النظرية الجمالية - الفرقة الثالثة PDF
Document Details
Uploaded by Deleted User
بدرالدين مصطفى
Tags
Summary
هذا الكتاب يقدم دراسة شاملة حول المفاهيم الأساسية في فلسفة الجمال، و يتناول مراحل تطور الجماليات من الفلسفات القديمة إلى ما بعد الحداثة، ويقدم تحليلات دقيقة للتجربة الجمالية عند فلاسفة مؤثرين.
Full Transcript
نظريات علم الجمال بدرالدين مصطفى 1 املحتويات مقدمة املفاهيم األساسية للنظرية الجمالية القيم الجمالية بين النسبية واملوضوعية موقف الوضعية املنطقية...
نظريات علم الجمال بدرالدين مصطفى 1 املحتويات مقدمة املفاهيم األساسية للنظرية الجمالية القيم الجمالية بين النسبية واملوضوعية موقف الوضعية املنطقية هل يمكننا الحديث عن الجمال؟ نظرية املحاكاة التجربة الجمالية عند كانط الوجودية والنظرية الجمالية النظرية الجمالية املاركسية النظرية الجمالية عند مدرسة فرانكفورت الجماليات في مرحلة الحداثة البعدية ً هل كان ميالد القارئ رهينا بموت املؤلف؟ هل يمكن تعريف الفن؟ الجماليات الرقمية 2 مقدمة يهدف هذا الكتاب إلى تقديم دراسة شاملة ومركزة للمفاهيم األساسية في فلسفة الجمال ،كما يسعى إلى تسليط الضوء على إطارا ً فكريا للنظرية الجمالية ،مع التركيز على التنوع الفكري واملعرفي الذي يصاحب القضايا واملحاور األساسية التي تشكل ً هذا املجال. ً يتناول الكتاب مراحل تطور الجماليات من الفلسفات القديمة إلى املراحل األكثر حداثة وصوًل إلى ما بعد الحداثة.يبدأ الكتاب بمناقشة املفاهيم التأسيسية للنظرية الجمالية مثل تعريف الجمال والقيمة الجمالية ،والتفرقة بين الجمال الطبيعي والجمال الفني.كما يستعرض آراء فالسفة بارزين حول العالقة بين اإلبداع والذوق والحكم الجمالي. عمقا ،مثل النسبية الجمالية مقابل املوضوعية الجمالية ،حيث يحلل مدى ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى مناقشة مفاهيم أكثر ً ارتباط القيمة الجمالية بالسياق الثقافي والتاريخي ،أو ما إذا كانت تستند إلى معايير موضوعية يمكن اًلتفاق عليها.ويتطرق ً أيضا إلى موقف الوضعية املنطقية من القيم الجمالية ورفضها للمجاًلت املعرفية املعيارية. ومن خالل الفصول املتقدمة ،يتم التركيز على نظريات فالسفة مؤثرين مثل أفالطون وأرسطو في مفهوم املحاكاة ،إلى جانب التحليالت الدقيقة للتجربة الجمالية عند كانط ،حيث يقدم كانط إسهامات فريدة في فهم الجمال كحكم تأملي يستند إلى التجربة الذاتية للفرد.كما ُيسلط الضوء على الفكر الوجودي والجمالية الوجودية التي تركز على التجربة الفردية والحرية في الفن. كما ًل يغفل الكتاب التحوًلت الكبرى التي أحدثتها الفلسفة املاركسية في فهم الفن والجمال كأدوات لتحليل وتفسير البنية ً الطبقية واًلجتماعية ،مسلطا الضوء على الواقعية اًلشتراكية ودورها في تعزيز الوعي الطبقي.باإلضافة إلى فصول أخرى خصصت ملناقشة النظرية الجمالية في الفلسفة الوجودية ولدى مدرسة فرانكفورت وتحوًلتها في حقبة ما بعد الحداثة وعالقتها بالتطورات التقنية الراهنة خاصة في مجال الذكاء اًلصطناعي. ً في النهاية ،يقدم هذا الكتاب ً إطارا شامال لطالب الجامعة حول الفلسفات والنظريات املختلفة التي تشكل علم الجمال ،ليكون ً أساسيا يساهم في تطوير فهمهم لهذه املادة الحيوية ،ويوسع آفاقهم تجاه القضايا الجمالية التي ًل تزال تؤثر في الثقافة ً مرجعا والفن حتى يومنا هذا. 3 1 املفاهيم األساسية للنظرية الجمالية -1تعريف الجمال والقيمة الجمالية يرتبط الجمال كمفهوم فلسفي بالشعور باملتعة أو الرضا الذي ينشأ نتيجة التفاعل مع موضوع ما ،سواء كان هذا املوضوع طبيعيا أو ً فنيا.يتباين تعريف الجمال بين املدارس الفلسفية املختلفة ،حيث يرى بعض الفالسفة أن الجمال يرتبط بالسمات ً املوضوعية التي يمكن قياسها ،مثل التناسب والتناغم ،بينما يؤكد آخرون أن الجمال تجربة ذاتية تعتمد على مشاعر وتفضيالت الفرد. بناء على إدراكنا له كجميل أو قبيح.هذا الحكم يمكن أن يكون ً نابعا تشير القيمة الجمالية إلى الحكم الذي نطلقه على ش يء ما ً من خصائص متأصلة في املوضوع (مثل اللون والشكل) أو من تجربة ذاتية تتأثر بالثقافة والذوق الشخص ي.الفالسفة اختلفوا في اعتبار القيمة الجمالية ذاتية أو موضوعية؛ فمنهم من يراها قيمة نابعة من املوضوع نفسه ،بينما يرى آخرون أن الجمال يتحدد من خالل اًلستجابة الفردية أو اًلجتماعية. -2الفرق بين الجمال الطبيعي والجمال الفني الجمال الطبيعي هو ذلك الجمال الذي نجده في الطبيعة ،والذي ًل يحتاج إلى تدخل بشري لصنعه أو تغييره.األمثلة تشمل ً ً ُ أساسيا لإللهام مصدرا مناظر الطبيعة مثل البحيرات الجبلية ،الغابات الكثيفة ،وأشكال السحب في السماء.الطبيعة تعتبر الجمالي بسبب وفرتها وتنوعها في املظاهر الطبيعية التي تثير اإلعجاب والتأمل. أما الجمال الفني من ناحية أخرى ،فهو الجمال الذي يظهر في األعمال التي يبدعها اإلنسان ،مثل اللوحات ،املنحوتات، واملوسيقى.يتطلب الجمال الفني درجة من اإلبداع واملهارة لتحقيقه.ويختلف عن الجمال الطبيعي في كونه ً نتاجا لعملية إبداعية تتطلب تدخل الفنان ،الذي يحدد كيفية عرض أو تشكيل املادة الخام إلنتاج تجربة جمالية.كما أن األعمال الفنية تخضع للمعايير الثقافية والتاريخية التي تؤثر على كيفية استقبالها وفهمها. الفرق بين الجمال الطبيعي والفني ًل يعني بالضرورة أن أحدهما أفضل من اآلخر ،وإنما يكمن في طبيعة العالقة التي يقيمها اإلنسان مع كل منهما؛ فالجمال الطبيعي مرتبط بالتأمل في الطبيعة ،بينما يعكس الجمال الفني قدرة اإلنسان على التعبير عن رؤيته للعالم. -3اإلبداع ،الذوق ،والحكم الجمالي ً جماليا. ً استحسانا ً إعجابا أو ً جوهرا في فهم الفن والجمال الفني.إنه القدرة على خلق ش يء جديد أو أصلي يثير اإلبداع ُيعتبر اإلبداع ًل يقتصر على اًلبتكار التام ،بل يمكن أن يكون إعادة تفسير لش يء مألوف بطريقة غير متوقعة أو جمالية.في الفلسفة الجمالية ،اإلبداع يعتبر قوة ضرورية لتقديم تجارب جديدة تثري العقل واملشاعر. 4 الذوق هو القدرة على تمييز الجمال من القبح أو التفريق بين األعمال الفنية الجيدة والسيئة.الذوق يتشكل بفعل العوامل الثقافية والتربوية ،وقد يختلف بشكل واسع بين األفراد.بينما يعترف بعض الفالسفة بأن الذوق مسألة شخصية ً تماما ،حاول ً عنصرا آخرون وضع معايير موضوعية يمكن استخدامها لتقييم الذوق.مثال ،الفيلسوف إيمانويل كانط يرى أن الذوق يتضمن ً من "الحكم العام" ،حيث ينبغي أن يكون الحكم الجمالي معقوًل بما يكفي ليوافق عليه اآلخرون. أما الحكم الجمالي ف هو العملية التي نستخدمها لتقييم موضوع أو عمل فني من حيث قيمته الجمالية.يعتمد هذا الحكم على ً موضوعيا ،حيث مقاييس مختلفة مثل التناغم ،التوازن ،واًلنسجام بين العناصر املكونة للعمل.قد يكون الحكم الجمالي يتفق النقاد والجمهور على قيمة فنية معينة ،أو ً ذاتيا ،حيث تختلف اآلراء ً بناء على الذوق الشخص ي والخلفية الثقافية. -4الفن كموضوع للتجربة الجمالية يعتبر الفن ،بمختلف أشكاله (رسم ،نحت ،موسيقى ،أدب) ،وسيلة أساسية للتعبير عن التجربة الجمالية.ويجسد الفن عبر عن اإلبداع البشري.تعد التجربةالجمال بطرق متعددة ومعقدة ،ويعتمد على مجموعة من األساليب والوسائط التي ُت ّ ً موضوعا لدراسة مكثفة في الفلسفة ،حيث يحاول الفالسفة فهم كيفية تأثير الفن على مشاعرنا وتفكيرنا، الجمالية للفن وكيف ُن ّ قيم األعمال الفنية. ليس الفن مجرد إعادة إنتاج للواقع ،بل هو محاولة إلضفاء قيمة جمالية على املواد واألفكار.إن التفاعل مع الفن يتطلب مستوى من التأمل والتفكير الجمالي ،حيث ُي َّ حفز الفرد على التأمل في العناصر الفنية مثل الشكل ،اللون ،واإليقاع.وبهذا، تصبح التجربة الجمالية أكثر تعقي ًدا عندما يتعلق األمر بالفنً ، نظرا لتعدد أبعاده ومظاهره. -5الخيال الفني الخيال الفني هو القدرة على توليد تصورات وأفكار إبداعية تتجاوز الواقع املادي املباشر.في سياق الجماليات ،يعتبر الخيال ً ً أساسيا لإلبداع في الفن.إنه القوة التي يستخدمها الفنان لتحويل الواقع إلى تجربة جمالية تعكس رؤيته الخاصة. الفني شرطا الخيال الفني ًل يقتصر على الفنانين فقط؛ بل يمتد إلى الجمهور ً أيضا ،حيث ُيعتبر الخيال وسيلة لفهم وتقدير األعمال الفنية بطرق مختلفة. ومن خالل الخيال ،يتمكن الفنان من خلق صور أو قصص تتجاوز التجربة اليومية.على سبيل املثال ،الخيال هو ما سمح ً أحالما وتصورات باطنية. لفنانين مثل سلفادور دالي في فن السريالية بخلق صور غريبة وغير مألوفة تعكس -6التمثيل يشير التمثيل في الجماليات إلى القدرة الفنية على تقديم أو تصوير ش يء ما بطريقة تشير إلى واقع خارجي.التمثيل قد يكون مباشرا (مثل رسم صورة ملنظر طبيعي) أو ً رمزيا (مثل استخدام األلوان واألشكال لإلشارة إلى مفاهيم مجردة). ً 5 التمثيل في الفن يعتمد على كيفية إدراك الفنان للعالم وترجمته إلى وسيط فني ،سواء كان ذلك عبر الرسم ،النحت ،املسرح، ً موضوعا للنقاش حول مدى دقته وقدرته على محاكاة الواقع بشكل أو السينما.ومع تطور النظريات الجمالية ،أصبح التمثيل مقنع. وفي أعمال مثل لوحات عصر النهضة ،كان الهدف هو تحقيق أعلى مستوى من الدقة في التمثيل ،بينما في الفن الحديث ،قد ً تجريدا وغير مباشر. يكون التمثيل أكثر -7املحاكاة)(Mimesis مفهوم فلسفي قديم نشأ مع الفيلسوف أفالطون وأرسطو ،ويشير إلى تقليد أو إعادة إنتاج الواقع في الفنونً. وفقا ألفالطون، املحاكاة هي تقليد العالم املادي ،الذي يعتبره مجرد نسخة غير كاملة من العالم املثالي.أما أرسطو فيعتبر أن املحاكاة هي جوهر الفن ،حيث يتمثل اإلبداع في قدرة الفنان على محاكاة جوانب الحياة الواقعية بطرق مميزة. تظهر املحاكاة في الرسم الواقعي ،املسرح الكالسيكي ،واألدب الذي يسعى إلى تصوير الحياة البشرية بتفاصيلها الدقيقة. -8التعبير يشير التعبير في الفن إلى قدرة العمل الفني على نقل مشاعر وأفكار الفنان إلى الجمهور.الفنون التعبيرية (مثل املوسيقى، الشعر ،والرسم) تعتمد على هذه الفكرة األساسية ،حيث تكون الغاية من الفن هي إثارة عاطفة أو فكرة معينة عند املتلقي. ً أساسيا في جميع أنواع الفنون ،حيث يعكس مدى تفاعل الفنان مع مواضيع حياته اليومية أو تجاربه ً عنصرا و ُيعد التعبير الشخصية. -9الشكل واملضمون الشكل هو الطريقة التي يتم بها تنظيم العناصر الفنية مثل اللون ،الخط ،والكتلة في العمل الفني ،في حين أن املضمون يشير ّ ً فعاًل من الناحية الجمالية؛ إلى الرسالة أو املعنى الذي يحمله العمل.التفاعل بين الشكل واملضمون هو ما يجعل العمل الفني فالشكل الجذاب أو املبتكر يمكن أن ُيضفي على املضمون قيمة إضافية والعكس صحيح. -10الكاثارسيس (التطهير) الكاثارسيس هو مصطلح استخدمه أرسطو في كتابه "فن الشعر" لوصف التأثير التطهيري الذي تخلقه األعمال الفنية، وخاصة التراجيديا ،على الجمهور.يعتقد أرسطو أن التراجيديا تعمل على تحرير املشاهد من املشاعر السلبية مثل الخوف والشفقة من خالل تجربتها بشكل آمن ومتحكم فيه داخل املسرحية. ويعتبر هذا املفهوم أساس ي في فهم كيفية تأثير الفن على املشاعر اإلنسانية ،وكيف يمكن لألعمال الفنية أن تكون وسيلة للتعبير عن العواطف واملساعدة في تفريغ التوترات النفسية. 6 -11الرمز )(Symbolism الرمز في الجماليات يشير إلى استخدام األشياء أو األشكال لإلشارة إلى معاني أعمق أو مفاهيم مجردة.في الفنون التشكيلية، األدبية ،واملوسيقيةً ، غالبا ما يتم استخدام الرموز لتوصيل أفكار أو مشاعر تتجاوز املعنى الحرفي للعمل الفني. ويعزز الرمز من عمق العمل الفني ويضيف طبقات من املعنى التي قد ًل تكون واضحة على الفور.على سبيل املثال ،استخدام اللون األسود في لوحة قد يرمز إلى الحزن أو الغموض. -12الشكالنية )(Formalism ً نظرية جمالية تركز على العناصر الشكلية للعمل الفني (مثل الخطوط ،األلوان ،األشكال) بدًل من املضمون أو الرسالة التي يحملها.يعتقد الشكالنيون أن القيم الجمالية للعمل الفني تكمن في شكله وكيفية تنظيم عناصره.وهذه النظرية تتيح النظر إلى األعمال الفنية ً بعيدا عن معانيها التقليدية والتركيز على تقنيات التكوين الفني واًلبتكار في استخدام الوسائط الفنية. -13التذوق الجمالي )(Aesthetic Taste التذوق الجمالي هو القدرة الشخصية على تقدير الجمال في الفنون أو الطبيعة.يتأثر التذوق الجمالي بالتربية ،الثقافة، ً موضوعا للجدل بين الفالسفة حول ما إذا كان يمكن تعليم التذوق الجمالي أو إذا كان يعتمد فقط والتجربة ،ويمكن أن يكون على العوامل الذاتية. ويساعد فهم التذوق الجمالي يساعد في تفسير الفروق بين األذواق الشخصية وكيف تؤثر الخلفية الثقافية واًلجتماعية على الحكم الجمالي. -14اًلستقالل الجمالي )(Aesthetic Autonomy اًلستقالل الجمالي هو فكرة أن القيم الجمالية للعمل الفني مستقلة عن أي معايير أخالقية أو اجتماعية.هذه النظرية تنظر إلى الفن كغاية في حد ذاته ،حيث يتم تقييم العمل الفني ً بناء على جودته الجمالية فقط ،دون الرجوع إلى تأثيره األخالقي أو السياس ي. -15الجمال والسمو )(The Sublime مفهوم جمالي يرتبط بالشعور بالعظمة أو القوة الساحقة التي يمكن أن تولد مشاعر الرهبة أو اًلنبهار.بينما يرتبط الجمال باملتع البسيطة واألنيقة ،يرتبط السمو باملشاعر القوية التي تنتج عن تجربة ش يء يفوق القدرة البشرية على الفهم ،مثل مشهد جبلي مهيب أو عاصفة بحرية هائلة. وقد ساهم هذا املفهوم ،الذي عالجه إيمانويل كانط وإدموند بيرك ،في فهم التجارب الجمالية التي تتجاوز مجرد اإلعجاب بالجمال لتشمل مشاعر الخوف واإلعجاب في الوقت نفسه. 7 2 القيم الجمالية بين النسبية واملوضوعية تعريف القيمة الجمالية وأهميتها في الفلسفة تعد القيمة الجمالية أحد املواضيع الرئيسية في فلسفة الجمال ،حيث تتعلق بكيفية تقييم األعمال الفنية والجمالية.تشير ً ُ القيمة الجمالية إلى معايير ومعاني الجمال التي يمكن أن ُتدرك أو ُت َّ عنصرا قيم في مختلف األعمال الفنية.تعتبر القيم الجمالية مركزيا في الفلسفة ،إذ تتداخل مع مجاًلت متعددة مثل األخالق ،املعايير اًلجتماعية ،والنقد الفني. ً تكتسب القيمة الجمالية أهميتها من تأثيرها الكبير على كيفية تفاعل األفراد مع الفنون واملمارسات الثقافية.فالفنون ليست ً ضروريا لتحليل أيضا معتقدات ،قيم ،وتجارب ثقافية.هذا يجعل فهم القيمة الجمالية ً أمرا مجرد تعبيرات جمالية بل تعكس ً األعمال الفنية وتفسيرها ،وفهم كيفية تأثير الجمال على املجتمع والثقافة. مفهوما النسبية واملوضوعية في السياق الجمالي ً ُ -النسبية الجمالية تشير إلى أن األحكام الجمالية تعتمد على السياقات الثقافية والشخصية.هذا يعني أن ما يعتبر جميال في ثقافة معينة قد ًل ُيعتبر كذلك في ثقافة أخرى.تتشكل التقديرات الجمالية من خالل التجارب الفردية والبيئات اًلجتماعية، مما يؤدي إلى تنوع اآلراء حول الجمال. ً -املوضوعية الجمالية تدعي أن هناك معايير موضوعية يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنيةُ.يعتبر الجمال قابال لإلدراك بشكل مستقل عن األذواق الشخصية ،وبالتالي يمكن أن توجد معايير ثابتة للجمال يمكن أن يتفق عليها جميع البشرً. وفقا ً لهذا املفهوم ،يمتلك العمل الفني سمات معينة تجعله "جميال" بغض النظر عن تفضيالت األفراد. ً موضحا كيفية تأثير كل منهما على فهمنا للجمال ،وكيف تساهم سيتناول هذا الفصل األبعاد املختلفة للنسبية واملوضوعية، هذه اآلراء في تشكيل النقاش الفلسفي حول القيم الجمالية.من خالل استكشاف هذه املفاهيم ،يمكن للطالب تعزيز قدرتهم على تحليل وتقييم األعمال الفنية بطريقة نقدية وفهم السياقات الثقافية التي تشكل تصورات الجمال. النسبية الجمالية النسبية الجمالية هي الفكرة التي تفيد بأن األحكام الجمالية ليست ثابتة أو عاملية ،بل تعتمد على السياقات الثقافية، التاريخية ،والشخصية.تشير إلى أن الجمال والفن يتم تقييمهما ً بناء على تجارب األفراد والتصورات اًلجتماعية املحيطة بهم. ً بمعنى آخر ،ما ُيعتبر جميال في ثقافة معينة أو من قبل شخص معين قد ًل ُيعتبر كذلك من ِقبل شخص آخر أو في ثقافة مختلفة.وبالتالي ،تعكس النسبية الجمالية تنوع األذواق واملعايير الجمالية عبر الزمن واملكان. 8 وتعود جذور النسبية الجمالية إلى الفالسفة اإلغريق ،إًل أن الفكرة تطورت بشكل ملحوظ في العصور الحديثة.خالل القرن ً حاسما في تشكيل أحكامنا الثامن عشر ،اعتبر الفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم أن املشاعر والتجارب الفردية تلعب ً دورا الجمالية.حيث قال" :الجمال في العين الناظرة" ،مما يعني أن تقييم الجمال هو مسألة شخصية تعتمد على املشاعر الفردية. وقد تزايد اًلهتمام بالنسبية الجمالية خالل القرن التاسع عشر مع ظهور الفالسفة مثل فريدريك نيتشه ،الذي انتقد القيم املوضوعية في الفنً ، مؤكدا أن القيم الجمالية تتأثر بشكل عميق بالثقافة والسياق اًلجتماعي. و ُيعتبر هيوم من أبرز املدافعين عن النسبية الجمالية ،حيث يؤكد أن األحكام الجمالية تتشكل من خالل مشاعرنا وتجاربنا ً الفرديةً. وفقا لهً ،ل يمكن اعتبار أي ش يء جميال بشكل موضوعي ،إذ إن الجمال يعتمد على تقديرات األفراد.كما ُيعتبر نيتشه ً أيضا من الفالسفة املهمين في هذا السياق ،حيث ناقش مفهوم النسبية في كتابه "اإلنسان املفرط".اعتبر أن القيم الجمالية ُ تتشكل من خالل القوى الثقافية والتاريخية ،وأن كل ثقافة تحدد معاييرها الخاصة للجمال.أما فالتر بنيامين فقد ناقش في ً مشيرا إلى كيف تؤثر السياقات اًلجتماعية والسياسية على تقديراتنا للجمال.واعتبر أن األعمال أعماله النسبية الجمالية، الفنية ليست محصورة في قيمتها الجمالية فقط ،بل تتأثر بالتاريخ والسياق الذي ظهرت فيه. تتجلى النسبية الجمالية بوضوح في العديد من األعمال الفنية واألدبية ،حيث يمكن أن تختلف التقديرات الجمالية بين الثقافات املختلفة: ً ُ -الفن الحديث :تعتبر الحركات الفنية الحديثة ،مثل الفن التجريدي ،مثاًل على النسبية الجمالية ،حيث ًل يتم تقييم األعمال الفنية ً بناء على املعايير التقليدية للجمال ،بل على مدى اًلبتكار والتعبير الشخص ي. -األدبُ :تظهر روايات مثل "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي كيف يمكن أن تتباين اآل اء حول األخالق والجمال ً وفقا للسياق ر الثقافي والتاريخي.فالتصورات الجمالية قد تختلف بين شخصيات الرواية بحسب خلفياتهم اًلجتماعية والفكرية. ُ جزءا من الثقافة التي تعبر عن النسبية الجمالية ،حيث ُيعتبر الجمال في القصص -الثقافات املختلفةُ :يعتبر الفولكلور ً ً موضوعا يتغير باختالف العادات والتقاليد. الشعبية أو الزخارف التقليدية ُ تظهر هذه األمثلة كيف تؤكد النسبية الجمالية على تنوع األذواق واملعايير في الفن واألدب ،مما يسهم في توسيع فهمنا للجمال في سياقات مختلفة. املوضوعية الجمالية تشير إلى الفكرة القائلة بأن هناك معايير ثابتة وموضوعية يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنية.تنص هذه الفكرة على أن الجمال يمكن أن ُيدرك بشكل مستقل عن األذواق الشخصية والتجارب الفردية ،وأن هناك ً قيما جمالية يمكن أن تتفق عليها جميع الثقافات.تعتبر املوضوعية الجمالية أن األعمال الفنية تحمل سمات معينة تجعلها "جميلة" بغض النظر عن تقديرات األفراد. 9 تعود جذور املوضوعية الجمالية إلى الفالسفة اإلغريق ،ولكنها تطورت بشكل ملحوظ في العصور الحديثة.إيمانويل كانط ،أحد أبرز املدافعين عن املوضوعية ،قدم أفكاره حول الجمال في كتابه "نقد الحكم" (.)1790كانط اقترح أن األحكام الجمالية يجب أن تستند إلى فكرة "الذوق الكوني" ،وهو نوع من القيم الجمالية التي يمكن أن تتجاوز األذواق الفردية. كما استمرت املوضوعية في التطور في القرن التاسع عشر مع الفيلسوف األملاني هيغل ،الذي اعتبر أن الفن هو تجسيد للروح املطلقة وأن الجمال هو تعبير عن الحقيقةً. وفقا لهيغل ،فإن األعمال الفنية ليست مجرد تعبيرات شخصية ،بل تعكس معايير موضوعية للجمال. ويعتبر كانط من أبرز املدافعين عن املوضوعية الجمالية.في كتابه "نقد الحكم" ،ادعى أن الحكم الجمالي يمكن أن يكون ً ً ً مستندا إلى فكرة أن األذواق يمكن أن تتفق على صفات معينة تجعل العمل الفني جميال.كانط يميز بين الحكم موضوعيا، الجمالي والحكم األخالقي ،حيث يشير إلى أن الجمال يرتبط بالتحرر من األغراض الشخصية. أماهيجل فقد قدم رؤية شاملة للجمال ،حيث اعتبر أن الفنون تعكس تطور الروح املطلقة.في كتاباته ،يؤكد أن الجمال هو قيم ً بناء على معاييره الداخلية.يشير هيجل إلى أهمية السياق التاريخي والثقافي تعبير عن الحقيقة ،وأن العمل الفني يمكن أن ُي َّ أيضا على وجود قيم موضوعية للجمال.وباملثل ناقش ديوي مفهوم الجمال من منظور في تقييم األعمال الفنية ،لكنه يؤكد ً موضوعي ،حيث ربط بين التجربة الجمالية والعواطف.في كتابه "الفن كخبرة" ،اعتبر أن الجمال يمكن أن ُيدرك من خالل التجارب املشتركة. ُ وتتجلى املوضوعية الجمالية في العديد من األعمال الفنية واألدبية التي تظهر معايير محددة للجمال: ُ ُ -الفن الكالسيكي :تعتبر األعمال الفنية مثل تماثيل اإلغريق القديم (مثل تمثال "فيكتوري") من األمثلة التي تظهر املوضوعية الجمالية ،حيث تعتمد على معايير التنسيق واًلنسجام الجسدي. ُ -الرسم :تظهر لوحات الفنانين مثل ليوناردو دافنش ي ورامبرانت أن األعمال التي تتبع قواعد معينة من التكوين ،اإلضاءة، والتفاصيل يمكن أن ُتعتبر جميلة بشكل موضوعي.ويتم تقييم الجمال في هذه األعمال ً بناء على معايير فنية محددة. -األدب الكالسيكيُ :تظهر أعمال مثل "أوديسة" لهوميروس أو "مسرحيات شكسبير" كيف يمكن تقييم الجمال األدبي ً بناء على ً ُ معيارا للجمال األدبي في الثقافات الغربية. عناصر مثل اللغة ،األسلوب ،والهيكل السردي.تعتبر هذه األعمال ُ تظهر هذه األمثلة كيف تدعم املوضوعية الجمالية فكرة وجود معايير ثابتة يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنية واألدبية، مما يسهم في فهم أعمق للجمال في الثقافة والفن. الفروق األساسية بين النسبية واملوضوعية تتباين النسبية واملوضوعية بشكل جذري ،حيث يمثل كل منهما وجهة نظر فريدة حول طبيعة الجمال والقيم الجمالية.يمكن تلخيص الفروق األساسية بين النسبية واملوضوعية كما يلي: 10 ُ ُ تشير النسبية إلى أن األحكام الجمالية تعتمد على السياقات الثقافية والشخصية.تعتبر قيم الجمال متغيرة ومتنوعة ،وتعتمد على تجارب األفراد وخلفياتهم.أما املوضوعية فتفترض أن هناك معايير ثابتة يمكن من خاللها تقييم األعمال الفنية.الجمال ً ُيعتبر قابال لإلدراك بشكل مستقل عن األذواق الشخصية ،مما يعني وجود معايير موضوعية للجمال. في النسبيةُ ،يعتبر الجمال مسألة فردية ،حيث يمكن أن يختلف من شخص آلخر أو من ثقافة ألخرى.أما في املوضوعيةُ ،يعتبر ً موضوعيا لألعمال الفنية. تقييما ً معتمدا على معايير محددة يمكن أن تتفق عليها جميع الثقافات ،مما ُيتيح ً الجمال ُ وفي حين تعترف النسبية بتنوع القيم الجمالية وتشجع على تقدير الفنون من ثقافات مختلفة ،فإن املوضوعية تسعى لتحديد ً جميال ً بناء على معايير عامة وثابتة. ما ُيعتبر هل هناك معاييرجمالية موضوعية يمكن االستناد إليها في الحكم الجمالي؟ نعم ،هناك معايير جمالية موضوعية يمكن اًلستناد إليها في الحكم الجمالي ،رغم أن هذا املوضوع مثير للجدل بين الفالسفة والنقاد.إليك بعض املعايير التي يعتبرها العديد من الفالسفة موضوعية: .1التكوين والتنسيق -يعكس التكوين الجيد والتنسيق بين العناصر في العمل الفني كيفية استخدام الفنان للفضاء واللون والشكل بطريقة تجعل العمل أكثر جاذبية.هذه العناصر يمكن أن تكون موضوعية في تقييم جمال العمل. .2التوازن رئيسيا في التصميم الجمالي.يمكن أن يكون هناك توازن متناظر أو غير متناظر ،ويمكن أن ُيعتبر ً ً عنصرا ُ -يعتبر التوازن ً معيارا للجمال. التوازن الجيد .3اًلنسجام معيارا ً مهما ً -يشير اًلنسجام إلى كيفية تكامل العناصر املختلفة في العمل الفني ،مثل األلوان واألشكالُ.يعتبر اًلنسجام لتقييم الجمال ،حيث يسهم في خلق تجربة بصرية ممتعة. .4التفاصيل والدقة ُ ُ -يعتبر اًلهتمام بالتفاصيل ودقة التنفيذ من املعايير الجمالية املوضوعية.األعمال الفنية التي تظهر مستوى عال من املهارة ً ً ُ غالبا ما تعتبر أكثر جماًل. والدقة .5اًلبتكار واإلبداع بناء على مدى تجديده وابتكاره مقارنة باألعمال ً موضوعيا ،حيث يمكن تقييم العمل الفني ً ً جماليا ً عنصرا ُ -يعتبر اًلبتكار السابقة.اًلبتكار يمكن أن ُيعطي قيمة إضافية للعمل. 11 .6التأثير العاطفي ً شخصيا ،إًل أن األعمال التي تستطيع أن تؤثر على مجموعة واسعة من -على الرغم من أن التأثير العاطفي يمكن أن يكون ُ الناس بشكل مشابه تعتبر موضوعية في تأثيرها.إذا استطاعت العمل الفني أن تثير ردود فعل إيجابية أو سلبية متسقة لدى ً جمهور واسع ،يمكن اعتباره جميال. .7الجودة الفنية -تشمل الجودة الفنية املهارات التقنية املستخدمة في إنشاء العمل ،مثل الرسم ،النحت ،أو التصوير الفوتوغرافيُ.يعتبر ً موضوعيا في الحكم الجمالي. ً معيارا استخدام تقنيات متقدمة ومعرفة القوانين الفنية .8التقاليد الثقافية ُ -في بعض الثقافات ،قد توجد معايير جمالية موضوعية تعتمد من ِقبل املجتمع ،مثل األساليب الفنية التقليدية أو الرموز ُ الثقافية.هذه املعايير تعتبر مهمة في تقييم الجمال ضمن سياق ثقافي معين. .9القيمة التاريخية ً ُ ُ -تعطي األعمال التي تحمل قيمة تاريخية أو رمزية ملكان معين ً غالبا ما تعترف بها على أنها وزنا في تقييم جمالها.هذه القيمة موضوعية ً نظرا لتأثيرها على الثقافة أو املجتمع. الخالصة بينما تعكس هذه املعايير الجمالية املوضوعية جوانب معينة من الجمال يمكن قياسها وتقييمها بشكل موحد ،إًل أن الفهم الشخص ي والسياق الثقافي ًل يزاًلن يلعبان ً دورا في كيفية تلقي هذه املعايير.ومع ذلك ،فإن وجود معايير موضوعية يمكن أن يساعد في تعزيز النقاش النقدي حول الفن ويمنح الفالسفة والنقاد أدوات لفهم الجمال بشكل أعمق. 12 3 موقف الوضعية املنطقية الوضعية املنطقية ) (Logical Positivismهي مدرسة فلسفية ظهرت في أوائل القرن العشرين ،وتقوم على فكرة أن املعرفة ً تجريبيا أو التي تكون ذات معنى تحليلي.من هذا املنطلق ،موقفهم من الصحيحة تستند إلى القضايا التي يمكن التحقق منها نقديا ،حيث يرون أن القضايا الجمالية (واألخالقية كذلك) هي قضايا غير ذات معنى منموقفا ًالقيم الجمالية يعكس ً الناحية الفلسفية؛ ألنها ًل تعبر عن وقائع تجريبية يمكن التحقق منها. موقفهم من القيم الجمالية: .1القضايا الجمالية غيرذات معنى معرفي :يعتبر الوضعيون املنطقيون أن األحكام الجمالية مثل "هذه اللوحة جميلة" أو "هذه املوسيقى رائعة" هي قضايا تعبر عن مشاعر املتكلم وًل تعبر عن حقيقة موضوعية يمكن التحقق منهاً. ووفقا لذلك ،فهي أشبه بالتعبير عن اًلنطباعات الشخصية وًل تمتلك أي مضمون معرفي. .2استبعاد التحليل الفلسفي للقيم الجمالية :ألن الوضعية املنطقية تركز على القضايا التي يمكن التأكد منها من ً موضوعا منطقيا ،فهي تستبعد أي حديث عن القيم الجمالية بوصفها ً خالل التجربة الحسية أو التي يمكن تحليلها ً جديرا بالبحث.فهي تعد القضايا الجمالية مثل القضايا امليتافيزيقية غير قابلة للتحقق التجريبي ،وبالتالي ً فلسفيا يجب إسقاطها من النقاش الفلسفي. .3النظر إلى القيم الجمالية كحاالت انفعالية :يرى الوضعيون املنطقيون أن األحكام الجمالية تعكس فقط ردود أفعال انفعالية ،أي أن الحكم الجمالي ًل يخبرنا بش يء عن موضوع الجمال نفسه ،وإنما يعبر فقط عن موقف عاطفي تجاه هذا املوضوع.على سبيل املثال ،عندما نقول "هذه اللوحة جميلة" ،فهذا ًل يعني أن هناك خاصية ُ موضوعية تسمى "الجمال" في اللوحة ،بل يعني فقط أنني أشعر بالسرور عندما أراها. يتقاطع موقف الوضعيين املناطقة مع العديد من املواقف الفلسفية أخرى في تاريخ الفلسفة ،خاصة تلك التي تركز على الفصل بين املعرفة العلمية والتجريبية من جهة ،واملعرفة املتعلقة بالقيم واألخالق والجمال من جهة أخرى.فيما يلي أبرز املواقف الفلسفية الشبيهة: -1موقف ديفيد هيوم(David Hume): ديفيد هيوم ،الفيلسوف التجريبي اإلسكتلندي في القرن الثامن عشر ،يشترك في موقفه مع الوضعيين املنطقيين من حيث النظر إلى القيم الجمالية على أنها تعبير عن املشاعر واًلنفعاًلت.في كتابه "بحث في الطبيعة البشرية" ،يجادل هيوم بأن األحكام الجمالية واألخالقية ليست استنتاجات عقلية ،بل تعبيرات عن املشاعر الفردية.يرى هيوم أن الجمال ليس خاصية موضوعية ،وإنما ش يء ُنسقطه نحن على األشياء ً بناء على شعورنا الشخص ي.وبالتالي ،األحكام الجمالية عند هيوم هي تعبيرات عن الذوق وليست قضايا موضوعية قابلة للتحليل الفلسفي بمعنى تقليدي. 13 -2موقف إيمانويل كانط(Immanuel Kant): قدم رؤية مختلفة ،ولكنه يشترك مع الوضعيين املنطقيين في فصل األحكام إيمانويل كانط ،في كتابه "نقد ملكة الحكم"ّ ، الجمالية عن األحكام العقلية.يرى كانط أن الحكم الجمالي ًل يستند إلى مفاهيم أو معرفة موضوعية ،بل هو حكم تأملي ناتج عن الشعور باملتعة أو النفور عند تجربة موضوع معينُ.يعتبر الجمال عند كانط "غاية بدون غاية" ،أي أن الحكم الجمالي ليس له وظيفة عملية أو معرفية ،بل يعتمد على تفاعل ذاتي بين املخيلة والفهم. -3موقف لودفيغ فتجنشتاين(Ludwig Wittgenstein): في أعماله املتأخرة ،خاصة في "تحقيقات فلسفية" ،ناقش فتجنشتاين قضايا الجمال واملعنى بشكل غير مباشرً ، مميزا بين "اللغة العلمية" و"اللعب اللغوي" الذي ينتمي إلى األحكام الجمالية.يرى فتجنشتاين أن استخدام اللغة في الحكم على األعمال الفنية أو التعبير عن الجمال هو جزء من لعبة لغوية اجتماعية ،وًل يمكن الحكم على هذا اًلستخدام بمقاييس الصواب والخطأ.بعبارة أخرى ،األحكام الجمالية هي أشكال من التعبير اللغوي ،ولكنها ليست قضايا يمكن التحقق مtنها ً منطقيا. ً تجريبيا أو تحليلها -4موقف الفيلسوف جورج إدوارد مور(G.E. Moore): في كتابه "مبادئ األخالق" ،يقدم مور مفهوم "املغالطة الطبيعية" ،الذي ينص على أن القيم الجمالية واألخالقية ًل يمكن ً منطقيا ،إًل أنه شاركهم في فكرة أن القيم ً وضعيا اختزالها إلى خصائص طبيعية أو تجريبية.على الرغم من أن مور لم يكن ُ الجمالية ًل تختزل إلى أحكام موضوعية ،بل هي نوع من التجربة األخالقية أو الجمالية التي ًل يمكن تفسيرها بطرق تحليلية بسيطة. -5موقف الوضعية الكالسيكية(Classical Positivism): يمكن القول إن الوضعية املنطقية استمدت موقفها من القيم الجمالية من جذور أعمق في الوضعية الكالسيكية التي طورها أوغست كونت (Auguste Comte).كان كونت يعتبر أن الفلسفة يجب أن تركز فقط على الحقائق التي يمكن التحقق منها ً تجريبيا ،وكان يستبعد كل القضايا املتعلقة بالدين ،امليتافيزيقا ،والقيم الجمالية من نطاق البحث العلمي.بهذا املعنى، يشارك كونت الوضعيين املنطقيين في اعتبار القيم الجمالية مسائل شخصية ًل يمكن التحقق منها ً علميا. في املحصلة ،تشترك الوضعية املنطقية في موقفها من القيم الجمالية مع العديد من املواقف الفلسفية التي ترى أن األحكام ً فلسفيا ً مضمونا الجمالية ليست قضايا معرفية موضوعية ،وإنما تعبيرات عن انفعاًلت أو ذوق شخص ي ،وبالتالي ًل تمتلك يمكن مناقشته في إطار التحليل الفلسفي التقليدي. 14 4 هل يمكننا الحديث عن الجمال؟ نص من كتاب "موقف من امليتافيزيقا" ً استنادا إلى أن املعنى ًلبد أن علما ،أو ً جزءا من علم ،بناء على خلو كلمة "جمال" من املعنى ،وذلك الجمال ًل يمكن أن يكون ً ّ منصبا على ش ىء موجود فى الخارج (خارج اإلنسان) ويمكن رصده بواسطة الحواس أو بأجهزة مساعدة لها ،أما العالم "ًل يكون خير فيه وًل جمال ،بمعنى أنه ليس من بين أشيائه ش ئ اسمه خير ،وش ئ اسمه جمال؛ فى العالم أشياء كثيرة؛ فيه أشجار وأنهار شيئا ويكره ً ّ فتعلمه الخبرة وتنشئه التربية على أن يحب ً وأحجار ،وصنوف ّ شيئا ،ومن هنا شتى من الحيوان ،ثم يأتى اإلنسان ً جميال أو ً قبيحا ..والش ئ يكون ً خيرا أو ًّ ً جميال وما يكرهه ً خيرا وما كرهه ش ًّرا أو يكون ما ّ يكون ما ّ أحبه ً قبيحا حسب شرا، يحبه، ما نراه فى الش ئ من خير أو جمال أو غير ذلك. جزءا منها ّيتصل وينفصل؛ فقيمة الش ئ ليست كائنة فيه وًل هى بمثابة جزء منه ،كما تكون عقارب هذه الساعة التى أمامى ً وإنما تنشأ قيمة الش ئ من عالقتنا به ،فنحن الذين نجعل لألشياء قيمتها ،مهما يكن نوع تلك القيمة ،اقتصادية أو خلقية أو ً صالحا كان له من القيمة بمقدار ما يخدم؛ ولذلك جمالية ،صادرين فى تقويمنا لألشياء عن مصالحنا الذاتية ،فما يخدم لنا ترانا ندرج األشياء املختلفة التى تشبع فينا حاجة أو ً غرضا ندرجها فى سلم متفاوت من القيم ،حسب تفاوتها فى إشباعها لحاجاتنا وتحقيقها ألغراضنا. الجملة األخالقية أو الجمالية ليست بذات معنى ،ألنها ًل تشير إلى عمل يمكن أداؤه للتحقق من صدق معناها املزعوم ،وًل تكون الجملة بذات معنى إًل إذا أمكن تحويلها إلى عمل ،فكل جملة ًل تدلك بذاتها على ما يمكن عمله ،بحيث يكون هذا العمل ً هو معناها الذى ًل معنى لها سواه تكون ً صوتا فارغا ،مهما قالت لنا القواميس عن معانيها.فالفكرة الواضحة هى ما يمكن ترجمتها إلى سلوك ،وما ًل يمكن ترجمته على هذا النحو ًل ينبغى أن نقول عنه إنه فكرة غامضة ،بل ليس هو بالفكرة على اإلطالقً. وبناء على ذلك فاألخالق والجمال ليسا بعلمين على اإلطالق ،ألنه ًل يتوافر فى أى منهما إمكانية التحقق من صدق العبارات التى تصاغ فيها قضاياهما.فكل ما نراه فى هذين املجالين ليس معرفة على اإلطالق ،بل مجرد حالة شعورية وجدانية يحسها صاحبها وحده.ومن هنا تكون املناقشة العقلية مستحيلة بين شخصين اختلفا على ش ئ بعينه يتعلق بالجمال أو ّ شيئا بحيث نستطيع أن نراجعه فى تقريره أو وصفه ،إنه ينفعل فحسب،شيئا ،أو يصف ً األخالق ،وذلك ألن املتكلم ًل يقرر ً وهذا اًلنفعال ًل سبيل إلى مناقشته. وهو الش ئ نفسه الذى توهمنا به العبارة الجمالية ،والتى ليست بذات معنىْ -إذ توهمنا بأنها جملة مفيدة ألن تركيبها النحوى ً يشبه تركيب الجمل املفيدة ،مع أنها ليست إًل ً كالما فارغا.أنها ًل تدل إًل على حاًلت نفسيه عند املتكلم ،وتعبر عن انفعال 15 ً جماليا ،وذلك ألن املتكلم ًل يصف ،وًل يجيش بصدره.ومن ثم تمتنع املناقشة العقلية بين شخصين اختلفا على تقويم ش ئ ما يقرر ً شيئا وًل تمكن مراجعته للتأكد من صواب أو خطأ ما يقول.وهذا ًل يلغى وجود القيم فى العالم وإنما يعنى أن القيم يجب أن توضع فى موضعها الصحيح ،فال تناقض بين أن يكون التقدير ً ذاتيا ،وبين أن نعتز به. 16 5 نظرية املحاكاة املحاكاة عند أفالطون ً عادة ما ُت َ نسب نظرية "املحاكاة" ( mimesisباليونانية) في فلسفة الجمال إلى أرسطو ،ولكنها في الواقع تعود بأصولها إلى أفالطون. ورغم أن أفالطون قد اشتهر بتقريعه للشعراء في الجمهورية ،كونهم يسعون إلى استمالة الناس إلى اًلعتقاد بآراء مغلوطة عن طريق استدراجهم للتصديق بما تحيكه األساطير من عجائب تثير الدهشة وتستثير الخيال ،فليس معنى ذلك أن أفالطون كان يقلل من قيمة الجمال الفلسفية.بل على العكس ،فإن أفالطون وضع الجمال في أعالي السلم املعرفي والوجودي.وربما قلنا إن ً توبيخه للشعراء كان قائما على استخفافهم بعالقة الجمال باملعرفة والحقيقة. ً بالنسبة ألفالطون ،فإن العمل ّ الفني يقوم على "محاكاة" املوضوع الذي يعتني بتصويره.ويمكننا فهم املحاكاة مبدئيا على أنها ّ "يقلد" موضوعه. إيجاد انعكاس معنوي لصورة الش يء في نفس املتلقي ،وبهذا يمكن القول بإن العمل الفني "يحاكي" أو ِ ّ ً مثال :يقول أفالطون بأن الرسام الذي يرسم كرسيا إنما يحاول أن يوجد صورة الكرس ي في نفس من يطلع على الرسم ،وهكذا "يمرر" صورة الكرس ي من الكرس ي امللموس إلى نفس املتلقي ،حتى وإن كان املتلقي لم َير ّ يكون الرسم بمثابة الوسيط الذي ِ ً تمثاًل لشخصية عظيمة يحاول أن يعكس ما ّ الكرس ي "الواقعي" في حياته قطّ. تتميز به تلك الشخصية في والنحات حين يصنع يتوسل في ذلك شتى األساليب الفنية من تصوير تعابير الوجه واختيار الز ّي الذي يرتديه نفس من يقف أمام التمثال ،وهو ّ التمثال ووضعيته الجسدية.ولنذكر أن الغرض من املحاكاة هو تجسيد "حقيقة" موضوع العمل الفني ،وليس نقله بحذافيره وتفاصيله املحسوسة.لذا فإن الفنان املقتدر سوف يسعى إلى اختيار ما يؤدي هذه الغاية من التفاصيل ويصورها بأحسن صورة في عمله. تساؤل :ما الذي "تحاكيه" املوسيقى؟ ً ً هذا الفهم للمحاكاة قريب من فهم أرسطو.لكن هناك فرقا جوهريا بالفعل بين املحاكاة عند أفالطون واملحاكاة عند أرسطو، وهو أن كل املوجودات املحيطة بنا في العالم ًل تعدو عند أفالطون سوى ُ"ن َسخ" عن صورها املثالية ،وهذه األخيرة هي التي ّ تحدد ماهية ما يحيط بنا من موجودات.فالصور املثالية للموجودات هي وحدها الحائزة على صفة الحقيقة بالنسبة ألفالطون (انظر ّ ً والتعقل أسبوعي الوجود واملعرفة حول أفالطون).مثال ،هناك صورة أو مفهوم مثالي للكرس يً ،ل يمكن الوصول إليها إًل بالنظر الفلسفي ،وهذا املفهوم-املثال هو "حقيقة" الكرس ي.وعلى ذلك ،فإن الكرس ي امللموس هو بمثابة نسخة عن األصل.وهكذا ً يكون الكرس ي املرسوم بمثابة "نسخة عن نسخة" بتعبير أفالطون.يمكننا اآلن أن نفهم ملاذا كان أفالطون حذرا للغاية في تعاطيه مع الفنانين ،حيث إنهم بالنسبة له يحاولون إرشاد الناس إلى اعتبار الحقائق عن طريق تأمل "نسخة عن نسخة" عن األصل، بينما الفيلسوف ّ يوجه نظر اإلنسان إلى أصل الش يء أو مثاله نفسه. 17 املحاكاة عند أرسطو لكن أرسطو اختلف مع أفالطون ورأى بأن العمل الفني قادر على أن يؤدي وظيفة تساعد اإلنسان على الوصول إلى الحقيقة، ّ ً فالفن بالنسبة له ،وًل سيما فن "الشعر" كما نقف عليه في مالحم اإلغريق كاإللياذة واألوديسا وتحديدا الحقيقة األخالقية. وفي مسرحياتهمٌ ، قادر على تأدية وظيفة بالغة األهمية في اإلرشاد األخالقي ،وهي وظيفة ًل يقدر أن يضطلع بها إًل الشاعر الفنان، ويعبر عن هواجس اإلنسان األعمق.املحاكاة القادر على إسقاط أفعال اإلنسان في قالب خيالي يسبر آفاق الحالة اإلنسانية ّ ً إذن ًل تعني تصوير ش يء ّ معين مثل مشهد طبيعي أو كائن حي (كما في اللوحات التشكيلية مثال) ،بل إنها تبلغ ذروتها عندما ّ ّ يتمكن العمل الفني من تصوير فعل اإلنسان وما ينطوي عليه من تحديات ومعضالت ،بما يمكن املتلقي من تأمل حالته من بعد أخالقي ،وذلك ما يسميه أرسطو "املحاكاة بواسطة الفعل" ،وهو ما يمكن للملحمة وللمسرح القيام به على وجه الخصوص. ً ّ وهنا يجدر بنا التنبيه أن امللحمة كانت النمط السردي األكبر لدى اإلغريق ،بينما اليوم يمكننا أن نفكر في الرواية مثال على أنها ّ ً النمط السردي األكثر انتشارا ،واملسرح كان النمط األدائي األبرز في زمن أرسطو ،بينما اليوم يمكننا أن نفكر في السينما كالنمط ً األدائي األكثر انتشارا في عاملنا. مثال :ما يقوله أرسطو عن املسرح ينطبق على ما قد نستشفه اليوم من األفالم السينمائية.فإذا كان أرسطو يعيش في مجتمعنا ّ اليوم ،لقال إن القيمة ّ الفنية للفيلم السينمائي سوف تتركز في قدرته على إثارة انفعال املشاهد وتفكيره باملعضالت األخالقية الكبرى التي تواجهه (ما معنى الخير والشر؟ ما السعادة؟ ماذا أفعل حين تتعارض الواجبات األخالقية مع بعضها البعض؟) عن ّ التصرف إما بنبل أو بانحطاط. طريق تصوير سلسلة متكاملة من أفعال البطل (أو األبطال) في موقف ّ محدد يجبرهم على وقدرة الفيلم على تحقيق تلك القيمة منوطة بقدرته على "محاكاة" الجوانب األكثر جوهرية في تلك املواقف على أكمل وجه. يتميز بها الفنان دون غيره من سائر البشر ،بل على الفيلسوف نفسه.ففي حين يتفوق الفيلسوف على الفنان في تلك قدرة ّ ً إبداعياّ ، ً بتوسل حساسيته الفنية ،وإبراز جوانب من قدرته على اعتبار املوجودات عقليا ،فإن الفنان قادر على التعبير عنها ً الوجود اإلنساني في صورة تستسيغها نفوس البشر ،املطبوعة غريزيا ومنذ الطفولة على اًللتذاذ بمحاكاة ما يحيط بها من حركات وتقليد األصوات وتشخيص الجمادات. يؤدي الفنان غرض املحاكاة فيكون ذلك عبر استخدام الوسيلة املناسبة واملضمون املناسب والنمط الفني املناسب أما كيف ّ ً للموضوع.ويقصد أرسطو بالوسيلة أمورا مثل اللغة املستخدمة وتناغم العبارات ومالءمة الوزن واإليقاع للمضمون، ً ً وباملضمون يعني تصوير الفضائل والرذائل على الوجه األكثر تأثيرا في نفس املتلقي ومدعاة لتهذيبه األخالقي ،وأما األسلوب فهو إما السرد بضمير الغائب (كما نجد في امللحمة) أو السرد بضمير املتكلم (كما نجد في الشعر الغنائي) أو الحوار (كما نجد في الشعر املسرحي). القيمة األخالقية للعمل الفني ولنستذكر أن الفضيلة عند أرسطو (راجع أسبوع األخالق) تقوم على شحذ الفطنة ("الحكمة العملية") من أجل التوصل إلى ً ً انتهاج الفعل األنسب ("الوسط") في املوقف املناسب ،أي ذلك الفعل الذي يتفق وماهية اإلنسان بوصفه كائنا عاقال.واملالحم 18 واملسرحيات تستعرض شتى املعضالت األخالقية على مرأى ومسمع املتلقي ،وتدعوه للتماهي مع أبطالها – أو "محاكاتهم" – في ً ّ املواقف التي تواجههم ،والتفكر في التداعيات األخالقية لتصرفاتهم عن طريق معايشتها عاطفيا.هذه املعايشة العاطفية التي تسمح للمشاهد واملستمع باعتبار أفعال اإلنسان عن طريق ما تثيره فيهم القصص واملشاهد الدرامية من مشاعر هي ما سماه أرسطو بـ"التطهير" ( ،)catharsisالذي قد يمهد الطريق للتخلص من الرذائل التي تعاني منها أنفسهم. ً ً ّ ً إذن فاملحاكاة ،بعيدا عن مخاطرها التي حذر منها أفالطون ،تؤدي في فلسفة أرسطو دورا محوريا في التعليم األخالقي لدى اإلنسان ،مليل النفس اإلنسانية الطبيعي إليها.بل إن ابن سينا مض ى – في شرحه لكتاب الشعر ألرسطو – إلى أن املحاكاة في يمكن ّ ّ ّ الفن من أداء وظيفته التربوية املنشودة.وعلى حد ذاتها هي ما يشد النفس اإلنسانية إلى العمل الفني ،وهي العنصر الذي ِ ً ً ُ هذا فإن املحاكاة تصبح معيار الحكم على قيمة العمل الفنيّ ، بغض النظر عما إذا كان املحاكى جميال أم قبيحا. "الشعر" في كتاب "فن الشعر" ألرسطو ُ رجم إلى العربية بـ"الشعر" في كتابات الفالسفة اإلغريق ،ومن ضمنهم أفالطون وأرسطو ،هو تعريب ينبغي التنبيه على أن ما ت ِ لكلمة poesisاإلغريقية ،التي نقلها البعض إلى العربية بلفظ "بويطيقا" ،ومعناها "الصناعة" ،وفي هذا ما قد يقرب القارئ العربي إلى كالم أرسطو عن املالحم واملسرحيات على أنها "شعر".فالصناعة التي تعنى بها "البويطيقا" هي صناعة القصص أو ً ً يميز املالحم واملسرحيات عن الشعر الغنائي ( ،)lyricالذي ًل ُيعنى به أرسطو في كتاب "فن تحديدا ما ّ السرديات عموما ،وذلك الشعر" ،وينسبه إلى فنون املوسيقى.والواقع أن الشعر الغنائي هو األقرب إلى املفهوم العربي للشعر ،كما نجده في القصيدة، وفي ذلك مفارقة ينبغي وضعها في اًلعتبار عند قراءة ما يلي من النصوص.بل إنها مفارقة حري بها أن تشجع القارئ على التساؤل عن مدى إمكانية تطبيق كالم أرسطو عن "البويطيقا" على الشعر كما يفهمه العرب ،وهو ما مض ى الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم من فالسفة الحضارة اإلسالمية إلى محاولة تحقيقه بالفعل ،كما سيرى القارئ في الجلسة القادمة. تطورمفهوم املحاكاة عبرالتاريخ: بعد أفالطون وأرسطو ،استمرت نظرية املحاكاة في التأثير على النظريات الجمالية عبر العصور ،وتطورت بما يتناسب مع التحوًلت الفلسفية والفنية: العصور الوسطى :كانت املحاكاة في الفن ترتبط بالدين والرمزية ،حيث كان الهدف من الفن هو نقل القصص املقدسة وتبسيط األفكار الالهوتية للعامة. كبيرا باملحاكاة ،حيث سعى الفنانون إلى محاكاة الطبيعة والواقع بدقة ً اهتماما ً عصر النهضة :شهد عصر النهضة ً أكبر من خالل استخدام قواعد املنظور والتشريح.لكن الفن في هذا العصر كان يميل أيضا إلى تقديم رؤية مثالية للطبيعة واإلنسان ،مما يعكس أثر أفالطون وأرسطو ً معا. ً خصوصا مع املفكرين مثل جان باتيست القرن السابع عشروالثامن عشر :في الفلسفة الجمالية خالل هذه الفترة، دو بوس ودفيد هيوم ،بدأت تظهر اًلنتقادات للمحاكاة الصارمة ،وتم التركيز على الدور العاطفي والشعوري للفن 19 ً ً ً بدًل من كونه مجرد محاكاة للواقعً. مختلفا عن الجمال في نقد الحكم ،حيث رفض فكرة مفهوما أيضا ،طور كانط ً املحاكاة وركز على الجمال باعتباره مرتبطا بالحكم الذاتي واًلستقاللية. القرن التاسع عشر والو اقعية :مع ظهور الحركة الواقعية في األدب والفن ،عاد اًلهتمام بفكرة املحاكاة إلى الواجهة. لكن الواقعيين في هذا العصر لم يحاولوا محاكاة املثل العليا أو الحقيقة املجردة ،بل كانوا يسعون إلى تقديم تصوير صادق للواقع اًلجتماعي والظروف املادية. املحاكاة والنظرية الجمالية الحديثة: قدم الفالسفة مثلبعيدا عن فكرة املحاكاة كأداة لفهم الفنّ. مع تطور النظريات الجمالية في القرن العشرين ،بدأ التحول ً مارتن هيدجر وجان بول سارتر مفاهيم جديدة للفن تركز على التعبير الذاتي ،واملعنى الوجودي ،ودور املتلقي في تفسير العمل الفني.املحاكاة ،بوصفها محاكاة صارمة للواقع ،أصبحت فكرة غير مركزية في النظريات الحديثة للفن. التعبيرية والفن التجريدي :ابتعدت الحركات الفنية الحديثة عن املحاكاة املادية وركزت على الفن كوسيلة للتعبير عن املشاعر الداخلية (مثل التعبيرية) أو كمجال ًلستكشاف األشكال املجردة (مثل التكعيبية والسريالية).في هذه الحركات ،كان ُينظر إلى الفن كوسيلة لإلبداع ،وليس كنسخة من العالم. الجماليات التحليلية :في النصف الثاني من القرن العشرين ،تم إعادة التفكير في مفهوم املحاكاة ضمن سياق فلسفي ً تعقيدا.الفالسفة مثل نيلسون غودمان في كتابه لغات الفن طرحوا فكرة أن الفن ليس بالضرورة محاكاة للواقع، أكثر بل هو نظام من الرموز واإلشارات التي قد تكون أو ًل تكون مرتبطة بشكل مباشر بالعالم الخارجي. تأثيراملحاكاة على النظرية الجمالية: على الرغم من أن مفهوم املحاكاة تضاءل في أهميته في النظريات الجمالية الحديثة ،إًل أنه ظل فكرة مركزية في الجدل حول طبيعة الفن.ساهمت املحاكاة في وضع أسس قوية للفهم الفلسفي للعالقة بين الفن والواقع. كنوع من التأثر بأفالطون وأرسطو ،ظهرت نظريات حول كيفية تصوير الفن للعالم ،ومدى قدرته على كشف