مقرر فلسفة الفنون - جامعة حلوان 2024/2025
Document Details
Uploaded by Deleted User
جامعة حلوان
2025
د. هبة عبد المحسن ناجى
Tags
Summary
This document is a syllabus for a course on Philosophy of the Arts, intended for third-year students in the Fine Art Department. The course will cover the nature of art, aesthetic principles, and the history of art. It is part of a curriculum for Helwan University, 2025/2024.
Full Transcript
مقرر فـلسـفـة الـفـنـون المستوى الثالث :شعبة التصوير إعداد أ.د.هبة عبد المحسن ناجى أسـتاذ النقـد والتـذوق الفني كلية التربية الفنية -جامعة حلوان 2025/2024 ...
مقرر فـلسـفـة الـفـنـون المستوى الثالث :شعبة التصوير إعداد أ.د.هبة عبد المحسن ناجى أسـتاذ النقـد والتـذوق الفني كلية التربية الفنية -جامعة حلوان 2025/2024 أوال :ماهية الفن: -1مفهوم الفن: يمتد األصل اللغوى لكلمة فن إلى المسمى اليونانى Techneوالالتينى ،Arsويقصد به المهارة ،حيث تعنى كلمة فن فى اللغتين اليونانية والالتينية الصنعة ،ولم تستقل مشكالت الفن عن مشكالت الصنعه إال فى أواخر القرن التاسع عشر ،حيث عرف الفيلسوف اإلغريقى أرسطو الفن فى كتابه الميتافيزيقا على أنه نوع من الصنعة. وفى القرن التاسع عشر اكتشف الفالسفة اختالف الوسيلة عن الغاية فى مجال الصنعة والفن ،ففى الفن ال يجوز االكتفاء بالمهارة األدائية فقط ،حيث لم يعد الفن مصمما ً لتحقيق غاية نفعية معينة ،بل البد أن تكتمل العملية االدائية مع الرؤية الفنية من قبل ألحداث أثر نفسى معين لدى المتلقى قد يكون انفعاالً أو أفكارا ً أو فعالً. فالفن نشاط إبداعى هدفه جذب االهتمام نحو الجمال بطريقة غير تقليدية ،بل ويهدف إلى تقوية رغبة المشاهد فى إطالة زمن تأمله أو الرغبة فى تكرار تجربة التأمل. والجدير بالذكر أن هناك تصنيفات عدة للفنون تختلف بإختالف العصور التاريخية والتغييرات الجمالية المتعاقبة عبر العصور ،لكنها فى صورتها النهائية كما وصلت خالل القرن العشرين ،تقوم على ثالثة افتراضات أساسية: -أن هناك منظومة محددة للفنون جميعاً. -أن هناك تفرقة واجبة بين الفنون والحرف والعلوم. -أن الفنون تتميز بأنها تبحث عن الجمال ،وتحاول أن تصل إليه. ويرتبط الفن بمصطلح الجماليات أو علم الجمال الذى يشير فى معناه التقليدى إلى دراسة (الجمال فى الفن والطبيعة) ،أما االستعمال الحديث لنفس المصطلح فينطوى على أكثر من ذلك بكثير ،كطبيعة التجربة الجمالية، وأنماط التعبير الفنى وسيكولوجية الفن (التى تعنى عملية اإلبداع أو التذوق أو كليهما معاً).حيث يشير البعض إلى إن جمال العمل الفنى ال يكمن فى جمال موضوعه ،بل فى جمال أسلوب التعبير عن هذا الموضوع ( سواء كان فى مجال األدب ،الشعر ،السينما ،المسرح ) ،بإعتبار الفن هو شكل من أشكال التعبير عن وجهة نظر الفنان المعرفية واالنفعالية واالجتماعية والسياسية ،حول الذات والعالم وعالقة تلك الذات (الفنان) بهذا العالم. فالفن هو إحساس الفنان الذى يصوغه فى عمل فنى ،لذا ترتبط جميع الفنون بالتعبير بإعتباره الهدف والفكرة التي يخضعها الفنان فى شكل جمالى.فيمثل التعبير العنصر الالمادى فى العمل الفنى ،إال انه يكون بمثابة العنصر الفعال فى وجود الفن ذاته ،على اعتبار أن الفن هو لغة معبرة عن واقع اجتماعى واقتصادى وسياسى لعصر ما أو فترة زمنية وتاريخية محددة ،ويتم تجسيده فنيا ً من خالل التفاعل بين مشاعر وانفعاالت -1- الفنان والعناصر المحيطة به إلى جانب الخبرات المكتسبة من األعمال الفنية السابقة فى الذاكرة الصورية التى يستدعيها الفنان شعوريا ً أو ال شعوريا ً عند إبداع عمله الفنى. وتشير موسوعة الفلسفة إلى أن الفن يشتمل على كل األنظمة والمجاالت اإلبداعية مثل الشعر والدراما والموسيقى والرقص ،كما يفهم الفن على إنه ال يقتصر على الفنون البصرية فقط مثل فن التصوير والنحت والعمارة ،ولكنه يشمل كذلك فن األدب والسينما والمسرح.حيث يجمع تلك المجاالت سمات وخصائص مشتركة ،فعلى سبيل المثال تستخدم فى العديد من أشكال الفن المختلفة مصطلحات مماثلة لوصف خصائص معينة ،حيث تستخدم فى مجال الموسيقى وكذلك فى مجاالت الرسم والنحت والعمارة مصطلحات مثل التكرار، اإليقاع ،التوازن ،والوحدة. ويُعد الفن التشكيلى أقدم أنواع الفنون التعبيرية التى عرفها اإلنسان على وجه األرض ،فالرسوم التى خطها اإلنسان البدائى على جدران الكهوف قد سبقت معرفته للغة وتسجيل الكتابات وغيرها من مجاالت الفنون التعبيرية األخرى ،كالمسرح واألدب والرقص الذى يعتبر من أكثر األنشطة تالزما ً لإلنتاج الفنى حيث ارتبطت الرسوم فى العصور البدائية بالممارسات السحرية والرقصات الطقسية لتحقيق غايات خاصة. -2تعددية تعريفات الفن: تعددت مفاهيم الفن بناء على تعدد وجهات نظر الفالسفة وعلماء الجمال عبر العصور ،حيث تغيرت التعريفات والمفاهيم وفقا للتحوالت الثقافية والفكرية واالجتماعية.ومن هذه التعريفات: أ -الفن كتعبير عن الجمال المثالى: يرتبط الفن في الفلسفة الكالسيكية لدى أفالطون وأرسطو بالجمال والمثل العليا.كان يُنظر إلى الفن على أنه مرآة تعكس الواقع أو الطبيعة بطريقة مثالية. ب -الفن كإبداع: يتميز الفن باإلبداع والتفرد.فهو عملية يتفاعل فيها الفنان مع العالم الداخلي والخارجي ليخلق شيئًا جديدًا ومبتكرا.في هذا السياق ،الفن يُنظر إليه على أنه عمل شخصي يعكس رؤية الفنان للعالم. ً ج -الفن كتعبير عن المشاعر: يرى العديد من الفالسفة ،مثل تولستوي أن الفن هو وسيلة لنقل المشاعر والعواطف بين الفنان والمتلقي. بهذا المعنى ،يُعد الفن لغة غير لفظية تسمح بتواصل عاطفي وروحي. د -الفن كتمثيل للواقع أو للتجربة اإلنسانية: يمكن أن يكون الفن وسيلة لتجسيد تجارب إنسانية معقدة.قد يكون ذلك عبر تصوير الواقع (كما في الواقعية) ،أو تفسيره بطريقة رمزية أو تجريدية (كما في التعبيرية والتجريدية). -2- هـ -الفن كوسيلة للتأمل والنقد االجتماعي: ارتبط الفن في العصور الحديثة والمعاصرة ،بالنقد االجتماعي والسياسي ،وأصبح وسيلة للفنانين للتعبير عن رؤيتهم للعالم وللتفاعل مع القضايا السياسية واالجتماعية.من هذه الزاوية ،الفن ليس مجرد أداة جمالية بل وسيلة للتغيير واإلصالح. و -الفن كتجربة حسية: أى أن الفن ال يتمثل فقط في العمل الفني ذاته ،بل في التجربة الحسية والعاطفية التي يمر بها الشخص عند التفاعل مع العمل الفني. -3وظائف الفن: أ -الوظيفة التكنيكية للفن :أي ممارسة الفن لذاته دون أن يرتبط بأي غاية أخالقية أو عاطفية أو دينية، مما يمثل موقف أصحاب الفن من أجل الفن مثل أوسكار وايلد فالفنان في نظره غير مطالب بالتزام أي شروط غير ما تقتضيه أصول الصنعة الفنية نفسها ب -الوظيفة الترفيهية للفن :فالفن يصرفنا إلى اللهو واللعب والترفيه والتسلية عند إبداع وتذوقه أي أن نتأمل الجمال هو ضرب من المتعة وسط مشاغل الحياة وهمومها وهو رأي كانط وشيلر ج -الوظيفة المثالية للفن :وتقوم مهمة الفنان حسب الموقف األفالطونى فى محاولة لتمثيل المثل األعلى بأن يضفي على الحياة طابعا جميال د -الوظيفة التطهيرية للفن :وتقوم مهمة الفن أن يطهر إنفعاالتنا ويحررنا من األلم ويحصننا أخالقيا وهو ما جاء به أرسطو هـ -الوظيفة التسجيلية للفن :وفيها مهمة الفن هي تسجيل ظروف الحياة بقصد العمل على توثيقها واالحتفاظ بصورها أو تكرار الواقع مع تغييره وفقا لمرئيات الفنان فالفن عبارة عن األداة التي يصوغ بها الفنان حياته الخاصة أو حياة اآلخرين. -4العمل الفنى ومكوناته : إن المكونات األساسية ألى عمل فنى تشكيلى تشتمل على ثالث عناصر أساسية ،وهى المادة التى يصاغ بها العمل الفنى سواء كانت طبيعية أم صناعية أم االثنين معا وما يرتبط بذلك من مهارات تقنية وفنية، والموضوع الذى يتناوله العمل الفنى ،والتعبير المراد اإلفصاح عنه. -3- تلك المكونات تندمج معا ً وتتفاعل فيما بينها فى كل متكامل ووحدة واحدة مكونة العمل الفنى ،فللعمل الفنى وحدته المادية التى تجعل منه موضوعا ً حسيا ً يتصف بالتماسك واالنسجام من ناحية ،كما أن له مدلوله الباطنى الذى يشير إلى موضوع خاص ،ويعبر عن حقيقة روحية من جهة أخرى ،فالبد للعمل الفنى من بنية (مكانية) تعد بمثابة المظهر الحسى الذى يتجلى على نحوه الموضوع الجمالى ،وأيضا بنية (زمانية) تعبر عن حركته الباطنية ومدلوله الروحى بوصفه عمالً إنسانيا ً حياً. فالتفاعل بين مكونات العمل الفنى تفاعل مستمر ومتكامل ولكل منهم دوره فى تحقيق الوحدة الفنية ،فبناء العمل الفنى إنما هو ثمرة امتزاج وتكافؤ الصورة بالمادة واتحادها بالمعنى ،إلى جانب تكافؤ الشكل مع الموضوع بشرط أن تتوافر للعمل (وحدة فنية) تجعل منه موضوعا ً جماليا ً يتمتع بالذاتية.ومن الصعب فصل تلك العناصر عن بعضها وتحديد دور كل منهم دون أن يرتبط بدور العناصر األخرى. أ -المادة: تعتبر المادة هى كل ما يستخدمه الفنان من خامات بهدف تجسيد موضوعه الفنى وتعبيراته الذاتية ،ومن الصعب حصر تلك الخامات فهى كثيرة ومتعددة ،ولكل منها خصائصها الفيزيائية والكيميائية والتشكيلية ،ولكى تصبح تلك الخامة ذات قيمة فنية أو تصبح هى مادة للعمل الفنى فإنه من الضرورى أن يصيغها الفنان ويطوعها أو يهذبها وينظمها وفقا ً لطبيعة العمل الفنى المراد تشكيله. فقيمه الخامة يجب أال تقاس فى العمل الفنى بقيمتها المادية أو االقتصادية بل يجب أن تقاس أوال بمدى قيمتها التشكيلية والتعبيرية داخل العمل الفنى ،وبوصفها مكون أساسى من مكونات العمل الفنى فلكل فن مادته، ولكن المادة الخام ال تكتسب صفة فنية فتصبح مادة أستطيقية إال بعد أن تكون يد الفنان قد امتدت إليها فخلقت منها محسوسا ً جمالياً ،نشعر حين نكون بإيذائه أنه قد اكتسب ليونة وطواعية بفعل المهارة الفنية ،ومعنى هذا أن مادة العمل الفنى ليست مجرد شئ صنع منه العمل ،وإنما هى غاية فى ذاتها بوصفها ذات كيفيات حسية خاصة من شأنها أن تعين على الموضوع الجمالى. ولكى يستطيع الفنان أن يصيغ المادة الخام يصبغها بالصبغة الفنية داخل العمل الفنى ،فإنه من الواجب عليه أوالً أن يدرك طبيعة تلك الخامة ،وهذا اإلدراك البد أن يأتى من خالل الدراسة والفهم الواعى لمكونات هذه الخامة وخصائصها ،ليس كمعلومات ومعارف نظرية بل يجب على الفنان أن يستكشف عمليا ً وتجريبيا ً خصائصها التى تعينه على تشكيلها ،فالممارسة والتجريب منفذا ً للتغلغل داخل الخامة والتفاعل معها ،ومن خالل رؤية الفنان الثاقبة يرى ماال يراه اآلخرين فى امكاناتها التى تعينه على تطويعها برؤية مستحدثة. -4- والمادة الخام تصبح مادة العمل الفنى إذا ما تدخل الفنان فى صياغتها وحولها إلى محسوس جمالى ،فالمادة الخام قبل تطويعها يمكن أن تكون منطلقا ً أو مثيرا ً لبناء العمل الفنى سواء شكل هذا العمل بنفس الخامة أو بخامة أخرى ،ويذكر هربرت ريد ( أن المادة هى فى ذاتها مصدر من مصادر تجديد الفن). كما أنه من الضرورى أال يهتم الفنان بتحقيق الجودة التقنية على حساب القيم الجمالية و التعبيرية فالمادة والشكل والتعبير يعتمد كل منهم على اآلخر ،والمضمون التعبيرى ألى عمل فنى ال يكون على ما هو عليه إال بسبب العناصر المادية والتنظيم الشكلى. ب -الهيئة (الشكل): تعتبر هيئة أو شكل العمل الفنى هو العنصر الثانى لبنائه وإذا كان للمادة الخام دورها و أهميتها فى هذا البناء ،فإن هذه المادة فى داخل العمل الفنى تتشكل وتتحول من حالتها كخامة إلى حالة أخرى يصبح لها شكالً ذو سمة معينة ،فالوسيط المادى ال يوجد فى معزل عن الشكل فأى وسيط مادى يدرك كشكل. أن الشكل هو نظام بصرى يدرك لمجموعه ويمكن التعرف عليه نتيجة خبرة سابقة وهو يتألف من مجموعة من العناصر والخطوط والمساحات والتى تتحدد فى المجال البصرى ،وقد يكون للشكل داللة تمثيلية لعناصر الطبيعة كاإلنسان والحيوان والنبات أو قد يكون ذا طبيعة مجردة. فالشكل من خالل هذه المفاهيم مرتبط بالتنظيم ،كما أن الشكل يعنى أيضا ً الهيئة الكلية للعمل الفنى أى التكوين العام الذى نراه ،سواء كان هذا الشكل مسطحا أو مجسما ،وبطبيعة الحال فإن هذا التنظيم له قواعده وأسسه الفنية التى يتفق على ضرورتها لبناء أى عمل فنى وال يختلف عليها الكثير ،حيث أن تنظيم الشكل يحتاج إلى ضرورة توفر الروابط والصلة بين المفردات المكونة للعمل الفنى فى كل متكامل بحيث تتفاعل فيما بينها للوصول إلى الفكرة المراد التعبير عنها وتعتبر النسبة والتناسب والتباين واإليقاع واإلتزان من بين األسس المنظمة لهيئة العمل الفنى. كما أن الشكل أيضا ً له ارتباط بموضوع العمل الفنى وهذا االرتباط ليس بالضرورة أن يكون ارتباطا تمثيلياً ،بل من الممكن أن يكون هذا االرتباط غير تمثيلى ،فعلى سبيل المثال عندما يختار الفنان موضوعا ً عن الطبيعة كالنبات مثالً فإنه من الممكن أن تكون هيئات وأشكال تكوينه الفنى تماثل العناصر النباتية فى هيئتها وقد ال تماثلها تماثالً كلياً ،بل يمكن تلخيصها تلخيصا ً جزئيا ً أو كليا ً وهذا متوقف على إحساس الفنان وقدرته على تحقيق المضمون العام دون االهتمام بالتفاصيل. -5- فحقيقة أى عمل فنى ال تكمن فيما يروى لنا من وقائع ،وإنما هى تكمن فى الطريقة التى يروى لنا بها تلك الوقائع ،وأن الواقع الذى يكشف لنا عنه العمل الفنى ليس هو الواقع الذى يمثله ،ولهذا فإنه ليست عبقرية الفنان فى أن ينقل الواقع بأمانة وإنما عبقريته فى أن يعبر عن الواقع بعمق. أى أن هناك فرق بين الموضوع كمثير بالنسبة للفنان وبين ما يصل إليه من تكوين بناء فنى يستخلصه من خالل مدركاته الحسية تجاه هذا الموضوع ،تلك المدركات تحتاج إلى أن يتعايش معها الفنان بالتأمل والتخيل معتمدا ً على خبراته السابقة حتى يمتزج حسه اإلنسانى بتلك المدركات فعالقة الفنان بموضوع العمل الفنى الذى يصوره ال تبدأ إال حينما يكف عن الخضوع لنموذجه كمثير لكى يعمد إلى التحكم فيه والسيطرة عليه ،وليس هناك مظهر لتحكم الفنان فى نموذجه إال باستحالة ذلك النموذج إلى داللة تعبيرية فى صميم العمل الفنى ،فإن نجح الفنان فى أن يقتطع من هذا العالم (موضوعاً) يعيد تكوينه لحسابه الخاص ،معبرا عنه بما لديه من قدرة على إبراز المعانى استحال هذا الموضوع إلى حقيقة ناطقة ذات داللة. إن الوظيفة األساسية للشكل وتنظيمه داخل العمل الفنى تتحدد فى كونه يقوم بتجسيد المحتوى التعبيرى بصورة جمالية ،ولهذا فإنه من الصعب أن نفصل الشكل عن المحتوى التعبيرى حيث أن ارتباط المحتوى بالشكل وتنظيمه من شأنه أن يحافظ على الطابع المميز له من حيث اتساق عناصره وانسجامها على نحو يجعل كل منها يؤدى دورا ً فى إطار الداللة العامة للشكل. وهناك فرق بين التعبير الجمالى والتعبير ،فليس كل تعبير هو جميل ولكى يأخذ التعبير صفة الجمال البد أن يرتبط بشكل منظم يتصف بالصفة الجمالية ،كما أن العالقة بين الموضوع المتمثل فى هيئة العمل الفنى والتعبير ليست عالقة وسيلة بغاية ،بل هى عالقة ترابطية تكاملية بحيث كل منهما يكمل اآلخر ،فالموضوع بال تعبير أو الشكل بال تعبير يصبح شكال بال حياة ،أما إذا كان الموضوع معبرا ً فإنه يصبح مملو ًء باإلثارة والخيال والعمق ويوحى بأكثر مما يمثله. كما أن األشكال فى العمل الفنى ليست رموزا ً متفق عليها مثل عالمات المرور أو العالمات التجارية أو غير ذلك ،و لهذا فإن العالقة بين العمل الفنى وما يعبر عنه ليست كالعالقة بين العالمة وما ترمز إليه ،ولو كان كذلك لتشابهت استجابات المتذوقين للعمل الفنى الواحد. ج -التعبير كقيمة فنية: إن التعبير بصفة عامة يعتبر سلوك إنسانى يحتاج لتحقيقه توفر عدة عوامل أهمها (الدافع ،االنفعال، اإلدراك الحسى ،وسيلة التعبير) ،وهو أيضا ً فعل يحمل صفات ومميزات ذاتية تخرج من الذات على شكل -6- أعمال فنية ،لكى توصف باإلبداع واالبتكار ،وتكون لها قوة مؤثرة على المتلقى ،كون هذا اإلبداع يظهر لنا بأشكال مختلفة باختالف الفنون ،فقد يظهر لنا على شكل تعبير عن األشكال والعناصر بعد إعادة تشكيلها وتكوينها في صوره جديدة حسب وجهة نظر الفرد بنفسه ،أما الثانى فهو تسجيل الفرد لألشكال ونقلها بطريقة آلية. ويتوقف اإلحساس بجمال العمل الفنى في رأى شيللر على مدى اندماج شعور المتذوق مع شكل ذلك العمل الفنى ،وقد ظهر فى العصر الحديث النظريات التى عرفت الفن على إنه تعبير عن إحساس ،أما (كولنجوود) فيعرف الفن على إنه تعبير خيالى يتجه نحو المظاهر المتعلقة بالصالت التى تربط بين األشياء فى ذاتها وماهيتها المتميزة وطابعها الشخصى ،وإليضاح ماهية التعبير فى العمل الفنى ،البد أن تناول المكونات األساسية للعمل الفنى ،وما موقع التعبير من هذه المكونات ،وما وظيفته وقيمته فى العمل الفنى. يعتبر التعبير العنصر الثالث من عناصر بناء العمل الفنى وبدونه ال يكتمل بناؤه فهو الداللة النفسية فى العمل الفنى وهو الذى يفصح عن العالقة بين الفنان والموضوع ،وهو السمة اإلنسانية فى العمل الفنى التى يستطيع الفنان بواسطتها أن يتعامل وجدانيا ً مع الموضوع ،فالعمل الفنى بدون العنصر التعبيرى يصبح بال حياة وال يتعدى كونه مفردات شكلية منظمة ال تثير فى الرائى أى انفعاالت وإن أثارت فأن اإلثارة تكون سطحية لن تصل إلى الوجدان ،وبوجود التعبير فى العمل الفنى يتحول من حالته الموضوعية التى يكون عليها فى الواقع إلى حالة انفعال وجدانى ،وتصبح األعمال الفنية التى تندرج تحت أنواع الفنون المختلفة محاولة نفسية لنقل اإلنسان إلى الواقع الذى يعبر عنه ببعض المقوالت الوجدانية. والتعبير فى العمل الفنى ليس عنصرا ً ماديا ً محسوسا ً يمكن لمسه أو رؤيته مثله مثل الشكل أو المادة الخام أو هو مجرد عرض خارجى قد تلبس بالعمل الفنى ،وإنما هو بمثابة مركز إشعاع تنتظم فيما حوله سائر مقومات العمل الفنى.وقد يدركه الفنان المنفذ إال أن متذوقى العمل الفنى قد يختلفون فيما بينهم فى المعنى والتعبير المراد من هذا العمل ،معنى هذا أن التعبير كما ذكر ليس شيئا يدرك عقلياً ،بل أن إدراكه يكون وجدانيا ً ويتوقف ذلك على ثقافة المتذوق أو المشاهد لهذا العمل ودرجة تفاعله معه بصورة تثير فيه أحاسيس وجدانية كالتى مر بها الفنان. والتعبير كعنصر فى بناء العمل الفنى يعتبر من أصعب العناصر قابلية للتحليل نظرا الرتباطه بالجانب الوجدانى دون الجانب العقلى ،ونظرا ً ألهمية التعبير فى العمل الفنى ،فإن جودة العمل تقاس بما يعكسه من تغيرات يدركها المشاهد أو المتلقى ،فهو يمثل الصلة بين ذات الفنان وعمله الفنى من ناحية وذوات المتذوق من -7- ناحية أخرى ،وارتباط المحتوى التعبيرى بالعمل الفنى يكون إما وجدانيا ً بذات الفنان أو المتذوق أو يرتبط بمشاعر وأحاسيس وعواطف الفنان بما يحيط به من بيئة طبيعية كانت أم اجتماعية. ثانيا :ماهية الفلسفة: -1التعريف اللغوى للفلسفة: كلمة "فلسفة" مشتقة من الكلمة اليونانية القديمة ( φιλοσοφίαفيلوسوفيا) ،وهي مكونة من جزئين: " -فيلو“ )Philo( :وتعني الحب أو العشق أو اإليثار. " -سوفيا" ( Sophia) :وتعني الحكمة. بنا ًء على ذلك ،الفلسفة في معناها اللغوي هي حب الحكمة أو السعي وراء الحكمة والمعرفة ،أو محبة الحكمة. -2نشأة مصطلح الفلسفة: يعد الفيلسوف اليوناني فيثاغورس أول من أطلق كلمة فلسفة قاصدا بها محبة الحكمة ألنه رأى أن الحكمة صفة من صفات هللا وحدة لذلك ال يصح أن يتصف بها اإلنسان ويكفي وصفه بمحب الحكمة.وتتمثل الحكمة في معرفة الحقائق وتقويمها ومعرفة الرأي الصائب ومعرفة الخير وتطبيق كل منهما في كافة مجاالت الحياة. -3المفهمم االصطالحى للفلسفة: اختلف الفالسفة في وضع تعريفا محددا للفلسفة يتفق عليه جميع األفراد بسبب تعدد وجهات النظر واختالف المدارس والعصور التي عاش فيها الفالسفة إال أن هناك اتجاها عاما يجمع بين جميع التعريفات الخاصة بالفلسفة: -دراسة طبيعة اإلنسان ومستقبله ومصيره. -بحث المشكالت الكبرى لإلنسان. -التفسير الشامل للعالم. فالفلسفة هي البحث العقالني والتأملي في األسئلة الكبرى المتعلقة بالوجود ،المعرفة ،األخالق ،والمنطق بهدف الوصول إلى الحقيقة.وهي دراسة المشاكل العامة واألساسية التي تتعلق بالوجود والمعرفة والقيم والعقل. -8- -4التعريفات العامة للفلسفة: -التعريف األول :الفلسفة هي علم المعرفة الكلية المطلوبة لذاتها. يطلق على الفلسفة مسمى علم العلوم ألنها تدرس الحقيقة الكلية للموجودات عامة.فالفلسفة تهتم بكل ما يثير العقل البشري من مشاكل خاصة بالوجود في صورته العقلية الشاملة مثل طبيعة الوجود ماهية اإلنسان مشكلة الحرية الحقيقة واليقين الحياة والموت وغيرها من المشكالت العامة ذات الطابع الكلي العقلي. التعريف الثانى :الفلسفة وجهة نظر عقلية تجاه موقف ما أو ظاهرة معينة في حياة اإلنسان. عادة ما تكون وجهة النظر هذه نابعة من خبرات الفرد وحياته الخاصة ومن ظروف المجتمع وقد تؤثر أيضا في السلوك اليومي للفيلسوف طوال حياته إما بطريقة مباشرة واضحة أو بطريقة غير مباشرة كظاهرة الخير والشر عند اإلنسان ويؤيد وجهة نظره بأدلة عقلية ممكنة متأثرا في ذلك بخبرات حياته الخاصة وبظروف مجتمعه.تهتم الفلسفة بأسئلة تتعلق بـ: -الوجود :ما هي طبيعة الوجود؟ وما هو أصل الكون؟ -المعرفة :كيف نعرف األشياء؟ وما هي حدود معرفتنا؟ -األخالق :ما هو الصواب والخطأ؟ وما هي القيم التي يجب أن نعيش وفقًا لها؟ -المنطق :ما هي القواعد التي تحكم التفكير الصحيح؟ مباحث (مجاالت) الفلسفة: تحتوى الفلسفة على مجموعة من المباحث الرئيسية والفرعية وهى كالتالى: أ -المباحث الرئيسية: مبحث الوجود :يدرس الوجود عامة في صورته الكلية في مقابل بقية العلوم األخرى ،يهتم بدراسة ما هو أبعد من الظواهر الجزئية المتغيرة أي ما بعد الطبيعة أو الميتافيزيقا.كما يدرس الوجود ككل ويبحث في خصائصه األساسية العامة.ويحاول كشف القوانين التي تفسر حقيقة الوجود وتكشف عن جوهره مبحث المعرفة :يدور حول إمكانية معرفة هذا الوجود ووسائل إدراكه والعلم به ،ويهتم بدراسة وسائل المعرفة والموازنة بين الحواس والعقل والحدس مع بيان طبيعة كل منها وحدودها وأيها أكثر دقة من غيرها. -9- مبحث القيم :يتعرض لدراسة المثل العليا والكشف عن ماهية القيم المطلقة التي يسعى الجميع لتحقيقها في حياتهم حيث تظهر في ثالث قيم كما يلي: -قيمة الحق :يدرسها علم المنطق الذي يختص ببيان القواعد التي ينبغي على الفرد اتباعها لكي يكون تفكيره صحيحا -قيمة الخير :يدرسها علم األخالق الذي يختص ببيان القواعد التي ينبغي على الفرد اتباعها لكي تتوافق أفعاله وسلوكه مع مبادئ الخير واألخالق الطيبة -قيمة الجمال :يدرسها علم الجمال الذي يختص بالبحث في القواعد والمعايير التي يجب توافرها في أي عمل تطلق عليه صفة الجمال. ب -المباحث الفرعية: فلسفة الدين :تدعيم اإليمان باهلل والعقائد الدينية األخرى بواسطة األدلة العقلية والحجج المنطقية مع كشف حقيقة اإليمان وطبيعة االعتقاد عامة دون االعتماد على دين معين. فلسفة القانون :تهتم بدراسة األسس العامة التي يقوم عليها القانون مع بيان عالقته مبادئ األخالق وفكرة العدالة والبحث في مدى ارتباط القانون بفكرة اإللزام والحرية وذلك دون النظر إلى قانون دولة معينة. فلسفة التاريخ :كشف القوانين العامة والمبادئ األساسية التي تحكم سير األحداث التاريخية عامة في ومعرفة الحقيقة الكلية الكامنة خلف تطور التاريخ البشري عامة. - 10 - ثالثا :ماهية فلسفة الفن: -1مفهوم فلسفة الفن ):(Philosophy of Art هي الفرع الذي يتناول دراسة ماهية الفن ،طبيعته ،وأغراضه.وتهدف إلى فهم الموضوعات األساسية المتعلقة بالفن ،مثل اإلبداع ،التمثيل ،والجمال.وتطرح فلسفة الفن عدة تساؤالت منها: -ما هو الفن؟ وما الذي يميز الفن عن غيره من األنشطة البشرية؟ -ما العالقة بين الفن والواقع؟ وهل الفن يجب أن يعكس الواقع أم يتجاوزه؟ ُعرف العمل الفني وما الذي يجعل شيئًا ما عمالً فنياً؟ -كيف ي ّ -2االهتمام الرئيسي لفلسفة الفن: -التركيز على المفاهيم الفلسفية المتعلقة بالفن ،مثل اإلبداع ،األسلوب ،والتمثيل -استكشاف معنى الفن وتأثيره على البشر والثقافة -تحليل االختالفات بين األنواع الفنية المختلفة (الفن التشكيلي ،الموسيقى ،األدب). -منهج فلسفة الفن :نظري وتأملي يعنى بتحليل الفن من منظور فلسفي مجرد. -3دور الفلسفة فى فهم الفن: الفلسفة والفن مجاالن مرتبطان متكامالن يهدفان فهم التجربة اإلنسانية.من خالل الفلسفة ،يمكن تحليل وتقدير الفن بشكل أعمق ،مما يعزز من تقدير الجمال واالبداع في األعمال الفنية.ويمكن تحدد دور الفلسفة فى فهم الفن من خالل بعض النقاط التالية: أ -فهم الجمال: تناقش الفلسفة مفاهيم الجمال وأسس الحكم الجمالي.فالفالسفة مثل أفالطون وأرسطو قدموا آراء حول ما ً جميال ،وكيف يتفاعل اإلنسان مع الجمال. يجعل شيئًا ب -توفير إطار نظري: تقدم الفلسفة األسس النظرية التي تساعد على دراسة األعمال الفنية.من خالل الفلسفة ،يمكن فهم ما يعنيه العمل الفني في سياق ثقافي وتاريخي معين. - 11 - ج -استكشاف القيم الثقافية: تساعد الفلسفة في فهم كيف تعكس األعمال الفنية القيم الثقافية واالجتماعية ،وكيف يمكن أن تؤثر على المجتمع. د -تحفيز التفكير النقدي: تشجع الفلسفة على التفكير النقدي بوجه عام والتساؤل ،مما يعزز القدرة على فهم األعمال الفنية بشكل أعمق.فهي تحث الطالب والمشاهدين على البحث عن المعاني واألبعاد الخفية في األعمال الفنية.كما تساعد فلسفة الفن المتخصصين على تنمية قدراتهم على النقد الفني ،حيث توفر أدوات وأساليب لتقييم األعمال الفنية. على سبيل المثال ،يمكن استخدام الفلسفة لتحليل رمزية العمل الفني وأثره على المتلقي. -4دور الفن فى التعبير عن القضايا الفلسفية: عا غنيًا ومعقدًا.حيث يتجاوز الفن مجرد كونه تعتبر القضية المتعلقة بالفن كتعبير فلسفي وجمالي موضو ً وسيلة للتعبير اإلبداعي؛ فهو يحمل في طياته معاني عميقة تتعلق بالطبيعة اإلنسانية ،القيم ،واألفكار الفلسفية. ويمكن تلخيص دور الفن فى التعبير عن القضايا الفلسفية من خالل اآلتى: أ -الفن كوسيلة للتعبير الفلسفي: يعبر الفن عن األفكار الفلسفية.فالفنانين غالبًا ما يطرحون تساؤالت فلسفية من خالل أعمالهم ،مثل معنى الحياة ،الهوية ،واألخالق ،الوجود ،الحرية ،العدالة.فقد يعبر الفنان عن مشاعر وأفكار قد يصعب التعبير عنها بالكلمات.على سبيل المثال ،تُظهر العديد من األعمال الفنية المعاصرة تساؤالت حول طبيعة الحياة والموت، مثل أعمال الفنان فرانسيس بيكون التي تتناول الصراع البشري. ب -الوجود اإلنساني: يعد الفن بمثابة مرآة تعكس الحالة اإلنسانية ،حيث يعرض الفنان تجارب الحياة المختلفة ،من الفرح إلى األلم ،ومن الحب إلى الفقد.وهذا ما يجعل الفن فلسفيًا بامتياز ،فهو يتناول تجارب إنسانية مشتركة. - 12 - التعبير عن الحرية أوجين ديالكروا "،الحرية تقود الشعب"1830 ،م ،متحف اللوفر باريس التعبير عن الموت والحياة جيريكو ،طوف ميدوزا –1819 -متحف اللوفر - 13 - الصراعات والحروب بين عام 1820 -1810م أنجز جويا سلسلة من اللوحات عرفت باسم كوارث الحروب تناول فيها أهوال الحرب الداميه التى خاضها الشعب اإلسبانى ضد الجيوش الفرنسية التى احتلت اسبانيا لمدة ست سنوات ( 1808حتى 1814م) ،فصور أشكال النزاع والصراع بين الجنود الفرنسيين والمدنيين االسبان ،وجثث الثوار المتراكمه التى تصارع الموت ،وحالة الخوف والجذع التى تسيطر على وجوه األطفال والنساء وأشكال التعذيب والترويع التى تعرض لها أفراد الشعب الثائر من قبل القوات المحتله شكل وقد أنجز جويا تلك السلسلة من اللوحات باستخدام أسلوب الحفر. فرانشسكو جويا ،ال أحد يفعل هذا " "Nor do these فرانشسكو جويا ،كل هذا وأكثر " "All these and more - 14 - فرانشسكو جويا ،سوف تكون هى نفسها ""It will be the same فرانشسكو جويا ،أدفنهم والتزم الهدوء " "Bury them and keep quiet فرانشسكو جويا ،رأيت هذا " " I saw it - 15 - فرانشسكو جويا ،بسبب أو بدون سبب ""With or without reason فرانشسكو جويا ،ال يمكن المساعدة " "And it can't be helped فرانشسكو جويا ،البرابرة ""Barbarians - 16 - رابعا :الجمال: يعد الجمال ظاهرة نسبية تتغير بتغير الزمان والمكان ،فليس هناك تعريف شامل للجمال النه يتغير بتغير الذوق.ويمكن القول أن الجمال هو قيمة فى األشياء تبعث فى النفس اإلحساس بالسرور والسعادة. -1ما هو الجميل: هو الذى يتميز بقدرته على اثارة انتباهنا فيجعلنا نتأمله لذاته فى لحظة يتحول معها الوجود الى مرآة حيث يمتلئ وعينا بالصورة الحسية لذلك الشئ .ويحدث نوع من الغبطة التى تعمق من الشعور الوجدانى لدينا وتعمل على الحد من ارادة الحياة العملية.اذن فمعايير الجمال هو ما ينبغي ان يكون عليه الشئ الجميل ضمن الثقافات المختلفة.فعلى سبيل المثال اعتبر الجمال في العصور القديمة تجسيدًا للمثل العليا وتوازن بين األشكال.أما الجمال في العصور الوسطى فكان مرتبطا بالقيم الروحية واإللهية ،فى حين تم التركيز على اإلنسان والطبيعة، مع دراسة العوامل العلمية فى فترة عصر النهضة بينما كان الجمال في العصر الحديث تجربة فردية ترتبط بالمشاعر والتقدير الشخصي.وفى العصور المعاصرة أصبح الجمال مفهوم نسبي يتأثر بالسياق الثقافي ،يتضمن االبتكار والتحطيم التقليدي للقواعد. -2علم الجمال: الجماليات أو علم الجمال أو االستطيقا ( )Aestheticsهو أحد الفروع المتعددة للفلسفة.وقد ظهرت االستطيقا كمصطلح للمرة االولى فى كتاب تامالت فلسفية فى موضوعات تتعلق بالشعر اللكسندر باومجارتن Alexander Baumgartenفى القرن الثامن عشر ( )1735وكان محاولة لتقديم علم جمال مستقل بطريقة عقالنية يدرس انفعاالت االنسان ومشاعره ونشاطه الجمالى .إذ قام بالتفريق بين علم الجمال وبقية المعارف اإلنسانية وأطلق عليه لفظ االستاطيقا "" Aestheticsوعين له موضوعا ً داخل مجموعة العلوم الفلسفية. ويعود لفظ األستطيقا (علم الجمال) Aestheticsفي أصله إلى اليونانية ويعنى (اإلحساس او االدراك) حيث أنه العلم الذى يدرس إدراك األشياء عن طريق الحواس التى تقودنا إلى اإلحساس بالجمال.والعلم الذى يبحث فى قضايا الجمال والقبح من الناحية االبداعية والنقدية والنظرية ويدرس سبل االبداع الفنى وطبيعة االستمتاع الجمالى ويمثل مجموعة المعايير النابعة من حصيلة النتائج الموفقة فى تقدير العمل الفنى.فكل القضايا التى تشكل هذا العلم غايتها بيان خصائص الجمال فى الفن ورده الى اصوله وتحديد قيمته . - 17 - تساؤالت علم الجمال: -ما هو الجمال ،شروط ومقاييسه؟ وكيف نميز بين الجمال والقبح؟ -هل الجمال موضوعي أم نسبي ،وهل يعتمد على السياق الثقافي؟ -ما هي المعايير التى تجعل العمل الفني أو الشيء جميالً؟ -كيف يؤثر الجمال على اإلدراك والتجربة اإلنسانية؟ مجال دراسة واهتمامات علم الجمال: -دراسة القيم الجمالية مثل الجمال ،التناغم ،السمو ،والعظمة. -تحليل التجربة الجمالية وكيف يستجيب اإلنسان للجمال الفني أو الطبيعي. -البحث في معايير الجمال عبر الثقافات والتاريخ. -التركيز على التجربة الجمالية بشكل عام ،سواء في الفن أو في الطبيعة ،مع النظر في المفاهيم التي تجعل شيئًا ما عالقة الجمال بالفن :الجمال قيمة وهدف يسعى الفنان إلى أن يُض ّمنه فى فنّه ،ويحقّقه فى إنتاجه الفني. عالقة الجمال بتاريخ الفن :يرتبط الجمال بتاريخ الفن محاوال بذلك البحث فى األعمال الفنية المختلفة فى تقدير ى اإلنسان بالجمال. شروط تحقق الجمال فى هذا العمل فالفن هو مقياس وع ّ عالقة الجمال بالفلسفة :الجمال احد مباحث الفلسفة واحد فروعها التى استقلت عنها واصبحت علوما منفصلة كالمنطق وعلم االخالق . -3الفرق بين علم الجمال والفلسفة: علم الجمال أو علم االستاطيقا علم حديث النشأة ،انبثق بعد تاريخ طويل من الفكر الفلسفي التأملي حول الفن والجمال من قبل الفالسفة ،على ان الفرق بين الجمال كعلم وكفلسفة هو ان علم الجمال ينزع الى النواحى التجريبية وعمل االبحاث لدراسة مفاهيم الجمال دراسة علمية .اما الجمال فى مجال الفلسفة فيبحث فى شروط االحساس بالجمال باستخدام التامل والعقل وعادة ما تكون رؤية ذاتية من قبل الفيلسوف . فلسفة الجمال تبحث عن ماهية الجمال من منظور نظري وميتافيزيقي ،وتهتم بتحليل الجمال كقيمة عليا ترتبط بالحقيقة والخير.علم الجمال ،على النقيض ،يتناول التجربة الجمالية من منظور تحليلي وتجريبي ،ويركز على الذوق ،والتفاعل مع الفنون ،والمعايير التي تحكم الجمال في المجتمع.بالتالي ،يمكن القول إن فلسفة الجمال - 18 - تهتم بالجمال في مستواه المفاهيمي العميق ،بينما يهتم علم الجمال بالجمال كما يُختبر في الواقع والتجربة الحسية. مقارنة بين علم الجمال وفلسفة الفن مقارنة بين علم الجمال وفلسفة الجمال - 19 - -4اتجاهات عام الجمال: أ-االتجاه الذاتى: يعتبر االتجاه الذاتي أن الجمال هو مسألة شخصية تعتمد على تجربة الفرد ومشاعره وآرائه.فالجمال يتشكل بنا ًء على تفضيالت األفراد وتفاعالتهم مع األعمال الفنية.فالجمال يتوقف على كيفية تفاعل الشخص مع العمل الفني.كما تختلف وجهات النظر حول الجمال بشكل كبير بين األفراد ،حيث يعتبر كل شخص أن شيئًا ما جميل بنا ًء على تجربته الشخصية.وتلعب المشاعر والعواطف ً دورا رئيسيًا في تقدير الجمال ،حيث قد يؤثر السياق الشخصي أو الذكريات في كيفية تقييم العمل الفني. ب -االتجاه الموضوعى: يعتبر االتجاه الموضوعي أن الجمال هو صفة مستقلة توجد في األشياء أو األعمال الفنية ،وأن القيمة كامنة في العمل الفني ،وهى (موضوعية) أو (مطلقة) لذلك تسمى هذه النظرية أحيانا باسم النزعة المطلقة.وأن هناك معايير موضوعية يمكن استخدامها لتقييم الجمال بغض النظر عن مشاعر األفراد.حيث يمكن تقييم الجمال بنا ًء على عناصر مثل التناغم ،التناسب ،والتقنية المستخدمة.قد يتفق عدد كبير من األفراد عبر ثقافات مختلفة على معايير معينة للجمال. مقارنة بين االتجاه الموضوعى والذاتى - 20 - -5الجمال الطبيعى والفنى: الجمال الطبيعي هو الجمال الذي يوجد في الطبيعة ،يتعلق بالعالم الخارجي ،والطبيعة بحد ذاتها ،ويحتاج إلى إدراك حسي. أفالطون :كان يرى أن الجمال الطبيعي هو مجرد ظل للجمال المثالي.الن الجمال الحقيقي يكمن في عالم المثل. أرسطو :عارض أفالطون ،ورأى أن الجمال موجود في األشياء الطبيعية بحد ذاتها.اعتبر أن الجمال الطبيعي يتسم بالتوازن والتناغم ،وأنه يجب دراسة الطبيعة لفهم الجمال. أما الجمال الفني هو الجمال الذي يتم خلقه بواسطة اإلنسان من خالل الفنون ،ويُعتبر أداة لفهم الواقع وتعزيز التجربة اإلنسانية.ويتميز بالتعبير اإلبداعي واالبتكار. أفالطون :اعتبر أن الجمال الفني هو أقل قيمة من الجمال الطبيعي ألنه مجرد محاكاة للعالم المثالي ،رأى أن الفنانين يجب أن يسعوا لتحقيق الجمال الحقيقي. أرسطو :أقر بأهمية الفن كوسيلة لفهم الواقع ،حيث يمكن أن يكون الجمال الفني أداة تعبير عن الحقائق اإلنسانية والمشاعر. العالقة بين الجمال الطبيعى والفنى: إن الجمال الطبيعى مختلف عن الجمال الفنى ،فالموضوع الجمالى فى نظر الفنان يختلف إختالفا كبيرا عن الموضوع الحسى العادى فصياغة الفنان لموضوعه تخلق منه واقعا جديدا.فخيال الفنانين هو الذى يضفى على األشكال قيمتها ويبرز فيها جانبها الجمالى وهو الذى يحدد للمشاهد الزاوية التى ينظر منها إلى تلك األشياء من أجل أن يكشف ما فيها من جمال . الجمال الطبيعى لألشخاص ليس له عالقة بالجمال الفنى فإن صورة شئ جميل ليس شرطا أن تكون صورة جميلة وعلى العكس هناك صور عديدة ألشياء عادية أو حتى قبيحة غير أنها أعمال فنية رائعة . قد يتطابق الجمال الطبيعى مع الجمال األستطيقى غير أنهما ليس شيئا واحدا ،فالجمال الطبيعى شئ جميل أما الجمال الفنى فهو تمثيل جميل لشئ ما وليس بالضرورة ان يكون جميال فى الطبيعة. - 21 - فالفنان يبحث فى الطبيعة عن العناصر التى تتفق مع مذهبه فيصيغها بشكل جديد ألن العمل الفنى ليس مجرد وثيقة تسجيلية من عمل آلة مثل الكاميرا ،إنما هو إبداع يتمتع بخواص فردية ويحمل شخصيه من أبدعه فتسجيل ما هو قائم ليس غرض الفن .وبقدرة الفنان التخيلية والتصورية يعيد تشكيل العناصر التى تصل إلى حواسه أثناء تأمله للموضوعات فى الطبيعة .هكذا يصبح العالم المرئى بالنسبة للفنان مخزن للصور والرموز وعلى الفنان بخياله أن يعطى مثل هذة الصور والرموز المكانة والقيمة .بعد أن يقوم بهضمها وتحويلها إلى أشكال فنية وبذلك تنحصر الحقيقة فى الفن فى األسلوب الخاص بالفنان.و هكذا ال يقتصر عمل الفنان على التخيل أو التأمل ،بل هو يعمل من خالل مادة بهدف أكسابها شكال جديدا معبرا وجميال فأنه يبنى بالحجر أو اللون أو بالنغمات من أجل أن يحولها إلى صورة أو شكل. تيودور جيريكو ،المرأة المجنونة ،تجسد اللوحة مبدأ ان القبح الطبيعى قد يتحول إلى جمال فنى -6الطبيعة كمصدر لإللهام الفنى: تمثل الطبيعة كتابًا مفتو ًحا يعكس ثنائيات متعددة كالنظام والفوضى ،الثبات والتغيير ،الجمال الظاهر والخفي.يتخذها الفنانون التشكيليون كمصدرا إلثراء خيالهم وتطوير لغتهم البصرية ،سواء من خالل محاكاة عناصرها بشكل مباشر ،أو من خالل تفسيرها بأساليب فنية تعكس رؤيتهم الفريدة.ولقد شكلت الطبيعة منذ العصور القديمة مله ًما عميقًا للفنانين الذين سعوا إلى تجسيد جمالها أو تفسيرها عبر أعمالهم.ويعود ذلك إلى ما تحتويه الطبيعة من توازنات بديعة في األشكال واأللوان ،والتفاعالت الحيوية بين الكائنات والعناصر ،إلى جانب تعبيرها عن معاني الرمزية والقيم اإلنسانية وذلك كالتالى: - 22 - مصدرا غنيًا إللهام الفنان ً -النسب والعالقات الرياضية :تشكل النسب والعالقات الرياضية في الطبيعة التشكيلي؛ فهي تجمع بين الدقة العلمية والجمال الطبيعي ،ما يلهم الفنانين لخلق أعمال تجمع بين الحس الجمالي والتناسق.من أشهر هذه العالقات النسبة الذهبية ،والتي يُرمز إليها عادة بالحرف اإلغريقي (φفاي).تظهر النسبة الذهبية في الطبيعة في كائنات متعددة ،مثل تكوين األزهار ،وأجنحة الفراشات، ونمط األصداف البحرية ،وحتى في تشريح جسم اإلنسان.وتحقق هذه النسبة جاذبية خاصة بسبب توازنها بين الطول والعرض ،مما يجعلها تبدو متناسقة ومريحة للعين. ضا ،بشكل واسع في الفن التشكيلي ،سواء في العمارة أو فن كما استخدمت متوالية االيطالى فيبوناتشي أي ً التصوير أو النحت.وينشأ هذا التتابع من سلسلة من األرقام تبدأ بـ 0و ،1حيث يكون كل رقم الحق مجموع الرقمين السابقين ( ،13 ،8 ،5 ،3 ،2 ،1 ،1إلخ).ينمو تتابع فيبوناتشي بوتيرة تتقارب مع النسبة الذهبية ،لذا يخلق أنما ً طا لولبية ودوائر تمثل بشكل رائع أسلوب التوسع والتناغم الموجودين في الطبيعة. باإلضافة إلى ذلك ،نجد أن التناظر ) (Symmetryفي الطبيعة ،سواء كان محوريًا أو ثنائيًا ،يشكل مرجعًا عا من الراحة البصرية. رئيسيًا لتصميم األعمال الفنية ،فهو يعزز من توازن التكوينات ويخلق نو ً النسبة الذهبية ومتوالية فيبوناتشى -التناسق والتناغم اللونى :تساعد الطبيعة الفنان التشكيلي في تشكيل رؤيته الخاصة ،حيث يستوحي من التناسق والتناغم الطبيعي لصنع تكوينات لونية متوازنة ومتناغمة تعكس جمال وتناسق العالم الطبيعي. - 23 - والذى يمكن رؤيته فى أجسام الكائنات الحية من الطيور والحشرات والحيوانات ،والتى استوحى منها العديد من المصممين والفنانين فى مختلف المجاالت الفنية. المجموعات اللونية المتوافقة ألحد فصائل الطيور فى الطبيعة -المحاكاة الحيوية أو تقليد الطبيعة :Biomimeticsهي تقليد النماذج واألنظمة وعناصر الطبيعة لغرض حل المشاكل اإلنسانية المعقدة.ويرجع أصل المصطلح إلى اليونانية وتعني "تقليد الطبيعة". وينقسم المسمى Biomimicryإلى جزئين ،األول bioويعنى حياة والثانى mimicومعناها محاكاة أو تقليد.وفي عام 1974نشر مصطلح محاكاة الطبيعة biomimicryفي قاموس «ويبستر» ،ومنذ عام 1997أصبح المصطلح متداوال بشكل أكبر ،بعد صدور أول كتاب يختص بهذا العلم.وكان تحت مسمى Innovation Inspired by Natureللعالمة والكاتبة األمريكية "جانين بنيوس". محاكاة الشكل السداسى لخاليا النحل فى نماذج من العمارة الداخلية - 24 - -7جمالية القبح: تعرف معاجم اللغة العربية (القبح) بأنه ضد الحسن ،ويكون فى القول والفعل والصورة.فالفعل قبح يقبح ،قبحا ً وقبوحا ً وقبح المنظر هو الشنيع والقبيح ،وقبح القول أو الفعل هو الخروج عن الالئق المقبول وعكسه الحسن. وقد تم تناول مفهوم القبح فى معظم الدراسات الجمالية عبر العصور المختلفة على أنه نقيضا ً للجمال، حيث استخدمت كلمة القبح لإلشارة إلى كل ما هو غير متناسب أو متناسق أو إنعدام الصفات الجمالية كالوحدة واإلنسجام والتناغم ،ولم يحدث فى تاريخ تطور الدراسات المتعلقة بعلم الجمال أن خصص لدراسة مفهوم القبح أى معالجه مطوله أو معمقه له ولكن من المؤكد أن أى تاريخ مفترض للجمال البد أن يتقاطع ويشترك فى نقاط عديدة مع تاريخ مقابل له هو تاريخ القبح. ذلك مما دفع الفالسفة والنقاد إلى دراسة القبح بإعتباره أكثر من مجرد نقيض للجمال فهو مفهوم متغير، متنوع ونسبى حيث يوضح ولترت ستيس فى كتابه علم الجمال أن األعمال الفنية غير القيمة ليست قبيحة وإنما هى غير جميلة فضد الجمال هو غيابه ،فالقبح لديه ليس هو الضد للجميل بل هو على العكس نوع من أنواعه ...فالقبيح قد يؤدى إلى انطباع إستاطيقى يمكن أن يكون ممتعا ً فى بعض األحيان ،ويدلل على ذلك إمبرتو إيكو بأن األقنعة التى يستخدمها األفارقه فى طقوسهم مثالً ال تثير إال الرعب بالنسبة لمتأمل غربى، بينما يمثل هذا القناع بالنسبة لألفريقى رمزا ً جماليا ً يتعلق بثقافته وفى المقابل فإن المشهد الدموى لصلب السيد المسيح قد ال يحمل أى بعد جمالى بالنسبة لبشر ال يؤمنون بالديانة المسيحية ،بينما يمثل هذا المشهد ذاته صورة تثير مشاعر عميقه وجوهرية بالنسبة لمن يؤمن بالديانة التى توظف هذا المشهد كرمز روحى. وينطبق ذلك أيضا ً على تماثيل األرواح األفريقية. يعتبر كتاب كارل روزنكرانتيس Karl Rosenkrantzعام 1853م بعنوان جماليات القبح Aesthetic of uglinessأول دراسة تتناول جماليات القبح وإرتباطها بالشر األخالقى.وفى عام ،1948 قام الناقد الفرنسى ريمون بوالن فى دراسته بعنوان القبح والخطأ والشر Du Laid, Du Mal, Du Fauxبتصنيف القيم الخاصة بالقبح كالتالى: - 25 - مجموعة القيم الخاصة بالقبح لدى ريمون بوالن التافه البشع الهزء المضطرب السطحى المرعب المضحك المشوه العادى غير المتزن الثقيل المعوج من أقل المتضخم المتحذلق الوحشى المتوسط القبيح الفخم المتصنع الالمتناسب المزخرف المنتفخ غير اللطيف الحيوانى كما ميز إمبرتو إيكوفى دراسته عام 2007م عن تاريخ وجماليات القبح بين ثالث مظاهر للقبح هى: القبح الشكلىFormal Ugliness : الذى يمثل نقص التوازن فى العالقات العضوية بين األجزاء الكلية. القبح المادى /الذاتى Ugliness In itself : ويتمثل فى األشكال المادية القبيحة أو المفزعه التى يمكن رؤيتها فى الواقع مثل األشكال أو األجسام المتحللة وجثث الموتى وغيرها. القبح الفنى Artistic Ugliness فما هو قبيح فى الواقع يمكن أن يتحول من خالل التمثيل الفنى إلى صورة مؤثرة ،مستدالً على ذلك بقول أرسطو بأنه يمكن خلق الجمال من خالل المحاكاه البارعة لكل ما هو بغيض ،فقد يتحول القبح الطبيعى إلى عمالً فنيا ً متميزا ً فعندما يتناول الفنان عنصرا ً من العالم المحيط فإنه يضيف بخياله إليه بعدا ً جديدا ً وبطريقة غير مباشرة تنفذ إلى هذا العنصر الخبرات الحسية والعاطفية الخاصة. - 26 - تصنيف الدراسات الجمالية للقبح: صنفت بعض الدراسات الجمالية آراء المؤرخين والنقاد حول القبح إلى ثالثة اتجاهات: اإلتجاه األول :يعتبر القبح نوع من أنواع الجمال فهو ليس مضادا ً له ،من الممكن إيجاد جماالً فى القبح فاللوحة القبيحة التى تمثل صورة لمأساه يمكن أن تمتلك على األقل بعض التقدير الجمالى. اإلتجاه الثانى :يعتبر القبح مضادا ً للجمال ،فالقبيح البد أن يكون بالضرورة مناقضا ً للجمال. اإلتجاه الثالث :يؤكد على أن القبح مفهوم ذو قيمة إستطيقية مستقلة بحد ذاتها عن القيمة اإلستطيقية للجمال. مفهوم الجروتيسك وجمالية القبح: يرجع أصل مصطلح الجروتيسك إلى الكلمة اإليطاليه Grottescaالمشتقه من لفظ جروتا Grotta الذى يعنى كهف ،مغاره ،سرداب ،استخدم لفظ الجروتيسك أول مرة فى القرن الخامس عشر لوصف الرسوم والنقوش القديمة التى اكتشفت فى ذلك القرن ،بدهاليز البيت المذهب الخاص باإلمبراطور الرومانى نيرون المدفون تحت حمامات ترجان Trajanفى مدينه أوابد بإيطاليا حيث تتميز تلك الرسوم بالمزج بين الهيئات اإلنسانية والحيوانية والنباتية. زخارف جروتيسكية للفنان أغوستينو فينيزيانو Agostino Venezianoذات عناصر هجينية 1520م ،متحف فيكتوريا وألبرت ،لندن - 27 - ونتيجة االهتمام الكبير بهذه اللوحات ومحاكاتها وانتشارها على نطاق واسع فى القرن السادس عشر سرعان ما امتد االسم اإليطالى Grottescaوالصفة منه Grottescoإلى سائر الدول األوروبيه األخرى وفى حوالى عام 1640م بدأ استعمال المسمى اإلنجليزى للكلمة (جروتيسك ،)Grotesqueوفى البداية كان استخدام المصطلح قاصرا ً على الفنون التشكيلية .ثم انتقلت تلك النزعة مع القرن التاسع عشر إلى مجاالت الفنون التعبيرية المختلفة وباألخص فن الشعر والرواية والمسرح ،وقد استخدمت ألفاظ مثل الغريب ،الالمألوف ،التنافر ،عدم اإلنسجام ،التشويه والمسخ ،الخيالى والوهمى ،الهزل ،المخيف ،الغامض مع تضمين فكرة القبح وما هو غير طبيعى للحكم على العمل الفنى الجروتيسكى. فالجروتيسك هو الفن الزخرفى الذى يصور أشكاالً بشرية وحيوانية غريبة مختلطة بكائنات خيالية ورسوم وأوراق نباتية األمر الذى يوحى بشعور من البشاعة أو السخرية من توليفه ال تخضع لقواعد الممكن أو لتصورات العقل ،وهو اتجاه فى الفن الزخرفى يسعى إلى استخدام وحدات بشرية وحيوانية تتصف بالالواقعية وتمتزج تلك الوحدات عادة برسوم أوراق نباتية . وقد ترجم لفظ الجروتيسك فى اللغة العربية بكلمة القبح ،القبيح ،أو الشاذ حيث ارتبط بكل ما هو غريب ،شاذ ،مضحك ،كما امتد مفهوم المصطلح ليشمل فكره رفض المحاكاه والمألوف والنظام الطبيعى والتناسب المثالى لألشكال. على الرغم من ارتباط فن الجروتيسك باإلكتشافات األثرية التى أجريت فى القرن الخامس عشر بإيطاليا للكهوف والمبانى الرومانية ،وإنتشاره فى القرن السادس عشر ،إال أنه يمكن الرجوع بجذور فن الجروتيسك إلى عصور الحضارات القديمة كالحضارة اآلشورية وبشكل خاص الحضارة والميثولوجيا اإلغريقية.ومع القرن الثالث والرابع عشر الميالدى انتقلت أشكال تلك المخلوقات األسطورية من خالل حكايات وقصص الرحالة إلى مخطوطات العصور الوسطى التى تضمنت دراسات ألشكال جروتيسكية تداخلت مع النصوص. ومع قدوم عصر النهضة أصبحت األساليب التعبيرية الجروتيسكية شيئا ً معتادا ً فى إيطاليا ،فقد أنجز الفنان اإليطالى ليوناردو دافنشى العديد من الرسوم التحضيرية (اإلسكتشات) ،لوجوه آدمية شديدة القبح تشير إلى معانى الفزع والرعب ،الغلظة والقسوة ،الدمامة ،المسخ وغيرها من الصفات التى تنتنمى لنزعة الجروتيسك.ومنذ القرن التاسع عشر والعشرين أصبح من الممكن اعتبار الجروتيسك نزعه متعلقة بالعديد - 28 - من اإلتجاهات وأنواع الفنون البصرية ،ظهرت فى التصوير الفوتوغرافى ،وسائل اإلعالم ،الخيال العلمى األثنوغرافيا ،أسلحة الدمار الشامل ،العولمة ونظم الواقع اإلفتراضى. مجموعة من الوجوه الجروتيسكية ،للفنان ليوناردو دافنشى تتسم بالقبح والتشويه الشكلى ويختلط فى بعضها الحدود بين الذكورى واألنثوى ،أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر جرونيفالد ،تجربة القديس أنطونيوس وبعض تفصيالتها التى يظهر بها أشكال الشياطين المخيفة وجسد القديس المشوه رمزا ً لإلستجابة للرغبات اإلنسانية المادية ،لوحة هيكل آيزنهايم1515-1510،م ،متحف أونتر ليندن بكولمار ،األلزاس ،فرنسا األساليب التعبيرية لفن الجروتيسك: إتجه فنانى الجروتيسك إلى استخدام مجموعة من األساليب التعبيرية التى تتعارض مع قواعد التناسب المثالى والنظام الهندسى الرياضى للفن الكالسيكى ،ومنها - 29 - أ -المسخ: ويتحقق المسخ فى األشكال الجروتيسكية من خالل اإلخالل بنظام وهيئة األعضاء الجسدية وتناسقها فيما بينها ومطابقتها فى مجموعها للكل ،وأيضا ً فى حركاتها الطبيعية المتناغمه ويتم ذلك عادة بعدة طرق منها :اإلخالف الشاذ ،العملقه والتقزم ،اإلنحالل والذوبان ب -التهجين: ينتج التهجين فى فن الجروتيسك عن طريق الخلط أو المزج بين عناصر وأشكال ذات طبيعة مختلفة حيث يندمج العنصر اإلنسانى مع أنماط أخرى من الحياة اآلدمى والحيوانى :اآلدمى والنباتى. ج -القلب: ويقصد به التبديل بين وظائف الجزء األعلى واألسفل من الجسد فأعضاء أسفل الجسد كالبطن والمؤخره واألعضاء التناسلية تحل محل أعضاء الجذع العلوى والوجه ورأس اإلنسان أى عقله المدبر. جماليات القبح فى فن الجروتيسك: يمكن استخالص مجموعه من جماليات القبح فى فن الجروتيسك كالتالى: -الغرابة :تعتبر الغرابة Uncannyهى أولى جماليات فن الجروتيسك ،والسمة األهم المميزه له ،حيث الالتوازن بين األلفة والغرابة وسيطرة كل ما هو مرتبط بمصطلح الغرابة من أفكار ،معانى، صياغات وأشكال فنية غير مألوفه تتجسد من خاللها بنائية اللوحات حيث يرتبط معنى الغرابة بالشيطانى والرهيب أو المخيف والمثير للحزن ...فالغرابة هى نوع من القلق الذى يرتبط بصور عقلية خيالية لدى المرء ،وكذلك بحياته الواقعية أو الفعلية ،وتهدد الغرابة استقرار الذات وتقلق راحتها، فالغرابة هى إحساس يحتل عنده الشعور بالتمايز بين ما هو مألوف وما هو غير مالوف ،وهى تتعلق أيضا ً بوجود شئ غريب كما تتعلق بالشك واإللتباس العقلى وبالعالقة بين الحياة والموت ،بالموت الذى فى الحياة ،والحياة التى فى الموت.وبكل ما هو مخيف ويستثير الفزع والرعب لذلك تتميز أعمال فن الجروتيسك على اختالفها باإلعالء من القيم التعبيرية وبالطابع اإلنفعالى والبراعة التى تتمثل فى قوة التعبير والشكل الغير مألوف فى تناول الموضوع وعناصر الصورة ،وما يتولد عنه من تحقيق الدهشة والمتعة غير التقليدية فى تلقى العمل الفنى نتيجة الرغبة فى تفسير كل ما هو غامض وغريب مثلما يحدث عند مشاهده أفالم الرعب أو الخيال العلمى. - 30 - -التنافر والتناقض :يقصد بجمالية التنافر التعارض وعدم التناسق واإلنسجام مع السعى نحو تحقيق التناغم المدهش للعناصر أو األشكال المتنافره فى األساس حيث تطغى الهجينيه على األشكال الجروتيسكية ،ذلك باإلضافة إلى التناقض الناتج عن الجمع فى وحدة واحدة بين مجموعة من ثنائيات متعارضة كالموت والحياة ،المقدنس والمدنس ،المنحط والسامى وغيرها من تناقضات الحياة فضالً عن عكس القيم كاإلعالء واإلحتفاء بما هو منحط وتهميش ما هو متساوم. -التعقيد الخيالى :تتسم األعمال الجروتيسكية بنزعه خيالية شديدة التعقيد حيث يوحى التعقيد الخيالى ببراعة جمالية فخلق العوالم الخيالية ينقل المتذوق من الشعور المعتاد للواقع إلى روعة الالواقع. حيث يختلط دائما ً المألوف بالالمألوف والواقعى بالخيالى لذلك أصبحت بعض أعمال فنانى الجروتيسك مصدر إلهام لإلتجاه السريالى بوجه عام سواء فى الفن التشكيلى أو فى المسرح السريالى والعبثى، وفى كل األعمال الدرامية األدبية التى تقوم على عالم األحالم والالمنطق والعجيب والغريب واألسطورى. -هدم المحاكاه :يدعو فن الجروتيسك إلى نبذ كل حكم مطلق ،فهو يرفض التقليد والمحاكاه وكل األعراف والقواعد السائده المتفق عليها ،من خالل استخدام التضخيم والمبالغة والمغااله فى التشويه والمسخ وسيطرة الهزل والتهكم والتعقيد الشكلى والغموض كأهم صفات ومالمح جماليات القبح فى الفنون بكافة تصنيفاتها النوعية وغيرها من األساليب التى تجعل الشئ ال يناظره مثيل فى الواقع فيكون بعيدا ً عن ذلك النموذج الجمالى الكالسيكى. - 31 -