Israel's Strategy PDF

Summary

This document discusses the Israeli strategy, focusing on security concerns, and the historical context of its formation. The author analyzes the factors that have influenced this strategy, including internal and external threats, diplomatic relations with Arab countries and the evolving role of military strength, and provides supporting viewpoints of influential figures in Israeli strategic thinking.

Full Transcript

# الفصل السابع ## الاستراتيجية الإسرائيلية يعد منطق التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي انعكاساً للوضعية أو الطريقة التي نشأت وتكونت بها اسرائيل . فهي ، وعلى اختلاف الطريقة التي تشكلت بها دول العالم صممت لشعب بلا ارض ، تجسيداً لمقولة ( أرض بلا شعب ، لشعب بلا ارض ) ، وهي المقولة التي وجدت سبيلا" الى حيز...

# الفصل السابع ## الاستراتيجية الإسرائيلية يعد منطق التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي انعكاساً للوضعية أو الطريقة التي نشأت وتكونت بها اسرائيل . فهي ، وعلى اختلاف الطريقة التي تشكلت بها دول العالم صممت لشعب بلا ارض ، تجسيداً لمقولة ( أرض بلا شعب ، لشعب بلا ارض ) ، وهي المقولة التي وجدت سبيلا" الى حيز التنفيذ نتيجة المساعي الحثيثة والمكثفة التي قامت بها الحركة الصهيونية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث تركز التأكيد على فكرة أنه لا خلاص من عداء الشعوب لليهود في المجتمعات الأوربية الا بانسلاخهم وانفصالهم عنها، وايجاد أرض تجمعهم من الشتات ويختصمون بها لوحدهم. وقد مرت هذه الفكرة قبل اختمارها على أرض الواقع بعدة محطات منها المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا عام 1897 ، ومرورا بوعد بلفور عام 1917 ، وانتهاء بقرار تقسيم فلسطين عام 1947 ، وهو القرار الذي لم يحقق الحلم الصهيوني بوجود الأرض ليهود العالم إنما كان بوابة الأنفتاح على كامل التراب الفلسطيني. واذا كان المكون الأول غير متوافر بالنسبة لليهود وهو ( الأرض ) ضمن قياسات المكون التاريخي لقيام ونشوء الدول، فإن المقوم الثاني في قيام الدولة ، وهو الشعب، يعد هو الآخر غير أصيل ، ذلك انه جاء في مرحلة تالية أو لاحقه على إقامة الكيان السياسي . إذ كما هو معروف ، أن المجموعة الأجتماعية المتواجدة جغرافياً على اقليم معين يمكن أن تشكل، وعبر عملية تطور تاريخية ، دولة تختص بهم ، آخذين بنظر الاعتبار، أن هذه المجموعة الأجتماعية تتوافر فيها خصائص مشتركة يأتي في مقدمتها الروابط الاجتماعية المتماثلة ، واللغة المشتركة ، التاريخ المشترك عادات وتقاليد مشتركة ، وهذا ما لم يقترب منه الشعب اليهودي ، الذي استوطن فلسطين، اذ هو يمثل أصول مختلفة ، وقيم غير متماثلة ، فضلاً عن عدم توافر مكون التاريخ المشترك الذي يربط أعضاء المجموعة الاجتماعية بعوامل فكرية وثقافية واجتماعية متشابهة . ( ۱) هذه الوضعية التي نشأت فيها اسرائيل ، وبقدر ما تمثل وضعية فريدة من نوعها، فانها ولدت شعوراً دائماً ومتأصلاً لدى قادتها كونها تعيش في وسط عربي غريب عنها ومعاد لها، وهو شعور أسهم في خلق هاجس الخطر والتهديد الدائم والمستمر لبقائها واستمرارها. والملاحظ أنه على الرغم من وجود اتفاقيات سلام بين اسرائيل وبعض الأطراف العربية، الا أنه لم يعين على الغاء وطأة الشعور الطاغي لفكرة أن الحرب تمثل خيارا مؤجلاً ، وانها يمكن أن تقع متى توفرت لها أسباب وعوامل اندلاعها. أو على اقل تقدير، اذا كانت اسرائيل قد أمنت هامشا" مقبولا" نسبيا من الأمن على الصعيد الخارجي، فأنها لم تفلح في تحقيق الأمن المطلق على صعيد جبهتها الداخلية. من ناحية أخرى ، أن ما يعمل على إثاره الهاجس الأمني لدى اسرائيل ويعمل على تنشيطه هو احساس قادتها بثمة امكانية في حصول تغيرات سياسية على مستوى بعض الأنظمة العربية قد تقود الى وصول جماعات أو نخب حاكمة متطرفة ، تسميها تلك القيادات بالنخب الأصولية ، أو الجماعات الاسلامية المتشددة التي تضع في مقدمة اجندتها أولوية القضاء على إسرائيل. وفي ضوء هذه المعطيات ، فأن أهم وظيفة أنشغل بها الفكر الاستراتيجي الاسرائيلي هي مسالة الأمن وضمان الوجود والاستمرار . وبذلك تداخلت الاعتبارات الأمنية مع ضرورات العمل الاستراتيجية لتجعل من الاستراتيجية الاسرائيلية ، استراتيجية أمنية في المقام الأول تضمنها عقيدة عسكرية قتالية قادرة على تلبية متطلبات الأمن والبقاء في كل زمان وعلى اختلاف الظروف والمتغيرات. وعليه ، اذا كانت العقيدة الأمنية تأتي في مقدمة أولويات الاستراتيجية الاسرائيلية ، فأن هذه العقيدة بنيت على اساس توافر جملة متطلبات منها : 1. **مبدأ القدرة على تأمين ردع فعال :** ويتحدد هذا المبدأ بقدرة اسرائيل على تامين سياسات ردع فعالة تؤثر على الحسابات الاستراتيجية لدى العرب وتثني ارادتهم عن القيام باي اعمال غير مرغوب فيها تهدد وجود اسرائيل او تفرض عليها شروط قاسية، وذلك عن طريق زرع القناعة لديهم بأن ثمن القيام بمثل هذه الأعمال سيكبدهم خسائر باهضة لا يكون بوسعهم القدرة على تحملها. ولكي تحقق استراتيجية الردع الأغراض المنوطة بها، كان على اسرائيل أن تؤمن قوة عسكرية متفوقة وفق منظور تقني متطور لموازنة الكم العربي، بهدف التقليل من احتمالات اندلاع الحرب بينها وبين العرب وللضغط عليهم باتجاه التسليم بها كوجود و كحقيقة قائمة. وبالتالي تجعل من مسألة الخيار العسكري كخيار يمكن التعويل عليه هو قضية خاسرة بالنسبة لهم. ولتأكيد قابلية اقتدار القوة العسكرية الاسرائيلية على تحقيق ردع فعال يقول (آلون) (أن الأمل الوحيد بردع العدو حتى لا يفرض حرباً على اسرائيل يرتبط بقوة جيش الدفاع الاسرائيلي . أن ردع العدو من الدخول في حرب، وارتداعه لفترة طويلة من شأنه أن يؤدي الى التسليم بالأمر الواقع والتسليم يؤدي الى السلام (۲). كما يقول أيضاً ( ستواصل اسرائيل العمل بكل طاقاتها ليكون ميزان القوى رادعاً وحتى تكون قوتها دائماً قادرة على حسم المعركة والانتصار فيها (۳). وبنفس الاتجاه يذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ) نتنياهو) الى أن القوة العسكرية هي ضرورة استراتيجية بيد اسرائيل لخلق بيئة اقليمية تتعايش معها بعيداً عن التفكير في مواجهتها عسكرياً. ويبدو أن هذه الاسترانتيجية حققت الوظائف التي عينت لها، اذ أنعدم أي عمل هجومي عربي كبير في الميدان العسكري حتى عام ۱۹۷۳ . كما هيأت هذه الاستراتيجية لاسرائيل فرصة الانفراد في ممارسة الخيار العسكري عندما شنت عدوانها على الأقطار العربية في الخامس من حزيران ١٩٦٧. وبعد عام ١٩٦٧ كانت استراتيجية اتلردع الاسرائيلي تتوخى تحقيق هدفين أساسيين أولهما، حماية الأوضاع الجديدة التي ترتبت على احتلال الجولان، الضفة الغربية ، قطاع غزة وسيناء. وثانيهما ، منع العرب من القيام باي عمل عسكري يهدف استرجاع المناطق العربية المحتلة، اذ أن تلك المناطق كانت قد حققت الاسرائيل وضعاً مريحاً يؤمن لها والى حد كبير ، متطلبات الحماية والدفاع . بمعنى آخر أن مهمة الردع بعد عام ١٩٦٧، كانت تهدف الى توطيد المكاسب وتأمين الاستقرار على اساس الوضع الراهن، وإقناع العرب بأن ليس هنالك بديل عملي عن القبول بوجود اسرائيل الدائم والتعايش معها، وأن استعمال القوة ضدها من شأنه أن يكلفهم أثمان باهضة. لكن، ومن ناحية اخرى ، نجد أن الواقع يكشف لنا أن استراتيجية الردع الاسرائيلية أخفقت في إيجاد حلول ناجحة لمعضلة إسرائيل الأمنية بعد عام ١٩٦٧، وبالتالي أكدت أهتزاز قدرتها في تحقيق أهداف إسرائيل الشاملة. صحيح أن اسرائيل حققت مكاسب عسكرية بفرض سيطرتها على مناطق عربية بعد عام ١٩٦٧ ، وتمكنت من خلق أوضاع استراتيجية جديدة غيرت من طبيعة مشكلات الأمن بالنسبة لها، وخاصة من الناحية الاستراتيجة والعسكرية، الا أن جوهر مشكلة الأمن المتمثلة برفض العرب لذلك الكيان ، ورفضهم لأي شكل من أشكال التقارب معه، وإصرارهم على مواصلة الصراع، مقابل عدم شعور إسرائيل بالأمان بقي مستمراً . (٤) في ضوء هذه المعطيات يمكن القول أنه حتى عام ۱۹۷۳ ، فأن استراتيجية الردع، وفق نظام الأسلحة التقليدية بمضامينها التقنية المتطورة، عبرت عن عجزها وإخفاقها في تحقيق شروطها في ضمان مفهوم الأمن الإسرائيلي، ولم تعد بالوسيلة المستقرة التي يمكن الركون اليها لضمان اعتراف العرب بالوضع الراهن ولتقريب العدو الاسرائيلي من تحقيق أهدافه الشاملة . فهي لم تمنع العرب ولم تجردهم من أرادتهم في مواصلة الصراع الكلي. اضافة الى ذلك، فأن تجربة حرب عام ۱۹۷۳ كانت قد بددت وهم التفوق العسكري الاسرائيلي ، وصدعت مفهوم عصمة الجيش الذي لا يقهر. الأمر الذي فرض على اسرائيل البحث عن بديل إستراتيجي يحقن الرادع التقليدي بجرعة قوية لتحقيق التوازن والاستقرار المنشود، ويدفع العرب إلى التسليم بها كحقيقة واقعة. وقد تمثل هذا البديل الإستراتيجي بالخيار النووي بالنظر لما ينطوي عليه من مكاسب تعين إسرائيل على معالجة معضلاتها الأمنية ، بعد أن عجز الردع التقليدي عن تقديم حلول مناسبة لها. ويمكن اجمال هذه المكاسب بما يلي: 1. **التقليل من احتمالات اندلاع الحرب، إن لم تكن تعمل على إلغائها أصلاً.** ذلك أن شروط فاعلية الردع النووي تكون اكثر استقراراً من شروط فاعلية الردع التقليدي، اذ أنها تثير مسالة الخوف والخشية من التعرض بخسائر باهضة اذا ما أقدم العرب على شن هجوم عسكري ضد إسرائيل . وعليه، فأن استراتيجية الردع النووي ستكون صالحة لإسرائيل لفرض تسوية على العرب تنهي حالة الحرب وتقود الى الاعتراف به وقبوله كواقع لا يمكن تجاهله. هذه الأطروحة يؤكدها ( يهو شفاط هر كافي) بالقول أن الخيار النووي سيؤدي في النهاية إلى انفراج الأزمة العربية - الإسرائيلية. فاستحالة الحرب في الرادع النووي قد تؤدي الى فترة يتخلى فيها التراع عن مظهره العنيف، وينتج عن إطالة تلك الفترة تلطيف لحدة التوتر تدريجيا وحصرا للخلاف في مجالات أخرى تدور عليها المنافسة. فالردع المتحقق نوويا يجر وراءه مستويات تالية مهدئة وتدريجية للتوتر ((٥). وعليه، فأن وجود رادع نووي من شأنه أن يقلل ، بل ويضعف من احتمالات الحرب، لأنه سيجعل منها خياراً غير منطقي، بل ستعد الحرب عملاً انتحارياً اذا حاول العرب التفكير بها أو اللجوء اليها. 2. **هناك العديد من القادة العسكريين الاسرائيليين يذهبون إلى أن ميزان القوة العسكرية** **التقليدية سيعمل بمرور الزمن لصالح الأقطار العربية.** وأن الكيان الصهيوني ، وعلى المدى البعيد، لن يستطيع الحفاظ على تفوقه في مجال الأسلحة التقليدية على الأقطار العربية، ذلك أن القوة العربية ليست شيئاً ثابتاً أو مستقراً، بل هي في حالة تغيير في ضوء هذه المعطيات يمكن القول أنه حتى عام ۱۹۷۳ ، فأن استراتيجية الردع، وفق نظام الأسلحة التقليدية بمضامينها التقنية المتطورة، عبرت عن عجزها وإخفاقها في تحقيق شروطها في ضمان مفهوم الأمن الإسرائيلي، ولم تعد بالوسيلة المستقرة التي يمكن الركون اليها لضمان اعتراف العرب بالوضع الراهن ولتقريب العدو الاسرائيلي من تحقيق أهدافه الشاملة . فهي لم تمنع العرب ولم تجردهم من أرادتهم في مواصلة الصراع الكلي. اضافة الى ذلك، فأن تجربة حرب عام ۱۹۷۳ كانت قد بددت وهم التفوق العسكري الاسرائيلي ، وصدعت مفهوم عصمة الجيش الذي لا يقهر. الأمر الذي فرض على اسرائيل البحث عن بديل إستراتيجي يحقن الرادع التقليدي بجرعة قوية لتحقيق التوازن والاستقرار المنشود، ويدفع العرب إلى التسليم بها كحقيقة واقعة. وقد تمثل هذا البديل الإستراتيجي بالخيار النووي بالنظر لما ينطوي عليه من مكاسب تعين إسرائيل على معالجة معضلاتها الأمنية ، بعد أن عجز الردع التقليدي عن تقديم حلول مناسبة لها. ويمكن اجمال هذه المكاسب بما يلي: 1. **التقليل من احتمالات اندلاع الحرب، إن لم تكن تعمل على إلغائها أصلاً.** ذلك أن شروط فاعلية الردع النووي تكون اكثر استقراراً من شروط فاعلية الردع التقليدي، اذ أنها تثير مسالة الخوف والخشية من التعرض بخسائر باهضة اذا ما أقدم العرب على شن هجوم عسكري ضد إسرائيل . وعليه، فأن استراتيجية الردع النووي ستكون صالحة لإسرائيل لفرض تسوية على العرب تنهي حالة الحرب وتقود الى الاعتراف به وقبوله كواقع لا يمكن تجاهله. هذه الأطروحة يؤكدها ( يهو شفاط هر كافي) بالقول أن الخيار النووي سيؤدي في النهاية إلى انفراج الأزمة العربية - الإسرائيلية. فاستحالة الحرب في الرادع النووي قد تؤدي الى فترة يتخلى فيها التراع عن مظهره العنيف، وينتج عن إطالة تلك الفترة تلطيف لحدة التوتر تدريجيا وحصرا للخلاف في مجالات أخرى تدور عليها المنافسة. فالردع المتحقق نوويا يجر وراءه مستويات تالية مهدئة وتدريجية للتوتر ((٥). وعليه، فأن وجود رادع نووي من شأنه أن يقلل ، بل ويضعف من احتمالات الحرب، لأنه سيجعل منها خياراً غير منطقي، بل ستعد الحرب عملاً انتحارياً اذا حاول العرب التفكير بها أو اللجوء اليها. 2. **هناك العديد من القادة العسكريين الاسرائيليين يذهبون إلى أن ميزان القوة العسكرية** **التقليدية سيعمل بمرور الزمن لصالح الأقطار العربية.** وأن الكيان الصهيوني ، وعلى المدى البعيد، لن يستطيع الحفاظ على تفوقه في مجال الأسلحة التقليدية على الأقطار العربية، ذلك أن القوة العربية ليست شيئاً ثابتاً أو مستقراً، بل هي في حالة تغيير مستمر، اذ حرصت القيادات العربية على تطوير اسلحتها وفق مقاييس تقنية متطورة ، واستطاعت أن تحرز تقدماً ملحوظاً في هذا المجال ، الأمر الذي يؤدي الى تغيير ميزان القوى بين العرب واسرائيل وعلى نحو لا يكون لصالح الأخيرة . وعليه فإن الخيار النووي من شأنه أن يوفر لاسرائيل رادعاً مطمئناً وموثوقاً به في مواجهة الخطر العربية والقوة العربية المتنامية ، ويبقى على مظاهر الخلل في معادلة توازن القوى ولصالح إسرائيل. - إن الخيار النووي من شأنه أن يساعد على تجنب الاتفاق المالي والتكاليف الباهظة والمرهقة اقتصاديا والتي تفرضها عليه عملية سباق التسلح بنمطه التقليدي. - إن الاعتماد على الخيار النووي لا يمكن إسرائيل من إحراز تفوق عسكري استراتيجي في ميزان تعادل القوة على الجانب العربي، إنما ايضاً سيمكنها من تجنب الاعتماد على مصادر خارجية في مجال التسلح. إن الخيار النووي ، ومن وجهة نظر العديد من قادة إسرائيل ، سيكون عاملاً معوضاً عند التعرض لاحتمالات الاختناق في تدفق الأسلحة والمواد والمعدات الحربية لإنجاز المهام الموكلة اليها. ## ٢ مبدأ الضربة الاستباقية - الوقائية : ركزت الاستراتيجية الاسرائيلية على مبدأ آخر من مبادىء العمل الاستراتيجي لضمان أمن إسرائيل ، وهو مبدأ الضربة الاستباقية - الوقائية أو الاجهاضية. والفكرة التي ينهض عليها هذا المبدأ الاستراتيجي مفادها ان العدو ، وبسبب مما يضمره من نوايا عدائية الإسرائيل ، فأن كل تحركاته ( سياسة كانت أم عسكرية تحمل في ثناياها استعداداً لشن هجوم ضدها. وبما ان اسرائيل لا تملك عمقاً ستراتيجياً يعينها على الدفاع ، وتفتقر الى الكم البشري الذي يؤمن لها القدرة على موازنة الكم البشري العربي ومواصلة القتال في حرب قد يطول زمنها. فضلاً عن إمكانية تبعثر جهدها العسكري الميداني على عدة جبهات ، فإن هذه الأوضاع لا تتيح أمامها إلا خياراً واحداً هو أن تبادر باستباق هجوم متوقع بعمل هجومي مضاد ( الدفاع بالهجوم ، وذلك بتغيير وضعها القتالي من النمط المستكن إلى نمط التعرض بالهجوم، وأن تبادر من جانبها بالعمل العسكري لاستباق هجمات عسكرية وشيكة تعد ضدها. إذن مفهوم الضربة الاستباقية يقوم على عنصر المفاجأة بالهجوم عن طريق المبادرة به من أجل تحطيم قوات العدو العسكرية، ومراكز حشدها ومفاصل تجمعاتها الحيوية لإجهاض هجوم متوقع من قبله. وبالتالي فان الضربة الاستباقية تجرد العدو من المرونة في اختيار وقت الهجوم ومكانه . وبالمقابل، أنها توفر للطرف المبادىء بها مزايا انتقاء المكانة والزمان وأسلوب القتال الذي يناسبه. والضربة الاستباقية هي أصلاً ذات طبيعة وقائية، ذلك أنها تهدف توفير الحماية، أو الوقاية من هجوم قد يكبد إسرائيل خسائر لا تقدر على تحملها. وقد اعطى الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي جملة مسوغات تبرر اعتماد إسرائيل على هذه العقيدة القتالية منها : (1) أن أي انتصار عسكري يحققه العرب بهجوم يشن ضدها سيؤدي الى تصفيتها ومن هنا فإن هدف إسرائيل من الضربة الاستباقية الوقائية يتحدد بمنع العرب من تهديد وجودها. (۲) ولتحقيق هذه الهدف يجب على إسرائيل تبني اسراتيجية تمنع العرب من المبادأة في شن هجوم عليها وذلك بالمبادرة إلى تدمير القدرة الهجومية العربية التي تمثل الخطر المحتمل. (۳) أن السبيل الوحيد للوصول الى هذين الهدفين يضطر إسرائيل إلى الاعتماد على مبدأ الحرب الوقائية - الاستباقية ونقل الحرب إلى أرض العدو. وعلى هذا فأن المفهوم الإستباقي (PREEMPTIVE WAR) يعني المبادرة بالفعل، أما المفهوم الوقائي (PREVENTIVE WAR) فأنه يعني منع الفعل المعادي من الدخول الى حيز التنفيذ. وقد طبقت إسرائيل هذه الاستراتيجية عندما قامت مصر بغلق مضائق شرم الشيخ قبيل عدوان الخامس من حزيران ۱۹٦٧، قصف المفاعل النووي العراقي في حزيران ۱۹۸۱ وضرب منظمة التحرير الفلسطينية في تونس عام ۱۹۸۵ . في ضوء كل ما تقدم ، علينا أن نتساءل ، هل بقيت هذه العقائد العسكرية التي بنيت عليها الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية ، وفي اطار عقيدتها الأمنية، ثابتة دون تغيير ؟ أم تم إعادة النظر فيها ومراجعتها وتقويمها وتصويبها في ظل متغيرات عديدة أصابت موضوعات متنوعة ، كانتهاء الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة ، الرؤية الاسرائيلية للحرب وأطروحة السلام أمن اسرائيل والعقائد المرتبطة به والكفيلة بتحقيقه؟ وبالتالي، فأن مجمل هذه المتغيرات هل كان لها نصيب في إجراء تعديل على العقيدة العسكرية الإسرائيلية ؟ لابد من الإشارة أولاً، أن ثمة قضايا أساسية بقيت تمثل محوراً يميل إلى الثبات ذلك أنها تتصل بجوهر الاستراتيجية العليا لإسرائيل كاحتمالات اندلاع الحرب مثلاً، تمتين شروط فاعلية الردع إسقاط الخيار العسكري لدى العرب تطوير العقيدة العسكرية. لا شك في أن العوالم المتعلقة بمتغيرات البيئة الدولية ، والتي يأتي في مقدمتها انفراد الولايات المتحدة باعتبارها القطب الوحيد على الصعيد العالمي. فضلا عن العوامل المرتبطة بإسرائيل ، وخصوصاً، عوامل بناء قوتها العسكرية وفق منظور تقني متطور يتجاوز الخصائص التقنية لمنظومة الأسلحة العربية، وبما يتلائم مع تكنولوجيا الفضاء وعصر المعلوماتية . يضاف إلى ذلك تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة ودخولها في منظومة الشبكة الأمريكية للدفاع بالصواريخ واعتبارها أي اسرائيل (جزءاً حيوياً) من منظومة الأمن القومي الأمريكي بموجب اتفاقية الأمن المتبادل عام ۲۱۹۹۸)، الأمر الذي يعني عملياً أن هناك التزاماً أمريكياً بالدفاع عن أمن إسرائيل إذا ماتعرض للتهديد المباشر. كل هذه المعطيات انعكست على معنى وجوهر الصراع العربي - الاسرائيلي، وبكل مضامينه الفكرية والقيمية والأيديولوجية ، فمثلاً لم تعد المسألة المثارة في الوقت الحاضر على الأقل على مستوى الخطاب السياسي الرسمي ومن وجهة نظر القيادات العربية ممثلة بـ ( حتمية) زوال اسرائيل باعتبارها كيان أغتصب حقوق الشعب العربي الفلسطيني في الرض والبقاء، بقدر ما يدور الحدل حول ( امكانية التعايش المشروط مع اسرائيل بتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني باقامة دولته على أرض فلسطين جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل . وبهذا تحولت معطيات الصراع من كونه ( صراع أيديولوجي) يحمل مضامين فكرية وقيمية حول الأحقية التاريخية في أرض فلسطين ، إلى شكل من أشكال ) التراع القانوني حول تفسير الحدود المسموح بها لوجود إسرائيل كدولة، والحدود المسموح بها للفلسطينيين في إقامة دولتهم. وقد أنعكس هذا التكييف لمعنى ومفهوم الصراع على موضوعة الحرب ذاتها، اذ لم يعد الخيار العسكري المتمثل باللجوء الى الحرب مطروحاً باصرار، وبكل ضغوطه ومؤثراته، كما كان عليه الحال سابقاً، أنما أخذ هذا الخيار بالتراجع واعادة التقويم بخصوص جدوى أهدافه السياسية المتشددة. فالمخاطر المترتبة على شن حرب شاملة لا تأتي فقط من طبيعتها المركبة بسبب من تعدد الأطراف التي يمكن أن تتورط فيها، فضلاً عن أطرافها الحقيقيين ، إنما هي متأتية أيضاً من طبيعة الإدراك لحجم خسائرها ميدانيا" وضخامة كلفتها استراتيجياً، ذلك أنها ستنطوي على خسائر بشرية فادحة واكلاف سياسية واقتصادية وعسكرية باهضة قد يصعب على الأطراف تحملها. ونتيجة لهذا التحول في الرؤية لطبيعة الصراع ، أصبحت موضوعة الحرب تعبر عن اختيار ) لاعقلاني) ، في الوقت الذي ابتعدت فيها، أي فكرة الحرب، عن مضامينها ) السياسية - الآيديولوجية) و ( العقائدية - المصيرية لتصبح مجرد قضية ( تفاوضية تساومية مرتهنة ببراعة العمل الدبلوماسي، والقدرة على ممارسة الضغوط السياسية ، اذ يمكن ادارتها والتحكم فيها بعيداً عن احتمالات التصعيد الذي قد يقود إلى مواجهة عسكرية. ومع كل ذلك ، بقيت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تشدد على الوظيفة التي يمكن أن تنجزها القوة العسكرية ، بمؤهلاتها التقنية المتطورة باعتبارها تعبر عن ضرورة أمنية تمليها متطلبات استراتيجية اسرائيل العليا . هذه الحقيقة التي لا يمكن أن يتجاوزها أي مسؤول اسرائيلي ، يؤكدها ( بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق بالقول ) أن القوة العسكرية هي مؤسسة لا بديل عنها للمحافظة على أمن اسرائيل على الأقل في المستقبل المنظور) (७). ويضيف قائلاً ) أن القوة العسكرية هي ضرورة استراتيجية بيد اسرائيل لخلق بيئة إقليمية تتعايش مع اسرائيل بعيداً عن التفكير في مواجهتها عسكرياً) (८). لكن ما هي طبيعة هذه القوة العسكرية التي يعلق عليها قادة اسرائيل آمالهم ، وتشكل محور تفكيرهم الاستراتيجي، وبالتالي جوهر الإستراتيجية الإسرائيلية. الحقيقة ، ان هذه القوة تخرج عن مقاييس القوة العسكرية التقليدية المتعارف عليها والتي كانت مصممة حتى نهاية السبعينات من القرن العشرين . انها اليوم تمثل قوة مطعمة بقدرات نووية وتكنولوجية وتستند على قاعدة المعرفة المعلوماتية المتطورة. (۹) إذ فضلاً عن ما تملكه إسرائيل من تقنية نووية مصممة لأغراض عسكرية (سلاح نووي) ، فإنها تمكنت من أن تحقق نجاحات هامة في مجال برامج التطوير التكنولوجي المعدة للأغراض العسكرية من أجل تحسين أنظمتها الدفاعية والهجومية. ومن خلال هذه البرامج تمكنت إسرائيل أن تحصل على تكنولوجيا الوسائل المضادة للصواريخ المتمثلة في انتاج الصواريخ المضادة للصواريخ آور) / السهم، وكذلك برنامج أسلحة الطاقة الحركية التي تعتمد على اطلاق مقذوفات مضادة للصواريخ تعمل بالطاقة الكهرومغناطيسية . بالأضافة لأسلحة الطاقة الاشعاعية الموجهة التي تعمل باشعة الليزر واشعة الطاقة التي تسلط على الصواريخ المعادية من محطات أرضية وفضائية فيتم تدميرها في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها. كما تمكنت اسرائيل من ربط مركز انذارها الأرضي مع مركز الإنذار الأمريكي في كولورادو بالولايات المتحدة بحيث تحصل على الإنذار بالصواريخ القادمة من أقمار الإنذار الأمريكية عبر اقمار الاتصالات في نفس الوقت الذي تحصل فيه الولايات المتحدة على الإنذار بذلك. وعلى هذا، فأن أنظمة التسليح الاسرائيلي اليوم تمكن الجيش الإسرائيلي من الرد على كافة أنظمة التسليح والتكنولوجيا المتطورة التي أدخلت في الجيوش العربية، والتي تشكل تهديداً لإسرائيل، خاصة الصواريخ البالستية التي تهدد العمق الإستراتيجي الإسرائيلي ، بما يمكن الجيش الإسرائيلي في نفس الوقت من تنفيذ أهدافه ومهامه الإستراتيجية بنجاح في ساحة القتال والحروب المستقبلية. كما طورت إسرائيل نوعيات من الذخائر ) صواريخ وقنابل متنوعة ذات توجيه ذاتي بواسطة وسائل وأجهزة ليزرية وحرارية وتلفزيونية ورادارية تطلق من أسلحة برية وجوية وبحرية ومن مسافات أبعد من مدى الأسلحة المضادة العربية التي بحوزة العرب. كما طورت إسرائيل أسلحة ( الإعماء الليزري لتعمية محطات الرادار العربية، كما طورت نوعيات متعددة من الطائرات بدون طيار التي تستخدم في مجالات الاستطلاع وإدارة النيران، إلى جانب الإهتمام بتطوير العقول الألكترونية في شكل حاسبات الكترونية متطورة ساعدت في مجال المخابرات وأعمال القيادة والسيطرة، وتطوير الأسلحة والذخائر، بالأضافة لوسائل الحرب الالكترونية في مجال الإستطلاع والإعاقة اللاسلكية والرادارية الأرضية والجوية. كما تبذل إسرائيل جهوداً حثيثة لتطوير قدراتها التكنولوجية في مجال الحرب الألكترونية بالنظر لدورها المهم في الحرب الجوية البرية وأعمال القيادة والسيطرة والإتصالات والاستطلاع والحسابات وإدارة المعركة بمنظومة المعدات والأجهزة الإلكترونية بهدف امتلاك المبادرة في الحرب والاحتفاظ بالتفوق والإنفراد بالقدرة على ادارتها حتى نهايتها. بالإضافة الى امتلاكها لوسائل إرباك سيطرة القيادات العربية على جيوشها ومعداتها وافشال خططها الميدانية في مجال المناورة والدفاع وخطط الهجوم عن طريق شل وإرباك نظمهم الالكترونية المستخدمة في السيطرة وتوجيه نظم الأسلحة والانذار، وحرمانهم من الحصول على معلومات عن النظم الالكترونية الاسرائيلية وتأمينها ضد أعمال الجيوش العربية الإلكترونية المضادة بواسطة وسائل التأمين الإلكتروني. ويعكس ) شمعون بيريز ، رئيس وزراء اسرائيل الأسبق، أهمية التطور التكنولوجي في الإستراتيجية الإسرائيلية في قوله في كتاب ) الشرق الأوسط الجديد) ( أن كل من يتكلم عن الأمن بمفهوم الكيلومترات والمطالب الجغرافية فقط، رغم كونها اعتبارات هامة في حد ذاتها، فأنه لايفهم أن الجغرافيا ستعتبر في المستقبل أمراً ثانوياً مقارنة بأهمية التطور التكنولوجي في القرن القادم. ذلك أن نجاح أي دولة في المنطقة مستقبلاً في تحقيق اختراق تكنولوجي حاسم في ميدان الأمن والتنمية بشقيها الإنتاجي والخدماتي سيشكل تحدياً خطيراً لباقي دول المنطقة، خاصة على صعيد الأمن، وأعتقد أن أسرائيل تستطيع أن تواجه هذا التحدي وتفوز به ... ) . أذن قوة إسرائيل العسكرية، سواء أكان ذلك في مجال الردع ، أو القدرة على توظيفها في المعارك والحروب تقوم على المقومات التالية: . **الإعتماد بدرجة كبيرة على أنظمة الإتصالات الحديثة، ومن بينها أنظمة مدمجة فضائية** **وجوية وبرية تربط الاستطلاع والمخابرات بالإنذار المبكر مع الإتصالات مع الحاسبة الإلكترونية** **الإدارة المعركة في نظام واحد بحيث توفر المعلومات في وقت حقيقي سواء قبل الحرب أو** **أثناءها من أجل إحكام القيادة والسيطرة عليها وبحريتها.** ۰۲ **تطوير وسائل فعالة للتصدي ضد الصواريخ البالستية ( منظومة الصواريخ المضادة** **للصواريخ مثل ( باتريوت والصاروخ الاسرائيلي (أرو السهم وأسلحة الطاقة الحركية** **التي تعمل بالطاقة الكهرومغناطيسية، وأسلحة الطاقة الإشعاعية الموجهة، وصواريخ الطاقة** **الكامنة ومنظومة صواريخ (جو (جو) الإعتراضية للصواريخ البالستية المضادة. أي أن** **إسرائيل تمكنت من تأمين منظومة صواريخ ومعدات عسكرية ضد الهجمات التي تتعرض لها** **بالصواريخ البالستية ، أو الطائرات المعادية القاصفة والمقاتلة.** . **يواكب ذلك كله ، امتلاك إسرائيل منظومة فضائية للأقمار الصناعية أقمار أفق أو** **عاموس تؤمن لها نظام استطلاع وإنذار فضائي مبكر وفوري بانطلاق الصواريخ المعادية. وفي** **الواقع فأن منظومة الأقمار الصناعية الفضائية لا تمثل فقط شبكة محكمة متكاملة للأنذار** ت ت ==End of OCR for page 61==

Use Quizgecko on...
Browser
Browser