علم نفس المراحل العمرية - الفصل الأول PDF
Document Details
Uploaded by Deleted User
Tags
Summary
هذا الفصل الأول من كتاب علم نفس المراحل العمرية يقدم لمحة عامة عن مفهوم النمو وخصائصه. يناقش الفصل مختلف جوانب النمو، كالنمو الجسمي، النمو العقلي، النمو الانفعالي والنمو الاجتماعي. يوضح الفصل أهمية الترابط بين هذه الجوانب، ويشدد على استمرارية النمو على الرغم من وتيرة التغيرات المختلفة. يقدم الفصل كذلك نظرة عامة عن العوامل التي تؤثر على النمو.
Full Transcript
# علم نفس المراحل العمرية ## الفصل الأول: مدخل عن النمو ### مفهوم النمو - تستخدم كلمة **النمو** في سياقات كثيرة. - نستخدمها للحديث عن الإنسان، وعن النبات، وعن الاقتصاد. - في هذه السياقات تشترك في معنى واحد تقريبا وهو **الزيادة**. - هذا هو في الواقع تعريف النمو من الناحية اللغوية، كما تعرفها ال...
# علم نفس المراحل العمرية ## الفصل الأول: مدخل عن النمو ### مفهوم النمو - تستخدم كلمة **النمو** في سياقات كثيرة. - نستخدمها للحديث عن الإنسان، وعن النبات، وعن الاقتصاد. - في هذه السياقات تشترك في معنى واحد تقريبا وهو **الزيادة**. - هذا هو في الواقع تعريف النمو من الناحية اللغوية، كما تعرفها المعاجم اللغوية. - في مجال **علم نفس النمو** ، يختلف الأمر بعض الشيء إذ أن معناها لا يقتصر على الزيادة، بل يتضمن الزيادة وغيرها . - هذا هو ما سيتضح فيما بعد. - هذه هي إحدى **الإشكالات** الناتجة عن **تغير** اهتمامات بعض العلوم مع بقاء الاسم، مما قد ينتج عنه سوء فهم عند بعض الناس. - في بداية نشأة هذا الفرع من فروع علم النفس كان الاهتمام مقتصرا على مرحلتي الطفولة والمراهقة، إذ يلاحظ فيهما التغير مع التقدم في العمر. - هذا التغير هو **الزيادة** في الجوانب المختلفة **الجسمية** ، **العقلية** ، **الانفعالية** ، **والاجتماعية** ، وغيرها من الجوانب. - ارتبط اسم **علم نفس النمو** بعلم نفس الطفولة والمراهقة سنوات طويلة، ولم ينفك هذا الارتباط إلا منذ عهد قريب. - يزال - للأسف - هذا المفهوم **غير الصحيح** موجودا في بعض الجامعات حتى الآن. - علم نفس النمو في العصر الحديث، فقد اتسع اهتمامه ليشمل جميع المراحل العمرية بدءا بمرحلة الحمل، وانتهاء بمرحلة الشيخوخة والهرم. - هذا **التوسع** في الاهتمام أدى - في واقع الأمر - إلى أن تصبح **كلمة النمو** بمفهومها اللغوي غير وافية للتعبير عن حقيقية هذا العلم. - المراحل التي تلي مرحلة الشباب **لا يغلب** عليها الزيادة. ### خصائص عملية النمو - تتميز عملية النمو بمجموعة من الخصائص من أبرزها: #### الشمولية - تشمل الجوانب المختلفة للإنسان من جسمية وعقلية وانفعالية وغيرها. - لا تقتصر على جانب واحد فقط ، وهو الجانب الجسمي كما قد يتبادر إلى الذهن. #### الترابط والتأثير المتبادل بين جوانب النمو - مع أن العلماء يدرسون الجوانب المختلفة للنمو كلا على حدة ، فإن هذه الجوانب مترابطة بعضها مع بعض ، ويؤثر كل منها في الآخر. - النمو العضوي ( الفسيولوجي ) مؤثر ومتداخل مع النمو العقلي ، وهما متداخلان مع النمو اللغوي ، والنمو اللغوي مع النمو الاجتماعي وهكذا. - إن دراسة العلماء لهذه الجوانب بهذا التقسيم ما هو إلا لتبسيط الدراسة والمتابعة فقط ، وإلا فهو لا يعكس حقيقة النمو المترابطة. #### استمرارية النمو - قد يبدو أحيانا أن التغيرات التي تحدث للشخص متوقفة - خصوصا في مرحلـــة الشباب والكهولة ( وسط العمر ). - هذا **ظاهريا فقط** ، فالتغير مستمر - لكنه قد يكون بطيئا أو غير ملاحظ في بعض المراحل ، مما يوحي بأنه متوقف. - من الأهداف التي يسعى إليها علماء نفس النمو هو التعرف على هذه التغيرات التي قد لا تتضح من مجرد الملاحظات العابرة ، وإنما تتضح من المتابعة والقياس والمقارنات العمرية. #### النمو ليس عشوائيا - إن النمو في جوانبه المختلفة يسير وفق سنن وقوانين محددة أوجدها الله للحفاظ على هذا الكائن المكرم من بين الكائنات . - بعض هذه القوانين فيه من الدقة والنظام ما أذهل العلماء. - المتتبع - على سبيل المثال - لتطور البويضة الملقحة وانقساماتها المذهلة ، وتوزع الصفات الوراثية عن طريقة المورثات يبهر بهذه الدقة المتناهية . - يؤمن بقدرة الله سبحانه وتعالى . - العلماء يسعون جاهدين لاكتشاف هذه القوانين التي تحكم النمو. - نسوق هنا الأمثلة التالية لبعض هذه القوانين. ##### القانون الطولي - يشير هذا القانون إلى أن النمو يسير من الأعلى إلى الأسفل، أي أن الأجزاء العلياء من جسم الإنسان تسبق الأجزاء السفلى في النمو. - أول الأعضاء نموا عند الجنين هو الرأس، وآخرها نموا الساقان. - عندما يولد الطفل فإن الرأس يشكل تقريبا ربع طول الطفل، لكن هذه النسبة تتغير مع تقدم عمر الطفل إذ تأخذ الأجزاء السفلي نصيبها من النمو فيما بعد. - عندما يتوقف النمو الطولي تصبح نسبة الرأس إلى بقية الجسم الثمن تقريبا. ##### القانون العرضي ( المركزي ) - يوضح أن اتجاه النمو يبدأ من الوسط متجها الأطراف. - الجذع ينمو قبل نمو اليدين. - نتوقع أن يتحكم الطفل في حركة ذراعيه قبل أن يتحكم في حركة أصابعه، وهكذا. ##### قانون الاتجاه من العام إلى الخاص - يوضح أن إدراك الطفل واستجاباته تبدأ بعموميات قبل التخصص. - على سبيل المثال عندما يستجيب الطفل لصوت ما، فإنه في أيامه الأولى يستجيب بكل جسمه، ومع تقدمه في العمر يستجيب بالجزء العلوي من جسمه فقط، وإذا كبر قليلا يستجيب برأسه فقط، وهذا أيضا ما نلحظه على الطفل عندما يريد أن يأخذ شيئا، فإنه في البداية يحاول أن يأخذه بذراعيه، ثم بذراع واحده ثم بكفه، وأخيرا بأصابعه. - وعندما يدرك الطفل شكلا أو كلمة فإنه يدركها إدراكا كليا قبل أن يدرك تفاصيلها. - ولو علمناه التفاصيل في البداية لما استطاع تركيب الكلمة، وهذا القانون يمكن الاستفادة منه في تعليم الأطفال القراءة. - ستتم مناقشة ذلك بشيء من التفصيل عند الحديث عن النمو العقلي في مرحلة الطفولة. ##### النمو ليس منتظما - حتى مع استمرار النمو، وعدم التوقف حتى الممات، فإنه لا يعني أن هذه التغيرات متساوية في الأعمار المختلفة، فقد تكون تغيرات سريعة وكثيرة في سن معينة، وتكون بطيئة وقليلة في سن آخر . - بتعبير آخر فالتغير في مدة زمنية معينة لا يماثل التغير في مدة زمنية مماثلة في سن أخرى. - سرعة النمو تختلف من شخص لاخر ولكن في النهايه كلهم ينمون. #### تعدد العوامل التي تؤثر في النمو - النمو عندما لا ينظر إليه من الجانب الفسيولوجي فقط وإنما الجوانب الأخرى - كما مر ذكره - يتأثر بعدد كبير من العوامل تأتي في مقدمتها الوراثة، ثم العوامل البيئية المتعددة. - هذه العوامل لا تعمل مستقلة بعضها عن بعض، وإنما تتفاعل مع بعض ويؤثر بعضها في بعض. - إن التعرف على هذه العوامل، وعلى طريقة تأثيرها يعد واحدا من الأهداف العامة الكبرى التي يسعى علماء نفس النمو للوصول إليها. #### الفترات الحاسمة للنمو - تعد بعض الفترات من النمو - أي بعض السنوات - من حياة الإنسان أهميتها كبيرة في بعض جوانب النمو، بل تعد خطيرة بالنسبة للنمو. - هذه السنوات تختلف باختلاف الجوانب. - نورد هنا مثالين لذلك. فبالنسبة لنمو الدماغ ( المخ ) فإن المرحلة الحمل والسنة الأولى تعد فترة حاسمة لنموه. - إذا لم يحدث نمو طبيعي للمخ خلال هذه الفترة، فإن الخلل الناتج عن ذلك لا يمكن تعويضه في الغالب. - المثال الآخر هو في الجانب اللغوي، فالاثنتا عشرة سنة الأولى هي الفترة الحاسمة لاكتساب اللغة. - أي تعلم الطفل الكلام ) وليس تعلم لغة أخرى ، كما سيناقش عند الحديث عن النمو اللغوي في مرحلة الطفولة ) ، لأن الطفل إذا تجاوز هذه السنوات دون أن يتعلم الكلام لأي سبب من الأسباب كأن يكون أصم صمما كاملا ولم يتعلم لغة الإشارة ، أو كان معزولا عن الناس طوال فترة الطفولة - كالأطفال الذين وجدوا في الغابات - فإن هذا الطفل في الغالب لن يمكنه تعلم الكلام ، لأنه تجاوز الفترة الحاسمة لاكتساب اللغة. ### الخصوصية في النمو ( الفردية في النمو ) - ذلك أن هناك خطوط عريضة في النمو مشتركة بين الإنسانية، وتعد معالم عامــــة ، ولكن في نفس الوقت يظل لكل فرد نمطه الخاص به في النمو، نتيجة للعوامل الوراثية والبيئية التي يمتلكها أو حدثت له، وبالتالي فإن معايير النمو هي معايير عامة بنيت على حساب المتوسطات التي تعبر عن الصفة لدى الأغلبية . - عدم التطابق مع هذه المتوسطات لا يعني بالضرورة وجود شذوذ أو خلل. - إن السعي للمثالية الرقمية - كما يمكن أن نسميها - قد تجني على الفرد أكثر مما تنفع في بعض الحالات. - نجد من يجهد نفسه بلا مبرر أحيانا - للوصول إلى طول معين ، أو وزن معين أو مقاسات معينة لبعض الأعضاء من الجسم. - قد يكون لوسائل الإعلام دور في ذلك ، فإنها قد صورت للناس أمثلة معينة يسعون جاهدين للوصول إليها سواء في أنفسهم أو أبنائهم ، ويشعرون بالقلق أو بالنقص عندما لا يستطيعون تحقيق ذلك. - إن من عوامل الصحة النفسية – لنا ولأبنائنا – هو الاقتناع بوجود مدى واسع من الفروق ، وكلها طبيعية. - فاقتناع الفرد بما أعطاه الله ، ولاسيما فيما لا يملك جهدا لتغييره يعد حجر أساس في صحة الفرد النفسية ، وهذا ينطبق على الكبار وعلى الصغار أيضا ، فيما يمكن أن يصوره له الكبار ، ولاسيما الوالدين. - هذا الكلام لا يعني عدم السعي للأفضل ، أو عدم الانتباه إلى ما يمكن تصحيحه من عيوب في النمو عند الأطفال ، ولكن يعني أن نؤمن بالفردية في النمو . وأن الشخص لا يمكن ولا ينبغي أن يكون نسخة من الآخرين . فليس بالضرورة أن يكون الطفل كأخيه أو ابن عمه . فلكل فرديته و خصوصيته. ### الخبرات ( المواقف ) التي يمر بها الفرد في مرحلة تؤثر عليه في المراحل اللاحقة - إن الخبرات ( الأحوال ) التي يمر بها الفرد في مرحلة ما لا ينتهي تأثيرها بمجرد انتهاء تلك المرحلة . - فالإنسان كل متكامل ، وتزداد أهمية المرحلة كلما كانت مبكرة ، نظرا لتأثيرها في مراحل أكثر . - فتأثير خبرات الطفولة فيما بعدها من المراحل يستمر حتى نهاية العمر. - خبرات المراهقة كذلك وهكذا. - هذا التأثير الذي نتحدث عنه ليس بالضرورة أن يشعر به الفرد . - رؤيتنا وتقويمنا للأشياء والأفراد والأحداث وغير ذلك في مرحلة ما يتأثر - شعرنا أو لم نشعر بما مر بنا من خبرات في المراحل السابقة. ### أهداف علم نفس النمو - مما لا شك فيه أن لكل علم أهدافه التي يسعى فيه العلماء إلى تحقيقها ، والتي تصب جميعا لخدمة الإنسانية . - يمكننا أن نلخص الأهداف في مجال علم نفس النمو في ثلاثة أهداف كبرى تنطوي تحتها أهداف أخرى تتحقق بتحققها . - هذه الأهداف الكبرى هي : ##### التحكم في النمو - هذا هو الهدف البعيد المدى الذي يحلم العلماء بتحققه يوما ما والمقصود بالتحكم في النمو ليس العبث ، وإنما خير البشرية ، أي السعي إلى النمو المثالي . - وقد يسأل سائل عن كيفية هذا التحكم الذي ينشده علماء نفس النمو . - إن التحكم المقصود في هذا المجال هو عن طريق توفير العوامل التي تؤدي إلى نمو إيجابي، وتجنب العوامل التي تؤدي إلى نمو سلبي، أو تعيق النمو الجيد . - وقد قطع العلماء مشوارا لا بأس به في هذا الشأن إلا أن تحقق هذا الهدف لا يزال بعيدا ، إذ أن ذلك يتطلب العديد من الدراسات والتجارب ، كالدراسات الطولية التي قد يمتد بعضها عشرات السنين. ##### معرفة خصائص النمو ومعاييره - وقد تحقق بالنسبة لهذا الهدف الشيء الكثير ، مقارنة بالأهداف الأخرى ، فقد تعرف العلماء على كثير من التغيرات الجسمية في كل مرحلة من مراحل النمو تقريبا ، كما تعرفوا على كثير من الخصائص العقلية والانفعالية. - ويعد تحقيق هذا الهدف أسهل نسبيا من بقية الأهداف ، لأنه يعتمد على الجانب الوصفي. - فمثلا معرفة خصائص النمو الجسمي الطولي تعتمد على قياس عدد كبير من الأطفال منذ الميلاد ، ثم متابعة أطوالهم في الشهور والسنوات اللاحقة ، ومن ثم استخراج المتوسطات ، أو بحساب متوسطات الطول لفئات من الأطفال في أعمار مختلفة . - لكن ذلك لا يعني أن الأمر بهذه البساطة في جميع الجوانب ، خصوصا الجوانب غير الجسمية. - إن معرفة خصائص النمو تقدم فائدة كبيرة ليس في مجال علم نفس النمو فقط، بل يستفيد منها العاملون في قطاعات أخرى كالمربين والمعلمين والآباء والمعالجين النفسيين ، والمتعاملين مع الفئات العمرية المختلفة وغيرهم . - وهذا يتضح من تحقق الأهداف الفرعية التالية التي تتحقق بتحقق هذا الهدف : ###### معرفة الحالات الطبيعية من الشاذة - طفل عمره خمس سنوات وطوله ٨٠ سم فهل هو طفل عادي ، أم أنه أقصر من الطبيعي ، أم أنه أطول ؟ - رجل في الستين من عمره لا يذكر أحداثا وقعت في العام الماضي ولكنه يتذكر بالتفاصيل أحداثا وقعت منذ عشر سنوات ، هل هو طبيعي أم لا ؟ - إن الإجابة عن هذه الأسئلة وما شابهها يعتمــد علـــى معرفــــة خصائص النمو في كل مرحلة. - فحتى نحكم على وضع ما بالشذوذ أو السواء لا بد أولا من معرفة ما هو الطبيعي. - وذلك لا يتحقق إلا بمعرفة خصائص ومعايير النمو في كل مرحلة. ###### التعامل مع كل مرحلة بما يناسبها - عندما نعرف الخصائص المميزة لكل مرحلة، فإن تعاملنا معها سيكون أفضل. - فمعرفتنا - على سبيل المثال - بحدود تفكير الأطفال تمكننا من صياغة المناهج الدراسية التي تناسبهم ، فمن المعلوم أن تقديم ما هو أعلى من مستواهم سيشعرهم بالإحباط ، ويؤدي إلى بذل جهد لا مبرر له ، ما هو أقل من مستواهم يؤدي إلى الملل وقلة الدافعية . - الأمر لا يقتصر على العاملين علــــى المناهج الدراسية ، ولا يقتصر على مرحلة الطفولة ، بل يشمل جميع المتعاملين مــــع بقية المراحل بدءا بالآباء والمربين وانتهاء بالمخططين الاجتماعيين والإعلاميين وغيرهم. ###### التوقع ( التنبؤ ) بالتغيرات في المراحل التالية - إن معرفة خصائص النمو تمكن – إلى حد ما – من توقع وضع أو سلوك معين لفرد معين ، أو لمجموعة من الأفراد في السنوات اللاحقة ، وذلك بالنظر لمعايير النمو التي تنطبق على هذا الفرد أو مجموعة الأفراد. - فمن ذلك أننا نعرف أن الطفل الذي تظهر عليه أعراض متلازمة داون ( المنغولية ) سيكون متخلفا عقليا ، ولن يستطيع إنهاء المرحلة الابتدائية ، كما نتوقع - والأعمار بيد الله – ألا يعيش إلى ثلاثين سنة في الغالب. - إن معرفة التغيرات المقبلة ستساعد كثيرا في التهيئة لها والتخطيط ، كما تساعد على التكيف مع الأمر بدلا من حدوثه بشكل مفاجئ أو بذل جهود كبيرة معلوم سلفا أنها لن تجدي. #### معرفة العوامل التي تؤثر في النمو وطرق تأثيرها - إلى أي حد تؤثر الوراثة وكيف تؤثر في النمو ؟ - ما العوامل التي تؤدي إلى جنوح الأحداث ؟ - ما العوامل التي تؤدي إلى مرور بعض الأفراد باضطراب نفسي في أواسط أعمارهم ؟ - كل هذه أمثلة على بعض الأسئلة التي يحاول علماء نفس النمو الإجابة عنها. - ولا شك أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ليس بالأمر اليسير. فهي تتطلب مقارنات كثيرة ، ومتابعات لفترات طويلة لكن ثمرتها بلا شك كبيرة . ### المحة تاريخية عن تطور الدراسات في علم نفس النمو - إن الاهتمام بالنمو ليس بالشيء الحديث . - فالإنسان منذ القدم ، وهو يلاحظ كيف يولد الطفل صغيرا لا يستطيع الكلام ، ثم ما يلبث في سنوات معدودة أن يصبح رجلا أو امرأة لا يشبه ذلك الطفل ، ثم ما هي إلا سنوات أخرى وتتحول تلك القوة إلى ضعف ثم موت. - ولكن هذا الاهتمام لا يعني الدراسة العلمية لهذه الظواهر. ### تطور الاهتمام بالمراحل العمرية - الملاحظ على تاريخ الدراسات في مجال علم نفس النمو أن العلماء لم يهتموا بالمراحل العمرية وفقا لتسلسلها العمري إذ نجد بعض التفاوت. - في بداية هذا العلم كان الاهتمام منصبا على مرحلة الطفولة ، واهتمامهم بمرحلة الطفولة قـاد إلى الاهتمام بمرحلة الحمل باعتبارها الأساس لمرحلة الطفولة ، ثم جاء بعد ذلك الاهتمام بمرحلة المراهقة ، وبينما كان المفترض أن يستمر الاهتمام بعد ذلك إلى مرحلة الشباب نجد أن الاهتمام اتجه إلى مرحلة الشيخوخة . - أخيرا جاء الاهتمام بمرحلة الشباب ومرحلة الكهولة ( وسط العمر ). - لقد كان الاعتقاد سائدا لعدة عقود أن النمو مقصور على مرحلتي الطفولة والمراهقة إلى الدرجة التي كان علم نفس النمو هو بمعنى علم نفس الطفولة والمراهقة - ولا يزال هذا في بعض الدول النامية - وما ذاك إلا لأن العلماء كانوا يعتقدون أن السنوات الممتدة من نهاية المراهقة إلى مرحلة الشيخوخة هي مرحلـــة استقرار وخالية من التغيرات. - أما الشيخوخة فقد لفتت انتباه الدارسين للنمو ، نظرا لكثرة المسنين في العصر الحديث وما يرافق ذلك من حاجات نفسية ومشكلات وغيرها ، إضافة إلى أن التغيرات في مرحلة الشيخوخة أكثر وضوحا وملاحظة من التغيرات في مرحلتي الشباب والكهولة . ### النضج والتعلم وعلاقتهما بالنمو - من المصطلحات ذات العلاقة الوثيقة بالنمو مصطلحا النضج والتعلم. - أما النضج فله استعمالات مختلفة ، فالبعض يستخدمه بمعنى النمو فيقول نضج فلان بمعنى كبر ، كما يرتبط هذا اللفظ أيضا بمعنى العقل والحكمة عندما يصفون شخصا مــــا بأنه ناضج. - إن هذه المعاني كلها لا تعبر عن المعنى الصحيح للنضج في مجال علــــم نفس النمو. - إن المقصود بالنضج في علم نفس النمو هو " وصــول العــــضو إلى الدرجة التي يبدأ فيها بأداء وظيفته ". - فعلى سبيل المثال : نقول عن الغدد الجنسية إنها نضجت عندما تبدأ في إفراز الهرمونات الجنسية ، ونقول لعضلات مــا إنهـــا نضجت عندما تستطيع تأدية مهمتها ، فالنضج إذا مقتصر على الجانب الفسيولوجي . - وبما أن أداء العضو وظيفته يعتمد بالدرجة الأولى على التقدم في العمر ، فالنضج يعد جزءا من النمو. - أما التعلم فهو في أبسط تعريفاته " **التغير في السلوك نتيجة الخبرة** " وليس المقصود الخبرة المدرسية فقط ، بل جميع أنواع الخبرات. - هو إذا مميز عن النمو. - ولكن نظرا لأن التعلم مرتبط بالنضج ، والنضج مرتبط بالتقدم في العمر كان هناك لبس لدى البعض بين مصطلحي التعلم والنمو. - وهذا التداخل بين هذه المصطلحات الثلاثة ( النضج ، التعلم ، النمو ) توضحه العلاقة التالي - حتى يحدث التعلم لابد من حصول النضج في الأعضاء التي لها علاقة بالموضوع المتعلم ، فلا يمكن تعلم المشي ما لم تنضج الساقان ، ولا يمكن تعلم الكتابة ما لم تنضج المنطقة المسوؤلة عن اللغة في الدماغ ، وتنضج العضلات المتحكمة في الأصابع وهكذا . - وتفاعل **النضج** مع **الخبرة** في الحياة ) أي **العوامل البيئية** ) هو الذي يؤدي إلى حدوث النمو . - لو اقتصر الأمر على النضج فقط لما حدث النمو بالمفهوم الشامل الذي تحدثنا عنه من قبل. - ### تنبيه - يقوم بعض الآباء والمدرسين والمدرسات خصوصا في رياض الأطفال والتمهيدي بدفع طلابهم أو أبنائهم لتعلم أشياء قبل حدوث النضج الملائم لها . - فيجبرون – مثلا - أبناءهم على تعلم ضبط الإخراج ( الذهاب للحمام ) قبل إتمام العام الثاني ، أو على تعلم قيادة الدراجة في سن الثانية أو الثالثة ، أو يجبرون طلابهم على تعلم الكتابة في سن الثالثة أو الرابعة ، في حين أن استعدادهم لهذا لم يتوافر بعد. - إن الآثار السلبية المترتبة على مثل هذا العمل كثيرة ومن أهمها : - الجهد المبذول سيكون أكبر بكثير في حالة البدء بالتعلم قبل حدوث النضج من الجهد المبذول لو توافر النضج . - الزمن المستغرق سيكون أطول . - وقد قام أحد الباحثين بتجربة على مجموعة من التوائم المتطابقة ( لأنهم يتفقون في الجانب الوراثي ، وبالتالي يتفقون في النضج ) ، وكان يقوم بتدريب أحد التوأمين على صعود الدرج ، بينما يترك الآخر بدون تدريب ، وقد استغرق التدريب عددا من الأسابيع حتى أتقن الطفل الصعود على الدرج ، ثم بدأ في تدريب التوأم الآخر . - وقد لاحظ الباحث أن الوقت الذي استغرقه الثاني أقصر من الوقت الذي استغرقه الأول ، وكذلك الجهد المبذول للت ###