بحث علمي عن ماهية البحث العلمي ومناهجه PDF
Document Details
Uploaded by IdolizedScholarship
Tags
Summary
This document discusses the nature and methods of scientific research. It explores the concept and significance of scientific research, along with its various types and approaches to research. The text delves into the theoretical and practical aspects of scientific inquiry.
Full Transcript
ماهية البحث العلمي ومناهجه يمثل البحث العلمي ضرورة حياتية سوا ًء في حياة األفراد أم في حياة الدول.فبالعلم تنهض أمم ودول ويالعلم أيضا ً ثباد دول. والوصول إلى العلم واالنتفاع به أمر يستوجب البحث عنهء وتسخير كل اإلمكانيات البشرية والمادية لخدمة هذا الهدف.وحتى تتضح ماهية ال...
ماهية البحث العلمي ومناهجه يمثل البحث العلمي ضرورة حياتية سوا ًء في حياة األفراد أم في حياة الدول.فبالعلم تنهض أمم ودول ويالعلم أيضا ً ثباد دول. والوصول إلى العلم واالنتفاع به أمر يستوجب البحث عنهء وتسخير كل اإلمكانيات البشرية والمادية لخدمة هذا الهدف.وحتى تتضح ماهية البحث العلمي» يستلزم أن نلقي الضوء على مفهوم البحث العلمي أو معناه» وكذلك على أهميته وغايته» ثم أنواعه» وأخيراً منأهجه.وهذا ما سوف نبينه في هذا الفصل من خالل تقسيمه إلى ثالثة مباحثء كمايلي: المبحث األول :مغهوم البحث العلمي وأهميته سوف نتناول هذا المبحث من خالل تقسيمه إلى مطلبين :نوضح في المطلب األول» مفهوم البحث العلمي» وفي المطلب الثاني نبين أهمية البحث العلمي. المطلب األول :مفهوم البحث العلمي إن عبارة " البحث العلمي' عبارة مركبة من كلمتين " البحث ” و "العلمي ' » فما المراد بكل منهما؟ كلمة " البحث " تأتي في اللغة العربية من الفعل بحث وبحث عن الشيء طلبه وفتش عنه أو سأل عنه واستقصى.و " بحث األمر " أو " بحث فيه ' اجتهد فيه وتعرف حقيقته.وعلى ذلك فإن البحث يعني التفتيش والتنقيب عن مسألة معينة حتى يتبين حقيقتها على أي وجه كان. وال يخرج تعريف البحث كاصطالح عن معناه اللغوي» فهو أيضا ً في المصطلح يعني بذل المجهود الذهني في التحريء أو التفتيشء أو التتبع» أو الدراسة» أو التقصىء» عن مسألة أو أمر معين» بقصد التعرف على حقيقته وجوهره. أما كلمة " العلمي " فهي " صفة " للبحث منسوية إلى العلم» و " العلم ” من الفعل الماضي " علم " أو " تعلم " وتعلم األمر عرفه وأتقنه.و " العلم " اسمء وهو إدراك الشيء بحقيقته» والعلم المعرفة.وهذه المعرفة ال تتأتى إال عن طريق الفهم أو التنبؤ وربط األسباب بالمسب بات» وعلى ذلك فإن العلم هو مجموع مسائل وأصول كلية تدور حول موضوع واحدء وتعالج بمنهج معينء» وتنتهي إلى بعض النظريات والقوانين» كعلم الزراعة» وعلم الفلك؛ وعلم الطبء وعلم القانون وغيرها. والتفاعل بين كلمتي " البحث " و ' العلمي " يقود إلى تعريف البحث العلمي» لذلك ذهب البعض إلى تعريف البحث العلمي بأنه " إعمال الفكر ويذل الجهد الذهني المنظم حول مجموعة من المسائل أو القضاياء بالتفتيش التقصي عن المبادئ أو العالقات التي تربط بينهاء وصوالً إلى الحقيقة التي يبنى عليها أفضل الحلول لها. وعرف أيضا ً بأنه " أسلوب يهدف إلى الكشف عن المعلومات والحقائق والعالقات الجديدة والتأكد من صحتها مستقبالً باإلضافة إلى تطوير وتعديل المعلومات القائمة والوصول إلى الكلية أو العمومية» أي التعمق في المعرفة العلمية والكشف عن الحقيقة والبحث عنهاء وكذلك يهدف إلى االستعالم عن صورة المستقبل أو حل لمشكلة معينة» من خالل االستقصاء الدقيق والتتبع المنظم الدقيق والموضوعي لموضوع هذه المشكلة» ومن خالل تحليل الظواهر والحقائق والمفاهيم. وقريب من ذلك دارت التعريفات األخرى للبحث العلمي» ومن ذلك ما ذهب إليه البعض من أنه " التقصي المنظمء وبإتباع أساليب ومناهج علمية محددة للحقائق العلمية» بقصد التأكد من صحتهاء أو تعديلهاء أو إضافة الجديد لها أو هو الذي يهدف إلى " البحث عن الحقيقة » بمحاولة معرفة حقائق لم تكن معروفة من قبل أو استكمال حقائق عرف بعضها. أو هو ' التنقيب عن حقيقة ابتغاء إعالنها دون التقيد بدوافع الباحث الشخصية أو الذاتية» إال بمقدار ما يفيد في تلوين البحث بطابع الباحث وتفكيره ويعطيه من روحه التي تميزه عن غيره ".ذلك هو مفهوم البحث العلمي» ولعل في التعرف على أهمية البحث العلمي وغايته ما يساهم في جالء ذلك المفهوم. المطلب الثاني :أهمية البحث العلمي يهدف البحث العلميء أيآ كان ميدانه» إلى تكوين المعرفة التي هي خالصة التفكير العلمي. والمعرفة هي مجموعة المعلومات التي يتمخض عنها البحث العلمي» والتي لها القابلية لوصف وتفسير الظواهر واألحداث» وكذلك التنبؤ بما سيقع تحت ظروف معينة. كما أن المعرفة قد تكون اختراع جديدء أو اكتشاف مجهول» أو تكميل نقصء أو تفصيل مجملء أو تعيين مبهم» أو تصحيح خطأ. وإذا كان البحث العلمي يمثل ضرورة حياتية للبشرية» إذ به يستطيع اإلنسان أن يسيطر على ما وهبه هللا إليه من نعم في هذه األرض أثناء حياته فيهاء فإنه بالنسبة للدول في العصر الحديث يعتبر ضرورة وحياة وشرطا ً أساسيا ً لالستمرار والتقدم. وعلى ذلك فإن استثمار الدول في البحث العلمي يقوي بنيانها ويزيد من نفوذها على المستوى الدولي» فأصبحت قوة الدولة تقاس بمدى قدرتها العلمية ومدى مهارتها في مواجهة تحديات العصر. ولقد يسر العلم والبحث العلمي لدول صغيرة في المساحة والسكان أسباب القوة والتقدم والرفعة والنفوذ. وإلى جانب تكوين المعرفة؛ كغاية تبدو أهمية البحث العلمي في عدة أمور: .1تنمية روح االستنتاج العقلي» وحضور البديهة؛ وإذكاء روح البحث واالبتكار واإلبداع لدى الباحثين.فالتقليد أو الجمود هو في أساسه تحنيط للعلم» وال خير في أبحاث تنفصل عن مجتمعهاء فالبحث العلمي سواء تعلق بالعلوم الطبيعية أم بالعلوم اإلنسانية» يجب أن يهتم بمشاكل المجتمع وإيجاد حلول مناسبة لهاء بعد دراستها دراسة مستفيضة تشمل جميع أبعادها. .2تكوين الشخصية العلمية القادرة على التفكير المستقل» والنقد الحر والمنطق السليم والمنظم. .3رفع الكفاءة على حسن التعبير عن الفكر الذاتي وأفكار الغير» بأسلوب علمي دقيق وواضح. .4اكتشاف الظواهر الطبيعية» ومحاولة فهمهاء ومعرفة أسبابهاء والسيطرة عليهاء والتحكم في بعض العوامل األساسية التي تسبب ظاهرة أو حدثا ً معيناء وكذلك إمكانية التنبؤ بحدوث تلك الظواهر. هذا فضالً عن المردود الذي تحققه البحوث العلمية في الميادين العلمية واالقتصادية واالجتماعية المبحث الثاني :أنواع البحث العلمي تتعدد أنواع البحوث العلمية بتعدد الزوايا التي يمكن النظر إليها منهاء ويمكن تقسيم البحوث بحسب طابعهاء ومجالهاء ومستواها التأهيلي.وعلى ذلك ,سنقوم بدراسة هذا المبحث من خالل تقسيمه إلى ثالثة مطالب كما يلي: المطلب االول :تقسيم البحوث العلمية من حيث الطابع العام تنقسم البحوث العلمية من حيث طابعها العام» إلى نوعين: .1البحث العلمي النظري :وهو الذي يتفق مفهومه مع مفهوم البحث العلمي عموماً.فإذا كان هذا األخير يعني الدراسة الفكرية الواعية والمنظمة لظاهرة أو مسألة معينة بقصد الوصول إلى معرفة محددة حولهاء فإن البحث العلمي النظري هو ذلك الذي يرمي إلى الوصول إلى المعرفة من أج ل المعرفة فقط.فغرض الباحث هو اإلحاطة بالحقيقة العلمية» وتحصيلهاء دون اهتمام بالتطبيقات العملية لها. وتجد هذه األبحاث مجالها في ميدان العلوم اإلنسانية المختلفة :كالفلسفة والمنطقء والتاريخ» وعلم االجتماع؛ واللغويات واألدب» وعلوم الدين» والقانون. غير أن الطابع النظري للبحث العلميء ال يجرده من كل قيمة؛ بل يستمد قيمته من المعرفة التي تم كشفها أو تحديد معالمهاء فذلك يشكل بحد ذاته إضافة جديدة إلى التراث اإلنساني.كما تكمن قيمة البحث النظري في إثارة مشكلة من مشكالت العلم وعرضها عرضا ً جيداً» والكشف عن أص ولهاء ووصف الظروف الخاصة بهاء بقصد تشخيص أوضاعهاء وتقرير ما ينبغي أن تكون عليه. .2البحث العلمي التطبيقي العملي :وال يقتصر هدفه على الوصول إلى المعرفة أو الحقيقة العلمية فقط» بل يتجاوز ذلك إلى تطبيق تلك المعرفة.وتبدو أهمية البحوث العلمية التطبيقية في تطوير الصناعات المختلفة وزيادة اإلنتاج وتحسين نوعيته» في كافة المجاالت. المطلب الثاني :تقسيم البحوث العلمية من حيث المجال أو الحقل العلمي تتنوع البحوث العلمية حسب مجال المعرفة العلمية التي تجري في نطاق تلك البحوث ،ويمكن أن نميز بين عدة أنواع: .1البحوث القانونية :وهي تلك التي تنصب على إحدى المشكالت القانونية في مختلف فروع القانون ،بقصد الوصول إلى تصور حل مقبول ومالئم لها كالبحوث التي تدور حول :المسؤولية المدنية والجنائية لألطباء والجراحين ،وقف تنفيذ القرارات اإلدارية ،الحماية القانونية لبرامج الحاسب اآللي ،تنازع القوانين في مجال نقل التكنولوجيا ،الحماية الجنائية للبيئة... .2البحوث األدبية :وهي التي تتناول موضوعات الشعر ،واألدب ،والقصة والرواية ،والنحو والصرف ،والبالغة ،والمذاهب األدبية الكبرى ،كالمذهب الكالسيكي ،أو الرومانسي ،أو الرمزي في الشعر. .3البحوث التربوية والنفسية :وهي التي تنصب على سلوك الكائن الحي ،بقصد تفسيره ،والتنبؤ بحدوثه في ظروف معينة، وكيفية تطبيق قواعد علم النفس على مختلف المجاالت ،كعلم النفس التربوي ،واالجتماعي ،واإلعالمي ،والبيئي. .4بحوث البيولوجيا :وهي البحوث التي يكون موضوعها الحياة ،المتمثلة في الخاليا ،وفي األجهزة التي يتكون منها الكائن الحي ،وتتركز تلك البحوث حول مشكالت علمية أساسية هي :علم األجنة ،علم الوراثة ،علم الطب. المطلب الثالث :تقسيم البحوث العلمية من حيث الغاية التأهيلية واألكاديمية نذكر أنواع البحوث التالية: .1البحوث التدريبية أو الصفية :وهي البحوث التي تعد أثناء الدراسة في الجامعات أو المعاهد العليا ،وهي بحوث قصيرة يطلبها األستاذ في أحد المواد لتشجيع الطالب على االستزادة من منابع العلم بطريقة منهجية.فليس المقصود من هذه البحوث أن يصل الباحث إلى أفكار مبتكرة أو إضافة للعلم ،بقدر ما يكون المقصود هو السيطرة على المعرفة المسجلة في موضوع معين. إن الهدف هنا هو أن يتعود الطالب على التعمق في الدراسة ،في موضوع محدد ،لكي ال يكون سطحيا ً في تفكيره. هذا ويكلف الطالب بإعداد البحث التدريبي لتحقيق األغراض األساسية التالية: oتعويد الطالب على التفكير والنقد الحر. oتدريب الطالب على حسن التعبير عن أفكاره وأفكار اآلخرين بطريقة منتظمة واضحة وصحيحة. oإظهار كفاءة الطالب في مجاالت وموضوعات ،لم يتناولها األستاذ في المادة الدراسية بتوسع وتغطية شاملة. oالتعرف على كيفية استخدام المكتبة ،سواء من ناحية التصنيف أو الفهارس أو المراجع ومصادر المعلومات العامة أو المتخصصة. oاإلفادة من جميع مصادر المعلومات بالمكتبة ،أو خارجها ،في تجميع المواد المتعلقة بموضوع معين واكتشاف حقائق إضافية عنه. oتنمية قدرات الطالب ومهاراته في اختيار الحقائق واألفكار المتعلقة بصفة مباشرة بموضوع معين ،وذلك من بين المواد المكتبية المتوفرة. oتنظيم المواد المجمعة وتوثيقها ،وحسن صياغتها ،ثم تقديمها بلغة سليمة وبطريقة منطقية واضحة. oتدريب الطالب على أصول التعامل مع األستاذ المشرف. وكلما نمت لدى الطالب هذه الخبرات والمهارات ،أثناء دراسته الجامعية ،كلما زادت فرص إسهام الطالب اإليجابية ،في مجتمعه ،بعد التخرج واستطاع أن يواصل دراسته العليا إذا أراد بغير عناء كبير. إن البحث التدريبي قد يكون عشر صفحات وقد يتعداه إلى أربعين صفحة مثالً ،ولكنه يمثل بداية منطقية للتدريب على إعداد رسالة الماجستير. وتنص اللوائح الداخلية للكليات النظرية ،ال سيما كليات اآلداب ،والتربية ،على ضرورة قيام الطالب بها ،بإعداد البحوث التدريبية.ويمكن اعتماد درجة هذه البحوث في (أعمال السنة). وتقرر هذه البحوث بالنسبة لطلبة الدراسات العليا في كليات الحقوق المصرية ،كمقرر دراسي هو (حلقة البحث) ،وهو من المقررات المطلوبة للحصول على دبلوم الدراسات العليا.وفي هذه الحالة يختلف هذا البحث عن نوع آخر من البحوث وهو بحث الماجستير. .2بحث الماجستير :الماجستير درجة علمية تمنحها الجامعات في إطار التنظيم الذي يضعه قانون الجامعات في كل دولة. وتمنح درجة الماجستير لمن سبق له الحصول على درجة اإلجازة في أي فرع من فروع الدراسات النظرية أو التطبيقية، بعد تحقيقه لشروط معينة نص عليها القانون. ولما كانت درجة الماجستير ال تمنح إال بعد قيام الطالب بدراسات في مقررات علمية تخصصية وعالية المستوى؛ فإن بحث الماجستير ،ال سيما في الدراسات النظرية واألدبية ،يكون بحثا ً تخصصيا ً معمقاً ،ال بد فيه ،وعلى العكس من البحث التدريبي الصفي ،من إتباع األصول العلمية ا لمعروفة في إعداد البحوث ،بقصد تحقيق إضافة ومعرفة علمية جديدة ،من خالل استعمال مناهج البحث العلمي ،واستعمال التفكير المنطقي التأملي ،والتعمق في فهم الظواهر واألحداث. وليس المهم في بحث الماجستير جمع الكثير من المعلومات والبيانات ،بل المهم هو كيفية فهمها وعرضها ونقدها وتحليلها ومناقشتها ،من خالل فكر الباحث وإبداعه العقلي ،ومن عرضه وتدوينه لما أتى به من إضافات إلى المعرفة العلمية ،بحيث تعكس شخصية الباحث ودوره اإليجابي في التوصل إلى النتائج ومعاملتها وفهمها ومن ثم التحكم في الظواهر وتفسيرها. .3بحث الدكتوراه :تأتي الدكتوراه في قمة الدرجات التي تمنح عن البحوث العلمية.وكما تنص العديد من قوانين تنظيم الجامعات ،فإن الدكتوراه تقوم أساسا ً على البحث واإلبداع ،واألعمال اإلنشائية البارزة ،وإضافة الجديد إلى المعارف والعلوم؛ إذ المفروض أن يبدأ الباحث فيها من حيث انتهى غيره ،ليسير بالعلم خطوة أخرى نحو األمام. وعلى خالف بحث الماجستير ،فإن بحث الدكتوراه يكون أكثر عمقا ً وأصالة ،وأكبر داللة على سعة اطالع الباحث ،ومقدرته على استخدام المناهج العلمية في البحث. إن قيمة بحث الدكتوراه تقاس بعدة أمور منها :مقدار ما يضيفه إلى المعرفة العلمية واإلنسانية ،ومنها مقدار ما يحققه من تأهيل وتكوين الشخصية العلمية الجادة للباحث على نحو يجعله يخرج أعماالً علمية رفيعة دون أن يحتاج إلى من يشرف عليه أو يوجهه.ومنها الوثوق به كباحث متخصص يتحمل مسؤولية المساهمة في النهضة العلمية لمجتمعه في ميدان عمله. فباحث الدكتوراه ال بد أن يتمتع بالفكر الخالق المبدع ،والصبر على صعوبات البحث وعقباته ،كي يستطيع أن يدافع عن نظريته الجديدة أو اعتقاده الذي توصل إليه. ويمكن أن نجزم هنا أن رسالة الدكتوراه الناجحة يجب أن ترتكز على مجموعة من الدعائم هي: القراءة الواسعة ،بحيث يلم الباحث بجميع ما كتب عن موضوعه من بحوث مهمة ،وال شك أن موقفه سيكون حرجا ً لو واجهه الممتحنون بمعلومات فاتته كان من الواجب أن يطلع عليها ،بحيث لو أنه اطلع عليها لغيرت مجرى بحثه أو ألضافت إليه إضافات جديدة أو قادته إلى نتائج أخرى. الدقة التامة في فهم آراء الغير ،وفي نقل عباراته ،فكثيراً ما يقع الباحث في أخطاء جسيمة بسبب سوء الفهم أو الخطأ في النقل. عدم األخذ بآراء اآلخرين على أنها حقائق مسلَّم بها ،فكثير من اآلراء بني على أساس غير سليم ،وميزان النقد والتحليل والتمحيص هو الكفيل ببيان الصحيح منها ،ولهذا يجب على الباحث أال يقر رأيا ً إال بعد دراسته والتأكد من صحته. أن تكون أقوال الباحث مؤيدة بالحجج والبراهين ،وأسلوبه قوي التأثير ،بحيث تجذب الرسالة ذهن القارئ بما فيها من مادة مفيدة مرتبة ،كتبت بأسلوب طلي بحيث يظل القارئ منجذبا ً لها متعلقا ً بها طيلة قراءته لها ،لوضوحها وتسلسلها وبعدها عن التداخل واالضطراب واإلبهام. ً أنواع أخرى من الكتابات البحثية :فضال عن أنواع البحوث السالف ذكرها ،فإن هناك بعض الكتابات واألعمال التي تتخذ من مناهج البحث العلمي أساسا ً في إنجازها ،مما يقربها من البحوث العلمية ،وإن لم تكن بذاتها بحوثا ً بالمعنى الفني.من ذلك: التقارير :وهي عبارة عن تجميع وعرض لمعلومات وبيانات أو وقائع معينة ،أو مناقشات أعمال مؤتمر علمي أو دبلوماسي ،وإيضاح للتوصيات ،وليس هناك ما يمنع من إتباع بعض أصول البحث العلمي في إعداد تلك التقارير ،من ناحية التمهيد لها بمقدمة ،وتحديد هدف إلعداد التقرير ،وترتيب توصيات المؤتمر أو الندوة ،وتذييله بخاتمة.ومع ذلك ال يمكن أن نطلق عليه بحث علمي حقيقي ،نظراً لتخلف األصالة واالستقالل في مادته ،وانعدام المجهود الفكري لمعد التقرير في اختيار موضوع التقرير ،ودراسته ،واقتراح الحلول لمشكلته. المقاالت :األصل في المقالة ،سواء نشرت في دورية أو مجلة علمية ،أو جريدة يومية ،أنها تقتصر على عرض معلومات علمية في مجال معرفي معين ،دون التزام كاتبها بتقديم جديد في موضوعها.كما أنه غير ملتزم بأصول وأساسيات البحث العلمي من حيث التخطيط للبحث ،وتقسيمه ،وتوثيقه ،وعرض التوصيات والمقترحات. غير أنه غالبا ً ما تجيء المقاالت ،ال سيما التي تتناول موضوعات علمية وأكاديمية ،ويكون كاتبها أو مؤلفها من األكاديميين المتخصصين ،في هيئة بحث قصير أو موجز ،يعنى فيه بإتباع منهج البحث العلمي ،وأصوله فيتناول عرض مشكلة محددة جديدة ،تشغل اهتماما ً عاماً ،ويقترح فيها معدها حلوالً تتميز باألصالة واالستقالل ،وتعد إضافة وإثراء للمعارف والعلوم المبحث الثالث :مناهج البحث العلمي يرجع األصل اللغوي لكلمة "منهج" إلى الفعل "نهج" وينتهج نهجاً ،ونهج الطريق ،أي بيّنه وسلكه.ونهج نهج فالن ،سلك مسلكه، والمنهاج الطريق الواضح والخطة المرسومة. وفي االصطالح ،يعرف المنهج بأنه "الطريق المنظم الذي يسلكه العقل والتفكير اإلنساني في دراسته مشكلة أو موضوعاً ،في مجاالت العلوم عموماً ،بقصد الوصول إلى الهدف المرسوم ،سواء تمثل في التعرف على المبادئ والقواعد التي تحكم الظواهر والقضايا العامة ،أو في إيجاد حل لما تفرزه تلك األخيرة من مشكالت". وهناك منهجان أصليان للبحث في مختلف العلوم ،هما المنهج االستقرائي والمنهج االستنباطي ،ويحتاجان أحيانا ً إلى منهجين تكميليين، هما المنهج التاريخي والمنهج المقارن.وعلى ذلك ،سنقوم بدراسة هذا المبحث من خالل تقسيمه إلى المطالب التالية: المطلب األول :المنهج االستقرائي يهتم هذا المنهج باستقراء األجزاء ليستدل منها على حقائق تعم على الكل ،باعتبار أن ما يسري على الجزء يسري على الكل.فجوهر المنهج االستقرائي هو االنتقال من الجزئيات إلى الكليات أو من الخاص إلى العام. واالستقراء هو الطريق نحو تكوين المفاهيم والوصول إلى التعميمات ،عن طريق المالحظة ودراسة الفروض والبراهين وإيجاد األدلة. والمنهج االستقرائي معروف بهذا االسم في مجال العلوم الطبيعية ،وبعض العلوم االجتماعية كعلم االقتصاد وعلم االجتماع.وفي مجال العلوم القانونية ،يعبر عن المنهج االستقرائي عادة بالمنهج التأصيلي.ولعل أهم مجاالته ما يتعلق باستقراء اتجاهات العلماء والمفكرين االجتماعيين في موضوع معين لبيان القاعدة التي تحكم الموضوع. كل هذا على عكس المنهج االستنباطي الذي نعرضه في المطلب الثاني. المطلب الثاني :المنهج االستنباطي المنهج االستنباطي عكس المنهج االستقرائي ،فالباحث وفقا ً لهذا المنهج يبدأ من الحقائق الكلية إلى الحقائق الجزئية ،واالستنباط هو الطريق لتفسير القواعد العامة والكلية وينتهي منها إلى استخالص النتائج التي يمكن تطبيقها على الحاالت النظيرة. والمنهج االستنباطي معروف في الدراسات االجتماعية بالمنهج التحليلي ،وفي هذا المنهج يلتزم الباحث بإجراء دراسة تحليلية متعمقة لكل جزئية من جزئيات البحث ،فال يكتفي بعرض ما هو كائن ،بل يتوجب عليه أن يتناول كل جزئية بالتحليل ،وهذا يستلزم أن يطرح الباحث وجهة نظره الذاتية حين قيامه بإجراء التحليل الالزم.ويشترط في الباحث حين اتباعه للمنهج التحليلي أن تتوافر فيه الصفات التالية: .1أن يكون مدققا ً بمعنى أال يهدر كلمة صغيرة أو كبيرة في الفكرة أو النص الذي يخضعه للدراسة التحليلية ،وهذا يستلزم من الباحث القراءة بعناية ،وتمحيص اآلراء واألفكار بتجرد وموضوعية. .2أن يكون مبدعاً ،بمعنى أن الباحث حين تناوله لظاهرة ما بالتحليل ،يفترض فيه أال يكون تقليديا ً يقف عند المعاني الظاهرة، بل يجب فيه أن يصل إلى المعاني غير الظاهرة ،فيحاول أن يقرأ "ما بين السطور" كي يكون بحثه إبداعياً. مالحظة مهمة: إن التمييز بين المنهجين االستقرائي أو التأصيلي ،والمنهج االستنباطي أو التحليلي ،ال يعني القطيعة بينهما. فمن ناحية ،يالحظ أن هذا التمييز تمليه طبيعة األشياء ،ذلك أن المنهج التأصيلي سابق على المنهج التحليلي ،وهذا األخير يبدأ عادة من حيث ينتهي األول.فعندما توجد القواعد الكلية العامة يثور التساؤل حول إعمالها على الجزئيات والمسائل التي تدخل في مجال سريانها. ومن ناحية أخرى ،فإنه ليس هناك ما يمنع من استخدام المنهجين معا ً في ذات البحث العلمي ،باعتبار أنه إذا كان المنهج التأصيلي هو الطريق نحو تكوين المفاهيم العامة والقواعد الكلية ،فإن المنهج التحليلي هو الطريق األساسي إلى تطبيقها واختبار مدى فعاليتها. وإذا كان المنهجان االستقرائي واالستنباطي يمثالن األساس للبحث في العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،غير أنه غالبا ً ما يحتاج الباحث إلى مناهج أخرى تكميلية تعنى بأبعاد دراسية مختلفة وتساعد الباحث على إتمام بحثه.وهذه المناهج أكثر تطبيقا ً في نطاق العلوم اإلنسانية و االجتماعية وهي :المنهج التاريخي ،والمنهج المقارن ،وسنقوم بدراستهما في مطلبين. المطلب الثالث :المنهج التاريخي ما من شك في أهمية المنهج التاريخي في إطار الدراسات االجتماعية وغيرها من الدراسات والعلوم اإلنسانية.ويستمد هذا المنهج أهميته من أهمية علم التاريخ نفسه ،فالتاريخ سلسلة متصلة الحلقات ،كما أن تاريخ اإلنسانية يصل ماضيها بحاضرها ومستقبلها.فضالً عن أن مالحظة الماضي تساعد على فهم الحاضر ،واستشراف آفاق المستقبل. والمنهج التاريخي قد يكون دراسة وصفية لنظام اجتماعي معين ،كدراسة النظام العائلي في مصر الفرعونية مثالً ،وفي هذا النطاق ال تخرج الدراسة عن اإلحاطة بالنظام العائلي في فترة من فترات التاريخ. وقد يكون المنهج التاريخي تحليلياً ،ال يقتصر الباحث فيه على وصف الظواهر والنظم ،وتعداد خصائصها ،والعوامل المؤثرة فيها ،بل يمتد إلى النظر والتحقيق والتعليل الدقيق للظواهر والنظم ،تمهيداً لدراسة األوضاع والنظم المعاصرة.فالفهم الكامل لهذه األوضاع والنظم وما تؤديه من وظائف في الوقت الحاضر ال يتحقق إال بعد معرفة نشأتها وتطورها. والنظر إلى نظام معين بمعزل عن تاريخه ،يماثل تماما ً عزل هذا النظام عن بقية النظم األخرى التي يرتبط معها. ويرى البعض أنه حين تبني المنهج التاريخي في البحث ،يجب مراعاة عدة أمور أهمها: .1أن تكون الظاهرة محل البحث ممتدة زمنياً ،أي نجدها في الماضي والحاضر والمستقبل ،كظاهرة انحراف األحداث مثالً. .2يجب أن تكون هناك أهمية عملية من جراء الدراسة ذات المنهج التاريخي ،ألن دراسة األصول التاريخية لموضوع معين يساعد على فهمه بشكل علمي صحيح ،وبالتالي وضع الحلول المالئمة للمشاكل المتمخضة عنه. .3يجب أن تتوافر المصادر الالزمة إلجراء الدراسة من خالل هذا المنهج ،وأهمها الوثائق التي يجب التأكد من صحة ما تحويه من معلومات وبيانات. وهكذا يساعد المنهج التاريخي ،إلى جانب المنهج التأصيلي أو التحليلي ،على فهم مشكلة تغير القانون وثباته ،والتدليل على أن كثيراً من القواعد والنظم االجتماعية ،تظهر في الوقت الذي تفقد فيه غيرها من القواعد القانونية القائمة ،تأثيرها وفعاليتها. المطلب الرابع :المنهج المقارن يمثل المنهج المقارن في الدراسات االجتماعية أهمية كبيرة ،إذ عن طريقه يطلع الباحث على التجارب البحثية للدول األخرى، ومقارنتها بالنظم االجتماعية الوطنية وبيان ما بينهما من أوجه اتفاق أو اختالف.والموازنة بين هذا وذاك ،للتوصل إلى نتائج محددة تكون قابلة للتحقيق. وإعمال المنهج المقارن قد يكون على المستوى األفقي أو على المستوى الرأسي. فعلى المستوى األفقي :يمكن إجراء المقارنة بين نظامين اجتماعيين أو أكثر بصدد تنظيم مسألة معينة ،ومن الناحية المنهجية تتمثل المقارنة األفقية في قيام الباحث بتناول المسألة التي يبحثها في كل نظام على حدة ،فإذا انتهى منه ،تناولها في النظام المقارن الثاني ،أو الثالث... فعلى سبيل المثال ،إذا قام الباحث بالتصدي لبحث مقارن في أساليب اختيار رئيس الدولة في النظام الدستوري المصري وفي النظام الدستوري األمريكي ،ففي هذا المثال تظهر المقارنة األفقية عندما يذكر الباحث في القسم األول ،أساليب اختيار رئيس الدولة في النظام الدستوري الم صري ،وفي القسم الثاني ،يبحث هذه األساليب في النظام الدستوري األمريكي ،فيوضح الموقف في كل نظام على حدة، مظهراً أوجه االتفاق أو االختالف بينهما. أما على المستوى الرأسي :فإن األمر يختلف ،حيث يلتزم الباحث بإجراء المنهج المقارن في كل جزئية من جزئيات المسألة التي يعرض لها في مختلف األنظمة في آن واحد ،وال يعرض لموقف كل نظام اجتماعي على حدة. فإذا أخذنا المثال السابق ،فإن المنهج المقارن على المستوى الرأسي يعني دراسة كل جزئية تتعلق بخطة البحث في النظامين محل المقارنة ،النظام الدستوري المصري والنظام الدستوري األمريكي. فمثالً عند الحديث عمن يختار رئيس الدولة (تكوين هيئة الناخبين) يجب بحث األمر في النظامين معاً ،وفي موضع واحد مبينا ً أوجه االتفاق واالختالف بين النظامين.وكذلك عند الحديث عن طريقة اختيار رئيس الدولة ،أو عزله من منصبه ،فيجب دراسة الموضوع في النظامين في آن واحد. وغير خاف أن منهج المقارنة الرأسية أفضل كثيراً وأدق من مثيله على المستوى األفقي ،ومرد ذلك: أن المقارنة األفقية تؤدي إلى تكرار األفكار وتشتيتها ،فما يقال هنا يعاد هناك ،فضالً عن أن األمر في نهايته ال يخرج عن كونه دراستين منفصلتين لموضوع واحد في نظامين مختلفين ،فكأن الباحث درس في المثال السابق ،اختيار رئيس الدولة مرة في النظام الدستوري المصري ومرة أخرى في النظام الدستوري األمريكي. أما المقارنة الرأسية فهي تؤدي إلى حسن إدراك أوجه االتفاق واالختالف في األنظمة المقارنة ،فضالً عن منع تكرار األفكار ،وهو ما يؤدي في نهاية األمر أن يكون البحث عظيم الفائدة للقارئ والباحث. ومهما يكن من أمر ،فإن المنهج المقارن عموما ً في مجال الدراسات االجتماعية ،يساعد على تصور االقتراحات حول إصالح وتعديل التشريعات القائمة ،أو حول توحيد النظم االجتماعية بين عدة دول. كما يجب أن يختار الباحث عدداً محدداً من النظم المقارنة حتى تأتي المقارنة دقيقة وفعالة ،وأن تكون المراجع المتعلقة بموضوع المقارنة متوافرة لدى الباحث ،بشكل يمكنه من إجراء الدراسة المقارنة ،ويستحسن أن يكون النموذج المقارن المختار أكثر تقدما ً من النظام األصلي وذلك لتعظيم الفائدة من الدراسة المقارنة المبحث األول :النطاق الشخصي يقصد بالنطاق الشخصي ،األشخاص الذين يتصلون بصورة مباشرة بعملية صناعة البحث العلمي ،وهم في البحث العلمي األكاديمي: الباحث والمشرف على البحث.وهما جناحان متكامالن يتكاتفان معا ً إلخراج البحث العلمي بصورة الئقة ومقبولة.وسوف نتناول في هذا المبحث هذين الشخصين مع بيان الشروط التي ينبغي توفرها فيهما. المطلب األول :الباحث البحث عملية شاقة تحتاج لجهد وتفكير وتقصي ودراسة عميقة ،وتقع على عاتق الباحث نفسه.فهو الذي يتحسس المشكلة التي تصلح موضوعا ً لبحثه ،ويعايشها ،ويبين حدودها ،وأفضل المناهج للسير في تحليلها ومعالجتها. والبحث العلمي بهذا المعنى على ما يرى البعض هو "موهبة تمنح لبعض الناس وال تمنح لآلخرين ،فالبحث خلق وإبداع ،وتلك قدرة خاصة تبرز أو تتألق لدى بعض األفراد ،وتتضاءل أو تنعدم عند آخرين". فالموهبة أمر هام في شخصية الباحث؛ وليس كل إنسان بقادر على التصدي للبحث العلمي.فالقدرة على خوض غمار البحث العلمي، صفة تمنح لبعض الناس وال تمنح لجميعهم ،فهناك من لديه الشوق للبحث عن الحقيقة ،وهناك من كان بطبعه يرغب في ارتياد المكتبات وقراءة الكتب قراءة واعي ة مركزة تؤدي إلى التفكير والبحث ،وهناك من أوتي المقدرة على تحليل ما يقرأ أو نقده واالستنتاج منه بدقة ووضوح وسالمة تفكير. ويجب أن نالحظ أن ليس كل من ارتاد المكتبة وقرأ يمكن أن يكون باحثاً..وال يكفي الباحث أن يطلع على المادة التي يريد الكتابة حولها ،بل ال يكفي جمعها وترتيبها ليستطيع بعدئ ٍذ أن يكتب رسالة قيمة.بل ال بد من توافر الموهبة للبحث والقدرة عليه ،فجمع المادة شيء وتفسي رها وتحليلها وإظهار مراميها شيء آخر ،وهذا هو األمر الصعب والمهم في كتابة الرسائل وإعدادها. لذلك كان على الباحث قبل كل شيء ،أن يكون صاحب موهبة تتجلى في قدرته على االستقالل في فهم الحقائق ونقدها وتفسيرها ،حتى يكون على المستوى المطلوب للمنهج العلمي الذي تتصف به كتابة الرسائل. وعموما ً يمكن القول ،أن هناك مجموعة من الصفات يجب أن يتمتع بها الباحث ،من أهمها: .1اإليمان بقيمة البحث العلمي :إن كل باحث يجب أن يكون مؤمنا ً بقيمة البحث العلمي ،وأن يكون مقتنعا ً بضرورة المساهمة في تكوين المعرفة التي هي نتاج الفكر اإلنساني ،وكل باحث يبدأ من المعرفة التي توصل إليها غيره ،ثم يزيد عليها ،أو يعدلها ،أو يطورها.وإذا كان إيمان المجتمع بدور البحث العلمي ضرورة أساسية ،فإن هذا اإليمان ال بد أن يتوافر أيضا ً لألفراد الذين يقومون بالبحث العلمي ،ألن اإليمان بدور البحث العلمي وقيمته وقدرته على تطوير المجتمع من كافة النواحي ،أمر الزم لنجاح البحوث العلمية. .2االستعداد الذاتي للدراسة العليا والبحث العلمي :ليس كل من يرغب بالدراسة العليا يتمكن من اجتياز متطلباتها على نحو عادي أو بتفوق ،وإنما االستعداد الشخصي لهذا النمط من الدراسة ،يتطلب توافر ركنين أساسيين هما :القدرة العلمية، والرغبة النفسية ،والركن األول أهم من الثاني ،إذ ال جدوى من رغبة ذاتية دون مكنة عقلية.وفيما يلي بيان ذلك: oالقدرة العلمية :يستدل على القدرة العلمية للطالب من عالمات نجاحه في المواد الدراسية ومعدل تخرجه بالليسانس.وهذا معيار شكلي يعطي انطباعا ً أوليا ً حول تفوق الطالب من عدمه.ولكن هذا الحكم ليس ثابتا ً أو مطلقاً ،إذ أن العالمات ليست هي المعيار األوحد للحكم على النضوج العقلي للطالب ،ولكنها المعيار الشائع والمألوف.بيد أن مبادئ العدالة واإلنصاف تقتضي أن يحكم المرء على نفسه ،فإذا تحقق من وجود كفاءة عقلية لديه تتمثل في القدرة على التأمل والتحليل والنقد والتفسير والمقارنة ،فإن لديه قدرة علمية على البحث العلمي والدراسة العليا. oالرغبة النفسية :يتعين أن تكون رغبة الطالب حقيقية وصادقة ،وليست نزوة نفسية عابرة ،فالدراسة العليا مرحلة علمية شاقة تستلزم الجهد والمثابرة ،وأخذ األمور بجدية كافية وتحمل كل األعباء الناجمة عنها ،كالخسارة المادية ،والعزوف عن النشاط األسري واالجتماعي ،واإلعراض عن متع الحياة ومباهجها ،إضافة لإلجهاد العقلي والنفسي والعصبي...كل ذلك أمور ال مفر منها في مراحل إعداد الرسالة أو البحث العلمي. .3سعة المعرفة والصبر في طلب العلم :يجب أن يتوفر للباحث قدر كاف من الثقافة ،واإللمام بكل ما كتب وأجري من بحوث حول موضوع بحثه.فعليه القيام بالقراءات الالزمة للتعمق في فهم فروض المشكلة ،والحرص على االطالع الواسع على الكتب والمراجع األصلية ،القديمة والحديثة ،وعدم االقتصار فقط على الكتب والمصادر التي تتصل مباشرة بالمشكلة موضوع بحثه. إن طريق البحث العلمي شاق وطويل ،لذلك يجب على الباحث التحلي بفضيلة الصبر واألناة ،وتحمل المشاق في تحصيل المعارف والعلوم.فإذا كان باحثا ً في العلوم القانونية ،فيجب عليه أن يتناول بالقراءة أحدث المصادر والمراجع المتعلقة ببحثه ،وعنصر الحداثة يكون بالنسبة ليوم مناقشة رسالته أو بحثه ،فقد يستغرق إعداد البحث عدة سنوات ،والمصدر الحديث عند إعداد البحث يكون قديما ً في يوم مناقشة الرسالة. فمثالً وبعد أن يجمع الباحث القانوني المصادر والمراجع العربية واألجنبية المتعلقة بموضوع بحثه ،تبرز أمامه مسألة ترجمة النصوص التشريعية والفقهية والقضائية المكتوبة بلغة أجنبية ،وصوالً إلى استيعاب سائر جوانب الموضوع.وال توجد مشكلة إزاء الباحث المتقن للغة أجنب ية ،جمع في نطاقها مصادره ومراجعه األجنبية ،إنما المشكلة تثور في حالة الباحث الذي يجهل لغة أجنبية أو يعرف بعض جوانبها معرفة بسيطة ،ال تسعفه في ترجمة بعض النصوص ترجمة دقيقة وأمينة. والحل العلمي لهذه المشكلة يتجلى في اتباع الباحث لدورات مكثفة في اللغة األجنبية تتراوح من ستة أشهر إلى سنة ،يستطيع الباحث بعدها أن يعتمد على نفسه في استخدام القواميس لغرض ترجمة النصوص األجنبية ،بما يشكل إثرا ًء للبحث ،ألن االقتصار في البحث على ما كتب بلغة الباحث ،يجعل العمل محدود القيمة ،محلي التأثير. إضافة إلى ذلك ،فإن الباحث القانوني يجب أن يكون مل ّما ً بمبادئ وأحكام علوم أخرى :كعلم أصول الفقه ،الذي يقود إلى كيفية استنباط األحكام ،وإعمال القواعد الفقهية العامة ،ومعرفة أنواع األحكام.وكعلم االجتماع ،للتعرف على مدى فعالية القاعدة القانونية في محيطها القانوني ،أي العلم بمبادئ علم االجتماع القانوني.وكعلم النفس بفروعه المختلفة (االجتماعي ،الجنائي ،البيئي ،التربوي)... واالستفادة منه في د راسة المشكالت القانونية واقتراح الحلول المالئمة لها.وكعلم النحو والصرف ،وعلوم اللغة والبيان ،كي يكون أسلوبه رصينا ً جزالً خاليا ً من األخطاء النحوية واإلمالئية. القصد إلى هدف محدد واألصالة في تحقيقه :فالباحث الجاد ال يبتدئ عمله إال وقد حدد لنفسه هدفا معينا ،قد يتمثل في رغبة الباحث ً ً في الوصول إلى نظرية علمية جديدة ،أو تطبيق جديد لمعرفة قائمة بالفعل ،كل ذلك حسب طبيعة الحقل العلمي الذي ينتمي إليه الباحث :القانون ،األدب ،السياسة ،االقتصاد ،االجتماع. ويلزم أن يكون الباحث أصيالً في انتهاج أسلوب تحقيق هدفه.وكل باحث يجب أن يعتد بمقدرته على استقاللية التفكير ،ال أن يكون الباحث مجرد ناقل ألفكار الغير ،أي أن البحث األصيل يجب أن يكون أكثر من مجرد اقتطاع بعض أفكار اآلخرين. ومن سمات األصالة أن يكون الباحث حاضراً في كل موضع من مواضع بحثه ،فعليه أن يدلي برأيه في كل مسألة يتناولها ،يناقش النظريات واآلراء ،ويحللها وينقدها ،معبراً عن شخصيته ،وسيطرته على مادة بحثه. التزام الموضوعية والتجرد في البحث :وذلك بالتخلص من األفكار المسبقة ،وعدم التأثر بالمواقف واألفكار والمشاعر الشخصية، ومن هنا جاءت الموضوعية ضداً للذاتية أو الشخصية.فعلى الباحث أن يتناول فروض المسألة ،ويتناول اآلراء والمواقف ،بذهن متجرد ومنطق علمي محايد ،فليس في البحث العلمي صديق أو عدو ،قدر ما فيه حق وحقيقة ،ينبغي القصد إليهما. كما أنه ال يجوز للباحث أن يطوع بحثه إلخراج نتائج ترضي جهة معينة ،سياسية أو حزبية ،فهذا أمر يخرج عن نطاق البحث العلمي. كذلك على الباحث أن ينظر مليا ً في الجوانب الواقعية للمسألة المعروضة ،محاوالً فهم حقيقتها متفحصا ً إياها ،مقارنا ً بينها وبين المسائل القريبة.كل ذلك بعيداً عن السفسطة ،وعن طرح الفروض الجدلية التي ال فائدة منها. وعليه أال يقبل كل ما يقرأ دون تأمل ،ودون تقليب للمعارف على مختلف الوجوه ،ويجب أن يتثبت من صحة ما يقرأ ألنه يبغي وجه الحقيقة ،ويجب أن يقيم الدليل والحجة والبرهان على كل ما يقول أو يبتدع. األمانة العلمية :األمانة في البحث العلمي تعني إسناد الفكرة أو الرأي المدون إلى مصدره األصلي ،وهي صفة ال مناص من توافرها في كل باحث. والتأكيد على التزام األمانة العلمية في مجال الدراسات والبحوث االجتماعية واإلنسانية ،أوجب من أي مجال آخر ،حيث أن الباحث يبدأ من حيث انتهى اآلخرون ،وعليه أن يتقصى عن الخلفية العلمية للموضوع الذي يبحث فيه ،وقد يلجأ في سبيل تدعيم وتعزيز وجهة نظره إلى االستشهاد ببحوث اآلخرين وأفكارهم ذات الصلة ببحثه.وهنا يكون عليه الحذر عند االقتباس أو االستشهاد ،باإلشارة إلى المصدر الذي يرجع إليه. ومن مظاهر األمانة العلمية ،عودة الباحث إلى البحث األصلي أو الكتاب األول ،دون النقل من اآلخرين ،فقد يكون اآلخرون قد نقلوا معلومات غير صحيحة؛ وكذلك من مقتضيات األمانة العلمية ،الرجوع للمصادر الوحيدة التي ال تشاركها في ذلك مصادر أخرى، ومثال ذلك الدساتير والتش ريعات األخرى ،إذ يجب العودة لمصادرها المتمثلة بالجرائد الرسمية أو منشورات اإلعالم القانوني المتخصصة.فهذه المصادر ال يعتد بورودها في الكتب الفقهية أو العادية ،خشية أن يكون قد اعتراها التحريف والتبديل ،كذلك األمر في بعض المراجع القديمة المفقودة في المكتبات العامة ،فمن العيب اإلشارة الكاملة إليها وكأن الباحث قد رجع إليها. فعلى سبيل المثال ،بعض المراجع الفرنسية المؤلفة في القرن التاسع عشر ،ليس من المنطق إطالع الباحث العربي عليها بصفة أصلية ،إذ أنها مفقودة لدى معظم الفقهاء والشراح الفرنسيين المعاصرين ،وكل ما في األمر أن الباحث العربي قد عاد إلى رأي قديم في مؤلف متخصص ،ونسبه إلى فقيه معين. لذلك على الباحث عند اإلشارة إلى آراء واردة في مصادر مفقودة ،أن يورد بالهامش عبارة "مشار إليه لدى...أو مذكور لدى "...ثم يذكر اسم الباحث ومؤلفه الذي نقل منه هذا الرأي القديم. ومن صور عدم األمانة العلمية :السطو على بحوث الغير ونتائجها دون أية إشارة إليها ،ومن ذلك أيضا ً عدم التدقيق في فهم آراء الغير ،والتسرع في تأويلها وحملها على غير معناها الواضح من عباراتها بغية تعريضها للنقد أو الهجوم على غير ما تستحقه. فعلى الباحث األمين أال يشوه اآلراء واألفكار التي قال بها الغير وال تروقه أو ال تعجبه ،كما عليه أال يزيد أو يبالغ في إطراء تلك األفكار إن كان بها معجبا ً أو نصيراً. التحلي بروح التواضع العلمي :إن التواضع من شيم العلماء ،وعلى الباحث أن يوجه نشاطه بتواضع ودون إفراط في الثقة بالنفس، أو الزهو بقدراته ومهاراته. ومن آيات التواضع العلمي :البعد عن الغرور ،وعدم تحقير أي رأي آخر ،بل عليه أن يقابل آراء اآلخرين بمرونة ،مع الثقة بالنفس، فال يكثر من مديح آرائه ونتائج بحثه ،كأن يقول إنه أفضل اآلراء التي قيلت في المسألة وأقواها ،أو أن بحثه أو رسالته من أبرز البحوث أو الرسائل التي قدمت في هذا الميدان ،فهذا تقدير أو حكم يملكه الجمهور ،أو أهل االختصاص في حقل التخصص ،أو الممتحن بالنسبة للدارسين األكاديميين. وينصح الباحث أال يكثر من استعمال ضمير المتكلم ،وعلى هذا فال يقول( :أنا ،ونحن ،وأرى ،ونرى ،وقد انتهيت في هذا الموضوع إلى.)...كذلك يجب على الباحث التلطف في عباراته بحيث ال يشعر جمهور قرائه أنهم يجهلون تماما ً الموضوع محل بحثه؛ فال يقول مثالً (إن القارئ قد ال يدرك أن ،)...أو (إننا نعالج موضوعا ً بكراً تغافل عنه الباحثون )...وعليه أال يكثر من استعمال األساليب التالية: (ويرى الكاتب...؛ والمؤلف يجزم بأن )...أما العبارات التي يجب أن تغلب على األسلوب فهي مثل (ويبدو أنه ،...ويظهر مما سبق ذكره ،...ويتضح من ذلك.)... وإذا اضطر الباحث الستعمال ضمير المتكلم ،فيجب أن يكون ذلك بتواضع وأدب جم ،فالحديث عن النفس غير محبوب غالبا ً للقارئ والسامع ،وعلى الباحث أن يكون ماهراً في إبراز ما يريد بأسلوب سمح هادئ وأن يستعمل األساليب السالف ذكرها مثل :ويبدو أنه، ويتضح من ذلك. ويتعين على الباحث االعتراف بنسبية ما ينتهي إليه؛ وأنه على استعداد ألن ينزل عن رأيه أو يعدل عنه ،إذا قدمت األدلة والبراهين المخالفة. المطلب األول :اختيار موضوع البحث أوالً :مسؤولية اختيار الموضوع إن اختيار موضوع البحث هو أول وأهم خطوة في إعداده.ولذلك يؤكد البعض -ويحق " -إن االختيار الموفق لموضوع البحث هو نصف البحث" ،بحسبان أن تحديد أولويات المسائل والمشكالت الجديرة بالبحث من األمور الهامة التي تذلل الكثير من الصعوبات التي قد تواجه الباحث. بل ولعل من أسباب تعثر الكثير من الباحثين وفشلهم في إنجاز بحوثهم ،االختيار غير الموفق لموضوع البحث.فعلى عاتق من تقع مسؤولية اختيار موضوع البحث؟ األصل أن اختيار موضوع البحث هو من اختصاص الباحث ،وهذا هو األسلوب األمثل؛ باعتبار أن الباحث هو المتخصص في موضوعه ،والمعايش لفكرته ،وصاحب الميل والرغبة للخوض فيه. ويؤكد البعض أنه يجب أن يشعر الباحث تجاه موضوع بحثه ،بانفعال خاص ،نوع من الحب الزائد أو االهتمام الزائد حتى يكون ذلك دافعا ً له على االستمرار ،حتى في حالة مواجهة صعوبات في أثناء البحث ،ويتوصل الباحث إلى هذا االنفعال بالقراءة االنتقادية، والتفكير العميق ،وباإلصرار العلمي العنيد لمعرفة حقيقة األشياء ،وهو شرط سابق الختيار أي موضوع. ويحذر بعض العلماء من لجوء الباحث إلى المشرف ليختار له موضوع بحثه ،باعتبار أن ذلك يشكل خطراً على الباحث نفسه ،الذي قد يتعثر في مشواره البحثي ،لكون الموضوع المقترح عليه دراسته معقداً أو صعبا ً بالنسبة لقدرات الباحث وإمكانياته العلمية ،أو ال يتفق مع استعداده وميوله. بيد أنه ليس هناك ما يمنع -من حيث المبدأ -من اختيار موضوع البحث من قبل المشرف على الباحث ،كون األستاذ أكثر خبرة ودراية من الباحث أو الطالب ،فيشير عليه ببحث موضوعات معينة ،ويستشرف في الباحث إمكانية إنجاز البحث في إحداها ،فإذا اختار الباحث أحد هذه الموضوعات ،يرشده المشرف إلى المصادر التي يبحث فيها ،ويكون للباحث هنا أن يتبادل الرأي مع المشرف حول بعض عناصر الموضوع ،أو توجيه الدراسة والبحث في أحد جوانبه.وفي تلك الحالة يأتي البحث ثمرة للتعاون البناء بين المشرف والباحث. ثانيا ً :إرشادات نحو اختيار الموضوع هناك بعض التوجيهات والنصائح العامة التي يمكن االسترشاد بها في اختيار موضوعات البحوث العلمية ،ومنها: .1التريث والصبر في اختيار الموضوع :فال بد أن يأخذ الباحث وقته المناسب للقراءة والتفتيش عن الموضوعات التي تستأهل الدراسة والبحث.فقد أثبتت التجربة أن التسرع في اختيار موضوع البحث ،يؤدي إلى عدم التوفيق في إعداده ،حيث قد يجيء الموضوع ضخما ً فضفاضاً ،يستغرق وقتا ً طويالً إلنجازه ،بل وإن أُنجز في وقت مالئم ،فتناوله يكون سطحيا ً يفتقر إلى العمق الكافي. وقد يجيء الموضوع ضيقا ً معقداً ،ال تكون مصادره أو مراجعه متاحة أو متوفرة ،فال يستطيع الباحث إتمام البحث ،فيتعثر مشواره البحثي. ونشير إلى أنه كثيراً ما يؤدي الحماس الزائد لدى الباحث وتسرعه ،في اختيار موضوعات يكتنفها العيبان السابقان ،بما يؤثر على إمكانية إنجاز البحث.وهذا ما يفسر لنا لجوء كثير من الباحثين إلى تغيير الموضوع محل البحث بعد مدة طويلة قد تكون سنوات عديدة؛ مما يمثل إهداراً للوقت والجهد والموارد.وكان أجدى بالباحث أن يتأنى ويصبر حتى يختار موضوعا ً صالحا ً للبحث. .2سعة اإلطالع والقراءة المستفيضة في مجال التخصص الذي سيجري فيه البحث :فمن غير المتصور أن يحاول شخص يريد أن يعد بحثاً ،اختيار موضوع وذهنه خا ٍل من أية فكرة عنه.فالقراءة واإلطالع تساعد على التعرف على المشكالت والقضايا ذات األهمية التي تصلح موضوعا ً لبحثه. .3أن يكون موضوع البحث جديداً :إن جدة الموضوع ال تعني بالضرورة أن يطرق الباحث أرضا ً بكراً لم تطأها من قبل أقدام الباحثين ،فال يشترط أن تكون المشاكل المثارة جديدة ،بل يكفي أن تكون الحلول المقدمة ووسائل المعالجة هي الجديدة.أما أن يتناول الباحث موضوعا ً قد قُتل بحثا ً وبطريقة ال يقدم فيها جديداً ،فإن ذلك سيخرج عمالً خاويا ً من أية قيمة علمية وعلى الباحث مهمة التأكد من أن موضوع بحثه لم يسبق أن كان موضوع رسالة جامعية أو مؤلف آخر ،وهذا يفرض على الباحث أن يلم منذ البداية بمحتويات المكتبة ،وال يعفيه من المسؤولية مجرد استشارة األستاذ المشرف. وعلى الباحث أال يقصر في البحث والتنقيب عن بحوث ودراسات محتملة في نفس الموضوع ،وإال فقد يضطر عندما يكتشف بعد فوات األوان مثل هذه األعمال ،إلى االنقطاع عن الموضوع الذي اختاره بعد أن استغرق فيه وقتا ً وجهداً هناك بعض المعايير التي يجب مراعاتها ،لتقليل نسبة احتمال التكرار في البحوث ،وهي: أ.أن يكون البحث قائ ًما على مؤسسة جديدة. ب.أن يتناول البحث مشكلة جديدة ،كأن يكون منصبًا أو يتبع اتجاهًا تشريعيًا حديثًا. ج.االبتعاد عن النظريات العامة لفروع القانون ،إال إذا كانت منطلقة من وجهات نظر جديدة ،وذلك ألن احتماالت التكرار في النظريات العامة لفروع القانون (مثل القانون المدني ،اإلداري ،الجنائي )...كبيرة جدًا حيث أنها نظريات مشتركة في تشريعات أغلب الدول. ب.اإلطالع على فهارس الرسائل الجامعية ،وكذلك تبادل اآلراء مع الزمالء واألساتذة للتأكد من عدم وجود دراسات في نفس الموضوع. .4يجب أن يكون موضوع البحث ضيقا ومحدودًا ،وأن تختار نقطة محددة للبحث فيها بعمق ،فهذه هي مهمة الباحث الحق. بمعنى أن الباحث يكتب في نقطة واحدة وليس في عدة نقاط؛ فهناك فرق بين أن تكتب بحثًا وأن تكتب كتابًا.على سبيل المثال ،بحث بعنوان "التدريب" غير جائز ألنه واسع وغامض.لكن ،بعد قراءات مبدئية قد يتم تخفيض العنوان إلى "تدريب المديرين في قطاع معين من قطاعات الدولة" ،ثم إلى "تدريب المديرين في قطاع الصناعة" ،وهكذا. ويؤكد البعض على ضرورة الوضوح التام للمسائل الجوهرية والعناصر الرئيسية لموضوع البحث ،والتي تظهر من خالل إجابة الباحث على عدة تساؤالت ا.هل المشكلة أو القضية التي يثيرها الموضوع محددة ،ملحة ،وتستحق البحث؟ ب.هل يستطيع الباحث البدء في البحث وإنجازه؟ أي ،هل موضوع البحث في مستوع قدرة الباحث؟ ج.هل هناك ميل نحو هذا الموضوع من قبل الباحث؟ د.هل تتوافر مصادر المعلومات والمراجع بشكل يسمح بتغطية مختلف جوانب البحث بشك ٍل وافٍ ؟ هـ.هل ستضيف الدراسة التي سيقوم بها الباحث شيئًا إلى المعرفة اإلنسانية؟ فإذا كانت اإلجابة بالنفي على أي من هذه األسئلة ،فعلى الباحث أن يختار موضوعًا آخر ،دون أن يضيع وقته ونشاطه في دراسة لم تكتمل له فيها عناصر النجاح. ثالثًا -اختيار عنوان البحث: إذا استقر الباحث على اختيار موضوع بحثه ،كان عليه بعد ذلك االستقرار على عنوان دقيق ومحدد له.وعند التفكير في اختيار عنوان البحث ،يجب مراعاة أن يكون العنوان: ً .١يجب أن يكون العنوان دقيقًا ويُفضَّل االبتعاد عن العناوين العامة الواسعة.فمثال ،يمكن تقسيم العنوان العام "تقييم االستثمار" إلى عنوان أقل عمومية" :تقييم االستثمار في القطاع العام" ،أو إلى عنوان محدد" :التكلفة االجتماعية لالستثمار في القطاع العام". ويُفضل أن يكون العنوان بصيغة تقريرية وليس استفهامية؛ فنقول" :اختصاص القضاء الجزائي بالفصل في الدعاوى المدنية" ،وال نقول" :هل يختص القضاء الجزائي بالفصل في الدعاوى المدنية؟". .2يفضل أن يكون العنوان جديدًا ،حتى يستطيع الباحث أن يُظهر فيه استقالله وشخصيته.عادةً ،يكون البحث المتميز في موضوعه متميزً ا في عنوانه ،كما يُقال" :الكتاب يُعرف من عنوانه". ومثيرا لالنتباه من قبل من يطّلع عليه. ً قصيرا وجذابًا ،بحيث يكون العنوان طريفًا ً .3يُفضل أن يكون العنوان ويرى البعض أن من الخطر أن يُسرع الباحث بتقديم عنوان بحثه إلى المشرف كي يوافق عليه ،ألن طرح العنوان على المشرف يوجب مناقشة الباحث حوله وما ينوي فعله به ،فبدء الباحث ببطء أو تكاسل قد يؤثر على استجابته واستعداده للبحث. إذا أجاب الباحث بتردد أو اضطراب على ما يقوله المشرف ،فإن ذلك يهز ثقة المشرف به ،وقد يشك في مقدرته ،وربما ينصرف عن معتذرا. ً مهمة اإلشراف المطلب الثاني :تصميم خطة البحث: أوالً -وضع الخطة المبدئية: بعد تحديد موضوع البحث واختيار عنوانه ،يبدأ الباحث في إعداد خطة مبدئية لبحثه ،والتي تمثل اإلطار الموضوعي الذي يبدأ البحث من خالله.وال يمكن للباحث أن يحدد فروضه إال إذا أل ّم بموضوع بحثه وتبين المشكلة الرئيسية التي يدور حولها. وإعداد الخطة المبدئية عمل صعب لكنه خالق ،إذ أن الخطة ليست مجرد إنشاء بل هي أولى إبداعات الباحث وأهمها.وهي ليست وسيلة لتقديم معلومات واستدالالت الباحث فحسب ،بل تعكس أسلوب تفكيره وعقليته بصفة عامة ،ووجهة نظره في موضوع البحث. في الورقات القليلة التي يضع فيها الباحث خطة البحث ،يظهر بجالء مدى قدرته على االستمرار في البحث بسهولة ويسر من عدمه. ويكتفي أحيانًا بتلك الخطة إذا أراد تسجيل البحث في جهة أكاديمية للحصول على درجة علمية كالماجستير أو الدكتوراه.إذ يلزم أقره المشرف ،اتخذ المشروع طريقه إلى القنوات الرسمية المحددة الباحث أن يقدم مشروع خطة البحث إلى األستاذ المشرف ،فإذا ّ قانونًا حتى يتم التسجيل. نشير هنا إلى أنه من المستحيل على الباحث أن يضع خطة متكاملة يتبعها دون تعديل؛ فهذا يعني أن الباحث سيدخل تعديالت مستمرة على خطته كلما تقدم في البحث ،وأل ّم بأبعاده المختلفة ،واكتشف أفكار وآفاق جديدة. ولما كانت الخطة المبدئية تُعد عادة إثر بعض القراءات السريعة ،فإنها تقتصر على التقسيمات التي تتناول العناصر الرئيسية والخطوط العريضة لموضوع البحث ،دون التطرق إلى التفاصيل الدقيقة. وعلى الباحث أال يعتمد فقط على أفكاره الخاصة في إعداد تلك الخطة ،بل يجب عليه االسترشاد بخطط البحوث السابقة القريبة من موضوعه وبآراء المختصين وذوي الخبرة ،حتى تأتي الخطة متوازنة ومالئمة لموضوع البحث وقدرات الباحث. يمكن أن نعطي مثاالً عن نموذج لخطة بحث ،حيث تصمم كما يلي: مقدمة تمهيدية يبين فيها الباحث التعريف بالموضوع ومبررات اختياره ،األهمية النظرية والعملية للبحث ،منهج البحث، الدراسات والبحوث السابقة ،النتائج المتوقعة للبحث ،والتقسيم المبدئي للبحث. ثانيًا -الفرق بين خطة البحث وتبويبه: يخلط الكثير من الباحثين بين خطة البحث وتبويبه أو تقسيمه.فخطة البحث هي عبارة عن العناصر األساسية التي سيدور حولها موضوع البحث ،وتشمل هذه العناصر :تحديد مشكلة البحث وأهمية دراستها ،أهداف البحث ،خطواته ،المنهج العلمي الذي سيتبع في دراسة المشكلة ،النتائج المتوقعة للبحث ،المراجع التي اطلع عليها الباحث ،المصطلحات العلمية الواردة في البحث ،وأبواب وفصول البحث المقترحة. أما تبويب أو تقسيم البحث ،فيعني توزيع المادة العلمية للبحث بين ثالثة أقسام هي :المقدمة ،المحتوى ،والخاتمة ،والتي يجب أن تكون مرتبة. أ.االلتزام باإلطار الشكلي في التقسيم يخضع هذا اإلطار لتقسيم تنزلي يبدأ من األوسع نطاقًا إلى األضيق ،كما وضحنا سابقًا (قسم > -باب > -فصل > -مبحث...إلخ). ب.التسلسل المنطقي معنى هذا الضابط هو ضرورة أَال تكون جزئيات البحث منعزلة عن بعضها البعض ،بل يجب أن تكون مرتبطة في سلسلة واحدة، بحيث ترتبط كل جزئية بالجزئية األخرى ،مما يؤدي إلى جعل البحث في مجموعه مثل اللوحة الفنية المتكاملة والمتناسقة في خطوطها وألوانها. قبل أن ينتقل الباحث من باب إلى باب ،أو من فصل إلى فصل ،أو من مبحث إلى مبحث ،يكون من المالئم أن يمهد للموضوع الذي سيعالجه في الباب أو الفصل أو المبحث الالحق ،حتى ال يشعر القارئ بانقطاع مفاجئ في تسلسل األفكار. ج.اختيار العناوين المختصرة الدالة على موضوع الباب أو الفصل أو المبحث وضرورة وجود تناسب وتناسق بين عناوين األبواب والفصول بعضها مع بعض ،وبينها وبين العنوان العام للبحث ،بحيث تكون عناوين المباحث مثالً مشتقة من عنوان الفصل الذي تتبعه ،متفرعة عنه ،ودالة بوضوح عليه. مثال على ذلك :بحث عنوانه "مضمون فكرة النظام العام ودورها في مجال الضبط اإلداري" ،فيكون من المقبول جعل عنوان الباب األول" :مضمون فكرة النظام العام في مجال الضبط اإلداري" ،وجعل عنوان الفصل األول" :التعريف بالنظام العام كفكرة قانونية"، وجعل عنوان المبحث األول من هذا الفصل" :اختالف اآلراء حول الوجود القانوني للنظام العام". د.الحفاظ على التوازن والتماثل في تقسيمات البحث نقصد بذلك ضرورة وجود توازن بين أعداد الفصول في كل باب ،وأعداد المباحث في كل فصل ،وأعداد المطالب في كل مبحث. فتغطية الباحث ألجزاء بحثه يجب أن تكون وافية وكافية ،ومن ثم ال يصح أن يهتم الباحث