تاريخ السودان للصف الاول المتوسط PDF

‫جمهورية السودان‬ ‫وزارة التربية والتعليم‬ ‫املركز القومي للمناهج والبحث التربوي‬ ‫بخت الرضا‬ ‫املرحلة املتوسطة‬ ‫التاريخ‬ ‫الصف األول‬ ‫أعده بتكليف من المركز القومي للمناهج والبحث‬ ‫التربوي لجنة من األساتذة‪:‬‬...

‫جمهورية السودان‬ ‫وزارة التربية والتعليم‬ ‫املركز القومي للمناهج والبحث التربوي‬ ‫بخت الرضا‬ ‫املرحلة املتوسطة‬ ‫التاريخ‬ ‫الصف األول‬ ‫أعده بتكليف من المركز القومي للمناهج والبحث‬ ‫التربوي لجنة من األساتذة‪:‬‬ ‫د‪.‬معاوية السر قشي ‪ -‬املناهج بخت الرضا‬ ‫أ‪.‬د‪.‬أسامة عبداهلل ‪ -‬جامعة بخت الرضا‬  ‫اإلشراف العام ‪:‬‬ ‫أ‪.‬حبيب آدم حبيب ‪ -‬المدير العام للمركز باإلنابة‬ ‫د‪.‬مبارك اسحق محمد يوسف ‪ -‬األمين العام للمركز‬ ‫التصميم واالخراج الفني‬ ‫د‪.‬الرفاعي عبدهللا عبدالمهيل مرحوم‬ ‫المناهج بخت الر ضا‬ ‫الجمع بالحاسوب‪:‬‬ ‫شعبة التاريخ‬ ‫حقوق التأليف للمركز القومي للمناهج والبحث التربوي‪ -‬بخت الرضا وحقوق‬ ‫الطبع والنشر محفوظة لوزارة التربية والتعليم وال يجوز ألي جهة طباعة أو بيع هذا الكتاب‬ ‫أو أي جزء منه وإال تعرضت لطائلة القانون‪.‬‬ ‫الطبعة األولى ‪٢٠٢١‬م‬  ‫فهرست المحتويات‬ ‫الصفحات‬ ‫رقم احملتوى‬ ‫‪٦‬‬ ‫‪ 1‬املقدمة‬ ‫‪٧‬‬ ‫الوحدة األولى‪ :‬من تاريخ السودان‪:‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪٩‬‬ ‫الدرس األول‪ :‬حضارة اإلنسان يف عصور ما قبل التاريخ‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪١١‬‬ ‫الدرس الثاني‪ :‬السودان يف العصور احلجرية‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪١٥‬‬ ‫الدرس الثالث‪ :‬السودان يف عصر املجموعات احلضارية‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪١٩‬‬ ‫الدرس الرابع‪ :‬حضارة كرمة‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪٢٢‬‬ ‫الدرس اخلامس مملكتا كوش‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪٢٤‬‬ ‫الدرس السادس‪ :‬أهم ملوك نبتة (أ)‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪٢٧‬‬ ‫الدرس السابع‪ :‬أهم ملوك نبتة (ب)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪٣١‬‬ ‫‪ 10‬الدرس الثامن‪ :‬مملكة مروي‪ :‬حضارة مروي (أ)‬ ‫‪٣٣‬‬ ‫‪ 11‬الدرس التاسع‪ :‬حضارة مروي (ب)‪.‬‬ ‫‪٣٥‬‬ ‫‪ 12‬الدرس العاشر‪ :‬دخول املسيحية إلى السودان‪.‬‬ ‫‪٣٩‬‬ ‫اختبار الوحدة‬ ‫‪٤٢‬‬ ‫الوحدة الثانية‪ :‬بناء الدولة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪٤٤‬‬ ‫‪ 15‬الدرس األول‪ :‬جغرافية شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫‪٤٦‬‬ ‫‪ 16‬الدرس الثاني‪ :‬ممالك اجلنوب‪.‬‬ ‫‪٤٨‬‬ ‫‪ 17‬الدرس الثالث‪ :‬ممالك الشمال‪.‬‬ ‫‪٥١‬‬ ‫‪ 18‬الدرس الرابع‪ :‬حالة املجتمع العربي قبل اإلسالم‪.‬‬  ‫الدرس اخلامس‪ :‬الدولة اإلسالمية يف عهد النبي صلى‬ ‫‪٥٤‬‬ ‫‪19‬‬ ‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪٦٣‬‬ ‫‪ 20‬الدرس السادس‪ :‬الدولة اإلسالمية يف عهد اخللفاء الراشدين‪.‬‬ ‫الدرس السابع‪ :‬املشكالت التي واجهت الدولة يف عهد‬ ‫‪٦٦‬‬ ‫‪21‬‬ ‫اخللفاء الراشدين‪.‬‬ ‫الدرس الثامن‪ :‬النمو اإلداري للدولة يف عهد اخللفاء‬ ‫‪٦٨‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الراشدين‪.‬‬ ‫‪٧٠‬‬ ‫‪ 23‬الدرس التاسع‪ :‬الفتوحات يف عهد اخللفاء الراشدين‪.‬‬ ‫‪٧٤‬‬ ‫اختبار الوحدة‬ ‫‪٢٤‬‬ ‫‪٧٨‬‬ ‫الوحدة الثالثة‪ :‬من تاريخ إفريقيا‪:‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪٨٠‬‬ ‫‪ 26‬الدرس األول‪ :‬إفريقيا البيئة الطبيعية‪.‬‬ ‫‪٨٢‬‬ ‫‪ 27‬الدرس الثاني‪ :‬سكان القارة اإلفريقية‪.‬‬ ‫‪٨٥‬‬ ‫‪ 28‬الدرس الثالث‪ :‬احلضارة املصرية القدمية‪.‬‬ ‫‪٨٩‬‬ ‫‪ 29‬الدرس الرابع‪ :‬حضارة أكسوم احلبشية‪.‬‬ ‫‪٩١‬‬ ‫‪ 30‬الدرس اخلامس‪ :‬حضارات شمال إفريقيا القدمية‪.‬‬ ‫‪٩٣‬‬ ‫اختيار الوحدة‬ ‫‪٣١‬‬ ‫‪٩٤‬‬ ‫الوحدة الرابعة‪ :‬حضارات أوربا القدمية‪:‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪٩٦‬‬ ‫‪ 33‬الدرس األول‪ :‬عوامل نشوء حضارتي اليونان والرومان‪.‬‬ ‫‪١٠٠‬‬ ‫‪ 34‬الدرس الثاني‪ :‬حضارة اليونان‪( :‬أ) الفنون واآلداب والعلوم‬ ‫الدرس الثالث‪ :‬حضارة اليونان‪( :‬ب) النظم االقتصادية‬ ‫‪١٠٤‬‬ ‫‪35‬‬ ‫واالجتماعية والسياسية‪.‬‬ ‫‪١٠٩‬‬ ‫‪ 36‬الدرس الرابع‪ :‬حضارة الرومان‪( :‬أ) الفنون واآلداب والعلوم‬ ‫الدرس اخلامس‪ :‬حضارة الرومان‪( :‬ب) النظم االقتصادية‬ ‫‪١١٣‬‬ ‫‪37‬‬ ‫واالجتماعية والسياسية‪.‬‬ ‫‪١١٦‬‬ ‫اختبار الوحدة‪.‬‬ ‫‪38‬‬  ‫مقدمة‪:‬‬ ‫أبناؤنا وبناتنا طالب الصف األول المتوسط‬ ‫السالم عليكم ورحمة هللا‬ ‫يسرنا أن نقدم لكم كتابكم (التاريخ‪ -‬للصف األول المتوسط)‪ ،‬وأنتم في بداية‬ ‫مرحلة جديدة‪ ،‬تختلف عما قبلها‪.‬وقد درستم مادة التاريخ في المرحلة االبتدائية‪،‬‬ ‫في الصفين الخامس والسادس‪.‬وتعلمتم الكثير في تاريخ بلدكم‪ ،‬والتاريخ اإلسالمي‬ ‫واإلفريقي والعالمي‪.‬وال شك أنكم تتطلعون لمزيد من المعرفة‪ ،‬في هذا الحقل‬ ‫المهم‪ ،‬وفي غيره من الحقول‪.‬وهذا المقرر الذي نقدمه لكم‪ ،‬يركز على المدنيات‬ ‫القديمة التي أبدعها اإلنسان على وجه األرض‪.‬وكانت أساسا ً لتطور البشر الح‬ ‫ضاري‪.‬‬ ‫ونحن نتوقع منكم وأنتم أجيال المستقبل‪ ،‬أن تستلهموا هذا التاريخ العظيم لوطنكم‪،‬‬ ‫في النهوض به‪ ،‬والسير به نحو الرفعة والتقدم‪.‬ونأمل أن تستمتعوا بدراسة كتابكم‬ ‫هذا‪ ،‬والذي زودناه لكم بالعديد من وسائل االيضاح‪ ،‬وأن تؤدوا أنشطته‪ ،‬وتجروا‬ ‫اختباراته‪ ،‬بمعاونة معلميكم‪ ،‬وأن تستزيدوا من المعرفة باالطالع خارجه‪.‬‬ ‫ونسأل هللا لكم التوفيق والسداد‬ ‫المؤلفون‬ ‫‪6‬‬  ‫الوحدة األولى‬ ‫مع تاريخ السودان‬ ‫‪7‬‬  ‫أهداف الوحدة ‪:‬‬ ‫يتوقع من ال‬ ‫طالب بعد دراسة هذه الوحدة أن ‪:‬‬ ‫‪ /١‬يعرف مفهوم عصور ما قبل التاريخ‪.‬‬ ‫‪ /٢‬يتعرف مالمح‬ ‫حضارات السودان في فترة العصور احلجرية‪.‬‬ ‫‪ /٣‬يحدد مالمح تطور حضارة كرمة‪.‬‬ ‫‪ /٤‬يوضح أهم مميز‬ ‫ات حضارة كوش في عهديها النبتي واملروي‪.‬‬ ‫‪ /٥‬يتعرف ظروف انت‬ ‫شار املسيحية في السودان وأثرها احلضاري‪.‬‬ ‫‪8‬‬  ‫الدرس األول‬ ‫حضارة اإلنسان في عصور ما قبل التاريخ‬ ‫تعرف العصور التي سبقت معرفة اإلنسان للكتابة بفترة ما قبل التاريخ‪.‬وأن‬ ‫معلوماتنا عن اإلنسان في تلك الفترة الطويلة مستمدة من آثاره التي خلفها‪.‬ومن تلك‬ ‫اآلثار تعرفنا على مختلف نواحي حياته‪.‬‬ ‫ويتضح لنا من الدراسات التي قام بها علماء اآلثار وعلماء طبقات األرض وعلماء‬ ‫األجناس البشرية أن اإلنسان مر خالل أزمنة ما قبل التاريخ الطويلة بمراحل عدة تبين‬ ‫تطوره البطئ في السير نحو األفضل ‪.‬وهكذا يمكن تصنيف فترة ما قبل التاريخ إلى‬ ‫العصور التالية‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬العصر الحجري القديم‪:‬‬ ‫كشفت لنا الدراسات التي قام بها علماء اآلثار عن حضارة عظيمة قوامها الحجر‬ ‫انتشرت في حوض البحر األبيض المتوسط‪ ،‬وحول مجاري المياه في آسيا وإفريقيا‪.‬‬ ‫وقد استفاد اإلنسان من الحجر في جميع ضرورياته اليومية‪ ،‬فصنع منه أدوات األكل‬ ‫والشرب‪ ،‬وآالت الدفاع عن النفس‪.‬ويقسم المؤرخون هذا العصر إلى فروع حجرية‬ ‫أسفل وأوسط وأعلى ‪.‬‬ ‫ويميز صناعة اآلالت الحجرية في العصر القديم األسفل أنها مصنوعة من قلب‬ ‫كتلة الحجر‪ ،‬فقد كان الرجل يدق حجراً بحجر فينكسر أحدهما مخلفا ً طرفا ً حاداً يستعمله‬ ‫اإلنسان‪.‬أما صناعة العصر الحجري القديم األوسط فقد صار الرجل اكثر معرفة‬ ‫بعمله حيث أخذ يدق حجراً بحجر فينكسر أحدهما وقد تطايرت بعض شظاياه فيأخذها‬ ‫ليستعملها كسكاكين‪.‬أما العصر الحجري القديم األعلى فقد تعلم فيه اإلنسان كيف يضع‬ ‫حجراً على آخر ويضرب بحجر ثالث بزاوية منحرفة ليأتي بالشكل الذي يريد‪.‬ومن‬ ‫مخلفات هذا العهد سكاكين ذات نصال طويلة رفيعة وأطراف حادة قاطعة‪.‬‬ ‫‪9‬‬  ‫ثانيا ً ‪ :‬العصر الحجري الوسيط‪:‬‬ ‫في هذا العصر نهضت صناعة اآلالت من األخشاب وقرون الحيوانات‪.‬فصارت‬ ‫تستعمل في أغراض متعددة‪.‬كما اتخذ اإلنسان مالبسه من جلود الحيوانات ‪.‬وقد‬ ‫وجدت بعض النقوش لبعض الحيوانات والمناظر المثيرة في الكهوف‪ ،‬مما يوحي‬ ‫بمعرفة اإلنسان للفن في العصر الحجري الوسيط‪.‬أما من الناحية العقائدية فلم يكن‬ ‫اإلنسان في هذا العصر فكرة واضحة عن الدين‪.‬ولكنهم كانوا يؤمنوا باستمرار الحياة‬ ‫إذ كانوا يدفنون مع موتاهم بعض األشياء من أواني وأسلحة‪ ،‬اعتقاداً منهم بأن اإلنسان‬ ‫ال يموت وإنما ينتقل إلى حياة أخرى مماثلة‪ ،‬يمارس فيها أعماله السابقة التي كان‬ ‫يمارسها في حياته األولى‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬العصر الحجري الحديث‪:‬‬ ‫في هذا العصر أحدث اإلنسان تقدما ً في صنع األدوات الحجرية‪ ،‬فنجدها مصقولة‬ ‫ومتينة ومتنوعة‪ ،‬وهذا تطور كان يتناسب مع حاجاته في ذلك العصر‪.‬‬ ‫وهناك خطوة أخرى كان لها كبير األثر في تقدمه‪ ،‬هي معرفته للزراعة‪ ،‬وقدرته‬ ‫على بناء بيوت للسكن وصنع المنسوجات‪ ،‬كما تعلم استئناس الحيوان وتربية الماشية‬ ‫واالستفادة منها في غذائه وكسائه‪.‬‬ ‫وكان هنالك نوع من التجارة تعرف بالمقايضة أو المبادلة‪ ،‬وتعرف أيضا ً بـ‬ ‫(التجارة البكماء) ألن الناس في ذلك الوقت كانوا يتبادلون السلع دون استعمال العملة‪.‬‬ ‫ولعل أهم تطور توصل إليه اإلنسان في العصر الحجري الحديث هو اكتشاف النار‬ ‫وربما توصل إلى هذا االكتشاف عن طريق احتكاك بعض الحجارة ببعضها‪ ،‬أو بعض‬ ‫العيدان الخشبية‪ ،‬أو نتيجة لصاعقة رعدية شهد على أثرها االحتراق ‪.‬‬ ‫وكيفما كانت الطريقة التي تعرف بها االنسان على النار‪ ،‬فقد أفاد كثيراً من النار التي وفرت‬ ‫له الدفء‪ ،‬واستخدمها في طهي الطعام‪ ،‬وطرد الحيوانات المفترسة‪ ،‬ثم أخيراًفي صهر المعادن‪.‬‬ ‫‪10‬‬  ‫الدرس الثاني‬ ‫السودان في العصور الحجرية‬ ‫السودان في العصر الحجري القديم‪:‬‬ ‫تتفق األبحاث األثرية التي تمت في أنحاء مختلفة من السودان‪ ،‬على أن اقدم‬ ‫حضارات السودان الحجرية‪ ،‬كونها أناس من العنصر الزنجي‪ ،‬من نوع يختلف عن‬ ‫النوع الحالي‪.‬‬ ‫كل ما أمكن جمعه من مجموع الحفريات عبارة عن أنواع من اآلالت الحجرية‬ ‫المختلفة‪ ،‬جمعت من المنطقة ما بين الشالل السادس وحتى الحدود المصرية شماالً‪.‬‬ ‫وكان أوضح تلك المخلفات الحجرية ذلك السالح المعروف بالفأس اليدوية‪ ،‬وهي‬ ‫عبارة عن قطعة بيضاوية من حجر الصوان مدببة من الطرف األسفل ومسنونة وذات‬ ‫حد قاطع‪ ،‬وكانت تمسك في قبضة اليد من جانبها البيضاوي‪.‬وقد جهزها اإلنسان‬ ‫واستعملها في الصيد والقتال وقطع األشجار‪.‬‬ ‫وهناك موقعان هامان للعصر الحجري القديم في السودان هما خور أبي عنجة بأم‬ ‫درمان ومنطقة سنجة على النيل األزرق حيث وجدت رأس آدمية تعرف بإنسان سنجة‪.‬‬ ‫كما وجدت كميات قليلة من اآلالت الحجرية ترجع إلى هذا العصر في خور أبي عنجة ‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫شكل رقم‪ 1/1 :‬مناطق العصر الحجري القديم بالسودان‬ ‫‪12‬‬  ‫السودان في العصر الحجري الوسيط‪:‬‬ ‫وجدت آثار هذا العصر في المكان الواقع شمال محطة السكة حديد بالخرطوم‪.‬‬ ‫ويذكر أن اإلنسان القديم كان منتشراً في تلك المنطقة‪ ،‬وكانوا يستعملون الحراب في‬ ‫الصيد بنوعيه البري والبحري‪.‬كما استعملوا السنارة والعصا والسهام واألقواس‬ ‫والهراوات المختلفة من الحجارة‪.‬كل هذا يدلنا على انتشار الحيوانات المفترسة حول‬ ‫النيل الأزرق والنيل األبيض في ذلك العصر‪.‬ولم يعرفوا الزراعة أو المعادن بل‬ ‫عرفوا صناعة الفخار‪.‬وكانوا يموجون فخارهم بسلسلة سمك القرقور وتعرف بصناعة‬ ‫الفخار المموجة‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 2/1 :‬الفخار المموج (الخرطوم القديمة)‬ ‫السودان في العصر الحجري الحديث‪:‬‬ ‫عثر على آثار هذا العصر في السودان في قرية الشهيناب الحالية‪ ،‬التي تقع على‬ ‫الضفة الغربية من النيل‪ ،‬على بعد ‪ 48‬كم تقريبا ً شمال أم درمان‪.‬و لقد صنع أهلها من‬ ‫الفخار أدوات جميلة والمعة ومصقولة‪ ،‬ورسموا عليها بعض األشكال الزخرفية من‬ ‫مثلثات وخطوط متساوية وغيرها‪.‬واشتهرت الشهيناب بصناعة الخرز والعاج‪ ،‬كما‬ ‫اشتهرت بأنها من أقدم الحضارات في صناعة الفخار‪ ،‬ولم تشبهها إال حضارة الفيوم‬ ‫في مصر في تلك الصناعة الجيدة المتقنة في ذلك الزمن‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫شكل رقم‪ 3/1 :‬فخار من الشهيناب‬ ‫‪14‬‬  ‫الدرس الثالث‬ ‫السودان في عصر المجموعات الحضارية‬ ‫قام بعض علماء اآلثار بحفريات واسعة في المنطقة التي كان منتظراً أن تغمرها‬ ‫مياه خزان أسوان‪.‬والذي بدأت تعليته سنة ‪1907‬م‪.‬وكانت نتائج تلك الحفريات الكشف‬ ‫عن حضارات مختلفة لمجموعة من الناس عاشوا في منطقة النوبة‪.‬مما جعل األثريين‬ ‫يطلقون عليها أسماء رمزية (المجموعة أ )‪( ،‬المجموعة ب)‪( ،‬المجموعة ج) وهكذا‪.‬‬ ‫والسبب في ذلك يرجع إلى أن كل ما وجد في تلك األماكن ال يتعدى مقابر لمجموعات‬ ‫متباينة من البشر كانت تعيش هناك دون أن تعرف لهم أسماء بعينها‪.‬‬ ‫ونحن اآلن عزيزي الطالب بصدد الحديث عن كل مجموعة من هذه المجموعات‬ ‫في شئ من التفصيل ‪.‬‬ ‫حضارة المجموعة (أ)‪:‬‬ ‫توافق بداية هذه الحضارة عصر توحيد مصر السفلى والعليا وعصر بداية‬ ‫األسرات في مصر‪.‬انتشرت حضارة المجموعة (أ) في النوبة السفلى‪.‬وقد وجدت‬ ‫مخلفات هذه المجموعة في فرس (شمالي حلفا)‪ ،‬وجمى (جنوبي حلفا)‪.‬‬ ‫تميزت هذه المجموعة الحضارية باآلتي ‪:‬‬ ‫‪1‬ــ ظهور المؤثرات المصرية من جنوب مصر‪ :‬من وجود للبضائع المصرية‪ ،‬ومن‬ ‫تشابه في الفخار‪ ،‬وبعض عادت الدفن بإتباعهم نفس طريقة المصريين حيث جعلوا‬ ‫قبورهم تتخذ شكالً بيضاويا ً ومستطيالً توضع فيه الجثة بشكل منحنى‪ ،‬وتوضع مع‬ ‫الجثة مجموعة من األواني الفخارية‪ ،‬وأحيانا ً لوحة من الحجر أو سكاكين حجرية‬ ‫باعتبار أن هناك حياة بعد الموت يحتاج فيها الميت إلى هذه األشياء‪.‬‬ ‫‪2‬ــ األدوات النحاسية التي عثر عليها في مقابر تلك المجموعة في فرس‪ ،‬قد تكون أقدم‬ ‫‪15‬‬  ‫ما ظهر من أدوات معدنية في السودان القديم حتى اآلن‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 4/1 :‬من آثار المجموعة (أ)‬ ‫‪3‬ــ استعمال الغالل بصورة واضحة‪.‬وهذه الغالل ربما زرعت في السودان أو جاءت‬ ‫عن طريق التجارة‪.‬‬ ‫‪4‬ــ شهدت هذه الفترة انتعاشا ً اقتصاديا ً ملموساً‪ ،‬انعكس في حجم الجبانات (المقابر)‬ ‫والبضائع المستوردة‪ ،‬ونوعية بعض األبنية‪.‬‬ ‫ويذكر بعض المؤرخين أن ملوك مصر القديمة كانوا يهتمون بمنطقة النوبة السفلى‪،‬‬ ‫وظهر ذلك في نشاطهم التجاري والتعديني‪ ،‬واعتدائهم على المنطقة‪ ،‬مما أضعف‬ ‫المجموعة (أ) وجعلها تذوب في مجموعة أخرى تحمل المزيد من الدماء الزنجية وهي‬ ‫المجموعة (ب)‪.‬‬ ‫‪16‬‬  ‫حضارة المجموعة (ب)‪:‬‬ ‫عاصرت هذه المجموعة الدولة المصرية القديمة ( األسرة ‪3‬ـــ ‪ , ) 6‬وقد لوحظ‬ ‫اختفاء األثر المصري في هذه المجموعة ‪ ,‬وخاصة األواني الفخارية القديمة المصقولة‬ ‫‪.‬كما نالحظ اآلتي ‪:‬‬ ‫‪1‬ــ أن طريقة الدفن عند المجموعة (ب) كانت تختلف عن تلك التي أتبعت عند المجموعة‬ ‫(أ)‪ ،‬ولعل هذه يوضح ضعف مظاهر االحتكاك الحضاري بين النوبة ومصر‪.‬‬ ‫‪2‬ــ أن الدولة المصرية القديمة كان انتشارها كبيراً في جهات النوبة السفلى‪ ،‬إذ نجد‬ ‫نقوشا ً لمعظم ملوك األسرات ( الرابعة والخامسة والسادسة ) مثل خوفو وخفرع وبين‬ ‫الثاني ‪.‬على أن هؤالء جميعا ً لم يتعدوا الشالل األول وجنوبه قليالً في توسعهم الرسمي‪،‬‬ ‫رغم أثرهم قد امتد حتى الشالل الثاني‪.‬‬ ‫‪.3‬ظهر لنا وألول مرة في أواخر الدولة المصرية القديمة ما يسمى (حاكم الجنوب)‪،‬‬ ‫فقد ازدادت مهمة هؤالء الحكام في الجنوب‪ ،‬والذين استعملهم الملوك لحفظ سلطة‬ ‫البالد‪.‬‬ ‫‪.4‬الدليل على أن المصريين لم يقصدوا التوسع من أجل التوسع أنهم لم يتركوا لنا وال‬ ‫حامية واحدة‪ ،‬ولم يقيموا حصنا ً واحداً في منطقة النوبة‪ ،‬بالرغم من الحمالت العديدة‬ ‫التي شنوها على هذه الجهات‪.‬‬ ‫حضارة المجموعة (ج)‪:‬‬ ‫تنتشر مواقعها في النوبة السفلى بين الشالل األول والشالل الثاني‪ ،‬ويؤرخ لها‬ ‫بالفترة الزمنية الواقعة بين نهايات األسرة السادسة المصرية وبداية األسرة الثامنة‬ ‫عشرة (‪2200‬ـــ ‪1450‬ق‪.‬م)‪.‬وقدعاش إنسان هذه المجموعة مستقرا‪ ً،‬ويمتلك أعداد‬ ‫كبيرة من األغنام والماشية ‪.‬‬ ‫‪17‬‬ ‫وقد الحظ علماء اآلثار كثيراً من أوجه الشبه بين حضارة المجموعة (ج) في‬ ‫مرحلتها الباكرة وبين حضارة المجموعة (أ)‪ ،‬من ذلك مثالً الفخار ذو الحافة السوداء‪،‬‬ ‫وشكل القبر وطريقة وضع الجثة‪.‬وتميزت حضارة (ج) بوجود بناء من الحجر دائرى‬ ‫الشكل فوق القبر‪ ،‬وبتطور في شكل القبر‪ ،‬مثل بناء غرفة من الطوب األخضر مكان‬ ‫الحفرة‪ ،‬وفي مرحلة تالية أضيفت مقصورة صغيرة من الطوب كذلك من الناحية‬ ‫الشرقية للقبر‪.‬‬ ‫تعرضت أرض المجموعة (ج) لالحتالل المصري في زمن األسرتين الثانية عشرة‬ ‫والثالثة عشر المصريتين‪.‬وقد بنى الملوك المصريون سلسلة من القالع الضخمة في‬ ‫المنطقة الممتدة من جنوب أسوان حتى سمنة‪ ،‬ولكن لم يتأثر أهل المجموعة (ج) سلبيا ً‬ ‫بهذا االحتالل ‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 5/1 :‬أدوات من العصور الحجرية في السودان‬ ‫‪18‬‬  ‫الدرس الرابع‬ ‫حضارة كرمة‬ ‫وجدت هذه الحضارة إلى الجنوب من منطقة المجموعة الحضارية (ج)‪ ،‬ونسبت إلى‬ ‫اسم موقعها عند مدينة (كرمة البلد) الحالية التي تقع شمال مدينة دنقال العرضي‪ ،‬وإلى‬ ‫الجنوب من مدينة (كرمة النزل) (جنوب الشالل الثالث) ‪.‬وامتدت من جزيرة صاي‬ ‫في الشمال وحتى جبل البركل‪.‬وقد استمرت حضارة كرمة في الفترة من (‪2500‬ــ‬ ‫‪1500‬ق‪.‬م)‪.‬وكان لها نظام إداري قوي تحت إمرة حكام سودانيين‪.‬وقد عاصرت هذه‬ ‫الحضارة الهكسوس الذين غزوا مصر السفلى عقب نهاية المملكة المصرية الوسطى‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 6/1 :‬موقع الدفوفة‬ ‫منجزات حضارة كرمة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عظيمة تمثلت في اآلتي ‪:‬‬ ‫خلفت حضارة كرمة آثاراً‬ ‫(‪ )1‬الدفوفة الغربية‪:‬‬ ‫وهي مبنى ضخم من الطين اللبن تبلغ أبعاده الحالية حوالي عشرين إلى خمسة‬ ‫وعشرين متر طوال‪ ً،‬وعرضه من ست وعشرين إلى سبع وعشرين مترا‪ ً،‬ويبلغ‬ ‫‪19‬‬ ‫ارتفاعه عشرين متراً‪ ،‬وال يوجد للدفوفة مثيل في كل وادي النيل‪ ،‬وقد كانت أصالً‬ ‫معبداً دينياً‪ ،‬كما يشمل مساكن الشعب‪ ،‬وقصور الحكام‪ ،‬والمباني اإلدارية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الدفوفة الشرقية‪:‬‬ ‫هي مبنى ضخم أيضا ً من الطوب اللبن‪ ،‬تقع على بعد حوالي ‪ 4‬كلم إلى الشرق من‬ ‫الدفوفة الغربية (أي مدينة كرمة القديمة)‪.‬وهي عبارة عن معبد جنائزي في الجزء‬ ‫الجنوبي من الجبانة الرئيسة لمملكة كرمة‪ ،‬ومدافن حكام وسكان فترات حضارة كرمة‬ ‫المتعاقبة‪.‬‬ ‫مميزات حضارة كرمة ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬وضع الميت على سرير (عنقريب) من الخشب‪.‬‬ ‫(‪ )2‬عادة التضحية بدفن الحيوانات األليفة مع صاحب القبر‪.‬‬ ‫(‪ )3‬صناعة أدوات من الفخار‪ ( :‬أطباق‪ ،‬أواني‪ ،‬جرار‪ ،‬حراب) ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬صناعة معدات من الخشب‪( :‬عناقريب‪ ،‬مناجل‪ ،‬مخارز)‪ ،‬وقطع أخرى مصنعة‬ ‫للصيد وحصاد الحبوب‪ ،‬وتماثيل صغيرة‪.‬‬ ‫(‪ )5‬عثر على أفران لصهر الحديد وصناعة الحلى ( عقود‪ ،‬أساور‪ ،‬أقراط خرز‪ ،‬من‬ ‫الفضة والذهب )‪.‬‬ ‫‪20‬‬  ‫شكل رقم‪ 7/1 :‬فخار كرمة‬ ‫نهاية كرمة ‪:‬‬ ‫عجل التدخل المصري في السودان في زمن األسرة الثامنة عشر بنهاية مملكة كرمة‬ ‫فوقعت بالد النوبة بين الشالل األول والشالل الرابع تحت االحتالل المصري‪.‬‬ ‫‪21‬‬  ‫الدرس الخامس‬ ‫مملكتا كوش‬ ‫من األسماء التي سمي بها شعب النوبة في شمال السودان اسم الكوشيين (نسبة‬ ‫إلى كوش بن حام بن نوح)‪.‬وبعد انهيار حضارة كرمة أقام الكوشيون دولة عظيمة‪،‬‬ ‫امتدت حدودها من الشالل األول إلى الشالل السادس‪ ،‬واتخذت من مدينة نبتة (مروي‬ ‫الحالية) عاصمة لها‪.‬‬ ‫أوالً ‪ :‬مملكة نبتة‬ ‫نشأة نبتة وتطورها‬ ‫أوالً ‪ :‬عالقة بالد النوبة باإلمبراطورية المصرية‪:‬‬ ‫أصبح السودان جز ًء من األراضى المصرية على عهد الدولة المصرية الحديثة‪،‬‬ ‫وقد قاوم األمراء السودانيون الغزو المصري‪ ،‬في شكل ثورات عديدة كان آخرها الثورة‬ ‫التي أخمدها تحتمس الثاني‪ ،‬وباتت األرض السودانية بعد ذلك جزءاً من األرضي‬ ‫المصرية‪.‬ثم أخذت الدولة المصرية الحديثة تسترضي شيوخ القبائل وحكام األقاليم‪،‬‬ ‫وتأخذ أبناءهم ليربوا في بالط الفرعون بمصر ثم بعد ذلك يرسلونهم إلى مناطقهم‬ ‫ليحكموها باسم الفرعون‪.‬وتحول السودانيون عن أديانهم فعبدوا اآللهة المصرية‪ ،‬في‬ ‫معابد صممها معماريو طيبة‪ ،‬وأرسى قواعدها بناؤون من مصر والسودان‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬نشأة نبتة‪:‬‬ ‫ظهرت نبتة إلى الوجود في القرن الثامن قبل الميالد‪ ،‬وتقع أراضي نبتة بالقرب‬ ‫من الشالل الرابع‪ ،‬وقد كانت حصنا ً من حصون الحدود المصرية أيام أمنحتب الثاني‪،‬‬ ‫بينما كانت قبل ذلك محطة تجارية هامة على الطريق الذي يصل مصر بالسودان‪.‬‬ ‫قامت عالقة حميمة بين حكام نبتة وبين رجال الدين المصريين‪ ،‬الذين نجحوا‬ ‫‪22‬‬ ‫في إقناع النبتيين بتبني عبادة آمون‪ ،‬وجعلها الدين الرسمي للمملكة إذ شيد ملوك نبتة‬ ‫معابدهم على النمط المصري‪ ،‬وزينوها كما كان الحال في معابد طيبة‪.‬‬ ‫وقد ظل تاريخ مملكة نبتة غامضا ً حتى تم اكتشاف ست مدافن ملكية‪ ،‬ثالثة منها‬ ‫في المنطقة المحيطة بمدينة نبتة بالقرب من مروي الحالية‪ ،‬أما الثالثة األخرى فقد تم‬ ‫كشفها في المنطقة المحيطة بمروي القديمة (بالقرب من كبوشية)‪.‬‬ ‫كانت المدافن التي كشف عنها النقاب في منطقة نبتة عبارة عن مدافن في كل من‬ ‫نوري والكرو‪ ،‬ومجموعتان من االهرامات بالقرب من البركل‪.‬وفي الكرو تم اكتشاف‬ ‫أربع مدافن لفراعنة األسرة الخامسة والعشرين‪ ،‬وهم‪ :‬بعنخي وشبكا وشبتاكا وتاتون‬ ‫آمون الذين حكموا مصر وكوش‪.‬وكان يطلق اسم مملكة كوش على مملكة نبتة ثم‬ ‫مروي‪.‬كما تم الكشف عن مقبرة أول ملوك األسرة الخامسة والعشرين كاشتا الذي‬ ‫قام بغزو مصر وفرض نفوذه على مصر العليا‪.‬ومن الكرو كان ملوك نبتة يحكمون‬ ‫مملكتهم‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 8/1 :‬المقابر الملكية في الكرو‬ ‫‪23‬‬  ‫الدرس السادس‬ ‫أهم ملوك نبتة (أ)‬ ‫الملك كاشتا (‪760‬ـــ ‪751‬ق‪.‬م)‪:‬‬ ‫لما ضعفت مصر واستولى عليها الليبيون‪ ،‬استقل أحد نواب الملك وأعلن نفسه‬ ‫حاكما ً على السودان ذلك القائد هو كاشتا‪.‬وأصبح له خطر عظيم في القرن الثامن قبل‬ ‫الميالد‪.‬‬ ‫أعد كاشتا جيشا ً قويا ً وتقدم به وغزا مصر حتى وصل إلى طيبة في األقصر‪.‬‬ ‫وحكم هذا الجزء من مصر مع السودان‪.‬وفي طيبة أجبر الكاهنة لتتبنى ابنته‪ ،‬وتربيها‬ ‫لتصير ابنة اإلله المعبود‪.‬قبلت الكاهنة ذلك وصارت ابنة كاشتا هي اإللهة المعبودة‪.‬‬ ‫ترك كاشتا ابنته في طيبة بمصر وعاد لمملكته في نبتة قرب كريمة بمنطقة مروي‬ ‫وصارت له مكانة عظيمة كما صارت البنته مكانة دينية يحترمها الناس ويقدرونها‪.‬‬ ‫توفي كاشتا سنة (‪751‬ق‪.‬م )‪.‬‬ ‫الملك بعانخي (‪751‬ــ ٌ‪ 716‬ق‪.‬م)‪:‬‬ ‫تولى بعانخي الحكم بعد وفاة والده كاشتا‪ ،‬وكان له أربع زوجات‪.‬وصارت بنت‬ ‫بعانخي ابنة اآلله‪.‬‬ ‫مكث بعانخي مدة من الزمن في نبتة‪ ،‬ووصله خبر بأن الحاكم تفنخت في مصر‬ ‫قد ثار على حكم نبتة‪ ،‬واستولى على الدلتا في شمال مصر وزحف للجنوب‪.‬وقد تبعه‬ ‫حكام مصريون وأصبحوا تحت قيادته‪.‬وفي هذه الظروف تحرك بعانخي وكتب للحكام‬ ‫التابعين له في مصر ليحاربوا تفنخت‪.‬‬ ‫زحف بعانخي على مصر سنة ‪721‬م‪ ،‬واستولى على الصعيد حتى مدينة (أهناسة)‬ ‫وكانت سلطة الملك الليبي (أوسركون الثالث) تكاد تكون اسمية إذ أن أمراء الوجه‬ ‫‪24‬‬ ‫البحري قد تقسموا البالد‪ ،‬وكان أقواهم األمير ( تفنخت ) أمير(صا الحجر) الذي هزم‬ ‫سائر األمراء‪ ،‬ونصب نفسه ملكا ً على الدلتا‪ ،‬وأخذ يتأهب للزحف جنوباً‪.‬‬ ‫سار بعانخي بجيوشه البرية والبحرية من طيبة نحو الشمال‪ ،‬ففتح االشمونين‪،‬‬ ‫وممفيس‪.‬فوفد إليه كل أمراء الوجه البحري يقدمون فروض الطاعة‪.‬ثم تقدم إلى‬ ‫مدينة (عين شمس) حيث قدم عليه (أوسركون الثالث) وابدى له الخضوع والطاعة‪.‬‬ ‫وظل (تفنخت) يقاوم ولكن دون جدوى‪ ،‬فلما يئس حضر إلى بعانخي وطلب منه العفو‬ ‫واألمان‪ ،‬وقدم إليه كثيراً من الهدايا فقبلها بعانخي‪ ،‬وبذلك تم لبعانخي فتح مصر كلها‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 9/1 :‬ملوك النوبة األسرة (‪)٢٥‬‬ ‫عاد بعانخي إلى نبتة فنشب النزاع بين أمراء الدلتا من جديد‪ ،‬وحاول (أوسركون‬ ‫الثالث) استرجاع سلطة األسرة الثالثة والعشرين‪ ،‬إال أن (بوكوريس بن تفنخت) أمير‬ ‫(صا الحجر) غلبه‪ ،‬وأسس االسرة الرابعة والعشرين في الوجة البحري وحده‪.‬وبقي‬ ‫الصعيد تحت سلطان بعنخي الذي توفي سنة ‪716‬ق‪.‬م ‪.‬‬ ‫‪25‬‬  ‫الملك شبكا (‪716‬ــ ‪701‬ق‪.‬م )‪:‬‬ ‫جاء شبكا لحكم نبتة بعد وفاة أخيه بعانخي‪ ،‬زحف شبكا بجيشه إلى الوجه البحري‬ ‫وفتحه‪ ،‬وأسس األسرة الخامسة والعشرين‪.‬وكانت دولة آشور‪ ،‬وهي دولة حربية قامت‬ ‫في شمال العراق‪ ،‬تهدد مصر‪ ،‬فقد استولت على كل الدول المجاورة لها بما فيها سوريا‬ ‫وفلسطين‪.‬فأخذ الملك شبكا يؤلب أهل هذين البلدين على سلطة آشور‪ ،‬ويعدهم باإلعانة‬ ‫عليها‪ ،‬فاستجابوا له‪ ،‬ووثقوا بوعده‪.‬إال أن الملك اآلشوري سرجون الثاني (‪722‬ــ‬ ‫‪705‬ق‪.‬م) انتصر عليهم وأخمد تمردهم‪.‬‬ ‫وبعد موت سرجون الثاني وجد ابنه سنخريب أن بابل قد دخلت في حلف مع سوريا‬ ‫وفينيقيا وفلسطين ومصر ضد سلطة آشور ‪ ,‬فزحف عليها وأخضع كل المدن التي مر‬ ‫عليها حتى التقى بالجيش المتحالف وهزمه وحاصر بعد ذلك بيت المقدس ‪.‬وفي أثناء‬ ‫ذلك انتشر بين جنوده مرض وبائي أودى بحياة أعداد كبيرة منهم‪ ،‬كما أنه وصلته أنباء‬ ‫فتنة نشبت في بابل و فلم يجد بداً من فك الحصار والعودة إلى عاصمته نينوى ‪.‬‬ ‫‪26‬‬  ‫الدرس السابع‬ ‫أهم ملوك نبتة (ب)‬ ‫الملك شبتاكا (‪701‬ــ ‪690‬ق‪.‬م)‪:‬‬ ‫كان شبتاكا وصيا ً على العرش في أواخر فترة حكم شبكا‪ ،‬وما أن اعتلى العرش‬ ‫حتى اختار من بين أخوته تهارقا‪ ،‬ليساعده في إدارة المملكة‪ ،‬وليخلفه على العرش‪.‬‬ ‫ألن تهارقا محارب شجاع‪ ،‬ولم يستمر شبتاكا في الحكم مدة طويلة فخلفه أخوه تهارقا‪.‬‬ ‫الملك تهارقا (‪690‬ــ ‪664‬ق‪.‬م) ‪:‬‬ ‫الراجح أن األسرة الخامسة والعشرين اتخذت مدينة تانيس في شرق الدلتا عاصمة‬ ‫لها‪ ،‬مما يدل على ترقبهم زحف الملك اآلشوري (سنخريب) على مصر‪ ،‬ولكن الملك‬ ‫اآلشوري لم يظهر في عهد شبتاكا‪ ،‬وال في أوائل عهد تهارقا‪.‬ففي سنة ‪681‬ق‪.‬م تآمر‬ ‫على (سنخريب) بنوه وقتلوه‪ ،‬فاعتلى العرش بعده ابنه (اسرحدون) الذي عزم على فتح‬ ‫مصر‪ ،‬ليضع حداً لتدخلها في شئون مستعمراته خاصة في سوريا وفلسطين‪ ،‬فقاد جيشا ً‬ ‫جراراً إلى مصر والتقى بجيش تهارقا‪ ،‬إال أن تهارقا انتصر عليه وصده‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 10/1 :‬تمثال تهارقا‬ ‫‪27‬‬ ‫عاد أسرحدون إلى بالده وأخذ يستعد للثأر خفية‪ ،‬ثم قاد جيشه إلى مصر واتخذ‬ ‫إليها طريق الصحراء‪ ،‬حتى يخفي أخباره على تهارقا‪ ،‬ولما التقى الجمعان لم يكن‬ ‫تهارقا مستعداً للحرب‪ ،‬فانهزم وتراجع إلى ممفيس فالحقه أسرحدون إليها واستولى‬ ‫عليها‪.‬وأتاه أمراء الوجه البحري‪ ،‬وقدموا إليه قسم الوالء فأقرهم على اماراتهم‪ ،‬وكانوا‬ ‫عشرين أميراً على رأسهم األمير نخاو بن تفنخت أمير( صا الحجر)‪.‬‬ ‫لم يجد تهارقا بداً من التراجع إلى طيبة‪ ،‬وبعد عودة أسرحدون إلى بالده رحبت‬ ‫مصر بتهارقا مرة ثانية‪.‬ولما تولى حكم آشور القائد (آشور بانيبال) تمكن من ضم‬ ‫مصر لدولة آشور‪.‬ورجع تهارقا إلى عاصمة أجداده في نبتة‪.‬وبقي فيها حتى توفى‬ ‫سنة ‪664‬ق‪.‬م ‪.‬ودفن بنوري قرب مروي في أكبر االهرامات السودانية ‪.‬أما الملك‬ ‫اآلشوري فرجع إألى بالده بعد حكم األمراء المصريين على أن يكونوا تابعين له‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 11/1 :‬هرم تهارقا في نوري‬ ‫الملك تانوت امون ‪:‬‬ ‫حكم تهارقا خمسا ً وعشرين سنة‪ ،‬ثم أشرك معه في الحكم تانوت امون بن الملك‬ ‫شبتاكا‪ ،‬ورجع إلى نبتة فبقي بها حتى مات‪.‬ولما علم تانون امون بموت تهارقا رجع‬ ‫‪28‬‬ ‫إلى نبتة واحتفل باعتالئه العرش فيها ثم ذهب إلى مصر مرة ثانية‪ ،‬حتى وصل إلى‬ ‫ممفيس‪ ،‬حيث قابله الجيش اآلشوري‪ ،‬فهزم تانوت امون اآلشوريين واستولى على‬ ‫المدينة‪ ،‬ولكن أمراء الوجه البحري رفضوا أن يسلموا له‪ ،‬خوفا ً من آشور‪ ،‬وأرسلوا‬ ‫الخبر إلى ملك آشور الذي أرسل جيشا ً إلى مصر سنة ‪663‬ق‪.‬م‪ ،‬وطرد الكوشيين من‬ ‫الوجه البحري‪ ،‬فانسحب تانوت امون إلى طيبة‪ ،‬كما فعل تهارقا من قبل‪ ،‬فلحق به‬ ‫اآلشوريون‪ ،‬فتراجع إلى نبتة وبذلك انتهى حكم األسرة الخامسة والعشرين النوبية في‬ ‫مصر‪ ،‬وقد دام نحو ثمانين سنة‪.‬‬ ‫أهم أعمال األسرة الخامسة والعشرين‪:‬‬ ‫لم تترك الحرب مع آشور لملوك األسرة الخامسة والعشرين وقتا ً كافيا ً للقيام‬ ‫بأعمال السلم كالعمارة والفن‪ ،‬إال أن الملك بعانخي قد خلف نصبا ً من الجرانيت نقش‬ ‫عليه أخبار حروبه بالتفصيل‪ ،‬كما شيد بعض المباني الدينية بطيبة ونقش رسوما ً تمثل‬ ‫أسطوله على النيل وانتصاره على أعدائه‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 12/1 :‬نصب بعنخي‬ ‫‪29‬‬ ‫وقام الملك شبكا باصالح بعض النقوش الدينية القديمة‪ ،‬والتي تعد اليوم من أهم‬ ‫اآلثار القديمة كما شيد معبداً بالكرنك‪ ،‬جلب إليه الحجارة من وادي الحمامات‪ ،‬كما قام‬ ‫باصالح المعابد في طيبة‪.‬‬ ‫أما تهارقا فقد كان يحب الفن‪ ،‬ويسعى إلى التعمير رغم الحروب ‪.‬وقد استطاع أن‬ ‫يبني الكثير في أرض مصر والسودان‪ ،‬ومازالت المباني التي أرساها قائمة في الكرنك‬ ‫ومدينة هابووتانيس وأرقو وبوهين وسمنة والكوة والبركل ونوري وصنم وأبودوم‪.‬‬ ‫وأقام تهارقا عدة معابد بكل من تانيس وممفيس وطيبة‪.‬كما بنى معبداً لالله آمون‬ ‫بجبل البركل‪ ،‬وهو منحوت في الصخور‪ ،‬وال تزال نقوشه واضحة‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 13/1 :‬معبد تهارقا بجبل البركل‬ ‫‪30‬‬  ‫الدرس الثامن‬ ‫ثانيا َ ‪ :‬مملكة مروي (‪591‬ــ ‪330‬ق‪.‬م)‬ ‫حضارة مروي (أ)‬ ‫يعتقد بعض علماء اآلثار أن مروي كانت مدينة كبيرة على عهد الملك بعانخي‬ ‫وأنها قد طاولت نبتة أبهة وعظمة في عهد تهارقا‪.‬‬ ‫تقع مدينة مروي القديمة على الشاطئ الشرقي للنيل‪ ،‬بين الشاللين الخامس‬ ‫والسادس (شالل السبلوقة الحالي)‪ ،‬وهي تقع على بعد أربعة أميال شمال محطة كبوشية‬ ‫شمال شندي‪.‬وأهم القرى التي تقوم اليوم في مكانها (مكان مروي القديمة) هي قرية‬ ‫البجراوية‪.‬يمتاز هذا الموقع بكثرة األمطار‪ ،‬ومجاري الوديان‪.‬ويمتاز ببعده عن‬ ‫مصر‪.‬وكان موقع مروي هاما ً ألنها تقع على النيل حيث كانت السفن ترسو للتجارة‬ ‫عن طريق النهر‪.‬وكانت الطرق تصل مروي من أرض البطانة وتستمر إلى البحر‬ ‫األحمر‪ ،‬وبالد الحبشة وبالد العرب‪.‬وكانت الحيوانات تجد في هذه المنطقة المرعى‬ ‫الخصيب والماء الغزير واألراضى الزراعية‪.‬وكان يكثر فيها الخشب‪ ،‬وتوجد كميات‬ ‫من الحديد والنحاس والذهب‪.‬‬ ‫أسباب انتقال العاصمة من نبتة إلى مروي‪:‬‬ ‫كان ملوك كوش يحكمون من نبتة في السودان‪ ،‬ومن طيبة أو تانيس في مصر‪ ،‬أما‬ ‫بعد أن تم اجالئهم من مصر‪ ،‬وأخذ حكام مصر يرسلون الحمالت العسكرية إلى بالد‬ ‫السودان‪ ،‬وكانت نبتة قريبة من الحدود المصرية‪ ،‬وليس بها أراضي زراعية واسعة‪ ،‬أو‬ ‫خيرات صناعية كافية‪.‬رحل الملوك من نبتة إلى مروي ذات العائد الزراعي والصناعي‬ ‫والتجاري‪.‬ففي مروي خام الحديد‪ ،‬وفيها الغابات واألخشاب‪.‬وأهلها يستطيعون عن طريق‬ ‫النيل أن يتاجروا مع مصر في أوقات السلم‪ ،‬ومع البحر األحمر عن طريق البطانة‪ ،‬حيث‬ ‫كانت تجارتهم تذهب إلى شبه جزيرة العرب والحبشة لتلتقي هناك بالتجارة الرومانية‪.‬‬ ‫‪31‬‬  ‫االنتقال إلى مروي‪:‬‬ ‫اختلف العلماء في تاريخ انتقال العاصمة من نبتة إلى مروي (البجراوية) والراجح‬ ‫أن االنتقال إلى مروي تم في حوالي سنة ‪591‬ق‪.‬م حين سير بسماتيك الثاني حملته‬ ‫إلى نبتة وخربها‪.‬وقد وجدت كتابات عن تلك الحملة في معبد أبي سمبل‪ ،‬تقول بأن‬ ‫الحملة قد وصلت إلى (بنمبس) وأنهم هزموا الكوشيين في (تادهني)‪ ،‬واستولت الحملة‬ ‫على أرض (صاي) ثم ابحروا جنوبا ً حتى كركس (كرقس)‪.‬ثم اتقى بسماتيك الثاني‬ ‫شر الكوشيين بأن جعل بينه وبينهم حامية في الشالل الثاني‪ ،‬تركت آثارها في معبد‬ ‫بوهين والمنطقة التي تجاورها‪.‬هذا باإلضافة إلى وجود تماثيل مهشمة لتهارقا وبعض‬ ‫أحفاده في منطقة البركل ‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 15/1 :‬موقع مروي‬ ‫‪32‬‬  ‫الدرس التاسع‬ ‫حضارة مروي (ب)‬ ‫اللغة المروية‪:‬‬ ‫ازدهرت اللغة المروية القديمة‪ ،‬بعد أن ضعفت اللغة الهيروغليفية المصرية‪ ،‬بسبب‬ ‫انقطاع العالقات مع مصر ولبعد مروي عن تأثير الحضارة المصرية‪.‬وتعتبر اللغة‬ ‫المروية أول لغة سودانية مكتوبة‪.‬وأقدم‬ ‫لوحة مكتوبة باللغة المروية يرجع‬ ‫تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميالد‪،‬‬ ‫وذلك عندما بدأت اللغة الهيروغليفية‬ ‫المصرية في التقلص والزوال في بالد‬ ‫النوبة‪.‬ويعزى الفضل لكتابة اللغة‬ ‫المروية وازدهارها إلى بعد مملكة‬ ‫مروي عن الحدود المصرية ‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 16/1 :‬الكتابة المروية‬ ‫وقد وجدت نماذج لهذه الكتابة في‬ ‫المدن التي تقع على النيل من الشالل األول في مصر شماالً‪ ،‬وحتى سنار جنوباً‪.‬‬ ‫وامتدت هذه النقوش حتى شملت مناطق البطانة مثل (أم أسود) التي تقع على بعد مائة‬ ‫ميل شرق النيل‪.‬ولم يعثر على أية لوحة شرق (أم أسود) مما يدل على أن اللغة المروية‬ ‫كانت لغة نيلية‪ ،‬يتحدثها ويكتبها سكان النيل من جنوب اسوان حتى جنوب الخرطوم‪.‬‬ ‫األمر الذي جعل بعض العلماء ‪.‬يعتقدون أنها أساس اللغة النوبية‪ ،‬وتتكون اللغة من‬ ‫ثالثة وعشرين حرفا‪.‬وتتميز على الكتابة المصرية بأن الكتابة المروية كانت كتابة‬ ‫رمزية‪ ،‬ولم تكن صورية كالمصرية‪.‬‬ ‫‪33‬‬  ‫الفخار المروي‪:‬‬ ‫كان الفخار المروي امتداداً لفخار المجموعة (ج)‪ ،‬وتأثر بعد ذلك بحضارة كرمة‬ ‫في العصر النبتي‪.‬نشطت صناعة الفخار في العصر المروي وقد تأثرت أيضا ً بالفخار‬ ‫الروماني‪ ،‬لذلك جاءت أشكاله ورسوماته جميلة وانيقة حتى بذ كل فخار آخر‪ ،‬ولم يوجد‬ ‫له شبيه إال فخار كرمة في العصور السابقة‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 17/1 :‬آثار مروي‬ ‫سقوط دولة مروي‪:‬‬ ‫بدأت عوامل الضعف تظهر في مروي منذ القرن الثالث الميالدي‪ ،‬فبدأ فيها االنقسام‪،‬‬ ‫وتعرضت للغارات‪ ،‬وخاصة من البجة من الشرق‪ ،‬والنوبة في الشمال وسقطت دولة‬ ‫مروي نهائيا ً في حوالي عام ‪330‬م‪ ،‬على يد عيزانا ملك دولة اكسوم الحبشية‪.‬ولم‬ ‫يستطع ملوك مروي صد عيزانا وذلك النقطاعهم عن العالم الخارجي‪ ،‬والنعدام‬ ‫القانون‪ ،‬وتفشي الصراعات‪.‬‬ ‫‪34‬‬  ‫الدرس العاشر‬ ‫دخول المسيحية إلى السودان‬ ‫ظهور المسيحية‪:‬‬ ‫ولد سيدنا عيسى بن مريم في الناصرة بفلسطين‪ ،‬في عهد االمبرطور أغسطس‪،‬‬ ‫ونادى في الناس بتعاليم اإلنجيل التي تدعو إلى المحبة واإلخاء والمساواة والسالم‪.‬‬ ‫وانتشرت المسيحية في فلسطين وآسيا واليونان وخاف الرومان حكام فلسطين على‬ ‫مكانتهم‪.‬وبدأوا يعذبون المسيحيين أصحاب الدين الجديد‪ ،‬لكن الدين انتشر ووصل‬ ‫مصر منذ القرن األول الميالدي‪ ،‬وقام بنشره القديس مرقص اإلنجيلي‪.‬ولما استمر‬ ‫تعذيب المسيحيين في مصر‪ ،‬هاجروا إلى طيبة وأسوان في جنوب مصر ومنها جاء‬ ‫بعضهم إلى السودان‪ ،‬ومن ثم عرفت البالد الدين الجديد‪.‬‬ ‫االمبراطور جستنيان وزوجته ثيودورا (‪527‬ــ ‪565‬م)‪:‬‬ ‫وفي القرن الرابع الميالدي جعل االمبراطور الروماني قسطنطين الدين‬ ‫المسيحي دين االمبراطورية الرومانية الرسمي‪.‬ولكن في نفس الوقت حدث خالف بين‬ ‫المسيحيين أنفسهم حول طبيعة المسيح‪ ،‬هل هي إلهية أم بشرية‪.‬وتبعا ً لذلك انقسموا‬ ‫إلى مذهبين‪ :‬ملكاني و يعقوبي‪.‬وقابل القديس جوليان المسيحي امبراطورة الرومان‬ ‫ثيودورا وأخبرها برغبته على نشر الدين المسيحي في السودان‪.‬فنقلت ثيودورا هذه‬ ‫الرغبة إلى زوجها االمبراطور جستنيان‪ ،‬الذي أقر المبدأ‪ ،‬ولكنه آثر أن يتولى البعثة‬ ‫رجل آخر غير القديس جوليان اليعقوبي المذهب‪ ،‬فقام بارسال بعثة مذهبها ملكاني‪،‬‬ ‫وكتب إلى حاكم طيبة في مصر ليمدهم بالدواب‪ ،‬وخبراء الطريق إلى بالد النوبة‪.‬‬ ‫عرفت ثيودورا بأمر بعثة االمبراطورجستنيان فساءها ذلك‪ ،‬ألنها كانت تتعاطف‬ ‫مع أهل المذهب اليعقوبي‪ ،‬فأرسلت خطابا ً تأمرفيه حاكم طيبة بتأخير رجال بعثة‬ ‫االمبراطور جستنيان في طيبة‪ ،‬حتى تصل بعثتها بقيادة القديس جوليان‪.‬فنفذ حاكم‬ ‫‪35‬‬ ‫طيبة رغبة االمبراطورة ثيودورا‪ ،‬وتسبب في تأخير بعثة االمبراطور جستنيان معتذراً‬ ‫بعدم وجود الدواب وخبراء الطريق‪.‬ولما وصل القديس جوليان ورفاقه وجدوا الخبراء‬ ‫والدواب في انتظارهم فساروا نحو السودان‪ ،‬الذي فيه آنذاك ثالث ممالك هي نوباتيا‬ ‫والمقرة وعلوة‪.‬‬ ‫انتشار المسيحية‪:‬‬ ‫وصل القديس جوليان إلى فرس عاصمة نوباتيا سنة ‪543‬م‪ ،‬وقدم الهدايا لملك‬ ‫نوباتيا‪ ،‬ودخل الملك وأتباعه في الدين المسيحي‪.‬ومكث القديس جوليان في مملكة‬ ‫نوباتيا مدة عامين ثم رحل عنهم إلى مصر‪ ،‬تاركا ً فيهم من يعلمهم الدين المسيحي‪.‬‬ ‫بعد ذلك وصلت البعثة الملكانية إلى مملكة نوباتيا‪ ،‬فلم تجد لنفسها مكاناً‪ ،‬فتقدمت‬ ‫نحو دنقال العجوز عاصمة المقرة‪ ،‬فاعتنق أهلها المسيحية على المذهب الملكاني‪.‬‬ ‫وعند ما توفي القديس جوليان‪ ،‬عينت االمبراطورة ثيودورا بدالً عنه القديس‬ ‫لونجينس‪ ،‬واستطاع أن يصل إلى بالد النوبة سنة ‪569‬م‪ ،‬بعد أن اجتاز كثيراً من‬ ‫الصعاب‪.‬وقد استقر في فرس وقد استطاع هذا القديس أن يبشر بالمسيحية خمس‬ ‫سنوات‪ ،‬وتمكن من بناء كنيسة في دنقال العجوز‪ ،‬واصبحت هذه الكنيسة تابعة لكنيسة‬ ‫االسكندرية‪.‬‬ ‫وهكذا دخلت المسيحية إلى بالد النوبة الشمالية وصارت الدين الرسمي للمملكة‪،‬‬ ‫ولكن ظل عدد غير قليل من السكان في مصر وبالد النوبة وفي الصحرا الشرقية‬ ‫على وثنيتهم‪.‬وبمرور الزمن تنصر كثيرون منهم وتبعوا كنيسة االسكندرية ومذهبها‬ ‫اليعقوبي‪.‬‬ ‫لما عاد القديس لونجينس إلى فرس‪ ،‬صمم على الذهاب إلى مملكة علوة لنشر‬ ‫مذهبه‪.‬فتحرك إلى علوة في سنة ‪580‬م سالكا ً أوعر الطرق ليتجنب الطريق المؤدي‬ ‫لمملكة المقرة التي كان ملكها يناصب ملك نوباتيا العداء‪.‬أرسل ملك علوة بعثة شرف‬ ‫‪36‬‬ ‫لتقابل لونجينس على الحدود‪ ،‬فرافقته البعثة إلى القصر الملكي في سوبا‪ ،‬حيث تم‬ ‫تعميد الملك واألمراء والنبالء وغيرهم من عامة الشعب‪.‬وهكذا أصبحت في السودان‬ ‫ثالث ممالك مسيحية هي‪:‬‬ ‫‪1‬ــ مملكة نوباتيا وعاصمتها فرس وتمتد من الشالل األول حتى الشالل الثالث‪.‬‬ ‫‪2‬ــ مملكة المغرة وعاصمتها دنقال العجوز وتمتد من الشالل الثالث حتى كبوشية‪.‬‬ ‫‪3‬ــ مملكة علوة وعاصمتها سوبا وتمتد من جنوب كبوشية حتى الحدود الحبشية‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 18/1 :‬الممالك المسيحية في السودان‬ ‫‪37‬‬ ‫وقد أدى انتشار المسيحية في هذه الممالك إلى تحول كبير في مسيرتها‪ ،‬إذ عادت‬ ‫إلى قوتها بعد أن أصابها الضعف‪ ،‬وتجددت صالتها بالعالم الخارجي‪ ،‬وازدهرت‬ ‫فنونها وآدابها‪ ،‬التي تأثرت بالدين الجديد‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 19/1:‬فنون النوبة المسيحية‬ ‫‪38‬‬  ‫اختبار الوحدة‬ ‫(أ) أكمل مايأتي‪:‬‬ ‫‪1‬ــ تعرف العصور التي سبقت معرفة اإلنسان للكتابة بفترة ‪...............................‬‬ ‫‪2‬ــ في فترة العصر الحجري ‪..................‬نهضت صناعة اآلالت من األخشاب‬ ‫وقرون الحيوانات‪.‬‬ ‫‪3‬ــ هناك موقعان هامان للعصر الحجري القديم في السودان هما‪.......................‬‬ ‫‪.‬و‪....................‬‬ ‫‪4‬ــ تعرضت أرض المجموعة (ج) لالحتالل المصري في زمن األسرتين ‪.................‬‬ ‫‪.........‬و‪.............................‬‬ ‫‪5‬ــ الدفوفة ‪....................‬هي عبارة معبد جنائزي في الجزء الجنوبي من الجبانة‬ ‫الرئيسة لحضارة كرمة ‪.‬‬ ‫‪6‬ــ زحف بعانخي على مصر سنة ‪..................................................‬‬ ‫‪7‬ــ اتخذت األسرة الخامسة والعشرين مدينة ‪...................‬عاصمة لها ‪.‬‬ ‫‪8‬ــ شيد الملك ‪......................................‬معبد الكرنك ‪.‬‬ ‫‪9‬ــ في سنة ‪......................‬سقطت مملكة مروي على يد الملك عيزانا ‪.‬‬ ‫المسيحية في‬ ‫‪10‬ــ أرسلت ثيودورا ‪.....................‬و‪................‬لنشر‬ ‫السودان‪.‬‬ ‫‪39‬‬  ‫(ب) أكتب أهم األحداث التي حدثت في التواريخ التالية‪:‬‬ ‫‪751‬ق‪.‬م ‪.....................................................‬‬ ‫‪664‬ق‪.‬م ‪.....................................................‬‬ ‫‪591‬ق‪.‬م ‪.....................................................‬‬ ‫‪330‬م ‪........................................................‬‬ ‫‪543‬م ‪........................................................‬‬ ‫‪578‬م ‪........................................................‬‬ ‫(ج) ضع كلمة (صواب ) أمام العبارة الصحيحة‪ ،‬وكلمة ( خطأ ) أمام العبارة غير‬ ‫الصحيحة فيما يلي ‪:‬‬ ‫‪.1‬استفاد االنسان من الحجر في فترة العصر الحجري القديم في جميع ضرورية‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫الحياة اليومية‪.‬‬ ‫‪.2‬أهم تطور توصل إليه اإلنسان في العصر الحجري الوسيط هو اكتشاف النار‪.‬‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫‪3‬ــ اشتهرت حضارة الشهيناب بصناعة صهر الحديد‪.‬‬ ‫‪.4‬عجل التدخل المصري في السودان في زمن األسرة الثامنة عشر بنهاية مملكة‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫كرمة‪.‬‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫‪.5‬اعتنق أهل مملكة المقرة المسيحية على المذهب الملكاني‪.‬‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫‪.6‬تمتد مملكة نوباتيا من الشالل األول حتى الشالل الثاني‪.‬‬ ‫‪40‬‬  ‫(د) أكتب مقاالً في الموضوعين أدناه‪:‬‬ ‫‪1‬ــ حضارة كرمة‪.‬‬ ‫‪2‬ــ أسباب انتقال العاصمة من نبتة إلى مروي‪.‬‬ ‫‪ -3‬دور الرومان في نشر المسيحية في ممالك النوبة‪.‬‬ ‫‪41‬‬  ‫الوحدة الثانية‬ ‫بناء الدولة اإلسالمية‬ ‫‪42‬‬  ‫أهداف الوحدة ‪:‬‬ ‫يتوقع من الطالب بعد دراسة هذه الوحدة أن‪:‬‬ ‫‪.١1.1‬يتعرف الطبيعة اجلغ‬ ‫رافية لشبه اجلزيرة العربية من حيث املوقع والتضاريس‪.‬‬ ‫ز‬ ‫اجل‬ ‫شبه‬ ‫ل‬ ‫لية‬ ‫ا‬ ‫لشم‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫وبية‬ ‫اجلن‬ ‫راف‬ ‫األط‬ ‫في‬ ‫امت‬ ‫ق‬ ‫لتي‬ ‫‪2.2‬يتعرف املالمح العامة للممالك العربية ا‬ ‫يرة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫‪3‬يتعرف سيرة الرسول الكرمي م‬ ‫‪.3‬‬ ‫حمد صلى الله عليه وسلم ومراحل دعوته اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪4‬يتعرف دولة املدينة ونظامها كنواة للدولة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪5‬يوضح أثر‬ ‫‪.5‬‬ ‫وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) على املسلمني ‪.‬‬ ‫‪6‬يشرح األ‬ ‫‪.6‬‬ ‫سس واملبادئ التي يقوم عليها نظام اخلالفة اإلسالمية ‪.‬‬ ‫‪7‬يعرف مفهوم اخلالفة الراشدة ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬ ‫‪.8‬‬ ‫‪8‬يسمى اخللفاء الراشدين ويحدد فترات حكمهم ‪.‬‬ ‫‪9.9‬يوضح خصائص عهد اخللفاء الراشدين ‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪10‬يتعرف كيفية انتقال السلطة في العهد الراشدي ‪.‬‬ ‫‪1111‬يتعرف املشك‬ ‫الت التي واجهت الدولة في عهد اخللفاء الراشدين ‪.‬‬ ‫‪1212‬يو‬ ‫ضح مالمح النمو اإلداري في عهد اخللفاء الراشدين ‪.‬‬ ‫‪1313‬يشرح الفتو‬ ‫حات اإلسالمية في العهد الراشدي في كل امليادين ‪.‬‬ ‫‪1414‬رسم خريطة الدولة اإلسالمية في عهد‬ ‫اخللفاء الراشدين وتوضح عليها احلدود واملدن واألقاليم‬ ‫ومسارات اجليوش واملعارك ‪.‬‬ ‫‪43‬‬  ‫الدرس األول‬ ‫جغرافية شبه الجزيرة العربية‬ ‫تقع شبه جزيرة العرب في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا‪ ،‬وتحيط بها الماء‬ ‫من جهات ثالث‪ ،‬وهي في مجملها صحراء‪ ،‬تتخللها وديان خصبة في وسطها وجنوبها‬ ‫وغربها‪.‬‬ ‫ويتكون سطحها من كثبان رملية وأغوار‪ ،‬وتنقسم شبه الجزيرة العربية إلى خمس‬ ‫مناطق جغرافية هي‪:‬‬ ‫‪1‬ــ الحجاز‪:‬‬ ‫يشمل الجبال والمرتفعات المحاذية للبحر األحمر‪ ،‬وقد سميت بهذا االسم ألنها‬ ‫حجزت بين األراضي الساحلية المنخفضة وبين بقية األجزاء‪.‬وخالل هذه الجبال نجد‬ ‫الوديان حيث انتثرت فيها المدن والقرى‪.‬وتتخلل هذا االقليم واحات قامت عليها بعض‬ ‫المدن الكبيرة التي كان لها أثر كبير في تاريخ بالد العرب‪ ،‬ومن هذه الواحات مكة‬ ‫والمدينة والطائف وتبوك‪.‬‬ ‫‪2‬ــ تهامة‪:‬‬ ‫وهي األراضي المنخفضة التي على ساحل البحر األحمر‪ ،‬وقد أدى انخفاضها إلى‬ ‫اشتداد درجة الحرارة فيها‪.‬‬ ‫‪3‬ــ نجد‪:‬‬ ‫فهي الهضاب التي في قلب شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وهي ذات طبيعة صحراوية ‪.‬‬ ‫‪4‬ــ اليمن‪:‬‬ ‫تقع في الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وهي أخصب بقاع بالد‬ ‫‪44‬‬  ‫العرب‪ ،‬حيث تحمل الرياح الموسمية إليها األمطار‪.‬‬ ‫‪5‬ــ العروض‪:‬‬ ‫تشمل بالد اليمامة وعمان والبحرين ‪.‬‬ ‫أصل العرب‪:‬‬ ‫من العسير أن يحدد أصل العرب وموطنهم األصلي‪ ،‬فالمؤرخون يرون أنهم‬ ‫ينتمون إلى العنصر السامي نسبة إلى سام بن نوح‪ ،‬ويحاولون أن يعللوا ذلك بشتى‬ ‫الطرق كاللغة والخلق‪ ،‬ثم يختلفون في أصل موطن الساميين‪ ،‬فبعضهم يرى أنهم من‬ ‫سكان البحر األبيض المتوسط‪ ،‬وجماعة ترى أنهم من سكان بابل‪.‬وهناك آراء أخرى‪.‬‬ ‫ويقسم مؤرخو العرب القبائل العربية إلى قسمين هما‪:‬‬ ‫‪1‬ــ العرب البائدة‪ :‬هم الذين انقرضوا منذ عهد بعيد‪. ،‬وقد ورد ذكربعضهم في القرآن‬ ‫الكريم كعاد وثمود وطسم وجديس‪.‬‬ ‫‪2‬ــ العرب الباقية‪ :‬أي الذين ما زال نسلهم باقيا ً حتى اليوم وهم ينقسمون إلى قسمين‬ ‫قحطانيين وعدنانيين‪.‬والقحطانيون يسكنون جنوب شبه الجزيرة العربية أما العدنانيون‬ ‫فهم الذين سكنوا شمال شبه الجزيرة العربية وأكبر أقسامهم ربيعة ومضر التي تضم‬ ‫عدداً من القبائل كبيراً أضخمها عبس وذبيان وكنانة‪.‬ومن كنانة هذه يتفرع عدد من‬ ‫القبائل منها قريش‪.‬‬ ‫‪45‬‬  ‫الدرس الثاني‬ ‫ممالك الجنوب‬ ‫قامت ثالث ممالك في جنوبي شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وكونت لها حضارات‬ ‫ازدهرت زمانا ً ثم اندثرت‪.‬وقد نشأت جميعها في اليمن الذي كان يتمتع بنوع من‬ ‫االستقرار والتحضر‪ ،‬لتوافر مياهه العذبة وأوديته الخصيبة فازدهرت فيه الزراعة‬ ‫والتجارة‪.‬وقد نشأت فيه الممالك التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ــ دولة معين (‪1300‬ق‪.‬م ـــ ‪650‬ق‪.‬م )‪:‬‬ ‫نشأت في شمالي اليمن‪ ،‬وعرفت بنشاط تجاري واسع حيث اقامت محطات‬ ‫للتجارة على طول الطرق التي تخترق بالد العرب من الجنوب إلى الشمال حتى بالد‬ ‫الشام‪.‬وحكم ملوك معين دولتهم حكما ً دستورياً‪ ،‬فقام مجلس عام إلى جانب الملوك‪،‬‬ ‫وقامت في المدن حكومات محلية‪ ،‬وكان حكام هذه المدن يعينون باالنتخاب‪ ،‬ويعاون‬ ‫الحاكم منهم مجلس مؤلف من شيوخ المدينة‪.‬وكان نظام الحكم في مملكة معين وراثياً‪،‬‬ ‫وعاصمتها تسمى قرناو‪.‬‬ ‫‪2‬ــ دولة سبأ (‪950‬ق‪.‬م ــ‪115‬ق‪.‬م )‪:‬‬ ‫أشهر ممالك اليمن‪ ،‬وورد ذكرها في القرآن الكريم‪ ،‬واشتهر عصرها بالرخاء‬ ‫والعمران بفضل سد مأرب‪ ،‬وهو أكبرعمل هندسي للري عرفته شبه الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫وكانت عاصمتها مدينة مأرب‪.‬‬ ‫‪46‬‬  ‫شكل رقم‪ 1/1 :‬سد مأرب‬ ‫واهتمت بالزراعة فشيدت السدود مثل سد مأرب‪ ،‬كما عملت بالتجارة ووصلت قوافلهم‬ ‫إلى بالد الشام ومصر ومنطقة الخليج العربي‪.‬وامتدت فترة حكمها إلى ثمانية قرون‪.‬‬ ‫سقطت دولة سبأ سنة ‪ 115‬ق‪.‬م على يد دولة حمير‪ ،‬ومن أشهر ملوكها (بلقيس)‬ ‫المشار إلى خبرها في القرآن الكريم‪ ،‬في قصة نبي هللا سليمان عليه السالم‪.‬‬ ‫‪3‬ـ مملكة حمير (‪115‬ق‪.‬م ــــ‪525‬ق‪.‬م)‪:‬‬ ‫ورثت حمير سبأ وخلفتها على حكم بالد اليمن‪ ،‬واهتمت بالقوة العسكرية والفتوحات‬ ‫اكثر من اهتمامها بالناحية االقتصادية‪ ،‬ومن أشهر ملوكها يوسف ذو نواس‪.‬وقد امتد‬ ‫ملكه حتى بالد نجران‪ ،‬التي كانت تدين بالمسيحية‪ ،‬وكان ذو نواس قد اعتنق اليهودية‪،‬‬ ‫ولهذا السبب فقد بطش بالمسيحيين‪ ،‬فعذبهم وحفرلهم االخدود الذي ورد ذكره في القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬في سورة البروج‪.‬‬ ‫وقد استنجد أحد الفارين الذين نجوا من االخدود بملك الحبشة‪ ،‬وبعد تلقي األحباش‬ ‫للمدد من قيصر الروم‪ ،‬الحامي للمسيحية‪ ،‬قدم األحباش إلى اليمن بقيادة أرياط‪ ،‬ودمروا‬ ‫ملك حمير‪.‬‬ ‫وقد استمر حكم األحباش في اليمن مدة (‪72‬سنة)‪ ،‬ثم مد الفرس نفوذهم على اليمن‬ ‫وهزموا األحباش‪.‬وكان بازان هو آخر حاكم لليمن من قبل الفرس عندما ظهر اإلسالم‪.‬‬ ‫‪47‬‬  ‫الدرس الثالث‬ ‫ممالك الشمال‬ ‫قامت في بالد الشام قبل اإلسالم إربع ممالك عربية هي‪ :‬األنباط في الجنوب‪ ،‬تدمر‬ ‫في الشمال‪ ،‬الغساسنة واللخميين بينهما‪.‬‬ ‫‪1‬ــ األنباط‪:‬‬ ‫األنباط مملكة صغيرة قامت في شمال غرب شبه الجزيرة العربية‪ ،‬في جنوب‬ ‫شرق األردن‪ ،‬وكانت عاصمتها البتراء‪.‬وقد عاشت هذه المملكة بين القرن السادس‬ ‫قبل الميالد والقرن األول الميالدي‪ ،‬وتنفرد البطراء بموقع تجاري ممتاز على مفترق‬ ‫طرق القوافل المتجة من جنوب بالد العرب إلى شمال بالد الشام‪ ،‬ومن الخليج العربي‬ ‫إلى سواحل فلسطين‪.‬‬ ‫وفي أواخر أيامها أخذ الرومان يسيطرون على المملكة حتى ضموها إلى‬ ‫إمبراطوريتهم سنة ‪106‬م‪ ،‬زد على ذلك أن ازدياد استعمال طريق البحر األحمر‬ ‫التجاري‪ ،‬قلل من أهمية البتراء‪ ،‬كما أن الطريق البري الذي كان يمر بها تحول إلي‬ ‫تدمر‪ ،‬الزدياد أهميتها التجارية في ذلك الوقت‪.‬هكذا فقدت البتراء استقاللها ومركزها‬ ‫التجاري‪.‬‬ ‫شكل رقم‪ 2/1 :‬البتراء عاصمة األنباط‬ ‫‪48‬‬  ‫‪2‬ــ تدمر‪:‬‬ ‫حين بدأت البتراء في االضمحالل‪ ،‬لمع اسم تدمر كمدينة أخرى للقوافل‪ ،‬هيأ‬ ‫لها موقعها الجغرافي في قلب بادية الشام‪ ،‬وكان لها مرك ٌز ممتا ٌز‪ ،‬كمحطة رئيسة‬ ‫تمر بها التجارة‪ ،‬عند نقط التقاء الطرق التي تعبر الصحراء من الشمال إلى الجنوب‪،‬‬ ‫ومن الشرق إلى الغرب‪.‬كذلك وقعت تدمر بين الدولتين الكبيرتين‪ ،‬دولة الفرس التي‬ ‫سيطرت على العراق‪ ،‬والدولة الرومانية التي سيطرت على الشام‪.‬وساعد موقع تدمر‬ ‫المنعزل على تمتعها بقدر كبير من االستقالل‪.‬‬ ‫ومن ملوك تدمر المشهورين الملكة (زنوبيا)‪ ،‬وسبب شهرة هذه الملكة أن في‬ ‫عهدها (‪266‬م) توترت العالقات بين تدمر وبين الرومان‪ ،‬ثم وقعت الحرب‪ ،‬ونالت‬ ‫قوات زنوبيا انتصارات كبيرة‪ ،‬استولت على أثرها على أرض الشام ومصر وأجزاء‬ ‫إبنها بلقب‬ ‫واسعة من آسيا الصغرى‪.‬وقد وصل إعتداد زنوبيا بنفسها أن لقبت‬ ‫(أغسطس)‪.‬وهذا اللقب ال يستعمل إال ألباطرة الروم‪.‬وأخيراً تمكن الرومان من هزيمة‬ ‫جيوش زنوبيا عند أنطاكية وحمص‪.‬ثم دخلوا تدمر نفسها في سنة ‪272‬م‪ ،‬وبذلك انتهى‬ ‫أمر هذه المملكة‪ ،‬أما زنوبيا فقد انتهت حياتها إلى جارية في روما‪.‬‬ ‫‪3‬ــ الغساسنة‪:‬‬ ‫عند ما أخذت مملكة تدمر في الزوال‪ ،‬كانت احدى القبائل العربية تشق طريقها‬ ‫من جنوب شبه الجزيرة العربية قادمة إلى حوران‪ ،‬حيث استقرت حول بئر يقال له‬ ‫غسان‪.‬وقد تمكنوا بمرور الزمن من إقامة مملكة لهم‪ ،‬عُرفت باسم مملكة غسان‪.‬‬ ‫ولكن هذه المملكة لم تكن مستقلة تماماً‪ ،‬بل كانت تحت حماية دولة الروم الشرقية‬ ‫(البيزنطية)‪.‬ورأى الروم أن من مصلحتهم أقامة هذه المملكة لتكون حماية لهم من‬ ‫هجمات عرب الصحراء في الجنوب‪ ،‬وهجمات الفرس أيضاً‪.‬‬ ‫وفي آخر القرن السادس أخذت مملكتهم تضعف شيئأ بعد شيئ‪ ،‬حتى تفرقت‬ ‫‪49‬‬ ‫قبائلهم ولم يعد لملوكهم سلطان كبير عليهم‪.‬وفي أوائل القرن السابع الميالدي عدا عليها‬ ‫الفرس ومحوا سلطانها‪ ،‬ثم استولى عليها الروم حين عادوا لالنتصار على الفرس‪،‬‬ ‫وظلت بقايا مملكة الغساسنة قائمة حتى ظهور اإلسالم‪.‬‬ ‫‪4‬ــ المناذرة (الحيرة)‪:‬‬ ‫كانت حاجة الفرس ماسة لدولة عربية تكون والية فاصلة بينهم وبين عرب‬ ‫شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وبين الروم أيضاً‪ ،‬إذ كان الفرس يتعرضون لهجمات العرب‬ ‫الخاطفة‪.‬‬ ‫وكانت جماعة من قبيلة لخم اليمانية قد حلت بالحيرة‪ ،‬وهي أرض خصبة على‬ ‫بعد ثالثة أميال من الكوفة‪ ،‬وأسسوا مملكة الحيرة‪ ،‬أو مملكة المناذرة في القرن الثالث‬ ‫الميالدي‪.‬وبعد أن تم توحيد دولة الفرس على يد (أردشير بن بابك) من أسرة آل ساسان‪،‬‬ ‫وهي آخر األسر التي حكمت بالد فارس قبل ظهور اإلسالم‪.‬أبقى أردشير مملكة‬ ‫الحيرة تحت حمايته‪.‬ليتقي بهم شر عرب شبه الجزيرة العربية‪ ،‬والروم وحلفائهم‪.‬وقد‬ ‫حكم مملكة الحيرة منذ تأسيسها وحتى مجيئ اإلسالم خمسة وعشرون ملكاً‪ ،‬أشهرهم‬ ‫النعمان بن المنذر‪.‬‬ ‫‪50‬‬  ‫الدرس الرابع‬ ‫حالة المجتمع العربي قبل ظهور اإلسالم‬ ‫أثرت طبيعة بالد شبه الجزيرة العربية على أهلها‪ ،‬وطرق معيشتهم‪.‬وسنوجز‬ ‫فيما يلي أحوال المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية في الفترة التي سبقت ظهور‬ ‫اإلسالم‪.‬‬ ‫الحالة االقتصادية‪:‬‬ ‫عاش معظم العرب عيشة بداوة‪ ،‬واشتغلوا بالرعى‪ ،‬وكانوا كثيري التنقل وراء‬ ‫الكأل وموارد الماء‪ ،‬وكثيراً ما كانت تقوم الحروب والمنازعات بينهم بسبب التنافس‬ ‫على موارد الماء ومنابت الكأل‪ ،‬وطرق القوافل التي كانت تمر فيها التجارة الواردة من‬ ‫العراق أو الشام او اليمن‪.‬‬ ‫واشتغل العرب كذلك بالتجارة‪ ،‬وامتد نشاطهم التجاري إلى اليمن وبالد الشام ومصر‬ ‫والحبشة وغيرهما‪.‬وكانت مكة بفضل موقعها الجغرافي المتوسط مركزاً هاما ً للتجارة‬ ‫بين اليمن والشام والحبشة‪.‬وامتازت قريش على غيرها من القبائل بنشاطها التجاري‬ ‫الكبير‪ ،‬وكان القرشيون يرحلون رحلتين في السنة‪ :‬رحلة الشتاء إلى اليمن‪ ،‬ورحلة‬ ‫الصيف إلى الشام‪.‬وقد جمعوا أمواالً كثيرة وظهر فيهم كثير من األثرياء‪ ،‬كما ساعدهم‬ ‫ذلك االتصال التجاري‪ ،‬وكثرة األسفار إلى البالد المجاورة لهم‪ ،‬واختالطهم بأهلها‪،‬‬ ‫على معرفة أحوال البالد التي كانوا يتاجرون معها‪ ،‬مما كان له أثر كبير في تثقيف‬ ‫العرب ورقي مداركهم‪.‬وقد خرجت بعض القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية إلى‬ ‫أرض الشام والعراق‪ ،‬وذلك قبل ظهور اإلسالم بوقت قصير‪.‬‬ ‫الحياة السياسية‪:‬‬ ‫لم يكن للعرب قبل ظهور اإلسالم حكومة معروفة‪ ،‬تدير شئونهم وتنظم أحوالهم‪،‬‬ ‫‪51‬‬ ‫فقد عاش العرب في معظم شبه الجزيرة العربية كقبائل متفرقة‪ ،‬ال تخضع لحكومة‬ ‫مركزية‪ ،‬بل استقلت كل قبيلة بشئونها تمام االستقالل تحت إمرة شيخها مما أدى إلى‬ ‫انعدام الوحدة السياسية بينهم‪.‬‬ ‫ومما أضعف وحدة العرب كثرة الحروب والمنازعات التي كانت تقوم بين القبائل‪،‬‬ ‫بسبب التنافس على السلطة‪ ،‬أو النزاع على المراعي وموارد الماء‪.‬وكان أكبر أفراد‬ ‫القبيلة سنا‪ ً،‬وأكثرهم ماال‪ ً،‬وأعظمهم نفوذاً يُختار غالبا ً لرئاسة القبيلة‪ ،‬وعليه تقع كل‬ ‫المسئوليات‪ ،‬وله حق الطاعة على أفراد القبيلة‪.‬‬ ‫الحالة الدينية‪:‬‬ ‫كانت عبادة األوثان هي الديانة السائدة في بالد العرب قبل اإلسالم‪.‬وكانت الكعبة‬ ‫في مكة مركز هذه العبادة‪ ،‬وكانت القبائل العربية تقدس الكعبة وتحج إليها كل سنة‪،‬‬ ‫وكانت أشهر الحج تعرف باألشهر الحرم‪ ( ،‬رجب‪ -‬ذو القعدة ‪ -‬ذو الحجة ‪ -‬ومحرم)‬ ‫ألنهم حرموا فيها القتال بين القبائل‪.‬‬ ‫وكانت توجد في شبه الجزيرة العربية ديانات أخرى قبل اإلسالم‪ ،‬وقد جاءت هذه‬ ‫الديانات نتيجة اتصال العرب بالبالد المجاورة لهم‪ ،‬ومن هذه الديانات الديانة اليهودية‬ ‫في اليمن‪ ،‬وبعض بالد الحجاز مثل يثرب (المدينة)‪ ،‬والمسيحية التي انتشرت في اليمن‬ ‫المجاورة للحبشة‪ ،‬وفي الجهات الشمالية من بالد العرب القريبة من الدولة الرومانية‬ ‫الشرقي?