النظرية الجمالية - الفرقة الثالثة PDF

Summary

هذا الكتاب يقدم دراسة شاملة حول المفاهيم الأساسية في فلسفة الجمال، و يتناول مراحل تطور الجماليات من الفلسفات القديمة إلى ما بعد الحداثة، ويقدم تحليلات دقيقة للتجربة الجمالية عند فلاسفة مؤثرين.

Full Transcript

‫نظريات علم الجمال‬ ‫بدرالدين مصطفى‬ ‫‪1‬‬ ‫املحتويات‬ ‫مقدمة‬ ‫املفاهيم األساسية للنظرية الجمالية‬ ‫القيم الجمالية بين النسبية واملوضوعية‬ ‫موقف الوضعية املنطقية‬...

‫نظريات علم الجمال‬ ‫بدرالدين مصطفى‬ ‫‪1‬‬ ‫املحتويات‬ ‫مقدمة‬ ‫املفاهيم األساسية للنظرية الجمالية‬ ‫القيم الجمالية بين النسبية واملوضوعية‬ ‫موقف الوضعية املنطقية‬ ‫هل يمكننا الحديث عن الجمال؟‬ ‫نظرية املحاكاة‬ ‫التجربة الجمالية عند كانط‬ ‫الوجودية والنظرية الجمالية‬ ‫النظرية الجمالية املاركسية‬ ‫النظرية الجمالية عند مدرسة فرانكفورت‬ ‫الجماليات في مرحلة الحداثة البعدية‬ ‫ً‬ ‫هل كان ميالد القارئ رهينا بموت املؤلف؟‬ ‫هل يمكن تعريف الفن؟‬ ‫الجماليات الرقمية‬ ‫‪2‬‬ ‫مقدمة‬ ‫يهدف هذا الكتاب إلى تقديم دراسة شاملة ومركزة للمفاهيم األساسية في فلسفة الجمال‪ ،‬كما يسعى إلى تسليط الضوء على‬ ‫إطارا ً‬ ‫فكريا للنظرية الجمالية‪ ،‬مع التركيز على التنوع الفكري واملعرفي الذي يصاحب‬ ‫القضايا واملحاور األساسية التي تشكل ً‬ ‫هذا املجال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يتناول الكتاب مراحل تطور الجماليات من الفلسفات القديمة إلى املراحل األكثر حداثة وصوًل إلى ما بعد الحداثة‪.‬يبدأ الكتاب‬ ‫بمناقشة املفاهيم التأسيسية للنظرية الجمالية مثل تعريف الجمال والقيمة الجمالية‪ ،‬والتفرقة بين الجمال الطبيعي والجمال‬ ‫الفني‪.‬كما يستعرض آراء فالسفة بارزين حول العالقة بين اإلبداع والذوق والحكم الجمالي‪.‬‬ ‫عمقا‪ ،‬مثل النسبية الجمالية مقابل املوضوعية الجمالية‪ ،‬حيث يحلل مدى‬ ‫ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى مناقشة مفاهيم أكثر ً‬ ‫ارتباط القيمة الجمالية بالسياق الثقافي والتاريخي‪ ،‬أو ما إذا كانت تستند إلى معايير موضوعية يمكن اًلتفاق عليها‪.‬ويتطرق‬ ‫ً‬ ‫أيضا إلى موقف الوضعية املنطقية من القيم الجمالية ورفضها للمجاًلت املعرفية املعيارية‪.‬‬ ‫ومن خالل الفصول املتقدمة‪ ،‬يتم التركيز على نظريات فالسفة مؤثرين مثل أفالطون وأرسطو في مفهوم املحاكاة‪ ،‬إلى جانب‬ ‫التحليالت الدقيقة للتجربة الجمالية عند كانط‪ ،‬حيث يقدم كانط إسهامات فريدة في فهم الجمال كحكم تأملي يستند إلى‬ ‫التجربة الذاتية للفرد‪.‬كما ُيسلط الضوء على الفكر الوجودي والجمالية الوجودية التي تركز على التجربة الفردية والحرية في‬ ‫الفن‪.‬‬ ‫كما ًل يغفل الكتاب التحوًلت الكبرى التي أحدثتها الفلسفة املاركسية في فهم الفن والجمال كأدوات لتحليل وتفسير البنية‬ ‫ً‬ ‫الطبقية واًلجتماعية‪ ،‬مسلطا الضوء على الواقعية اًلشتراكية ودورها في تعزيز الوعي الطبقي‪.‬باإلضافة إلى فصول أخرى‬ ‫خصصت ملناقشة النظرية الجمالية في الفلسفة الوجودية ولدى مدرسة فرانكفورت وتحوًلتها في حقبة ما بعد الحداثة‬ ‫وعالقتها بالتطورات التقنية الراهنة خاصة في مجال الذكاء اًلصطناعي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في النهاية‪ ،‬يقدم هذا الكتاب ً‬ ‫إطارا شامال لطالب الجامعة حول الفلسفات والنظريات املختلفة التي تشكل علم الجمال‪ ،‬ليكون‬ ‫ً‬ ‫أساسيا يساهم في تطوير فهمهم لهذه املادة الحيوية‪ ،‬ويوسع آفاقهم تجاه القضايا الجمالية التي ًل تزال تؤثر في الثقافة‬ ‫ً‬ ‫مرجعا‬ ‫والفن حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫املفاهيم األساسية للنظرية الجمالية‬ ‫‪ -1‬تعريف الجمال والقيمة الجمالية‬ ‫يرتبط الجمال كمفهوم فلسفي بالشعور باملتعة أو الرضا الذي ينشأ نتيجة التفاعل مع موضوع ما‪ ،‬سواء كان هذا املوضوع‬ ‫طبيعيا أو ً‬ ‫فنيا‪.‬يتباين تعريف الجمال بين املدارس الفلسفية املختلفة‪ ،‬حيث يرى بعض الفالسفة أن الجمال يرتبط بالسمات‬ ‫ً‬ ‫املوضوعية التي يمكن قياسها‪ ،‬مثل التناسب والتناغم‪ ،‬بينما يؤكد آخرون أن الجمال تجربة ذاتية تعتمد على مشاعر‬ ‫وتفضيالت الفرد‪.‬‬ ‫بناء على إدراكنا له كجميل أو قبيح‪.‬هذا الحكم يمكن أن يكون ً‬ ‫نابعا‬ ‫تشير القيمة الجمالية إلى الحكم الذي نطلقه على ش يء ما ً‬ ‫من خصائص متأصلة في املوضوع (مثل اللون والشكل) أو من تجربة ذاتية تتأثر بالثقافة والذوق الشخص ي‪.‬الفالسفة اختلفوا‬ ‫في اعتبار القيمة الجمالية ذاتية أو موضوعية؛ فمنهم من يراها قيمة نابعة من املوضوع نفسه‪ ،‬بينما يرى آخرون أن الجمال‬ ‫يتحدد من خالل اًلستجابة الفردية أو اًلجتماعية‪.‬‬ ‫‪ -2‬الفرق بين الجمال الطبيعي والجمال الفني‬ ‫الجمال الطبيعي هو ذلك الجمال الذي نجده في الطبيعة‪ ،‬والذي ًل يحتاج إلى تدخل بشري لصنعه أو تغييره‪.‬األمثلة تشمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أساسيا لإللهام‬ ‫مصدرا‬ ‫مناظر الطبيعة مثل البحيرات الجبلية‪ ،‬الغابات الكثيفة‪ ،‬وأشكال السحب في السماء‪.‬الطبيعة تعتبر‬ ‫الجمالي بسبب وفرتها وتنوعها في املظاهر الطبيعية التي تثير اإلعجاب والتأمل‪.‬‬ ‫أما الجمال الفني من ناحية أخرى‪ ،‬فهو الجمال الذي يظهر في األعمال التي يبدعها اإلنسان‪ ،‬مثل اللوحات‪ ،‬املنحوتات‪،‬‬ ‫واملوسيقى‪.‬يتطلب الجمال الفني درجة من اإلبداع واملهارة لتحقيقه‪.‬ويختلف عن الجمال الطبيعي في كونه ً‬ ‫نتاجا لعملية‬ ‫إبداعية تتطلب تدخل الفنان‪ ،‬الذي يحدد كيفية عرض أو تشكيل املادة الخام إلنتاج تجربة جمالية‪.‬كما أن األعمال الفنية‬ ‫تخضع للمعايير الثقافية والتاريخية التي تؤثر على كيفية استقبالها وفهمها‪.‬‬ ‫الفرق بين الجمال الطبيعي والفني ًل يعني بالضرورة أن أحدهما أفضل من اآلخر‪ ،‬وإنما يكمن في طبيعة العالقة التي يقيمها‬ ‫اإلنسان مع كل منهما؛ فالجمال الطبيعي مرتبط بالتأمل في الطبيعة‪ ،‬بينما يعكس الجمال الفني قدرة اإلنسان على التعبير عن‬ ‫رؤيته للعالم‪.‬‬ ‫‪ -3‬اإلبداع‪ ،‬الذوق‪ ،‬والحكم الجمالي‬ ‫ً‬ ‫جماليا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫استحسانا‬ ‫ً‬ ‫إعجابا أو‬ ‫ً‬ ‫جوهرا في فهم الفن والجمال الفني‪.‬إنه القدرة على خلق ش يء جديد أو أصلي يثير‬ ‫اإلبداع ُيعتبر‬ ‫اإلبداع ًل يقتصر على اًلبتكار التام‪ ،‬بل يمكن أن يكون إعادة تفسير لش يء مألوف بطريقة غير متوقعة أو جمالية‪.‬في الفلسفة‬ ‫الجمالية‪ ،‬اإلبداع يعتبر قوة ضرورية لتقديم تجارب جديدة تثري العقل واملشاعر‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الذوق هو القدرة على تمييز الجمال من القبح أو التفريق بين األعمال الفنية الجيدة والسيئة‪.‬الذوق يتشكل بفعل العوامل‬ ‫الثقافية والتربوية‪ ،‬وقد يختلف بشكل واسع بين األفراد‪.‬بينما يعترف بعض الفالسفة بأن الذوق مسألة شخصية ً‬ ‫تماما‪ ،‬حاول‬ ‫ً‬ ‫عنصرا‬ ‫آخرون وضع معايير موضوعية يمكن استخدامها لتقييم الذوق‪.‬مثال‪ ،‬الفيلسوف إيمانويل كانط يرى أن الذوق يتضمن‬ ‫ً‬ ‫من "الحكم العام"‪ ،‬حيث ينبغي أن يكون الحكم الجمالي معقوًل بما يكفي ليوافق عليه اآلخرون‪.‬‬ ‫أما الحكم الجمالي ف هو العملية التي نستخدمها لتقييم موضوع أو عمل فني من حيث قيمته الجمالية‪.‬يعتمد هذا الحكم على‬ ‫ً‬ ‫موضوعيا‪ ،‬حيث‬ ‫مقاييس مختلفة مثل التناغم‪ ،‬التوازن‪ ،‬واًلنسجام بين العناصر املكونة للعمل‪.‬قد يكون الحكم الجمالي‬ ‫يتفق النقاد والجمهور على قيمة فنية معينة‪ ،‬أو ً‬ ‫ذاتيا‪ ،‬حيث تختلف اآلراء ً‬ ‫بناء على الذوق الشخص ي والخلفية الثقافية‪.‬‬ ‫‪ -4‬الفن كموضوع للتجربة الجمالية‬ ‫يعتبر الفن‪ ،‬بمختلف أشكاله (رسم‪ ،‬نحت‪ ،‬موسيقى‪ ،‬أدب)‪ ،‬وسيلة أساسية للتعبير عن التجربة الجمالية‪.‬ويجسد الفن‬ ‫عبر عن اإلبداع البشري‪.‬تعد التجربة‬‫الجمال بطرق متعددة ومعقدة‪ ،‬ويعتمد على مجموعة من األساليب والوسائط التي ُت ّ‬ ‫ً‬ ‫موضوعا لدراسة مكثفة في الفلسفة‪ ،‬حيث يحاول الفالسفة فهم كيفية تأثير الفن على مشاعرنا وتفكيرنا‪،‬‬ ‫الجمالية للفن‬ ‫وكيف ُن ّ‬ ‫قيم األعمال الفنية‪.‬‬ ‫ليس الفن مجرد إعادة إنتاج للواقع‪ ،‬بل هو محاولة إلضفاء قيمة جمالية على املواد واألفكار‪.‬إن التفاعل مع الفن يتطلب‬ ‫مستوى من التأمل والتفكير الجمالي‪ ،‬حيث ُي َّ‬ ‫حفز الفرد على التأمل في العناصر الفنية مثل الشكل‪ ،‬اللون‪ ،‬واإليقاع‪.‬وبهذا‪،‬‬ ‫تصبح التجربة الجمالية أكثر تعقي ًدا عندما يتعلق األمر بالفن‪ً ،‬‬ ‫نظرا لتعدد أبعاده ومظاهره‪.‬‬ ‫‪ -5‬الخيال الفني‬ ‫الخيال الفني هو القدرة على توليد تصورات وأفكار إبداعية تتجاوز الواقع املادي املباشر‪.‬في سياق الجماليات‪ ،‬يعتبر الخيال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أساسيا لإلبداع في الفن‪.‬إنه القوة التي يستخدمها الفنان لتحويل الواقع إلى تجربة جمالية تعكس رؤيته الخاصة‪.‬‬ ‫الفني شرطا‬ ‫الخيال الفني ًل يقتصر على الفنانين فقط؛ بل يمتد إلى الجمهور ً‬ ‫أيضا‪ ،‬حيث ُيعتبر الخيال وسيلة لفهم وتقدير األعمال الفنية‬ ‫بطرق مختلفة‪.‬‬ ‫ومن خالل الخيال‪ ،‬يتمكن الفنان من خلق صور أو قصص تتجاوز التجربة اليومية‪.‬على سبيل املثال‪ ،‬الخيال هو ما سمح‬ ‫ً‬ ‫أحالما وتصورات باطنية‪.‬‬ ‫لفنانين مثل سلفادور دالي في فن السريالية بخلق صور غريبة وغير مألوفة تعكس‬ ‫‪ -6‬التمثيل‬ ‫يشير التمثيل في الجماليات إلى القدرة الفنية على تقديم أو تصوير ش يء ما بطريقة تشير إلى واقع خارجي‪.‬التمثيل قد يكون‬ ‫مباشرا (مثل رسم صورة ملنظر طبيعي) أو ً‬ ‫رمزيا (مثل استخدام األلوان واألشكال لإلشارة إلى مفاهيم مجردة)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪5‬‬ ‫التمثيل في الفن يعتمد على كيفية إدراك الفنان للعالم وترجمته إلى وسيط فني‪ ،‬سواء كان ذلك عبر الرسم‪ ،‬النحت‪ ،‬املسرح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫موضوعا للنقاش حول مدى دقته وقدرته على محاكاة الواقع بشكل‬ ‫أو السينما‪.‬ومع تطور النظريات الجمالية‪ ،‬أصبح التمثيل‬ ‫مقنع‪.‬‬ ‫وفي أعمال مثل لوحات عصر النهضة‪ ،‬كان الهدف هو تحقيق أعلى مستوى من الدقة في التمثيل‪ ،‬بينما في الفن الحديث‪ ،‬قد‬ ‫ً‬ ‫تجريدا وغير مباشر‪.‬‬ ‫يكون التمثيل أكثر‬ ‫‪ -7‬املحاكاة)‪(Mimesis‬‬ ‫مفهوم فلسفي قديم نشأ مع الفيلسوف أفالطون وأرسطو‪ ،‬ويشير إلى تقليد أو إعادة إنتاج الواقع في الفنون‪ً.‬‬ ‫وفقا ألفالطون‪،‬‬ ‫املحاكاة هي تقليد العالم املادي‪ ،‬الذي يعتبره مجرد نسخة غير كاملة من العالم املثالي‪.‬أما أرسطو فيعتبر أن املحاكاة هي جوهر‬ ‫الفن‪ ،‬حيث يتمثل اإلبداع في قدرة الفنان على محاكاة جوانب الحياة الواقعية بطرق مميزة‪.‬‬ ‫تظهر املحاكاة في الرسم الواقعي‪ ،‬املسرح الكالسيكي‪ ،‬واألدب الذي يسعى إلى تصوير الحياة البشرية بتفاصيلها الدقيقة‪.‬‬ ‫‪ -8‬التعبير‬ ‫يشير التعبير في الفن إلى قدرة العمل الفني على نقل مشاعر وأفكار الفنان إلى الجمهور‪.‬الفنون التعبيرية (مثل املوسيقى‪،‬‬ ‫الشعر‪ ،‬والرسم) تعتمد على هذه الفكرة األساسية‪ ،‬حيث تكون الغاية من الفن هي إثارة عاطفة أو فكرة معينة عند املتلقي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أساسيا في جميع أنواع الفنون‪ ،‬حيث يعكس مدى تفاعل الفنان مع مواضيع حياته اليومية أو تجاربه‬ ‫ً‬ ‫عنصرا‬ ‫و ُيعد التعبير‬ ‫الشخصية‪.‬‬ ‫‪ -9‬الشكل واملضمون‬ ‫الشكل هو الطريقة التي يتم بها تنظيم العناصر الفنية مثل اللون‪ ،‬الخط‪ ،‬والكتلة في العمل الفني‪ ،‬في حين أن املضمون يشير‬ ‫ّ ً‬ ‫فعاًل من الناحية الجمالية؛‬ ‫إلى الرسالة أو املعنى الذي يحمله العمل‪.‬التفاعل بين الشكل واملضمون هو ما يجعل العمل الفني‬ ‫فالشكل الجذاب أو املبتكر يمكن أن ُيضفي على املضمون قيمة إضافية والعكس صحيح‪.‬‬ ‫‪ -10‬الكاثارسيس (التطهير)‬ ‫الكاثارسيس هو مصطلح استخدمه أرسطو في كتابه "فن الشعر" لوصف التأثير التطهيري الذي تخلقه األعمال الفنية‪،‬‬ ‫وخاصة التراجيديا‪ ،‬على الجمهور‪.‬يعتقد أرسطو أن التراجيديا تعمل على تحرير املشاهد من املشاعر السلبية مثل الخوف‬ ‫والشفقة من خالل تجربتها بشكل آمن ومتحكم فيه داخل املسرحية‪.‬‬ ‫ويعتبر هذا املفهوم أساس ي في فهم كيفية تأثير الفن على املشاعر اإلنسانية‪ ،‬وكيف يمكن لألعمال الفنية أن تكون وسيلة‬ ‫للتعبير عن العواطف واملساعدة في تفريغ التوترات النفسية‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ -11‬الرمز )‪(Symbolism‬‬ ‫الرمز في الجماليات يشير إلى استخدام األشياء أو األشكال لإلشارة إلى معاني أعمق أو مفاهيم مجردة‪.‬في الفنون التشكيلية‪،‬‬ ‫األدبية‪ ،‬واملوسيقية‪ً ،‬‬ ‫غالبا ما يتم استخدام الرموز لتوصيل أفكار أو مشاعر تتجاوز املعنى الحرفي للعمل الفني‪.‬‬ ‫ويعزز الرمز من عمق العمل الفني ويضيف طبقات من املعنى التي قد ًل تكون واضحة على الفور‪.‬على سبيل املثال‪ ،‬استخدام‬ ‫اللون األسود في لوحة قد يرمز إلى الحزن أو الغموض‪.‬‬ ‫‪ -12‬الشكالنية )‪(Formalism‬‬ ‫ً‬ ‫نظرية جمالية تركز على العناصر الشكلية للعمل الفني (مثل الخطوط‪ ،‬األلوان‪ ،‬األشكال) بدًل من املضمون أو الرسالة التي‬ ‫يحملها‪.‬يعتقد الشكالنيون أن القيم الجمالية للعمل الفني تكمن في شكله وكيفية تنظيم عناصره‪.‬وهذه النظرية تتيح النظر‬ ‫إلى األعمال الفنية ً‬ ‫بعيدا عن معانيها التقليدية والتركيز على تقنيات التكوين الفني واًلبتكار في استخدام الوسائط الفنية‪.‬‬ ‫‪ -13‬التذوق الجمالي )‪(Aesthetic Taste‬‬ ‫التذوق الجمالي هو القدرة الشخصية على تقدير الجمال في الفنون أو الطبيعة‪.‬يتأثر التذوق الجمالي بالتربية‪ ،‬الثقافة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫موضوعا للجدل بين الفالسفة حول ما إذا كان يمكن تعليم التذوق الجمالي أو إذا كان يعتمد فقط‬ ‫والتجربة‪ ،‬ويمكن أن يكون‬ ‫على العوامل الذاتية‪.‬‬ ‫ويساعد فهم التذوق الجمالي يساعد في تفسير الفروق بين األذواق الشخصية وكيف تؤثر الخلفية الثقافية واًلجتماعية على‬ ‫الحكم الجمالي‪.‬‬ ‫‪ -14‬اًلستقالل الجمالي )‪(Aesthetic Autonomy‬‬ ‫اًلستقالل الجمالي هو فكرة أن القيم الجمالية للعمل الفني مستقلة عن أي معايير أخالقية أو اجتماعية‪.‬هذه النظرية تنظر‬ ‫إلى الفن كغاية في حد ذاته‪ ،‬حيث يتم تقييم العمل الفني ً‬ ‫بناء على جودته الجمالية فقط‪ ،‬دون الرجوع إلى تأثيره األخالقي أو‬ ‫السياس ي‪.‬‬ ‫‪ -15‬الجمال والسمو )‪(The Sublime‬‬ ‫مفهوم جمالي يرتبط بالشعور بالعظمة أو القوة الساحقة التي يمكن أن تولد مشاعر الرهبة أو اًلنبهار‪.‬بينما يرتبط الجمال‬ ‫باملتع البسيطة واألنيقة‪ ،‬يرتبط السمو باملشاعر القوية التي تنتج عن تجربة ش يء يفوق القدرة البشرية على الفهم‪ ،‬مثل مشهد‬ ‫جبلي مهيب أو عاصفة بحرية هائلة‪.‬‬ ‫وقد ساهم هذا املفهوم‪ ،‬الذي عالجه إيمانويل كانط وإدموند بيرك‪ ،‬في فهم التجارب الجمالية التي تتجاوز مجرد اإلعجاب‬ ‫بالجمال لتشمل مشاعر الخوف واإلعجاب في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪2‬‬ ‫القيم الجمالية بين النسبية واملوضوعية‬ ‫تعريف القيمة الجمالية وأهميتها في الفلسفة‬ ‫تعد القيمة الجمالية أحد املواضيع الرئيسية في فلسفة الجمال‪ ،‬حيث تتعلق بكيفية تقييم األعمال الفنية والجمالية‪.‬تشير‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫القيمة الجمالية إلى معايير ومعاني الجمال التي يمكن أن ُتدرك أو ُت َّ‬ ‫عنصرا‬ ‫قيم في مختلف األعمال الفنية‪.‬تعتبر القيم الجمالية‬ ‫مركزيا في الفلسفة‪ ،‬إذ تتداخل مع مجاًلت متعددة مثل األخالق‪ ،‬املعايير اًلجتماعية‪ ،‬والنقد الفني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تكتسب القيمة الجمالية أهميتها من تأثيرها الكبير على كيفية تفاعل األفراد مع الفنون واملمارسات الثقافية‪.‬فالفنون ليست‬ ‫ً‬ ‫ضروريا لتحليل‬ ‫أيضا معتقدات‪ ،‬قيم‪ ،‬وتجارب ثقافية‪.‬هذا يجعل فهم القيمة الجمالية ً‬ ‫أمرا‬ ‫مجرد تعبيرات جمالية بل تعكس ً‬ ‫األعمال الفنية وتفسيرها‪ ،‬وفهم كيفية تأثير الجمال على املجتمع والثقافة‪.‬‬ ‫مفهوما النسبية واملوضوعية في السياق الجمالي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬النسبية الجمالية تشير إلى أن األحكام الجمالية تعتمد على السياقات الثقافية والشخصية‪.‬هذا يعني أن ما يعتبر جميال في‬ ‫ثقافة معينة قد ًل ُيعتبر كذلك في ثقافة أخرى‪.‬تتشكل التقديرات الجمالية من خالل التجارب الفردية والبيئات اًلجتماعية‪،‬‬ ‫مما يؤدي إلى تنوع اآلراء حول الجمال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬املوضوعية الجمالية تدعي أن هناك معايير موضوعية يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنية‪ُ.‬يعتبر الجمال قابال لإلدراك‬ ‫بشكل مستقل عن األذواق الشخصية‪ ،‬وبالتالي يمكن أن توجد معايير ثابتة للجمال يمكن أن يتفق عليها جميع البشر‪ً.‬‬ ‫وفقا‬ ‫ً‬ ‫لهذا املفهوم‪ ،‬يمتلك العمل الفني سمات معينة تجعله "جميال" بغض النظر عن تفضيالت األفراد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫موضحا كيفية تأثير كل منهما على فهمنا للجمال‪ ،‬وكيف تساهم‬ ‫سيتناول هذا الفصل األبعاد املختلفة للنسبية واملوضوعية‪،‬‬ ‫هذه اآلراء في تشكيل النقاش الفلسفي حول القيم الجمالية‪.‬من خالل استكشاف هذه املفاهيم‪ ،‬يمكن للطالب تعزيز قدرتهم‬ ‫على تحليل وتقييم األعمال الفنية بطريقة نقدية وفهم السياقات الثقافية التي تشكل تصورات الجمال‪.‬‬ ‫النسبية الجمالية‬ ‫النسبية الجمالية هي الفكرة التي تفيد بأن األحكام الجمالية ليست ثابتة أو عاملية‪ ،‬بل تعتمد على السياقات الثقافية‪،‬‬ ‫التاريخية‪ ،‬والشخصية‪.‬تشير إلى أن الجمال والفن يتم تقييمهما ً‬ ‫بناء على تجارب األفراد والتصورات اًلجتماعية املحيطة بهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بمعنى آخر‪ ،‬ما ُيعتبر جميال في ثقافة معينة أو من قبل شخص معين قد ًل ُيعتبر كذلك من ِقبل شخص آخر أو في ثقافة‬ ‫مختلفة‪.‬وبالتالي‪ ،‬تعكس النسبية الجمالية تنوع األذواق واملعايير الجمالية عبر الزمن واملكان‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫وتعود جذور النسبية الجمالية إلى الفالسفة اإلغريق‪ ،‬إًل أن الفكرة تطورت بشكل ملحوظ في العصور الحديثة‪.‬خالل القرن‬ ‫ً‬ ‫حاسما في تشكيل أحكامنا‬ ‫الثامن عشر‪ ،‬اعتبر الفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم أن املشاعر والتجارب الفردية تلعب ً‬ ‫دورا‬ ‫الجمالية‪.‬حيث قال‪" :‬الجمال في العين الناظرة"‪ ،‬مما يعني أن تقييم الجمال هو مسألة شخصية تعتمد على املشاعر الفردية‪.‬‬ ‫وقد تزايد اًلهتمام بالنسبية الجمالية خالل القرن التاسع عشر مع ظهور الفالسفة مثل فريدريك نيتشه‪ ،‬الذي انتقد القيم‬ ‫املوضوعية في الفن‪ً ،‬‬ ‫مؤكدا أن القيم الجمالية تتأثر بشكل عميق بالثقافة والسياق اًلجتماعي‪.‬‬ ‫و ُيعتبر هيوم من أبرز املدافعين عن النسبية الجمالية‪ ،‬حيث يؤكد أن األحكام الجمالية تتشكل من خالل مشاعرنا وتجاربنا‬ ‫ً‬ ‫الفردية‪ً.‬‬ ‫وفقا له‪ً ،‬ل يمكن اعتبار أي ش يء جميال بشكل موضوعي‪ ،‬إذ إن الجمال يعتمد على تقديرات األفراد‪.‬كما ُيعتبر نيتشه‬ ‫ً‬ ‫أيضا من الفالسفة املهمين في هذا السياق‪ ،‬حيث ناقش مفهوم النسبية في كتابه "اإلنسان املفرط"‪.‬اعتبر أن القيم الجمالية‬ ‫ُ‬ ‫تتشكل من خالل القوى الثقافية والتاريخية‪ ،‬وأن كل ثقافة تحدد معاييرها الخاصة للجمال‪.‬أما فالتر بنيامين فقد ناقش في‬ ‫ً‬ ‫مشيرا إلى كيف تؤثر السياقات اًلجتماعية والسياسية على تقديراتنا للجمال‪.‬واعتبر أن األعمال‬ ‫أعماله النسبية الجمالية‪،‬‬ ‫الفنية ليست محصورة في قيمتها الجمالية فقط‪ ،‬بل تتأثر بالتاريخ والسياق الذي ظهرت فيه‪.‬‬ ‫تتجلى النسبية الجمالية بوضوح في العديد من األعمال الفنية واألدبية‪ ،‬حيث يمكن أن تختلف التقديرات الجمالية بين‬ ‫الثقافات املختلفة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬الفن الحديث‪ :‬تعتبر الحركات الفنية الحديثة‪ ،‬مثل الفن التجريدي‪ ،‬مثاًل على النسبية الجمالية‪ ،‬حيث ًل يتم تقييم األعمال‬ ‫الفنية ً‬ ‫بناء على املعايير التقليدية للجمال‪ ،‬بل على مدى اًلبتكار والتعبير الشخص ي‪.‬‬ ‫‪ -‬األدب‪ُ :‬تظهر روايات مثل "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي كيف يمكن أن تتباين اآل اء حول األخالق والجمال ً‬ ‫وفقا للسياق‬ ‫ر‬ ‫الثقافي والتاريخي‪.‬فالتصورات الجمالية قد تختلف بين شخصيات الرواية بحسب خلفياتهم اًلجتماعية والفكرية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جزءا من الثقافة التي تعبر عن النسبية الجمالية‪ ،‬حيث ُيعتبر الجمال في القصص‬ ‫‪ -‬الثقافات املختلفة‪ُ :‬يعتبر الفولكلور ً‬ ‫ً‬ ‫موضوعا يتغير باختالف العادات والتقاليد‪.‬‬ ‫الشعبية أو الزخارف التقليدية‬ ‫ُ‬ ‫تظهر هذه األمثلة كيف تؤكد النسبية الجمالية على تنوع األذواق واملعايير في الفن واألدب‪ ،‬مما يسهم في توسيع فهمنا للجمال‬ ‫في سياقات مختلفة‪.‬‬ ‫املوضوعية الجمالية‬ ‫تشير إلى الفكرة القائلة بأن هناك معايير ثابتة وموضوعية يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنية‪.‬تنص هذه الفكرة على أن‬ ‫الجمال يمكن أن ُيدرك بشكل مستقل عن األذواق الشخصية والتجارب الفردية‪ ،‬وأن هناك ً‬ ‫قيما جمالية يمكن أن تتفق عليها‬ ‫جميع الثقافات‪.‬تعتبر املوضوعية الجمالية أن األعمال الفنية تحمل سمات معينة تجعلها "جميلة" بغض النظر عن تقديرات‬ ‫األفراد‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫تعود جذور املوضوعية الجمالية إلى الفالسفة اإلغريق‪ ،‬ولكنها تطورت بشكل ملحوظ في العصور الحديثة‪.‬إيمانويل كانط‪ ،‬أحد‬ ‫أبرز املدافعين عن املوضوعية‪ ،‬قدم أفكاره حول الجمال في كتابه "نقد الحكم" (‪.)1790‬كانط اقترح أن األحكام الجمالية يجب‬ ‫أن تستند إلى فكرة "الذوق الكوني"‪ ،‬وهو نوع من القيم الجمالية التي يمكن أن تتجاوز األذواق الفردية‪.‬‬ ‫كما استمرت املوضوعية في التطور في القرن التاسع عشر مع الفيلسوف األملاني هيغل‪ ،‬الذي اعتبر أن الفن هو تجسيد للروح‬ ‫املطلقة وأن الجمال هو تعبير عن الحقيقة‪ً.‬‬ ‫وفقا لهيغل‪ ،‬فإن األعمال الفنية ليست مجرد تعبيرات شخصية‪ ،‬بل تعكس معايير‬ ‫موضوعية للجمال‪.‬‬ ‫ويعتبر كانط من أبرز املدافعين عن املوضوعية الجمالية‪.‬في كتابه "نقد الحكم"‪ ،‬ادعى أن الحكم الجمالي يمكن أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستندا إلى فكرة أن األذواق يمكن أن تتفق على صفات معينة تجعل العمل الفني جميال‪.‬كانط يميز بين الحكم‬ ‫موضوعيا‪،‬‬ ‫الجمالي والحكم األخالقي‪ ،‬حيث يشير إلى أن الجمال يرتبط بالتحرر من األغراض الشخصية‪.‬‬ ‫أماهيجل فقد قدم رؤية شاملة للجمال‪ ،‬حيث اعتبر أن الفنون تعكس تطور الروح املطلقة‪.‬في كتاباته‪ ،‬يؤكد أن الجمال هو‬ ‫قيم ً‬ ‫بناء على معاييره الداخلية‪.‬يشير هيجل إلى أهمية السياق التاريخي والثقافي‬ ‫تعبير عن الحقيقة‪ ،‬وأن العمل الفني يمكن أن ُي َّ‬ ‫أيضا على وجود قيم موضوعية للجمال‪.‬وباملثل ناقش ديوي مفهوم الجمال من منظور‬ ‫في تقييم األعمال الفنية‪ ،‬لكنه يؤكد ً‬ ‫موضوعي‪ ،‬حيث ربط بين التجربة الجمالية والعواطف‪.‬في كتابه "الفن كخبرة"‪ ،‬اعتبر أن الجمال يمكن أن ُيدرك من خالل‬ ‫التجارب املشتركة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتتجلى املوضوعية الجمالية في العديد من األعمال الفنية واألدبية التي تظهر معايير محددة للجمال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬الفن الكالسيكي‪ :‬تعتبر األعمال الفنية مثل تماثيل اإلغريق القديم (مثل تمثال "فيكتوري") من األمثلة التي تظهر املوضوعية‬ ‫الجمالية‪ ،‬حيث تعتمد على معايير التنسيق واًلنسجام الجسدي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬الرسم‪ :‬تظهر لوحات الفنانين مثل ليوناردو دافنش ي ورامبرانت أن األعمال التي تتبع قواعد معينة من التكوين‪ ،‬اإلضاءة‪،‬‬ ‫والتفاصيل يمكن أن ُتعتبر جميلة بشكل موضوعي‪.‬ويتم تقييم الجمال في هذه األعمال ً‬ ‫بناء على معايير فنية محددة‪.‬‬ ‫‪ -‬األدب الكالسيكي‪ُ :‬تظهر أعمال مثل "أوديسة" لهوميروس أو "مسرحيات شكسبير" كيف يمكن تقييم الجمال األدبي ً‬ ‫بناء على‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫معيارا للجمال األدبي في الثقافات الغربية‪.‬‬ ‫عناصر مثل اللغة‪ ،‬األسلوب‪ ،‬والهيكل السردي‪.‬تعتبر هذه األعمال‬ ‫ُ‬ ‫تظهر هذه األمثلة كيف تدعم املوضوعية الجمالية فكرة وجود معايير ثابتة يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنية واألدبية‪،‬‬ ‫مما يسهم في فهم أعمق للجمال في الثقافة والفن‪.‬‬ ‫الفروق األساسية بين النسبية واملوضوعية‬ ‫تتباين النسبية واملوضوعية بشكل جذري‪ ،‬حيث يمثل كل منهما وجهة نظر فريدة حول طبيعة الجمال والقيم الجمالية‪.‬يمكن‬ ‫تلخيص الفروق األساسية بين النسبية واملوضوعية كما يلي‪:‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تشير النسبية إلى أن األحكام الجمالية تعتمد على السياقات الثقافية والشخصية‪.‬تعتبر قيم الجمال متغيرة ومتنوعة‪ ،‬وتعتمد‬ ‫على تجارب األفراد وخلفياتهم‪.‬أما املوضوعية فتفترض أن هناك معايير ثابتة يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنية‪.‬الجمال‬ ‫ً‬ ‫ُيعتبر قابال لإلدراك بشكل مستقل عن األذواق الشخصية‪ ،‬مما يعني وجود معايير موضوعية للجمال‪.‬‬ ‫في النسبية‪ُ ،‬يعتبر الجمال مسألة فردية‪ ،‬حيث يمكن أن يختلف من شخص آلخر أو من ثقافة ألخرى‪.‬أما في املوضوعية‪ُ ،‬يعتبر‬ ‫ً‬ ‫موضوعيا لألعمال الفنية‪.‬‬ ‫تقييما‬ ‫ً‬ ‫معتمدا على معايير محددة يمكن أن تتفق عليها جميع الثقافات‪ ،‬مما ُيتيح ً‬ ‫الجمال‬ ‫ُ‬ ‫وفي حين تعترف النسبية بتنوع القيم الجمالية وتشجع على تقدير الفنون من ثقافات مختلفة‪ ،‬فإن املوضوعية تسعى لتحديد‬ ‫ً‬ ‫جميال ً‬ ‫بناء على معايير عامة وثابتة‪.‬‬ ‫ما ُيعتبر‬ ‫هل هناك معاييرجمالية موضوعية يمكن االستناد إليها في الحكم الجمالي؟‬ ‫نعم‪ ،‬هناك معايير جمالية موضوعية يمكن اًلستناد إليها في الحكم الجمالي‪ ،‬رغم أن هذا املوضوع مثير للجدل بين الفالسفة‬ ‫والنقاد‪.‬إليك بعض املعايير التي يعتبرها العديد من الفالسفة موضوعية‪:‬‬ ‫‪.1‬التكوين والتنسيق‬ ‫‪ -‬يعكس التكوين الجيد والتنسيق بين العناصر في العمل الفني كيفية استخدام الفنان للفضاء واللون والشكل بطريقة تجعل‬ ‫العمل أكثر جاذبية‪.‬هذه العناصر يمكن أن تكون موضوعية في تقييم جمال العمل‪.‬‬ ‫‪.2‬التوازن‬ ‫رئيسيا في التصميم الجمالي‪.‬يمكن أن يكون هناك توازن متناظر أو غير متناظر‪ ،‬ويمكن أن ُيعتبر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عنصرا‬ ‫‪ُ -‬يعتبر التوازن‬ ‫ً‬ ‫معيارا للجمال‪.‬‬ ‫التوازن الجيد‬ ‫‪.3‬اًلنسجام‬ ‫معيارا ً‬ ‫مهما‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬يشير اًلنسجام إلى كيفية تكامل العناصر املختلفة في العمل الفني‪ ،‬مثل األلوان واألشكال‪ُ.‬يعتبر اًلنسجام‬ ‫لتقييم الجمال‪ ،‬حيث يسهم في خلق تجربة بصرية ممتعة‪.‬‬ ‫‪.4‬التفاصيل والدقة‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ -‬يعتبر اًلهتمام بالتفاصيل ودقة التنفيذ من املعايير الجمالية املوضوعية‪.‬األعمال الفنية التي تظهر مستوى عال من املهارة‬ ‫ً‬ ‫ً ُ‬ ‫غالبا ما تعتبر أكثر جماًل‪.‬‬ ‫والدقة‬ ‫‪.5‬اًلبتكار واإلبداع‬ ‫بناء على مدى تجديده وابتكاره مقارنة باألعمال‬ ‫ً‬ ‫موضوعيا‪ ،‬حيث يمكن تقييم العمل الفني ً‬ ‫ً‬ ‫جماليا‬ ‫ً‬ ‫عنصرا‬ ‫‪ُ -‬يعتبر اًلبتكار‬ ‫السابقة‪.‬اًلبتكار يمكن أن ُيعطي قيمة إضافية للعمل‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪.6‬التأثير العاطفي‬ ‫ً‬ ‫شخصيا‪ ،‬إًل أن األعمال التي تستطيع أن تؤثر على مجموعة واسعة من‬ ‫‪ -‬على الرغم من أن التأثير العاطفي يمكن أن يكون‬ ‫ُ‬ ‫الناس بشكل مشابه تعتبر موضوعية في تأثيرها‪.‬إذا استطاعت العمل الفني أن تثير ردود فعل إيجابية أو سلبية متسقة لدى‬ ‫ً‬ ‫جمهور واسع‪ ،‬يمكن اعتباره جميال‪.‬‬ ‫‪.7‬الجودة الفنية‬ ‫‪ -‬تشمل الجودة الفنية املهارات التقنية املستخدمة في إنشاء العمل‪ ،‬مثل الرسم‪ ،‬النحت‪ ،‬أو التصوير الفوتوغرافي‪ُ.‬يعتبر‬ ‫ً‬ ‫موضوعيا في الحكم الجمالي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫معيارا‬ ‫استخدام تقنيات متقدمة ومعرفة القوانين الفنية‬ ‫‪.8‬التقاليد الثقافية‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬في بعض الثقافات‪ ،‬قد توجد معايير جمالية موضوعية تعتمد من ِقبل املجتمع‪ ،‬مثل األساليب الفنية التقليدية أو الرموز‬ ‫ُ‬ ‫الثقافية‪.‬هذه املعايير تعتبر مهمة في تقييم الجمال ضمن سياق ثقافي معين‪.‬‬ ‫‪.9‬القيمة التاريخية‬ ‫ً ُ‬ ‫‪ُ -‬تعطي األعمال التي تحمل قيمة تاريخية أو رمزية ملكان معين ً‬ ‫غالبا ما تعترف بها على أنها‬ ‫وزنا في تقييم جمالها‪.‬هذه القيمة‬ ‫موضوعية ً‬ ‫نظرا لتأثيرها على الثقافة أو املجتمع‪.‬‬ ‫الخالصة‬ ‫بينما تعكس هذه املعايير الجمالية املوضوعية جوانب معينة من الجمال يمكن قياسها وتقييمها بشكل موحد‪ ،‬إًل أن الفهم‬ ‫الشخص ي والسياق الثقافي ًل يزاًلن يلعبان ً‬ ‫دورا في كيفية تلقي هذه املعايير‪.‬ومع ذلك‪ ،‬فإن وجود معايير موضوعية يمكن أن‬ ‫يساعد في تعزيز النقاش النقدي حول الفن ويمنح الفالسفة والنقاد أدوات لفهم الجمال بشكل أعمق‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪3‬‬ ‫موقف الوضعية املنطقية‬ ‫الوضعية املنطقية )‪ (Logical Positivism‬هي مدرسة فلسفية ظهرت في أوائل القرن العشرين‪ ،‬وتقوم على فكرة أن املعرفة‬ ‫ً‬ ‫تجريبيا أو التي تكون ذات معنى تحليلي‪.‬من هذا املنطلق‪ ،‬موقفهم من‬ ‫الصحيحة تستند إلى القضايا التي يمكن التحقق منها‬ ‫نقديا‪ ،‬حيث يرون أن القضايا الجمالية (واألخالقية كذلك) هي قضايا غير ذات معنى من‬‫موقفا ً‬‫القيم الجمالية يعكس ً‬ ‫الناحية الفلسفية؛ ألنها ًل تعبر عن وقائع تجريبية يمكن التحقق منها‪.‬‬ ‫موقفهم من القيم الجمالية‪:‬‬ ‫‪.1‬القضايا الجمالية غيرذات معنى معرفي‪ :‬يعتبر الوضعيون املنطقيون أن األحكام الجمالية مثل "هذه اللوحة‬ ‫جميلة" أو "هذه املوسيقى رائعة" هي قضايا تعبر عن مشاعر املتكلم وًل تعبر عن حقيقة موضوعية يمكن التحقق‬ ‫منها‪ً.‬‬ ‫ووفقا لذلك‪ ،‬فهي أشبه بالتعبير عن اًلنطباعات الشخصية وًل تمتلك أي مضمون معرفي‪.‬‬ ‫‪.2‬استبعاد التحليل الفلسفي للقيم الجمالية‪ :‬ألن الوضعية املنطقية تركز على القضايا التي يمكن التأكد منها من‬ ‫ً‬ ‫موضوعا‬ ‫منطقيا‪ ،‬فهي تستبعد أي حديث عن القيم الجمالية بوصفها‬ ‫ً‬ ‫خالل التجربة الحسية أو التي يمكن تحليلها‬ ‫ً‬ ‫جديرا بالبحث‪.‬فهي تعد القضايا الجمالية مثل القضايا امليتافيزيقية غير قابلة للتحقق التجريبي‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ً‬ ‫فلسفيا‬ ‫يجب إسقاطها من النقاش الفلسفي‪.‬‬ ‫‪.3‬النظر إلى القيم الجمالية كحاالت انفعالية‪ :‬يرى الوضعيون املنطقيون أن األحكام الجمالية تعكس فقط ردود‬ ‫أفعال انفعالية‪ ،‬أي أن الحكم الجمالي ًل يخبرنا بش يء عن موضوع الجمال نفسه‪ ،‬وإنما يعبر فقط عن موقف‬ ‫عاطفي تجاه هذا املوضوع‪.‬على سبيل املثال‪ ،‬عندما نقول "هذه اللوحة جميلة"‪ ،‬فهذا ًل يعني أن هناك خاصية‬ ‫ُ‬ ‫موضوعية تسمى "الجمال" في اللوحة‪ ،‬بل يعني فقط أنني أشعر بالسرور عندما أراها‪.‬‬ ‫يتقاطع موقف الوضعيين املناطقة مع العديد من املواقف الفلسفية أخرى في تاريخ الفلسفة‪ ،‬خاصة تلك التي تركز على‬ ‫الفصل بين املعرفة العلمية والتجريبية من جهة‪ ،‬واملعرفة املتعلقة بالقيم واألخالق والجمال من جهة أخرى‪.‬فيما يلي أبرز‬ ‫املواقف الفلسفية الشبيهة‪:‬‬ ‫‪ -1‬موقف ديفيد هيوم‪(David Hume):‬‬ ‫ديفيد هيوم‪ ،‬الفيلسوف التجريبي اإلسكتلندي في القرن الثامن عشر‪ ،‬يشترك في موقفه مع الوضعيين املنطقيين من حيث‬ ‫النظر إلى القيم الجمالية على أنها تعبير عن املشاعر واًلنفعاًلت‪.‬في كتابه "بحث في الطبيعة البشرية"‪ ،‬يجادل هيوم بأن‬ ‫األحكام الجمالية واألخالقية ليست استنتاجات عقلية‪ ،‬بل تعبيرات عن املشاعر الفردية‪.‬يرى هيوم أن الجمال ليس خاصية‬ ‫موضوعية‪ ،‬وإنما ش يء ُنسقطه نحن على األشياء ً‬ ‫بناء على شعورنا الشخص ي‪.‬وبالتالي‪ ،‬األحكام الجمالية عند هيوم هي‬ ‫تعبيرات عن الذوق وليست قضايا موضوعية قابلة للتحليل الفلسفي بمعنى تقليدي‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ -2‬موقف إيمانويل كانط‪(Immanuel Kant):‬‬ ‫قدم رؤية مختلفة‪ ،‬ولكنه يشترك مع الوضعيين املنطقيين في فصل األحكام‬ ‫إيمانويل كانط‪ ،‬في كتابه "نقد ملكة الحكم"‪ّ ،‬‬ ‫الجمالية عن األحكام العقلية‪.‬يرى كانط أن الحكم الجمالي ًل يستند إلى مفاهيم أو معرفة موضوعية‪ ،‬بل هو حكم تأملي ناتج‬ ‫عن الشعور باملتعة أو النفور عند تجربة موضوع معين‪ُ.‬يعتبر الجمال عند كانط "غاية بدون غاية"‪ ،‬أي أن الحكم الجمالي‬ ‫ليس له وظيفة عملية أو معرفية‪ ،‬بل يعتمد على تفاعل ذاتي بين املخيلة والفهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬موقف لودفيغ فتجنشتاين‪(Ludwig Wittgenstein):‬‬ ‫في أعماله املتأخرة‪ ،‬خاصة في "تحقيقات فلسفية"‪ ،‬ناقش فتجنشتاين قضايا الجمال واملعنى بشكل غير مباشر‪ً ،‬‬ ‫مميزا بين‬ ‫"اللغة العلمية" و"اللعب اللغوي" الذي ينتمي إلى األحكام الجمالية‪.‬يرى فتجنشتاين أن استخدام اللغة في الحكم على‬ ‫األعمال الفنية أو التعبير عن الجمال هو جزء من لعبة لغوية اجتماعية‪ ،‬وًل يمكن الحكم على هذا اًلستخدام بمقاييس‬ ‫الصواب والخطأ‪.‬بعبارة أخرى‪ ،‬األحكام الجمالية هي أشكال من التعبير اللغوي‪ ،‬ولكنها ليست قضايا يمكن التحقق م‪t‬نها‬ ‫ً‬ ‫منطقيا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تجريبيا أو تحليلها‬ ‫‪ -4‬موقف الفيلسوف جورج إدوارد مور‪(G.E. Moore):‬‬ ‫في كتابه "مبادئ األخالق"‪ ،‬يقدم مور مفهوم "املغالطة الطبيعية"‪ ،‬الذي ينص على أن القيم الجمالية واألخالقية ًل يمكن‬ ‫ً‬ ‫منطقيا‪ ،‬إًل أنه شاركهم في فكرة أن القيم‬ ‫ً‬ ‫وضعيا‬ ‫اختزالها إلى خصائص طبيعية أو تجريبية‪.‬على الرغم من أن مور لم يكن‬ ‫ُ‬ ‫الجمالية ًل تختزل إلى أحكام موضوعية‪ ،‬بل هي نوع من التجربة األخالقية أو الجمالية التي ًل يمكن تفسيرها بطرق تحليلية‬ ‫بسيطة‪.‬‬ ‫‪ -5‬موقف الوضعية الكالسيكية‪(Classical Positivism):‬‬ ‫يمكن القول إن الوضعية املنطقية استمدت موقفها من القيم الجمالية من جذور أعمق في الوضعية الكالسيكية التي طورها‬ ‫أوغست كونت ‪ (Auguste Comte).‬كان كونت يعتبر أن الفلسفة يجب أن تركز فقط على الحقائق التي يمكن التحقق منها‬ ‫ً‬ ‫تجريبيا‪ ،‬وكان يستبعد كل القضايا املتعلقة بالدين‪ ،‬امليتافيزيقا‪ ،‬والقيم الجمالية من نطاق البحث العلمي‪.‬بهذا املعنى‪،‬‬ ‫يشارك كونت الوضعيين املنطقيين في اعتبار القيم الجمالية مسائل شخصية ًل يمكن التحقق منها ً‬ ‫علميا‪.‬‬ ‫في املحصلة‪ ،‬تشترك الوضعية املنطقية في موقفها من القيم الجمالية مع العديد من املواقف الفلسفية التي ترى أن األحكام‬ ‫ً‬ ‫فلسفيا‬ ‫ً‬ ‫مضمونا‬ ‫الجمالية ليست قضايا معرفية موضوعية‪ ،‬وإنما تعبيرات عن انفعاًلت أو ذوق شخص ي‪ ،‬وبالتالي ًل تمتلك‬ ‫يمكن مناقشته في إطار التحليل الفلسفي التقليدي‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪4‬‬ ‫هل يمكننا الحديث عن الجمال؟‬ ‫نص من كتاب "موقف من امليتافيزيقا"‬ ‫ً‬ ‫استنادا إلى أن املعنى ًلبد أن‬ ‫علما‪ ،‬أو ً‬ ‫جزءا من علم‪ ،‬بناء على خلو كلمة "جمال" من املعنى‪ ،‬وذلك‬ ‫الجمال ًل يمكن أن يكون ً‬ ‫ّ‬ ‫منصبا على ش ىء موجود فى الخارج (خارج اإلنسان) ويمكن رصده بواسطة الحواس أو بأجهزة مساعدة لها‪ ،‬أما العالم "ًل‬ ‫يكون‬ ‫خير فيه وًل جمال‪ ،‬بمعنى أنه ليس من بين أشيائه ش ئ اسمه خير‪ ،‬وش ئ اسمه جمال؛ فى العالم أشياء كثيرة؛ فيه أشجار وأنهار‬ ‫شيئا ويكره ً‬ ‫ّ‬ ‫فتعلمه الخبرة وتنشئه التربية على أن يحب ً‬ ‫وأحجار‪ ،‬وصنوف ّ‬ ‫شيئا‪ ،‬ومن هنا‬ ‫شتى من الحيوان‪ ،‬ثم يأتى اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫جميال أو ً‬ ‫قبيحا ‪..‬والش ئ يكون ً‬ ‫خيرا أو ًّ‬ ‫ً‬ ‫جميال وما يكرهه ً‬ ‫خيرا وما كرهه ش ًّرا أو يكون ما ّ‬ ‫يكون ما ّ‬ ‫أحبه ً‬ ‫قبيحا حسب‬ ‫شرا‪،‬‬ ‫يحبه‪،‬‬ ‫ما نراه فى الش ئ من خير أو جمال أو غير ذلك‪.‬‬ ‫جزءا منها ّيتصل وينفصل؛‬ ‫فقيمة الش ئ ليست كائنة فيه وًل هى بمثابة جزء منه‪ ،‬كما تكون عقارب هذه الساعة التى أمامى ً‬ ‫وإنما تنشأ قيمة الش ئ من عالقتنا به‪ ،‬فنحن الذين نجعل لألشياء قيمتها‪ ،‬مهما يكن نوع تلك القيمة‪ ،‬اقتصادية أو خلقية أو‬ ‫ً‬ ‫صالحا كان له من القيمة بمقدار ما يخدم؛ ولذلك‬ ‫جمالية‪ ،‬صادرين فى تقويمنا لألشياء عن مصالحنا الذاتية‪ ،‬فما يخدم لنا‬ ‫ترانا ندرج األشياء املختلفة التى تشبع فينا حاجة أو ً‬ ‫غرضا ندرجها فى سلم متفاوت من القيم‪ ،‬حسب تفاوتها فى إشباعها‬ ‫لحاجاتنا وتحقيقها ألغراضنا‪.‬‬ ‫الجملة األخالقية أو الجمالية ليست بذات معنى‪ ،‬ألنها ًل تشير إلى عمل يمكن أداؤه للتحقق من صدق معناها املزعوم‪ ،‬وًل‬ ‫تكون الجملة بذات معنى إًل إذا أمكن تحويلها إلى عمل‪ ،‬فكل جملة ًل تدلك بذاتها على ما يمكن عمله‪ ،‬بحيث يكون هذا العمل‬ ‫ً‬ ‫هو معناها الذى ًل معنى لها سواه تكون ً‬ ‫صوتا فارغا‪ ،‬مهما قالت لنا القواميس عن معانيها‪.‬فالفكرة الواضحة هى ما يمكن‬ ‫ترجمتها إلى سلوك‪ ،‬وما ًل يمكن ترجمته على هذا النحو ًل ينبغى أن نقول عنه إنه فكرة غامضة‪ ،‬بل ليس هو بالفكرة على‬ ‫اإلطالق‪ً.‬‬ ‫وبناء على ذلك فاألخالق والجمال ليسا بعلمين على اإلطالق‪ ،‬ألنه ًل يتوافر فى أى منهما إمكانية التحقق من صدق‬ ‫العبارات التى تصاغ فيها قضاياهما‪.‬فكل ما نراه فى هذين املجالين ليس معرفة على اإلطالق‪ ،‬بل مجرد حالة شعورية وجدانية‬ ‫يحسها صاحبها وحده‪.‬ومن هنا تكون املناقشة العقلية مستحيلة بين شخصين اختلفا على ش ئ بعينه يتعلق بالجمال أو‬ ‫ّ‬ ‫شيئا بحيث نستطيع أن نراجعه فى تقريره أو وصفه‪ ،‬إنه ينفعل فحسب‪،‬‬‫شيئا‪ ،‬أو يصف ً‬ ‫األخالق‪ ،‬وذلك ألن املتكلم ًل يقرر ً‬ ‫وهذا اًلنفعال ًل سبيل إلى مناقشته‪.‬‬ ‫وهو الش ئ نفسه الذى توهمنا به العبارة الجمالية‪ ،‬والتى ليست بذات معنى‪ْ -‬إذ توهمنا بأنها جملة مفيدة ألن تركيبها النحوى‬ ‫ً‬ ‫يشبه تركيب الجمل املفيدة‪ ،‬مع أنها ليست إًل ً‬ ‫كالما فارغا‪.‬أنها ًل تدل إًل على حاًلت نفسيه عند املتكلم‪ ،‬وتعبر عن انفعال‬ ‫‪15‬‬ ‫ً‬ ‫جماليا‪ ،‬وذلك ألن املتكلم ًل يصف‪ ،‬وًل‬ ‫يجيش بصدره‪.‬ومن ثم تمتنع املناقشة العقلية بين شخصين اختلفا على تقويم ش ئ ما‬ ‫يقرر ً‬ ‫شيئا وًل تمكن مراجعته للتأكد من صواب أو خطأ ما يقول‪.‬وهذا ًل يلغى وجود القيم فى العالم وإنما يعنى أن القيم يجب‬ ‫أن توضع فى موضعها الصحيح‪ ،‬فال تناقض بين أن يكون التقدير ً‬ ‫ذاتيا‪ ،‬وبين أن نعتز به‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪5‬‬ ‫نظرية املحاكاة‬ ‫املحاكاة عند أفالطون‬ ‫ً‬ ‫عادة ما ُت َ‬ ‫نسب نظرية "املحاكاة" (‪ mimesis‬باليونانية) في فلسفة الجمال إلى أرسطو‪ ،‬ولكنها في الواقع تعود بأصولها إلى أفالطون‪.‬‬ ‫ورغم أن أفالطون قد اشتهر بتقريعه للشعراء في الجمهورية‪ ،‬كونهم يسعون إلى استمالة الناس إلى اًلعتقاد بآراء مغلوطة عن‬ ‫طريق استدراجهم للتصديق بما تحيكه األساطير من عجائب تثير الدهشة وتستثير الخيال‪ ،‬فليس معنى ذلك أن أفالطون كان‬ ‫يقلل من قيمة الجمال الفلسفية‪.‬بل على العكس‪ ،‬فإن أفالطون وضع الجمال في أعالي السلم املعرفي والوجودي‪.‬وربما قلنا إن‬ ‫ً‬ ‫توبيخه للشعراء كان قائما على استخفافهم بعالقة الجمال باملعرفة والحقيقة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بالنسبة ألفالطون‪ ،‬فإن العمل ّ‬ ‫الفني يقوم على "محاكاة" املوضوع الذي يعتني بتصويره‪.‬ويمكننا فهم املحاكاة مبدئيا على أنها‬ ‫ّ‬ ‫"يقلد" موضوعه‪.‬‬ ‫إيجاد انعكاس معنوي لصورة الش يء في نفس املتلقي‪ ،‬وبهذا يمكن القول بإن العمل الفني "يحاكي" أو ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مثال‪ :‬يقول أفالطون بأن الرسام الذي يرسم كرسيا إنما يحاول أن يوجد صورة الكرس ي في نفس من يطلع على الرسم‪ ،‬وهكذا‬ ‫"يمرر" صورة الكرس ي من الكرس ي امللموس إلى نفس املتلقي‪ ،‬حتى وإن كان املتلقي لم َير‬ ‫ّ‬ ‫يكون الرسم بمثابة الوسيط الذي ِ‬ ‫ً‬ ‫تمثاًل لشخصية عظيمة يحاول أن يعكس ما ّ‬ ‫الكرس ي "الواقعي" في حياته قط‪ّ.‬‬ ‫تتميز به تلك الشخصية في‬ ‫والنحات حين يصنع‬ ‫يتوسل في ذلك شتى األساليب الفنية من تصوير تعابير الوجه واختيار الز ّي الذي يرتديه‬ ‫نفس من يقف أمام التمثال‪ ،‬وهو ّ‬ ‫التمثال ووضعيته الجسدية‪.‬ولنذكر أن الغرض من املحاكاة هو تجسيد "حقيقة" موضوع العمل الفني‪ ،‬وليس نقله بحذافيره‬ ‫وتفاصيله املحسوسة‪.‬لذا فإن الفنان املقتدر سوف يسعى إلى اختيار ما يؤدي هذه الغاية من التفاصيل ويصورها بأحسن‬ ‫صورة في عمله‪.‬‬ ‫تساؤل‪ :‬ما الذي "تحاكيه" املوسيقى؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذا الفهم للمحاكاة قريب من فهم أرسطو‪.‬لكن هناك فرقا جوهريا بالفعل بين املحاكاة عند أفالطون واملحاكاة عند أرسطو‪،‬‬ ‫وهو أن كل املوجودات املحيطة بنا في العالم ًل تعدو عند أفالطون سوى ُ"ن َسخ" عن صورها املثالية‪ ،‬وهذه األخيرة هي التي ّ‬ ‫تحدد‬ ‫ماهية ما يحيط بنا من موجودات‪.‬فالصور املثالية للموجودات هي وحدها الحائزة على صفة الحقيقة بالنسبة ألفالطون (انظر‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫والتعقل‬ ‫أسبوعي الوجود واملعرفة حول أفالطون)‪.‬مثال‪ ،‬هناك صورة أو مفهوم مثالي للكرس ي‪ً ،‬ل يمكن الوصول إليها إًل بالنظر‬ ‫الفلسفي‪ ،‬وهذا املفهوم‪-‬املثال هو "حقيقة" الكرس ي‪.‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن الكرس ي امللموس هو بمثابة نسخة عن األصل‪.‬وهكذا‬ ‫ً‬ ‫يكون الكرس ي املرسوم بمثابة "نسخة عن نسخة" بتعبير أفالطون‪.‬يمكننا اآلن أن نفهم ملاذا كان أفالطون حذرا للغاية في تعاطيه‬ ‫مع الفنانين‪ ،‬حيث إنهم بالنسبة له يحاولون إرشاد الناس إلى اعتبار الحقائق عن طريق تأمل "نسخة عن نسخة" عن األصل‪،‬‬ ‫بينما الفيلسوف ّ‬ ‫يوجه نظر اإلنسان إلى أصل الش يء أو مثاله نفسه‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫املحاكاة عند أرسطو‬ ‫لكن أرسطو اختلف مع أفالطون ورأى بأن العمل الفني قادر على أن يؤدي وظيفة تساعد اإلنسان على الوصول إلى الحقيقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫فالفن بالنسبة له‪ ،‬وًل سيما فن "الشعر" كما نقف عليه في مالحم اإلغريق كاإللياذة واألوديسا‬ ‫وتحديدا الحقيقة األخالقية‪.‬‬ ‫وفي مسرحياتهم‪ٌ ،‬‬ ‫قادر على تأدية وظيفة بالغة األهمية في اإلرشاد األخالقي‪ ،‬وهي وظيفة ًل يقدر أن يضطلع بها إًل الشاعر الفنان‪،‬‬ ‫ويعبر عن هواجس اإلنسان األعمق‪.‬املحاكاة‬ ‫القادر على إسقاط أفعال اإلنسان في قالب خيالي يسبر آفاق الحالة اإلنسانية ّ‬ ‫ً‬ ‫إذن ًل تعني تصوير ش يء ّ‬ ‫معين مثل مشهد طبيعي أو كائن حي (كما في اللوحات التشكيلية مثال)‪ ،‬بل إنها تبلغ ذروتها عندما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتمكن العمل الفني من تصوير فعل اإلنسان وما ينطوي عليه من تحديات ومعضالت‪ ،‬بما يمكن املتلقي من تأمل حالته من‬ ‫بعد أخالقي‪ ،‬وذلك ما يسميه أرسطو "املحاكاة بواسطة الفعل"‪ ،‬وهو ما يمكن للملحمة وللمسرح القيام به على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وهنا يجدر بنا التنبيه أن امللحمة كانت النمط السردي األكبر لدى اإلغريق‪ ،‬بينما اليوم يمكننا أن نفكر في الرواية مثال على أنها‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫النمط السردي األكثر انتشارا‪ ،‬واملسرح كان النمط األدائي األبرز في زمن أرسطو‪ ،‬بينما اليوم يمكننا أن نفكر في السينما كالنمط‬ ‫ً‬ ‫األدائي األكثر انتشارا في عاملنا‪.‬‬ ‫مثال‪ :‬ما يقوله أرسطو عن املسرح ينطبق على ما قد نستشفه اليوم من األفالم السينمائية‪.‬فإذا كان أرسطو يعيش في مجتمعنا‬ ‫ّ‬ ‫اليوم‪ ،‬لقال إن القيمة ّ‬ ‫الفنية للفيلم السينمائي سوف تتركز في قدرته على إثارة انفعال املشاهد وتفكيره باملعضالت األخالقية‬ ‫الكبرى التي تواجهه (ما معنى الخير والشر؟ ما السعادة؟ ماذا أفعل حين تتعارض الواجبات األخالقية مع بعضها البعض؟) عن‬ ‫ّ‬ ‫التصرف إما بنبل أو بانحطاط‪.‬‬ ‫طريق تصوير سلسلة متكاملة من أفعال البطل (أو األبطال) في موقف ّ‬ ‫محدد يجبرهم على‬ ‫وقدرة الفيلم على تحقيق تلك القيمة منوطة بقدرته على "محاكاة" الجوانب األكثر جوهرية في تلك املواقف على أكمل وجه‪.‬‬ ‫يتميز بها الفنان دون غيره من سائر البشر‪ ،‬بل على الفيلسوف نفسه‪.‬ففي حين يتفوق الفيلسوف على الفنان في‬ ‫تلك قدرة ّ‬ ‫ً‬ ‫إبداعيا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫بتوسل حساسيته الفنية‪ ،‬وإبراز جوانب من‬ ‫قدرته على اعتبار املوجودات عقليا‪ ،‬فإن الفنان قادر على التعبير عنها‬ ‫ً‬ ‫الوجود اإلنساني في صورة تستسيغها نفوس البشر‪ ،‬املطبوعة غريزيا ومنذ الطفولة على اًللتذاذ بمحاكاة ما يحيط بها من‬ ‫حركات وتقليد األصوات وتشخيص الجمادات‪.‬‬ ‫يؤدي الفنان غرض املحاكاة فيكون ذلك عبر استخدام الوسيلة املناسبة واملضمون املناسب والنمط الفني املناسب‬ ‫أما كيف ّ‬ ‫ً‬ ‫للموضوع‪.‬ويقصد أرسطو بالوسيلة أمورا مثل اللغة املستخدمة وتناغم العبارات ومالءمة الوزن واإليقاع للمضمون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وباملضمون يعني تصوير الفضائل والرذائل على الوجه األكثر تأثيرا في نفس املتلقي ومدعاة لتهذيبه األخالقي‪ ،‬وأما األسلوب فهو‬ ‫إما السرد بضمير الغائب (كما نجد في امللحمة) أو السرد بضمير املتكلم (كما نجد في الشعر الغنائي) أو الحوار (كما نجد في‬ ‫الشعر املسرحي)‪.‬‬ ‫القيمة األخالقية للعمل الفني‬ ‫ولنستذكر أن الفضيلة عند أرسطو (راجع أسبوع األخالق) تقوم على شحذ الفطنة ("الحكمة العملية") من أجل التوصل إلى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انتهاج الفعل األنسب ("الوسط") في املوقف املناسب‪ ،‬أي ذلك الفعل الذي يتفق وماهية اإلنسان بوصفه كائنا عاقال‪.‬واملالحم‬ ‫‪18‬‬ ‫واملسرحيات تستعرض شتى املعضالت األخالقية على مرأى ومسمع املتلقي‪ ،‬وتدعوه للتماهي مع أبطالها – أو "محاكاتهم" – في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫املواقف التي تواجههم‪ ،‬والتفكر في التداعيات األخالقية لتصرفاتهم عن طريق معايشتها عاطفيا‪.‬هذه املعايشة العاطفية التي‬ ‫تسمح للمشاهد واملستمع باعتبار أفعال اإلنسان عن طريق ما تثيره فيهم القصص واملشاهد الدرامية من مشاعر هي ما سماه‬ ‫أرسطو بـ"التطهير" (‪ ،)catharsis‬الذي قد يمهد الطريق للتخلص من الرذائل التي تعاني منها أنفسهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إذن فاملحاكاة‪ ،‬بعيدا عن مخاطرها التي حذر منها أفالطون‪ ،‬تؤدي في فلسفة أرسطو دورا محوريا في التعليم األخالقي لدى‬ ‫اإلنسان‪ ،‬مليل النفس اإلنسانية الطبيعي إليها‪.‬بل إن ابن سينا مض ى – في شرحه لكتاب الشعر ألرسطو – إلى أن املحاكاة في‬ ‫يمكن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفن من أداء وظيفته التربوية املنشودة‪.‬وعلى‬ ‫حد ذاتها هي ما يشد النفس اإلنسانية إلى العمل الفني‪ ،‬وهي العنصر الذي ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫هذا فإن املحاكاة تصبح معيار الحكم على قيمة العمل الفني‪ّ ،‬‬ ‫بغض النظر عما إذا كان املحاكى جميال أم قبيحا‪.‬‬ ‫"الشعر" في كتاب "فن الشعر" ألرسطو‬ ‫ُ‬ ‫رجم إلى العربية بـ"الشعر" في كتابات الفالسفة اإلغريق‪ ،‬ومن ضمنهم أفالطون وأرسطو‪ ،‬هو تعريب‬ ‫ينبغي التنبيه على أن ما ت ِ‬ ‫لكلمة ‪ poesis‬اإلغريقية‪ ،‬التي نقلها البعض إلى العربية بلفظ "بويطيقا"‪ ،‬ومعناها "الصناعة"‪ ،‬وفي هذا ما قد يقرب القارئ‬ ‫العربي إلى كالم أرسطو عن املالحم واملسرحيات على أنها "شعر"‪.‬فالصناعة التي تعنى بها "البويطيقا" هي صناعة القصص أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يميز املالحم واملسرحيات عن الشعر الغنائي (‪ ،)lyric‬الذي ًل ُيعنى به أرسطو في كتاب "فن‬ ‫تحديدا ما ّ‬ ‫السرديات عموما‪ ،‬وذلك‬ ‫الشعر"‪ ،‬وينسبه إلى فنون املوسيقى‪.‬والواقع أن الشعر الغنائي هو األقرب إلى املفهوم العربي للشعر‪ ،‬كما نجده في القصيدة‪،‬‬ ‫وفي ذلك مفارقة ينبغي وضعها في اًلعتبار عند قراءة ما يلي من النصوص‪.‬بل إنها مفارقة حري بها أن تشجع القارئ على التساؤل‬ ‫عن مدى إمكانية تطبيق كالم أرسطو عن "البويطيقا" على الشعر كما يفهمه العرب‪ ،‬وهو ما مض ى الفارابي وابن سينا وابن‬ ‫رشد وغيرهم من فالسفة الحضارة اإلسالمية إلى محاولة تحقيقه بالفعل‪ ،‬كما سيرى القارئ في الجلسة القادمة‪.‬‬ ‫تطورمفهوم املحاكاة عبرالتاريخ‪:‬‬ ‫بعد أفالطون وأرسطو‪ ،‬استمرت نظرية املحاكاة في التأثير على النظريات الجمالية عبر العصور‪ ،‬وتطورت بما يتناسب مع‬ ‫التحوًلت الفلسفية والفنية‪:‬‬ ‫العصور الوسطى ‪:‬كانت املحاكاة في الفن ترتبط بالدين والرمزية‪ ،‬حيث كان الهدف من الفن هو نقل القصص‬ ‫ ‬ ‫املقدسة وتبسيط األفكار الالهوتية للعامة‪.‬‬ ‫كبيرا باملحاكاة‪ ،‬حيث سعى الفنانون إلى محاكاة الطبيعة والواقع بدقة‬ ‫ً‬ ‫اهتماما ً‬ ‫عصر النهضة ‪:‬شهد عصر النهضة‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫أكبر من خالل استخدام قواعد املنظور والتشريح‪.‬لكن الفن في هذا العصر كان يميل أيضا إلى تقديم رؤية مثالية‬ ‫للطبيعة واإلنسان‪ ،‬مما يعكس أثر أفالطون وأرسطو ً‬ ‫معا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا مع املفكرين مثل جان باتيست‬ ‫القرن السابع عشروالثامن عشر ‪:‬في الفلسفة الجمالية خالل هذه الفترة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫دو بوس ودفيد هيوم‪ ،‬بدأت تظهر اًلنتقادات للمحاكاة الصارمة‪ ،‬وتم التركيز على الدور العاطفي والشعوري للفن‬ ‫‪19‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بدًل من كونه مجرد محاكاة للواقع‪ً.‬‬ ‫مختلفا عن الجمال في نقد الحكم‪ ،‬حيث رفض فكرة‬ ‫مفهوما‬ ‫أيضا‪ ،‬طور كانط‬ ‫ً‬ ‫املحاكاة وركز على الجمال باعتباره مرتبطا بالحكم الذاتي واًلستقاللية‪.‬‬ ‫القرن التاسع عشر والو اقعية ‪:‬مع ظهور الحركة الواقعية في األدب والفن‪ ،‬عاد اًلهتمام بفكرة املحاكاة إلى الواجهة‪.‬‬ ‫ ‬ ‫لكن الواقعيين في هذا العصر لم يحاولوا محاكاة املثل العليا أو الحقيقة املجردة‪ ،‬بل كانوا يسعون إلى تقديم تصوير‬ ‫صادق للواقع اًلجتماعي والظروف املادية‪.‬‬ ‫املحاكاة والنظرية الجمالية الحديثة‪:‬‬ ‫قدم الفالسفة مثل‬‫بعيدا عن فكرة املحاكاة كأداة لفهم الفن‪ّ.‬‬ ‫مع تطور النظريات الجمالية في القرن العشرين‪ ،‬بدأ التحول ً‬ ‫مارتن هيدجر وجان بول سارتر مفاهيم جديدة للفن تركز على التعبير الذاتي‪ ،‬واملعنى الوجودي‪ ،‬ودور املتلقي في تفسير العمل‬ ‫الفني‪.‬املحاكاة‪ ،‬بوصفها محاكاة صارمة للواقع‪ ،‬أصبحت فكرة غير مركزية في النظريات الحديثة للفن‪.‬‬ ‫التعبيرية والفن التجريدي ‪:‬ابتعدت الحركات الفنية الحديثة عن املحاكاة املادية وركزت على الفن كوسيلة للتعبير‬ ‫ ‬ ‫عن املشاعر الداخلية (مثل التعبيرية) أو كمجال ًلستكشاف األشكال املجردة (مثل التكعيبية والسريالية)‪.‬في هذه‬ ‫الحركات‪ ،‬كان ُينظر إلى الفن كوسيلة لإلبداع‪ ،‬وليس كنسخة من العالم‪.‬‬ ‫الجماليات التحليلية ‪:‬في النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬تم إعادة التفكير في مفهوم املحاكاة ضمن سياق فلسفي‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫تعقيدا‪.‬الفالسفة مثل نيلسون غودمان في كتابه لغات الفن طرحوا فكرة أن الفن ليس بالضرورة محاكاة للواقع‪،‬‬ ‫أكثر‬ ‫بل هو نظام من الرموز واإلشارات التي قد تكون أو ًل تكون مرتبطة بشكل مباشر بالعالم الخارجي‪.‬‬ ‫تأثيراملحاكاة على النظرية الجمالية‪:‬‬ ‫على الرغم من أن مفهوم املحاكاة تضاءل في أهميته في النظريات الجمالية الحديثة‪ ،‬إًل أنه ظل فكرة مركزية في الجدل حول‬ ‫طبيعة الفن‪.‬ساهمت املحاكاة في وضع أسس قوية للفهم الفلسفي للعالقة بين الفن والواقع‪.‬‬ ‫كنوع من التأثر بأفالطون وأرسطو‪ ،‬ظهرت نظريات حول كيفية تصوير الفن للعالم‪ ،‬ومدى قدرته على كشف‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser