ملخص مادة السيرة النبوية PDF
Document Details
Uploaded by WellManagedChalcedony2381
جامعة القرآن الكريم
Tags
Summary
This document is a summary of the Prophet Muhammad's life. It discusses the historical context of pre-Islamic Arabia, the sources of the Prophet's biography, and the factors contributing to the spread of Islam.
Full Transcript
ملخص مادة السيرة النبوية مقدمة تهدف مادة السيرة النبوية إلى تزويد الدارسين بالمعارف الصحيحة والفهم السليم لسيرة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مع التركيز على الرؤية القرآنية لحياته ومواقفه. أهداف المادة - فهم حالة المجتمعات العربية قبل الإسلام: دينياً، سياسياً، اجتماعياً، وأخلاقياً....
ملخص مادة السيرة النبوية مقدمة تهدف مادة السيرة النبوية إلى تزويد الدارسين بالمعارف الصحيحة والفهم السليم لسيرة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مع التركيز على الرؤية القرآنية لحياته ومواقفه. أهداف المادة - فهم حالة المجتمعات العربية قبل الإسلام: دينياً، سياسياً، اجتماعياً، وأخلاقياً. - التعرف على مصادر السيرة النبوية: القرآن الكريم، نصوص أهل البيت، والروايات التاريخية المتواترة. - إدراك أهمية الهجرة إلى المدينة: وأسبابها وخطواتها التمهيدية. - تمييز النصوص: باستخدام قاعدة العرض على كتاب الله. مصادر السيرة النبوية 1. القرآن الكريم: المصدر الأساسي. 2. نصوص أهل البيت: عرضت حياة الرسول. 3. الروايات التاريخية المتواترة: يجب عرضها على القرآن. حالة المجتمعات العربية قبل الإسلام الوضع الديني - الوثنية: عبادة الأصنام والشرك بالله. - أهل الكتاب: انحراف اليهودية والنصرانية. الوضع السياسي والاجتماعي - غياب السلطة المركزية: سيطرة سلطة القبيلة. - الاقتتال والصراعات: بسبب غياب النظام. الوضع الأخلاقي - انتشار الفواحش: مثل وأد البنات وتعاطي الخمر. - الظواهر السلبية: مثل قطع الطرقات والسلب والنهب. العوامل المساعدة على انتصار الإسلام 1. القرآن الكريم: معجزة الرسول. 2. شخصية الرسول: خصائصه الذاتية والأخلاقية. 3. بشائر أهل الكتاب: التبشير بظهور النبي. 4. الفراغ العقائدي والسياسي: ملأه الإسلام. 5. صمود المخلصين: ثباتهم في مواجهة الضغوط. مولد ونشأة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم - عام الفيل: مولده في الثاني عشر من ربيع الأول. - كفالته: من جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب. - نشأته: رعاية إلهية ونشأة مباركة. خاتمة تعد مادة السيرة النبوية قاعدة مهمة لمعرفة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعظمته، وتساعد الدارسين على فهم جمالية دين الإسلام الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين. اللهم صلِّ على عبدك محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبعد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في هذه المادة المهمة، مادة السيرة النبوية، يهدف هذا المدرس إلى تزويد الدارسين بالمعارف الصحيحة والفهم السليم والإدراك الواعي عن سيرة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، انطلاقًا من الرؤية القرآنية عن هذا النبي الكريم وعن حركته ومواقفه. ثم بيان المساطر الأصلية في السيرة النبوية العطرة، والمعيار الأهم لترشيح وتمييز النصوص والروايات، وتوضيح أبرز المحطات التاريخية في حياته صلى الله عليه وعلى آله، بدايةً بالنسب والمولد والنشأة، وانتهاءً بوفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مرورًا بمرحلتي ما قبل الهجرة وما بعدها، وما تخلل لهما من أبرز وأهم الأحداث. مع إضافة تفنيد علمي للثقافات المغلوطة والروايات الكاذبة التي طغت في الساحة وصارت متداولة، وأصبحت من المسلمات مع مخالفتها الصريحة لكتاب الله وأبسط مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف. تقوم الفكرة العامة لموضوعات اللقاء الأول على أساس توضيح العهد المكي لمسيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله حتى الهجرة، وأبرز دوافعها وأسبابها، وتسبقها مقدمة عن معنى السيرة ومصادرها المعتبرة، مع بيان حالة المجتمعات العربية قبل الإسلام، والتعريف بالنبي الأعظم وأسرته ونشأته المباركة ومكانته قبل البعثة. خلال ما نلاحظه من الخريطة الذهنية، توضح الفكرة العامة للقاء الأول. سيكون الحديث بدايةً عن السيرة النبوية ومساطرها الأصلية، ثم حالة المجتمعات العربية قبل الإسلام، النبي الأعظم، الأسرة، والمولد والنشأة. ثم نتحدث عن مكانة النبي صلى الله عليه وعلى آله قبل البعثة، ثم نتحدث عن البعثة النبوية، ثم ما بين البعثة والهجرة كدرس أول. وفي درس آخر ما بين البعثة والهجرة، ثم في الأخير نتحدث عن الهجرة إلى المدينة المنورة. من المفترض أنه بعد إكمال هذا اللقاء، نتوقع أن يكون الدارس قد أبدى، ولو نوعًا ما، بهذه النقاط المهمة. يظهر المعرفة والفهم بحالة المجتمعات العربية قبل الإسلام دينيًا وسياسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا، كما يظهر المعرفة للمصادر الصحيحة والمعايير المعتمدة لتمييز الروايات في السيرة. يظهر المعرفة عن نشأة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأسرته المباركة، ويظهر المعرفة والفهم لمكان النبي صلى الله عليه وعلى آله في مكة قبل البعثة النبوية، وأيضًا يظهر المعرفة والفهم بأبرز الملامح عن حركة النبي في العهد المكي. كما يظهر المعرفة والفهم لأسباب الهجرة إلى المدينة والخطوات التمهيدية لها. يوضح أيضًا كيف كان استقاء النبي صلى الله عليه وعلى آله من النسب الطاهر تكريمًا للبشر. - يبين الحل الوحيد لمعالجة مشكلة الأمية التي نعيشها اليوم، كما يبين أهمية الهجرة إلى المدينة وأهمية الخطوات التمهيدية لها. يميز بين النصوص وتثبيت قاعدة العرض على كتاب الله باعتباره المصدر الرئيسي لمعرفة سيرة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله. - يدرك عظم نعمة الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله، وبما جاء به من الإسلام العظيم الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، ثم يسعى في الواقع لإظهار جمالية دين الله، ويجسد الواقع الذي أسس له الرسول الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله. هذا مما نتوقعه من الدارس لمادة سيرته النبوية، وبالتأكيد أن الدارس لن يكون ملمًا بكل التفاصيل، ولكنه سيتعرف على بعض المعلومات وبعض المعالم التي تمثل قاعدة مهمة لمعرفة الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله، ومعرفة عظمته ومعرفة ما جاء به، ولو عبارة عن نقاط مهمة. لدينا هنا مفهوم عام وملخص لمحتوى مواضيع اللقاء الأول. أولًا، كما ذكرنا، أن الفكرة العامة لموضوعات هذا اللقاء قائمة على توضيح العهد المكي لمسيرة النبي حتى الهجرة، وأبرز دوافع الهجرة وأسبابها، وأيضًا تسبقها مقدمة عن معنى السيرة. هنا ماذا تعني كلمة السيرة؟ السيرة مشتقة من كلمة السير، والسير يعني المشي والحركة، بينما السيرة تعني طريقة المشي والحركة والسلوك بعبارة أخرى. وهذا هو المهم، ومما يجب تركيز الدارس عليه أن السيرة هي عبارة عن الأسلوب والنمط الذي يتبعه الإنسان في حياته وفي أعماله اليومية. المصادر المعتبرة للسيرة النبوية: من أين نأخذ السيرة النبوية؟ كيف نتعرف على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وما هي المصادر التي يجب أن نعتمدها؟ أول مصدر وأهم مصدر لمعرفة الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله هو القرآن الكريم، ففي القرآن الكريم الكثير الكثير من السيرة الطيبة العطرة، من الآيات المباركة التي تحكي لنا وتقدم لنا وتوثق لنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله، وتقدم لنا نفسيته وتشرح لنا أخلاقه ومجال عمله، والتفاني العظيم الذي كان عليه الرسول الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله، حتى استطاع أن ينتشل هذا العالم من الوجع المزري، من وجع الوثنية ووجع الضلال والباطل والظلام الذي كانوا عليه، إلى وجع النور والإيمان والهداية والهدى. فأول مصدر وهو المصدر الأساسي لمعرفة الرسول هو القرآن الكريم. المصدر الآخر الذي نعتمد عليه هو النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، التي عرضت سيرة وحياة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله. المصدر الثالث هو الروايات التاريخية المتواترة في مرويات المسلمين. وهذان البندان الآخران، النصوص الواردة عن أهل البيت والروايات التاريخية المتواترة عن المسلمين، لابد من عرضها على القرآن الكريم. وهذه قاعدة هامة لابد منها، هي قاعدة العرض على كتاب الله. فهنا سؤال: ما هو أهم ضابط ومعيار ينبغي اعتماده في هذا المجال؟ الرسول الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله قال: "سيكذب علي كما كذب على الأنبياء قبلي، فما أتاكم عني فأرضوه على كتاب الله، فما أتاكم فهو مني وأنا قلته، وما لم يوافقه فليس مني ولم أقله، وما خالفه فليس مني ولم أقله". فلابد من عرض النصوص التاريخية وغيرها على القرآن الكريم، فما وافق كتاب الله نأخذ به، وما خالفه نتركه. وقضية العرض ليست قضية متروكة للجميع، فقضية العرض لا يقوم بها إلا الإنسان الفاهم الواعي المستوعب لمفاهيم القرآن الكريم، والذي يستطيع أن يدرس وأن يعرف معاني الألفاظ، وبالتالي يستطيع أن يتعرف على ما تؤدي إليه هذه المعاني من دلالات ومبادئ إلى آخره. ثم يعرضها على كتاب الله. وللسيد القائد وللسيد الشهيد القائد رضوان الله تعالى عليهما كلام عظيم حول مسألة العرض. ندخل إلى العنوان الأول، وهي حالة المجتمعات العربية قبل الإسلام، الوضع الديني بالتحديد. كيف كانت أوضاع المجتمعات العربية قبل الإسلام، وكذلك غير العربية؟ بالنسبة للواقع العربي، كانت الوثنية وعبادة الأصنام والشرك بالله والإنكار للمعاد هي الحالة السائدة والعامة على معظم أبناء الجزيرة العربية من القبائل العربية. فالعرب في تلك المرحلة كانوا يعيشون أسوأ حالاتهم، حالة من الوثنية الهمجية، الوثنية الفوضوية العشوائية. فقد نصب حول الكعبة المشرفة أكثر من 350 صنمًا، كل صنم يمثل إلهًا لقبيلة يشارك هذه القبيلة في هذا الصنم أي قبيلة أخرى. فبالتالي كانت الوثنية العشوائية الفوضوية الهمجية منتشرة في ذلك الزمان بين أبناء القبائل العربية. وكذلك أيضًا كان هناك إنكار للمعاد بالنسبة لأهل الكتاب. وكانت بيئة أهل الكتاب منتشرة بشكل كبير سواء في شمال الجزيرة العربية بالتحديد أو في غيرها. فكان هناك اليهود الذين ينتمون إلى موسى عليه السلام، والنصارى الذين ينتمون إلى عيسى عليه السلام. كانت اليهودية قد انحرفت عن خط موسى عليه السلام، وهذا الانحراف واضح وقد سجله لنا القرآن الكريم في كثير من آياته، حيث وصل اليهود إلى مرحلة لم يبقَ فيها بين أيديهم إلا مجموعة من الأهواء التي تتوافق مع أمزجتهم، وتتوافق أيضًا مع الثقافة التي وضعها علماؤهم المليئة بالتحريف والحقد على البشرية. كذلك النصرانية لم تكن على ما هي عليه كما كانت في عصر عيسى عليه السلام، فهي أيضًا لم تسلم من التحريف بل دخلها التحريف مبكرًا، وكان لليهود الدور الكبير في تحريف النصرانية. وكانت هناك قبائل من العرب من عرب الجزيرة، منها قبيلة تغلب، كانوا من النصارى، يعني يعتنقون هذه الحالة الفكرية فكرة النصرانية المحرفة. وكما قيل عنهم، لم يكونوا يعرفون من النصرانية سوى شرب الخمر. فهذا هو واقع الدين في ذلك الوقت. ولكن مع ذلك ولأنه موجود في التوراة وموجود في الإنجيل، قضية الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله، النبي الذي يخلص هذا العالم من الواقع السيء الذي يعيشه، كان لليهود وللنصارى دور في التبشير بقرب ظهور النبي صلى الله عليه وعلى آله. وقد حكت لنا المصادر التاريخية الكثير، وحكى لنا كذلك قبل ذلك القرآن الكريم عن يهود الذين كانوا ينتظرون الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله، بل كانوا أيضًا يستفتحون على أعدائهم بأن هذا أوان بعثة النبي الخاتم الذي سيكون به ختام الرسالات السماوية. فكان لليهودية والنصرانية دور في التبشير بظهور الرسول صلى الله عليه وعلى آله. الوضع السياسي كان سكان شبه الجزيرة العربية لم يخضعوا لأي نظام أو سلطة مركزية، فكانت سلطة القبيلة هي السائدة. كان سكان الجزيرة العربية عبارة عن قبائل متناثرة في الصحراء، ولم يكونوا ليدينوا بنظام معين، ولم تجمعهم سلطة مركزية واحدة، إنما كانت عبارة عن قبائل، وشيخ القبيلة يمثل السلطة المركزية للقبيلة. وذلك أدى إلى نشوب الاقتتال والصراع السياسي بين أبناء القبائل العربية. أيضًا كان الوضع الاجتماعي لسكان الجزيرة العربية آنذاك، فكما هو معروف، لم يخضعوا لأي نظام وأيضًا لأي سلطة مركزية غير سلطة القبيلة. كان هذا هو واقع الوضع الاجتماعي، لذلك ظهرت كثير من السلبيات في هذا الوضع الفوضوي والعشوائي، منها قضية وئد البنات، وقضية قطع الطرقات، وقضية السلب والنهب التي كانت منتشرة، والاقتتال على الأشياء التافهة فيما بينهم. فهذه كانت حرب البسوس وداحس والغبراء التي استمرت عشرات السنين، وكلها كانت على قضايا تافهة لا تستحق ما بذل من سفك الدماء ومن العداء بينهم ومن الاقتتال. وبالتالي، كان الوضع الاجتماعي وضعًا مزريًا بكل ما تعنيه الكلمة. الإمام علي عليه السلام ذكر لنا عن هذا الوضع، عن وضع العرب من الناحية الاجتماعية قبل بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال عليه السلام: "إن الله سبحانه بعث محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم نذيرًا للعالمين وأمينًا على التنزيل، وأنتم عشر العرب على شر دين وفي شر دار". وهذا يعني عبادة الأصنام، حيث لم يكن يجمعهم حتى صنم واحد في كل قبيلة، الصنم لا يشاركها القبيلة الأخرى في عبادته. وفي شر دار، كانت الصحراء مجدبة، وحالة الفقر منتشرة، يعيشون بين حجارة خشنة، وحياتهم صعبة، يشربون الكدر من الماء الملوث، ويأكلون الجشب، ويسفكون دماءهم، ويقطعون أرحامهم. الأصنام فيهم منصوبة والآثام بهم معصوبة. أيضًا يقول جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه، وهو يصف حال العرب والوضع الجاهلي عندما دخل على النجاشي، وقد سألهم النجاشي عن أحوالهم، فقال: "كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي من الطعم". هكذا كان الواقع في الجاهلية قبل الإسلام. أيضًا يقول السيد القائد حفظه الله تعالى: "عندما نجد أن المجتمع العربي الذي كان مجتمعا أميا لا يمتلك ثقافة ولا يمتلك معرفة ولا يمتلك وعيا، فالأمية العربية أمية شاملة، ليست فقط أمية في القراءة والكتابة". فالمسألة أنهم كانوا يعانون أزمة في هذا الجانب، إذ كانوا لا يستطيعون القراءة، ولم يكونوا أمة متعلمة تقرأ الكتب. وحالة نادرة كانت في أوساطهم، وكذلك كانوا أمة لا تستطيع الكتابة، والكتابة في أوساطهم كانت حالة بسيطة. ولم تكن هذه المسألة الرئيسية، ولذلك عندما بعث الرسول الأكرم، لم يكن الموضوع الرئيسي في الرسالة الإلهية هو محو الأمية فقط فيما يتعلق بالقراءة والكتابة. لا، الأمية أكبر من ذلك والأخطر، بكل ما تعنيه الكلمة، أنهم كانوا لا يمتلكون رؤية صحيحة ولا فهماً صحيحاً ولا معرفة صحيحة في أشياء كثيرة جدًا، ينقصهم الوعي والمعرفة الصحيحة النظرية تجاه معظم الأمور التي تتصل بحياتهم ومسؤوليتهم. وفي مختلف المسائل الدينية، كان لديهم أفكار خاطئة كثيرة، تصورات مغلوطة ومفاهيم غير صحيحة، وخرافات كثيرة، مساحة واسعة من التصورات والمفاهيم كانت عبارة عن خرافات تنحرف بهم في واقع حياتهم، وضياع في هذه الحياة، لا هدى فيها ولا مسيرة صحيحة يتحركون على أساسها. وكانت هذه الأمية جائبة في الواقع البشري، يعني لدى غيرهم من الأمم، مثلًا الأمة الفارسية ومملكة الروم، كانوا أيضًا، وإن كانوا فيما يتعلق بالقراءة والكتابة، يقرؤون ويكتبون، وكان واقعهم أرجى من العرب في هذا الجانب، لكنهم أيضًا كانوا يعيشون حالة الأمية التاريخية، حالة التضليل، حالة الظلم المنتشر بين أوساطهم. لم يكن هناك في تلك المرحلة من الزمن، في تلك الوضعية من المرحلة التاريخية، ما يمثل حلاً لوَجَع العرب ولَوَجَع العالم العربي أو العالم بشكل عام، إلا رسالة قرآنية جديدة تغير واقع العالم وتنتشل واقع الناس من هذا الوضع المؤسف والضلال المبين. لكن العرب كانوا أكثر أمية من غيرهم، والأمم الأخرى والأقوام الآخرون كان لديهم نفس المشكلة، وبقدر متفاوت، فبعضهم أيضًا كانت لديهم حالة من الضلال الرهيب، ولكن المجتمع العربي كان الأكثر أمية والأكثر بدائية وجهلاً. أما عن الوضع الأخلاقي بشكل عام، فكانت القسوة والفاحشة وتعاطي الخمر والربا ووأد البنات والأبناء خشية العار والفقر هي السمات العامة للأخلاق المتفشية في المجتمع الجاهلي. ويكفي أن نشير إلى بعض النماذج من العادات والتقاليد غير الأخلاقية التي كانت سائدة آنذاك، لمعرفة مدى شيوع هذه الظواهر التي كانت تمثل حالة تردي الوضع الأخلاقي بشكل كبير جدًا. وقد تمت الإشارة إلى بعض مما ذكرنا سابقًا في حديث الإمام علي عليه السلام وفي حديث أيضًا جعفر رضوان الله تعالى عليه. ولكن هنا قد أشرنا إلى موضوع القرآن الكريم الذي أشار أيضًا إلى بعض العادات التي كانت منتشرة في الواقع الجاهلي. فكانوا، كمثال على ذلك، الزواج من الخالة أو زوجة الأب، من جملة سلوكهم الجاهلي البغيض. يقول الله سبحانه وتعالى: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشة ومُجتَحًا وساء سبيلاً". وأيضًا كانوا يكرهون الجوار والإماء والخدم على البغاء والزنا من أجل كسب المال، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله: "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنًا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا". وأيضًا كانت من عاداتهم القبيحة جدًا أن الرجل إذا هدد بالإفلاس وخشي من الفقر أو شعر بأنه سيصاب بالفقر، كان يبادر إلى قتل أولاده خوفًا من أن يراهم أدلاء جائعين. وأشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم". أيضًا كانت ظاهرة وئد البنات منتشرة ودفنهن وهن أحياء، وقد تعرض القرآن الكريم لهذه العادة وهاجم أصحابها بشكل كبير جدًا. قال الله تعالى: "وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت" وقال أيضًا: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون". كانت هذه هي بعض أوضاع وأحوال المجتمع في شبه الجزيرة العربية آنذاك. ننتقل إلى العوامل المساعدة على انتصار الإسلام. كانت هناك عدة عوامل أدت أو ساعدت أو سهلت انتصار الإسلام على ذلك الواقع المظلم بكل نواحيه. فالنقطة الأولى من العوامل المساعدة هي نوع معجزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله، وهو القرآن الكريم الذي حير العرب بما تضمنه من هدي ومن قيم ومن علوم ومعارف وبواني عامة شاملة، وبما اجتمل عليه من بلاغة وفصاحة وبيان، وهذا يعد أهم العوامل بل العامل الأساسي الذي أدى إلى انتصار الإسلام. أما عن العامل الثاني، فهو يعود إلى موضوع القيادة، وهي خصائص شخصية الرسول صلوات الله عليه وعلى آله ومميزاته الذاتية والأخلاقية، أي سيرته وأخلاقه وسلوكه وجديته في إدارة الدعوة، وإصراره وتحمله وتفانيه، وتحمله لكل المشاق والآلام والأذى، ورفضه لكل المساومات، وصبره وثباته في مواجهة التحديات. فقد كانت هذه المميزات عاملاً لاستقطاب وجذب مهم وعاملاً من أهم العوامل التي أدت إلى غلبة الإسلام على الجاهلية والضلال والباطل. إذن هذان أهم عاملين: القرآن الكريم كمنهج إلهي، والعامل الآخر وهو القيادة القرآنية التي تمثلت بشخص رسول الله الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله. يضاف إلى ذلك عدة عوامل تعد مساعدة لهذين العاملين، والذين يعدان ركيزتين أساسيتين لانتصار الإسلام في كل مراحله، وحتى في عصرنا الحاضر. موضوع المنهج الإلهي المتمثل في القرآن الكريم، والموضوع الآخر في القيادة القرآنية، والتي تتمثل في هذا الزمن وفي هذا العصر في شخصية السيد القائد حفظه الله ورضوان الله تعالى عليه. يضاف إلى هذين العاملين عدة عوامل تعد مساعدة، منها الحالة الاجتماعية والأخلاقية التي كانت سائدة في المجتمع العربي، مما أشرنا إليه فيما تقدم. هذه الأوضاع القاسية التي كانت تهيمن على العرب، ذلك الضياع الذي كان يسيطر عليهم، وقد جعل الإنسان الجاهل المسحوق نفسيًا غير قادر على قبول الحق والتفاعل معه، وجعله يتطلع إلى الدعوة على أنها بمثابة الأمل الوحيد الذي يستطيع أن يخفف من شجائه وآلامه، وأن ينجده من واقعه المزري والمهين. ذات هذا، نوعًا ما، يعد عاملًا مساعدًا، ولكن العاملين الأساسيين هما ما ذكرناهما سابقًا. أيضًا هناك العامل الرابع: بشائر أهل الكتاب. كان اليهود والنصارى يبشرون بقرب ظهور نبي في المنطقة العربية، وهذه البشارات سهلت نوعًا ما قبول دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله، وانتشار سيلته بين الناس من ذوي الفطرة السليمة. كما تقدم، هذه أربعة عوامل، ولكن يتم التركيز والاهتمام على العاملين الأولين الذين يمثلان الركيزتين الأساسيتين لانتصار الإسلام في كل زمن وكل عصر، وفي كل مكان، سواء بين أبناء أمتنا الإسلامية في هذا العصر أو حتى خارج نطاق العالم الإسلامي. لا بد من هذين العاملين، أيضًا يضاف إلى ذلك عاملين آخرين غير الثالث والرابع. الخامس هو الفراغ العقائدي والسياسي الذي كانت تعيشه المنطقة آنذاك. هذا الفراغ أتى الإسلام ليملأه، ووحد العرب، وجعل منهم أمة موحدة منظمة تعيش حالة الدولة، تنسجم فيما بينها. وفي نفس الوقت، حالة الفراغ العقائدي أيضًا ملأه بعد الضلال، بعد عبادة الأصنام والجاهلية، عبادة الله الواحد جل وعلا. هناك أيضًا عامل وهو صمود المخلصين ممن تحرك مع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وثباتهم في مواجهة الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا عامل أيضًا مهم يضاف إلى العاملين اللذين يعدان الركيزة الأساسية للانتصار، وهو المنهج القرآني. نكرر ذلك لأهميته: المنهج الإلهي المتمثل في القرآن الكريم، القيادة القرآنية المتمثلة في شخصية الرسول الأكرم. العامل الثاني الذي هو مهم جدًا وركيزة أساسية ولا بد منها، هو صمود المخلصين ممن تحرك مع المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وثباتهم في مواجهة الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحملهم الآلام، وصبرهم على التعذيب والجوع والاضطهاد بمختلف أنواعه. ثم بعد ذلك اندفاعهم للجهاد والتضحية والشهادة بكل قوة وشجاعة وشوق من أجل الدفاع عن العقيدة والرسالة وطاعته المطلقة، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وانضباطهم التام في إطار قيادته والتكاليف التي كان يحددها لهم. قال الله سبحانه وتعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعًا سجدا يبتغون فضلًا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل". وقد ذكر لنا القرآن ونقل لنا في كتب السير وكثير من النصوص التاريخية تحكي لنا حالة الصمود لدى الكثير من المخلصين مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، على ما لقوه من الآلام ومن التعذيب. وعلى رأس ذلك، وهو عنوان أصبح عنوانًا يتصدر قائمة المخلصين الصادقين، عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه. ننتقل الآن إلى النبي الأعظم. نتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، عن أسرته، عن مولده، عن نشأته. يقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". هنا سؤال: ماذا يعني طهارة نسب وأسرة النبي الأكرم بالنسبة لمن أرسل إليهم؟ نستمع وإياكم إلى كلام السيد القائد يحفظه الله تعالى. هذا التكريم للبشر، فأتي إليهم برسول من بيئة طاهرة ونقية وسليمة، ليس رسولًا مشوهًا ببيئة ومحيط سيء وفاسد، وإلا لم يكن مقبولاً. يقولون له: "رح لك من أنت، شوف ذكر من أنت، من أنت منه". يعني يكفي أن يقولوا هكذا، يعني هذه سنة الله: "استفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين"، وهي اصطفاء للناس. نأتي إلى حادثة الفيل وإرهاصات مولد النور. في عام سمي بعام الفيل، اتجهت فيه قوة عسكرية جبارة بقيادة أبرهة الحبشي، وأبرهة هذا من الحبشة وله جيش كان من الحبشة ومن مرتزقة العرب، سواء من اليمن أو من غير اليمن. جيشهم ضخم اتجه بهدف هدم الكعبة، وبهدف آخر رئيسي يغفل عنه كثير من أصحاب السير والمؤرخين. ما هو هذا الهدف؟ استمعوا وإياكم إلى كلام السيد القائد يحفظه الله تعالى. في ظل ذروة تلك الأوضاع، فيما هي علي من مشاكل وأزمات وفتن وجاهلية وظلمات، أتت حادثة اسمها حادثة الفيل. في عام سمي بعام الفيل، اتجهت فيه قوة عسكرية جبارة بقيادة أبرهة الحبشي، وأبرهة هذا من الحبشة وله جيش كان من الحبشة ومن مرتزقة العرب، سواء من اليمن أو من غير اليمن. جيش ضخم اتجه بهدفه وبهدف آخر رئيسي يغفل عنه الكثير من أصحاب السير والمؤرخين. الهدف الآخر هو ما قد أثر من بشارات وأخبار عن زمن أو عن عام يولد فيه نبي جديد يغير وجه هذا العالم ويسقط الكيانات القائمة للطاغوت والاستكبار والفساد والانحراف. نبي سيدنا يغير هذا الواقع بكله، على أساس أن المؤشرات والأخبار تدل على مولده في ذلك العام. وفعلاً كان العام نفسه عام مولد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، في الثاني عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل، الموافق لسنة 571 ميلادية. كان مولده المبارك، الإمام علي عليه السلام، يحكي لنا نصًا مهمًا يقول فيه عن حالة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله. يقول السيد القائد يحفظه الله تعالى حول موضوع المولد والنشأة: "فالله سبحانه وتعالى لم يتركه ليكون صنيعة البيئة الجاهلية التي قد تؤثر سلبًا في الإنسان، أو أن يكله إلى تربية الناس بكل ما فيها من القصور تجاه دور ومستقبل كبير وعظيم، تجاه مسؤولية كبيرة وعظيمة جدًا، تجاه مستوى من المطلوب أن يصل إليه هذا القادم ليكون هو في الذروة بين كل البشر، يبلغ إلى حيث لم يبلغ إليه بشر ولم يصل إليه بشر من الكمال الإنساني". فالرسول صلى الله عليه وعلى آله حظي بهذه الرعاية الإلهية، فنشأ نشأة مباركة، وأنبته الله نباتًا حسنًا في مرحلة الشباب، في بداية الشباب كذلك، ولم يتأثر بكل تلك البيئة الجاهلية في مكة وفي غير مكة. فلم يسجد لصنم قط، ولم يدنس نفسه بأي من دنس الجاهلية. نتحدث حول أربع نقاط حول رضاعته وكفالته صلى الله عليه وعلى آله. أولًا، أرضعته أمه آمنة بنت وهب، وعاش في كنفها حتى توفيت في السادسة من عمره صلى الله عليه وسلم. ثانيًا، كفله جده عبد المطلب أحسن كفالة، يرعاه خير رعاية، ولا يأكل طعامًا إلا إذا حضر، وكان يفضله على سائر أبنائه. وقد تحدث مؤلف السيرة عن دلائل تشير إلى معرفة جد النبي عبد المطلب بنبوة حفيده. من هذه الدلائل، أولًا، من خلال الصفات والملامح التي كانت تظهر على النبي صلى الله عليه وعلى آله، والبركات والأحداث التي رافقته منذ ولادته. ثانيًا، من البشائر والأخبار التي كانت تنبئ بمستقبله ونبوته. إن هذا النوع من المؤشرات والدلائل رسخت في نفس عبد المطلب الاعتقاد بنبوة حفيده، أو أنه سيكون له شأن عظيم ودور مهم. فجعلت له صلى الله عليه وعلى آله مكانة خاصة عنده، بحيث كان يعطيه من الحب والحنان والاهتمام ما لم يعطيه لأحد غيره. كان يدنيه ويقربه ويكرمه لدرجة لافتة، كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله في طفولته المبكرة إلى جده عبد المطلب، وهو بفناء الكعبة، وقد فرش له هناك، وكان لا يفرش لغيره، لكن لشأنه ومكانته الكبيرة. فيأتي ليجلس مباشرة بجواره أو في حضنه، فيذهب أعمامه ليأخذوه فيقول: "دعوا ابني فوالله إن له لشأنًا يتوسم فيه أنه له شأنًا عظيمًا". كذلك، رؤية أخبار ورؤية كان يراها عبد المطلب في منامه تبشر بهذا الدور الكبير والعظيم لهذا الطفل الناشئ. بعد وفاة جده عبد المطلب، حاز كفالته أفضل أعمامه وأخو أبيه من أبيه وأمه، وهو أبو طالب رضوان الله تعالى عليه. فكفله هو وزوجه، فكفله فاطمة بنت أسد التي قال عنها صلى الله عليه وآله: "إنها كانت كأمي" أو "إنها أم". نتوقف وإياكم في نهاية هذا اللقاء التعليمي الأول، ولنواصل إن شاء الله بقية هذا اللقاء في الدروس المقبلة. إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.