تعريفات علم الاقتصاد الوضعي و الأقتصاد الإسلامي PDF

Summary

يقدم هذا النص دراسة حول تعريف علم الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي، مع التركيز على مبادئ الاقتصاد الإسلامي وقواعده. يناقش النص أيضاً المشكلة الاقتصادية، وعناصرها الأساسية مثل ندرة الموارد والحاجات البشرية، بالإضافة إلى سبل المواجهة من خلال النظم الاقتصادية المختلفة.

Full Transcript

المبحث الأول: تعريفات علم الاقتصاد الوضعي تطور تعريف علم الاقتصاد منذ وضع آدم سميث أول كتاب منظم في علم الاقتصاد نشر في 1776 تحت عنوان : \" بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها \" فقال : 1. [\"الاقتصاد علم الثروة]، وهو العلم الذي يختص بدراسة الوسائل التي يمكن بواسطتها لأمة ما أن تغتني\" ^(^[^1^]...

المبحث الأول: تعريفات علم الاقتصاد الوضعي تطور تعريف علم الاقتصاد منذ وضع آدم سميث أول كتاب منظم في علم الاقتصاد نشر في 1776 تحت عنوان : \" بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها \" فقال : 1. [\"الاقتصاد علم الثروة]، وهو العلم الذي يختص بدراسة الوسائل التي يمكن بواسطتها لأمة ما أن تغتني\" ^(^[^1^](#fn1){#fnref1.footnote-ref}^)^. وهذا التعريف قاصر على دراسة الثروة، فلم يهتم بالعنصر الإنساني ، كما أخرج العديد من الأنشطة غير المادية من نطاق الاقتصاد كالخدمات الصحية والتعليمية.وجاء هذا التعريف متأثراً بالفترة التي عاشها آدم سميث ، وهي مرحلة الثورة الصناعية الأولى (1723 ـ 1790 ) حيث كان الاهتمام منصباً على الإنتاج وزيادته ولهذا نعرفه تعريف شامل في الإسلام في المبحث التالي. المبحث الثاني ماهية علم الاقتصاد الإسلامي معنى كلمة اقتصاد في اللغة العربية : جاء في لسان العرب لابن منظور ^(^[^2^](#fn2){#fnref2.footnote-ref}^)^ أن كلمة اقتصاد مشتقة من كلمة قصد ، والقصد معناه استقامة الطريق ، وقوله تعالى : وعلى الله قصدُ السبيل ^(^[^3^](#fn3){#fnref3.footnote-ref}^)^ أي على الله تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة.. والقصد معناها العدل والاعتدال ، وقوله تعالى : واقصد في مشيك أي امش مستوياً ، والقصد معناها إتيان الشيء ، يقال قصدته ، وقصدت له ، وقصدت إليه ، وقصدت قصده ، والقصد في الشيء خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير ، والقصد في المعيشة أن لا يسرف ولا يقتر. يهتم علم الاقتصاد عموماً بتفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها وواقعها، وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامة المؤثرة فيها. والاقتصاد الإسلامي في اهتماماته الاقتصادية يقوم على مجموعة من المبادئ والقواعد الثابتة التي تحكم السلوك الاقتصادي للإنسان بجوانبه الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية فضلاً عن الاقتصادية. وهذه المبادئ والقواعد والقيم تشكل الجانب الثابت الذي يمثل المذهب الاقتصادي الإسلامي ، والتي في إطارها ، وبناءً عليها تقوم عملية الاستقرار والاستنباط والتحليل ، وهو ما يمثل الجانب المتغير والمتطور في الاقتصاد الإسلامي. وهذه المبادئ والقواعد التي تشكل الجانب الثابت الذي يمثل المذهب الاقتصادي الإسلامي تستمد من مصادر التشريع التي ترجع في مجملها إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، أي الوحي، ومن ثم يعتمد على النقل. وعلى هذا الأساس وانطلاقاً منه يأتي النظام الاقتصادي الإسلامي كصورة عملية تطبيقية للمذهب الاقتصادي بمبادئه وأحكامه وقيمه الشرعية في أهدافه ومجالاته ومنطلقاته في كل مكونات العملية الاقتصادية ومحورها الأساسي وهو الارتقاء بالإنسان وكرامته. ، ومن أهم القواعد والمبادئ والقيم التي يقوم عليها المذهب الاقتصادي الإسلامي ما يلي : 1. طائفة المحظورات والمحرمات أو المنهيات كالربا والغرر والغش والتدليس والنجش وتلقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي، والاكتناز والتبذير والإسراف والترف والاحتكار والاستغلال بكل صوره ، وكل ما من شأنه أكل أموال الناس بالباطل. 2. طائفة المطلوبات كالوفاء بالعقود والعهود والمواثيق : - - - - - - وفقه المعاملات يشتمل فيما يشتمل على هاتين الطائفتين من المحظورات والمطلوبات والمعاملات باعتبار أنها ما ينظم حقوق العباد ^(^[^4^](#fn4){#fnref4.footnote-ref}^)^ ، وتشتمل على كل ما له قيمة مالية وغير مالية من الحقوق بأنواعها المختلفة. والاقتصاد الإسلامي بخصوصيات موضوعاته يستقل بفقهه عن فقه المعاملات. دون أن تنقطع الصلة الوثيقة بينهما، إذ تثري موضوعات الاقتصاد موضوعات المعاملات من القيمة والثمن والأسواق والإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلالك ، وما يواكبها من تحليل اقتصادي. [التعريف المختار :] نستطيع أن نقدم الاقتصاد الإسلامي على أنه العلم الذي ينظم علاقة الأشخاص بالمال في كسبه وفي إنفاقه وفق مقاصد الشريعة وأحكامها. وهذا التعريف على وجازته وهو ما يجب أن يكون عليه يشتمل تفصيله على كل مكونات العملية الاقتصادية، كما اصطلح عليها، فالمال جوهر الثروة، والموارد المالية وتوزيعها والتي هي محور الاقتصاد. والكسب محور الانتاج وما يتبعه من توزيع. والإنفاق يشتمل على الانفاق الاستهلاكي الذي هو مؤدي العملية الاقتصادية ،وما يؤدي إليه كل من الكسب والإنفاق من التبادل في نطاق السوق، وما يدور فيه من الأسعار والأثمان والقيمة ، ومن ثم إشباع الحاجات الإنسانية. كل ذلك منضبط بل ومحكوم بالمقاصد الشرعية العليا ، وبالأحكام الفقهية الجزئية والتفصيلية. ولقد آثرنا مصطلح \" الأشخاص \" على مصطلح \" الإنسان \" ليشتمل الأول على الأشخاص أفراداً ومؤسسات أي ما يعبر عنه بالشخص الطبيعي أو المعنوي بما يشتمل على فرعي الاقتصاد الجزئي والكلي معاً. وفي إطار هذا المفهوم للاقتصاد الإسلامي يتضح أن هذا الاقتصاد يعتمد على مناهج أصول الفقه، والمبادئ الكلية والقواعد الفقهية ، ومن ثم يستخدم منهج الاستنباط المستخدم في العلوم الرياضية، ووضع الفروض في بناء النظرية الاقتصادية ، وكذلك يستخدم منهج الاستقراء التاريخي والإحصائي والتحليل الاقتصادي والتنبؤ واستخلاص النتائج والقوانين التي تحكم الظواهر الاقتصادية ، وبناء النظرية الاقتصادية وتكوينها والتي تمثل أهم أداة من أدوات دراسة الواقع. المبحث الثالث المقصود بالمشكلة الاقتصادية وعناصرها الأساسية المشتركة يسود الفكر الاقتصادي ما اصطلح على تسميته بالمشكلة الاقتصادية Economic Problem وأياً كانت اتجاهات النظم الاقتصادية في تحليل تلك المشكلة، مع تركيز بعض النظم على عناصر معينة دون غيرها تجد فيها تحقيق رغبتها من النيل من النظم الأخرى ، فإن المتأمل في واقع المجتمعات الاقتصادي يستطيع أن يثبت أن هناك عوامل أساسية مشتركة تؤدي لنشأة المشكلة الاقتصادية هذه العوامل هي : لما كانت المشكلة الاقتصادية تجد أصل وجودها في محاولة الفرد أو المجتمع إشباع حاجاته غير المحدودة، بموارد محدودة تصلح لاستعمالات مختلفة ، فإن \" ندرة الموارد \" هي المحرك لنشأة المشكلة الاقتصادية ، ومن ثم تبدو الأهمية البالغة لمعرفة العوامل المسببة والمسؤولة عن هذه الندرة ، وكذلك الوسائل اللازمة لمواجهتها. 1. الندرة النسبية : تتوقف الندرة على العلاقة بين الموارد والحاجات، لا على كمياتها المطلقة أي أنها نسبية ، ومن ثم تكون المشكلة الاقتصادية نسبية أيضاً، وتكون مواجهتها بواحد أو أكثر من زيادة الموارد أو تقليل الحاجات أو الإثنين معاً. 2. الندرة كظاهرة اقتصادية تتردد بين الطبيعة والإنسان : نجحت النظم الاقتصادية الوضعية وبخاصة النظام الرأسمالي في الترويج لمقولة قصور الموارد الطبيعية المتاحة لمجتمع من المجتمعات عن الوفاء بكل ما يحتاجه أفراده، وهو ما أسموه بظاهرة الندرة Scarcity. وفي نفس الوقت فإن الظاهرة ترجع أيضاً إلى التقدم المستمر للبشرية في التسلط على القوى التي تزيد من ناتج الطبيعية، مما أدى إلى تزايد وتعدد وتنوع حاجات البشر الحياتية، أي \" حاجات الإنسان غير المحدودة \" وميله المستمر إلى التنوع والتعدد في حاجاته، مع تطور المجتمع الذي يعيش فيه ، بل وفي المجتمعات الأخرى. 3. درجة المعرفة الفنية المتحققة في المجتمع : المستقرئ للواقع الاقتصادي في مجتمعات كثيرة يستطيع أن يقطع بأن توافر الموارد الطبيعية في مجتمع ما ليس شرطاً كافياً لتقدمه ، ويستطيع أن يقطع بأن ندرة الموارد الطبيعية في مجتمع ما ليس سبباً كافياً لتخلفه أيضاً. ويترتب على ذلك أن حجم الموارد وأنواعها متغير تابع يتوقف في تغيره على الاستخدام الرشيد للطاقة والمهارة الإنسانية في ذلك، ويتوقف ذلك أساساً وبدرجة كبيرة على حالة المعرفة الفنية أو التقنية السائدة في المجتمع. ونخلص إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الموارد والإنسان وحاجاته غير المحدودة والمعرفة الفنية السائدة في المجتمع ، والإنسان هو القاسم المشترك بين هذه العناصر والعوامل فالحاجات تعبير عن رغباته اللانهائية، والموارد ثمرة لمعارفه وقدراته ودرجة تقدمها ونفعها.[^5^](#fn5){#fnref5.footnote-ref} المبحث الرابع الحاجات البشرية والموارد الاقتصادية [أولاً : الحاجات البشرية كمحرك أساسي للنشاط الاقتصادي : ] 1. [المقصود بالحاجات : ] يحتاج الإنسان إلى العديد من السلع والخدمات اللازمة لإشباع ما يحتاج إليه من حاجات ويشعر به من رغبات. والرغبة وإن كانت لصيقة بالحاجة إلا أنه يمكن أن تختلف عنها ، فالرغبة تعبر عن شعور شخصي بالميل نحو الحصول على شيء من الأشياء، وبحسب أهميته في نظر صاحب هذه الرغبة ، وقد تنشا عن هذه الرغبة حاجة حقيقية ، كما قد تنشأ عن نزوة عارضة أو لمجرد التقليد أو التجربة أو ما شابه ذلك ^(^[^6^](#fn6){#fnref6.footnote-ref}^)^ ، ويبقى أن ارتباط الرغبات بالحاجات يجد تفسيره فيما يؤدي إليه كل منهما إلى طلب الأموال، أو الموارد الاقتصادية اللازمة لإشباعها. ولا تدخل كل الرغبات والحاجات في نطاق ما تحفل به الدراسات الاقتصادية ، ومن ثم لا تعتبر اقتصادية ، فالحاجة بالمعنى الاقتصادي هي التي تجد ما يشبعها من مورد من الموارد الاقتصادية^(^[^7^](#fn7){#fnref7.footnote-ref}^)^ ومن ثم فهي شعور نفسي يلح على الفرد ويدفعه إلى العمل على إشباعه، ولا يهم بعد ذلك من ووجهة نظر الاقتصاديين الوضعيين أن يكون هذا الشعور متفقاً أو غير متفق مع القواعد الأخلاقية، أو القانونية أو الصحية، وإن كان مراعاة هذه القواعد يؤثر على إشباع الحاجات مما لا يمكن معه إهمالها. 2. عوامل نشأة الحاجات وخصائصها : إن الوقوف على أسباب وعوامل نشأة الحاجات يهدف إلى المساعدة على التدخل فيها زيادة أو نقصاناً وتحديداً أو تغييراً. [ومن أهم هذه العوامل :] عوامل ترجع إلى طبيعة الإنسان الفطرية، كحاجته إلى المأكل والمشروب والملبس والمأوى.. وقد تكون كأثر لوجود الإنسان في مجتمع يتأثر بظروفه وقيمه وعاداته وتقاليده. وقد تكون انعكاساً للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان. وقد تكون نتيجة عوامل خارجية أو مكتسبة كالمحاكاة والتقليد. ومن هنا فإن حاجات الإنسان في تطور مستمر، وتتميز بتنوعها وهو ما يعبر عنه بلا نهائية الحاجات، ومن ثم فإن الإنسان في سعي مستمر نحو هدف متحرك مرتبط بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع. وكذلك فإن حاجات الإنسان تتصف بالنسبية، فحاجات الفرد في الريف مثلاُ تختلف عنها في الحضر ، بل وفي نفس الزمان والمكان. تختلف حاجات الأفراد باختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والتخصصية. والحاجات قابلة للانقسام أيضاً ، بمعنى : أنه يمكن التخفيف عما يتولد عنها بوسائل الإشباع المختلفة ، وتتوقف قابلية الحاجة للانقسام على قابلية وسائل الإشباع نفسها للانقسام ، ومن ثم على تنوع هذه الوسائل. والحاجات الإنسانية قد تكون مكملة لبعضها البعض ، فالحاجة إلى الكساء مكملة للحاجة إلى الغذاء ، وهكذا ، ويمكن أن يحل بعضها محل البعض الآخر، فتحصيل العلم مثلاً قد يشغل الفرد عن الحاجة إلى جمع الثروة. ونشير هنا إلى أن الدفاع إلى إحلال حاجة محل أخرى قد يكون هو سبب اختلاف أثمان السلع والخدمات التي تشبع هذه الحاجات. وقابلية الحاجات للاتساع باستخدام الأموال والموارد المناسبة استخلص منه الاقتصاديون ما يسمى : 1. قانون \" تناقص المنفعة الحدية \" وهذا القانون يفسر أن المنفعة التي يحصل عليها شخص في إشباع حاجة من حاجاته من كل وحدة تتناقص كلما زاد عد الوحدات المستهلكة، إلى أن يصل إلى مرحلة لا يحقق فيها هذا الشخص أي نفع من استهلاك الوحدات التالية. 2. كما استخلصوا منه \" قانون سلم الحاجات \" فعلى ضوء كمية الموارد المتاحة للإنسان يتم توزيع الحاجات بحسب أهميتها وترتيبها والمفاضلة بينها ، وذلك بافتراض أن هذا الإنسان يتصرف بطريقة اقتصادية رشيدة. ومما تجدر الإشارة إليه أن للنظم الاقتصادية دورها الأساسي في بيان الحاجات، ومدى قدرة كل منها على إشباع هذه الحاجات على النحو الأمثل. ثانياً : الموارد الاقتصادية ودورها في إشباع الحاجات الإنسانية : تتمثل الموارد في سلع وخدمات نافعة تصلح لإشباع الحاجات الإنسانية ، وقد تكون الموارد محدودة أو نادرة، وقد تكون غير محدودة أو وفيرة ، ويؤدي الثمن دوراً أساسياً في التفرقة بينهما سواء كان هذا الثمن في شكل نقود أو سلع وخدمات. والتقسيم الشائع للموارد هو تقسيمها إلى : 1. سلع وخدمات استهلاكية وإنتاجية. 2. سلع وخدمات متنافسة ( البديلة ) ومتكاملة ، والمتنافسة أو البديلة هي التي يمكن أن يحل بعضها محل بعض في إشباع نفس الحاجة، كالمنسوجات الحريرية والقطنية مثلاً ، وعلى العكس المتكاملة التي يلزم استهلاكها معاً لإشباع نفس الحاجة كخدمة الطب والتمريض. 3. سلع وخدمات ضرورية وكمالية، ومعيار التفرقة بينهما يتمثل في حدة الحاجة التي تستخدم في إشباعها. المبحث الخامس النظم الاقتصادية وأساليب مواجهة المشكلة الاقتصادية أولاً : مشكلة الاختيار : إن فرضية ندرة الموارد ومن ثم عدم إمكان إشباع جميع الحاجات والرغبات الإنسانية اللانهائية تؤدي إلى ضرورة التضحية ببعض الحاجات من أجل إشباع البعض الآخر، مما يستلزم حتماً تحديد الحاجات الأَوْلى بالإشباع، وهو ما يسمى بمشكلة الاختيار Problem of Choice بين الحاجات غير المحدودة والطرق المتعددة لاستغلال القدر المتاح من الموارد، في المجتمع لإشباع ما قرر إشباعه من حاجاته غير المحدودة ، على أساس من فكرتي العائد الأقصى والإنفاق الأدنى : ويتمثل العائد الأقصى في تحقيق قدر من المنافع من وراء استخدام كميات معينة من الموارد ومن ثم تفضيل أوجه الاستخدام ذات المنفعة الأكبر على أوجه الاستخدام ذات المنفعة الأقل ، وهذا أيضاً نوع من الاختيار أو المفاضلة يعتمد على الطريقة التي يعتمد عليها المجتمع في استغلال ما لديه من موارد محدودة بكفاءة اقتصادية، للحصول على أكبر قدر من الإشباع لحاجاته. أما الإنفاق الأدنى : فيتمثل في الأخذ بالأسلوب المكلف لأقل قدر من الموارد في إنتاج ما يتقرر إنتاجه من السلع والخدمات ، فعلى سبيل المثال : لإنتاج كمية معينة من القطن يواجه المنتج عدة خيارات تتعلق بالمفاضلة بين استخدام السماد الطبيعي والصناعي، وبالزيادة في عدد العمال أو إحلال الخدمة الآلية وهكذا. وفي جميع الأحوال فإن فعالية الاختيار تستلزم أن تكون تلك الخيارات المأخوذ بها في حدود الإمكانيات الانتاجية المتاحة للجميع. ثانياً : الانتاج والتوزيع واستمرار النشاط الاقتصادي اللازم لإشباع الحاجات الإنسانية في المجتمع : إن أي مجتمع عليه أن يضع لنفسه من القواعد ما يقتضي توجيه كل جهوده لمعالجة مشكلتي الإنتاج والتوزيع فيه ، وتتوقف عمليتي الإنتاج والتوزيع في النهاية على طبيعية البنيان الاقتصادي القائم، ومدى تطوره ومدى الاعتناء بالعنصر البشري الإنساني ، وعلى هذا النحو فإن مشكلتي الإنتاج والتوزيع من المشكلات المنبثقة عن المشكلة الاقتصادية ، ومن ثم فإن على المجتمع أن يقرر : 1. \" ماذا \" ينتج؟ \" وكم \" يجب أن ينتج من السلع والخدمات التي يحتاج إليها أفراده؟ وتختلف الإجابة باختلاف النظام الاقتصادي ، ففي اقتصاديات السوق الرأسمالي تتم عن طريق ما يسمى \" بجهاز الأثمان \" وما تحظى به نظرية الثمن من أهمية ، وفي الاقتصاديات الاشتراكية تتم عن طريق ما يعرف \" بجهاز التخطيط \". 2. \" الكيفية \" التي سيتم بها إنتاج ما يتقرر إنتاجه من سلع وخدمات، وهو ما تعالجه نظرية الإنتاج. 3. الوسائل التي تحقق الاستفادة المُثلى من إمكانياته الإنتاجية \" وما يتمتع به من مزايا معينة \". 4. مدى الحد من الاستهلاك وما يرتبط بذلك من قضايا الادخار والاستثمار. 5. لمن ينتج ؟ وهذا يرتبط مباشرة بتوزيع الناتج الإجمالي بين المشتركين في تحقيقه ، وهنا تأتي نظرية التوزيع التي يدور حولها صراع مرير وجدل دائم. ثالثاً : النظم الاقتصادية ووسائل علاج المشكلة الاقتصادية في ضوء الأسس الموجهة لها : 1. كيفية حل المشكلة الاقتصادية في النظام الرأسمالي : يعتبر جهاز الثمن في إطار نظام السوق هو الذي يقوم بتوزيع الموارد على الاستخدامات المختلفة باعتباره يعكس رغبات المستهلكين، وتوجيه المنتجين إلى الأنشطة التي يجب أن تتجه إليها مواردهم. وكذلك فإن الأثمان النسبية لعناصر الإنتاج السائدة في السوق هي التي تحدد طريقة الإنتاج المستخدمة سعياً لأكبر ربح وأقل نفقة ، كما تعتبر هذه الأثمان النسبية لعناصر الإنتاج هي دخولها النسبية. وجهاز الثمن هو الذي يضمن الاستخدام الكامل لموارد المجتمع والزيادة المستمرة في طاقته الانتاجية، إلا أن كفاءة جهاز الثمن من خلال السوق في النظام الرأسمالي تتوقف على تمتع موارد المجتمع بقدرة كبيرة على التنقل بين فروع الانتاج المختلفة، وهو أمر يصعب تحقيقه في الواقع العملي ، فكثيراً ما تثور العقبات التي تحد من قدرة عناصر الإنتاج على التنقل بين فروع الإنتاج ، وقد تكون هذه العوائق طبيعية أو جغرافية أو مصطنعة أو إدارية. وفي نهاية الأمر فإن قدرة عناصر الإنتاج على التنقل بين فروع الإنتاج مسألة نسبية. 2. كيفية حل المشكلة الاقتصادية في النظام الاشتراكي : التخطيط الاقتصادي القومي يشكل الإطار الذي يتم من خلاله حل المشكلات المتعلقة بالإنتاج والتوزيع، على أساس تحديد أولويات المجتمع، ومن ثم توزيع موارده توزيعاً يتلاءم وتلبية هذه الأولويات ، ومن هنا فإن رغبات المستهلك ليست هي التي تنفرد بتحديد نمط توزيع الموارد على فروع الإنتاج المختلفة ، وهكذا فإن جهاز التخطيط في النظام الاشتراكي هو المسؤول عن اختيار أسلوب الإنتاج، وتوزيع الناتج وتحقيق ضمان الاستخدام الأمثل للموارد وتحديد حجم الاستثمار ، وبالتالي حجم الزيادة في الطاقة الانتاجية للمجتمع ، ويترتب على ذلك أن يصبح جهاز الثمن ليس إلا تعبيراً عن إرادة السلطة المركزية ، وجزءاً من خطتها العامة لتحقيق أهداف محددة سلفاً. وبالتالي يفقد الربح بالمفهوم الرأسمالي مكانته في النظام الاشتراكي، وإن ظل كمؤشر لقياس كفاءة المشروع. 3. المشكلة الاقتصادية في النظر الإسلامي : [أولاً: الرد على القائلين بأن المشكلة الاقتصادية هي موارد محدودة تشكل عنصر الندرة النسبية وحاجات لا نهائية:] 1. شق مشكلة الندرة النسبية للموارد: 1. إن إطلاق القول بأن الموارد محدودة إتهام لخالق الموارد وخالق الإنسان -- وحاشا لله-- بالتقصير في تحقيق الكفاية والرغد تعالى علواً كبيراً سبحانه وتعالى. إنما سميت نسبيه نسبة إلى فعل الإنسان وسلوكه وسعيه بشقيه من تجنب المحظورات والرذائل وإتيان المطلوبات والفضائل. وبهذا النظر الثاني قد توجد مشكلة لابد من سعي الإنسان لحلها -- ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) -- والعمل على تذليلها حتى يستطيع أن يلبي حاجاته وطموحاته. [يقول تعالى:] \" وإنه هو أغنى وأقنى [^8^](#fn8){#fnref8.footnote-ref} \" النجم/48. فنسبية محدودية الموارد التي يحصلها الإنسان بكدحه وكدة حتى يكون له فيها سعي وشغل وكسب (أقنى ). لا كما خلقها الله تعالى فهي تكفي لتحقيق حد الرغد (أغنى ). 2. [آيات عدم الندرة كثيرة ومتضافرة منها:] - \" ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم \... منهم أمة مقتصدة \... يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل \.... إن الله لايهدي القوم الكافرين\..... [قل يا أهل الكتاب] لستم على شيء حتى تقيموا التوراه والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربك طغياناً وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين \" المائدة/ 66-68. - \" والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون.. وجعلنا فيها [معايش] ومن لستم له برازقين وإن من شيء إلا عندنا [خزائنه] وما ننزله إلا بقدر معلوم.. وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين.. وإنا لنحن نحي ونميت ونحن [الوارثون].. ولقد علمنا المستقدمين ولقد علمنا [المستأخرين] \" الحجرْ/ 19-24 - \" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به [ثمرات مختلف] ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمرٌ مختلف ألوانها وغرابيب سود \... ومن الناس [والدواب والأنعام مختلف ألوانه] كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور.. إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة [وأنفقوا] مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور \... ليوفّيَهُم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور \" فاطر 27-30. - \" وآيه لهم الأرض الميتته أحييناها [وأخرجنا منها حباً] فمنه يأكلون \... سبحان الذي خلق الأزواج [كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم] ومما لا يعلمون \" يس/33-36. - \" وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكنه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون\... [فأنشأنا لكم] به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكهُ كثيرة ومنها تأكلون \.... [وشجرةً] تخرج من طور سيناء تَنبت بالدهن وصبغ للآكلين \... وإن لكم في [الأنعام] لعبرة [نسقيكم] مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها [تأكلون]\... وعليها وعلى الفلك تحملون \" المؤمنون 18-22. - \" قل إنكم لتكفرون بالذي [خلق] الأرض في [يومين] وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين \... وجعل فيها رواسي من فوقها [وبارك] فيها [وقدرّ] فيها أقواتها في [أربعة] أيام سواء للسائلين \" فصلت 9-10. - \" وإذا قيل لهم [أنفقوا] مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله [أطعمه] إن أنتم إلا في ضلال مبين \" يس/47. - \" أولم يرو أنا خلقنا لهم مما [عملت] أيدينا [أنعاماً] \... ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون \" يس 71-73. - \" الذي جعل لكم من [الشجر الأخضر] ناراً فإذا أنتم منه توقدون \" يس/80. - \" فلينظر الإنسان إلى [طعامه] أنا صببنا الماء صبا.. ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حبا \... وعنباً وقضبا \... وزيتوناً ونخلا.. وحدائق غلبا \... وفاكهه وأبا.. متاعاً لكم ولأنعامكم \" عبس/ 24-32. - \" أفرأيتم ما تحرثون \... أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون.. لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تَفكهون \... إنا لمُغرَمُون.. بل نحن محرومون.. أفرأيتم الماء الذي تشربون.. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون.. لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون \... أفرأيتم النار التي تورون.. أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون \... نحن جعلناه تذكرة ومتاعاً للمقوين \... فسبح باسم ربك العظيم \" الواقعة/63-74. 3. المنظومة الشرعية المتكاملة: - الخالق. - الخلق. - التسخير. - الملك. الاستحلاف المشتمل على عنصر جوهري من عناصر الخلافة في الأرض وإعمارها وهو العمل من أهم عناصر العملية الإنتاجية: - نماذج من آيات العمل في المسخرات: - \" وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم برازقين \" الحجر/20. - \" هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجون منه حليه تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون \" النحل/14. - \" وسخر لكم البحر لتجري الفلك بأمره \" الجاثية/12. - \" وسخر لكم الأنهار \" إبراهيم/3. - العمل عنصر الإنتاج الأساسي: - \" إنا جعلنا ما على الأرض زينه لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً \" الكهف/7. ( الحيوان \... النبات \....الجماد ) - \" وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جُرزا \" الكهف/8. - \" قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً.. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا \" الكهف /103. - \" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور \" الملك/15. - \" ليس على الذين أمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وآمنوا وأحسنوا والله يحب المحسنين \" المائدة/93. - \" قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون \" المائدة/100. - \" وكلوا مما رزقناكم حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون \" المائدة/88. - - \" ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون \" القصص/73. - \" يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم \" المؤمنون/51. 2. بأنواعها الثلاثة من الضروريات والحاجيات والتحسينيات وسواء انطبق عليها قانون المنافع المتناقصة أو حتى المتزايدة فيها وجهان: - فهي وحاجات الناس المشروعة غير محدودة في تمنيها ومجرد طلبها ومجرد الرغبة في تملكها وحيازتها. - لا حين إشباعها بالاستعمال أو الاستغلال والانتفاع فعندئذ محدودية الحاجات معروفة: - [حد أعلى:] ( 1- السرف 2- الترف 3- التبزير ) - [حد أدنى]: ( 3- الشح 2- البخل 1- التقتير ) \" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط \" الإسراء /29 فبين حدي الغلّ وكل البسط يكون حد القوام القائم على قوله تعالى: \" والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً \" الفرقان /67. وبين حد الغل وكل البسط بين حدي الإسراف وعدم التقتير يكون القوام المترتب عليه عنصر الادخار اللازم في حياة الإنسان وانكشف لنا بذلك أن الادخار ابتداء عملية سلوكية تربوية إيمانية بدونها لت يتحقق بإطلاق ادخار الفرق الحاصل بين الدخل والاستهلاك الذي يلزم تحققه أيضاً. ومن المسلم به أنه لا استثمار بغير ادخار وأن الادخار هو المحرك الرئيسي لعملية الاستثمار. ثانياً: وتكون الخلاصة كما نراها وتدل عليها الأدلة الصحيحة هي: 1. أن الموارد كما خلقها الله: غير محدودة. 2. أما الموارد الاقتصادية منها أي ما للإنسان فيها من شغل ونصب وتعب محدودة. 3. إن الحاجات : في طلبها وفي رغبتها أو الرغبة فيها غير متناهية. 4. أمّا الحاجات حين إشباعها فمحدودة لاقترانها بالمقدرة المالية الفعلية ( القوة الشرائية ) وبالمعادلة الشرعية في فقه الاقتصاد الإسلامي السابق بيانها ( حد أعلى/ قوام وسط / حد أدنى ) أبعد ذلك يزعم زاعم أن الموارد محدودة أو نادرة!!؟ - إن [المحدود هو] سعي الإنسان \" وليس للإنسان إلا ما سعى \" - الاقتصاد الوضعي على الجانب الآخر يلهث لإشباع حاجات لا نهائية وراء مذهب المتعة واللذة فأقام هذا الاقتصاد ومن منظومته إشكالية يستحيل حلها: - أما الاقتصاد في الإسلام فهو العلم: الذي نظم علاقة الأشخاص بالمال: 1. في كسبه واكتساب الملكية فيه بأسبابها الشرعية. 2. وفي اتفاقه ( منظومة الإنفاق عندنا وفق سياسة القوم ) السابق بيانها. 3. وفق مقاصد الشريعة الكلية وأحكامها التفصيلية. - [فمن دعائه صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف]: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [المال عند الخليفة الراشد عمر بن الخطاب:] [عن عمر بن الخطاب رضي الله أنه قال:] \" أن يؤخذ بالحق ويعطي بالحق ويمنع من الباطل وإنما أنا ومالكم كولي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف \" [عن علي رضي الله عنه قال:] \" إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقرائهم ولن تُجِهدَ الفقراء إذا جاعوا وعُروا إلا بما يصنع أغنياؤهم وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليما\" ثالثا: هناك مشكلة اقتصادية ما وجد غِنىً غير مرشد وفقر غير معالج. أما الغنى والفقر فكلاهما ابتلاء يبتلي الله به عباده ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. يقول الله تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا تُرجعون ^(^[^10^](#fn10){#fnref10.footnote-ref}^)^. وقد سمى الله سبحانه وتعالى المال خيراً فقال تعالى : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ^(^\[ البقرة : 180 \]. وكان : \" يستعيذ من شر الغنى وشر الفقر \" رواه أبو داود. وعن عائشة رضي الله عنهما قالت : كان رسول الله كثيراً ما يدعو بهؤلاء الكلمات : \" اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة المسيح الدجال، وشر فتنة الفقر وشر فتنة الغنى.. \" فهل يشكر الغني أم يجحد ويبخل ويظلم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. وهل يصبر الفقير ويستعين بصبره يقول الله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ^(^[^11^](#fn11){#fnref11.footnote-ref}^)^. وعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال : قال رسول الله : \" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء ( أي ما يسره ) شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له \" ^(^[^12^](#fn12){#fnref12.footnote-ref}^)^. فلقد جعل الله الغنى من وسائل علاج الفقر، وبذلك ينصلح حال الإنسان الغني حال غناه وحال الإنسان الفقير حال فقره على السواء، ويتعارف الأغنياء والفقراء ويصيرون عباد الله إخواناً لقوله تعالى : إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ^(^[^13^](#fn13){#fnref13.footnote-ref}^)^. وعلى هذا الدرب وفي هذا الإطار تعددت وسائل ترشيد الغنى وعلاج الفقر في آن واحد ، فهناك : 1. الصدقات من الأغنياء للفقراء والمساكين : \" فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم \". 2. زكاة الفطر للفقراء والمساكين : يقول الله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خُمسة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ^(^[^15^](#fn15){#fnref15.footnote-ref}^)^. 4-ألفيء فيه سهم للفقراء والمساكين : يقول الله تعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ^(^[^16^](#fn16){#fnref16.footnote-ref}^)^. 5-والخراج يلحق بالفيء المصرف. 6. والكفارات بأنواعها فيها أحكام للمساكين. 7. والكفارات تكفير عن الذنوب وتختلف باختلافها ، وفي بعض الكفارات المسلم غير مخير فيها في اختيار نوع الكفارة ، فأنواعها مرتبة لا ينتقل إلى أخرى إلا إذا لم يستطع التي قبلها : 1. ففي كفارة الحنث في اليمين يقول الله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تُطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ^(^[^17^](#fn17){#fnref17.footnote-ref}^)^. 2. وفي كفارة الصيد في الإحرام يقول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدلُ ذلك صياماً ليذوق وبال أمره ^(^[^18^](#fn18){#fnref18.footnote-ref}^)^. ج- وفي كفارة ( فدية ) حلق الرأس في الحج يقول الله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محلهُ فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسك ^(^[^19^](#fn19){#fnref19.footnote-ref}^)^. د- وفي كفارة من لا يطيق الصيام يقول الله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ^(^[^20^](#fn20){#fnref20.footnote-ref}^)^. هـ- وفي كفارة الظهار : ( قوله لزوجته أنت علي كظهر أمي ) ، يقول الله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم... فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ^(^[^21^](#fn21){#fnref21.footnote-ref}^)^. و- في كفارة الجماع في نهار رمضان حديث الرسول الصحيح بصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. وهذه كلها وسائل لعلاج الفقر يكفل بها الغني الفقير.وبالجملة فهذه من أهم وظائف الأغنياء لصالح الفقراء. ويقول الرسول : \" إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يُجهِدَ الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً \" ^(^[^22^](#fn22){#fnref22.footnote-ref}^)^أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير. وقال عمر : \" لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمها على فقراء المهاجرين \" ^(^[^23^](#fn23){#fnref23.footnote-ref}^)^. وعلى رأس الوسائل السابقة لعلاج الفقر ومكافحته يأتي العمل والسعي والكسب كأساس وسبب للحصول على الرزق، وتأمين حد الكفاف وتوفير الكفاية. يقول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض^(^[^24^](#fn24){#fnref24.footnote-ref}^)^. وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه : عن النبي قال : \" ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده \" ^(^[^25^](#fn25){#fnref25.footnote-ref}^)^. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : \" لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيطعمه أو يمنعه \" ^(^[^26^](#fn26){#fnref26.footnote-ref}^)^. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار : أتى النبي فسأله ( يطلب منه من مال الصدقة ) ؟ ـ ( فنظر إليه فوجده جلداً فسأله ) فقال : \" أما في بيتك شيء ؟ \" قال : بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب ( قدح ) نشرب فيه الماء قال : \" ائتني بهما \" ، فأتاه بهما ، فأخذهما رسول الله وقال : \" من يشتري هذين ؟ \" قال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال رسول الله : \" من يزيد على درهم \" مرتين أو ثلاثاً ، قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال : \" اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه ( ادفعه ) إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فائتني به \" ، فأتاه به ، فشد فيه رسول الله عوداً بيده ثم قال له : \" اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً \". ففعل ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً. فقال رسول الله : \" هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصح إلا لثلاث : لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع \". رواه أصحاب السنن الأربع أبو داود ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجه ^(^[^27^](#fn27){#fnref27.footnote-ref}^)^. ففي هذا المثال هيأ رسول الله للرجل فرصة عمل، فعمل واكتسب وادخر. يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( يا معشر الفقراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالاً على المسلمين ) ^(^[^28^](#fn28){#fnref28.footnote-ref}^)^. فالرزق والرازق سبحانه كلاهما موجود والقوت مقدر في الأرض لقوله تعالى : وقدر فيها أقواتها ^(^[^29^](#fn29){#fnref29.footnote-ref}^)^. ولقوله تعالى : والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ^(^[^30^](#fn30){#fnref30.footnote-ref}^)^. ولكن العمل والسعي في طلبه مطلوب وواجب، وبذلك يندفع شقص عظيم من مسألة الندرة النسبية ^(^[^31^](#fn31){#fnref31.footnote-ref}^)^ في الفكر الاقتصادي الوضعي، وتصبح المشكلة الاقتصادية كما يصورها علماء الاقتصاد فيه مشكلة عرجاء لا تستقيم بصورتها الوضعية في ظل المنهج الإسلامي، وبخاصة إذا راعينا من ناحية أخرى أن الحاجات الإنسانية على الطرف الآخر من المشكلة الاقتصادية تجد حدها الأعلى في حظر الإسراف والتبذير والترف ^(^[^32^](#fn32){#fnref32.footnote-ref}^)^ فكلها أمور محرمة محظورة في المنهج الإسلامي، لأنها تدخل الفساد على السلوك الإنساني، وتؤدي إلى إضاعة الأموال التي هي خير ونعمة، وعصب الحياة، وعلى هذا النحو أيضاً ينهار الشق الآخر من المشكلة الاقتصادية كما يصورها الفكر الاقتصادي الوضعي في حاجات لا نهائية لتجددها وتتعددها وتنوعها، ويبقى أن المشكلة الحقيقية في الحياة الاقتصادية والإنسانية كامنة في الغنى غير المرشد والفقر غير المعالج. [\ ]المبحث السادس مفهوم الإنتاج لقد اقتصر مفهوم النشاط الإنتاجي في عصر المدرسة الكلاسيكية على النشاط المؤدي إلى إيجاد سلع مادية مستبعدة الخدمات، وإنتاجها من النشاط الإنتاجي، إلا أن المدرسة النيوكلاسيكية بعد ذلك ربطت النشاط الإنتاجي بمفهوم المنفعة Utility وأصبح الإنتاج هو مزاولة النشاط الذي يؤدي إلى إيجاد المنفعة أو زيادة وإضافة منفعة جديدة، سواء تمثلت تلك المنفعة في صورة سلع مادية، أو تمثلت في شكل خدمات بجميع أنواعها. والمنفعة كالمصلحة وقد تعرف باللذة وعكسها المفسدة أو الألم ^(^[^33^](#fn33){#fnref33.footnote-ref}^)^. وعرف الإمام الغزالي المصلحة بأنها \" جلب منفعة أو دفع مضرة \" وفي الاصطلاح الشرعي \" المحافظة على مقصود الشرع ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة : أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم وما لهم، فكل ما يتضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة^(^[^34^](#fn34){#fnref34.footnote-ref}^)^. والشريعة وضعت لصالح العباد ويتحقق ذلك بجلب المنافع لهم ودفع الفساد عنهم، وهو ما تقتضيه المصلحة، حتى يستطيع الإنسان أن يكون قوة منتجة، ومن ثم يستطيع أن يقوم بدور عمارة الأرض والخلافة فيها. والمصالح تنقسم عند الفقهاء باعتبارات متعددة، فباعتبار تعلقها بعموم الأمة وجماعتها أو أفرادها تنقسم إلى مصالح كلية ومصالح جزئية. وباعتبار تحقق الاحتياج إليها في قوام أمر الأمة أو الأفراد تنقسم إلى قطعية أو ظنية. وباعتبار آثارها في قوام أمر الأمة تنقسم إلى ^(^[^35^](#fn35){#fnref35.footnote-ref}^)^: ضرورية وحاجية وتحسينية. وحفظ المال من المقاصد الضرورية بما يعنيه من السلع والخدمات ، أي كل ماله قيمة مالية مادية أو غير مادية ، أي منافع، ويتمثل هذا الحفظ للمال من جانب الوجود بتكثيره ودورانه، وإعمال النشاط الإنتاجي فيه، كما يتمثل الحفظ للمال من جانب العدم فيما يدرأ عنه الاختلال الواقع أو المتوقع كالسرقة والاختلاس والغصب والرشوة والإتلاف. وتتمثل الحاجيات فيما أبيح من المعاملات كالسلم والمساقاة والإجارة والمزارعة. والتحسينات جارية أيضاً في المعاملات مثل النهي عن بيع الإنسان على بيع أخيه، والنجش من المزايدة عليه مع عدم الرغبة في الشراء حقيقة. وعلى هذا النحو تصبح المنفعة مادية أو غير مادية في الاقتصاد الإسلامي ذات مفهوم محدد واضح يختلف عن المفهوم الوضعي، إذ يستلزم ا لنشاط الإنتاجي في الاقتصاد الإسلامي إتمام جميع مراحل العملية الإنتاجية من مستلزمات الإنتاج، واستخدام عناصره وعوامله اللازمة، ودفع عوائدها وأثمان المنتجات من سلع وخدمات لابد أن تكون على وفق أحكام الشريعة الإسلامية. ولما كانت المنافع عامتها إضافية كما يقول الشاطبي ^(^[^36^](#fn36){#fnref36.footnote-ref}^)^ ومعنى كونها إضافية أنها منافع في حال دون حال، وبالنسبة إلى أي شخص أو وقت دون وقت، فإن الإنتاج الاقتصادي أو العمل الإنتاجي Productive Labour هو الذي يولد منافع اقتصادية Economic Utility لها قابلية إشباع حاجات الناس، ولها سعر أو كلفة اقتصادية قابلة للحساب والتقدير Imputation سواء كانت مادية أو غير مادية. والمنفعة التي تدور حولها العملية الإنتاجية والنشاط الإنتاجي سواء كانت متحصلة من سلع أو خدمات تتخذ أشكالاً مختلفة : فقد تكون منفعة شكلية Form Utility ناتجة من مجرد تغيير في شكل المادة مثل تحويل المادة الأولية إلى مادة مصنوعة. وقد تكون منفعة مكانية Place Utility وتمثل في خدمات نقل السلع من أماكن إنتاجها إلى أماكن الطلب عليها. وقد تكون منفعة زمانية Time Utility وتتمثل في عمليات تخزين السلعة والمحافظة عليها من وقت إنتاجها إلى وقت الحاجة إليها. وقد تكون منفعة متمثلة في أنشطة خدمات الوسطاء بين المنتجين والمستهلكين أثناء عمليات تجميع وتخزين وتوزيع السلع المختلفة، وفي الخدمات التي يقدمها أرباب المهن كالمحامي ^(^[^37^](#fn37){#fnref37.footnote-ref}^)^. وقد تكون المنفعة كلية Total Utility على غرار المصالح الكلية في تقسيم الشاطبي كما سبق ـ وهي المقدار الكلي للمنفعة الذي يشتق من العرض الكلي لأي سلعة أو خدمة. والمنفعة الحدية هي المنفعة التي تضيفها آخر وحدة من السلعة. وعلى أساس ذلك تعرف المنفعة بقدرة السلعة أو الخدمة على إشباع رغبة إنسانية ^(^[^38^](#fn38){#fnref38.footnote-ref}^)^. وفي الفقه الاقتصادي الإسلامي مدلول المنفعة أقوى وأشمل، إذ يغلب عليه الطابع الموضوعي لا النفسي من إشباع رغبة إنسانية ، فمن الفقهاء من يرى أن المنفعة ما قابلت الأعيان، وهي الأعراض التي تقوم بالأعيان كسكني الدار وركوب السيارة والخدمة وعمل العامل ونحوها وعند الإطلاق يراد بالمنفعة هذه الأعراض، ولا يراد بها غيرها من ثمرات الأعيان : كالثمر والزرع والأجرة، وهذا هو رأي الحنفية والشافعية يقول القليوبي ^(^[^39^](#fn39){#fnref39.footnote-ref}^)^ الناشئ من الأعيان إما عين كأجرة ا لدار وثمرة الشجرة وصوف الشاة ولبنها، وما يثبت في الأرض فيسمى غلّة ، وإما غير عين كالسكن والاستخدام فيسمى منفعة. ومن الفقهاء من يرى أنها ـ المنفعة ـ تطلق على ثمرات الأعيان، سواء أكانت أعراضاً أم أعياناً متولدة منها كالثمر والزرع ، أو غير متولدة منها كأجرة الأرض وكسب الإنسان مثلاً، وهذا هو رأي الحنابلة ، يقول البهوتي في كشاف القناع ^(^[^40^](#fn40){#fnref40.footnote-ref}^)^ : وتصح الوصية بالمنفعة المقررة عن الرقبة، كغلة دار وثمرة بستان. وأساس حصول المنفعة هو النشاط الإنتاجي، أو العمل الإنتاجي المولد لهذه المنافع ودورها في إشباع الحاجات الإنسانية، سواء كانت في أشكال سلع أو خدمات، ومن ثم اعتبر جمهور الفقهاء المنافع أموالاً متمولة بما يقدر لها من أثر في النفع عند الناس، ويباح الانتفاع به شرعاً ^(^[^41^](#fn41){#fnref41.footnote-ref}^).^ ويقول ابن تيمية ^(^[^42^](#fn42){#fnref42.footnote-ref}^)^ : \" المال المستفاد إنما حصل بمجموع منفعة بدن العامل ومنفعة رأس المال \". ### أهداف الإنتاج وأسسه ------------------- [العمل والإنتاج : ] الصلة وثيقة بين مصطلح \" النشاط الإنتاجي \" المستخدم في علم الاقتصاد ومصطلح \" العمل \" المستخدم في علم الفقه، ولذا يمكن المزج بينهما بمصطلح العمل الإنتاجي Productive labour تمييزاً له عن العمل الإنتاجي non Productive labour والنشاط الإنتاجي أو العمل الإنتاجي محكوم عادة بأمرين : [الأمر الأول:] القوانين الاقتصادية المتعلقة بالعملية الإنتاجية والوسائل المستخدمة فيها. [الأمر الثاني:] البعد المذهبي الذي يشكل إطار ومضمون العمل الإنتاجي من حيث أهدافه وغاياته ووسائله وطرقه، وهو ما يعبر عنه الاقتصاديون بقولهم : \" ماذا ننتج ؟ \" و \" كم يجب أن ننتج ؟ \" من السلع والخدمات التي يحتاجها الأفراد \" وكيف ننتج ؟ \". أي ما هي أنسب الطرق المواتية لإنتاج ما استقر على إنتاجه من السلع والخدمات وتحقيق الاستفادة من الموارد والإمكانات الإنتاجية المتاحة ؟ \" ولمن ننتج \" ؟ أي كيف يتم توزيع المنتجات على مختلف الفئات والأفراد، وكيف تتحدد حصة كل فرد ونصيب كل طبقة من الأموال الاقتصادية المنتجة ( السلع والخدمات ) ؟. طبيعة الرقابة وتقييم مستوى الكفاءة التي يستخدم بها المجتمع موارده الاقتصادية ؟ وعلى هذا فإن الهدف الرئيسي والأساسي للنشاط الإنتاجي هو : \" تجدد الإنتاج \" كنشاط ممتد في الزمان، بمعنى ضرورة إنتاج \" ثروة \" ^(^[^43^](#fn43){#fnref43.footnote-ref}^)^ جديدة تحل محل ما يستهلك باستمرار من وسائل الإنتاج ( الآلات والمعدات )، وما يستهلك من وسائل العيش ( الموارد الغذائية والاستهلاكية )، ولهذا كان العمل الإنتاجي مصدر \" الدخل والكسب \" والحصول على \" الرزق \" وفي هذا يقول الله تعالى : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ^(^[^44^](#fn44){#fnref44.footnote-ref}^)^. ويقول سبحانه : الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ^(^[^45^](#fn45){#fnref45.footnote-ref}^)^ ويقول : والله يرزق من يشاء بغير حساب ^(^[^46^](#fn46){#fnref46.footnote-ref}^)^ وما تتطلبه العلاقة بينهما ( العمل ـ الرزق ) من تحمل مخاطرة النشاط الإنتاجي، وكلما زادت المقدرة على تحمل المخاطر كلما زادت احتمالات تجدد الإنتاج واحتمالات الربح وازداد رواج النشاط الاقتصادي ، وبمقتضى فريضة العمل في الاقتصاد الإسلامي فإن عقيدة المسلم تفرض عليه \" إتقان عمله \" واستشعار \" رقابة الله \" وأن عمله معروض على الله ورسوله ، ثم التوكل على الله سبحانه في حصاد نتائج العمل والنشاط، وتحقيق أهداف ومقاصد النشاط يقول تعالى : أفرأيتم ما تحرثون ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ^(^[^47^](#fn47){#fnref47.footnote-ref}^)^. ولهذا كان على المسلم أن \" يوازن \" بين عمله وعبادته ، يقول تعالى : رجالٌ لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ^(^[^48^](#fn48){#fnref48.footnote-ref}^)^. ويقول : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ^(^[^49^](#fn49){#fnref49.footnote-ref}^)^. الاقتصاد الوضعي وأهداف الإنتاج : ولا شك أن هدف الإنتاج يتحدد بشكل تفصيلي أدق على ضوء محرك النشاط الإنتاجي، وهو المشروع الخاص أو المشروع العام، ومن ثم كلاهما، وهو ما يحدد هيكل البنيان الاقتصادي في المجتمع وهو ما نتناوله فيما يلي : [أولاً : المذهب الرأسمالي : Capitalism.] يرتكز النظام الرأسمالي على أن المحرك الرئيسي لدوران عجلة الإنتاج هو الرغبة في تحقيق أقصى ربح ممكن Maximizing the Profit وبأقل تكلفة Minimizing the cost ويؤدي المشروع الخاص الدور الأساسي في النشاط الإنتاجي، ولكن لم يسلم تحقيق هذا الهدف بهذه الآلية من المشاكل والصعوبات فتحقيق هذا الهدف من خلال \" السوق لا بد أن يتمتع هذا السوق بالمنافسة الكاملة، حيث لا توجد أي درجة من الاحتكار، ومن ثم يكون على المشروع الخاص أن يعمل باستمرار على زيادة كفاءته الإنتاجية إذا أراد أن يزيد من أرباحه، وهذا في صالح المستهلكين والمجتمع، ولكن دوام الحال من المحال إذ أنه كلما انحرف السوق عن المنافسة الكاملة التي هي صعبة التحقيق في الواقع واقترب من الاحتكار لا يمكن للمشروع الخاص أن يحقق صالح المستهلكين، أو المجتمع، بصفة عامة، وقد كان سلوك المشروع الخاص نفسه في سعيه لتحقيق أقصى ربح ممكن وراء التحول من المنافسة إلى حالة الاحتكار، وأصبحت الدولة مضطرة إلى البحث عن حلول اقتصادية للمحافظة على النظام القائم على الملكية الخاصة، وحرية العمل والتصرفات الفردية ^(^[^50^](#fn50){#fnref50.footnote-ref}^)^. وفي الاقتصاد الإسلامي فإن أحداً لا يستطيع أن يقلل من أهمية هدف تحقيق أقصى ربح، وما يرتبط به من أقصى كفاءة إنتاجية، ولكن في نفس الوقت لا يستطيع أحد أن يتغاضى أو يتجاهل الضوابط الشرعية والأحكام الفقهية العملية في : 1. سلوك المشروع الخاص في عدم فرض أسعار احتكارية، أو التأثير على أسعار خدمات عناصر الإنتاج بما يفيد المجتمع. 2. الرقابة على السوق من خلال نظام الحسبة. 3. الالتزام والتقيد بمصلحة الجماعة من عدم التوجه نحو مجالات الإنتاج الضارة أو المفسدة. وهذا كله يولد منافسة مشروعة تنتفي معها قدرة أي مشروع خاص على التأثير السلبي على أسعار السوق وعلى إنتاج السلع والخدمات فيه وجودتها. وبذلك يتحقق نوع من التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وهو ما يعجز عن تحقيقه النظام الاقتصادي الوضعي من خلال التوافق المزعوم والتلقائي بين المصلحتين على أساس فكرة \" اليد الخفية \" بينما يتحقق هذا التوازن في الاقتصاد الإسلامي وفق مجموعة من المبادئ والأحكام الشرعية التنظيمية والعملية. [ثانياً : المذهب الاشتراكي Socialism :] في المذهب الاشتراكي يتحدد هدف الإنتاج وكميته ونوعه وفقاً للخطة الاقتصادية الشاملة للمجتمع. والاقتصاد الإسلامي لا يعتمد على ركيزة واحدة في الإنتاج من خلال المشروع الخاص المرتبط بأهداف المجتمع ومصلحة أفراده، بل يقوم أيضاً على وجود الملكية العامة في الاقتصاد الإسلامي \[ التي لم تكتشف إلا من خلال مراحل التطور الاقتصادي التي مرت بها الجماعات البشرية، كما حدث في الأنظمة الوضعية \] فالحاجات العامة ركن وهدف أساسي في الاقتصاد الإسلامي، في الوقت الذي لا زالت فيه المدارس الاقتصادية الوضعية حتى الآن مضطربة في تحديد ما يدخل وما يجب أن يخرج من إطار الملكية العامة. فالحاجات الضرورية كالماء والكلأ والنار استهلاكياً وإنتاجياً في إطار الملكية العامة، وكذلك \" الحمى \" وقد حمى رسول الله وحمى الصحابة من بعده ، وذلك تحقيقاً لمصالح الناس كافة يتساوى في الانتفاع به الغني والفقير، والمسلم والذمي، فإن خص به الفقراء دون الأغنياء كان ذلك صحيحاً ^(^[^51^](#fn51){#fnref51.footnote-ref}^)^. وتتمثل الملكية العامة أيضاً في المعادن والثروات الطبيعية والاستفادة منها في النشاط الإنتاجي أو الاستهلاكي حتى لا تنحصر ملكيتها في أيدي عدد قليل من الأشخاص. الأسس الاقتصادية الجوهرية الموجهة للإنتاج : تأسيساً على ما تقدم نستطيع أن نقول إن الأسس الاقتصادية الموجهة للإنتاج والنشاط الإنتاجي في النظم الاقتصادية المختلفة كالتالي : [أولاً : في ظل الرأسمالية كنظام اقتصادي:] إن البنيان الاقتصادي للرأسمالية كنظام اقتصادي معاصر يقوم على أسس رئيسية منها : 1. الملكية الفردية. 2. حرية المشروع الخاص في العمل والتصرف. 3. جهاز السوق والأثمان. 4. أسلوب المنافسة. 5. دافع أقصى ربح ممكن. وقد اجتمعت في النظام الاقتصادي الرأسمالي هذه الأسس الخمسة، وإن كان بعضها قد وُجد قبل ولكنها اجتمعت فيه وتشكل خصائصه الأساسية وإطاره التنظمي العام. [ثانياً : في ظل الاشتراكية كنظم اقتصادي ^(^][^52^](#fn52){#fnref52.footnote-ref}[^)^ : ] إن أهم الأسس الحاكمة للإنتاج فيه تتمثل في : 1. الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. 2. النمو المخطط والمتوازن للاقتصاد القومي. 3. تحقيق أقصى إشباع ممكن للحاجات المتزايدة لكافة أفراد المجتمع ( ونبذ فكرة الربح بالمفهوم الرأسمالي ). [ثالثاً : في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي :] إن أهم الأسس الحاكمة للإنتاج فيه تتمثل في : 1. تنوع وتعدد قاعدة الملكية وسيادة النظام المزدوج للملكية الخاصة والعامة حسبنل تملية المصلحة العملية والحاجة الواقعية على ضوء الدراسة الميدانية.. 2. التوازن بين المصلحتين الخاصة والعامة وتقديم الثانية على الأولى عند التعارض. 3. المنافسة الخيرة وحرية السوق في ظل نظام رقابة شرعية محكم. ###### ** ** ###### عوامل الإنتاج جرت عادة الاقتصاديين على تقسيم شائع لعناصر الإنتاج إلى : العمل والأرض ( الموارد الطبيعية ) ورأس المال والتنظيم وهو ما يسمى بالمنهج التوظيفي القائم على النظر إلى الخدمات الإنتاجية لعناصر الإنتاج، وكل ما هو ضروري للإنتاج، وما يترتب عليه من مشاكل اقتصادية، والاختيار بين عناصر الإنتاج على التقسيم السابق ينطوي على نوع من التضحية، كما تقول النظرية الاقتصادية بقصد ضبط وتنظيم المعرفة بالنشاط الاقتصادي ، فكل عنصر يشتمل على مجموعة غير متجانسة من الوحدات والأنواع ، ولكن جرى هذا التصنيف والتقسيم لمجموعات عناصر الإنتاج بقصد فهم العملية الإنتاجية والبنيان الاقتصادي الذي يقوم عليها. وتتمثل مشكلة أي مجتمع في كيفية استخدام عوامل الإنتاج الاستخدام الأمثل الذي يعود بأكبر منفعة على المجتمع، ومن هنا فإن النظر إلى عوامل الإنتاج إنما يكون على أساس ما تقدمه هذه العوامل من خدمات في العملية الإنتاجية، بخلاف ما إذا كنا بصدد التخطيط الاقتصادي لتوزيع الموارد في الدولة، فإننا يجب أن ننظر إلى عوامل الإنتاج ذاتها، حيث يمكن استخدامها بطرق مختلفة حسب خطة الدولة. والواقع الذي لا جدال فيه أن العمل هو العنصر الأكثر إيجابية في عملية الإنتاج، ولذا به نبدأ الحديث عن عوامل الإنتاج. [أولاً : العمل Labour : ] لا شك أن للعمل جوانبه المتعددة الاجتماعية والنفسية والسلوكية والقانونية وغيرها وهو يشكل جانباً أساسياً في حياة الإنسان يحدد مستوى معيشته وبدونه كجهد إنساني لا يتم الإنتاج، ومن هنا سنركز على العمل من الناحية الاقتصادية أي في علاقته بالإنتاج من حيث : طبيعته وخصائصه وأنواعه وكفاءة العمل في الإنتاج. 1. طبيعة العمل بالمعنى الاقتصادي : العمل كل نشاط يبذله الإنسان عن وعي وإرادة، ويشعر بالألم حين يبذله بهدف خلق المنافع ويقصد إنتاج السلع والخدمات التي تشبع الحاجات، وهذا هو العائد أو الكسب من العمل. ويتضح من هذا المعنى أن هناك ثلاثة عناصر رئيسية للعمل من الناحية الاقتصادية وهي : 1. الجهد والنشاط الواعي والإرادي للإنسان. وهذا ما يجعله قابلاً للقياس الاقتصادي على أساس من النفقة أو التضحية التي يتحملها من يقوم بالعمل والعائد منه. 2. أن يكون هذا الجهد مصحوباً بالمشقة والعنَتْ، وإن ترتب عليه الإحساس بالراحة والسعادة بعد ذلك. وقد تكون هذه المشقة وهذا العنت في شكل جسماني عضلي أو عصبي، أو في شكل معنوي نفسي يحس به العامل حين يقوم بالعمل. وكلاهما أمر نسبي يختلف من شخص إلى آخر ومن عمل إلى آخر. ج- إنتاجية العمل : العمل بالمعنى الاقتصادي الدقيق لا بد أن يؤدي إلى إنتاج سلع وخدمات تساهم في إشباع الحاجات، فالإنتاجية أو إنتاج الأموال هي إحدى الخواص الأساسية للعمل الاقتصادي، ومن ثم فهي تعني قدرة العمل على إحداث التغيرات التي تجعل الأشياء صالحة لإشباع الحاجات، وهو ما اصطلح عليه الاقتصاديون المعاصرون من أن العمل المنتج هو خلق أو زيادة المنفعة، على عكس ما كان يراه الطبيعيون من قصر ذلك على العمل الزراعي وحده، وغيره من الأعمال الأخرى عقيمة وغير منتجة، وعكس ما كان يراه آدم سميث ومن بعده كارل ماركس من قصر ذلك على الإنتاج المادي دون الخدمات. وتتوقف إنتاجية العمل على عاملين هما : مقدار العمل المبذول ومقدار العائد أو المقابل المتحصَّل. وكلما زاد العمل كمياً أو كيفياً دون أن يزيد المقابل قلت إنتاجيته بالنسبة لمن يقوم به، ولذلك فإن مقياس إنتاجية العمل بالنسبة لمن يقوم به هو : النسبة بين مقدار العمل المبذول ومقدار المقابل المتحصَّل. وبالنسبة لصاحب العمل فإن الاقتصاديين يميزون بين طريقتين لقياس الإنتاجية هما : ـ الإنتاجية المادية للعمل أي مقدار ما ينتجه العامل من سلع في وقت معين. ـ الإنتاجية النقدية أي نسبة قيمة ما ينتجه العامل من سلع في وقت معين إلى ما يحصل عليه من أجر عن هذا الوقت. وهناك بعد ثالث في تقدير إنتاجية العمل هو إنتاجية العمل بالنسبة للمجتمع، على أساس ما يؤدي العمل بطريق مباشر أو غير مباشر من الإكثار من الأشياء النادرة التي تشبع حاجات المجتمع. 2. [خصائص العمل : ] العمل كعنصر من عناصر الإنتاج يتميز بعدد من السمات والخصائص الاقتصادية من أهمها ما يلي: 1. صعوبة تحديد نفقة إنتاج العمل : فالحصول على عمل من نوع معين يتطلب تربية وتعليماً وتدريباً للفرد، وما ينفق على كل ذلك يصعب حسابه بدقة، لذلك فإن نفقة الإنتاج لا تدخل بصورة فعالة في تحديد ثمن قوة العمل في الأسواق التي تطلب فيها، مثل ما يحدث بالنسبة لعناصر الإنتاج الأخرى كالأرض ورأس المال. 2. عدم استجابة عرض العمل للطلب عليه في بعض الأحيان : فالعمل ليس كأي سلعة أخرى يمكن إنتاجها عند الطلب بسهولة، وما يترتب على ذلك من انعكاسه على الأجور، وكيفية تحديدها، وعلى ضرورة التخطيط طويل الأجل بالنسبة للقوى العاملة، حتى يأتي المعروض منها ملائماً للطلب عليها. ج- الصعوبات التي تواجه قدرة العمل على التنقل بالنظر إلى عناصر الإنتاج الأخرى : ترجع هذه الصعوبات إلى القيم والعادات السائدة أحياناً، وارتباط العامل ببيئته وأهله وإلى الموانع القانونية والسياسة وما يترتب على ذلك من تفاوت في الأجور. د- يبقى أن نذكر أن من أهم خصائص العمل أن يصدر عن إنسان، أو يمثل جهد إنسان له من المشاعر والأحاسيس والكرامة الإنسانية ما يميزه عن غيره من عناصر الإنتاج، وإن كانت تدخل في التحليل الاجتماعي أكثر منها في نطاق التحليل الاقتصادي، ويكفي أن هذا الجهد صادر عن الإنسان الذي يسعى كل نشاط اقتصادي إلى إشباع حاجاته. 3. [أنواع العمل : ] يختلف العمل ويتنوع باختلاف الفروع الإنتاجية التي يبذل فيها من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات وأعمال تتطلب جهداً ذهنياً أكثر، وأخرى تتطلب جهداً عضلياً أو جسمياً أكثر، وفي إطار الأعمال الذهنية هناك أعمال الإدارة وأعمال التنظيم. 4. [كفاءة العمل في الإنتاج : ] كفاءة العمل في الإنتاج أو الكفاءة الإنتاجية للعمل تعتمد بدرجة كبيرة على مجموعة من العوامل من أهمها : 1. مدى الجهد المبذول : مدى الجهد المبذول خلال ساعات العمل المحددة، ومدى يقظة وانتباه العامل في أداء عمله، ولقد أثبتت الدراسات المعاصرة أن زيادة عدد ساعات الراحة للعامل تؤدي إلى زيادة وجودة إنتاجه، وأن درجة ويقظة انتباه العامل يعتمد على مدى رغبة العامل في العمل نفسه ومن ثم أدائه. 2. التعليم والتدريب : من وسائل رفع كفاءة العامل التعليم المصحوب بالتدريب العملي، وهذا يجنب العمل مغبة أخطاء جسيمة على العمل، ومما ينبغي التأكيد عليه أن التدريب عملية مستمرة حتى يكون العامل على علم دائم بالتغيرات والتطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة. ج- التنظيم العلمي للعمل : ويقصد بالتنظيم العلمي للعمل وضع القواعد اللازمة لتنظيم العمل بغرض الوصول إلى أفضل الوسائل لاستخدام عنصر العمل، بحيث ترتفع كفايته الإنتاجية، أي الوصول إلى الطريقة المثلى لأداء العمل. ومن ثم فلا ينبغي الاقتصار على الوسائل المادية التي تزيد من انتاجية العامل، بل ينبغي أيضاً البحث عن أفضل الشروط والظروف التي يتم فيها العمل، بحيث تتحقق إنسانية العامل وكرامته، ومن هنا أصبحت إدارات العلاقات العامة من أهم واجباتها الاهتمام بتوفير أفضل الشروط والظروف المناسبة للعمل بما فيها الظروف النفسية للعامل. ولقد ارتبط بالتنظيم العلمي للعمل التخصص وما يترتب عليه من تقسيم للعمل أو العملية الإنتاجية وما يؤديان إليه من زيادة الكفاءة الإنتاجية للعامل، وإتقان العمل أيضاً، وزيادة الخبرة والمهارة فيه. د- التنظيم القانوني للعمل : يعتمد التنظيم القانوني للعمل في الاقتصاد الوضعي على مبدأ حرية العمل، والاعتراف بسلطان الإرادة ومدى قدرتها على ترتيب الآثار القانونية، ومن هنا أصبح عقد العمل هو أساس العمل. وفي الاقتصاد الإسلامي فإن العمل إلى جانب أنه واجب فإنه حق للعامل أيضاً يهيئه له ولي الأمر مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن طريق توفير الوسائل والأدوات المؤدية إليه ، وقصة الأنصاري الذي جاء إلى الرسول يطلب من الصدقة فنظر إليه الرسول الكريم فوجده جلداً فلم يعطه من الصدقة ، ولكنه هيأ له وسائل وأدوات العمل والإنتاج عندما سأله عما في بيته فقال : قدح أو قعب نشرب فيه الماء وحلس نلبس بعضه ونبسط بعضه فقال : له ائتني بهما ففعل الرجل ثم قال لأصحابه : من يشتري هذين ، فقال أحد الصحابة : أنا يا رسول الله ، بدرهم. فقال : من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما للأنصاري فقال : اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخرة قدوماً واذهب واحتطب وبع ولا تأتيني إلا بعد خمسة عشر يوماً ففعل الرجل وجاءه بعد خمسة عشر يوماً وقد أصاب عشرة دراهم فبارك له فيها ^(^[^53^](#fn53){#fnref53.footnote-ref}^)^ ، وهكذا عمل وعمد الرسول الكريم على توفير أدوات وسبل ووسائل العمل للرجل فبذل جهده وحقق كسباً. وهكذا الأمر في الاقتصاد الإسلامي ونظرته إلى العمل. [ثانياً : الأرض ( الموارد الطبيعية ) : ] المقصود بالطبيعة هنا كعنصر من عناصر الإنتاج الموارد وقوى الطاقة التي يجدها الإنسان دون جهد من جانبه، وتلزم لقيامه بالإنتاج، ومن ثم تشمل المواد الأولية والقوى المحركة والأرض. ولقد حظيت الأرض باهتمام الاقتصاديين منذ القدم ومن ثم فهي أكثر الموارد الطبيعية ضرورة للإنتاج. وتتمتع الأرض عن غيرها من عوامل الإنتاج بعدد من الخصائص من أهمها : 1. أنها في الأصل بالمعنى العام من خلق الله سبحانه وتعالى وهذا ما يعبر عنه الاقتصاديون بقولهم إن الأرض هبة الطبيعة. والأرض محدودة المساحة ومن ثم يؤثر هذا في سعرها بالزيادة كلما زاد الطلب عليها على نحو أكثر من تأثير تغير الطلب في أسعار السلع الأخرى التي يمكن زيادة عرضها. ويذكر الاقتصاديون أن تطور المجتمعات ونمو السكان وتقدم الصناعة لا بد أن يؤدي إلى زيادة مستمرة في الطلب على الأرض ونظراً لثبات عرض الأرض فإن ثمنها وإيجارها يتجهان نحو الزيادة باستمرار وهذا يعكس خاصية الثبات النسبي لكمية هذا العنصر الإنتاجي. و لعل هذه الخاصية وما ترتب عليها من آثار اقتصادية هي التي دعت الكثيرين من علماء الاقتصاد إلى دراسة ظاهرة \" ربع الأرض \" ووضع النظريات المختلفة له. 2. عدم تجانس الأرض كمورد طبيعي فهي متنوعة الخصوبة والموقع وما يترتب على ذلك من أهمية ترتيبها ترتيباً تنازلياً بحسب مقدار ما تحقق من فائض ومن ثم وضع حد مميز للفصل بين ما يجب استغلاله اقتصادياً منها وما لا يجب بحسب مقدار ما تحققه وحداتها من فائض. وكذلك الأمر عند بحث توزيع وحدات الأرض غير المتجانسة التي تقرر استخدامها بين الاستعمالات المختلفة. هذا ولموقع الأرض تأثير هام في قيمة الأرض فهناك الأرض القريبة من الأسواق التجارية ومن وسائل المواصلات والمخصصة للبناء وهكذا تظهر أهمية موقع الأرض من الناحية الاقتصادية لعدم إمكان نقلها. 3. تفاوت توزيع الثروات الطبيعية بين الدول وتفاوت أهميتها بتغيير الأساليب الفنية للإنتاج والتقدم التكنولوجي المعاصر. فالدول البترولية أصبحت أكثر قوة من الناحية الاقتصادية من الدولة المالكة للفحم مثلاً وهكذا. ثالثاً : رأس المال Capital : 1. أهمية رأس المال في الإنتاج : يؤدي رأس المال في الوقت الحاضر دوراً جوهرياً في الحياة الاقتصادية للمجتمع فهو المؤثر الفعال في حجم الإنتاج في أي مجتمع بل إلى وفرته وعدمها يرجع ارتفاع وانخفاض مستوى المعيشة في المجتمع ولذلك تعتبر دراسة رأس المال من أدق موضوعات النظرية الاقتصادية ومع ذلك سنكتفي ببيان المقصود به وأنواعه وعوامل كفاءته الإنتاجية والتكوين الرأسمالي. 2. المقصود برأس المال ^(^[^54^](#fn54){#fnref54.footnote-ref}^)^: يمكن القول ^(^[^55^](#fn55){#fnref55.footnote-ref}^)^ بأن رأس المال هو مجموعة من الموارد غير المتجانسة والتي يمكن إعادة إنتاجها والتي يؤدي استخدامها عن طريق إطالة العملية الإنتاجية إلى زيادة إنتاجية العمل ويجد وحدته ووجوده في استخدامه لغرض معين ومن ثم فهو يرتبط بخطط وأهداف الوحدات الاقتصادية وعلى ذلك فإن قيمة رأس المال ترتبط بقيمة الدخل الذي يستطيع أن يولده في المستقبل. وارتباط رأس المال بالدخل لا يعني اتفاقهما إذ أن هناك اختلافاً جوهرياً بينهما فإذا كان الناتج هو تيار السلع والخدمات في فترة معينة ، فإن الدخل هو التيار النقدي (flow) المقابل والذي تحصل عليه عناصر الإنتاج نتيجة مساهمتها في العملية الإنتاجية. أما رأس المال فهو رصيد stok بمعنى أنه كمية الموارد المقاسة في لحظة معينة ؛ فالتيارات ذات بعد زمني والرصيد ذو بعد زمني ، ومن ثم فإن رأس المال هو مجموعة السلع الإنتاجية التي تستخدم في الإنتاج والتي توجد في لحظة معينة. ولذلك يذهب رأيإلى تعريف رأس المال بالمعنى الاقتصادي الحديث بأنه عبارة عن جميع أنواع الثروة التي أنتجت في الماضي لا لتستهلك مباشرة وإنما لتساهم في إنتاج ثروة أخرى. 3. أنواع رأس المال : إن اصطلاح رأس المال لا يطلق في الحقيقة على نوع واحد من الأموال فلقد أ\>ت فكرة رأس المال الاقتصادية إلى ظهور مفاهيم عديدة من زوايا مختلفة تختلف باختلاف نوع رأس المال : فهناك رأس المال الفن ورأس المال المحاسبي ورأس المال القانوني. 1. رأس المال المحاسبي : فهو عند المحاسبين الذين يقومون على الإدارة المحاسبية للمشروعات مجموعة القيم النقدية التي تحتفظ بقيمتها ثابتة نتيجة خصم الاستهلاكات لحماية قيمة رأس المال ثابتة ، فجميع أموال المشروعات تفقد جزءاً من قيمتها سنوياً بسبب ما يصيبها من تلف نتيجة القدم والاستعمال أو التقدم التكنولوجي. ولمواجهة ذلك يلجأ أصحاب المشروعات إلى اتباع طريقة \" الاستهلاكات \" فيخصمون من ناتج الاستغلال السنوي المبالغ اللازمة للمحافظة على قيمة رأس المال وتسمى بأقساط الاستهلاك وتحدد على أساس قيمة رأس المال والمدة التي ينتظر أن يبقى فيها صالحاً للعمل والاستعمال. ويقال في مثل هذه الحالة أن المجتمع يحافظ على رأس ماله سليماً. 2. رأس المال القانوني : ويتمثل في جميع الحقوق أو الأصول المالية التي تدر لصاحبها دخلاً، مثل الأسهم ولهذا يسميها البعض رأس المال الكاسب ^(^[^56^](#fn56){#fnref56.footnote-ref}^)^ من حيث تمكن مالكه من الحصول على دخل دون أن يشترك في العملية الإنتاجية، كالقرض الممنوح بقصد الاستهلاك مقابل فائدة، وهي محرمة في الاقتصاد الإسلامي، وينسب النظام الرأسمالي كقاعدة عامة إلى رأس المال بهذا المعنى بجانب المعنى الفني لرأس المال، حيث تؤدي الملكية الخاصة للأموال عادة الدور البارز بل والحاسم في هذا النظام الاقتصادي. 3. رأس المال بالمعنى الفني : ويقصد به مجموعة الأموال غير المباشرة أو الوسيطة التي تستخدم في الإنتاج، أي مجموعة الآلات والأدوات المادية المستخدمة في الإنتاج، والتي تؤدي إلى زيادة إنتاجية العمل، وعلى هذا الأساس فرق الاقتصاديون بين أموال الاستهلاك وأموال الإنتاج، وهي التي تستخدم لإنتاج أموال أخرى. وهذا النوع هو المقصود عندما نتحدث عن رأس المال كعنصر من عناصر الإنتاج، ويدخل فيه عدة تقسيمات أخرى أهمها رأس المال الثابت، ورأس المال المتداول، وهي تفرقة تستند عند الاقتصاديين المعاصرين إلى التغير في شكل رأس المال: 1. [رأس المال الثابت : Constant Capital :] هو الذي يتدخل في أكثر من عملية إنتاجية دون أن يفقد خصائصه الفنية مثل الآلات والمباني. 2. [رأس المال المتداول : Variable Capital] : هو الذي يتغير خلال العملية الإنتاجية مثل المواد الأولية. وتبدأ أهمية التفرقة بين رأس المال الثابت والمتداول فيما يتعلق بنفقة الإنتاج، فرأس المال المتداول يحسب بكامل قيمته في نفقة إنتاج السلعة أما الثابت فيحسب منه جزء فقط هو مقابل الاستهلاك. 4. تكوين رأس المال : إن تكوين رؤوس الأموال يحتاج ضمن ما يحتاج إلى رؤوس أموال سابقة حتى يمكن تكوين رؤوس أموال جديدة، ولذلك فإنه يلزم أن يقوم الأفراد بالادخار حتى يمكن تكوين رؤوس أموال والإنفاق على الاستثمار. 1. الادخار : Saving : يعني التضحية بجزء من الإشباع الذي كان من الممكن لأفراد المجتمع أن يحصلوا عليه في الحاضر وتأجيله للمستقبل، وترتبط القدرة على الادخار بصفة أساسية بحجم الدخل المتاح، فكلما زاد الدخل أمكن زيادة الادخار والعكس صحيح والسبب في ذلك أن هناك حدوداً للاستهلاك يصعب ضغطها ، كذلك تتوقف القدرة على الادخار على مجموعة من العوامل الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية فكل هذه العوامل تؤثر في مدى رغبة الأفراد وقدرتهم على التضحية بالاستهلاك الحالي. والعلاقة بين الدخل والادخار تحكمها قاعدتان هما : 1. إن العلاقة بين الدخل والادخار علاقة طردية كما أن العلاقة بين الدخل والاستهلاك علاقة طردية أيضاً. 2. إن الادخار يتزايد بمعدل متزايد مع زيادة الدخل، في حين أن الاستهلاك يتزايد بمعدل متناقص. وعلى ذلك فالميل الحدي للادخار متزايد والميل الحدي للاستهلاك متناقص. وبنفس النمط الذي يتحدد الادخار الفردي يتحدد الادخار القومي، أي على مستوى الدولة، ويقاس الادخار في أي مجتمع بالفرق بين الناتج القومي وبين الاستهلاك القومي خلال فترة معينة مخصوماً منه مخصص الإهلاك. هذا فضلاً عما يتحدد به الادخار القومي أيضاً من الادخار الإجباري كإجراء قانوني تتخذه الدولة مباشرة أو بطريق غير مباشر، كوضع نظام لتوزيع السلع الاستهلاكية بالبطاقات مع تحديد أسعارها. لا يكفي الادخار وحده لتكوين رؤوس الأموال، وإنما توجد رؤوس الأموال إذا استخدمت في الاستثمار بقصد الحصول على العناصر اللازمة للإنتاج وإيجاد رأس مال إنتاجي جديد، ومن هنا يختلف الاستثمار عن توظيف النقود في الحصول على دخول. ونظراً لضعف الدخول في الدول المتخلفة، ومن ثم ضعف الاستثمارات والتكوين الرأسمالي وهنا من الممكن أن تؤدي التجارة الخارجية دوراً هاماً في تكوين رؤوس الأموال، فعن طريق تصدير مواد أولية تستطيع الدولة أن تستورد سلعاً استثمارية من آلات وأدوات، قد لا تتمكن من تصنيعها داخلياً، ومن ثم فحجم الاستثمار لا يتوقف في الدول المختلفة على مستوى الدخل وحده وإنما على حجم الصادرات أيضاً. وتتوقف قدرة رأس المال في الإنتاج على مجموعة عوامل من أهمها : كميته وكفاءته الإنتاجية. وتتوقف كمية رأس المال أساساً على زيادة كمية الاستثمار فضلاً عن كفاءته الإنتاجية، وتعتمد الكفاءة الإنتاجية لرأس المال على عوامل عديدة من أهمها : نوعيته من حيث كونه وفق آخر التطورات التكنولوجية، ومن ثم حداثته وكيفية صيانته واستخ?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser