصرون تقريره صاد ًقا أو رفضوه باعتباره‬ ‫ُيظ ِهر تواضع شارلمان‪.‬بينما يري الكثير من المؤرخين المحدثين أن اإلجراءات المحيطة بالتتويج تشير إلى‬ ‫طا من ِقبل شارلمان منذ اجتماعه مع ليو في عام ‪799‬م‪ ،‬وأن شارلمان خطط بالتأكيد لتبني لقب‬ ‫أنه كان مخط ً‬ ‫اإلمبراطور بحلول عام ‪798‬م "على أبعد تقدير"‪.‬‬ ‫ورغم أن المؤرخين يجادلون في أهمية هذا التتويج‪ ،‬فإن اللقب يمثل ذروة هيبته وسلطته‪.‬وقد أدى‬ ‫موقف شارلمان كأول إمبراطور في الغرب منذ أكثر من ‪ 300‬عام إلى صراعه مع اإلمبراطورية البيزنطية‬ ‫الشرقية في القسطنطينية‪.‬فقد ظلت اإلمبراطورية البيزنطية قوة معاصرة مهمة في السياسة األوروبية بالنسبة‬ ‫لليو وشارلمان‪ ،‬وخاصة في إيطاليا‪.‬واستمر البيزنطيون في السيطرة على جزء كبير من إيطاليا‪ ،‬حيث كانت‬ ‫حدودهم ليست بعيدة عن جنوب روما‪.‬وكانت قد استولت اإلمبراطورة إيرين على العرش من ابنها قسطنطين‬ ‫السادس في عام ‪797‬م‪ ،‬وخلعته بعد أن قامت بسمل عينيه‪.‬وواجهت إيرين‪ ،‬كأول إمبراطورة بيزنطية‪ ،‬معارضة‬ ‫في القسطنطينية بسبب جنسها ووسائل وصولها إلى العرش‪.‬وتقول المصادر البيزنطية أن اعتالءها العرش‬ ‫شاغر‬ ‫ًا‬ ‫منصبا‬ ‫ً‬ ‫البيزنطي كأول إمبراطورة امرأة هو الذي جعل البابوية في روما تنظر للعرض البيزنطي باعتباره‬ ‫اطور في الغرب‪.‬‬ ‫في اللقب اإلمبراطوري مما منحه ًا‬ ‫مبرر لتتويج شارلمان إمبر ًا‬ ‫‪11‬‬ ‫قرونا بين خلفائه والقسطنطينية والمعروف باسم مشكلة‬ ‫أدى تتويج شارلمان إلى صراع أيديولوجي دام ً‬ ‫اغتصابا لمطالبة األباطرة البيزنطيين بأنهم الحكام العالميون‬ ‫ً‬ ‫رفضا أو‬ ‫اإلمبراطورين ‪ ،‬والذي يمكن اعتباره ً‬ ‫البارزون للمسيحية‪.‬فقد أعطى لقب اإلمبراطور شارلمان هيبة متزايدة وسلطة أيديولوجية‪.‬وقام على الفور بدمج‬ ‫هدوءا‪ ،‬المتوج من قبل هللا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لقبه الجديد في الوثائق التي أصدرها‪ ،‬واعتمد الصيغة "شارل أوغسطس األكثر‬ ‫اإلمبراطور العظيم المسالم الذي يحكم اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬والذي هو بفضل هللا ملك الفرنجة واللومبارديين"‪.‬‬ ‫بدًلً من ال صيغة السابقة "شارل‪ ،‬بفضل هللا ملك الفرنجة واللومبارديين وبطريق الرومان"‪.‬‬ ‫ائدا لسلسلة أباطرة الرومان المقدسين‪ ،‬والتي‬ ‫اعتبر شارلمان ومن خالل توليه اللقب اإلمبراطوري‪ ،‬ر ً‬ ‫اطورا‪ ،‬انخرط شارلمان في عدد من اإلصالحات في‬ ‫استمرت حتى القرن التاسع عشر‪.‬وبصفته ً‬ ‫ملكا وإمبر ً‬ ‫اإلدارة والقانون والتعليم والتنظيم العسكري والدين‪ ،‬والتي شكلت أوروبا لقرون‪.‬وبدأ استقرار حكمه فترة من‬ ‫النشاط الثقافي تُعرف باسم النهضة الكارولنجية‪.‬وعلى هذا النحو‪ ،‬بدأ الغرب ينظر إلى اإلمبراطورية‬ ‫يجيا على أنها استمرار لإلمبراطورية الرومانية القديمة‪.‬وقد أدت هذه اإلمبراطورية إلى ظهور‬ ‫الكارولينجية تدر ً‬ ‫العديد من الدول الخلفاء‪ ،‬بما في ذلك فرنسا واإلمبراطورية الرومانية المقدسة وبورغوندي‪ ،‬على الرغم من أن‬ ‫طا وثيًقا بفرنسا‪.‬‬ ‫الهوية الفرنجية ظلت مرتبطة ارتبا ً‬ ‫توفي شارلمان عام ‪ 814‬م‪ ،‬ودفن في كاتدرائية مدينة آخن‪ ،‬عاصمة اإلمبراطورية‪.‬وأصبح ابنه البالغ‬ ‫وملكا‪.‬ومع ذلك‪ ،‬بعد وفاة لويس‪ ،‬ووفًقا للثقافة والقانون‬ ‫اطور ً‬ ‫الوحيد الذي بقي على قيد الحياة "لويس التقي" إمبر ًا‬ ‫الفرنجيين اللذين طالبا بالمساواة بين جميع الورثة الذكور البالغين األحياء‪ ،‬انقسمت اإلمبراطورية الفرنجية اآلن‬ ‫ملكا لفرنسا الشرقية – شارل‬ ‫ملكا لفرنسا الوسطى – لويس األلماني ً‬ ‫بين أبناء لويس الثالثة (لوثر األول ً‬ ‫ملكا لفرنسا الغربية)‪.‬وكان كل ملوك فرنسا تقر ًيبا من لويس التقي حتى لويس فيليب‪ ،‬الملك قبل األخير‬ ‫األصلع ً‬ ‫لفرنسا من نسله‪.‬وانقسمت مملكة الفرنجة واندمجت في النهاية إلى غرب وشرق فرنسا‪ ،‬والتي أصبحت فيما‬ ‫بعد فرنسا وألمانيا على التوالي‪.‬أدى تأثير شارلمان العميق على العصور الوسطى ونفوذه على المنطقة التي‬ ‫حكمها إلى أن يطلق عليه العديد من المؤرخين لقب "أبو أوروبا"‪ُ.‬ينظر إليه باعتباره شخصية مؤسسة من قبل‬ ‫موضوعا‬ ‫ً‬ ‫العديد من الدول األوروبية‪ ،‬ويعود نسب عدد من األسر الملكية التاريخية في أوروبا إليه‪.‬كان شارلمان‬ ‫لألعمال الفنية واآلثار واألدب خالل فترة العصور الوسطى وبعدها‪ ،‬وتبجله الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫في عام ‪ 870‬م‪ ،‬انقسمت مملكة الفرنجة بشكل دائم بين الممالك الغربية والشرقية‪ ،‬والتي كانت السلف‬ ‫لمملكة فرنسا واإلمبراطورية الرومانية المقدسة على التوالي‪.‬إنها المملكة الغربية التي أصبح سكانها ُيعرفون‬ ‫في النهاية باسم "الفرنسيين ‪ ،" French‬وهذه المملكة هي سلف الدولة القومية الفرنسية‪.‬ومع ذلك‪ ،‬في سياقات‬ ‫تاريخية مختلفة‪ ،‬مثل أثناء الحروب الصليبية في العصور الوسطى‪ ،‬لم يستمر اإلشارة إلى الفرنسيين فحسب‪،‬‬ ‫أيضا األشخاص من المناطق المجاورة في أوروبا الغربية‪ ،‬بشكل جماعي باسم الفرنجة‪.‬كان للصليبيين‬ ‫بل و ً‬ ‫على وجه الخصوص تأثير دائ م على استخدام األسماء المرتبطة بالفرنجة لألوروبيين الغربيين في العديد من‬ ‫اللغات غير األوروبية‪.‬‬ ‫‪13‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser