المحاضرة الرابعة: الهون - PDF

Summary

هذه المحاضرة تُلقي الضوء على الهون، وتركز على أسلوب حياتهم، وخصائصهم، واستراتيجياتهم العسكرية في التاريخ. تُناقش هذه المحاضرة العديد من التفاصيل حول الهون، بدءًا من أصولهم وانتشارهم في آسيا الوسطى وقارّة أوروبا.

Full Transcript

‫المحاضرة الرابعة‬ ‫الهون‬ ‫بدويا عاش في آسيا الوسطى‪ ،‬والقوقاز‪ ،‬وأوروبا الشرقية‪ ،‬بين القرنين‬ ‫كان الهون ‪ً Hun‬‬ ‫شعبا ً‬ ‫الرابع والسادس الميالدي‪.‬يتفق العلماء بالعموم على أنهم نشأوا في...

‫المحاضرة الرابعة‬ ‫الهون‬ ‫بدويا عاش في آسيا الوسطى‪ ،‬والقوقاز‪ ،‬وأوروبا الشرقية‪ ،‬بين القرنين‬ ‫كان الهون ‪ً Hun‬‬ ‫شعبا ً‬ ‫الرابع والسادس الميالدي‪.‬يتفق العلماء بالعموم على أنهم نشأوا في آسيا الوسطى‪ ،‬ولكنهم يختلفون في تفاصيل‬ ‫أصولهم‪.‬إن أصل كلمة هون غير واضح‪.‬يقترح فريق من المؤرخين أنها كلمة ذات أصل إيراني بمعني المهرة‪،‬‬ ‫بينما رجح فريق آخر أنها مصطلح يعني "األعداء المعارضين"‪.‬‬ ‫تقليديا بأنهم بدو رعاة‪ ،‬يعيشون على الرعي ويتنقلون من مرعى إلى مرعى لرعي‬ ‫ً‬ ‫كان الهون يوصفون‬ ‫حيواناتهم‪.‬ومع ذلك‪ ،‬يبدو أن مصطلح "بدوي ‪ "nomad‬مضلل‪ ،‬وال يمكن تطبيقه على الهون بشكل عام‪ ،‬إذا‬ ‫كان يشير إلى مجموعة متجولة من الناس ليس لديهم حس واضح باألرض‪.‬بينما كل ما يسمى "بدو ‪"nomads‬‬ ‫عادة‪ ،‬وكانوا كرعاة يتنقلون‬ ‫شعوبا كانت أراضيهم أو أقاليمهم محددة بوضوح ً‬ ‫ً‬ ‫في تاريخ السهوب األوراسية كانوا‬ ‫بحثًا عن المراعي‪ ،‬ولكن داخل مساحة إقليمية ثابتة‪.‬يتناوبون عادة بين المراعي الصيفية والمساكن الشتوية‪،‬‬ ‫دائما‪.‬‬ ‫وفي حين قد تختلف المراعي‪ ،‬فإن مساكنهم الشتوية تظل كما هي ً‬ ‫تؤكد أغلب األوصاف القديمة للهون على مظهرهم الغريب من منظور روماني‪ ،‬وتصورهم ً‬ ‫عادة على‬ ‫أنهم وحوش‪.‬وتؤكد تلك األوصاف على أنهم كانوا قصار القامة‪ ،‬وبشرتهم مدبوغة ورؤوسهم مستديرة وعديمة‬ ‫الشكل‪ ،‬ذوي عيون صغيرة وأنوف مسطحة‪.‬يقدم الكاتب الروماني بريسكوس ‪ Priscus‬الوصف التالي ألتيال‬ ‫كشاهود عيان‪" :‬قصير القامة‪ ،‬وصدره عريض ورأسه كبير؛ وكانت عيناه صغيرتين‪ ،‬ولحيته رقيقة يتغلغلها‬ ‫مسطحا وبشرته مدبوغة‪ ،‬مما يدل على أصله"‪.‬وتلك الصفات نجد أنها من سمات الشعوب‬ ‫ً‬ ‫الشيب؛ وكان أنفه‬ ‫المنغولية‪ ،‬ورغم ذلك نجد بعض علماء اآلثار يشككون في تلك األوصاف لشعب الهون‪ ،‬وزعموا أن االكتشافات‬ ‫األثرية فشلت في إثبات أن الهون لديهم أي سمات "منغولية" على اإلطالق‪ ،‬وافترض بعض العلماء اآلخرين‬ ‫أن الهون كانوا "قوقازيين" في الغالب في المظهر‪.‬بينما رجح البعض اآلخر أن السمات "المنغولية" توجد في‬ ‫‪1‬‬ ‫المقام األول بين أفراد الطبقة األرستقراطية الهونية‪ ،‬ويبدو أن الغالبية العظمى من حاشية أتيال وقواته كانوا من‬ ‫أصل أوروبي‪ ،‬بينما يبدو أن أتيال نفسه كان يتمتع بمالمح شرق آسيوية‪.‬‬ ‫جدا‪ ،‬ولم يترك الهون أي مصادر ألنفسهم‪.‬‬ ‫إن تاريخ الهون في القرن الرابع الميالدي ليس و ً‬ ‫اضحا ً‬ ‫وصل الهون في عام ‪370‬م إلي نهر الفولجا (في روسيا)‪ ،‬وفي عام ‪376‬م‪ ،‬أدرك الرومان وجود الهون عندما‬ ‫أجبر غزوهم لسهوب البنطس آالف القوط على االنتقال إلى نهر الدانوب السفلي بحثًا عن ملجأ في اإلمبراطورية‬ ‫الرومانية‪.‬فقد غ از الهون شعب األالن‪ ،‬ومن بعدهم القوط الشرقيين‪ ،‬ثم القوط الغربيين‪ ،‬مع فرار العديد منهم‬ ‫إلى اإلمبراطورية الرومانية‪.‬وفي عام ‪395‬م‪ ،‬بدأ الهون أول هجوم واسع النطاق على اإلمبراطورية البيزنطية‪،‬‬ ‫حيث هاجم الهون تراقيا‪ ،‬واجتاحوا أرمينيا‪ ،‬ونهبوا كبادوكيا‪ ،‬ودخلوا أجزاء من سوريا‪ ،‬وهددوا أنطاكية‪ ،‬ومرروا‬ ‫ناجحا في البداية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عبر مقاطعة الفرات‪.‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬غ از الهون اإلمبراطورية الساسانية‪.‬كان هذا الغزو‬ ‫حيث اقتربوا من عاصمة اإلمبراطورية في قطسيفون؛ ومع ذلك‪ُ ،‬هزموا بشدة خالل الهجوم المضاد الفارسي‪.‬‬ ‫وعرف الهون من خالل عملهم مرتزقة في اإلمبراطورية البيزنطية خالل أواخر القرن الرابع والخامس الميالدي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بحلول عام ‪430‬م‪ ،‬أسس الهون إمبراطورية شاسعة‪ ،‬وإن كانت قصيرة العمر على حدود اإلمبراطورية‬ ‫الرومانية في أوروبا على نهر الدانوب‪.‬وقهروا العديد من الشعوب الجرمانية األخرى أهمهم القوط التي تعيش‬ ‫خارج الحدود اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬وتسببوا بفرار الكثير غيرهم إلى أراضي اإلمبراطورية‪ ،‬وأسس العديد من‬ ‫أيضا الوندال‪،‬‬ ‫شعوب أوروبا الوسطى والشرقية ممالك في المنطقة‪ ،‬بما في ذلك ليس فقط القوط واألالن‪ ،‬بل و ً‬ ‫والجيبيديين‪ ،‬والهيروليين‪ ،‬والسويبيين‪.‬‬ ‫حكم األخوان أتيال وبليدا الهون ً‬ ‫معا منذ عام ‪434‬م‪ ،‬وكان األخوين طموحين للغاية‪.‬ففي عام ‪435‬م‬ ‫أجب ار اإلمبراطورية البيزنطية على توقيع معاهدة مارغوس ‪ ،Margus‬التي منحت الهون حقوًقا تجارية وجزية‬ ‫سنوية من البيزنطيين‪.‬وعندما انتهك البيزنطيون المعاهدة في عام ‪440‬م‪ ،‬هاجم أتيال وبليدا قلعة "كاست ار‬ ‫قنسطنطياس ‪ "Castra Constantias‬والسوق الروماني على ضفاف نهر الدانوب‪.‬واندلعت الحرب بين‬ ‫الهون واإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬وتغلب الهون على الجيش البيزنطي الضعيف‪ ،‬ودمروا العديد من المدن‪.‬وعلى‬ ‫الرغم من التوصل إلى هدنة بين الطرفين في عام ‪441‬م‪ ،‬إال أن القسطنطينية فشلت مرة أخرى في دفع الجزية‬ ‫بعد عامين‪ ،‬واستؤنفت الحرب‪.‬وفي الحملة التالية‪ ،‬اقتربت جيوش الهون من القسطنطينية‪ ،‬ونهبت العديد من‬ ‫‪2‬‬ ‫المدن قبل هزيمة البيزنطيين في معركة خيرسونيسوس‪.‬واستسلم اإلمبراطور ثيودوسيوس الثاني لمطالب الهون‪.‬‬ ‫وفي عام ‪443‬م وقع على معاهدة أناتوليوس مع ملكي الهون‪.‬وتوفي بليدا في عام ‪445‬م‪ ،‬وأصبح أتيال الحاكم‬ ‫الوحيد للهون‪.‬‬ ‫منفردا أطلق على نفسه لقب "سوط للا ‪ -‬الخنجر المغروس‬ ‫ً‬ ‫عندما تولى أتيال (أشهر حكام الهون) الحكم‬ ‫في األرض‪ ،‬وهو سالح الهون المميز"‪ ،‬وفرض نفوذه وسطوته على القبائل الجرمانية التي قادها حظها السيئ‬ ‫للوقوف في وجهه‪ ،‬وتسابق الحكام البرابرة على إرضائه وتقديم الهدايا خوًفا من جبروته وسطوته‪ ،‬وهدد شطري‬ ‫اإلمبراطورية في الغرب والشرق‪.‬وفي عالقاته مع ا إلمبراطوريتين الشرقية والغربية استمر أتيال في انتهاج سياسة‬ ‫أسالفه‪ ،‬إذ تعامل مع كل منهما كدولة منفصلة عن األخرى‪ ،‬ونجح في منعهما من التعاون ً‬ ‫سويا ضده‪ ،‬واستطاع‬ ‫قانعا بما‬ ‫بذلك فقط أن يفرض على كل منهما تقديم التنازالت‪ ،‬والحصول على الذهب منهما‪.‬ولم يكن أتيال ً‬ ‫تحت يده من أراضي واسعة‪ ،‬فقد تطلع إلى توسيع أمالكه على حساب اإلمبراطورية البيزنطية بعدما استقرت‬ ‫له األمور‪ ،‬فبعد فرض سيادته على العديد من القبائل الجرمانية في بداية األمر‪ ،‬وقع بصره على اإلمبراطورية‬ ‫في الغرب‪.‬وبعدها تقدم أتيال غرًبا بجانب الدانوب عام ‪447‬م فخرب تراقيا وإليريا وبانونيا‪ ،‬حتى عبر نهر‬ ‫الراين وهاجم غاليا عام ‪451‬م (فرنسا اآلن)‪.‬‬ ‫في هذه الظروف العصيبة ظهر أتيوس قائد اإلمبراطور فالنتينيان الثالث ليحمل عبء الدفاع عن‬ ‫غاليا‪ ،‬وهنا حدثت ظاهرة جديرة باالهتمام‪ ،‬وهي اشتراك بعض العناصر الجرمانية األخرى مع الرومان في قتال‬ ‫الهون وأهمهم القوط الغربيون والبرجنديون‪ ،‬وبالفعل انتصر الحلفاء على جيش أتيال قرب شالون عام ‪451‬م‪.‬‬ ‫وقد أنقذت هذه المعركة الفاصلة والتى عرفت بمعركة شالون غرب أوروبا من وحشية الهون الذين ارتدوا عبر‬ ‫الراين ليقوموا تحت قيادة أتيال بغزوة مفاجأة إليطاليا‪.‬ولم تلبث روما أن وجدت نفسها أمام خطر ساحق‪ ،‬مما‬ ‫جعل أسقفها البابا ليو العظي م للخروج بنفسه من أجل التفاوض مع أتيال‪ ،‬وفي الواقع كان أتيال قد أحس باقتراب‬ ‫الجيوش الرومانية بقيادة القائد الروماني الشهير أتيوس‪ ،‬مما جعله يسرع بإخالء ايطاليا في يوليو عام ‪452‬م‪،‬‬ ‫وعدا بتسلم جزية سنوية‪.‬ولم يلبث أن توفي أتيال قي العام التالي ‪453‬م في بانونيا‪ ،‬وحاول أبناؤه‬ ‫بعد أن أخذ ً‬ ‫اقتسام مملكته بينهم‪ ،‬إال الشعوب الخاضعة للهون انتهزت الفرصة وثارت وأنزلت بهم هزيمة في موقعة نديو‬ ‫‪ Nedeo‬عام ‪454‬م‪ ،‬وما لبثت أن انهارت مملكة الهون‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫البرجنديون‬ ‫كان أول من استفاد من تفكك مملكة الهون هم البرجنديون ‪ ،Burgundians‬وهم أحد القبائل‬ ‫الجرمانية‪.‬وذاقوا من ضغط الهون أضعاف ما ذاقته بقية القبائل الجرمانية األخرى‪.‬كان البرجنديون قبيلة أو‬ ‫مجموعة قبائل جرمانية مبكرة‪ ،‬وصفوا بأنهم شعب طويل الشعر وذو حجم جسدي هائل‪.‬ظهروا ألول مرة على‬ ‫مسرح األحداث األوروبية في النصف الثاني من القرن الثالث الميالدي‪ ،‬عندما تحركت جموعهم عند الجزء‬ ‫األوسط من حوض نهر الراين عام ‪277‬م‪.‬وفي القرن الرابع استخدمتهم اإلمبراطورية البيزنطية في جيوشها‬ ‫كما كان الحال مع غيرهم من القبائل الجرمانية‪.‬‬ ‫إن أصول البرجنديين قبل وصولهم إلى المنطقة القريبة من نهر الراين الذي كان تحت سيطرة الرومان‬ ‫هي موضوع العديد من المقترحات القديمة‪ ،‬ولكن بعض المؤرخين المعاصرين يشككون في هذه المقترحات‪،‬‬ ‫ألن أولئك الذين أطلق عليهم اسم البرجنديين في أوائل القرن السادس لم يكونوا مجموعة عرقية واحدة‪ ،‬بل شملوا‬ ‫أي تابع غير روماني‪.‬ربما كان بعض زعماء القوط والبرجنديين ينحدرون من أسالف بعيدين في مكان ما‬ ‫استنادا‬ ‫ً‬ ‫حول بحر البلطيق‪ ،‬وربما جاء بعضهم من أماكن أخرى‪.‬لقد ارتبطوا منذ فترة طويلة بأصول اسكندنافية‬ ‫إلى أدلة أسماء األماكن واألدلة األثرية‪.‬لذلك ُيعتقد أن البرجنديين هاجروا بعد ذلك إلى جزيرة بورنهولم الواقعة‬ ‫على بحر البلطيق (واسمها يعني "جزيرة البرجنديين " باللغة اإلسكندنافية القديمة)‪.‬وبحلول عام ‪250‬م‪ ،‬اختفى‬ ‫سكان بورنهولم إلى حد كبير من الجزيرة‪.‬‬ ‫في عام ‪ 370/369‬م‪ ،‬طلب اإلمبراطور فالنتينيان األول مساعدة البرجنديين في حربه ضد األالمانيين‪.‬‬ ‫وعلي الرغم من أن البرجنديون هم أكثر القبائل الجرمانية مسالمة‪ ،‬إال أنهم في كثير من األحيان‪ ،‬اضطروا الي‬ ‫استخدام العنف‪ ،‬وخاصة أثناء شق طريقهم إلى غاليا أو بالد الغال عبر الراين (تضم اآلن فرنسا وبلجيكا)‪،‬‬ ‫وذلك تحت ضغط الهون الذين تسببوا في تدمير البرجنديين‪ ،‬حيت سمح لهم ًا‬ ‫أخير القائد أتيوس باإلقامة في‬ ‫المنطقة الواقعة قرب نهر السين أحد أنهار شمال فرنسا‪.‬وقد استغل البرجنديون فرصة اشتراكهم مع الرومان‬ ‫والقوط الغربيون ضد الهون في موقعة شالون عام ‪451‬م‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫وفي عام ‪ 455‬م‪ ،‬ظهرت إشارة غامضة تشير إلى زعيم برجندي خائن مجهول االسم شارك في مؤامرة‬ ‫مقتل إمبراطور الغرب "بترونيوس ماكسيموس" (كان إمبراطور للغرب لمدة شهرين ونصف في عام ‪455‬م‪.‬‬ ‫اطيا‪ ،‬وكان له دور فعال في مقتل القائد أتيوس‪ ،‬واإلمبراطور فالنتينيان الثالث)‪ ،‬مما‬ ‫سيناتور ثرًيا وأرستقر ً‬ ‫ًا‬ ‫كان‬ ‫تسبب في حالة الفوضى التي سبقت نهب روما على يد الوندال‪.‬‬ ‫انتشر البرجنديون عام ‪468‬م في جميع الجهات الواقعة بين جبال األلب والرون (واحد من األنهار‬ ‫الرئيسية في أوربا وينبع من سويس ار ويصب في جنوب شرق فرنسا)‪ ،‬ولم يحل دون وصولهم إلى شاطئ البحر‬ ‫المتوسط سوي غزو يوريك ملك القوط الغربيون إلقليم بروفانس (أحد األقاليم الفرنسية)‪.‬‬ ‫تزوج كلوفيس ملك الفرنجة في عام ‪493‬م من األميرة البرجندية كلوتيلدا (ابنة ملكهم تشيلبيريك)‪ ،‬التي‬ ‫تحالفا ضد القوط الغربيين في أوائل القرن السادس‬ ‫ً‬ ‫حولته إلى العقيدة الكاثوليكية‪.‬ثم عقد البرجنديون والفرنجة‬ ‫الميالدي‪ ،‬ولكن في النهاية هزمهم الفرنجة في أوتون عام ‪532‬م بعد محاولة أولى في معركة فيزرونس‬ ‫‪.Vézeronce‬والحًقا أصبحت مملكة البرجنديين جزًءا من ممالك الميروفنجيين‪ ،‬وكان البرجنديون أنفسهم‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫منغمسين في األمر إلى حد كبير ً‬ ‫ُيعتقد أن لغة البرجنديين كانت تنتمي إلى مجموعة اللغات الجرمانية الشرقية‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال ُيعرف سوى‬ ‫القليل عن لغتهم التي يبدو أنها انقرضت خالل أواخر القرن السادس الميالدي‪ ،‬ويرجع ذلك على األرجح إلى‬ ‫التحول المبكر للبرجنديين إلى المسيحية الالتينية‪.‬فقد تحول البرجنديين في بادئ األمر من الوثنية الجرمانية‬ ‫إلى المسيحية األريوسية‪.‬لكن حوالي عام ‪ 500‬م كان "غوندوباد" أحد آخر ملوك البرجنديين‪ ،‬على صداقة‬ ‫شخصية وثيقة مع أفيتوس أسقف فيينا‪ ،‬وقد تحول الشعب البرجندي حينها إلى الكاثوليكية‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫القوط الشرقيون‬ ‫مملكة القوط الشرقيين ‪ ، Ostrogoths‬بعد أن عبرت قبائل القوط بحر البلطيق‪ ،‬واستقروا شمال البحر‬ ‫األسود وضفاف نهر الدانوب‪ ،‬انقسموا القوط إلى قسمين شرقيين وغربيين‪ ،‬فانتشر الشرقيون ‪Ostrogoths‬‬ ‫فوق سهول روسيا الجنوبية‪ ،‬في حين اتجه الغربيون ‪ Visigoths‬نحو داكيا والبلقان حيث سمح لهم باالستقرار‬ ‫في هذه الجهات‪ ،‬وأسسوا دولة قوية هناك‪ ،‬ولكن خالل أواخر القرن الرابع الميالدي‪ ،‬وقعوا تحت سيطرة قبائل‬ ‫الهون‪.‬‬ ‫أعدادا‬ ‫ً‬ ‫بعد انهيار مملكة الهون في عام ‪454‬م‪ ،‬جلب اإلمبراطور البيزنطي مارقيان (‪457 – 450‬م)‬ ‫كبيرة من القوط الشرقيين في مقاطعة بانونيا الرومانية كجند مرتزقة‪.‬وعلى عكس معظم تشكيالت المرتزقة‬ ‫األخرين‪ ،‬لم يتم استيعاب القوط في بنية وتقاليد الجيش البيزنطي‪ ،‬فقد احتفظوا بهوية قوية وتماسك خاص بهم‪،‬‬ ‫وكانوا قوة سياسية وعسكرية كبيرة في بالط القسطنطينية‪.‬وفي عام ‪460‬م‪ ،‬أثناء حكم اإلمبراطور ليو األول‬ ‫(‪ 474 – 457‬م)‪ ،‬وبسبب توقف دفع الرواتب السنوية‪ ،‬قاموا بتدمير مقاطعة إيليريكوم (غرب البلقان)‪.‬وفي‬ ‫عام ‪461‬م تم التوصل إلى اتفاقية سال م بين الطرفين‪ ،‬حيث تم إرسال الشاب "ثيودوريك األمالي (األماليين‬ ‫إحدي السالالت القوطية‪ ،‬وهم مؤسسي مملكة الشرقيين)‪ ،‬نجل ثيوديمير األمالي‪ ،‬كرهينة إلى القسطنطينية‬ ‫نطيا‪.‬‬ ‫تعليما بيز ً‬ ‫ً‬ ‫حيث تلقى‬ ‫معقدا ثالثي األطراف بين ثيودوريك األمالي أو‬ ‫اعا ً‬‫شهدت الفترة من عام ‪477‬م إلى عام ‪483‬م صر ً‬ ‫ثيودوريك العظيم ‪ ،Theoderic the Great‬الذي خلف والده في عام ‪474‬م‪ ،‬وثيودوريك سترابو‬ ‫‪( Theodoric Strabo‬أحد زعماء القوط الشرقيون‪ ،‬والمنافس على زعامة القوط مع قريبه ثيودوريك الكبير)‪،‬‬ ‫واإلمبراطور البيزنطي الجديد زينو (‪ 491 – 474‬م)‪.‬في هذا الصراع تغيرت التحالفات على نحو نظامي‪،‬‬ ‫ودمرت أجزاء كبيرة من البلقان بسببه‪.‬في النهاية‪ ،‬بعد وفاة سترابو في عام ‪481‬م‪ ،‬توصل زينو إلى اتفاق مع‬ ‫ُ‬ ‫قائدا عسكرًيا‬ ‫ثيودوريك العظيم‪ ،‬وتم التنازل عن أجزاء من مويسيا وداكيا ريبينسيس للقوط‪ ،‬وتم تعيين ثيودوريك ً‬ ‫وقنصال في عام ‪484‬م‪.‬وبعد مرور عام واحد فقط‪ ،‬اختلف ثيودوريك وزينو‪ ،‬ومرة أخرى اجتاح القوط التابعون‬ ‫ً‬ ‫لثيودوريك إقليم تراقيا‪.‬في تلك اللحظة‪ ،‬خطرت في ذهن زينو ومستشاريه فكرة توجيه ثيودوريك ضد جار آخر‬ ‫مثير للمتاعب لإلمبراطورية – أال وهي مملكة أودواكر اإليطالية ‪.Kingdom of Odoacer‬‬ ‫‪6‬‬ ‫فقد قام أودواكر في عام ‪ 476‬م زعيم القوات المرتزقة الجرمانية في الغرب األوروبي‪ ،‬باقتحام روما‬ ‫وعزل آخر األباطرة الرومان هناك اإلمبراطور "رومولوس أوغستولوس"‪ ،‬ومنح اإلمبراطور البيزنطي زينو‬ ‫ألودواكر لقب البطريق األرستقراطي‪ ،‬وأصبح هو الحاكم الفعلي للغرب األوروبي‪ ،‬واحتفظ أودواكر بالنظام‬ ‫وناجحا‪.‬فقام بطرد الوندال‬ ‫ً‬ ‫اإلداري الروماني‪ ،‬وتعاون بنشاط مع مجلس السناتو الروماني‪ ،‬وكان حكمه فعاالً‬ ‫من صقلية في عام ‪477‬م‪ ،‬وفي عام ‪480‬م احتل دالماتيا‪.‬‬ ‫سويا على أن ثيودوريك إذا انتصر‪،‬‬ ‫وافق ثيودريك حاكم القوط على خطة اإلمبراطور زينو بعد أن اتفقا ً‬ ‫سيحكم في إيطاليا كممثل لإلمبراطور البيزنطي‪.‬انطلق ثيودوريك مع شعبه ومر عبر دالماتيا ثم عبروا جبال‬ ‫األلب إلى إيطاليا التي وصلها في أواخر صيف عام ‪489‬م‪ ،‬حيث وقعت المواجهة األولى بين القوط الشرقيين‬ ‫مع جيش أودواكر عند نهر إيسونزو (معركة إيسونزو) في ‪ 28‬أغسطس من نفس العام‪ُ.‬هزم أودواكر في تلك‬ ‫المعركة‪ ،‬وانسحب نحو فيرونا‪ ،‬حيث اندلعت معركة أخرى انتهت بانتصار قوطي دموي ولكن ساحق‪.‬وفر‬ ‫أودواكر بعدها إلى عاصمته رافينا الحصينة‪ ،‬بينما استسلم الجزء األكبر من جيشه للقوط‪.‬‬ ‫نظر الفتقارهم إلى أسطول بحري‪ ،‬لم يتمكنوا من منع وصول‬ ‫حاصر القوط بعد ذلك مدينة رافينا‪ ،‬ولكن ًا‬ ‫اإلمدادات إلي داخل المدينة عن طريق البحر‪ ،‬لذلك فقد احتمل أودواكر وأهل المدينة ذلك الحصار المفروض‬ ‫عليهم‪.‬ولم يتمكن ثيودوريك إال في عام ‪492‬م من الحصول على أسطول واالستيالء على موانئ رافينا‪،‬‬ ‫تماما‪ ،‬وظهرت آثار ذلك بعد ستة أشهر‪ ،‬عندما بدأت المفاوضات‬ ‫وبالتالي قطع اتصال رافينا بالعالم الخارجي ً‬ ‫بين الطرفين بوساطة أسقف المدينة‪.‬‬ ‫وصل الطرفين في عام ‪ 493‬م‪ ،‬إلى اتفاق يقضي بتقسيم إيطاليا بين الطرفين‪.‬وتم تنظيم مأدبة لالحتفال‬ ‫نخبا‪ ،‬بقتل أودواكر بيديه‪.‬وتبع ذلك مذبحة عامة‬ ‫بهذه المعاهدة‪.‬وفي هذه المأدبة‪ ،‬قام ثيودوريك بعد أن ألقى ً‬ ‫لجنود أودواكر وأنصاره‪ ،‬وأصبح ثيودوريك والقوطيون الشرقيون اآلن هم سادة إيطاليا‪.‬‬ ‫كانت مملكة جرمانية أسسها القوط الشرقيون الذين سيطروا على إيطاليا والمناطق المجاورة بين عامي‬ ‫‪ 493‬و‪553‬م‪.‬بقيادة ثيودوريك الكبير‪ ،‬قتل القوط الشرقيون أودواكر‪ ،‬وهو جندي جرماني وزعيم سابق‬ ‫للهيروليين‪.‬كان أودواكر قد أصبح سابًقا الحاكم الفعلي إليطاليا بعد عزل رومولوس أوغستولوس‪ ،‬آخر إمبراطور‬ ‫لإلمبراطورية الرومانية الغربية في عام ‪476‬م‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وصلت مملكة القوط الشرقيين في عهد ثيودوريك إلى ذروتها‪ ،‬حيث امتدت من جنوب فرنسا الحديثة‬ ‫في الغرب إلى صربيا الغربية الحديثة في الجنوب الشرقي‪.‬وتم الحفاظ على معظم المؤسسات االجتماعية‬ ‫لإلمبراطورية الرومانية الغربية المتأخرة خالل حكمه‪.‬وأطلق ثيودوريك على نفسه اسم " ‪Gothorum‬‬ ‫‪ "Romanorumque rex‬والذي يعني "ملك القوط والرومان"‪ ،‬مما يدل على رغبته في أن يكون ز ً‬ ‫عيما‬ ‫لكال الشعبين‪.‬‬ ‫واستمر مجلس السناتو في العمل بشكل طبيعي وكان ُيستشار في التعيينات المدنية‪ ،‬وكانت قوانين‬ ‫اإلمبراطورية ال تزال معترف بها باعتبارها تحكم السكان الرومانيين‪ ،‬على الرغم من أن القوط كانوا يحكمون‬ ‫ابعا لإلمبراطور البيزنطي‪ ،‬لم يكن‬ ‫حاكما ت ً‬ ‫ً‬ ‫بموجب قوانينهم التقليدية الخاصة‪.‬والواقع أن ثيودوريك‪ ،‬بصفته‬ ‫يمتلك الحق في إصدار قوانينه الخاصة (المجالس التشريعية) في نظام القانون الروماني‪ ،‬بل كان يمتلك فقط‬ ‫المراسيم (اإلصدارات)‪ ،‬أو التوضيحات بشأن تفاصيل معينة‪.‬من ناحية أخرى‪ ،‬ظل الجيش وجميع المناصب‬ ‫حكر على القوط الذين استقروا في الغالب في شمال إيطاليا‪ ،‬وحافظوا على أنفسهم منفصلين إلى حد‬ ‫العسكرية ًا‬ ‫كبير عن السكان الرومانيين‪ ،‬وهو االتجاه الذي عززته معتقداتهم المختلفة‪ ،‬خاصة وأن القوط كانوا أريوسيين‪،‬‬ ‫في حين كان الشعب الروماني من أتباع المذهب الخلقيدوني‪.‬‬ ‫سعي ثيودريك إلى ترسيخ مكانته كحاكم مستقل‪ ،‬وملك على إيطاليا بين الممالك الجرمانية في الغرب‪،‬‬ ‫من خالل تحالفات الزواج‪ ،‬فلم تتبق ملكة في الممالك الغربية لم يصادقها ثيودوريك أو يخضعها خالل حياته‪.‬‬ ‫وكان هذا جز ًئيا بمثابة إجراء دفاعي‪ ،‬وجز ًئيا كموازنة لنفوذ مملكته‪.‬فقد تزوجت بناته من الملك القوطي الغربي‬ ‫أالريك الثاني‪ ،‬واألمير البورجندي سيجيسموند‪ ،‬وتزوجت أخته أمالفريدا من الملك الوندالي ثراساموند‪ ،‬بينما‬ ‫دائما في‬ ‫تزوج هو نفسه من أودوفليدا‪ ،‬أخت الملك الفرنجي كلوفيس األول‪.‬أكن لم تكن هذه السياسات ناجحة ً‬ ‫الحفاظ على السالم بينهم‪.‬‬ ‫بعد وفاة الملك ثيودوريك العظيم في ‪ 30‬أغسطس ‪ 526‬م‪ ،‬بدأت إنجازاته في االنهيار‪.‬فقد خلفه في‬ ‫الحكم حفيده الرضيع أثاالريك ‪ ،Athalaric‬تحت إشراف والدته أماالسونثا ‪Amalasuntha‬كوصية عليه‪.‬‬ ‫وتسبب عدم وجود وريث قوي في تفكك شبكة التحالفات التي أحاطت بدولة القوط الشرقيين‪ ،‬استعادت مملكة‬ ‫القوط الغربيين استقاللها تحت حكم أماالريك‪ ،‬وتحولت العالقات مع الوندال إلى عدائية متزايدة‪ ،‬وشرع الفرنجة‬ ‫‪8‬‬ ‫مرة أخرى في التوسع‪ ،‬وأخضعوا لهم البرجنديين‪ ،‬وكادوا يطردون القوط الغربيين من آخر ممتلكاتهم في جنوب‬ ‫بالد الغال‪.‬وانتقل موقف الهيمنة الذي كانت تتمتع به مملكة القوط الشرقيين في عهد ثيودوريك في الغرب‬ ‫بشكل ال رجعة فيه إلى مملكة الفرنجة‪.‬وسرعان ما توفي أثاالريك في عام ‪534‬م‪ ،‬مما اضطر أماالسونثا إلى‬ ‫ملكا في محاولة لتأمين دعمه لها ولملكها‪ ،‬لكنها‬ ‫استدعاء ابن عمها ثيوداهاد ‪ ،Theodahad‬وقامت بتتويجه ً‬ ‫سرعان ما غدر بها وقام بنفيها ثم قتلها‪.‬‬ ‫قبل وفاة الملكة أماالسونثا كانت قد أرسلت إلى القسطنطينية لإلمبراطور جستنيان األول (‪– 527‬‬ ‫طلبا لدعمه ضد ثيوداهاد‪ ،‬وكان إعدام أماالسونثا بمثابة ذريعة مثالية لجستنيان‪ ،‬بعد انتصار قواته‬ ‫‪565‬م) ً‬ ‫انتقاما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫على الوندال‪ ،‬لغزو مملكة القوط الشرقيين‬ ‫دارت الحرب القوطية بين اإلمبراطورية البيزنطية ومملكة القوط الشرقيين من عام ‪535‬م حتى عام‬ ‫‪ 554‬في إيطاليا ودالماشيا وسردينيا وصقلية وكورسيكا‪.‬وهي تنقسم عادة إلى مرحلتين‪.‬استمرت المرحلة األولى‬ ‫حاكما على القوط الشرقيين في‬ ‫ً‬ ‫من عام ‪535‬م إلى عام ‪540‬م‪ ،‬ولم يتمكن ويتجيس ‪ ،Witiges‬الذي كان‬ ‫أخير عندما سقطت العاصمة رافينا في أيدي‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬من الدفاع عن المملكة بنجاح‪ ،‬وتم القبض عليه ًا‬ ‫البيزنطيين‪.‬‬ ‫تجمع القوط الشرقيون حول زعيم جديد "توتيال ‪ "Totila‬خالل المرحلة الثانية من الحرب التي استمرت‬ ‫من عام ‪541/540‬م إلى عام‪553‬م‪ ،‬وتمكنوا إلى حد كبير من عكس الغزو‪ ،‬لكنهم ُهزموا في النهاية‪ ،‬وكان‬ ‫آخر ملوك مملكة القوط الشرقيين هو "تيا ‪."Teia‬‬ ‫‪9‬‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser