ملخص المقال في الأدب العربي القديم PDF

Summary

هذا الملخص عن مقال في الأدب العربي القديم، ويدرس تطور المقال في الأدب العربي، ويقدم أمثلة من آثار الأدباء والنقاد العرب القدامى مثل الحسن البصري وعبد الحميد بن يحت. يغطي المقال تطور المقال في الأدب العربي القديم وتأثيره على المجتمعات العربية.

Full Transcript

‫جامعة بدر بأسيوط‬ ‫كلية اللغات ر‬ ‫والتجمة‬ ‫قسم اللغة العربية‬ ‫مالمح المقال ف األدب العرب القديم‬ ‫إعداد‬ ‫د‪.‬حسام البدري عبد...

‫جامعة بدر بأسيوط‬ ‫كلية اللغات ر‬ ‫والتجمة‬ ‫قسم اللغة العربية‬ ‫مالمح المقال ف األدب العرب القديم‬ ‫إعداد‬ ‫د‪.‬حسام البدري عبد المبدي‬ ‫مدرس النحو والصرف والعروض بكلبة اللغات والترجمة‬ ‫]الباب األول‪ :‬المقال وتطوره[‬ ‫الفصل األول‪ :‬مالمح المقال ف األدب العرب القديم[‬ ‫]الفصل األول‪ :‬مالمح المقال ف األدب العرب القديم[‬ ‫بدت مالمح المقال ف األدب العرب منذ القرن الثاب الهجري ف رسائل األدباء‬ ‫وفصول البلغاء الت تناولت أشياء من الفكر واالجتماع واألدب والنقد‪ ،‬وعبت‬ ‫عن ذاتهم وأفكارهم الشخصية والموضوعية ف موضوعات محددة‪ ،‬وصور‬ ‫‪.‬مركزة‬ ‫ولو تناول نقاد العرب الرسائل والفصول ‪-‬الت خلفها أسالفنا‪ -‬بالدراسة والنقد‪،‬‬ ‫ال مدونا رببوة ال تنفذ‪ ،‬ومعي ال ينضب من األبحاث الخلقية واالجتماعية؛ ألنها‬ ‫مقاالت تناولت الناس ‪-‬إذ ذاك‪ -‬مكتوبة ف كراسات كما نتناول المقاالت اليوم ف‬ ‫‪.‬الصحف والمجالت‬ ‫ولقد حفلت الرسائل اإلخواتية بموضوعات انفرد الشعر بها ‪-‬كالغزل والمديح‬ ‫والوصف والفخر والهجاء‪ -‬تحمل سمات المقال‪ ،‬وتبدو فيها خصائصه‪ ،‬يجد‬ ‫القارئ فيها متنفسا عن عواطفه الشخصية‪ ،‬وتعببا حرا عما يدور بخلده‪ ،‬ال‬ ‫‪.‬يقيده وزن وال تحده قافية‬ ‫ومن هنا كانت أقرب فنون ر‬ ‫النب إىل الشعر‪ ،‬ولوال تكلف األدباء منذ القرن‬ ‫السادس الهجري للمحسنات اللفظية‪ ،‬والصور البديعية‪ ،‬لتطورت الرسالة‪،‬‬ ‫وكانت المثل المبكر لفن المقال‪ ،‬كما عرفته اآلداب األوربية الحديثة‪ ،‬وقديما قال‬ ‫‪".‬مفكرو العرب األول‪" :‬لكل مقام مقال‬ ‫وإذا تصفحنا كتب األدب وتعرفنا عىل آثار أعالمه‪ ،‬لوقفنا عىل أمثلة شت ف‬ ‫النواح األدبية والفكاهية والسياسية واالجتماعية تؤيد رأب‪ ،‬وتدعم ما أذهب‬ ‫‪:‬إليه‪ ،‬فإىل بعض األعالم وآثارهم‬ ‫أول‪ :‬الحسن البرصي ‪١١٠-٢١‬هـ‬ ‫أكب وعاظ عرصه‪ ،‬عرف بالزهد والورع والتقوى والفصاحة والحكمة‪ ،‬ومن عباد‬ ‫هللا الصالحي الذين تفقهوا ف الدين‪ ،‬حت قال اإلمام الغزاىل عنه‪" :‬كان الحسن‬ ‫البرصي أشبه الناس كالما بكالم األنبياء‪ ،‬وأقرب هم هديا من الصحابة"‪ ،‬وقال‬ ‫ثابت بن قرة‪" :‬ما أحسد هذه األمة العربية إال عىل ثالثة أنفس‪ :‬عمر بن‬ ‫الخطاب ف سياسته وعدله‪ ،‬والجاحظ ف فصاحته وبيانه‪ ،‬والحسن البرصي ف‬ ‫‪".‬عدله وورعه‬ ‫عاص الحسن البرصي صاع األمة عقب مقتل عثمان بن عفان‪ ،‬وتأثر باألحداث‬ ‫الت ألمت بالمجتمع اإلسالم‪ ،‬وجابه القضايا الفكرية الت أثارها علماء الكالم إذ‬ ‫َ‬ ‫وحك ِمه ومواعظه أثر بالغ ف ظهور الحركة الصوفية ف‬ ‫ذاك‪ ،‬وكان ألقواله ِ‬ ‫‪.‬اإلسالم‬ ‫كان الحسن جريئا ال يخش لومة الئم‪ ،‬ينقد خلفاء وعمال بت أمية‪ ،‬ويصفهم‬ ‫بالظلم والبغ سوى عمر بن عبد العزيز الذي أتاح الحرية واألمن واألمان للناس‬ ‫خالل حكمه القصب ‪١٠١-٩٩‬ـه‪ ،‬فهيأ للحسن وأمثاله جوا صالحا لنش آرائهم‬ ‫ف السياسة والحكم‪ ،‬وه آراء مستمدة من روح الدين الحنيف الذي يعتمد عىل‬ ‫الشورى والعدالة‪ ،‬وترددت أصداء هذه الحرية فيما كتب الحسن البرصي وبعث‬ ‫‪.‬به إىل عمر بن عبد العزيز‬ ‫دينياته‬ ‫للحسن البرصي رسائل وعظية جليلة‪ ،‬مبثوثة ف كتب األدب؛ كالبيان والتبيي‬ ‫للجاحظ‪ ،‬وعيون األخبار البن قتيبة‪ ،‬والعقد الفريد البن عبد ربه‪ ،‬وه رسائل‬ ‫تذكر بالبعث‪ ،‬وتخوف من الحساب‪ ،‬وتحض عىل التقوى‪ ،‬وتدعو لصالح‬ ‫األعمال‪ ،‬وتنفر من الدنيا‪ ،‬وترغب ف اآلخرة‬ ‫لعبت رسائل الحسن الوعظية دورا هاما ف حياة الناس االجتماعية والسياسية‪،‬‬ ‫اعتمد فيها عىل البغيب والبهيب حينا‪ ،‬والوعد الوعيد حينا آخر‪ ،‬وآثر خاللها‬ ‫األسلوب الذي يخاطب الوجدان‪ ،‬ويناح القلب‪،‬ويغوص إىل أعماق النفس‬ ‫فيهزها بما يشد من أمثلة‪ ،‬ويقدم من صور‪ ،‬ويعتمد عىل السجع‪ ،‬ويؤثر من‬ ‫‪.‬ترادف‪ ،‬ويحرص عليه من اقتباس‬ ‫يعرض الحسن ما يعرض ف صورة من الخوف الشديد من الجحيم‪ ،‬حت كان‬ ‫القارئ يرى النار بعينيه‪ ،‬والناس واقفون عىل شفبها‪ ،‬ثم يدعو لالبتعاد عنها‬ ‫مخالفة أن يهووا فيها دون أن يشعروا‪ ،‬وأثناء ذلك يحثهم عىل التحىل‬ ‫بالفضائل‪ ،‬فاتحا باب الرجاء‪ ،‬بل أبواب المحبة اإللهية‪ ،‬وخب مقال عىل هذا‬ ‫اللون الوعظ رسالته الت كتبها إىل الخليفة عمر بن عبد العزيز ف صفة اإلمام‬ ‫‪:‬العادل‪ ،‬ومما جاء فيها‬ ‫اعلم يا أمب المؤمني أن هللا جعل اإلمام العادل قوام كل مائل‪ ،‬وقصد كل "‬ ‫جائر‪ ،‬وصالح كل فاسد‪ ،‬وقوة كل ضعيف‪ ،‬ونصفة كل مظلوم‪ ،‬ومفزع كل‬ ‫ملهوف‪.‬واإلمام العادل يا أمب المؤمني كالراع الشفيق عىل إبله الذي يرتاد لها‬ ‫أطيب المراع‪ ،‬ويزودها عن مراتع المهلكة‪ ،‬ويحميها من السباع‪ ،‬ويكنفها من‬ ‫أذى الحر والقر‪..‬واإلمام يا أمب المؤمني كالقلب بي الجوانح‪ ،‬تصلح الجوانح‬ ‫بصالحه‪ ،‬وتفسد بفساده‪..‬فال تكن يا أمب المؤمني فيما ملكك هللا كعبد ائتمنه‬ ‫سيده واستحفظه ماله وعياله‪ ،‬فبدد المال‪ ،‬وشد العيال‪ ،‬فأفقر أهله‪ ،‬وفرق‬ ‫ماله‪..‬واعلم يا أمب المؤمني أن هللا أنزل الحدود لبجر بها الخبائث والفواحش‪،‬‬ ‫فكيف إذا آتاها من يليها؟! وأن هللا أنزل القصاص حياة لعباده‪ ،‬فكيف إذا قتلتم‬ ‫!من يقتص لهم؟‬ ‫واذكر يا أمب المؤمني الموت وما بعده‪ ،‬وقلة أشياعك عنده‪ ،‬وأنصارك عليه‪،‬‬ ‫فبود له ولما بعده من الفزع األكب‪ ،‬واعلم أن لك مبال غب مبلك الذي أنت‬ ‫فيه‪ ،‬يطول فيه ثواؤك‪ ،‬ويفارقك أحباؤك‪ ،‬يسلمونك ف قرصه فريدا وحيدا‪،‬‬ ‫فبود له ما يصحبك يوم يفر المرء من أخيه‪ ،‬وأمه وأبيه‪ ،‬وصاحبته وبنيه‬ ‫واآلن يا أمب المؤمني وأنت ف مهل قبل حلول األجل وانقطاع األمل‪ ،‬ال تحكم يا‬ ‫أمب المؤمني ف عباد هللا بحكم الجاهليي‪ ،‬وال تسلط المستكبين عىل‬ ‫ّ‬ ‫المستضعفي‪ ،‬فإنهم ال يرقبون ف مؤمن إًل وال ذمة‪ ،‬فتبوء بأوزارك وأوزار مع‬ ‫"أوزارك‪ ،‬وتحمل أثقالك وأثقاال مع أثقالك‬ ‫والرسالة طويلة‪ ،‬تتمب باألسلوب الوعظ الذي يقوم عىل تبصب الناس بأحوال‬ ‫دينهم وآخرتهم‪ ،‬وتنصح الحكام ف رسم مبادئ الحكم كما ينبغ أن تكون‪.‬ولقد‬ ‫صح معظم المؤرخي أن الرسالة وجدت مكانا رحبا لدى عمر بن عبد العزيز‪،‬‬ ‫فلم يستعمل سوى الثقة من العمال‪ ،‬واسي سننا جديدة ف خالفته‪ ،‬ووضع‬ ‫مبادئ سياسية تقوم عىل مبدأ جوهري عام‪" :‬خطأ الواىل ف العفو خب من‬ ‫"تعديه إىل العقوبة‬ ‫وعىل الجملة تعد الرسالة من المقاالت االجتماعية والسياسية الت تهدف إىل‬ ‫بث المثل األخالقية الجيدة‪ ،‬وترسم مبادئ الحكم السليمة الت يرتضيها الدين‬ ‫اإلسالم السمح‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬عبد الحميد بن يحت الكاتب ‪١٣٢‬ه ‪٧٥٠-‬م‬ ‫شخصية رائدة ف األدب العرب عىل الرغم من أنه فارس األصل‪ ،‬لكنه ولد ف‬ ‫البيئة العرب اإلسالمية‪ ،‬وأخذ من فيض الثقافة العربية حت علت مبلته‪،‬‬ ‫وعظم قدره ف السياسة والكتابة؛ لذا كان أبو جعفر المنصور يقول بعد أن‬ ‫أصبح خليفة‪" :‬غلبنا بنو مروان بثالثة أشياء‪ :‬بالحجاج وعبد الحميد بن يحت‬ ‫والمؤذن البعلبك"‪١‬‬ ‫ترب ع عبد الحميد عىل عرش الكتابة العربية؛ لبالغته وحلو حديثه وسالمة‬ ‫تعببه وحواره الذي يجري عىل لسانه عفو الخاطر‪ ،‬ومن أبلغ ما أوثر عنه من‬ ‫جمل قصار‪ ،‬منها قوله‪" :‬العلم شجرة ثمرتها األلفاظ‪ ،‬والفكر بحر لؤلؤه‬ ‫الحكمة"‪ ،‬ومن ثم أطلق الثعالت عبارته المشهورة عليه فقال‪" :‬بدئت الكتابة‬ ‫بعبد الحميد‪ ،‬وانتهت بابن العميد"‪٢‬‬ ‫رسائله‬ ‫ترك عبد الحميد رسائل ف موضوعات مختلفة‪ :‬سياسية وأدبية‪.‬منها رسالته‬ ‫الت كتبها عىل لسان مواله مروان بن محمد لوىل عهده ابنهعبد هللا‪ ،‬حي أرسله‬ ‫لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباب رأس الخوارج بالجزيرة ‪١٢٧‬ه ‪٧٤٥-‬م‪ ،‬وه‬ ‫تدور حول ما يجب أن تكون عليه أخالقه ف سبته الخاصة‪ ،‬وعالقاته مع أفراد‬ ‫حاشيته من القواد والموظفي‪ ،‬وتنظيم الجيوش من الناحيتي‪ :‬المادية‬ ‫والحربية‪ ،‬وب هذا تعتب مقالة ف السياسة وتدبب الحاشية‬ ‫وله رسالة ف الشطرنج‪ ،‬وأخرى ف الصيد‪ ،‬دعا فيهما إىل االقتصاد من‬ ‫ممارستهما واالبتعاد عنهما‪ ،‬بعد أن شغال الناس ف بعض األمصار‪ ،‬فانرصفوا عن‬ ‫القيام بأمور معاشهم‪ ،‬والرسالتان تقببان من المقال الحديث من حيث‪ :‬عرض‬ ‫الموضوع‪ ،‬وسهولة األسلوب‪ ،‬والتنبيه عىل أمر يشغل الناس عن الكسب‬ ‫والعمل‬ ‫وله رسالة إىل الكتاب تضمنت مجموعة نظم وقواعد آلداب الكتابة‪ ،‬وتوجيهات‬ ‫تتعلق بأخالقهم وشف مهنتهم‪ ،‬وتحقيق رسالتهم النبيلة‪ ،‬وه تشبه المقال‬ ‫النقدي الحديث لموضعها الح‪ ،‬وأسلوب ها السهل‪ ،‬وخصائصها الفنية‪ ،‬مما‬ ‫‪:‬يجعلها أقرب إىل المقال منها إىل الرسالة‪ ،‬ومما جاء فيها‬ ‫أما بعد‪ ،‬حفظكم هللا يأهل صناعة الكتابة‪ ،‬وحاطكم ووفقكم وأرشدكم‪ ،‬فإن "‬ ‫هللا عز وجل جعل الناس بعد األنبياء والمرسلي صلوات هللا وسالمه عليهم‬ ‫ْ‬ ‫الخلقة سواء‪،‬‬ ‫أجمعي‪ ،‬ومن بعد الملوك المكرمي ‪-‬أصنافا‪ ،‬وإن كانوا ف ِ‬ ‫وصفهم‪ ١‬ف صنوف الصناعات‪ ،‬وصوب المحاوالت إىل أسباب معاشهم‪،‬‬ ‫وأبواب رزقهم‪ ،‬فجعلكم معش الكتاب ف أشف الجهات أهل األدب‬ ‫والمروءات‪ ،‬والعلم والموازنة‪ ،‬بكم تنتظم للخالفة محاسنها‪ ،‬وتستقيم أمورها‪،‬‬ ‫وبنصائحكم يصلح هللا للخلق سلطانهم‪ ،‬وتعمر بلدانهم‪ ،‬ال يستغت الملك‬ ‫‪.‬عنكم‪ ،‬وال يوجد كاف‪ ٢‬إال منكم‬ ‫فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم الت بها يسمعون‪ ،‬وأبصاركم الت بها‬ ‫يبرصون‪ ،‬وألسنتهم الت بها ينطقون‪ ،‬وأيديهم الت بها يبطشون‪ ،‬فأمتعكم بما‬ ‫خصكم من فضل صناعتكم‪ ،‬وال نزع ما أضفاه من الثقة عليكم‬ ‫فتنافسوا يا معش الكتاب ف صنوف اآلداب‪ ،‬وتفقهوا ف الدين‪ ،‬وابدءوا بعلم‬ ‫كتاب هللا عز وجل والفرائض‪ ،‬ثم العربية فإنها ثقاف‪ ٢‬ألسنتكم‪ ،‬ثمهم أجيدوا‬ ‫الخط فإنه حلية كتابتكم‪ ،‬وارووا األشعار واعرفوا غريبها ومعانيها‪ ،‬وأيام العرب‬ ‫والعجم وأحاديثها وسبها‪ ،‬فإن ذلك معي لكم عىل ما تسمو إليه هممكم‪ ،‬وال‬ ‫تضيعوا النظر ف الحساب‪ ،‬فإنه قوام كتاب الخراج‪ ،‬وارغبوا ف أنفسكم عن‬ ‫المطامع سنيها ودنيها‪ ،‬وسفاسف األمور ومحاقرها‪ ،‬فإنها مزلة للرقاب‪ ،‬مفسدة‬ ‫للكتاب‪ ،‬ونزهوا صناعتكم عن الدنايا‪ ،‬واربئوا بأنفسكم عن السعاية والنميمة وما‬ ‫‪".‬فيه أهل الجهاالت‬ ‫فقد وضح عبد الحميد ف رسالته ما ينبغ أن يتحىل الكاتب به من صفات‬ ‫شاملة‪ ،‬وحي نمض ف قراءة الرسالة حت نهايتها نشعر أنها مقال يتناول فكرة‬ ‫واحدة معينة‪ ،‬يرتكز الكاتب عليها‪ ،‬ويمارسها من جوانب عدة‪ ،‬وهذا ما يتطلبه‬ ‫‪.‬المقال الحديث‬ ‫ثالثا‪ :‬عبد هللا بن المقفع ‪١‬‬ ‫كاتب عرب ‪-‬فارس األصل‪ -‬يعد ثمرة من ثمرات الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ونتاج‬ ‫الحضارة العربية‪ ،‬ويعتب من خبة الكتاب الذين عرفوا بعمق الفكرة ورشاقة‬ ‫األسلوب‪ ،‬ورقة العبارة‪ ،‬عاش ف الدولتي‪ :‬األموية والعباسية‪ ،‬وترجم مجموعة‬ ‫من اآلثار األدبية من اللغة الفارسية لغة أهله إىل اللغة العربية لغة وطنه‪ ،‬وف‬ ‫مقدمتها كليلة ودمنة‪.‬اهتم ف كتاباته بالنقد السياس‪ ،‬واإلصالح االجتماع‪،‬‬ ‫وترك آثارا خالدة من األدب الرفيع‪ ،‬ممثلة ف رسائله العديدة‪ ،‬وكتبه الشهبة‬ ‫مثل‪ :‬األدب الصغب‪ ،‬واألدب الكبب‪ ،‬وكليلة ودمنة‪ ،‬وغبها‬ ‫كتاباته‬ ‫البن المقفع رسائل عديدة طويلة وقصبة‪ ،‬تحمل الحكمة والبالغة ف كل كلمة‬ ‫من كلماتها‪ ،‬وتبلغ القمة من الجمال واإلمتاع‪ ،‬منها الرسالة اليتيمة لما ضمت من‬ ‫أحكام سياسية جريئة عىل الحاكم والرعية‪ ،‬وب ها يعتب قمة من قمم الفكر‬ ‫‪.‬اإلسالم الذي يضع المقاييس للناس والحكام‪ ،‬ومدى ارتباط كل منهما باآلخر‬ ‫ومن أشهر رسائله ما عرف باسم "رسالة الصحابة" الت كتبها للخليفة أب جعفر‬ ‫‪.‬المنصور ف أصول الحكم‪ ،‬وأسباب بقائه وعالت ميله وانحرافه‬ ‫ومن الطريف أن ابن المقفع يضف عىل أهل العراق الصفات الطيبة‪ ،‬بعد أن‬ ‫وصفهم الحجاج ‪-‬واىل بت أمية‪ -‬بأقذع النعوت‪ ،‬يقولد‬ ‫إن ف أهل العراق يا أمب المؤمني من الفقه والعفاف واأللباب واأللسنة شيئا "‬ ‫ال يكاد يشك أنه ليس ف جميع من سواهم من أهل القبلة مثله وال مثل نصفه‪،‬‬ ‫فلو أراد أمب المؤمني أن يكتف بهم ف جميع ما يلتمس له أهل هذه الطبقة من‬ ‫الناس‪ ،‬رجونا أن يكون ذلك فيهم موجودا‪ ،‬وقد أزرى بأهل العراق تلك الطبقة‬ ‫أن والة العراق فيما مض كانوا أشار الوالة‪ ،‬وأن أعوانهم من أهل أمصارهم‬ ‫كذلك‪ ،‬فحمل جميع أهل العراق عىل ما ظهر من أولئك الفسول‪ ،٢‬وتعلق‬ ‫بذلك أعداؤهم من أهل الشام فنعوه عليهم‪ ،٣‬ثم كانت هذه الدولة‪ ،‬فلم يتعلق‬ ‫من دونكم من الوزراءوالعمال إال باألقرب فاألقرب‪ ،‬مما دنا منهم أو وجوده‬ ‫بسبيل سء من األمر فوقع رجال مواقع شائنة لجميع أهل الفريق حينما وقعوا‬ ‫من حماية خليفة أو والية عمل‪ ،‬أو موضع أمانة أو موطن جهاد‪ ،‬وكان من أهل‬ ‫الفضل أن يقصدوا حيث يلتمسون‪ ،‬فأبطأ ذلك بهم أن يعرفوا‪ ،‬وينتفع بهم‪ ،‬وإن‬ ‫كان صاحب السلطان ممن ال يعرف الناس قبل أن يليهم‪ ،‬ثم لم يزل يسأل‬ ‫عنهم من يعرفهم‪ ،‬ولم يستثبت ف استقصائهم‪ ،‬زالت تلك األمور عن مراكزها‪،‬‬ ‫ونزلت الرجال عن منازلها؛ ألن الناس ال يلقونه إال منصفي بأحسن ما يقدرون‬ ‫عليه من الصمت والكالم‪ ،‬غب أن أهل النقص هم أشد تصنعا‪ ،‬وأحىل ألسنة‪،‬‬ ‫وأرفق تلطفا للوزراء‪ ،‬وتمحال ألن يثت عليهم من وراء وراء‪ ،‬فإذا أثر الواىل أن‬ ‫يستخلص رجال واحدا ممن ليس ذلك أهال‪ ،‬دعا نفسه جميع ذلك الشج‪،١‬‬ ‫وطمعوا فيه واجبءوا عليه‪ ،‬وتواردوه وترحموا عىل ما عنده‪ ،‬وإذا رأى ذلك أهل‬ ‫الفضل كفوا عنه‪ ،‬وباعدوا منه‪ ،‬وكرهوا أن يروا ف غب موضعهم أو يزاحموا غب‬ ‫‪... ".‬نظرائهم‬ ‫ويعرض بأهل الشام فيقول‪" :‬ومما يذكر به أمب المؤمني أهل الشام‪ ،‬فإنهم أشد‬ ‫الناس مؤنة‪ ،‬وأخوفهم عداوة وبائقة‪ ،‬وليس يؤاخذهم أمب المؤمني بالعداوة‪،‬‬ ‫وال يطمع منهم ف االستجماع عىل المودة‪ ،‬فمن الرأي ف أمرهم أن يختص أمب‬ ‫المؤمني منهم خاصة‪ ،‬ممن يرجون عنده صالحا‪ ،‬أو يعرف منه نصيحة أو وفاء‪،‬‬ ‫فإن أولئك ال يلبثون أن يتفضلوا عىل أصحابهم ف الرأي والهدى‪ ،‬ويدخلوا فيما‬ ‫جمل عليه من أمورهم‪ ،‬فقد رأينا أشباه أولئك من أهل العراق والذين استدخلهم‬ ‫أهل الشام‪ ،‬ولكن أخذ ف أمر أهل الشام عىل القصاص‪ :‬حرموا كما كانوا يحرمون‬ ‫الناس‪ ،‬وجعل فيئهم ف غبهم إليهم كما كان فء غبهم إليهم‪ ،‬ونحوا عن المنابر‬ ‫والمجالس واألعمال كما كانوا ينحون عن ذلك من ال يجهلون فضله ف السابقة‬ ‫والموضع‪ ،‬ومنعت منهم المرافق‪ ،‬كما كانوا يمنعون الناس أن ينالوا معهم أكلة‬ ‫" ‪...‬من الطعام الذي يصنعه أمراؤهم للعامة‬ ‫ويتحدث عن أصحاب الخليفة‪ ،‬وكيف يختارون مما يدل عىل إلمام ابنالمقفع‬ ‫بشئون الدولة‪ ،‬مبهما السياسة‪ ،‬فيقول‪" :‬ولصاحبة أمب المؤمني ‪-‬أكرمه هللا‪-‬‬ ‫مزية وفضل‪ ،‬وه مكرمة سنية حرية أن تكون شفا ألهلها‪ ،‬وحسيا ألعقابهم‬ ‫حقيقة أن تصان وتحظر‪ ،‬وال يكون فيها إال رجل برر بخصلة من الخصال‪ ،‬أو‬ ‫رجل له عند أمب المؤمني خاصة بقرابة أو بالد‪ ،‬أو رجل يكون شفه ورأيه‬ ‫وعمله أهال لمجلس أمب المؤمني‪ ،‬وحديثه ومشورته‪ ،‬أو صاحب نجدة يعرف‬ ‫بها‪ ،‬ويستعد لها‪ ،‬جمع مع نجدته حسبا وعفافا‪ ،‬فبفع من الجند إىل الصحابة‪،‬‬ ‫أو رجل فقيه مصلح يوضع بي أظهر الناس لينتفعوا بصالحه وفقهه أو رجل‬ ‫شيف ال يفسد نفسه أو غبها‪.‬فأما من يتوسل بالشفاعات فإنه يكتف أو يكتف‬ ‫له بالمعروف‪ ،‬والب فيما ال يهجن رأيا‪ ،‬وال يزيل أمرا عن مرتبته‪ ،‬ثم تكون‬ ‫الصحابة المخلصة عىل منازلها ومداخلها‪ ،‬ال يكون للكاتب فيها أمرا ف رفع رزق‬ ‫وال وضعه‪ ،‬وال للحاجب ف تقديم أذن أو تأخبه‪.‬ومما يذكر به أمب المؤمني أمر‬ ‫تفيان أهل بيته وبت أبيه وبت عىل وبت العباس‪ ،‬فإن فيهم رجاال لو متعوا‬ ‫‪.‬بجسام األمور واألعمال سدوا وجوها‪ ،‬وكانوا عدة ألخرى"‪١‬‬ ‫الرسالة طويلة ‪-‬كما ترى‪ -‬تتضمن فكرا سياسيا شديد الخطر ف النقد والتوجيه‬ ‫لسكان األمصار اإلسالمية‪ ،‬واختيار الحكام الذين يركن الخليفة إليهم؛ ولذا ال‬ ‫نبالغ إذا قلنا‪ :‬إن الرسالة مقال يرسم سياسة الدولة‪ ،‬ويدير شئون الرعية‪ ،‬وينقد‬ ‫نظام الحكم‪ ،‬ويبي وجوه اإلصالح‪ ،‬ثم ه تتمب بأسلوب ممتع يخضع للمعت‬ ‫العميق والهدف الواضح‪ ،‬وهذا ما يجب توفره ف المقال االجتماع والسياس‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫ر ً‬ ‫ابعا‪ :‬الجاحظ‪٢٥٥-١٥٠ :‬هـ‬ ‫هو أبو عثمان عمرو بن محبوب‪ ،‬ال يدانيه كاتب ف سعة ثقافية ورشاقة أسلوبه‬ ‫وخفة روحه‪ ،‬وسالسة بيانه‪ ،‬وتنوع معرفته‪ ،‬فقد أحسن فهم كل موضوع ف‬ ‫عرصه من سياسة واجتماع واقتصاد وحيوان ونبات وشعوب‪ ،‬وغب ذلك من‬ ‫الكتب الت تفوق الحرص ر‬ ‫كبة وتنوعا‪ ،‬فخلف للعربية تراثا ضخما عىل مدى‬ ‫عمره الطويل‪.‬قال عنه أحد معاصيه من العلماء‪" :‬لم أر قط وال سمعت من‬ ‫أحب الكتب والعلوم ر‬ ‫أكب من الجاحظ‪ ،‬فإنه لم يقع بيده كتاب قط إال استوف‬ ‫"قراءته كائنا ما كان‬ ‫رسائله وفصوله‬ ‫ف آثار الجاحظ رسائل وفصول تعد نماذج عليا للمقال ف األدب العرب القديم‪،‬‬ ‫وتشبه المقاالت ف عرصنا الحديث؛ ألنها تتناول موضوعات فردية واجتماعية‬ ‫تناوال أدبيا‪.‬يعتمد الجاحظ فيها عىل إثارة العواطف‪ ،‬وتأجج المشاعر‪ ،‬وتتسم‬ ‫بتدفق األفكار‪ ،‬وتلوين الصور‪ ،‬وتنوي ع موسيف العبارات‪ ،‬مع االنطالق ف‬ ‫التعبب‪ ،‬والتحرر من القيود‪.‬تبدأ ‪-‬غالبا‪ -‬بتوجيه الحديث للمخاطب والدعاء له‪،‬‬ ‫ثم تدخل مباشة ف الموضوع الذي أنشئت له‪ ،‬بحيث لو حذف البدء منها بدت‬ ‫‪.‬الرسالة مقاال سويا‬ ‫وصف المسعودي آثار الجاحظ الخالدة فقال‪" :‬كتب الجاحظ ‪-‬مع انحرافه‬ ‫المشهور‪ -‬تجلو صدأ األذهان‪ ،‬وتكشف واضح البهان؛ ألنه نظمها أحسن نظم‪،‬‬ ‫ووصفها أحسن وصف‪ ،‬وكساها من كالمه أجزل لفظ‪ ،‬وكان إذا تخوف ملل‬ ‫القارئ وسآمة السامع‪ ،‬خرج من الجد إىل الهزل‪ ،‬ومن حكمة بليغة إىل نادرة‬ ‫ظريفة"‪١‬‬ ‫وتعتب فصول كتابه "البخالء" مقاالت تصويرية رائعة‪ ،‬تصور الحياة ف البرصة‬ ‫وبغداد ‪-‬خالل عرص الجاحظ‪ -‬أحسن تصوير وأدقه‪ ،‬وتعرض نماذج بارعة من‬ ‫البخل ألشخاص عاصوه‪ ،‬أبدعتهم مخيلته عىل غب نسق موجود‪ ،‬وبأسلوب‬ ‫تفرد به‬ ‫ومن أبرز الرسائل ذات الصلة بما نسميه المقال اليوم رسالة‪" :‬الحاسد‬ ‫والمحسود" الت بدأها الجاحظ بقوله‪" :‬وهب هللا لك السالمة‪ ،‬وأدام‬ ‫لك الكرامة‪ ،‬ورزقك االستقامة‪ ،‬ودفع عنك الندامة‪ ،‬كتبت ي‬ ‫إىل ‪-‬أكرمك هللا‪-‬‬ ‫تسألت عن الحسد ماهو؟ وأين هو؟ وما دالئله وأفعاله؟ وكيف تفرقت أموره‬ ‫وأحواله؟ وبم يعرف ظاهره ومكنونه؟ ولم صار ف العلماء ر‬ ‫أكب منه ف الجهالء؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كب ف األقرباء وقل منه ف البعداء؟ وكيف دب ف الصالحي ر‬ ‫أكب منه ف‬ ‫ولم ر‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬الفاسقي؟ وكيف خص به الجبان من جميع األوطان"‪١‬‬ ‫افتتح الجاحظ رسالته بعناص عدة‪ ،‬ناقشها عنرصا تلو عنرص‪ ،‬وعالج خاللها‬ ‫ظاهرة الحسد معالجة أدبية تنفر منه‪ ،‬وتقلل من قيمة الحاسدين‪ ،‬وما يبتب‬ ‫عليه من أصار تقع بالحاسد والمجتمع‪.‬استمع إليه إذ يقول‪" :‬الحسد ‪-‬أبقاك‬ ‫هللا‪ -‬داء ينهك الجسد‪ ،‬ويفسد الود‪ ،‬عالجه عش‪ ،‬وصاحبه ضجر‪ ،‬وهو باب‬ ‫‪.‬غامض‪ ،‬وأمر متعذر‪ ،‬فما ظهر منه فال ُيدارى‪ ،‬وما بطن منه فمداويه ف عناء"‪٢‬‬ ‫ثم يقول‪" :‬وما أب المحسود من حاسد إال من قبل فضل هللا تعاىل إليه‪ ،‬ونعمته‬ ‫عليه‪ ،‬والحسد عقيد‪ ٣‬الكفر‪ ،‬وحليف الباطل‪ ،‬وضد الحق‪ ،‬وحرب البيان ‪...‬‬ ‫فمنه تتولد العداوة‪ ،‬وهو سبب كل قطيعة‪ ،‬ومنهج كل وحشة‪ ،‬ومفرق كل‬ ‫جماعة‪ ،‬وقاطع كل رحم من األقرباء‪ ،‬ومحدث التفرق بي القرناء‪ ،‬وملقح الش‬ ‫بي الخلطاء‪ ،‬يكمن ف الصدر كمون النار ف الحجر‪.‬ولو لم يدخل ‪-‬رحمك هللا‪-‬‬ ‫عىل الحاسد‪ ،‬بعد تراكم الهموم عىل قلبه‪ ،‬واستكان للحزن ف جوفه‪ ،‬ر‬ ‫وكبة‬ ‫مضضه‪ ،‬ووسواس ضمبه‪ ،‬وتنقيص عمره‪ ،‬وكدر نفسه‪ ،‬ونكد لذاذة معاشه إال‬ ‫استغفاره لنعمة هللا تعاىل عنده‪ ،‬وسخطه عىل سيده بما أفاده هللا عبده‪،‬‬ ‫وتمنيه عليه أن يرجع ف هبته إياه‪ ،‬وأال يرزق أحدا سواه لكان عند ذوي العقول‬ ‫مرحوما‪ ،‬وكان عندهم ف القياس مظلوما"‪".٤‬وقد قال بعض األعراب‪ :‬ما رأيت‬ ‫ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد‪ :‬نفس دائم‪ ،‬وقلب هائم‪ ،‬وحزن الزم"‪ ،١‬ثم‬ ‫يقول‪" :‬فإذا أحسست ‪-‬رحمك هللا‪ -‬من صديق بالحسد‪ ،‬فأقلل ما استطعت من‬ ‫مخالطته‪ ،‬فإنه أعون األشياء لك عىل مسالمته‪ ،‬وحصن شك منه تسلم من‬ ‫شذى‪ ٢‬شه‪ ،‬وعوائق صه‪ ،‬وإياك والرغبة ف مشاورته‪ ،‬فتمكن نفسك من سهام‬ ‫‪.‬مشاورته‪ ،‬وال يغرنك خدع ملقه‪ ،‬وبيان ذلقه‪ ،٣‬فإن ذلك من حبائل ثقفه"‪٤‬‬ ‫وعىل الرغم مما وقع الجاحظ فيه من هتات مثل‪ :‬تكرار بعض العناص وحاجة‬ ‫بعضها اآلخر إىل تهذيب‪ ،‬وحسن ترتيب‪ ،‬وجمال تنسيق‪ ،‬فإن للرسالة قيمة‬ ‫كبى؛ إذ ه من األدب الهادف الذي يرم إىل تحقيق غاية خلقية‪ ،‬وندف‬ ‫اجتماع‪ ،‬وإصالح ديت‪.‬وب هذا أشبهت المقاالت الت تتناول الشئون المختلفة‬ ‫‪.‬للفرد والمجتمع‬ ‫وللجاحظ فكاهة عذبة وافية‪ ،‬تستقبلها النفس باالرتياح‪ ،‬ويتقبلها الخاطر‬ ‫بالبهجة واالنشاح‪ ،‬تتمثل ف رسالته "الببيع والتدوير" وه رسالة طويلة تجمع‬ ‫بي محاسن التفكب الدقيق‪ ،‬والتعبب األنيق‪ ،‬سخر فيها من معاصه "أحمد بن‬ ‫عبد الوهاب" قصب القامة ويزعم أنه طويلها‪ ،‬قصب األصابع ويدع أنه رشيقها‪،‬‬ ‫يظهر الكب عىل وجهه ويزعم أنه ف سن الشباب‪ ،‬جهول ويزعم أنه عالم‪ ،‬وغب‬ ‫ذلك من الصور الطريقة الت تدعو إىل السخرية والضحك‪ ،‬ولنبك الجاحظ‬ ‫يتحدث بنفسه يقول‪" :‬كان أحمد بن عبد الوهاب مفرط القرص‪ ،‬ويدع أنه‬ ‫مفرط الطول‪.‬كان مربعا وتحسبه لسعة جفرنه‪ ٥‬واستفاضة خاصته مدورا‪،‬‬ ‫وكانجعد‪ ١‬األطراف‪ ،‬قصب األصابع وهو ف ذلك يدع البساطة والرشاقة‪ ،‬وأنه‬ ‫عتيق‪ ٢‬الوجه أخمص‪ ٣‬البطن‪ ،‬معتدل القامة‪ ،‬تام العظم‪ ،‬وكان طويل الظهر‪،‬‬ ‫قصب عظم الفخذ‪ ،‬وهو مع قرص عظم ساقه يدع أنه طويل الباد‪ ،٤‬رفيع‬ ‫العماد‪ ،‬عادي القامة‪ ،‬عظيم الهامة‪ ،‬قد أعظ البسطة ف الجسم والسعة ف‬ ‫العلم‪ ،‬وكان كبب السن متقادم البالد‪ ،‬وهو يدع أنه معتدل الشباب‪ ،‬حديث‬ ‫‪.‬الميالد‪ ،‬وكان ادعاؤه ألصناف العلم عىل قدر جهله بها‬ ‫وتكلفه لإلبانة عنها عىل قدر رغبته فيها‪.‬وكان كثب االعباض‪ ،‬لهجا‪ ٥‬بالمراء‪،‬‬ ‫شديد الخالف‪ ،‬كلفا بالمجاذبته متتابعا ف العنود‪ ،‬مؤثر للمقالبة‪ ،‬مع إظالل‬ ‫الحجة‪ ،‬والجهل بموضع الشبهة‪.‬والخطرفة عند قرص الزاد‪ ،‬أو العجز عند‬ ‫التوقف‪ ،‬والمحاكمة مع الجهل بثمرة المراء‪ ،‬ومغية فساد القلوب ونكد‬ ‫الخالف‪ ،‬وما ف الخوض من اللغو الداع إىل السهود‪ ،‬وما ف المعاندة من اإلثم‬ ‫‪.‬الداع إىل النار‪ ،‬وما ف المجاذبة من النكد‪ ،‬وما ف الغلية من فقدان الصواب‬ ‫وكان قليل السماع غمرا‪ ٦‬وصحفيا غفال‪ ،٧‬ال ينطق عن فكر وثيق بأول خاطر‪،‬‬ ‫وال يفصل بي اعبام الغمر واستبصار المحق‪ ،‬يعد أسماء الكتب وال يفهم‬ ‫معانيها‪ ،‬ويحسد العلماء من غب أن يتعلق منهم بسبب‪ ،‬وليس ف يده من جميل‬ ‫اآلداب إال االنتحال السم األدب‪ ،‬أطال هللا بقاءك وأتم نعمته عليك وكرامته‬ ‫لك‪ ،‬قد علمت حفظك هللا أنك ال تحسد عىل سء حسدك عىل حسن القامة‪،‬‬ ‫وضخم الهامة‪ ،‬وعىل حور العي‪ ،‬وجودة القد‪ ،‬وعىل طيب األحدوثة‪ ،‬والصنعة‬ ‫المشهورة‪ ،‬وأن هذه األمور ه من خصائصك الت بها تكلف‪ ،‬ومعانيك الت بها‬ ‫تلهج‪.‬وإنما يحسد ‪-‬أبقاك هللا‪ -‬المرء شقيقه ف النسب‪ ،‬وشقيقه ف الصناعة‪،‬‬ ‫ونظبه ف الجوار عىل طارف‪ ١‬قدره أو تالد حظه‪ ،‬أو عىل كرم ف أصل تركيبه‪،‬‬ ‫ومجاري أعراقه‪ ،‬وأنت تزعم أن هذه المعاب خالصة لك‪ ،‬مقصورة عليك‪ ،‬وأنها‬ ‫ال تليق إال بك‪ ،‬وال تحسن إال فيك‪ ،‬وإن لك الكل‪ ،‬وللناس البعض‪ ،‬وأن لك‬ ‫الصاف‪ ،‬ولهم المشوب‪ ،‬هذا سوى القريب الذي ال تعرفه‪ ،‬والبديع الذي ال‬ ‫نبلغه‪ ،‬فما هذا الغيظ الذي أنضجك؟! وما هذا الحسد الذي أكمدك؟! وما هذا‬ ‫‪.‬اإلطراق الذي اعباك؟! وما هذا الهم الذي قد أضناك؟! "‪٢‬‬ ‫يحس القارئ أنه أمام فن جديد ف الهجاء‪ ،‬وطراز فريد ألدب الفكاهة والتهكم‬ ‫والسخرية؛ ألن رسالة "الببيع والتدوير" ترسم صورة ضاحكة تفوق أصحاب‬ ‫التصوير الكاريكاتوري ف العرص الحديث‪ ،‬وبذلك أمكن للجاحظ أن يشوه‬ ‫خصمه من واقع صوب المفارقات والمناقضات المختلفة ف تكوينه الجسم‬ ‫الذي يجمع بي القرص والسمنة والتكريش‪ ،‬ف الوقت الذي يدع فيه الرشاقة‬ ‫‪.‬والجمال والعلم والشباب‬ ‫عالج الجاحظ ذلك كله ف رسالته بأسلوب سهل‪ ،‬وقدرة فائقة ف التعبب‪،‬‬ ‫وتلوين ف الصور مع فيض من المعاب‪ ،‬واختيار لأللفاظ‪ ،‬هذا ما ينبغ توافره ف‬ ‫المقال األدب اليوم‪.‬‬ ‫]الفصل الثاب‪ :‬المقال ف طوره الحديث[‬ ‫ً‬ ‫أوًل‪ :‬محاوالت االوربيي‬ ‫]ميشيل دي مونتي ‪[١٥٩٢-١٥٣٢‬‬ ‫أوال‪ :‬محاوالت األوربيي‬ ‫لم تعرف كتابات لألوربيي إال ف مطلع القرن السادس عش الميالدي‪ ،‬مستوحاة‬ ‫من المواعظ واألخالق‪ ،‬فكانت أقرب إىل األمثال والحكم‪ ،‬وال تعدو أن تكون‬ ‫أفكارا من هنا وهناك‪ ،‬انعدمت فيها التجارب الذاتية والعناص الشخصية‪،‬‬ ‫وظلت هكذا حت خطا ببعض الكتاب بها خطوات‪ ،‬فتوفر لها من عناص األدب‬ ‫الهادف والقول الرفيع مما جعل المقال فنا أدبيا يتناول شئون السياسة وأحوال‬ ‫المجتمع‪ ،‬ما يشغل الناس من أدب وفن واجتماع وفلسفة وأخبار‪ ،‬وسنحاول أن‬ ‫‪.‬نرسم لك صورة لمحاوالت األوربيي األوىل ف مضمار الكتابة واإلنشاء‬ ‫‪:‬ميشيل دي مونتي ‪١- ١٥٩٢-١٥٣٣‬‬ ‫كاتب فرنش طاف أوربا‪ ،‬وترك "يوميات" شهبة‪ ،‬أجمع مؤرخو األدب األوربيي‬ ‫أنه رائد المقال الحديث لكتاباته الت تناولت مشكالت عرصه الفكرية‬ ‫واالجتماعية‪.‬استوح كتاباته من آثار سابقيه ومعاصيه من كتاب المواعظ‬ ‫والدروس الخلقية‪ ،‬وصاغ منها عمال يدور حول المشكالت الخلقية والمعاشية‬ ‫بعبارة جميلة التقطها من هنا وهناك‪ ،‬غب أنه قد خال تماما من العنرص‬ ‫‪.‬الشخض‪ ،‬وانعدمت فيه التجارب الخاصة‬ ‫وف ‪ ١٥٨٠‬اتجه نحو إيداع فن جديد استوحاه من الظروف الت أحاطت به‪،‬‬ ‫ومن تأمالته العميقة ونظرته الفاحصة لمجتمعه‪ ،‬وتأثره بالكتابات األخالقية ف‬ ‫عرصه‪ ،‬ودأب عىل صقلها وتنقيحها وتجويدها حت أمدته بالجديد من الصور‬ ‫واألحاسيس والمشاعر‪.‬وظهر هذا التحول ف كتاباته خاصة‪ ،‬مؤلفاته‪" :‬تربية‬ ‫األوالد" و"حب اآلباء لألبناء" و"الكبت" و"القسوة" و"من أشبه اآلباء فما‬ ‫‪".‬ظلم‬ ‫ومن ثم بدأت مرحلة جديدة تقوم عىل التأمل العميق‪ ،‬والفكر الواع ف‬ ‫الموضوعات الخلقية والنفسية‪ ،‬معتمدا عىل الحكم واألمثال وجوامع الكلم الت‬ ‫استمدها من مالحظاته وتجاربه الشخصية‪.‬فغلب العنرص الشخض ف كتاباته‪،‬‬ ‫‪.‬الت امتازت ف هذا الطور بأنها أطول من سابقاتها‬ ‫ثم جمع أربعة وتسعي فصال كتبها ونشها ف جزأين وسماها "محاوالت"‬ ‫وتعهدها بالتهذيب والتشذيب‪ ،‬وضم إليها ثالثة عش مقاال‪ ،‬وأخرجها ف طبعة‬ ‫منقحة‪ ،‬تتمب بتألق العنرص الشخض‪ ،‬ويتسم أسلوب ها بالحرية والتدفق والسب‬ ‫‪.‬عىل أسس معروفة‪ ،‬وقواعد معينة‪ ،‬وأصول مرعية‬ ‫ومن هنا سجل التاري خ له فضيلة السبق ف مضمار هذا الفن الجديد‪ ،‬بعد أن‬ ‫امتلك ناصيته‪ ،‬وترب ع عىل عرشه‪ ،‬وجال قلمه ف موضوعات شت بحرية تامة‪،‬‬ ‫‪:‬وانطالق وتدفق وحيوية‪.‬ب‪ -‬فرانسيس بيكون ‪١٦٢٦-١٥٦١‬‬ ‫فيلسوف إنجلبي‪ ،‬صف كل جهوده إىل إحياء وتجديد الفلسفة والعلوم بالطرق‬ ‫االختيارية‪.‬كانت الموضوعات العش الت كتبها حواىل ‪ ١٥٩٧‬أول أثر أدب ف‬ ‫اللغة االنجلبية‪ ،‬وه أقرب إىل األمثال والحكم‪ ،‬قل فيها العنرص الشخض‪،‬‬ ‫وصور التجارب الخاصة‪ ،‬وف ‪ ١٦١٢‬أصدر مجموعة من الموضوعات بلغت‬ ‫ثمانية وثالثي‪ ،‬تعتب بداية اتجاه جديد ف القالب والمحتوى‪ ،‬اعتمد ف القالب‬ ‫عىل حسن التقسيم وجمال التنسيق‪ ،‬وف المحتوى انرصف عن الحكم المركزة‪،‬‬ ‫‪.‬واألقوال المأثورة‪ ،‬ومال إىل الحديث المرسل المتمب بالحيوية واأللفة‬ ‫وف ‪ ١٦٢٥‬أصدر المجموعة الثانية ف ثمانية وخمسي موضوعا‪ ،‬تضم‬ ‫المقاالت السابقة‪ ،‬بدت فيها مظاهر التطور واضحة‪ ،‬وجال النظر فيها من وقت‬ ‫آلخر منقحا ومهذبا حت أصبحت كتاباته واضحة المعالم‪ ،‬وفنه يتسم‬ ‫بالتنسيق‪ ،‬تتمب باإلطالة ف الموضوعات وتحليلها‪ ،‬وظهر أسلوبه ف حلة‬ ‫قشيبة‪ ،‬وأصبح أمي نسجا‪ ،‬وأرق تعببا‪ ،‬وأوسع خياال‪ ،‬ر‬ ‫وأكب زخرفة‪ ،‬وأحسن‬ ‫تنسيقا‪ ،‬مع االعتماد عىل اآلراء الشخصية‪ ،‬واألحداث التاريخية‪ ،‬والتجارب‬ ‫‪.‬الخاصة ف التفسب والتوضيح واالستدالل بشت الباهي‬ ‫ويوضح العقاد الفرق بي مقاالت "بيكون" ف هذين الطورين فيقول‪" :‬مقاالت‬ ‫بيكون ف بواكبها كانت طرائف من المتفرقات الفكرية تجمعها سلسلة‬ ‫الموضوع والعنوان ف إيجاز شديد‪ ،‬غب محتفل فيه بالتفصيل والتوضيح‪ ،‬كأنما‬ ‫يكتبها الكاتب لنفسه‪ ،‬فهو غت عن تفصيلها؛ لعلمه بمقصده منها حي الحاجة‬ ‫إليها‪ ،‬أو كأنما هو يكتبها بلغة االخبال الفكري الت يفهمها المرتاضون عىل قراءة‬ ‫هذا الرصب من االخبال‪ ،‬ويجهد ف شحها غب المرتاضي عليه‪ ،‬ثم جنحت ف‬ ‫صيغتها األخبة إىل التسمح بعد البمت‪ ،‬والسخاء بعد الضنانة‪ ،‬والتفسب بعد‬ ‫اإليماء واالقتضاب‪ ،‬وازدانت ف هذه الصيغة بأجمل ما يزدان به ر‬ ‫النب البليغ من‬ ‫براعة التشبيه‪ ،‬وطرافة األمثولة‪ ،‬واختيار الشواهد من المأثورات الالتينية‬ ‫‪.‬واليونانية ف سياقها المالئم‪ ،‬وموقعها المنتظر"‪١‬‬ ‫ويرجع تطور فرانسيس بيكون ف كتاباته إىل عوامل أهمها‪ :‬رغبته الصادقة ف‬ ‫تعقيد علم األخالق؛ ولذلك نراه يكتب رسائل تنفر من الشهوات‪ ،‬وترغب ف‬ ‫الفضائل‪ ،‬وتكشف عن النماذج األخالقية‪.‬ونجح ف مقاله "الحسد"‬ ‫و"والتظاهر والرياء" ومنها اقتباسه من الكتابات الت تحمل طابع األخالق‪،‬‬ ‫‪.‬ومنها تأثره بمقاالت "مونتي" الت عرفها المجتمع األدب اإلنجلبي‬ ‫ومن ثم اكتسب أسلوب "بيكون" قيما جمالية لم يعرفها من قبل‪ ،‬وبعد عن‬ ‫الحكم ومال إىل الحديث المباش المسهب المدعم بتجاربه الذاتية‪ ،‬وشواهد‬ ‫التاري خ‪ ،‬فتوفر له من مقومات األدب الرفيع ما جعله يأب بالجديد والطارف ف‬ ‫‪:‬هذا الفن الناس‪.‬ج ‪ -‬المقال ف القرن الثامن عش‬ ‫أصبح المقال ف هذا القرن فنا أدبيا قائما بذاته عىل يد "ريتشارد ستيل" ‪-١٦٧٢‬‬ ‫‪ ،١٧٢٩‬و"جوزيف أديسون" ‪١٧١٩-١٦٧٢‬؛ لموهبتهما الفذة‪ ،‬واستعدادهما‬ ‫الطيب‪ ،‬وساعدهما ف ذلك ظهور المجالت األدبية‪ ،‬وعناية الناس والكتاب‬ ‫‪.‬بالشئون السياسية‪ ،‬وما يشغل الناس من أزياء وآداب وأخبار واجتماع‬ ‫بدأ هذا التطور ف فن المقال بظهور "الصحيفة األثينية" الت أصدرها "جون‬ ‫دنتون" واهتم فيها بنش األخبار والمعارف العامة‪ ،‬محالة بالطرائف واألحاديث‬ ‫الشيقة عىل طريقة السؤال والجواب‪ ،‬ثم أعقبتها مجلة الكاتب الساخر "دانيال‬ ‫ديفو ‪ "١٧٣١-١٦٦٠‬باسم "مجلة أسبوعية خاصة بشئون فرنسا" غايتها بث‬ ‫‪.‬آراءه الخاصة ف األزياء والعادات واألخالق والذوق العام‬ ‫وف ‪ ١٧٠٩‬أصدر "ريتشارد ستيل" العدد األول من مجلة " ر‬ ‫البثار" وجعلها‬ ‫بابي‪ :‬األول لألخبار‪ ،‬والثاب للمقاالت‪ ،‬وظل صديقه "جوزيف أديسون" يعاونه‬ ‫حت احتجبت المجلة ‪ ،١٧١١‬وبعد شهرين من احتجابها أصدرا مجلة‬ ‫"المرتقب"‪ ،‬وعىل صفحات هاتي المجلتي ظهر المقال الحديث الذي يختلف‬ ‫كما وكيفا عن المقال القديم ف موضوعاته المستمدة من األحداث اليومية‪ ،‬وما‬ ‫‪.‬يطرأ عىل المجتمع من حي آلخر‬ ‫واتجهت المجالت الت ظهرت ف هذا القرن اتجاها إصالحيا تهذيبيا‪ ،‬مما ساعد‬ ‫عىل تطور المقال‪ ،‬وساعد ف ذلك انتشار المقاه ف كل ناحية‪ ،‬يلتف جمع من‬ ‫الناس فيها‪ ،‬يتناقشون ف مختلف شئون الحياة من اجتماع وأدب وسياسة‬ ‫واقتصاد‪ ،‬فعودتهم تلك المناقشات تكوين آرائهم الخاصة ف كل ما يعرض‬ ‫عليهم‪ ،‬وبدأ الكتاب يشاركون ف تلك المناقشات‪ ،‬فيتصيدون النماذج الحية‪،‬‬ ‫والصور الفكهة‪ ،‬ويعرضونها عىل القراء ف صور ساخرة‪ ،‬وأسلوب الذع‪ ،‬يبغون‬ ‫من وراء ذلك إصالح الفاسد‪ ،‬وتقويم المعوج‪ ،‬وتهذيب أخالق الناس‪ ،‬وإصالح‬ ‫‪:‬عاداتهم‪.‬د‪ -‬المقال ف القرن التاسع عش‬ ‫حفل هذا القرن ف المجتمع األورب بنخبة من الكتاب تمردوا عىل قواعد‬ ‫أسالفهم ف المقال‪ ،‬وأحلوا مكانها أسسا جديدة‪ ،‬تختلف ف مضمونها ومحتواها‬ ‫عنها‪ ،‬وظلت هذه األسس قائمة وسائدة حت اليوم‪ ،‬ومن أشهر هؤالء‪ :‬شارلس‬ ‫الم‪ ،‬وىل هنت‪ ،‬وهزلت‪ ،‬ودي كوب‪.‬وعىل الرغم من ذلك فقد اختلف المقال‬ ‫‪:‬عند كتاب هذا القرن العتبارات عديدة أهمها ما يىل‬ ‫تجاوز المقال ف موضوعاته حياة المدن وأزياء المجتمع‪ ،‬وعادات الناس ‪١-‬‬ ‫وسلوكهم وأخالقهم إىل مختلف الموضوعات‪ ،‬وأصبح الكاتب يسجل ما يروقه‬ ‫من صور‪ ،‬ويعي له من أفكار‪ ،‬معتمدا عىل سعة ثقافته‪ ،‬ومدى إدراكه واتصاله‬ ‫‪.‬بالحياة العامة‬ ‫بدت شخصية الكاتب جلية واضحة من خالل كتاباته‪ ،‬وانرصف الكتاب عن ‪٢-‬‬ ‫بعض األساليب القديمة ف صياغة المقال‪ ،‬وعزفوا عن االستشهاد بالتاري خ‬ ‫القديم وجوامع الكلم‪.‬واعتمدوا عىل شواهدهم الت استمدوها من تجارب هم‬ ‫الخاصة‪ ،‬ومن قراءاتهم بأسلوب بسيط خال من التكلف‪ ،‬فجاءت موضوعاتهم‬ ‫تعببا حرا أمينا عن الذات‪ ،‬واالهتمام بتجليتها ف األدب مما مب أدب القرن‬ ‫‪.‬التاسع عش‬ ‫ازداد طول المقال ازديادا واضحا‪ ،‬مما فسح المجال أمام الكتاب‪ ،‬فعرضوا ‪٣-‬‬ ‫‪.‬آراءهم ومشاهداتهم وتجارب هم ف إسهاب لم يؤلف خالل القرن الثامن عش‬ ‫ولعل مرجع هذا التغيب الذي لحق بالمقال إىل أسباب أهمها‪ :‬طغيان‬ ‫الرومانتيكية الت عبت عن مثل الناس وتقاليدهم ف األدب والحياة معا‪.‬وغب‬ ‫ذلك من الوسائل الجديدة الت حولت أقالم الكتاب‪ ،‬فطوروا المقال حت‬ ‫تضمن المثل الجديدة‪.‬ومنها ظهور المجالت األدبية الجديدة‪ ،‬والدور الذي‬ ‫لعبته ف احتدام المنافسة بي المجالت الت صدرت ف الفبة من ‪-١٨٠٢‬‬ ‫‪.١٨١٢‬ومنها تواىل ظهور المجالت األدبية الت عب كتابها عن روح الحياة‬ ‫الجديدة الت شملت األدب والحياة معا‪.‬ومن هنا زاد حجم المقال‪ ،‬واتسع‬ ‫‪.‬مجال موضوعاته تبعا لذلك‬ ‫أضف إىل ذلك ما زخر المجتمع األورب به من أفكار وآراء وأجناس وألوان‪،‬‬ ‫‪.‬والمقال فن من فنون التصوير والتعبب الذي يحفل بما يدور ف مجتمعه‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬المقال ف األدب العرب الحديث‬ ‫]مدخل[‬ ‫‪...‬‬ ‫ثالثا‪ :‬المقال ف األدب العرب الحديث‬ ‫أدركنا أن العرب لم يعرفوا المقال بمفهومه الحديث‪ ،‬وإنما عرفوا قالبا قريبا منه‬ ‫عىل شكل رسالة‪ ،‬تناولت بعض الموضوعات األدبية واالجتماعية والسياسية‪،‬‬ ‫وخاطبوا بها طبقة من المثقفي ف زمانهم‪.‬أما المقال ف وصفه الفت اليوم‪،‬‬ ‫فقد ولد مع الصحافة ف القرن التاسع عش‪ ،‬ونشأ ف ظلها‪ ،‬وترعرع ف أحضانها‪،‬‬ ‫بعد أن فرضته صورات الحياة ومتطلبات العرص‪ ،‬يخاطب جموع األمة دون‬ ‫تعمق‪ ،‬بحيث تبدو فيه البساطة والجمال الفطري‪ ،‬ومن ثم أصبح "المقال‬ ‫يتناول موضوعا يتصل بقضية حية ف صورة محددة ومركزة‪ ،‬ويتجه إىل‬ ‫‪.‬الجماعة‪ ،‬ويخضع ف أسلوبه لمقتضيات الصحافة الت نشأ فيها هذا الفن‬ ‫ولما كان المقال مرتبطا بالصحافة‪ ،‬وعىل صفحاتها تطور‪ ،‬وبأقالم كتابها دبج‪،‬‬ ‫كان لزاما علينا أن نقف عىل األطوار الت مر بها حت أصبح فنا أدبيا له جماله‬ ‫‪.‬وجالله‪ ،‬وسحره وتأثبه‬ ‫]الطور األول[‬ ‫نعت به الفبة الت نشأ المقال خاللها ف ظل الصحف الرسمية الت أصدرتها‬ ‫الدولة‪ ،‬أو أعانت عىل نشها منذ عهد محمد عىل حت قيام الثورة العرابية‪.‬ف‬ ‫هذا الطور سيطر السجع الغث‪ ،‬والتكلف الزائف عىل أقالم الكتاب‪ ،‬وسادت‬ ‫المحسنات البديعية المقاالت‪ :‬السياسية واالجتماعية والتعليمية واألخبار‬ ‫الداخلية والخارجية‪.‬ولذا لم ينجح المقال ف عالج المشكالت الت عاب الشعب‬ ‫‪.‬منها‪ ،‬ولم يلفت نظر الجمهور لما يدور حوله من قضايا وأحداث‬ ‫وأبرز كتاب هذا الطور‪ :‬رفاعة رافع الطهطاوي‪ ،‬وعبد هللا أبو السعود‪ ،‬وحمد‬ ‫أنس أبو السعود‪ ،‬وميخائيل عبد السيد‪ ،‬وسليم عنموري‪.‬نش هؤالء مقاالتهم‬ ‫ف الوقائع المرصية ‪ ،١٨٢٨‬ووادي النيل ‪ ،١٨٦٩‬وروضة األخبار ‪،١٨٧٥‬‬ ‫‪.‬والوطن ‪ ،١٨٧٧‬ومرآة الشق ‪ ١٨٧٩‬عىل التواىل‬ ‫ولك تدرك سيطرة األسلوب المسجوع عىل أقالم الكتاب خالل هذا الطور‪ ،‬اقرأ‬ ‫وصفا لحادث داخىل‪ ،‬جاء بأحد أعداد الوقائع ‪" :١٨٦٥‬أن أناسا من اللئام‪،‬‬ ‫سفلة األنام‪ ،‬ارتضوا بالخزي وارتكاب اآلثام‪ ،‬فاستبدلوا االشتغال بأنواع الكسب‬ ‫الحالل باالشتغال بالحرام والعار‪ ،‬والدوران ف القرى واألمصار‪ ،‬وكلما صادفوا‬ ‫أناسا عىل فطرتهم وحسن نياتهم‪ ،‬تحيلوا عىل اصطيادهم بتحيالتهم‪ ،‬وعملوا‬ ‫طرق الخديعة والختل ف سلب عقولهم‪ ،‬بإحدى المغيبات المشهورة بي الناس‬ ‫بالتاتورة‪ ،‬فيضعونها ف سء من المأكوالت‪ ،‬ويطعمونها أصحاب العقول‬ ‫‪".‬الناقصة بدون شعور‪ ،‬وبعد الحصول عىل ما معهم يفرون‬ ‫وهكذا كان السجع يسيطر عىل الخب المبجم سياسيا أو غب سياس‪ ،‬وال يخلو‬ ‫‪.‬من الكلمات األعجمية‬ ‫]الطور الثاب[‬ ‫نعت به الفبة الت شارك السوريون والمرصيون فيها‪ ،‬مع بداية الثورة االجتماعية‬ ‫والفكرية المتأثرة بدعوة جمال الدين األفغاب وتالميذه إىل إصالح الحياة‬ ‫االجتماعية والسياسية والدينية‪ ،‬وارتبطت بنشأة الحزب الوطت األول ‪،١٨٧٩‬‬ ‫واألحداث الت مهدت للثورة العرابية‪ ،‬وغب ذلك مما تقل اليقظة العقلية من‬ ‫‪.‬السياسة إىل المجتمع‪ ،‬وشت بدورها إىل عالم الفكر والثقافة والعلم واألدب‬ ‫وأبرز كتاب هذا الطور أديب إسحاق ‪ ،١٨٨٥‬وعبد هللا فكري ‪ ،١٨٨٩‬وعىل‬ ‫مبارك ‪ ،١٨٩٣‬وعبد هللا النديم ‪ ،١٨٩٦‬وجمال الدين األفغاب ‪ ،١٨٩٧‬وعبد‬ ‫الرحمن الكواكت ‪ ،١٩٠٢‬ومحمد عبده ‪ ،١٩٠٦‬وقاسم أمي ‪ ،١٩٠٨‬كتب هؤالء‬ ‫ف األهرام ‪ ،١٨٧٥‬ومرص ‪ ،١٨٧٧‬والتجارة ‪ ،١٨٧٨‬والفالح والحقوق وغبها من‬ ‫‪.‬الصحف الت برزت خالل هذا الطور‬ ‫عالج كتاب هذا الطور شئون السياسة‪ ،‬وأحوال المجتمع‪ ،‬وإصالح التعليم‪ ،‬وف‬ ‫هذا الطور نشأ المقال بألوانه الثالثة‪ :‬السياس عىل يد أديب إسحاق‪،‬‬ ‫واالجتماع عىل يد عبد الرحمن الكواكت‪ ،‬والديت عىل يد الشيخ محمد عبده‪.‬‬ ‫وتناول المقال المشكالت المتصلة بالشعب‪ ،‬وبدأ يتحلل من قيود األسلوب‪،‬‬ ‫وكان لهذا التحول وانتقال الكتابة من الفردية إىل الموضوعية أثره البالغ ف تعدد‬ ‫‪.‬األغراض وجودة األساليب‬ ‫وهذا نموذج من مقاالت عبد هللا النديم الت اهتم فيها بتثقيف الشعب‬ ‫ومعالجة قضايا وطنه السياسية‪ ،‬ومشاكله االجتماعية‪ ،‬وتحرر خالله من السجع‬ ‫‪":‬ولفائفه‪ ،‬والبديع وزخارفه‪ ،‬يقول النديم ف مقاله "عرب تفرنج‬ ‫ولد لبعض الفالحي ولد‪ ،‬فسماه زعيط‪ ،‬وتركه يلعب ف الباب‪ ،‬وينام ف "‬ ‫الوحل‪ ،‬حت صار يقدر عىل تشي ح الجاموسة‪ ،‬فشحه مع البهائم إىل الغيط‪،‬‬ ‫يسوق الساقية ويحول الماء‪ ،‬وكان يعطيه كل يوم أرب ع حندويالت‪ ،‬وأربعة‬ ‫أمخاخ بصل‪ ،‬وف العيد كان يقدم اليخت ليمنعه يأكل اللحم بالبصل‪ ،‬وبينما هو‬ ‫يسوق الساقية‪ ،‬وأبوه جالس عنده‪ ،‬مر بهما أحد التجار‪ ،‬فقال ألبيه‪ :‬لو أرسلت‬ ‫ابنك إىل المدرسة ليتعلم ويصب إنسانا‪ ،‬فأخذه وسلمه إىل المدرسة‪ ،‬فلما أتم‬ ‫العلوم االبتدائية أرسلته الحكومة إىل أوربا‪ ،‬وبعد أرب ع سني ركب الوابور‪ ،‬وجاء‬ ‫عائدا إىل بالده‪ ،‬فمن فرح أبيه حرص إىل اإلسكندرية‪ ،‬ووقف بمصيف الجمرك‬ ‫ينتظره‪.‬فلما خرج من "الفلوكة" قرب أبوه ليحتضنه ويقبله‪ ،‬شأن الوالد المحب‬ ‫‪".‬لولده‪ ،‬فدفعه ف صدره‬ ‫يسخر النديم من الفت الذي مأله الغرور والكب‪ ،‬فلم يقبل أن يحتضنه والده‪،‬‬ ‫ونش تقاليد بالده‪ ،‬كل ذلك بأسلوب ساخر‪ ،‬يسوده الحوار‪ ،‬وتشيع العامية فيه‬ ‫‪.‬ك يفهم أهل الريف الذين يخاطبهم‬ ‫وهكذا أثمرت جهود بعض الكتاب ف العودة إىل التوفيق بي األساليب‬ ‫الموروثة‪ ،‬وحاجات العرص الذي أطلوا منه عىل عالم جديد‪ ،‬فأنشئوا المقاالت‬ ‫بلغة أصلح للكتابة الصحفية‪ ،‬مؤثرين بالغة العبارة‪ ،‬واختيار اللفظ‪ ،‬وسالمة‬ ‫‪.‬البكيب‬ ‫]الطور الثالث[‬ ‫نعت به الفبة الت واكبت النضج السياس‪ ،‬والوع االجتماع‪ ،‬خالل الرب ع‬ ‫األول من هذا القرن‪ ،‬نتيجة لتأجج الدوافع الوطنية‪ ،‬وغضب األمة لالحتالل‬ ‫اإلنجلبي‪ ،‬وسيطرة األتراك‪ ،‬ورغبة الجميع ف تحرير الوطن من األجانب‪ ،‬أضف‬ ‫إىل هذا ما وقع من أحداث‪ ،‬وشب من صاعات‪ ،‬وظهر من اتجاهات‪ ،‬واحتدم‬ ‫من معارك بي الكتاب حول الثقافة األوربية الت سادت البالد‪ ،‬وحرية المرأة‬ ‫وتثقيفها‪ ،‬وغب ذلك من الموضوعات الت أدت مناقشتها إىل التماس حل لها‪.‬‬ ‫وبجانب هذا كله ظهرت أحزاب ثالثة ‪-‬مما كان له أثره البالغ ف نمو المقال‬ ‫‪:‬وتطوره‪ -‬ه‬ ‫‪".‬الحزب الوطت ‪ ١٩٠٦‬بريادة مصطف كامل‪ ،‬وصحيفته "اللواء ‪١-‬‬ ‫‪".‬حزب األمة ‪ ١٩٠٧‬بزعامة أحمد لطف السيد‪ ،‬وصحيفته "الجريدة ‪٢-‬‬ ‫‪".‬حزب اإلصالح ‪ ١٩٠٧‬بإشاف عىل يوسف‪ ،‬وصحيفته "المؤيد ‪٣-‬‬ ‫وأبرز كتاب هذا الطور‪ :‬مصطف كامل ‪ ،١٩٠٨‬وأحمد مفتاح ‪ ،١٩١١‬وعىل‬ ‫يوسف ‪ ،١٩١٣‬وجورح زيدان ‪ ،١٩١٤‬وفتح زعلوك ‪ ،١٩١٤‬وحمزة فتح هللا‬ ‫‪ ،١٩١٨‬وملك حفت ناصف ‪ ،١٩١٨‬وحفت ناصف ‪ ،١٩١٩‬وعدىل يكن ‪،١٩٢١‬‬ ‫‪.‬ومصطف لطف المنفلوط ‪ ،١٩٢٤‬وأحمد لطف السيد ‪١٩٦٣‬‬ ‫كان مصطف كامل يمثل قلب األمة الخافق‪.‬ألهيت مقاالته السياسية النفوس‪،‬‬ ‫وأججت المشاعر‪.‬جاء ف مقال له‪" :‬ليقل المرصيون لألمة اإلنجلبية‪ :‬إنه إذا‬ ‫كان ساستها قد نسوا أو تناسوا عهودهم ووعودهم‪ ،‬فإننا معاش المرصيي لم‬ ‫ننسها‪ ،‬ليقولوا بحرية وصاحة واستقالل كل ما يعتقدون‪ ،‬وما به يشعرون حت‬ ‫تعلم األمة كلها أنها أحياء يناضلون عن حقوقهم‪ ،‬وال يقبلون الذلة والعار‪.‬إن‬ ‫ضياع االستقالل مصيبة عىل المرصيي‪ ،‬ولكن هناك مصيبة أخرى‪ ،‬وه وجود‬ ‫أفراد أدنياء‪ ،‬اتجروا بالوطنية حينا‪ ،‬ثم لما يئسوا من نيل االستقالل العاجل‬ ‫والرب ح القريب‪ ،‬انقلبوا إىل االحتالل يعبدونه يتملقونه‪.‬هؤالء هم "المصيبة‬ ‫الكبى" ف مرص‪ ،‬وب هم يستدل أعداؤنا‪ ،‬والمبغضون ألمتنا عىل موت العواطف‬ ‫‪... ".‬فينا‬ ‫أما أحمد لطف السيد‪ ،‬فكان يمثل الجانب العمىل‪ ،‬فباه يعمد إىل توضيح‬ ‫الطريق أمام من يريد أن يتخلص من مشكلة االستعمار فيقول‪" :‬يجب علينا أن‬ ‫نثبت ‪-‬ال لغبنا فقط بل ألنفسنا‪ -‬أننا أحرار متحللون من كل عقال يربطنا عن‬ ‫نيل الحرية‪ ،‬بل أشى السلطة السياسية‪ ،‬أشى السلطة المالية‪ ،‬فإذا أعوزنا ان‬ ‫نسبد حريتنا السياسية‪ ،‬فما الذي يمنعنا من العمل السبداد حريتنا المالية‪،‬‬ ‫وه ال يستهان بها‪.‬إن تحريرنا الماىل مسألة سهلة التقرير‪ ،‬ولكنها صعبة‬ ‫التحقيق جدا‪ ،‬معقدة الطرائق إال إذا شفيت نفوسنا من أوهام األحالم‪ ،‬وصحت‬ ‫عزائمنا ف حلها‪.‬كل عمل لحلها ينفع‪ ،‬ولكن أين الذين يريدون الكسب الشخض‬ ‫وكسب الحرية ف آن واحد؟! يعملون أفرادا إذا لم يتفقوا عىل العمل جماعات‬ ‫للتسلح‪ ،‬للمزاحمة المالية والمعارك التجارية‪ ،‬كل عمل ف هذا السبيل نافع‪،‬‬ ‫قليله وكثبه‪.‬ينفع ذلك تأليف النقابات الزراعية‪ ،‬ينفع لذلك إنشاء بنك زراع‬ ‫أهىل "بمعت الكلمة" ينفع ف ذلك أن كل امرئ منا ساعدته الظروف‪ ،‬فصار‬ ‫عنده مال احتياط "وهذا الصنف عند غب قليل" أن يشبي بماله االحتياط‬ ‫سهما من أسهم الدين المرصي ‪...‬ينفع ف هذا السبيل أن تعضد المحاصيل‬ ‫‪".‬المرصية بأن نشبي ها تفضيال لها عىل سواها‬ ‫أما الشيخ عىل يوسف‪ ،‬فقد كان يمثل عقل األمة‪ ،‬يحلل ف مقاالته كل فكرة‪،‬‬ ‫ويقرع الحجة باألخرى‪ ،‬ويردد عىل المسب "روزفلت" حي قدم مرص وأيد‬ ‫االستعمار فيقول‪" :‬قد كلف المسب روزفلت نفسه أن يحفظ مثال عربيا وهو‬ ‫"إن هللا مع الصابرين إذا صبوا"‪ ١‬لينطق بها عربية‪ ،‬ظانا أنه بعد ذلك ينش له‬ ‫أن يصب الرصاص ذائبا ف أدمغة المرصيي فيجمد‪ ،‬ولكنه لم يكد ينطق بها‬ ‫حت ضحك السامعون‪ ،‬وأنا ف جملتهم‪ ،‬مرص محتلة بدولة أجنبية يعرف‬ ‫الكولونيل روزفلت أنها قائمة عىل شئونها قيام الوص عىل قاص غت‪ ،‬فال‬ ‫الوص يريد أن يرفع يده عن ذلك القاص وكل ما يملك‪ ،‬وال القاص يستطيع أن‬ ‫يدرك مبلة الرشيد‪ ،‬ما دام الوص يمنعه من الوصول إليها بمقتض مصلحته‬ ‫الخصوصية‪ ،‬ألم يكن األجدر بالكولونيل روزفلت وهو ينصح المرصيي أن‬ ‫يصبوا إىل عدة أجيال ليكون هللا معهم‪ ،‬أن يوجه ألبناء عمومته المحتلي‬ ‫نصيحة توجه إىل الوص القوي الطماع‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬إن الخطيب تحاس ذلك‬ ‫حت ال يجعل مركز المحتلي حرجا أمام الوطنيي‪ ،‬فكيف سوغ لنفسه وهو‬ ‫‪".‬يمثل أعظم أمة حرة‪ ،‬أن يجعل مركز الوطنيي حرجا أمام المحتلي‬ ‫وبجانب هذه المقاالت وغبها كانت المقاالت االجتماعية لمصطف لطف‬ ‫المنفلوط‪ ،‬مما أدى إىل تطور موضوع المقال‪ ،‬وانطالق أسلوبه حرا‪ ،‬يعب عن‬ ‫حاجات المجتمع ف سهولة ويش‪ ،‬ودنا الكتاب من أذواق الناس وعقول‬ ‫المواطني‪ ،‬وبعد المقال عن األلفاظ الغربية‪ ،‬وحمل من المعت والبساطة قدر‬ ‫‪.‬ما كان يحمل من زينة وزخرفة ف الماص‬ ‫ومن ثم بلغ المقال قمته ف هذا الطور‪ ،‬وأصبح فنا مستقال يغزو الحياة‬ ‫والمجتمع‪ ،‬وتحرر من وس الكلفة‪ ،‬وب ها رج الصنعة‪ ،‬وخاض معبك الحياة من‬ ‫جميع وجوهها االجتماعية والسياسية والقومية والفكرية‪ ،‬وبدا هذا واضحا‬ ‫وجليا ف نظرات وعبات المنفلوط‪ ،‬مع قدرة ف التصوير‪ ،‬وبراعة ف التحليل‪،‬‬ ‫‪.‬وصحة ف العبارة‪ ،‬وسالمة ف األداء‬ ‫]الطور الرابع[‬ ‫نعت به الفبة الت أعقبت الحرب العالمية األوىل ‪ ،١٩١٨-١٩١٤‬وتاثرت‬ ‫بأحداث ثورة الشعب ‪ ،١٩١٩‬وامتدت حت الحرب العالمية الثانية ‪-١٩٣٩‬‬ ‫‪.١٩٤٥‬ف هذا الطور بلغ النشاط السياس‪ ،‬والوع الفكري‪ ،‬والنضوج األدب‬ ‫ذروته‪ ،‬ووقعت أحداث جلية عىل مشح الحياة السياسية واالجتماعية واألدبية‪،‬‬ ‫فاتقد النشاط الصحف بتعدد األحزاب والصحف اليومية واألسبوعية ال سيما‬ ‫‪.‬بعد موت سعد زغلول ‪ ،١٩٢٧‬وانقسام األمة إىل طبقات‬ ‫خالل هذا الطور ظهرت صحف عديدة‪ ،‬كان لها تأثب عميق ف الحياة بصورة‬ ‫عامة مثل جريدة "السفور" ‪ ١٩١٥‬لعبد الحميد حمدي‪ ،‬و"الوجدانيات"‬ ‫‪ ١٩٢١‬لمحمد فريد وجدي‪ ،‬ثم صحف الثورة مثل‪" :‬االستقالل" ‪١٩٢١‬‬ ‫لمحمود عزم‪ ،‬و"البالغ" ‪ ١٩٢٣‬لعبد القادر حمزة‪ ،‬و"كوكب الشق" ‪١٩٢٤‬‬ ‫ألحمد حافظ عوض‪ ،‬و"األخبار" ‪ ١٩٢٥‬ألمي الرافغ‪ ،‬و"األسبوع" ‪ ١٩٢٦‬لعبد‬ ‫القادر المازب‪.‬ثم تلتها صحف أخرى مثل‪" :‬وادي النيل" ‪ ١٩٢٩‬لمحمد توفيق‬ ‫دياب‪ ،‬و"الشعب" ‪ ١٩٣٠‬لسان حال حزب الشعب الذي قاده إسماعيل صدف‪،‬‬ ‫و"المساء" ‪ ١٩٣٠‬الت رأس تحريرها أحمد محرم‪ ،‬و"الجهاد" ‪ ١٩٣١‬لمحمد‬ ‫توفيق دياب‪ ،‬و"روزاليوسف" ‪ ١٩٣٤‬لفاطمة روزاليوسف‪ ،‬و"المرصي" ‪١٩٣٦‬‬ ‫‪.‬لمحمود أبو الفتح‪ ،‬وغبها من الصحف‬ ‫حفل هذا الطور بنفر من الكتاب‪ ،‬فيهم الناقد والمؤرخ والمرب والمتفلسف‬ ‫والخطيب والسياس والقاص وغبهم ممن شاركوا ف تجديد األدب ودعمه بآثار‬ ‫خالدة من أمثال‪ :‬يعقوب صوف ‪ ،١٩٢٧‬وعبد العزيز جاويش ‪ ،١٩٢٨‬ومحمد‬ ‫إبراهيم المويلح ‪ ،١٩٣٠‬وجبان خليل جبان ‪ ،١٩٣١‬ومحمد رشيد رضا‬ ‫‪ ،١٩٣٥‬ومصطف صادق الرافغ ‪ ،١٩٣٧‬وأمي الريحاب ‪ ،١٩٤٠‬وم زيادة‬ ‫‪ ،١٩٤١‬وعبد العزيز البشي ‪ ،١٩٤٣‬وشكيب أرسالن ‪ ،١٩٤٩‬وإبراهيم عبد‬ ‫القادر المازب ‪ ،١٩٤٩‬وخليل مطران ‪ ،١٩٤٩‬وزك مبارك ‪ ،١٩٥٢‬وأحمد أمي‬ ‫‪ ،١٩٥٤‬ومحمد حسي هيكل ‪ ،١٩٥٦‬وسالمة موس ‪ ،١٩٥٨‬وعباس محمود‬ ‫‪.‬العقاد ‪ ،١٩٦٤‬وأحمد حسن الزيات ‪ ،١٩٦٨‬وطه حسي ‪١٩٧٣‬‬ ‫تبارى كتاب هذا الطور عىل صفحات الجرائد المختلفة‪ ،‬حت شهد المجتمع‬ ‫األدب صاعا بي أنصار القديم بقيادة مصطف صادق الرافغ ودعاة التجديد‬ ‫بزعامة طه حسي‪ ،‬وأسفرت المعركة عن انتعاش الفكر العرب الحديث‪،‬‬ ‫وهيأت أدبا عربيا حديثا له شأنه وكيانه‪.‬وشاركت المرأة ف الحياة األدبية‪ ،‬فكان‬ ‫لندوة "م زيادة" أثرا ف حياة األدب واألدباء‪ ،‬وظهرت أقالم بعدها لموهوبات‬ ‫من أمثال‪ :‬عائشة عبد الرحمن‪ ،‬وسهب القلماوي‪ ،‬وأمينة السعيد‪ ،‬وفدوى‬ ‫‪.‬طوقان‪ ،‬ووداد السكاكيت‪ ،‬وملك عبد العزيز‪ ،‬ونازك المالئكة‬ ‫أدت جهود هؤالء جميعا إىل إذكاء الفكر‪ ،‬وبعث الروح الوطنية‪ ،‬وتطور ر‬ ‫النب‬ ‫ورقيه‪ ،‬وأصبح المقال أوضح فكرة‪ ،‬وأشمل موضوعا‪ ،‬ر‬ ‫وأكب تفرعا‪ ،‬ودان لما‬ ‫‪.‬حققته الصحافة من نضج وإتقان‪ ،‬وحذق وكمال‪ ،‬وجالل وجمال‬ ‫ونسوق إليك نموذجا من كتابات هذا الطور‪ ،‬يصف زك مبارك أسلوب أحمد‬ ‫‪:‬حسن الزيات ف كتابه "وح الرسالة" فيقول‬ ‫هو أسلوب كاتب يؤمن بأن الكتابة فن من الفنون‪ ،‬فهو ال يكتف بشح الغرض "‬ ‫الذي يرم إليه‪ ،‬وإنما يتجه عامدا متعمدا إىل تأدية المعت تأدية جميلة توح إىل‬ ‫القارئ فكرة العناية باألسلوب األنيق‪.‬والزيات يغرب ف بعض األحيان‪ ،‬ومعت‬ ‫ذلك أنه يوس كالمه باأللفاظ الغربية من حي إلىحي ليحول تلك األلفاظ إىل‬ ‫الكالم المأنوس‪ ،‬وف ذلك منهج مقبول ف إحياء المهجور من المفردات اللغوية‪،‬‬ ‫فلم تخلق تلك المفردات مهجورة‪ ،‬وإنما عاشت دهورا ثم تناساها الكتاب‬ ‫‪.‬والشعراء‪ ،‬فأضيفت ظلما إىل القريب‬ ‫والزيت لم يبب هذا المنهج بي أدباء العرص الحديث‪ ،‬فقد اختطه المرحوم‬ ‫الشيخ حمزة فتح هللا‪ ،‬والمرحوم السيد توفيق البكري‪ ،‬ودعا إليه استأذنا الشيخ‬ ‫محمد المهدي‪ ،‬ولكن مزية الزيات ه القصد ف اإلغراب بحيث ال يقع منه ف‬ ‫المقال الواحد غب لفظة أو لفظتي‪ ،‬وذلك يزيد ثروة القارئ من الوجهة اللغوية‬ ‫‪.‬بدون أن يوقعه ف التعنت واالرتباك‬ ‫ويستطيع الدارس وهو يراجع "وح الرسالة" أن يقيد هذا النوع من المفردات؛‬ ‫ألن إحياء تلك المفردات خصيصة أصيلة من خصائص هذا الكتاب‪ ،‬ولتوضيح‬ ‫هذه المسألة أذكر كلمة "الريازة" بمعت العمارة‪ ،‬ثم أترك للدارس حرية‬ ‫‪.‬االستقصاء ليعرف أنه قرأ واستفاد"‪١‬‬ ‫ويتحدث أحمد أمي عن "عينية" ابن سينا فيقول‪" :‬العينية هذه تدور حول‬ ‫حالة النفس قبل اتصالها بالبدن‪ ،‬وبعد اتصالها به‪ ،‬وبعد مفارقتها له‪ ،‬فهو يرى‬ ‫كفالسفة القرون الوسظ أن النفس كانت قبل البدن بعهد طويل‪ ،‬تتمتع بكل ما‬ ‫تتمتع به العناص الروحية المجردة‪ ،‬ثم تحل باألجساد حي يخلق الجسم ف‬ ‫الرحم فتحل فيه وه كارهة‪ ،‬ولكنه إذا طالت مدتها ألفته‪ ،‬ثم إذا ه فارقته‬ ‫بالموت فارقته وه كارهة‪.‬والجسد يجري من النفس مجرى الثوب من البدن‪،‬‬ ‫فإن الجسد يحرك الثوب بواسطة أعضائه الظاهرة‪ ،‬والنفس تحرك البدن‬ ‫بواسطة قوى حقيقية مناسبة‪ ،‬فه الت تحرك العي واليد والرجل وغبها‪ ،‬فإذا‬ ‫فارقته عدم الحركة‪.‬وكلمة "اإلنسان" تطلق عليهما معا‪ ،‬وتطلق عىل النفس‬ ‫حقيقة‪ ،‬وعىل الجسم وحده مجازا‪ ،‬كما يسم ضوء الشمس شمسا‪ ،‬وهذه‬ ‫النفس ال تتجرأ بذاتها‪ ،‬وإنما تتجزأ بأعراضها‪ ،‬وليست النفس ف البدن كالماء ف‬ ‫اإلناء‪ ،‬إذا فرغ الماء بف اإلناء كما هو حي حلوله به‪،‬والجسم ال يكون كما هو‬ ‫عند مفارقته النفس‪ ،‬وال النفس كالحالوة ف العسل؛ ألن الحالوة عرضية‪ ،‬وألن‬ ‫النفس رئيسة للبدن‪ ،‬والبدن مرءوس‪.‬وليست الحالوة عرضية‪ ،‬وألن النفس‬ ‫رئيسة للبدن‪ ،‬والبدن مرءوس‪.‬وليست الحالوة رئيسة للعسل‪ ،‬وإنما ه بمبلة‬ ‫شعاع الشمس ‪-‬كما قلنا‪ -‬وه حية بذاتها‪ ،‬والكون كله مظاهر للنفس‪ ،‬فلكل‬ ‫سء ف الكون نفس وهو مظهرها‪ ،‬وه مفطورة عىل صورة الفاطر جل وعال؛‬ ‫‪.‬ولذلك جاء ف الحديث‪" :‬إن هللا خلق آدم عىل صورته" ‪١‬‬ ‫وبمثل هذه الكتابات أصبح المقال يشبه الكتاب الصغب الذي يضم القديم‬ ‫والجديد ف األدب‪ ،‬ويبجم ألعالم الغرب والشق‪ ،‬ويقدم دراسات ف الفنون‬ ‫حينا‪ ،‬وف الشعر والشعراء حينا آخر‪ ،‬وف النظم السياسية حينا ثالثا‪.‬وبذلك‬ ‫وصل الكتاب ف مقاالتهم إىل درجة اإلبداع‪ ،‬وتخصص نفر منهم ف مجاالت‬ ‫الفكر واألدب‪ ،‬فوضعوا أمام األجيال منارات تهدي إىل أقوم السبل ف الحياة‬ ‫‪.‬األدبية‬ ‫ومن ثم وطدت دعائم المقال األدب‪ ،‬ورسخت أصوله حت أصبح معرضا لكثب‬ ‫من صوب المعرفة‪ ،‬وحقائق األدب‪ ،‬وألوان الثقافة‪ ،‬وبذلك أوجد وعيا علميا‬ ‫وأدبيا فنيا‪ ،‬ونهض يعمق شعور القراء‪ ،‬ويساعدهم عىل تفهم الحقائق حولهم ف‬ ‫‪.‬ضوء غامر من النقد والتحليل والمعرفة‬ ‫وال نبالغ إذا قلنا‪ :‬إن هذا الطور شهد خلق الوع االجتماع‪ ،‬واإلبداع األدب‪،‬‬ ‫وتعدد فنون القول‪ ،‬وأصبح المقال فيه أداة التعبب ف التأليف والبجمة واإلذاعة‬ ‫النب‪[.‬الطور الخامس]‬ ‫والصحافة وشت ألوان ر‬ ‫نعت به الفبة الت واكبت الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وامتدت لثورة ‪ ،١٩٥٢‬وما‬ ‫وليها من العهد االشباك‪.‬ولقد قلنا من قبل‪ :‬إن األمة انقسمت إىل أحزاب بعد‬ ‫أكب من حرصه عىل‬‫موت سعد زغلول ‪ ،١٩٢٧‬وحرص كل حزب عىل الحكم ر‬ ‫مصلحة األمة‪ ،‬فهال الشباب الوطت مرصع الكرامة‪ ،‬ووأد الفضيلة‪ ،‬وذبح‬ ‫الوطنية ف عهد الملك السابق‪.‬ولما شاع االستبداد‪ ،‬وعم الفساد‪ ،‬وثب نفر من‬ ‫صفوة الضباط األحرار‪ ،‬وقادوا ثورة ‪ ،١٩٥٢‬وأطاحوا بعرش الفساد‪ ،‬وقضوا عىل‬ ‫‪.‬األحزاب‪ ،‬وحققوا االستقالل أمل الشعب طوال سبعي عاما خلت قبله‬ ‫ووقفت مرص من البالد العربية موقف الريادة‪ ،‬فتحررت شعوب‪ ،‬وثارت أخرى‪،‬‬ ‫وانعكس هذا عىل حياتنا الفكرية‪.‬وبدأ الكتاب يستعيدون المفاهيم القديمة ف‬ ‫الحرية والعدالة والمساواة‪ ،‬وصاغوا ذلك ف ثوب جديد من حياتنا االشباكية‬ ‫الحريصة عىل تحقيق الكفاية والعدل‪ ،‬وتمكن الكتاب خالل هذه التجربة الحية‬ ‫من ممارسة الحرية والشعور بها‪ ،‬وانطلقوا ف كتاباتهم دون الوقوف عند حد‪،‬‬ ‫‪.‬فأتوا بالجديد ف األدب والفكر‬ ‫وحفل هذا الطور بنفر من الكتاب الالمعي من أمثال‪ :‬محمود أبو الفتح‪ ،‬وأحمد‬ ‫أبو الفتح‪ ،‬وميخائيل نعيمة‪ ،‬وعىل ومصطف أمي‪ ،‬ومحمد التابغ‪ ،‬ومحمد‬ ‫حسني هيكل‪ ،‬وزك نجيب محمود‪ ،‬وأحمد بهاء الدين‪ ،‬وحسي فوزي‪ ،‬ولويس‬ ‫عوض‪ ،‬ومحمد زك عبد القادر‪ ،‬وأحمد الصاوي محمد‪ ،‬وعىل حمدي الجمال‪،‬‬ ‫وغبهم ممن يعملون ف الصحف المرصية والعربية اليوم‪.‬ومعظم هؤالء‬ ‫يعيشون بيننا اليوم‪ ،‬وتتمب أساليبهم بالتأثر باألدب الغرب‪ ،‬واستلهموا ثقافاتهم‬ ‫من ينابيع شت‪ ،‬ويعملون بجد ونشاط ف حياة الفكر المعاص‪ ،‬وال نستطيع أن‬ ‫ندخل كتاباتهم التاري خ حت تستكمل آثارها‪ ،‬ويصبح لها طابع فت يؤهلها للحكم‬ ‫عليها‬ ‫كتب محمد حسني هيكل مقاال بجريدة "األهرام" بعد نكسة ‪ ١٩٦٧‬تحت‬ ‫لعل الموقف المرصي هو أوضح ‪:‬عنوان "مرص االلبام والقدر" جاء فيه‬ ‫المواقف عىل مشح الرصاع الكبب والخطب الدائر اآلن عىل أرض الشق‬ ‫األوسط‪ ،‬والموقف المرصي سهل بسبب وضوحه‪ ،‬وهو لنفس السبب صعب‪،‬‬ ‫والوضوح نهار‪ ،‬والنهار تعرض‪ ،‬وذلك يعكس الغموض الذي يمكن أن يكون‬ ‫ليال‪ ،‬والليل نهارا‬ ‫ومن هنا فلعل الحديث عن دور مرص ‪-‬ف صاع األطراف العشة علىأرض الشق‬ ‫‪...‬األوسط‪ -‬أن يكون ف بعض نواحيه تحصيل حاصل‬ ‫أكب مما يضعف‪ ،‬ويذكر ر‬ ‫أكب مما يجدد‪ :‬أن مرص‬ ‫وهو عىل أحسن الفروض يؤكد ر‬ ‫‪:‬كانت ‪-‬وما زالت‪ -‬عىل ارتباط وثيق بمجموعة من االلبامات ه‬ ‫النضال المستمر لتحقيق حريتها السياسية واالقتصادية والفكرية ‪١-‬‬ ‫اعتبار حرية مرص مفتاحا للحرية االجتماعية من اليقي العميق بوجوه ‪٢-‬‬ ‫التاري خ والمصب‬ ‫نتيجة لذلك يحء رفض مرص لقيام أي عازل جغراف أو سياس أو عسكري ‪٣-‬‬ ‫بينها وبي شعوب األمة العربية‪ ،‬خصوصا ف الشق األوسط؛ حيث الخطر‬ ‫جاثم وعدواب‬ ‫كان الخطر الذي انتهجته السياسة المرصية ف المجال الدوىل تعببا عن ‪٤-‬‬ ‫ذلك كله‪ ،‬من حيث عدائه لالستعمار وصداقته مع كل القوى المعادية له ف‬ ‫العالم‪ ،‬وانتهاج طريق عدم االنحياز‬ ‫ولم تكن المشكلة الحقيقية لاللبام المرصي أنه واجه غزوة من أعت ‪...‬‬ ‫الغزوات الموجهة إىل األمة العربية‪ ،‬وه الغزوة االستعمارية ‪-‬الصهيونية‪ -‬ولكن‬ ‫المشكلة الحقيقية كانت أن االلبام المرصي واجه هذه الغزوة العاتية ف ظروف‬ ‫مرهقة؛ ألنها ‪-‬داخل األمة العربية‪ -‬كانت ظروف الحبة والتمزق عىل مفارق‬ ‫طرق التطور‬ ‫هل اإلطار الصحيح لنضال هذه األمة العربية هو الجامعة اإلسالمية أو هو ‪١-‬‬ ‫الجامعة العربية؟‬ ‫هل الهدف هو االستقالل الوطت بحدوده االنعزالية أو هو القومية العربية ‪٢-‬‬ ‫بأبعادها الشاملة؟‬ ‫هل يكون العمل العرب داخل اإلطار ونحو الهدف عىل أساس المنهج ‪٣-‬‬ ‫التقليدي أو أن المنهاج الحتم هو الثورة لتعويض التخلف وتحقيق النمو؟‬ ‫لما كان كل تفاعل تاريح يخلق أنبياؤه‪ ،‬ويخلق أدعياؤه ف نفس الوقت‪ ،‬فإن ‪٤-‬‬ ‫العالم العرب خالل سنوات طويلة دفع كثبا ف معاناتهبحثا عن إجابات عىل‬ ‫األسئلة الت واجهت طريق تطوره من هذا كله‪ ،‬فإن مشكلة االلبام المرصي أنه‬ ‫كان يقود عالما عربيا‪ ،‬تتضارب داخله اإلرادات ف صاع مع عدو أو أعداء‪،‬‬ ‫توحدت إرادتهم عىل قهرها فضال عما يملكونه من أسباب القوة المادية‬ ‫المتفوقة إن مرص ‪-‬إنصافا وليس تعصبا‪ -‬لم تهرب من قدرها‪ ،‬وإنما واجهته‬ ‫‪:‬بشجاعة‪ ،‬ووصلت إىل الحزب من أجله عىل أرضها‪ ،‬وعىل كل أرض عربية‬ ‫من ‪ ١٩٥٢‬إىل ‪ ١٩٥٦‬حاربت مرص عىل أرضها حت تحقق انتصار السويس ‪-‬‬ ‫العظيم من ‪ ١٩٥٥‬ولثالث سنوات بعدها كانت مرص وحدها تتحمل عبء‬ ‫الثورة الجزائرية‪ ،‬حت تنبهت األمة العربية كلها إىل أهمية الحرب من أجل عروبة‬ ‫واستقالل الجزائر‬ ‫انتقلت القوات المرصية إىل سوريا ف وجه تهديد بالغزو من حلف ‪- ١٩٥٧‬‬ ‫بغداد وقتها‬ ‫كانت قوات الجمهورية العربية المتحدة عىل أهبة االستعداد لحماية ‪- ١٩٥٨‬‬ ‫ثورة العراق من أي تدخل أجنت‬ ‫ذهبت مرص إىل اليمن‪ ،‬وتركت عىل جبالها أربعة آالف شهيد ‪- ١٩٦٢‬‬ ‫كانت هناك قوات مرصية تقطع عرض البحر األبيض المتوسط ‪- ١٩٦٤‬‬ ‫لمساندة الجزائر‬ ‫كان هناك لواء مرصي مدرع ف بغداد‪ ،‬يشارك ف حماية الثورة‪ ،‬وعندما ‪- ١٩٦٥‬‬ ‫سحب هذا اللواء بعد ‪- ١٩٦٧‬وبسبب الحرب‪ -‬كانت تلك ه الفرصة الت‬ ‫انتهزتها عناص االنقالب الت أطاحت بحكم عبد الرحمن عارف‪ ،‬ومهدت لعودة‬ ‫حزب العراق متواطئا مع بريطانيا‪ ١٩٦٦ -.‬كانت مرص تشارك عسكريا ف صنع‬ ‫‪.‬استقالل اليمن الجنوبية‬ ‫كانت تواجه محنتها الكبى‪ ،‬بحرب شاملة مع إشائيل‪ ،‬وكانت بداية ‪- ١٩٦٧‬‬ ‫الحرب بسبب تهديد موجه إىل سوريا‬ ‫ف ذلك الوقت ‪-‬كما قلت‪ -‬قدرت مرص موقفها الوطت والقوم تقديرا وضعت‬ ‫فيه كل تجربتها‪ ،‬كان تقديرها أن الموقف يحتاج إىل الفصل‪ ،‬وال يحتاج إىل‬ ‫االنفصال‪ ،‬وأنه بالفعل يمكن أن تستفيد من كل ما ضاع عىل األقل‪..‬وأما‬ ‫باالنفصا فإنها تضيع ما بف‪.‬كان رأيها ف الشعارات المطروحة أيام الضياع كما‬ ‫يىل ‪:‬‬ ‫وقف إطالق النار‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن ك نستطيع بعده أن نعود إ

Use Quizgecko on...
Browser
Browser