مقرر الاقتصاد الإسلامي 2040 PDF

Summary

هذا ملخص لمقرر الاقتصاد الإسلامي لعام 2040. يغطي المقرر تعريفًا بالنظرية الاقتصادية والمشكلة الاقتصادية، بالإضافة إلى مناقشة نظرية مالتوس للسكان. يتم النظر أيضًا في حلول إسلامية للاقتصاد.

Full Transcript

‫االقتصاد اإلسالمي‬ ‫‪2040‬‬ ‫اختياري جامعة‬ ‫‪-1-‬‬ ‫التعريف بالنظرية االقتصادية واملشكلة االقتصادية‬ ‫ا‬...

‫االقتصاد اإلسالمي‬ ‫‪2040‬‬ ‫اختياري جامعة‬ ‫‪-1-‬‬ ‫التعريف بالنظرية االقتصادية واملشكلة االقتصادية‬ ‫ا‬ ‫أوال‪ :‬التعريف بالنظرية االقتصادية واملذهب االقتصادي اإلسالمي‬ ‫االقتصاد من القصد الذي هو االعتدال يف السلوك‪ ،‬قال اخلليل بن أمحد الفراهيدي‪( :‬القصد استقامة الطريقة‪،‬‬ ‫ه َ ۡ‬ ‫ََ‬ ‫قّت)(‪ ،)1‬وقوله تعاىلﵟ َوعلى ٱَّللِ قص ُد ه‬ ‫ٱلسبيل ﵞ ه‬ ‫ﵝالن ۡحل ‪ :‬ﵙﵜ أي‪ :‬عىل اهلل تبيني الطريق‬ ‫ِ ِ‬ ‫والقصد يف املعيشة أال ترسف وال ت ِ‬ ‫املستقيم إليه باحلجج والرباهني‪ ،‬ويقال‪( :‬طريق قاصد) أي‪ :‬سهل مستقيم‪ ،‬و(سفر قاصد)‪ :‬سهل قريب‪ ،‬وجاء يف األثر‪:‬‬ ‫(ما عال من اقتصد)(‪ )2‬أي‪ :‬اتعدل يف إنفاقه(‪.)3‬‬ ‫موجهة إىل االستقامة يف تدبري األرسة واحتياجاهتا ألجل املعيشة َو ْف َق‬ ‫لكن كلمة اقتصاد جعلها الناس أول األمر َّ‬ ‫املوارد املتاحة حتى ع ِرف األمر حينًا بـ(االقتصاد املنزيل)‪.‬‬ ‫يوجه الناس كلمة االقتصاد إىل تدبري شؤون الدولة إيرا ًدا ورص ًفا عىل احلاجات التي‬ ‫ويف شأن املجتمعات والدول ِ‬ ‫يطلبها املجتمع ألجل معيشته‪ ،‬وبقدر نجاح الدولة يف املوازنة بني اإليرادات واملرصوفات يكون نجاحها االقتصادي‪،‬‬ ‫مرورا باإلنتاج والتبادل‬ ‫ا‬ ‫بدءا من توزيع الثروات‬ ‫وعىل ذلك فـ(االقتصاد)‪( :‬علم يعنى بدراسة األنشطة االقتصادية ا‬ ‫وانتهاء باالستهالك‪ ،‬وما ينشأ عن األنشطة املذكورة من ظواهر وعالقات)‪.‬‬ ‫سيعرف علم االقتصاد‬ ‫َّ‬ ‫عموما لكن مرادنا هنا االقتصاد اإلسالمي وألجله‬ ‫ً‬ ‫والتعريف املذكور هو لالقتصاد‬ ‫مرورا باإلنتاج والتبادل وانتهاء‬ ‫ا‬ ‫بدءا من توزيع الثروات‬ ‫اإلسالمي بأنه‪( :‬علم يعنى بدراسة األنشطة االقتصادية ا‬ ‫باالستهالك‪ ،‬وما ينشأ عن األنشطة املذكورة من ظواهر وعالقات يف ضوء أحكام املذهب االقتصادي يف اإلسالم)‪.‬‬ ‫تسري النشاط االقتصادي‪ ،‬وقد تكون هذه األحكام ذات‬ ‫عموما هو جمموعة األحكام التي ِ‬ ‫ً‬ ‫و(املذهب االقتصادي)‬ ‫منطلقات دينية أو فلسفية أو أخالقية أو غري ذلك‪ ،‬وحني احلديث عن املذهب االقتصادي اإلسالمي يقال إن منطلقاته‬ ‫آثارا‬ ‫يسري هبا االقتصاد نحو حتقيق الرفاهية هي مبادئ احلالل واحلرام يف اإلسالم‪ ،‬وإذا أعملت هذه املبادئ أنتجت ً‬ ‫التي ِ‬ ‫اقتصادية عىل الرفاهية التي يعيشها املجتمع‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الفراهيدي‪ ،‬العني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.54‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه مرفوعا ابن أيب شيبة‪ ،‬املصنف‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.331‬‬ ‫(‪ )3‬ابن سيده‪ ،‬احملكم واحمليط األعظم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.185‬‬ ‫‪-2-‬‬ ‫أما (النظرية االقتصادية) فهي جمموع املحاوالت التفسريية للسلوك والظواهر االقتصادية‪ ،‬ووظيفتها تفسري ما‬ ‫مىض من ظواهر اقتصادية كالتضخم واالنكامش‪ ،‬والتنبؤ بام سيقع من ظواهر وآثار‪ ،‬وأداة النظرية االقتصادية يف التفسري‬ ‫(القوانني االقتصادية) التي هي عالقات م َّطردة ثابتة بني املتغريات االقتصادية اكتسبت صفة املوثوقية كقانون‪( :‬تناسب‬ ‫االستثامر عكس ًيا مع كلفة التمويل عند ثبات املؤثرات األخرى)‪ ،‬وقانون‪( :‬انخفاض األسعار بزيادة العرض)‪ ،‬وقانون‪:‬‬ ‫(ارتفاع األسعار بكثرة الطلب) وغري ذلك من القوانني‪.‬‬ ‫وتوجيه االقتصاد نحو وجهة معينة لتحقيق أعىل مستوى من الرفاهية عىل أفراد املجتمع هو ما يعرف بـ(السياسة‬ ‫االقتصادية) التي هي‪ :‬إجراءات وتدابري لتوجيه النشاط االقتصادي كام تريد السلطة‪ ،‬واألصل الذي تريد الشعوب‬ ‫حتقيقه من السلطات االقتصادية يف كل مكان هي املصالح االقتصادية التي جيمعها مصطلح‪( :‬الرفاهية االقتصادية)‪،‬‬ ‫واملصالح االقتصادية هي مشّتكة غال ًبا تريدها كل األنظمة االقتصادية وكل الشعوب ومنها االستقرار والعدالة والنمو‪.‬‬ ‫وال بد للسياسة االقتصادية يف توجيه االقتصاد الوجهة التي تريدها السلطة االقتصادية من أدوات تدعى (األدوات‬ ‫االقتصادية )‪ ،‬وهذه األدوات تتنوع حسب الظرف الذي يعيشه االقتصاد‪ ،‬فاالقتصادات التي تعيش التضخم النقدي‬ ‫ً‬ ‫مثال ال بد هلا من أداة نقدية تقلل من النقد املعروض كأداة عمليات السوق املفتوحة ‪ ،‬وتكون السياسة بذلك نقدية‪ ،‬وقد‬ ‫‪1‬‬ ‫يكون اخلروج من األزمات االقتصادية يلزم له استخدام أدوات مالية يف نظر السلطة االقتصادية فتلجأ إىل استخدام أداة‬ ‫مالية كفرض الرضائب وتقليل اإلنفاق احلكومي ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ثان ايا‪ :‬املشكلة االقتصادية ومراد علم االقتصاد حلها‬ ‫اإلنسان كائن حمتاج‪ ،‬واحلاجات تشبع بالسلع واخلدمات‪ ،‬واالقتصاد اإلسالمي حيرص السلع واخلدمات يف‬ ‫الطيبات‪ ،‬وإلجياد السلع واخلدمات ال بد من اللجوء إىل املوارد التي يمكن أن تكون برشية أو طبيعية (كاألرض واملاء)‬ ‫أو مالية‪.‬‬ ‫واحلاجات دائام تدفع إىل النشاط االقتصادي الستيالد ما يشبعها‪ ،‬والنشاط االقتصادي بدوره ينقسم إىل أربعة‬ ‫أقسام –كام سيأيت بيانه إن شاء اهلل‪ :-‬أوهلا اإلنتاج وثانيها التوزيع وثالثها التبادل ورابعها االستهالك‪.‬‬ ‫‪ 1‬نشاط يقوم به املصرف املركزي إلعطاء (أو أخذ) سيولة بالعملة املحلية إلى (أو من) مصرف أو مجموعة من املصارف؛ ملعالجة سعر الفائدة قصير األجل‬ ‫وضخ النقود األساسية في االقتصاد‪ ،‬وبالتالي التحكم بشكل غير مباشر في إجمالي املعروض النقدي‪.‬‬ ‫‪-3-‬‬ ‫وثمة عالقة جتمع اإلنسان مع عنارص النشاط االقتصادي فأوهلا عالقة اإلنسان مع اإلنسان وهي عالقة اجتامعية‪،‬‬ ‫وعالقة اإلنسان مع املوارد عالقة فنية من حيث إنه خيتار منها ما يراه مناسبا‪ ،‬أما العالقة االقتصادية فتكون بني اإلنسان‬ ‫واملوارد ثم املوارد واإلنسان‪.‬‬ ‫املشكلة االقتصادية القائمة هي أن هناك مقابلة غري متكافئة بني املوارد املحدودة نسبيا واحلاجات اإلنسانية املتنامية‬ ‫وغري املحدودة‪ ،‬ومن االفّتاضات التي يقوم عليها علم االقتصاد أنه ال توجد هناك حدود ملا حيتاجه اإلنسان يف مقابل‬ ‫حمدودية املوارد‪.‬‬ ‫وقد أقر اجلميع بوجود املشكلة االقتصادية غري أنه تباينت وجهات النظر اإلنساين يف حلها فكانت ثمة نظريات متعددة‪.‬‬ ‫حل النظام الرأساميل القائم عىل املذهب الفردي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أوال‪ :‬نظرية مالتوس للسكان‬ ‫كانت نظرة مالتوس تشاؤمية إذ رأى أن السكان يتزايدون عىل شكل متوالية هندسية (‪ )...32 ،16 ،8 ،4 ،2‬يف‬ ‫حني أن الغذاء يزيد عىل شكل متوالية حسابية (‪ ،)....،10 ،8 ،6 ،4 ،2‬ومن ثم ستقع فجوة عظيمة بني الغذاء املتاح‬ ‫والبرش‪ ،‬ومنه لن يكفي الغذاء املوجود عىل األرض للبرش‪ ،‬واملشكلة تكرب كلام تقدم الزمان‪.‬‬ ‫وحلل هذه املشكلة ال يوجد أمام البرش لتضييق الفجوة بني السكان والغذاء إال أحد خيارين أوهلام زيادة املوارد‬ ‫الطبيعية لتوازي مقدار النمو السكاين املتزايد أو التقليل من أعداد السكان ليناسب املوارد املتاحة‪ ،‬وأول احللني غري‬ ‫مقدور عليه ألن الطبيعة –يف نظر مالثوس‪ -‬شحيحة بخيلة وال سبيل إىل زيادة مواردها‪ ،‬فام احلل إال الثاين وهو إنقاص‬ ‫عدد البرش‪.‬‬ ‫وإنقاص البرش ‪-‬قال مالثوس‪ -‬يفّتق بني السكان املتمدنني وغريهم‪ ،‬أما املتمدنون فيمكن أن يعوا باملشكلة للحد‬ ‫من النمو السكاين‪ ،‬وأما غري املتمدنني فالطبيعة ستكون كفيلة بحصد مجع منهم باألوبئة واحلروب والرصاعات‪ ،‬ومن‬ ‫بقي منهم فسيتقاسمون الطعام وإن مل يكفهم أصيبوا بنقص التغذية فال يبقى غري من يكفيهم الطعام‪ ،‬وفلسفة مالثوس‬ ‫قائمة عىل فلسفة أخالقية هي قارب النجاة فيضحى بالفقراء‪ ،‬وال يبقى إال الطبقة الغنية يف املجتمع‪.‬‬ ‫مناقشة النظرية‪:‬‬ ‫تعرضت نظرية مالثوس العّتاضات من قبل أهل االقتصاد التقليدين أنفسهم من جهات‪:‬‬ ‫(‪ )1‬قس كنسي عين بدراسة التغري السكاين ومشكالته‪ ،‬وهو أستاذ التاريخ واالقتصاد جبامعة هاليربي‪.‬‬ ‫‪-4-‬‬ ‫أوهلا‪ :‬ال يسلم بأهنا زيادة السكان كام قال مالثوس؛ إذ ثمة بلدان عدد سكاهنا ينقص‪ ،‬ومنها ما ال يتغري‪ ،‬ومنها ما‬ ‫يزيد ولكن بغري ما ذكر مالثوس‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬حمدودية املوارد ليست بالوصف الذي ذكر‪ ،‬إذ إنه مل تزل باألرض مناطق شاسعة مل تستغل بعد مع كوهنا‬ ‫صاحلة لالستغالل‪ ،‬فضال عن أن مالثوس حرص فرضيته باليابسة ومل ينظر إىل االستفادة من البحار واملحيطات‪ ،‬عىل أن‬ ‫ثمة مساحات من األرض شاسعة يمكن استغالهلا لو استصلحت‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬النظرية املالثوسية اجلديدة (نادي روما)‬ ‫بعد االنتقاد الذي واجهته نظرية مالثوس أعيد بعثها بصورة جديدة سنة ‪1962‬م يف دراسة وقف النمو خلرباء معهد‬ ‫التكنلوجيا األمريكان (نادي روما)‪ ،‬وقد قال هؤالء إنه ليس األمر كام قال مالثوس بزيادة األفراد بشكل متوالية هندسية‬ ‫لكن‪:‬‬ ‫‪ -1‬احلاجات البرشية تزداد بشكل متوالية أسية‪ ،‬فبعد أن كان السكن حمدودا بخيمة ذات مستلزمات يسرية‬ ‫أضحت له صورة أخرى فهو اآلن يف القصور مع ما يلزم من كهرباء وتكييف وغري ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن كثريا من املوارد بدأت بالنضوب‪ ،‬واستنفد كثري منها‪.‬‬ ‫‪ -3‬البيئة أصيبت بالتلوث أكثر من أي نحو مىض (كاإلشعاع احلراري وثقب األوزون واملخلفات‬ ‫الكياموية)‪،‬وهذا التلوث سيجعل حياة الناس مستحيلة يف يوم من األيام‪.‬‬ ‫ويف هذه األيام بعثت نظرية مالثوس من جديد غري أهنا اختذت صورا جديدة للحد من السكان منها تنظيم النسل‬ ‫وحتديده واإلجهاض ونحو ذلك من الوسائل‪.‬‬ ‫احلل االشرتاكي للمشكلة االقتصادية‪:‬‬ ‫أقر الشيوعيون باملشكلة االقتصادية غري أهنم ردوها إىل سوء التوزيع الذي سببه امللكية الفردية‪ ،‬فامللكية الفردية –‬ ‫يف نظرهم‪ -‬أساس كل بالء‪ ،‬وحل املشكلة االقتصادية يكون بإلغائها ليتقاسم البرش موارد األرض فتكفيهم‪ ،‬لذا نادوا‬ ‫بإلغاء امللكية الفردية وقالوا بامللكية العامة‪.‬‬ ‫التصور اإلسالمي للمشكلة االقتصادية‬ ‫يقوم التصور اإلسالمي عىل قواعد وأسس تتناىف ونظرية مالثوس يف حل املشكلة االقتصادية‪ ،‬وقد كانت لإلسالم‬ ‫حلول لكال شقي املشكلة ندرة املصادر وزيادة السكان‪.‬‬ ‫‪-5-‬‬ ‫الشق األول‪ :‬الندرة النسبية(‪ )1‬للموارد‬ ‫مع إقرار اإلسالم بأنه قد ال تكفي املوارد ‪-‬يف بعض الظروف‪ -‬وقد يعيش اإلنسان حمروما يف بعضها اآلخر غري أن‬ ‫ذلك ليس مرده حمدودية موارد الطبيعة بل إن اهلل تعاىل خلق األرض وجعل أقوات الناس مقدرة فيها تكفيهم وجتعل‬ ‫العيش عليها صاحلا كام يقول سبحانه ﭽ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭼ القمر‪49 :‬ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﭼ [فصلت‪ ،]10 – 9 :‬ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ‬ ‫ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ‬ ‫إبراهيم‪ ،34 – 32 :‬وقد جعلت األرض مذللة لإلنسان هبا قوته وحياته ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭼ امللك‪1٥ :‬‬ ‫فاألرض ليست بشحيحة –كام يقول مالثوس‪ -‬بل فيها كل خري‪ ،‬ولكن الذي يلزم ابن آدم أن يسعى إىل استخراج‬ ‫خريها ويعمل بجد الستنباط ما يكفل له العيش الكريم لذا حث اإلسالم عىل العمل من حيث اجلملة وجعله قسيام‬ ‫وجه كل الطاقات ألجل العمل واالجتهاد فيه ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫للعبادات الرشعية‪ ،‬ومن ذلك أنه َّ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ احلج‪ ،41 :‬كام امتن اهلل تعاىل عىل‬ ‫العباد باألرض وأنه ما ذللها إال ليجد الناس يف استغالل خرياهتا ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭼ امللك‪.1٥ :‬‬ ‫وهذا األمر بالعمل قال فقهاء املسلمني إنه واجب عىل اإلنسان بالقدر الذي يستطيع ويكفل له العيش الكريم‪،‬‬ ‫فضال عن أنه سبحانه خفف وجوب بعض العبادات الرشعية ألجل العمل والرضب يف األرض وقرنه بالقتال يف سبيل‬ ‫اهلل كام يف قوله سبحانه ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫ﮇ ﭼ املزمل‪ ،20 :‬ثم إنه يف حال الفراغ من أداء العبادة وإيفائها حقها أمر بالتكسب وطلب الرزق كام يف قوله ﭽ ﭨ‬ ‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ اجلمعة‪ ،10 :‬وهذا األمر‬ ‫‪ ))1‬املقصود ابلندرة النسبية هنا أي ندرة املوارد ابلنسبة حلاجات األفراد (سامي خليل‪ ،‬مبادئ االقتصاد الكلي‪ ،‬ص‪.)31‬‬ ‫‪-6-‬‬ ‫بالعمل وعامرة األرض جيب أن يصحب اإلنسان يف كل الظروف واألحوال ولو يف حال قيام الساعة فال يروعه هوهلا‬ ‫ويمنعه عن أن يعنى بعامرة األرض كام يف حديث أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ :‬إن قامت الساعة وبيد‬ ‫أحدكم فسيلة فإن استطاع أن ال يقوم حتى يغرسها فليفعل(‪.)1‬‬ ‫ثم إن النصوص الرشعية التي حتض عىل العمل كثرية منها ما رواه املقدام بن معد يكرب أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ :‬ما‬ ‫خري ا من أن يأكل من عمل يده‪ ،‬وإن نبي اهلل داود عليه السالم كان يأكل من عمل يده(‪ ،)2‬وعمل‬ ‫طعاما قط ً‬ ‫ً‬ ‫أكل أحد‬ ‫داود نص عليه القرآن الكريم ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ األنبياء‪80 :‬‬ ‫‪ ،‬وهكذا خلق األنبياء واملرسلني‪ ،‬ومىض عىل أثرهم صحابة رسول اهلل ‪ ‬كام يف حديث عائشة قالت‪ :‬كان أصحاب‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬عامل أنفسهم(‪.)3‬‬ ‫والرسول ‪ ‬قد عمل يف التجارة والرعي وحفر اخلندق وغرس النخيل عن سلامن الفاريس فأبطل ما كان سائدا‬ ‫عند أهل اجلاهلية من أن العمل هو مهنة العبيد أما السادة فعليهم احلرب واللهو والسكر‪ ،‬وكام هو املعمول به يف احلضارة‬ ‫اليونانية التي جتعل العمل من وظائف العبيد‪ ،‬وأما السادة فوظيفتهم الفلسفة واملنطق وغريه من اجلدليات‪.‬‬ ‫ثم إن الرشع قد ندب الناس إىل استصالح األرض الستخراج خريها ومن ذلك أنه حث الناس عىل إحياء املوات‬ ‫فقال يف احلديث عن عائشة ريض اهلل عنها عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬من أعمر ً‬ ‫أرضا ليست ألحد فهو أحق"(‪ ،)4‬وعن سعيد‬ ‫بن زيد ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظامل حق"(‪.)5‬‬ ‫واإلقطاع لألرايض ألجل أن تستغل وتثمر كان من هدي النبي ‪ ،)6(‬وإن مل يكن عمل مل يستحق املقطع له شيئا‬ ‫كام يف حديث أبيض بن محال املأريب أنه استقطع رسول اهلل امللح الذي بمأرب فقطعه له‪ ،‬قال‪ :‬فلام وىل قيل‪ :‬يا رسول‬ ‫اهلل‪ ،‬أتدري ما قطعت له إنام أقطعته املاء العد ‪ ،‬قال‪ :‬فرجعه منه(‪.)7‬‬ ‫‪ ))1‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.191‬‬ ‫‪ ))2‬أخرجه البخاري يف كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬ابب‪ :‬كسب الرجل وعمله بيده (‪.)1966‬‬ ‫‪ ))3‬أخرجه البخاري يف كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬ابب‪ :‬كسب الرجل وعمله بيده (‪.)1965‬‬ ‫‪ ))4‬أخرجه البخاري يف كتاب‪ :‬املزارعة‪ ،‬ابب‪ :‬من أحيا أرضا مواات (‪.)2210‬‬ ‫‪ ))5‬أخرجه أبو داود يف كتاب‪ :‬اخلراج واإلمارة والفيء‪ ،‬ابب‪ :‬إحياء املوات (‪.)3073‬‬ ‫‪ ))6‬أبو عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬األموال‪ ،‬ص‪.347‬‬ ‫‪ ))7‬أبو عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬األموال‪ ،‬ص‪.350‬‬ ‫‪-7-‬‬ ‫كام كان لإلسالم حل ثالث ملشكلة الندرة هو توزيع الثروة توزيعا عادال بني أفراد املجتمع فأوجب الزكاة ﭽﮗ‬ ‫ﮘﮙ ﮚ ﮛﭼ [الذاريات‪ ]19 :‬كام أوجب تدوير األموال وحرم اكتنازها الذي خيرجها من سوق االنتفاع‬ ‫هبا فقال ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ التوبة‪،34 :‬‬ ‫كام حرم الفائدة الربوية التي هي غري نافعة لالقتصاد املجتمعي العام بل فيها خسارة وأخذ من الفقراء لألغنياء بعكس‬ ‫الزكاة ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ البقرة‪ ،2٧8 :‬وعوضا عن ذلك حض‬ ‫عىل املشاركات والعقود التي جيني املجتمع خريها‪.‬‬ ‫واإلسالم يف نطاق حله ملشكلة الندرة أمر باالستهالك السوي للمصادر فال إرساف وال تبذير ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ الفرقان‪ ،6٧ :‬ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ اإلرساء‪ ،2٧ – 26 :‬كام أنه ضبط‬ ‫احلاجات فليست كل احلاجات حقيقية معتربة‪ ،‬بل ما كان فيه مصلحة للوجود البرشي وفائدة وليس به مفسدة أعظم‬ ‫منه فهو حاجة معتربة‪ ،‬وأما ما كان عكس ذلك فهو حاجة ملغاة كمزارع املخدرات ومصانع اخلمور‪.‬‬ ‫ومن القواعد املتقررة يف جانب تلبية احلاجات أن اإلنسان ممنوع من أن يشبع رغائبه التحسينية الّتفيهية يف الوقت‬ ‫الذي يلحق غريه من بني البرش نقص يف حاجة رضورية أو حاجية‪ ،‬لذلك فالنظرة اإلسالمية تنص أنه ال يرعى حتسيني‬ ‫يف مقابل حجاي وال حاجي يف مقابل حتسيني‪ ،‬ويف احلديث عن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ :‬ما آمن يب من‬ ‫بات شبعان وجاره جائع إىل جنبه وهو يعلم به(‪ ،)1‬ومن الباب السابق نفسه حديث بن عمر < قال‪ :‬أتى النبي ‪ ‬بيت‬ ‫فاطمة فلم يدخل عليها وجاء عيل فذكرت له ذلك فذكره للنبي ‪ ‬قال‪ :‬إين رأيت عىل باهبا سّتا موشيا‪ ،‬فقال‪ :‬ما يل‬ ‫وللدنيا ‪ ،‬فأتاها عيل فذكر ذلك هلا فقالت‪ :‬ليأمرين فيه بام شاء‪ ،‬قال‪ :‬ترسل به إىل فالن أهل بيت هبم حاجة(‪.)2‬‬ ‫الشق الثاين‪ :‬النمو السكاين‬ ‫مادامت املوارد يف حد كفاية البرش إذن ال مشكلة يف السكان لذا حذر الرشع من قتل األوالد خشية من قلة النفقة‬ ‫ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ األنعام‪ 1٥1 :‬وقال ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬ ‫ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ اإلرساء‪ ،31 :‬ويف اآليتني النهي عن القتل سواء كان الدافع إمالقا واقعا‬ ‫‪ ))1‬الطرباين‪ ،‬املعجم الكبري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.259‬‬ ‫‪ ))2‬أخرجه البخاري يف كتاب‪ :‬اهلبة وفضلها‪ ،‬ابب‪ :‬هدية ما يكره لبسه (‪.)2471‬‬ ‫‪-8-‬‬ ‫أو إمالقا متوقعا‪ ،‬ثم إنه ندب الناس إىل التزاوج والتوالد كام يف حديث عن معقل بن يسار قال‪ :‬جاء رجل إىل النبي ‪‬‬ ‫فقال‪ :‬إين أصبت امرأة ذات حسب ومجال وإهنا ال تلد أفأتزوجها؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال‪:‬‬ ‫تزوجوا الودود الولود فإين مكاثر بكم األمم(‪ ،)1‬بل إن التزوج مظنة انفتاح أبواب الرزق ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭼ النور‪.32 :‬‬ ‫وأما احلل االشّتاكي القائم عىل إلغاء امللكية الفردية فال يقره اإلسالم إذ إنه أقرها بل أحاطها بام حيفظها‪ ،‬فمن أدلة‬ ‫إقراره ملبدأ امللكية أنه نظم انتقال امللكية سواء كان ذلك باملواريث التي حدها وبني أدق تفاصيلها أو بالعقود التي أحاطها‬ ‫بالرعاية والعناية وأوجب الوفاء هبا كام يف قوله تعاىل ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ املائدة‪ ، 1 :‬ثم إنه حض‬ ‫عىل النفقة من األموال اململوكة‪ ،‬وما حضه ذلك إال دليل كونه معّتفا بملكية أصحاهبا هلا ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ التوبة‪. 103 :‬‬ ‫ثم إنه حرم االعتداء عىل امللكية الفردية إن ثبت اختصاص أحد بملكية يشء إال برضا من نفسه ﭽ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ البقرة‪،. 188 :‬‬ ‫ومن السابق يقال إن اإلسالم أقر امللكية اخلاصة بضوابط‪ ،‬إال أنه يف الوقت نفسه مل هيدر امللكية العامة بل جعل هلا من‬ ‫الضوابط ما حيفظها ويكفل للمجتمع مصلحته فيها‪.‬‬ ‫احلاجات يف اإلسالم‬ ‫تبني مما تقدم أن املشكلة االقتصادية ليست كام يقول التقليديون أهنا مسألة ندرة وشح يف الطبيعة بل هي –كام يراها‬ ‫االقتصاد اإلسالمي‪ -‬مشكلة سوء يف استثامر خريات الكون باألسلوب األمثل وسوء يف توزيعها‪ ،‬وقد كان لإلسالم‬ ‫نظرة متكاملة حلل السببني السابقني جمملها‪:‬‬ ‫‪ -‬التمييز بني الطيبات واخلبائث‪ ،‬فالطيبات حاجات أساسية تقوم عليها مصالح البرش وتصلح هبا حياهتم‪ ،‬أما‬ ‫اخلبائث فكل ما يدخل عىل النفس البرشية رضرا‪ ،‬أو كان رضره غال ًبا عىل نفعه وإن كان به يشء من النفع‪ ،‬وال جييز‬ ‫االقتصاد اإلسالمي االستثامر يف االستثامر‪ ،‬بل هو مقصور عىل الطيبات فقط ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊ ﭼ األعراف‪.1٥٧ :‬‬ ‫‪ ))1‬أخرجه أبو داود يف كتاب‪ :‬النكاح‪ ،‬ابب‪ :‬النهي عن تزويج من مل يلد من النساء (‪.)2050‬‬ ‫‪-9-‬‬ ‫‪-‬التوسط يف إشباع احلاجة والتوسط يف اإلنفاق بني حاجات الروح وحاجات البدنﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ القصص‪.٧٧ :‬‬ ‫‪-‬وحدة س َّلم اإلشباع مع املجتمع فال تشبع ترفيات األغنياء يف مقابل رضوريات الفقراء‪ :‬يقول برنادشو‪" :‬جمتمع‬ ‫يصنع اخلمور لألغنياء وحيرم األطفال من احلليب ال يستحق احلياة"‪.‬‬ ‫‪- 10 -‬‬ ‫الفعالية االقتصادية األوىل‪ :‬توزيع الثروات يف املذهب االقتصادي اإلسالمي‬ ‫توزَّع الثروات يف االقتصاد اإلسالمي عرب ثالث صور‪ :‬الصورة األوىل‪ :‬التوزيع األويل (االبتدائي)‪ ،‬الصورة الثانية‪ :‬التوزيع‬ ‫الوظيفي‪ ،‬الصورة الثالثة إعادة التوزيع‪ ،‬وتفصيل هذه الصور الثالث يف اآليت‪:‬‬ ‫األويل (االبتدائي)‬ ‫أوال‪ :‬مرحلة التوزيع َّ‬ ‫مل يتكلم أرابب االقتصاد التقليدي عن هذه املرحلة‪ ،‬واختص هبا االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬وهي أتيت لضبط متلك عناصر اإلنتاج‬ ‫األوىل وبيان طبيعته‪ ،‬والسبب ِّ‬ ‫املؤهل للتملك‪ ،‬ويظهر التوزيع األويل لعناصر اإلنتاج يف اإلقطاع واحلمى والثروات املعدنية‪.‬‬ ‫‪-1‬اإلقطاع‪ :‬مصدر أقطع‪ ،‬وأصله من قطعت الشيء أقطعه قطعا‪ ،‬والقطع إابنة الشيء وصرمه(‪ ،)1‬واملراد يف هذا املوضع‬ ‫معَّي يستغلها ِّ‬ ‫وينميها ابلعمل االقتصادي‬ ‫معَّي لتكون لشخص َّ‬ ‫اقتطاع احلاكم جزءا من األراضي البيضاء اليت ليس هلا مالك َّ‬ ‫املنتج الذي يرجع على الناس ابخلري‪ ،‬وهذا املصطلح خاص ابستصالح األرض املوات دون العامرة حىت تستغل ويستفاد منها‪،‬‬ ‫قال املاوردي‪( :‬وأما اإلقطاع فإنه ال يصح إال يف موات مل يستقر عليه ملك)(‪.)2‬‬ ‫وفائدة اإلقطاع أن يكون امل ْقطَع له‪ ،‬الذي هو املستفيد أوىل الناس إبحيائه‪ ،‬وإن مل يستغل األرض وكان هناك غريه يستغلها‬ ‫ُ‬ ‫وينفع الناس هبا فإهنا تُ َنزع من األول الذي مل يستطع استغالهلا وجتعل يف يد الذي يستطيع استغالهلا كما فعل عمر بن اخلطاب‬ ‫‪.‬‬ ‫‪-2‬احلِ َمى‪ :‬موضع فيه الكأل والعشب حيميه احلاكم من الناس فال يرعى فيه أحد وال يقربه أحد ويكون ًّ‬ ‫خاصا‪ ،‬وقد كان‬ ‫حقًّا تقرره القوة يف اجلاهلية؛ فإن العريب يف اجلاهلية كان إذا استوىل على بلد جعل كلبه على جبل أو على شيء من األرض‬ ‫وجيعل حدود متلكه لألرض حيث ينتهي نباح كلبه‪ ،‬وال أيذن ألحد ابلرعي يف تلك األرض ولو مل يستغلها هو بنفسه‪ ،‬وجاء‬ ‫اإلسالم فألغى السابق كلَّه ألنه ظلم ألكثر الناس‪ ،‬وألن سببه القوة فحسب وليس العمل االقتصادي النافع‪ ،‬ويف احلديث عن‬ ‫الصعب بن جثامة أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬ال محى إال هلل ولرسوله»(‪ )3‬أي‪ :‬ال ُْحي َمى شيء من األرض إال ما‬ ‫خيصص برعي خيل اجلهاد وإبلها وإبل الزكاة وما يف معىن ذلك‪.‬‬ ‫والنيب صلى هللا عليه وسلم محى النقيع‪ ،‬وعمر بن اخلطاب محى السرف والربذة‪ ،‬وعليه فاحلمى سبيل لتشريك الثروة‬ ‫وجعلها متاحة لألمة كلها ترعى فيها أغنامها وماشيتها ويسبق إليها العامل اجملد‪ ،‬وعلى هذا فحق احلمى خاص ابهلل وبرسوله‬ ‫صلى هللا عليه وسلم لكونه احلاكم الذي يرعى مصلحة األمة كلها ويعمل على ضمان أن جيدوا الكأل واملرعى الذي تقصده‬ ‫خاصا أبفراد دون سواهم‪ ،‬وكل حاكم يف املسلمَّي يكون له هذا احلق يف أن حيمي بعض‬ ‫ثروهتم احليوانية وال يصح أن يكون ًّ‬ ‫األراضي وخيصها ببعض الثروات العامة كأن تكون للدولة ثروة حيوانية ومشاريع تستلزم أن تكون هلا مناطق امتياز معينة‪ ،‬فلها‬ ‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.101‬‬ ‫(‪ )2‬املاوردي‪ ،‬احلاوي الكبري‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪..481‬‬ ‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.113‬‬ ‫‪- 11 -‬‬ ‫هذا احلق بشرط أن يعود ابملصلحة على األمة كلها وليس أفرادا‪ ،‬وكل من أراد احلمى لنفسه أو ألهله أو لألغنياء خصوصا مل‬ ‫جيز وتصرفه حمرم‪ ،‬وإن كان احلمى للمصاحل العامة أو ملصاحل الفقراء دون ابقي أفراد اجملتمع فله ذلك‪.‬‬ ‫الناس شركاءُ يف ثالثة‪ :‬املاء والكأل والنار كما يف قوله صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬املسلمون‬ ‫فإن مل يقع هذا التصرف من احلاكم ف ُ‬ ‫شركاء يف ثالث‪ :‬املاء والكأل والنار"(‪.)1‬‬ ‫‪-3‬املعادن‪ ،‬املعادن هي جواهر األرض اليت أودعها هللا عز وجل يف األراضي واألماكن‪ ،‬واملعادن قسمان ظاهرة وابطنة‪،‬‬ ‫أما الظاهرة فهي كل ما كان ظاهرا يف معدنه يؤخذ دون عمل على أكمل أحواله كامللح واحلجارة‪ ،‬وهذه ال متلَّك األفراد وال‬ ‫يُ ْقطَعون إايها‪ ،‬بل يبقون متساويَّي فيها ال فرق بَّي صغري وكبري‪ ،‬وذكر وأنثى يف االنتفاع هبا؛ روى أبيض بن محال قال‪ :‬قدمت‬ ‫على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فاستقطعت امللح الذي مبأرب فقطعه يل‪ ،‬فلما ولَّيت قال له رجل‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬أتدري‬ ‫ما قطعت له؟ إمنا قطعت له املاء العد‪ ،‬فرجع عنه(‪.)2‬‬ ‫أما املعادن الباطنة فهي اليت ال شيء يف ظاهرها حىت يدخلها العمل االقتصادي املنتج كاحلفر والقطع واملعاجلة مثل معادن‬ ‫الفضة والذهب والنحاس واحلديد والنفط‪ ،‬وهذه مملوكة للدولة تصرفها يف مصاحل عموم اجملتمع‪ ،‬وال جيوز فيها االختصاص‬ ‫الفردي والتملك الشخصي ولو كانت يف أرض اإلنسان؛ ألهنا ثروات عامة ُجعلت لكل الناس‪ ،‬وللدولة أن تكلِّف ابستخراجها‬ ‫أفرادا نظري نسبة من العائد منها‪ ،‬لكن ال جيوز حبال من األحوال متليكها أفرادا من الناس من اجملتمع‪ ،‬وال جيوز ابألوىل أن متلَّك‬ ‫فرتحل بذلك أصول األمة وثرواهتا العامة بل جيب أن تبقى ثروة لألمة كلها‪ ،‬تعَّي الدولة على وظائفها‬ ‫أفرادا أو جهات خارجية َّ‬ ‫وواجباهتا كواجب الدفاع وحتقيق األمن والقيام بشؤون األمان االجتماعي ألفراد اجملتمع‪ ،‬ونصب القضاء وتطوير األفراد ابلتعليم‬ ‫وإنشاء البىن التحتية للعيش الكرمي‪ ،‬وهذا ال حتققه الدولة إن مل تكن هلا ممتلكات خاصة‪ ،‬واملعادن هي يف طليعة األموال اليت‬ ‫جتعلها الدولة لتحقيق الوظائف والواجبات املتقدمة‪.‬‬ ‫اثنيًا‪ :‬مرحلة التوزيع الوظيفي للثروات واألموال‪:‬‬ ‫كل حسب إسهامه‪ ،‬ويف االقتصاد التقليدي أربعة أقسام‬ ‫يراد هبذه املرحلة قسمة الناتج بَّي املشاركَّي يف العملية اإلنتاجية ٌ‬ ‫فاألجر للعمال‪ ،‬والريع ملالك األرض‪ ،‬والفائدة ألصحاب رب املال‪ ،‬والربح فائض وفضلة يكون للمنظمَّي أي املستثمرين‪.‬‬ ‫وأما يف اإلسالم فقد ضبط ذلك‪ ،‬وقرر ما أييت‪:‬‬ ‫أ‪-‬الفائدة‪ :‬حرمها اإلسالم‪ ،‬لكنه مل يصادر امللكية لرأس املال بل ألزم صاحبه بتحمل خماطرة اخلسارة إن أراد رحبا من رأس‬ ‫ماله‪ ،‬أما إنتاج املال من املال نفسه دون أن تكون هناك خماطرة كما هو احلال يف االقتصاد الرأمسايل فلم جيزه اإلسالم‪.‬‬ ‫ب‪-‬مكافأة العمل (األجر)‪ :‬ينظر االقتصاد التقليدي إىل األجر على أنه تكلفة يف العملية االقتصادية‪ ،‬لذلك فتقليلها‬ ‫مطلب اقتصادي يدفع ابالقتصاد لألمام‪ ،‬وهذا أمر يتعارض واإلسالم فقد محى اإلسالم حقوق العاملَّي إذ هم الطرف األضعف‬ ‫(‪ )1‬أمحد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬ج‪ ،38‬ص‪.174‬‬ ‫(‪ )2‬البيهقي‪ ،‬معرفة السنن واآلاثر‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.22‬‬ ‫‪- 12 -‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫فقد قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال ت ْبخ ُسوا َّ‬ ‫اس أش َي َاء ُه ْم﴾ الشعراء‪ ،183 :‬وعن أيب هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪" :‬قال هللا‪ :‬ثالثة أان خصمهم‬ ‫الن َ‬ ‫يوم القيامة رجل أعطى يب مث غدر‪ ،‬ورجل ابع حرا فأكل مثنه‪ ،‬ورجل استأجر أجريا فاستوىف منه ومل يعطه أجره"(‪.)1‬‬ ‫حد الكفاية ال حد الكفاف كما يف حديث املستورد بن‬ ‫واالقتصاد اإلسالمي يدعو إىل أن تكون أجرة العامل تضمن له َّ‬ ‫شداد أن النيب ‪ ‬قال‪" :‬من ويل لنا عمال وليس له منزل فليتخذ منزال‪ ،‬أو ليست له زوجة فليتزوج‪ ،‬أو ليس له خادم فليتخذ‬ ‫خادما‪ ،‬أو ليست له دابة فليتخذ دابة"(‪ ،)2‬ويف هذا بيان أن اإلسالم يرعى حقوق العاملَّي يف أجرة عملهم ويشرتط أن يكون‬ ‫العائد حمققا العيش الكرمي هلم‪.‬‬ ‫ومكافأة العامل يف اإلسالم قد تكون ابألجرة املقطوعة واليت ال دخل هلا يف الربح واخلسارة‪ ،‬وقد تكون بنسبة من الربح‬ ‫إن كان مثة ربح كما يف عقد املضاربة‪ ،‬وقد يكون ابملخاطرة وهو يف حق من يضمن املال كله كاملقرتض فيكون الربح كله من‬ ‫نصيبه‪ ،‬واملبادئ العامة اليت حتكم نظرة االقتصاد اإلسالمي إىل العاملَّي منها‪:‬‬ ‫(‪ )1‬مبدأ معلومية األجر لقوله ‪":‬من استأجر أجريا فليعلمه أجره"(‪ ،)3‬وذلك ليبعد العقد عن اجلهالة املفضية إىل الظلم‬ ‫والنزاع‪.‬‬ ‫(‪ )2‬مبدأ تعجيل األجر لقوله ‪" :‬أعطوا األجري حقه قبل أن جيف عرقه"’(‪ ،)4‬ويف تعجيل األجر حفز للطلب الفعال؛‬ ‫ألن األجر أهم عناصر الطلب االستهالكي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬مبدأ توفية األجر فعن أيب هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪ " :‬قال هللا‪ :‬ثالثة أان خصمهم يوم القيامة رجل أعطى يب مث غدر‪،‬‬ ‫ورجل ابع حرا فأكل مثنه‪ ،‬ورجل استأجر أجريا فاستوىف منه ومل يعطه أجره"(‪.)5‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫(‪ )4‬مبدأ عدالة األجر وتناسبه مع اجلهد‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال ت ْبخ ُسوا َّ‬ ‫اس أش َي َاء ُه ْم﴾ الشعراء‪.183 :‬‬ ‫الن َ‬ ‫(‪ ) 5‬مبدأ كفاية األجر‪ ،‬وهو مبدأ يستنبط من أحكام الزكاة ومن السياسة الشرعية اليت حددت معامل هادية ملستوى األجر‬ ‫يف القطاع العام إذ قررت أن‪" :‬من ويل لنا عمال وليس له منزل فليتخذ منزال‪ ،‬أو ليست له زوجة فليتزوج‪ ،‬أو ليس له خادم‬ ‫فليتخذ خادما‪ ،‬أو ليست له دابة فليتخذ دابة"(‪ ،)6‬وهذه هي املطالب األساسية لكفاية العامل‪.‬‬ ‫(‪ ) 6‬مبدأ التيسري يف العمل وعدم تكليف األجري فوق طاقته‪ ،‬ويؤصل هذا لتشريعات العمل املتعلقة مبدة العمل وشروطه‬ ‫الصحية وسالمته املهنية‪.‬‬ ‫(‪ ) 7‬أكد اإلسالم أخالقيات العامل ممثلة ابإلخالص واألمانة واإلتقان واإلحسان وغريها من القيم اإلسالمية املرعية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.90‬‬ ‫(‪ )2‬أمحد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬ج‪ ،29‬ص‪.543‬‬ ‫(‪ )3‬البيهقي‪ ،‬معرفة السنن واآلاثر‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.335‬‬ ‫(‪ )4‬ابن ماجه‪ ،‬سنن ابن ماجه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.817‬‬ ‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.90‬‬ ‫(‪ )6‬أمحد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬ج‪ ،29‬ص‪.543‬‬ ‫‪- 13 -‬‬ ‫ج‪-‬ريع مالك األرض‪ :‬األرض يف نظر االقتصاد اإلسالمي قسمان‪ :‬بيضاء غري مزروعة أبشجار هلا أصول اثبتة‪ ،‬أو‬ ‫مشجرة هلا أصول اثبتة‪ ،‬فالقسم األول وردت آاثر تنهى عن أخذ األجر عليها وكرائها منها حديث جابر بن عبد هللا أن رسول‬ ‫هللا ‪ ‬قال‪« :‬من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها‪ ،‬فإن مل يفعل‪ ،‬فليمسك أرضه»(‪ ،)1‬وقد اختلف الفقهاء يف السابق‬ ‫فذهب مجع إىل أن إجارة األرض ابطلة ال جتوز حبال‪ ،‬وقيل إن إجارهتا جائزة ابلذهب والورق‪ ،‬وال جيوز ابلرب والشعري وال مبا‬ ‫ينبت من األرض‪ ،‬واألكثر من الفقهاء على أنه جيوز كراء األرض بكل معلوم من ذهب أو ورق أو عرض أو مبا ينبت من‬ ‫األرض من بر أو شعري أو غريه‪.‬‬ ‫أما األرض املشجرة أو املزروعة فالعقد فيها يكون ابملساقاة أو املزارعة‪:‬‬ ‫واملساقاة هو العقد الذي يقوم فيه العامل ابلعناية ابألشجار سقيا وتنظيفا وغري ذلك من مستلزمات الزراعة‪ ،‬ويكون له‬ ‫جزء من احملصول يقدر بنسبة من النتاج‪.‬‬ ‫وأم ا املزارعة فالعقد فيه بَّي العامل ومالك األرض على أن يزرعها العامل مزروعات غري دائمة كاخلضار وحنوها ويكون‬ ‫للعامل نسبة من النتاج‪.‬‬ ‫أما عقد املغارسة فيقوم على أن يعطى العامل األرض البيضاء ليغرس فيها األشجار ويكون له جزء من األرض واألشجار‬ ‫القائمة عليها يقدر بنسبة من األرض‪.‬‬ ‫اثلثًا‪ :‬مرحلة إعادة التوزيع‪:‬‬ ‫أتيت هذه املرحلة لسحب جزء من الدخول املوزعة وظيفيا وإعادة دفعها إىل مستحقَّي آخرين حسب اعتبارات غري وظيفية‪،‬‬ ‫بل هي اجتماعية أو إنسانية ‪ ،‬بيان ذلك أن األسس احلقوقية للتوزيع اليت حتقق أهداف اإلسالم يف الكفاءة االقتصادية والعدالة‬ ‫هي العمل واملخاطرة واحلاجة‪ ،‬وتوزيع الثروة على أساس احلاجة من مظاهر تفوق اإلسالم على غريه من النظم االقتصادية‬ ‫فاحلاجة املعتربة شرعا أساس حقوقي أصيل يف متليك الثروة وتوزيعها وقسمتها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫‪ -1‬اإلرث‪ :‬وهذه عملية إعادة توزيع للثروات عند هناية كل دورة حياة‪ ،‬وقد تولت الشريعة اإلسالمية بيان هذه املرحلة‬ ‫وقسمتها قسمة تتوافق مع عمل العامل ومسؤولياته يف احلياة‪.‬‬ ‫ُ ْ ْ َْ َ ْ َ َ َ ً‬ ‫‪ -2‬الزكاة‪ :‬هي احلد األدىن من اإلنفاق الذي جيب على اإلنسان أن خيرجه قال تعاىل‪﴿ :‬خذ ِمن أمو ِال ِهم صدقة‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صَلتك َسك ٌن ل ُه ْم َو ُ‬ ‫َّللا َسم ٌيع َع ِل ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫صل َعل ْيه ْم إن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫يم﴾التوبة‪ ،103 :‬والزكاة لألصناف‬ ‫ِ‬ ‫تط ِهرهم وتز ِك ِيهم ِبها و ِ ِ ِ‬ ‫املنصوص عليها دون غريهم‪ ،‬والحظ للدولة منها‪ ،‬والزكاة هي أوسع عملية إعادة توزيع حتقق عدالة شاملة مبناها قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ ُ َ ًَ َ َْْ‬ ‫﴿ ك ْي ال َيكون ُدولة َب ْين األغ ِن َي ِاء ِمنك ْم ﴾ احلشر‪.7 :‬‬ ‫‪ -3‬أوجه اإلنفاق املختلفة‪ :‬كالصدقات على األقارب واحملتاجَّي بوجوهه املختلفة اليت دعا الشرع إليها‪.‬‬ ‫نظام التملك يف اإلسالم وأثره يف توزيع الثروات بني الناس‪:‬‬ ‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.107‬‬ ‫‪- 14 -‬‬ ‫لإلسالم نظام خاص يف التملك حيقق الكفاءة والعدالة فقد شرع‪:‬‬ ‫‪ -1‬امللكية اخلاصة‪ :‬وهذه يصل الفرد إليها ابجلهد والتعب‪.‬‬ ‫‪ -2‬امللكية العامة‪ :‬وهي ما كان مملوكا جملموع األمة كأصول املنافع من املياه والكأل‪ ،‬وكالطرق والوداين واملراعي وأماكن‬ ‫االستجمام اليت اختذها الناس مراحا‪ ،‬وال جيوز أن ختصص مثل هذه املنافع ال من قبل احلاكم وال من غريه بل تبقى على‬ ‫عمومها‪ ،‬إال ما تقدم ذكره من أمر احلِّ َمى‪ ،‬ومن السابق الثروات املعدنية على التفصيل الذي تقدم وأراضي الفتوح كما حدث‬ ‫يوم فتحت أرض السواد فقد جعلها عمر لألمة كلها‪.‬‬ ‫‪ -3‬ملكية الدولة‪ :‬هي امللكية اليت صاحبها بيت املال على اعتباره شخصية اعتبارية‪ ،‬يتصرف فيها اإلمام مبا يراه مصلحة‬ ‫للدولة وحمققا املنفعة لعموم الناس‪.‬‬ ‫ومما تقدم‪ :‬غاية فعالية التوزيع حتقيق العدالة التوزيعية‪ ،‬وكفاية األفراد واجملتمع والقضاء على الفقر‪ ،‬وحتقيق التوازن االجتماعي‪،‬‬ ‫ومنع تركز الثروة مبا ينشئ جمتمع الوحدة والتآلف‪ ،‬والنهوض ابلتنمية االقتصادية‪ ،‬وبلوغ أقصى درجة ممكنة من الرفاهية‪.‬‬ ‫الفعالية االقتصادية الثانية‬ ‫اإلنتاج يف االقتصاد اإلسالمي‬ ‫تبَّي من قبل أنه كانت للشريعة اإلسالمية نظرة يف التوزيع األويل للثروات حتمل اجملتمع على تفعيل املوارد املتاحة مبا يرجع‬ ‫ابملصلحة عليه‪ ،‬وأن األساس احلقوقي للتوزيع األويل للثروات هو العمل االقتصادي املنتج‪ ،‬فمن ال يعمل ال يستحق يف مرحلة‬ ‫التوزيع األويل للثروات وأصول اإلنتاج شيئا‪ ،‬ومن يعمل قليال يوزع عليه من الثروات األولية ما يناسب قدرته‪.‬‬ ‫والنظرة السابقة حتقق لالقتصاد الكفاءة االقتصادية اليت تفعل املوارد املتاحة‪ ،‬ويف هذه الفعالية (اإلنتاج) سيتبَّي أن اإلسالم‬ ‫ال يريد اإلنتاج ألي شيء بل يريد إنتاج الطيبات اليت حتقق تلبية حاجاته الضرورية اليت تقوم جبسده وروحه حىت حيقق واجب‬ ‫االستخالف على األرض ويعمرها ابخلري الذي يرجع عليه وعلى أمته والبشرية مجعاء‪ ،‬فليس املراد أن يكون هناك عمل فحسب‪،‬‬ ‫بل املراد يف الشريعة اإلسالمية أن يكون هناك عمل انفع موافق للحاجات البشرية احلقيقية ال الضارة‪ ،‬وهذا ما يعرف بكون‬ ‫اإلنتاج موافقا للتفضيل االجتماعي‪ ،‬فال إنتاج ملا يرجع ابلضرر على الناس‪.‬‬ ‫مفهوم اإلنتاج‬ ‫الطيبات(‪ )1‬اليت تليب احلاجات اإلنسانية ليست متاحة يف الطبيعة بصورهتا النهائية غالبا‪ ،‬بل يلزم حىت يستفاد منها أن‬ ‫يتدخل اإلنسان ابلتأثري العملي على الطبيعة ومعطياهتا هبدف إعدادها وهتيئتها لتكون يف صورة ميكن لإلنسان أن ِّ‬ ‫يويف هبا‬ ‫(‪( )1‬الطيبات ) يف االقتصاد اإلسالمي مصطلح يدل على كل شيء مل متنع الشريعة اإلسالمية من استهالكه واالنتفاع به‪ ،‬وغالب املمنوعات يف الشريعة سبب منعها‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ات﴾ املائدة‪ ،4 ،‬ويقابل مصطلح (الطيبات) مصطلح‬ ‫ك َماذَا أُحلَّ َهلُْم قُ ْل أُحلَّ لَ ُك ُم الطَّيِّبَ ُ‬ ‫أهنا ترجع على اإلنسان ابلضرر‪ ،‬وقد متُْنَع لغري ذلك‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يَ ْسأَلُونَ َ‬ ‫ين يَتَّبِّعُو َن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ول‬ ‫الر ُس َ‬ ‫(اخلبائث)‪ ،‬و(اخلبائث)‪ :‬كل شيء منعت الشريعة اإلسالمية من استهالكه واالنتفاع به يف ظرف من الظروف‪ ،‬أو يف كل الظروف‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬الَّذ َ‬ ‫ات َوُحيَ ِّرُم َعلَْي ِّه ُم ا ْخلَبَائِّ َ‬ ‫ِّ‬ ‫وف وي ْن هاهم ع ِّن الْمْن َك ِّر وُِّحي ُّل َهلم الطَّيِّب ِّ‬ ‫النَِّّيب ْاأل ُِّمي الَّ ِّذي َِّجي ُدونَه مكْتُواب عِّْن َدهم ِّيف التَّوراةِّ و ِّْ ِّ‬ ‫ض ُع َعْن ُه ْم إِّ ْ‬ ‫صَرُه ْم َو ْاألَ ْغ َال َل‬ ‫ث َويَ َ‬ ‫اإل ْْن ِّيل َأي ُْمُرُه ْم ِّابل َْم ْعُر َ َ َ ُ ْ َ ُ َ ُُ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َُ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ت َعلَْي ِّه ْم﴾ األعراف‪.157 ،‬‬ ‫الَِّّيت َكانَ ْ‬ ‫‪- 15 -‬‬ ‫حاجاته البشرية ومتطلباته‪ ،‬فاألرض يلزم هلا أن حترث ويعتىن هبا مث تزرع‪ ،‬والزرع ال بد له من عناية ورعاية‪ ،‬والثمر بعد ذلك منه‬ ‫ما يؤكل مباشرة ومنه ما يلزم له إعداد خاص‪ ،‬ومثلها املاشية يف املأكوالت احليوانية‪ ،‬ونشاط اإلنسان الذي يهدف إىل حتويل‬ ‫موارد الطبيعة إىل طيِّبات تستهلك ويستفاد منها هو ما يسمى (اإلنتاج) ‪.Production‬‬ ‫الضوابط الشرعية العامة لفعالية اإلنتاج‬ ‫فعالية اإلنتاج مهمة جدًّا‪ ،‬فاإلنسان ال يستهلك املوارد األولية وال غريها‪ ،‬وألجل ذلك لن يكون للموارد األولية فائدة ولن‬ ‫حيرص الناس عليها إال ألجل اإلنتاج‪ ،‬وإ ْن ترك اإلنسان لينتج ما يريد دون ضابط فقد يرجع عمله االقتصادي اهلادف إىل‬ ‫يوجه‬ ‫اإلنتاج ابلضرر على الناس‪ ،‬وألجل ذلك ولضمان أن يسري اإلنتاج يف وجهة حتقيق حاجات اإلنسان احلقيقية‪ ،‬وأن ال َّ‬ ‫حنو ما يضر اإلنسان جملرد الطلب الفعال كانت للشريعة اإلسالمية ضوابط متعددة يف جمال اإلنتاج حتقق الكفاءة االقتصادية‬ ‫بشقيها الفنية والتخصيصية(‪ ،)1‬وميكن أن ْندها يف األحكام اآلتية‪:‬‬ ‫‪-1‬وجوب تعبئة املوارد للنشاط االقتصادي‬ ‫املوارد قسمان بشرية وطبيعية‪ ،‬أما املوارد البشرية فاإلسالم حيث على تعبئة املوارد البشرية وجتهيزها للفعالية االقتصادية‪،‬‬ ‫َ َ َ َُ ُ َْ‬ ‫َّ‬ ‫ض‬ ‫األ ْر َ‬ ‫فاإلسالم ميجد العمل وينهى عن التعطل ويف ذلك يقول تعاىل موجها إىل االكتساب‪ُ ﴿ :‬ه َو ال ِذي جعل لكم‬ ‫َّ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫الن ُش ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ ُّ‬ ‫َُ ً َ ُ‬ ‫الصَلة ف ْانت ِش ُروا‬ ‫ور﴾ امللك‪ ،1٥ :‬ويقول أيضا‪ ﴿ :‬ف ِإذا ق ِض َي ِت‬ ‫ذلوال ف ْامشوا ِفي من ِاك ِبها وكلوا ِمن ِرز ِق ِه و ِإلي ِه‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َّ ُ ُ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َّ ْ ُ‬ ‫َّللا َواذك ُروا َّللا ك ِث ًيرا ل َعلك ْم تف ِل ُحون ﴾ اجلمعة‪ ،10 :‬وأسقط واجبات شرعية ألجل أهنا‬ ‫ض وابتغوا ِمن فض ِل ِ‬ ‫ِفي األر ِ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َّ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫وم أ ْدنى ِم ْن ثلث ِي‬ ‫تتعارض والضرب يف األرض الذي هو العمل ألجل كسب املعيشة كما يف قوله‪ِ ﴿ :‬إن ربك يعلم أنك تق‬ ‫َّ ْ َ ْ َ ُ َ ُ ُ َ ُ َ َ َ ٌ َ َّ َ َ َ َ َ َّ ُ ُ َ ُ َّ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ َ َ َ ُ‬ ‫اب َعل ْيك ْم‬ ‫اللي ِل و ِنصفه وثلثه وطا ِئفة ِمن ال ِذين معك وَّللا يق ِدر الليل والنهار ع ِلم أن لن تحصوه فت‬ ‫األ ْرض َي ْب َت ُغو َن م ْن َف ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ‬ ‫ض ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاقرءوا ما تيسر ِمن القر ِآن ع ِلم أن سيكون ِمنكم مرض ى وآخرون يض ِربون ِفي‬ ‫َّ َ َ َ ُ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫الزكاة﴾ املزمل‪.20 :‬‬ ‫َّللا فاق َر ُءوا َما ت َي َّس َر ِم ْن ُه َوأ ِق ُيموا الصَلة وآتوا‬ ‫َّللا وآخ ُرون يقا ِتلون ِفي س ِب ِيل ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقد أكدت السنة القولية ذات التوجه فعلى سبيل التمثيل نذكر قول النيب ‪ ‬حَّي سئل عن أطيب الكسب فأجاب‪:‬‬ ‫"عمل الرجل بيده وكل بيع مربور"(‪ ،)2‬وقوله ‪" :‬ما أكل أحد طعاما قط خريا من أن أيكل من عمل يده وإن نيب هللا داود‬ ‫‪-‬عليه السالم‪ -‬كان أيكل من عمل يده"(‪.)3‬‬ ‫(‪ )1‬الكفاءة الفنية اإلنتاجية‪ :‬االستفادة من أكرب قدر ممكن من املوارد املتاحة يف اإلنتاج‪.‬‬ ‫الكفاءة التخصيصية‪ :‬كون اإلنتاج موافقا لرغبات اجملتمع وحاجاته احلقيقية (التفضيل االجتماعي)‪ ،‬والشريعة اإلسالمية عنيت بتحقيق كال النوعَّي من الكفاءة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.141‬‬ ‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.57‬‬ ‫‪- 16 -‬‬ ‫وقد عمل النيب ‪ ‬ابلرعي أجريا‪ ،‬واشتغل ابلتجارة وشارك يف بناء املسجد‪ ،‬وحفر اخلندق مع الصحابة‪ ،‬وزرع النخيل بيده‬ ‫الشريفة يف املدينة‪ ،‬وابع فيمن يزيد‪ ،‬وما ترفَّع عن عمل ومل يرض أن يكفيه أح ٌد شأان من شؤونه كما أكدت ذلك السرية النبوية‬ ‫الشريفة‪.‬‬ ‫ومن سنته ‪ ‬أن ال يعطي الزكاة للقادر على العمل؛ ألن األصل أن يكسب املرء كفايته ابلعمل؛ فقرر أن الزكاة‪" :‬ال حتل‬ ‫يؤمن كفاية اإلنسان وكفاية من يكلف بعوله هو من الواجبات الشرعية؛‬ ‫لغين وال لقوي مكتسب"(‪ ،)1‬وإن قدرا من الكسب ِّ‬ ‫ألن‪( :‬ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب)‪.‬‬ ‫أما املوارد الطبيعية وعلى رأسها األرض فاإلسالم ِّ‬ ‫يوجه حنو استغالهلا استغالال أمثل يضمن كفاية اجملتمع من نتاجها‪ ،‬ومن‬ ‫مظاهر ذلك‪:‬‬ ‫‪-‬حفَّز الناس على استصالح األرض وإحيائها ألجل استغالهلا وجعل ذلك سببا من أسباب متلك اإلنسان لألرض كما‬ ‫يف قوله ‪" :‬من أحي أرضا ميتة فهي له"(‪.)2‬‬ ‫ِّ‬ ‫ومالك لألرض‪ ،‬فإن كان غري قادر على الزراعة فليمنحها القادرين عليها وال يعطلها‬ ‫‪-‬حض على الزراعة كل ِّ‬ ‫قادر عليها‬ ‫كما يف حديث أيب هريرة أن النيب ‪‬قال‪« :‬من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه‪ ،‬فإن أىب فليمسك أرضه»(‪.)3‬‬ ‫‪-‬منع اإلسالم احتجاز األرض امل ْقطَ َعة إن كان من أعطي األرض غري قادر على العمل ألن يف ذلك تعطيال لألرض‬ ‫وحرماان للمجتمع‪ ،‬وألجل ذلك تؤخذ األرض منه وتعطى القادرين على العمل‪ ،‬ويف احلديث عن بالل بن احلارث املزين أن‬ ‫رسول هللا ‪ ‬أقطعه العقيق أمجع قال‪ :‬فلما كان عمر قال لبالل‪ :‬إن رسول هللا ‪ ‬مل يقطعك لتحجره عن الناس‪ ،‬إمنا أقطعك‬ ‫لتعمل‪ ،‬فخذ منها ما قدرت على عمارته‪ ،‬ورد الباقي(‪.)4‬‬ ‫وجه اإلسالم يف استغالل ثروات األرض املعدنية توجيها يضمن استغالال عادال للثروات املعدنية‪ ،‬فقد رتبت الشريعة‬ ‫‪َّ -‬‬ ‫حقوقا ملن يستغلها تتناسب مع جهده ونفقته‪ ،‬فالذي يظهر على األرض دون بذل وعمل هو للناس كلهم وال يصح فيه‬ ‫االختصاص الفردي‪ ،‬ومثله الثروات الكربى كالنفط والذهب واملعادن النفيسة‪.‬‬ ‫‪ -‬منع اإلسالم من بيع فضل املاء بل أوجب بذله لآلخرين حىت يسقوا مزارعهم وهنى عن احتكاره‪ ،‬فعن أيب هريرة أن النيب‬ ‫‪ ‬قال‪« :‬ال ميُْنَع فضل املاء ليمنع به الكأل»(‪ ، )5‬فال يصح ملن ميلك ماء أن مينع فضلته ملن ال مصدر له من املياه ألنه بذلك‬ ‫سيمنع الكأل والعشب من أن يشرب فيتضرر الناس يف مراعيهم‪ ،‬ونظم دورة سقي املاء فاألعلى يسقي قبل األدىن‪ ،‬وليس لألدىن‬ ‫أن يستعجله حىت أيخذ كفايته لتتوزع الثروة املائية ابلعدالة للجميع فيحصل استزراع لألرض بكفاءة‪ ،‬ويف احلديث عن عبد هللا‬ ‫(‪ )1‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪..224‬‬ ‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.178‬‬ ‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.107‬‬ ‫(‪ )4‬ابن زْنويه‪ ،‬األموال‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.647‬‬ ‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.110‬‬ ‫‪- 17 -‬‬ ‫بن الزبري أن رجال من األنصار خاصم أابه الزبري عند النيب ‪ ‬يف شراج احلرة(‪ )1‬اليت يسقون هبا النخل‪ ،‬فقال األنصاري‪ِّ :‬‬ ‫سرح‬ ‫املاء مير‪ ،‬فأىب عليه؟ فاختصما عند النيب ‪‬فقال النيب للزبري‪« :‬اسق اي زبري‪ ،‬مث أرسل املاء إىل جارك»‪ ،‬فغضب األنصاري‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول هللا ‪ ‬مث قال‪« :‬اسق اي زبري‪ ،‬مث احبس املاء حىت يرجع إىل اجلدر»(‪ ،)2‬وقوله‬ ‫حىت‪( :‬يرجع اجلدر) أي حىت يصل املاء احلواجز اليت حتبس املاء‪ ،‬واملراد‪ :‬حىت تبلغ متام الشرب‪.‬‬ ‫‪-‬وجه اإلسالم املوارد املالية لتخدم االقتصاد احلقيقي وال تعطَّل‪ ،‬وبذلك ينشط االقتصاد وتزدهر العملية اإلنتاجية‪ ،‬ومن‬ ‫َ َّ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ َ ْ َّ َ‬ ‫ضة‬ ‫ذلك هنى عن االكتناز الذي هو حبس النقد وعدم إخراج زكاته كما يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وال ِذين يك ِنزون الذهب وال ِف‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َوَال ُي ْنف ُق َون َها في َ‬ ‫اب أ ِل ٍيم (‪َ )34‬ي ْو َم ُي ْح َمى َعل ْي َها ِفي ن ِار َج َه َّن َم ف ُتك َوى ِب َها ِج َب ُاه ُه ْم‬ ‫ِ ٍ‬‫ذ‬‫ع‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ر‬‫ش‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫َّللا‬ ‫ِ‬ ‫يل‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُُْ َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ُُ ْ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُْ ْ ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫ور ُه ْم هذا َما كنزت ْم ِألنف ِسك ْم فذوقوا َما كنت ْم تك ِنزون﴾ التوبة‪.3٥-34 :‬‬ ‫وجنوبهم وظه‬ ‫‪-‬تعطيل املوارد املالية سبب يف القضاء على اإلنتاج؛ ألن نقص وسائل الشراء يف حميط التداول ينقص الطلب فيدفع حنو‬ ‫البطالة‪ ،‬وكانز األموال مضار للمجتمع ومتعسف يف استخدام حقه؛ ألنه حيرم اجملتمع من وظيفة النقود االجتماعية‪ ،‬وحترمي‬ ‫االكتناز يرفع من مستوى الطلب ومن مث يرفع مستوى النشاط االقتصادي‪.‬‬ ‫واإلسالم حرم الراب‪ ،‬وبذلك يسقط عن الناتج االجتماعي عنصرا من عناصر التكلفة اليت ال يقر هبا اإلسالم قال تعاىل‪:‬‬ ‫ان م َن ْاملَس َذل َك ب َأ َّن ُه ْم َق ُالوا إ َّن َما ْال َب ْيعُ‬ ‫الش ْي َط ُ‬ ‫وم َّالذي َي َت َخ َّب ُط ُه َّ‬ ‫ُ‬ ‫ومو َن إ َّال َك َما َيقُ‬ ‫ُ‬ ‫ين َي ْأ ُك ُلو َن الرَبا َال َيقُ‬ ‫﴿ َّالذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْث ُل الرَبا َوأ َح َّل َّ ُ‬ ‫َّللا َو َم ْن َع َاد‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫الربا ف َمن ج َاءه مو ِعظة ِمن َرِب ِه فانتهى فله ما سلف وأ ْم ُره ِإلى ِ‬ ‫َّللا ال َب ْي َع َو َح َّر َم َ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُِ ِ‬ ‫َّ َ َ َ َّ ُ َ ُ ُّ ُ َّ َ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َفأ َولئ َ‬ ‫ات وَّللا ال ي ِحب كل كف ٍار أ ِث ٍيم‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫الص‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ا‬‫ب‬ ‫الر‬ ‫ِ‬ ‫َّللا‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫)‬ ‫‪275‬‬ ‫(‬ ‫ن‬ ‫و‬‫د‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫خ‬ ‫ا‬‫يه‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ار‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫اب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫﴾ البقرة‪.2٧6-2٧٥ :‬‬ ‫كما أوجب اإلسالم الزكاة بشروطها على األصول النقدية بنسبة ‪ ، %2.5‬وهذا ميثل حافزا لألفراد الستثمار أمواهلم حىت‬ ‫يدفعوا الزكاة من مناء املال ال من أصله‪ ،‬وقد كان هذا املعىن واضحا يف التوجيه النبوي لكافل اليتيم بقوله ‪" :‬أال من ويل يتيما‬ ‫له مال فليتَجر مباله وال يرتكه حىت أتكله الصدقة"(‪.)3‬‬ ‫والسابق كله يؤدي إىل أكرب استغالل ممكن للموارد الطبيعية دون هدر أو تعطيل‪.‬‬ ‫‪-2‬وجوب ختصيص املوارد حبسب احلاجات الفعلية للمجتمع‪:‬‬ ‫يتوجه اإلنسان فطرة فيما ينتجه إىل الطلب الفعال‪ ،‬فحيثما وجد طلبا فعاال أنتج‪ ،‬وهذا ما يفسر إنتاج املسكرات‬ ‫واملخدرات والرتفيات‪ ،‬ومع هذا السبب إن الذي يفسر ماذا ننتج لو فرضنا أن هناك استخدامَّي بديلَّي ملادة أولية واحدة أوهلما‬ ‫يرجح ختصيص هذه املادة هلذا‬ ‫إلنتاج سلعة ضرورية يطلبها الفقراء‪ ،‬والثاين خيص كماليات األغنياء فإنه لن يكون هناك معيار ِّ‬ ‫(‪ )1‬الشراج مجع شرج‪ ،‬وهو ممر املاء من األعلى إىل األسفل‪ ،‬واحلرة منطقة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.111‬‬ ‫(‪ )3‬البيهقي‪ ،‬معرفة السنن واآلاثر‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.246‬‬ ‫‪- 18 -‬‬ ‫االستخدام أو ذاك سوى الربح املتوقع من إنتاج السلعتَّي‪ ،‬وحيث إن قوى الشراء هي جبانب األغنياء فتوجه املوارد حنو تلبية‬ ‫طلباهتم هم‪ ،‬فيتم إنتاج سلع الرتفيات‪.‬‬ ‫فحرم إنتاج اخلبائث‬ ‫لكن اإلسالم ضبط األمر السابق وجعل اإلنتاج وختصيص املوارد مربوطا ابحلاجات احلقيقية للمجتمع؛ َّ‬ ‫موجها حنو القيام حباجة أكثر الناس الذين هم غري األغنياء‪ ،‬مما يقضي بكون اإلنتاج سيوجه‬ ‫أاي كانت‪ ،‬وجعل األجر األخروي َّ‬ ‫حنو احلاجات احلقيقية‪ ،‬فإن عزف املشروع اخلاص عن كفاية حاجات الناس العامة فالواجب ميلي على السياسة الشرعية حتفيز‬ ‫املشروع اخلاص لينتج احلاجات العامة كاإلعفاءات من الضرائب والشراء من املنتجَّي‪.‬‬ ‫وما عجز عنه املشروع اخلاص لزم الدولة أن تدخل يف إنتاجه ابستثماراهتا لئال يلحق اجملتمع ضرر من جراء نقص إنتاج‬ ‫الضرورايت‪.‬‬ ‫وعليه فاإلنتاج يف اقتصاد إسالمي حمكوم ابلوفاء ابحلاجات احلقيقية للمجتمع وليس ابلربح فحسب الذي يعرف ابلطلب‬ ‫الفعال‪ ،‬ولذلك فهو موافق للتفضيل االجتماعي‪.‬‬ ‫‪ -3‬ترشيد استخدام املوارد وأتكيد الرقابة النوعية على اإلنتاج‬ ‫إن تشريعات اإلسالم املختلفة ِّ‬ ‫تقرر‪:‬‬ ‫‪-‬وجوب استخدام املوارد حبدود الوظيفة اليت تؤديها‪ ،‬وما خرج عن ذلك فهو سفه منهي عنه سواء أكان ذلك من‬ ‫الفرد أو اجملتمع‪ ،‬وقد أمر النيب ‪ ‬برتشيد استخدام املاء ولو كان املرء على هنر جار(‪ ،)1‬أي ولو كان الفرد ال يتحمل أي تكلفة‬ ‫خاصة وال خيشى نفادا يف املورد‪ ،‬فكيف ابملوارد االقتصادية األخرى‪.‬‬ ‫الرِّح ُيم (‪ )6‬الَّ ِّذي‬ ‫َّه َادةِّ الْ َع ِّز ُيز َّ‬ ‫‪-‬وجوب إتقان العمل‪ ،‬فقد امتدح هللا سبحانه ذاته العلية بقوله‪َ ﴿ :‬ع ِّاملُ الْغَْي ِّ‬ ‫ب َوالش َ‬ ‫اَّللِّ‬ ‫صْن َع َّ‬ ‫ال َْحتسب ها ج ِّام َدة وِّهي متَُُّر مَّر َّ ِّ‬ ‫أَحسن ُك َّل َشيء خلَ َقه ﴾ السجدة‪ ،7-6 :‬وقال‪﴿ :‬وتَرى ِّْ‬ ‫الس َحاب ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫اجلبَ َ َ ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ْ ََ‬ ‫الَّ ِّذي أَتْ َق َن ُك َّل َشيء إِّنَّهُ َخبِّريٌ ِّمبَا تَ ْف َعلُو َن ﴾ النمل‪ ،88 :‬والنيب ‪ ‬يقول‪" :‬إن هللا حيب إذا عمل أحدكم عمال أن‬ ‫ْ‬ ‫يتقنه(‪ ،)2‬ويقول ‪ ‬أيضا‪" :‬إن هللا تعاىل حيب من العامل إذا عمل أن حيسن"(‪.)3‬‬ ‫ومما تقدم ذكره خمتصرا يثبت أن اإلنتاج يف بيئة االقتصاد اإلسالمي أكثر كفاءة وأعلى جدوى‪ ،‬ففيه تتحقق الكفاءة‬ ‫االقتصادية بكال نوعيها الفنية والتخصيصية‪ ،‬فهو يشرع الستغالل أقصى مقدار ممكن من الثروات واملوارد‪ ،‬مث يوجهها لينتج‬ ‫منها ما يليب احلاجات احلقيقية للمجتمع‪ ،‬ويف ذلك كله يوجب اإلسالم إحسان العمل وإتقانه‪ ،‬واتصاف اإلنتاج يف بيئة‬ ‫االقتصاد اإلسالمي ابلكفاءة يدفع ابالقتصاد حنو الرواج‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪..221‬‬ ‫(‪ )2‬البيهقي‪ ،‬شعب اإلميان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.334‬‬ ‫(‪ )3‬الطرباين‪ ،‬املعجم الكبري‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.199‬‬ ‫‪- 19 -‬‬ ‫الفعالية االقتصادية الثالثة‪ :‬تبادل األموال والسلع‬ ‫أوال‪ :‬معىن التبادل وأمهيته‬ ‫ً‬ ‫إن املنتجات اليت خترج من فعالية اإلنتاج متباينة؛ لتباين الثروات وقدرات املنتجَّي وتوجهاهتم وبيئاهتم‪ ،‬واملنتِّج ال ينتج‬ ‫املنتجة‬ ‫حاجاته بل حاجة من احلاجات الكثرية‪ ،‬وغريه ينتج سواها مما هي مضطر إليها‪ ،‬وهذا كله جيعل أمر تبادل الثروات َ‬ ‫ت َربِّ َ‬ ‫ك َْحن ُن قَ َس ْمنَا‬ ‫ِّ‬ ‫واململوكة ابتداء متعينا ال يويف اإلنسان حاجاته دونه‪ ،‬وألجل ذلك قال هللا تعاىل‪﴿ :‬أ َُه ْم يَ ْقس ُمو َن َر ْمحَ َ‬ ‫خ ِّرًّاي ﴾ الزخرف‪،32 :‬‬ ‫ضهم فَو َق ب عض درجات لِّي ت ِّ‬ ‫يشتَ هم ِّيف ْ ِّ‬‫ِّ‬ ‫ض ُه ْم بَ ْعضا ُس ْ‬ ‫َّخ َذ بَ ْع ُ‬ ‫احلَيَاة الدُّنْيَا َوَرفَ ْعنَا بَ ْع َ ُ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫بَْي نَ ُه ْم َمع َ ُ ْ‬ ‫وملا تقدم فالطيبات اليت هي مثرة فعالية اإلنتاج يشرتك يف استهالكها كل األفراد‪.‬‬ ‫لكن وصول اإلنسان إىل ما لدى اآلخرين يلزمه أن يبادهلم منتجاهتم‪ ،‬وقد كان العمل قدميا كما تقول كتب اتريخ النقود‬

Use Quizgecko on...
Browser
Browser