الفصل الأول: نشأة الأدب المقارن PDF

Summary

يُقدم هذا النص لمحةً عن نشأة علم الأدب المقارن، حيث يُعرّف بأنه علمٌ يُقارن بين الآداب المختلفة، ويُحلّل التأثيرات الأدبية المتبادلة بينها عبر الحدود اللغوية والجغرافية. ويُسلط الضوء على أهمية دراسة التأثيرات والتأثيرات العكسية في تطور الأدب عبر العصور المختلفة.

Full Transcript

# الفصل الأول ## نشأة الأدب المقارن الأدب المقارن من العلوم الأدبية التي ظهرت في العصر الحديث. فهو في معناه المعجمي يعني: "المقارنة بين آداب أو أدباء ، أو مجموعة لغوية واحدة، أو مجموعات لغوية مختلفة بدراسة التأثيرات الأدبية التي تتعدى الحدود اللغوية، والجنسية والسياسية، في آداب مختلفة". ويُعد مصطل...

# الفصل الأول ## نشأة الأدب المقارن الأدب المقارن من العلوم الأدبية التي ظهرت في العصر الحديث. فهو في معناه المعجمي يعني: "المقارنة بين آداب أو أدباء ، أو مجموعة لغوية واحدة، أو مجموعات لغوية مختلفة بدراسة التأثيرات الأدبية التي تتعدى الحدود اللغوية، والجنسية والسياسية، في آداب مختلفة". ويُعد مصطلح الأدب المقارن مصطلحا خلافيًا. فهو في ما هو مسكوت عنه ينطلق من عدة مرجعيات هي علم، وتاريخ ونقد، ونظرية؛ أي: علم الأدب المقارن، وتاريخ الأدب المقارن، والنقد الأدبي المقارن، أو نظرية الأدب المقارن. وقد نقده كثير من الباحثين، ولكنهم في النهاية آثروا استعماله دون كل التسميات الأخرى؛ وذلك لشيوعه، فضلا عن إيجازه، وسهولة تناوله. فمثلا عدّه بول فان تيغم( 1871–1948) (Paul Van Tieghem) مصطلحا غير دقيق، واقترح مصطلحات أخرى أقرب دلالة إلى موضوعه، مثل: «تاريخ الأدب المقارن», و «التاريخ الأدبي المقارن» و «تاريخ المقارنة». واقترح ماريوس فرانسوا غويار (Guyard) مصطلحا بديلا هو «تاريخ العلاقات الأدبية الدولية». والملحوظ أنَّ كلمة «تاريخ» هي المضافة في مختلف الاقتراحات البديلة. ذلك أنَّ الأدب المقارن هو في الأصل تاريخ للعلاقات المتبادلة بين الآداب وللصلات والمشابهات المتجاوزة للحدود اللغوية، والجغرافية. وفي ما بعد أضيفت الحدود المعرفية. وعلى أية حال يبدو أن افتقار المصطلح إلى الدقة كان له بعض فضل في الإبقاء على وحدة هذا النسق المعرفي، وفي مقدرته على استيعاب مناطق معرفية جديدة, أخذت تدخل نطاقه بعد منتصف القرن العشرين ... ومدلولة (الأدب المقارن) تأريخي؛ لأنَّه يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها المعقدة، في حاضرها، وماضيها، وما لها من تأثّر وتأثير بأشكاله المختلفة: - 1- الأصول الفنية للأجناس الأدبية، والمذاهب، والتيارات الفكرية. - 2- طبيعة الموضوعات، والمواقف، والأشخاص التي تعالج أو تحاكي في الآداب. - 3- الصياغة الفنّيّة، والأفكار الجزئية في العمل الأدبي. - 4- الصورولوجيا ؛ أي: صورة البلاد المختلفة في آداب الأمم الأخرى، بوصفها صلات تربط بين الشعوب والدول بروابط إنسانية. - 5- أسباب التأثّر والتأثير في أدب الرحلات. وكما ذكرنا آنفًا أنَّ التسمية فيها إضمار ؛ والأصل تأريخ الأدب المقارن"، أو "تأريخ الآداب المقارنة". والأدب المقارن جوهر تأريخ الأدب ونقده؛ لأنه يكشف عن مصادر التيارات الفنية، والفكرية للأدب القومي؛ إذ كل أدب قومي يلتقي في مراحل نهضته بالآداب العالمية الأخرى. فضلا عن أنه يكشف عن تأثّر الكتاب والأدباء داخل الأدب القومي بالآداب الأخرى، مع تأكيد أصالة الأديب والكاتب؛ إذ يقول الفيلسوف والشاعر الفرنسي بول فاليري (1945م): "لا شيء أدعى إلى إبراز أصالة الكاتب وشخصيته من أن يتغذى بآراء الآخرين، فما الليث إلا عدة خراف مهضومة". ومن أوائل الذين تطرقوا إلى مفهوم الأدب المقارن وأهميته، هما: 1 - فيلمان (1828م) في محاضرات ألقاها في السوربون؛ إذ أشار فيها إلى أنَّ ما يسمى السرقات الأدبية، هو من صميم الأدب المقارن. 2- جان جاك أمبير (1832م) يرى أنّه من غير الدراسات المقارنة لا يكتمل تأريخ الأدب؛ وهذا ما يؤكد أهميته. وعلى وفق ما تقدم فإنّ مفهوم الأدب المقارن يتحصل بالآتي بيانه: 1- الصلة التأريخية بين الآداب المدروسة. 2- اختلاف اللغة: لا بد من أن تكون الآداب المدروسة من لغات مختلفة. 3- التأثر والتأثير : لا بد من وجود صلة تأريخيّة تؤكّد التأثّر والتأثير بين الآداب المدروسة. لذلك لا يُعَدُّ كتاب ( راسين وشكسبير) للفرنسي ستاندال(1842م) من الأدب المقارن؛ وذلك لانتفاء صلة تأريخية تؤكد أي تأثّر وتأثير بين الكاتبين؛ فالكتاب يقابل بين مسرحيات شكسبير بما تضمنته من قوانين إنسانيّة خاصّة، وثورة على القواعد الكلاسيكية، والانتصار للرومانسية؛ إذ إنّ ستاندال اتَّخذ من راسين مثالاً للشعراء عبيد القواعد. وكذا الحال في ما يخص الموازنة بين الشاعر الإنجليزي جون ملتن (1674م) وأبي العلاء المعري (449هـ - 1057م) على أنهما أعميان، وأنَّ نتاجهما يعكس هذه العاهة، فضلًا عن آرائهما الجريئة في الدين، والمجتمع ؛ وهذا التشابه من دون صلة تأريخية ليس فيه قيمة تأريخية. وكما أخرج - من دائرة الأدب المقارن - ما ليس بينه صلة تأريخية؛ فإنَّه يخرج الموازنات داخل الأدب القومي الواحد أيضًا؛ لأنها من اللغة نفسها ؛ كموازنة أبي تمام والبحتري، وحافظ وشوقي في الأدب العربي، وبين كورني وراسين، أو بين باسكال ومونتيني، أو بين راسين وفولتير في الأدب الفرنسي. فهذه الموازنات لا تتعدى نطاق الأدب القومي. وميدان الأدب المقارن دوليًا بين أدبين أو أكثر . أما دراسة 1- المقامات: نشأتها في الأدب العربي، وانتقالها إلى الأدب الفارسي، وكذلك الآداب الأخرى. 2- مجنون ليلى في الأدبين العربي والفارسي. 3- تأثير الأدب اليوناني، واللاتيني في أدب عصر النهضة. 4- تأثير شكسبير في المذهب الرومانسي. ومما يندرج في ضمن الأدب المقارن التأثير العكسي". كأن يواجه كاتب، أو أديب أثر كاتب، أو أديب آخر في أدب أمة أخرى. ومثال ذلك: أحمد شوقي في مسرحيته ( كليوباترا) الذي كان تأثّره عكسيا ؛ وذلك بعد أن صور الكتاب الفرنسيون الذين تطرقوا إلى موضوع "كليوباترا" في طائفة كبيرة من الأعمال الأدبية على أنها مثال المرأة الشرقية، اللعوب، المستهترة، الولوع بالملذات، وأن أكتافيوس مثال العقلية الغربية في جدته، وقوّته، واستقامته، وأنَّ أنطونيوس مثال العقلية الغربية قبل أن يتعرَّف كليوباترا، ثم صار مثلها؛ فأراد شوقي أن يدفع هذه النظرة؛ فصورها امرأة وطنية مخلصة تقدم وطنها على حبها . ## نشأة الأدب المقارن الأدب المقارن من العلوم الأدبية التي ظهرت في العصر الحديث، واكتمل مفهومه في أوربا، وصارت له أهمية بين علوم الأدب. ومن الطبيعي أن تسبق المفهومات نظرية الأدب المقارن، وهذا أمر طبيعي في العلوم المختلفة. فأقدم ظاهرة في الأدب المقارن هو ما أثر به الأدب اليوناني في الأدب الروماني. ففي عام (146ق. م) انهزم اليونان أمام الرومان؛ لكن سرعان ما أصبح الرومان تبعًا لليونان ثقافيًا، وأدبيًا؛ فلم يكن حينئذ للأدب اللاتيني (الروماني) من أصالة تذكر، يستقل بها عن الأدب اليوناني إلا في التأريخ، والخطابة. وقد أثمر ذلك في عصر النهضة لدى النقاد اللاتينيين نواة المحاكاة؛ أي: محاكاة اللاتينيين لليونان، رغبةً في نهضة الأدب اللاتيني؛ وهذا معنى آخر للمحاكاة، يختلف عن المحاكاة التي دعا إليها أرسطو، حينما بين الصلة بين الفن والطبيعة. فللشاعر - عند نقاد الرومان - أن يحاكي العباقرة الذين هم بدورهم قد حاكوا الطبيعة. وفي هذا يقول هوراس (85-8 ق.م) اتبعوا أمثلة الإغريق، واغكفوا على دراستها ليلا، واغكفوا على دراستها نهارًا". وقد وضع الناقد الروماني كانتيليان(96م) قواعد للمحاكاة، تتمثل بالآتي بيانه: - 1- أن المحاكاة للأدباء مبدأ من مبادئ الفن لا غنى عنه ( أي: محاكاة اليونان). - 2- أن المحاكاة تتطلب مواهب خاصة للكاتب الذي يريد أن يحاكي. - 3- أنّ المحاكاة ينبغي لها ألا تكون للكلمات، والعبارات بقدر ما هي لجوهر الأدب ومنهجه. - 4- أنّ على من يحاكي اليونانيين أن يختار نماذج يتيسر له محاكاتها، وأن تتوافر له قوّة التمييز، والحكم بين الجيد والرديء. - 5- أنّ المحاكاة في ذاتها غير كافية، ويجب ألا تعوق الشاعر، وألا تحول دون أصالته. وفي ظل نظرية المحاكاة هذه، ازدهر الأدب الروماني؛ إذ حاكي الكتاب اللاتينيون اليونانيين، مع حفظ أصالتهم في الوقت نفسه. وعلى هذا الأساس كان النقاد والمؤرخون الرومان يُقارنون بين هؤلاء، الكتاب ونماذجهم من اليونانيين؛ وهو ما يُعدُّ صورة ساذجة للمقارنة. ## العصور الوسطى (1395-1453م). في هذه العصور خضعت الآداب الأوربية المختلفة إلى عوامل مشتركة، وحدت بعض اتجاهاتها، ووثقت علاقاتها بعضها بعضًا. وكان لهذا التوحد في ميدان الأدب مظهران عامان : الأول: ديني: إذ كان رجال الدين فيه هم المسيطرون؛ فكان منهم القرّاء، والكتاب معًا. وتغلغل الروح المسيحية في ذلك النتاج الأدبي؛ فكانت اللاتينية لغة العلم، والأدب، كما كانت لغة الكنيسة. الثاني فروسي: إذ توحدت فيه معظم الآداب الأوربية في تلك العصور. وفي ظل هذين الاتجاهين سار معظم الإنتاج الأدبي الأوربي في كثرته الغالبة؛ مما أضفى عليه طابع العالمية في اتجاهه العام. وكان من الممكن - لذلك - أن يصبح مجالا للدراسات المقارنة في البحث عن المؤثرات العامة، التي وحدت اتجاهاته. وكانت هذه المؤثرات دينية مسيحية، أو شرقية عربية. وقد تأخر بتلك الدراسة الزمن حتى العصور الحديثة. وفي عصر النهضة ( القرنين الخامس عشر والسادس عشر) اتجهت الآداب الأوربية وجهة الآداب القديمة من اليونانية واللاتينية، تمثلت بترجمة كتب فلاسفة اليونان، ولا سيما أرسطو؛ فكانت الدعوة إلى الرجوع لآداب اليونان والرومان، ومحاكاتهما بمنزلة ثورة فكرية، في ذلك العصر على آداب العصور الوسطى ذات الطابع المسيحي. وكان للعرب فضل توجيه الأنظار إلى قيمة النصوص اليونانية، واللاتينية. ومِنَ النقاد الذين عادوا إلى نظرية المحاكاة، الناقد والشاعر الفرنسي جان دورا (Jean Dorat (1588م)، الذي سلك في تلقين تلاميذه معنى نظرية المحاكاة مسلكًا علميا مثمرًا. وقد أوضح لتلاميذه ما تدين به اللاتينية لليونانية؛ إذ بَقِيَتِ اللاتينية خمسة قرون ولا أدب لها، ثم ازدهر أدبها على أثر اتصاله بالأدب اليوناني؛ وكان يشرح لهم كيف كان "شيشرون" الروماني (106ق.م - 43 ق.م) مدينًا في خطابته لخطيب اليونان" ديموستين" وكيف تأثر" فرجيل" اللاتيني بشاعر اليونان" تيوكريت"، وكيف ألهم شاعر اليونان" بندراوس" "هوراس" في أشعاره اللاتينية. وتُعَدُّ دراسات جان دورا على هذا ال نحو مِنْ أقدم ما عُرف عن الدراسات المقارنة المثمرة. وقد تجدسدت تلك الدعوة في جماعة أدبية تسمى (جماعة الثريا) دعت إلى إغناء اللغة الفرنسية وتطويرها عن طريق محاكاة الأدب الروماني واليوناني. ويعد (دورا) صاحب أقدم دراسة مقارنة مثمرة ، موضحا أنه يمكن للغة الفقيرة أن تغنى وتنهض عن طريق تأثير أدب أرقى وأغنى منها ، فاللغة اللاتينية ظلت خمسة قرون عصية على الإبداع والرقي خامدة على نفسها متقوقعة على ذاتها وإثر اتصالها باللغة اليونانية كتب لها الازدهار والتطور، وكذلك فإن اللغة الإيطالية نهضت وارتقت إثر اتصالها بالأدبين اليوناني والروماني بعد أن كانت رهينة غمدها. كل تلك الأمثلة التي ساقها دللت على أنه يمكن للغة الفرنسية أن تحذو حذو اللغة اللاتينية والإيطالية. ## القرائن التي ساقها ( دورا ( من أجل النهوض باللغة الفرنسية لاقت صدى عند ناقد آخر من نفس الجماعة ألا هو ( دي بيلي ( الذي دعا إلى أن المحاكاة لا يمكن أن تؤتي ثمارها مالم تهضم النصوص القديمة ( اليونانية والرومانية و تستلهم أذواقهم الفنية ، وأن الاعتماد على الترجمة لا يكفي. ## القرنين السابع عشر والثامن عشر : يمثلان العصر الكلاسيكي الذي اتخذت فيه الآداب القديمة المثال الذي يحتذى. فكانت مهمة الناقد أن يضع قواعد لمختلف الأجناس الأدبية، وأن يدعو الكتاب للسير عليها، وأن يحكم على قيمة إنتاجهم بمبلغ اتباعهم القواعد. وعلى الرغم من تأثر ذلك الأدب بالآداب القديمة إنتاجا ونقدًا؛ إلا أن مهمة الناقد كانت الأبعد عن الاتجاه التأريخي، وعن البحث عن المنابع التي استقى منها الكاتب؛ إذ كانت غايتهم فنية عملية، هي الإرشاد والدعوة إلى الإنتاج بحسب قواعد جرت مجري العقائد. وحين تأثر الأدب الفرنسي بآداب أخرى غير الآداب القديمة، كالأدب الإيطالي، والأسباني على سبيل المثال، وقد تعرّض بعض النقاد لدراسة تلك الصلات الأدبية الدولية. وفي القرن الثامن عشر ظهرت عوامل تنشد الدراسات المقارنة؛ ولكن كل هذه العوامل لم تثمر ثمرتها المرجوة، لا في خلق تأريخ الأدب، ولا في نشأة الدراسات في الأدب المقارن؛ لأنَّ أكثر مؤرخي الأدب - حتى نهاية القرن الثامن عشر - لم يتجاوزوا حدود سرد حياة المؤلفين، وشرح نصوصهم، وإذا ما اتسع أُفق ناقدٍ مثل فولتير؛ فإنَّ تحليله للنصوص لا يتجاوز ميدان التأريخ، والحكم على النصّ. ## القرن التاسع عشر كان القرن التاسع عشر عهد تقدم ملحوظ في الناحية الاجتماعيّة؛ وفي البحوث العلمية، والأدبية. وتعرف الشعوب بعضها بعضا ؛ فكثُرت الأسفار، وتعددت التراجم للآثار الأدبية لمختلف الدول. وعُنِي العلماء والكتاب بدراسة مختلف الظواهر الاجتماعية والأدبية، محاولين رد كل ظاهرة إلى أسبابها. وقد نشأ عن ذلك اتّجاهانِ عامَانِ، أثرا في نشأة الأدب المقارن، هما: 1- الحركة الرومانسية 2- والنهضة العلمية ## الرومانسية (Romanticism) الرومانسية كما تُعرف باسم الرومانتيكية أو الإبداعية، هي حركة فنية، أدبية وفكرية، نشأت في أوربا على أنقاض الكلاسيكية في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد في أوروبا، ثم في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد قامت الرومانتيكية في إنجلترا أولا، ثم في ألمانيا، وفرنسا، وأسبانيا، وإيطاليا، حتّى بلغت ذروتها في عام (1800–1840م). وهي فاتحة العصور الحديثة في الفكر والأدب. وقد مهدت لجميع المذاهب الأدبية الحديثة التي تلتها. وفي ما يأتي مقابلة بين المبادئ العامة لكلا المذهبين : الكلاسيكي والرومانتيكي، وما لهما من تأثير في توجيه الدراسات الأدبية وجهة مقارنة: العقل والعاطفة: العقل أساس فلسفة الكلاسيكيين في الجمال والأدب، والعاطفة أساس فلسفة ال رومانسية؛ فالعقل مرادف للذوق السليم والحكم. والعواطف يجب أن تمر من طريق الفكر والعقل؛ لتهذب وتخرج منطقية ومعتدلة غير مشبوبة. والشعر عندهم "لغة العقل"، فلابد من أن يبرأ من الخيال الجامح، والنزعات الفردية، والعواطف الجياشة. وقد دعوا إلى اتباع اليونان والرومان في نظريتهم في "المحاكاة" باسم العقل وعظموا من شأن أرسطو، وما سن من قواعد؛ لأنه كان يعتمد على سلطان العقل. أما الرومانسية فمنشؤها فلسفة العاطفة التي سادت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في أوربا. ## ما بين الرومانسية والكلاسيكية 1- ينكر الرومانسيون ذلك الاتجاه العقلي الذي مجده الكلاسيكيون، ويستبدلون به العاطفة والشعور، وهم يسلمون قيادته إلى القلب؛ لأنه منبع الإلهام، والهادي الذي لا يُخطئ، وهو موطن الشعور والضمير. 2- والجمال عند الكلاسيكيين مرده إلى العقل؛ وعند الرومانيسيّين مرده إلى الذوق؛ وهو فردي. -3- كانت الغاية من الأدب عند الكلاسيكيين خُلُقيّة؛ فهو يلقن الفضائل الدينية، والاجتماعية (الحق ينتصر على الباطل). وقد تنتصر العاطفة عند الكلاسيكيين؛ لكنها تأتي لتصوّر حالة الضعف. 4 ثارت الرومانسية على الغاية الخُلُقية للأدب، فالأدب عندهم هو استجابة للعاطفة. -5- كان الأدب الكلاسيكي أدبًا أرستقراطيًا محافظا، في حين أن الأدب الرومانسي شعبيا، أشرك الجمهور . وقد ساعد على ذلك جهود دعت إلى التحرّر الفكري، والسياسي، فضلًا عن زلزلة القيم، وتبدّل الطبقات الاجتماعية. وتمثلت هذه الجهود في الطبقة البرجوازية التي أخذ يتكاثر عددها كلما تقدم بها ذلك العصر. وأخذت كذلك تتطلع إلى الظفر بحقوقها السياسية والاجتماعية على حساب الطبقة الأرستقراطية. ## وبفعل ثورة الرومانسية ظهرت نتائج في النقد ومقاييسه نوجزها فيما يلي ظهر ميلاد الأدب بمعناه الحديث، بالربط بين المؤلف وبيئته، وجنسه وطبقته، وإنتاجه، وكيف تأثّر بسابقيه، وأثره فيهم؛ مما أثر ذلك في نشأة الأدب المقارن. ومن أبرز نقاد هذه المرحلة ناقدان كانا يمثلان اتجاهين، أحدهما ينظر إلى علاقة الأدب بالبيئة والمجتمع، هي: مدام دي ستال. وآخر ينظر إلى علاقة الأدب بمؤلّفه، هو: سانت بوف. ## 1- مدام دي ستال (1817م) كبرى الداعين للرومانسية في فرنسا، متأثرة في هذه الدعوة بفلاسفة الألمان ونقادهم، كما أنها كانت الأولى في مَنْ سمّاها "الرومانتيكية" وقد أضفت على دعوتها طابعًا عاطفيًا فياضًا، في صورة قويّة غذّتها بمعرفتها الواسعة بالآداب المختلفة، وبنظراتها الدقيقة التي اكتسبتها في أسفارها الكثيرة. وكان نقدها علميًا، يميل إلى التفسير والتعليل؛ فأخذت تدرس الأدب في نواحيه الفردية والاجتماعية. تأثرت بالألمان بدعوتها إلى بناء النقد على الفلسفة؛ إذ ترى أنّه لا يمكن الاستغناء عن الفلسفة في النقد الأدبي؛ فهي تمهد للنهضة الأدبية، والنقد الحديث، الذي هو فرع من الدراسات في الأدب المقارن. وقد عدّت الأدب على أنه ذو طابع فردي، ثمرة تفكير الكاتب، ووليد عبقريّته. وقد فسرت الإنتاج الأدبي بتأثيره في النُّظُم الاجتماعية (الأدب صورة للمجتمع). ولمّا كان الأدب صورة للمجتمع، فلا بد - للاستعانة على فهمه من دراسة التأريخ. وهذا ما ساعد على نمو الأدب المقارن؛ ففي دراستها كانت تضرب الأمثال من آداب أخرى، وتقف عند أوجه التشابه، فضلا عن الإشارة إلى نشأة الأجناس الأدبية، والدعوة إلى دراسة الآداب الأخرى، في لغاتها الأصلية. وكان لها الفضل الأول في تعريف الفرنسيين بالأدب الألماني، مع عنايتها ببيان وجوه التشابه والاختلاف بينه وبين الأدب الفرنسي. " سانت بوف(1869م) كان يبحث في دلالة الأدب على مؤلّفه؛ مما جعل اهتمامه بالمؤلفين؛ فكانت وظيفة النقد عنده هي النفاذ إلى ذات المؤلف؛ من أجل أن يضع الناقد نفسه في مكان المؤلّف. فالنقد بحسب تعبيره: " يُعلّمُ الآخرين كيف يقرأون". وقد تجاوز بوف القيم الجمالية إلى بيان روح العصر من طريق نفسية المؤلّف. ونظريته في التأريخ الطبيعي لفصائل الفكر" أنَّ كلّ كاتب ينتمي إلى نوع خاص من التفكير. ودراسة بوف تقود إلى البحث عن عناصر تكوين الكاتب خارج نطاق أمته، وهذا جوهر الأدب المقارن، وهو يقف وسطًا بين حدود الرومانتيكية والنظرة الواقعيّة المتأثّرة بالنهضة العلمية. وبذلك تكون الرومانسيّة ذات تأثير محدود في نشأة الأدب المقارن بالدعوة إلى الإفادة من الآداب الأخرى، ودراستها في لغاتها الأصلية، وفتح آفاق جديدة للآداب القومية، في البحث والتأثير، وتوجيه النقد توجيها علميًا، ثم البحث عن عناصر تكوين ثقافة الكاتب، كما في نظرية سانت بوف. ## النهضة العلمية وأثرها في نشأة الأدب المقارن بدأت العصور الحديثة في القرن التاسع عشر بإجراء الدراسات على أساس نظري منهجي، بعد ظهور الاختراعات الحديثة البخارية والكهربائية، فضلا عن البحث في أصول الأشياء، وقد أثّرت هذه النهضة في الأدب والنقد . ثم كان التقدم العلمي أحد أسباب القضاء على الرومانسية؛ إذ أخذ الاعتقاد بأنّ العلم سيحل مشاكل الإنسانية؛ فلا مجال بعد ذلك للأحلام. فانصرف الأدب إلى واقع الحياة، وماتت الرومانتيكيّة، وقامت على أنقاضها ( الواقعية) في القصة والمسرحية . ثمّ (البرناسيّة)، وهي تقابل الواقعية في النثر. كان ذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ؛ إذ كان العلم سببًا في وجود جمهور جديد للكتاب، وهو جمهور العمال، فأخذ الكتاب يدافعون عن هؤلاء العمال في قصصهم، ومسرحياتهم، ويهاجمون البرجوازيين في كتاباتهم. بعد أن كان الرومانتيكيون يساعدون في أدبهم ( البرجوازيين) ضدّ الأرستقراطيين. وقد أثّر العلم في الأدب، وموضوعية النقاد، واتجاههم إلى الشرح، والبحث عن أصول الأفكار. وفي هذا القرن جاء دارون (1882م) بنظريّته الشهيرة في التطوّر وطريق الاختيار في الطبيعة، وأثره في تكون الأنواع الحيوانية. وعلى الرغم من افتقار بعض النتائج التي ساقها - للقيمة العلمية؛ إلا أن نظريته قد راجت رواجًا منقطع النظير، في ظل الفلسفة الوضعية للعصر. وكثرت الكتب التي تبحث في أصول الأشياء، والنظم الاجتماعية والأديان، متجهة إلى تفسير الأشياء تفسيرًا علميا ماديا. ## ومن أشهر النقاد الذين آمنوا بنظرية دارون هذه آرنست رينان"(1823-1892م) إذ إنَّه آمن بالعلم إيمانًا يفوق كلّ حدّ ، وقد وضع فيه ثقته في مستقبل الإنسانية. وبني كل كتبه على الثقة في العلم، وجبرية الظواهر . ومن كتبه تأريخ أصول المسيحية" و" التأريخ العام والمنهج المقارن للغات السامية". ومن أقواله ذات التأثير العميق في نشأة الأدب المقارن، قوله: يمكن أن يعدّ الوعي الإنساني نتيجة لآلاف أخرى من الوعي تتلاقى كلها (مؤلفاته) في غاية واحدة ..." وظهر صدى هذا الاتجاه في بحوث الكاتب الإنجليزي بوسنت(1881م) في كتابه( الأدب المقارن) الذي درس فيه ظاهرة الأدب في تأثيرها في جميع الدول بالأسباب الاجتماعية. وقد حذا حذو بوسنت

Use Quizgecko on...
Browser
Browser