شرح قانون العقوبات (القسم الخاص) PDF

Document Details

Uploaded by Deleted User

جامعة المنصورة

2022

أحمد فاروق زاهر, أحمد لطفي السيد مرعي

Tags

قانون العقوبات شرح قانون العقوبات حقوق القانون الجزائي

Summary

This document provides an explanation of criminal law (special part) from 2022-2021 by Dr. Ahmed Farouk Zaher and Dr. Ahmed Lotfy. The text details the nature of criminal law, its principles, and the types of punishments in different legal systems.

Full Transcript

‫كلية الحقــوق‬ ‫جامعة المنصورة‬ ‫شرح قانون العقوبات‬ ‫(القسم اخلاص)‬ ‫دكتور‬ ‫دكتور‬ ‫أمحد فاروق زاهر‬ ‫أمحد لطفي السيد مرعي‬ ‫‪2022-2021‬‬ ‫‪-1-‬‬ ...

‫كلية الحقــوق‬ ‫جامعة المنصورة‬ ‫شرح قانون العقوبات‬ ‫(القسم اخلاص)‬ ‫دكتور‬ ‫دكتور‬ ‫أمحد فاروق زاهر‬ ‫أمحد لطفي السيد مرعي‬ ‫‪2022-2021‬‬ ‫‪-1-‬‬ ‫مقدمة‬ ‫‪.1‬أوال‪ :‬ماهية قانون العقوبات وإشكالية االصطالح‪:‬‬ ‫يعرف قانون العقوبات ‪ Droit pénal‬بكونه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم سلطة الدولة في العقاب حال‬ ‫وقوع ما يمس بالمصالح الجوهرية التي يراها المجتمع خليقة بالحماية القانونية‪.‬وعلى ذلك‪ ،‬فإنه يتحدد من خالل‬ ‫هذا الفرع القانوني الشروط التي يكتسب بها فعل أو واقعة ما وصف الجريمة‪ ،‬وكذا النتيجة أو األثر القانوني‬ ‫‪1‬‬ ‫المترتب على وقوع تلك األخيرة والمتمثل في الجزاء ‪.‬ومن ثم فإن النصوص التي تضمها مدونة العقوبات ‪Code‬‬ ‫‪ pénal‬تتألف عادة من شقين‪ ،‬يكونا سويا ما نسميه القاعدة الجنائية الموضوعية ‪.Règle pénale objective‬أما أولهما‬ ‫فهو شق التكليف أو التجريم‪ ،‬أما اآلخر فهو شق الجزاء‪.‬ويعنى األول ببيان األوامر أو النواهي التي يتوجب على‬ ‫األفراد القيام بها أو االمتناع عنها‪ ،‬أما الشق اآلخر فينصرف لبيان األثر القانوني المترتب على مخالفة الشق‬ ‫األول من القاعدة الجنائية‪ ،‬أال وهو الجزاء الجنائي‪ ،‬الذي يتخذ إما رافد العقوبات‪ ،‬وإما نموذج التدابير‬ ‫االحترازية‪.‬ونؤكد على أن هذين الشقين يكمل أحدهما اآلخر‪ ،‬فال تجريم بغير جزاء‪ ،‬وال جزاء بدون جريمة‪.‬‬ ‫ويدرج الفقه على تسمية القواعد التي تنظم الجرائم والعقوبات بمسمى "قانون العقوبات"‪ ،‬بحسبان أن الصفة‬ ‫العقابية هي ما تتميز به تلك القواعد عن غيرها من القواعد القانونية األخرى‪ ،‬وبحسبان أن التكليف عادة ال يرد‬ ‫بصورة صريحة ‪ ،‬فالقاعدة الجنائية ال تتوجه للفرد بقولها له مثال ال تقتل أو ال تسرق‪ ،‬وإنما تنهى عن تلك‬ ‫األفعال ضمنا من خالل تخصيص وتبيان العقوبات المحتمل توقيعها على من يرتكب أي من تلك األفعال‪.‬ويظهر‬ ‫ذلك جليا في العديد من آيات القرآن الكريم التي تتضمن تبيان لقواعد النظام الجنائي اإلسالمي ومنها قوله عز‬ ‫وجل عند بيان أحكام جريمة الحرابة‪" :‬إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في األرض فسادا أن‬ ‫يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو ينفوا من األرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في اآلخرة‬ ‫عذاب عظيم"‪.2‬وأيضا قوله سبحانه وتعالى‪":‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله‬ ‫والله عزيز حكيم"‪3‬وكذلك قوله تعالى‪" :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في‬ ‫دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"‪.4‬وفي بيان عقوبة القذف قوله‬ ‫سبحانه وتعالى‪" :‬والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة‬ ‫أبدا وأولئك هم الفاسقون"‪.5‬وهو ذات األمر الذي تعرفه المدونات العقابية في النظم الجنائية األخرى التي يرد‬ ‫شق العقاب فيها صريحا في صيغة‪" :‬يعاقب بعقوبة كذا‪ ،‬كل من ارتكب كذا من األفعال" (المواد ‪ 77‬وما بعدها‬ ‫عقوبات)‪.6‬‬ ‫بيد أن البعض من الفقه قد اعترض على تسمية هذه القواعد الموضوعية باسم قانون العقوبات قائلين بأنها تسمية‬ ‫قاصرة ذلك أنها توحي بأن موضوع تلك القواعد هو العقوبات فقط دون الجرائم‪ ،‬عالوة على أن تطور قانون‬ ‫العقوبات من ناحية شق التجريم قد الزمه تطور في األثر القانوني المترتب على انتهاك األفعال المحظورة بحيث‬ ‫لم يعد يقتصر على مجرد توقيع العقوبة بل إن من األفعال ما يتقرر له أجزية تسمى "بالتدابير االحترازية" تتواجد‬ ‫جنبا إلى ج نب مع العقوبة وربما في مدونة واحدة تفتقر إلى الصبغة العقابية بحسبانها ال تستهدف توجيه لوم إلى‬ ‫الجاني على مسلكه اإلجرامي بل مجرد حماية ووقاية المجتمع من الخطورة اإلجرامية الكامنة في الشخص‪.‬‬ ‫وهذا النقد يطول بذاته التسمية التي تخيرتها بعض البلدان العربية كالقانون السوري واللبناني واألردني‪ ،‬وكذلك‬ ‫مشروع قانون العقوبات الموحد لعام ‪ ،1961‬والنظام الجزائي الموحد الصادر عن مجلس التعاون لدول الخليج‬ ‫‪ 1‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬ط‪ ،4‬دار النهضة العربية‪ ،1977 ،‬ص‪ ،1‬سرور‪ ،‬أحمد فتحي‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات‪،‬‬ ‫ج‪ ،1‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،1985‬ص‪ ، 3‬عبد الستار‪ ،‬فوزية‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1987 ،‬ص‪،3‬‬ ‫سالمة‪ ،‬مأمون‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬ط‪ ،1984 ،4‬ص‪ ،5‬جمال الدين‪ ،‬عبد األحد‪ ،‬المبادئ الرئيسية للقانون الجنائي‪ ،‬ج‪ ،1‬النظرية العامة‬ ‫للجريمة‪ ،‬ط‪ ،1997 ،5‬ص‪ ، 6‬مهدي‪ ،‬عبد الرءوف‪ ،‬شرح القواعد العامة لقانون العقوبات‪ ،2003 ،‬ص‪ ،6‬الغريب‪ ،‬محمد عيد‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪،‬‬ ‫القسم العام‪ ،2002-2001 ،‬ص‪ ،3‬أبو خطوة‪ ،‬أحمد شوقي‪ ،‬شرح األحكام العامة لقانون العقوبات‪ ،‬ج‪ ، 1‬النظرية العامة للجريمة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪ ،1999‬ص‪.3‬‬ ‫‪ 2‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬ ‫‪ 3‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬ ‫‪ 4‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬ ‫‪ 5‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬ ‫‪ 6‬مهدي‪ ،‬عبد الرءوف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الموضع السابق‪.‬‬ ‫‪-2-‬‬ ‫العربي عام ‪ 11997‬للتعبير عن هذا الفرع القانوني‪ ،‬وذلك في اصطالح "القانون الجزائي" بحسبان أن لفظ‬ ‫الجزاء يتسع ليشمل العقوبة والتدابير االحترازية معا‪ ،‬ففضلا عن أن تلك التسمية قاصرة الداللة من ناحية‬ ‫الموضوع شأنها شأن التسمية السابقة حيث ال تدخل في طياتها شق التجريم من القاعدة الجنائية‪ ،‬فإنها أيضا ال‬ ‫تعبر عن الطبيعة الجنائية للجزاء التي يتميز بها هذا الفرع عن غيره من األفرع القانونية المنطوية على أجزية‬ ‫كالقانون اإلداري والقانون المدني‪.2‬‬ ‫ولدينا أن هذا المسمى ‪ -‬النظام أو القانون الجزائي ‪ -‬يصبح واضحا العوار إذا ما استبان لنا أن التدابير االحترازية‬ ‫– وكما سلف القول – ليست إال مجموعة من اإلجراءات الوقائية التي تتخذ لمنع أو للحد من الخطورة اإلجرامية‬ ‫لدي شخص ما بهدف الدفاع عن المجتمع‪ ،‬دون أن تعبر عن معنى اللوم ومتجردة من المعنى الخلقي ومعنى‬ ‫اإليالم المقصود المالزمان للعقوبة‪ ،‬ومن ثم لم يعلق توقيعها على ثبوت خطأ جنائي قبل من توقع عليه أو بتوافر‬ ‫مقومات المسئولية الجنائية‪.‬وهكذا أمكن توقيعها قبل المجنون وفاقد أو ناقص اإلدراك وصغير السن حال ارتكابه‬ ‫لجريمة‪. 3‬وفوق كل ذلك فإن لفظ الجزاء من الناحية اللغوية كما يدل على العقاب فإنه يعبر أيضا عن معنى‬ ‫الثواب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما"‪.4‬وأيضا قوله عز وجل‪:‬‬ ‫"والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون"‪.5‬‬ ‫ولعل هذا ما حدا ببعض الفقه أن يفضل اصطالح "القانون أو النظام الجنائي ‪ "Droit criminel‬ليصبح داال على تلك‬ ‫القواعد الموضوعية بشقيها التجريم والجزاء‪.6‬وتأتي تلك التسمية إما نسبة إلى الجناية بحسبانها أخطر وأقدم‬ ‫أنواع األفعال المعتبرة جرائم في األنظمة العقابية الوضعية‪ ،‬وإما لكون الجناية لغة تعني الجريمة أو االعتداء‪،‬‬ ‫وعليه استقرت الكتابات الشرعية عند الحديث عن أقسام الجرائم في الشريعة اإلسالمية‪.‬وهذا المسمى – في رأي‬ ‫معتنقيه ‪ -‬يصدق على الجريمة بحسبانها الفعل أو المحرك‪ ،‬أما العقاب كأثر قانوني مترتب على ارتكابها فما هو‬ ‫إال رد الفعل‪ ،‬وما من شك أن نسبة األمور إلى الفعل بحسبانه األصل أكثر اتساقا مع المنطق من نسبتها إلى‬ ‫األثر‪.7‬غير أنه قد عيب على هذا المسمى اقتصاره على نوع واحد من الجرائم‪ ،‬أال وهو الجنايات‪ ،‬والمعلوم أنه‬ ‫في األنظمة العقابية الوضعية ليست كل الجرائم من الجنايات‪ ،‬ومن ثم تنعدم القيمة القانونية لهذا المسمى في‬ ‫التشريعات ا لتي تأخذ بالتقسيم الثنائي للجرائم المتمثل في الجنح والمخالفات‪ ،‬كالقانون اإليطالي لعام ‪ 1889‬وعام‬ ‫‪ ، 1930‬وكذا في التشريعات التي لم تعتمد تقسيما للجرائم وإنما اقتصرت على تصنيف وتنويع العقوبات كما هو‬ ‫الشأن في قوانين روسيا ويوغسالفيا السابقة ورومانيا‪.8‬كما يالحظ أن تعبير "الجنائي" يطلق على العديد من‬ ‫النظم والمبادئ التي ال تختص بالتكوين القانوني للجنايات وحدها‪ ،‬وإنما تتسع لكل الجرائم‪ ،‬ومنها مفاهيم القصد‬ ‫الجنائي‪ ،‬والمساهمة الجنائية‪ ،‬والمسئولية الجنائية‪.9‬‬ ‫والواقع أن هذا الخالف الفقهي حول مسمى هذا الفرع القانوني ال يعكس فقط خالفا اصطالحيا ولكن يعكس أيضا‬ ‫خالفا في المعتقد والفلسفة التي تقف وراء هذا المصطلح‪.‬فلدى أنصار االتجاه الكالسيكي والنيوكالسيكي فالميل‬ ‫نحو اصطالح قانون العقوبات بحسبان أن العقوبة لدى هذا االتجاه هي وحدها الجزاء على مخالفة شق التكليف‬ ‫في القاعدة الجنائية مع إمكانية األخذ بالتدابير االحترازية في حاالت محدودة‪.‬أما تسمية النظام أو القانون الجنائي‬ ‫‪ -‬وكذا النظام أو القانون الجزائي ‪ -‬فهي المعتمدة لدى أنصار المدرسة الوضعية وكذا مدارس الدفاع االجتماعي‬ ‫المتنوعة التي تعلي من شأن التدابير االحترازية في مكافحة الجريمة‪.‬‬ ‫والحق أننا نميل إلى مسمى "قانون العقوبات" – الذي درج جل الفقه العربي على استخدامه‪ ،‬وإليه مال المشرع‬ ‫المصري بدوره حين اعتمده كمسمى للمدونة التي صدر بها القانون رقم ‪ 58‬لسنة ‪ ،1937‬والتي تعتبر المدونة‬ ‫‪ 1‬يسمى هذا النظام بوثيقة الدوحة‪.‬وقد وافق عليه وزراء العدل بمجلس التعاون لدول الخليج العربي في اجتماعهم التاسع الذي عقد بالدوحة في الفترة ‪8-6‬‬ ‫جمادى اآلخرة ‪1418‬هـ الموافق ‪ 9-7‬أكتوبر ‪1997‬م‪ ،‬ثم وافق عليه المجلس األعلى في دورته الثامنة عشرة التي عقدت في دولة الكويت بتاريخ‬ ‫‪20‬ـ‪ 22‬ديسمبر ‪1997‬م كقانون استرشادي لمدة أربع سنوات‪.‬‬ ‫‪ 2‬مصطفى‪ ،‬محمود‪ ،‬أصول قانون العقوبات في الدول العربية‪ ،‬ط‪ ،1983 ،2‬ص‪ ،23‬عبد الستار‪ ،‬فوزية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،5‬الغريب‪ ،‬محمد عيد‪،‬‬ ‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.4‬‬ ‫‪ 3‬لمزيد من التفصيل راجع مؤلفنا‪ ،‬المدخل لدراسة الظاهرة اإلجرامية والحق في العقاب‪ ،‬ج‪ ،2‬الحق في العقاب‪ ،‬فلسفته وكيفية اقتضاءه‪،2003-2002 ،‬‬ ‫ص‪ 231‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 4‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬ ‫‪ 5‬سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪R. Merle et A. Vitu, Traité de droit criminel, T. I, Cujas, Paris, 1981 ; G. Vidal et J. Magnol, Cours de droit‬‬ ‫‪criminel et de science pénitentiaire, 9ème éd. 1947.‬‬ ‫‪ 7‬راشد‪ ،‬علي‪ ،‬القانون الجنائي‪ :‬المدخل وأصول النظرية العامة‪ ،‬ط‪ ،2‬دار النهضة العربية‪ ،1974 ،‬ص‪ ،9‬عوض‪ ،‬محمد محي الدين‪ ،‬القانون الجنائي‪:‬‬ ‫مبادئه األساسية ونظرياته العامة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة‪ ،1981 ،‬ص‪.3‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪T. Delogu, La loi pénale et son application, 1956-1957, p. 241.‬‬ ‫‪ 9‬وهو ازدواج تعرفه اللغات األجنبية ‪ ،‬فلفظ ‪ Délit‬الذي يعبر عن معنى الجنحة في اللغة الفرنسية يدل بذاته وفي ذات اللغة عن الجريمة بصفة عامة‪.‬‬ ‫‪-3-‬‬ ‫األم التي حذت غالب التشريعات العربية حذوها تبويبا وصياغة ‪ -‬مرتئين أن االنتقادات التي وجهت إلى هذه‬ ‫التسمية مبالغ فيها‪ ،‬ذلك أن القول بأن هذه التسمية تدل على أن موضوع هذا الفرع القانوني هو العقوبات فقط‬ ‫مردود عليه بأن العقاب مالزم للتجريم‪ ،‬فال عقاب في المجال الجنائي بغير جريمة‪ ،‬وال جريمة إال إذا قرر لها‬ ‫المشرع عقوبة‪.‬وهكذا فإن مسمى قانون العقوبات يفترض حتما أن هذا الفرع يبين الوقائع التي تعد حال ارتكابها‬ ‫جرائم وما يفرض لها من عقوبات‪.‬كما أن القول بأن تسمية قانون العقوبات قاصرة عن اإلحاطة بالتدابير‬ ‫االحترازية مردود عليه بأن العقوبات ما تزال هي األثر القانوني األكثر شيوعا واألهم المترتب على وقوع‬ ‫الجريمة‪ ،‬وليس من العيب في شيء أن يعبر عن الكل بالجزء األهم منه‪.‬يضاف إلى ذلك أن التدابير االحترازية‬ ‫في حقيقتها ال تختلف عن العقوبة من حيث المفهوم العام للجزاء الجنائي‪ ،1‬الذي ينصرف إلى األثر القانوني‬ ‫المترتب على مخالفة أوامر المشرع ونواهيه‪.‬‬ ‫ونزيد على كل ذلك أنه وإن أمكن استخدام اصطالحا قانون العقوبات أو القانون الجنائي أو قانون العقوبات‬ ‫كمترادفين‪ ،‬إال أنه يبدو أن اصطالح "القانون الجنائي أو النظام الجزائي" أكثر اتساعا وشموال من قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬حيث يشمل إلى جانب القواعد الجنائية الموضوعية‪ ،‬تلك القواعد اإلجرائية ‪ Règles procédurales‬التي‬ ‫يضمها قانون اإلجراءات الجنائية والتي تنظم كيفية اقتضاء الدولة حقها في العقاب‪ ،‬وذلك من خالل تبيان الطرق‬ ‫أو السبل الواجبة اإلتباع عقب وقوع الجريمة من أجل الكشف عن مرتكبيها فاعلين أو شركاء‪ ،‬تلك السبل التي‬ ‫يضمها عادة مراحل ثالث تبدأ بجمع االستدالالت وتمر بالتحقيق وتنتهي بالمحاكمة‪.‬‬ ‫‪.2‬ثانيا‪ :‬ذاتية قانون العقوبات‪:‬‬ ‫إذا كان قد ترجح في الفقه أن قانون العقوبات هو أحد فروع القانون العام‪ 2‬بحسبانه يستهدف صالحا عاما حال‬ ‫‪3‬‬ ‫التجريم والعقاب‪ ،‬إال أن تساؤال قد ثار حول ذاتية هذا الفرع في مواجهة الفروع القانونية األخرى غير العقابية‬ ‫‪ ، Branches extra pénales‬ذلك أنه من المعلوم أن من المصالح المجتمعية ما تتكفل بتنظيمه وحمايته فروع قانونية‬ ‫أخرى بخالف قانون العقوبات‪.‬فحق الملكية مفهوم قانوني ينظمه فرع القانون المدني ويحميه النظام الجنائي‬ ‫بعقابه على السرقة (سورة المائدة‪ ،‬آية ‪ ،38‬م‪ : 311.‬م‪ 326.‬عقوبات) والنصب أو االحتيال (سورة البقرة‪ ،‬آية‬ ‫‪ ،188‬م‪ : 336.‬م‪ 339-.‬عقوبات) وخيانة األمانة (سورة المائدة‪ ،‬آية ‪ ،1‬م‪ : 340.‬م‪ 343.‬عقوبات) والحريق‬ ‫(م‪ : 252.‬م‪ 259.‬عقوبات) واإلتالف (م‪ : 354.‬م‪ 368.‬عقوبات)‪...‬الخ‪.‬كما أن قانون العقوبات يحمي حقوقا‬ ‫يقررها القانون التجاري بعقابه على التفالس بالتدليس وبالتقصير (م‪ : 328.‬م‪ 335.‬عقوبات)‪ ،‬والغش في‬ ‫المعامالت وعقود االستهالك (م‪ 345.‬عقوبات‪ ،‬وكذلك الشق الجنائي من قانون حماية المستهلك‪ ،)4‬وحماية‬ ‫المنافسة ومنع االحتكار (قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات االحتكارية رقم ‪ 3‬لسنة ‪ ،)2005‬وإصدار الشيك‬ ‫بدون رصيد (م‪ : 533.‬م‪ 539.‬من قانون التجارة الجديد رقم ‪ 17‬لسنة ‪.)1999‬كما يدعم قانون العقوبات حقوقا‬ ‫تقررها قوانين األحوال الشخصية‪ ،‬مثال ذلك حمايته حقوق الزوجية بعقابه على الزنا (سورة النور‪ ،‬آية ‪،2‬‬ ‫م‪ : 273.‬م‪ 277.‬عقوبات)‪ ،‬وحمايته حق الحضانة بعقابه من يمتنع عن تسليم طفل إلى من له الحق في حضانته‬ ‫(م‪ 292.‬عقوبات) وعقابه على االمتناع عن أداء دين النفقة (م‪ 293.‬عقوبات)‪.‬وهذا الفرع يحمي أيضا حقوقا‬ ‫للدولة يقرها القانون ا لدستوري‪ ،‬كحمايته حق الدولة في االحتفاظ بشكلها الدستوري‪ ،‬فيعاقب على اإلخالل بأمن‬ ‫‪ 1‬هذا وقد أكدت محكمة النقض المصرية في أحكامها "أن الجزاءات التقوي مية المقررة للمجرمين األحداث وإن كانت لم تذكر بالمواد ‪ 9‬وما يليها من قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬المبينة ألنواع العقوبات األصلية والتبعية‪ ،‬إال أنها في الواقع عقوبات حقيقية نص عليها قانون العقوبات في مواد أخرى لصنف خاص من‬ ‫الجناة هم األحداث ألنه رآها أكثر مالئمة ألحوالهم وأعظم أثرا في تقويم أخالقهم‪.‬نقض ‪ 17‬أبريل ‪ ،1930‬مجموعة القواعد القانونية‪ ،‬ج‪ ،2‬رقم ‪،24‬‬ ‫ص‪ 16 ،16‬يناير ‪ ،1933‬مجموعة القواعد القانونية‪ ،‬ج‪ ،3‬رقم ‪ ،75‬ص‪ 20 ،108‬ديسمبر ‪ ، 1937‬مجموعة القواعد القانونية‪ ،‬ج‪ ،4‬رقم ‪،135‬‬ ‫ص‪. 130‬كما أن أكدت في قضاء أخر أن "التدابير التي نصت عليها المادة ‪ 48‬مكررا من القانون رقم ‪ 182‬لسنة ‪1960‬بشأن مكافحة المخدرات‬ ‫وتنظيم استعمالها واالتجار فيها هي قيود تحد من حرية المحكوم عليه ويغلب اإليالم فيها على العالج‪ ،‬بما يجعلها تدبيرا تحفظيا ال عالجيا‪ ،‬ومن ثم فهي‬ ‫عقوبات جنائية بالمفهوم القانوني‪ ،‬وإن كانت لم تذكر بالمواد ‪ 9‬وما يليها من قانون العقوبات ضمن العقوبات األصلية والتبعية‪ ،‬ما دامت القوانين العقابية‬ ‫قد نصت عليها لصنف خاص من الجناة جعلت من خطورتهم اإلجرامية جريمة في ذاتها رغم أنها لم تفضي بعد إلى جريمة بالفعل‪ ،‬ورتبت لها جزاء‬ ‫يقيد من حرية الجاني"‪.‬نقض ‪ 4‬يناير ‪ ،1971‬مجموعة أحكام النقض‪ ،‬س‪ ،22‬رقم ‪ ،6‬ص‪ 12 ،23‬أبريل ‪ ،1970‬مجموعة أحكام النقض‪ ،‬س‪ ،21‬رقم‬ ‫‪ ،135‬ص‪. 566‬والحق أننا نأخذ من هذه األحكام بالقدر الذي يبين أن كال النوعين من الجزاءات ينبعان من معين واحد‪ ،‬ولكننا ال نوافق محكمتنا العليا‬ ‫في اعتبار التداب ير االحترازية نوعا من العقوبات‪ ،‬ذلك أن بين النوعين من الجزاءات فروق واضحة من حيث الطبيعة أو الهدف‪.‬موقنين أن ما دفع‬ ‫محكمة النقض لهذا التفسير ما هو إال أن قانون العقوبات المصري الحالي لسنة ‪ 1937‬ال يضع نظاما مستقلا للتدابير االحترازية‪.‬‬ ‫‪ 2‬راجع في تأييد ذلك‪ ،‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،6-5‬سرور‪ ،‬أحمد فتحي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 7‬وما بعدها‪ ،‬سالمة‪ ،‬مأمون‪ ،‬المرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪ 8‬وما بعدها‪ ،‬عبد الستار‪ ،‬فوزية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،7-6‬مهدي‪ ،‬عبد الرءوف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،9-8‬الغريب‪ ،‬محمد عيد‪ ،‬المرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪ ،13-12‬أبو خطوة‪ ،‬أحمد شوقي‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫‪R. Garraud, Traité théorique et pratique du droit pénal français, T. I, Paris, 1913, p. 61 ; G. Vidal et J. Magnol, op.‬‬ ‫‪cit., p. 66.‬‬ ‫‪ 3‬لمزيد من التفصيل في الموضوع‪:‬‬ ‫‪G. Stéfani, Préface, in Quelques aspects de l’autonomie de droit pénal, 1956 ; R. Vouin, Justice criminelle et‬‬ ‫‪autonomie de droit pénal, D. 1947, p. 80 et s.‬‬ ‫‪ 4‬الصادر بالقانون رقم ‪ 181‬لسنة ‪ ،2018‬الجريدة الرسمية‪ ،‬ع‪( 37‬تابع)‪ 13 ،‬سبتمبر ‪.2018‬‬ ‫‪-4-‬‬ ‫الدولة من جهة الداخل (م‪ : 86.‬م‪ 102.‬مكررا عقوبات)‪ ،‬ويحمي حقوقا يقررها القانون اإلداري كحمايته حق‬ ‫الدولة في نزاهة الوظيفة العامة وصونها من العبث بالعقاب على جرائم الرشوة (م‪ 103.‬وما بعدها عقوبات)‪،‬‬ ‫وحقها في حماية أموالها بالعقاب على جرائم االختالس (م‪ : 112.‬م‪ 119.‬مكررا عقوبات)‪ ،‬وحقها في أن يتمتع‬ ‫موظفوها باالستقالل والطمأنينة في عملهم‪ ،‬بعقابه على جرائم االعتداء على الموظفين (م‪ : 133.‬م‪137.‬‬ ‫عقوبات)‪ ،‬وعقابه على استغالل الوظيفة العامة وإساءة استعمال السلطة (م‪ : 126.‬م‪ 132.‬عقوبات)‪.‬‬ ‫وقد يوحي العرض السابق بأن القانون الجنائي ليس إال فرعا قانونيا ذو طبيعة جزائية فقط ‪Branche juridique à‬‬ ‫‪ ،nature sanctionnateur‬أي يلعب دورا ثانويا في النظام القانوني العام باعتباره ال يقرر حقوقا وإنما يحمي ما‬ ‫تقرره األفرع القانونية األخرى من حقوق‪ ،‬األمر الذي يفقد ربما هذا الفرع ذاتيته في مواجهة األفرع القانونية‬ ‫األخرى‪ ،1‬ويقصر دور الجزاءات الجنائية على المساعدة على تمكين هذه األفرع من أداء وظيفتها االجتماعية‪،‬‬ ‫بحسبان أن هذه الجزاءات ‪ -‬إذا ما قورنت بالجزاءات الخاصة لألفرع القانونية األخرى ‪ -‬هي أغلظ الجزاءات‬ ‫وأشدها خطورة‪ ،‬لكونها تنال أحيانا من مال الفرد أو حريته أو اعتباره وأحيانا تصيبه في حياته‪.‬‬ ‫وهذه الوجهة من النظر قد حاول تدعيمها الفقيه األلماني كارل بندنج‪ Karl Binding 2‬بقوله أن مصدر الصفة غير‬ ‫المشروعة لل فعل اإلجرامي ال ينصرف إلى النص العقابي الذي قرر الجزاء وإنما يرتبط المصدر بوجود قاعدة‬ ‫قانونية غير عقابية تقرر أمرا أو نهيا يفرض له النظام الجنائي من بعد جزاء حال مخالفته‪.‬ورأى بندنج يدعمه‬ ‫اعتقاده بأن القاعدة الجنائية ال مجال لتطبيقها إال إذا ارتكبت الجريمة وتعين إقرار العقاب بحق مرتكبها‪ ،‬وحيث‬ ‫أن المجتمع بحاجة لقواعد سلوك توجه أنشطة األفراد كافة تطبق ولو لم ترتكب جريمة لذا وجب خلق قواعد‬ ‫قانونية غير جنائية مستقلة قد يفرض عليها المشرع العقابي قالب الحماية الجنائية في شكل نصوص حامية للحق‬ ‫الذي تولد عن النصوص غير العقابية‪.‬وهذا األمر يصدق على كثير من القواعد القانونية التي تقرر حقوقا يفرض‬ ‫لها المشرع الجنائي عقابا حال العدوان عليها‪ ،‬ومنها مثال فكرتا الملكية والحيازة المعروفتين في القانون المدني‬ ‫واللتين نالتا عناية المشرع الجنائي في عدد من جرائم االعتداء على األموال‪.‬‬ ‫‪Prévention générale‬‬‫غير أن هذا الرأي يهدمه أن القواعد الجنائية تستهدف من بين ما تستهدفه تحقيق الردع العام‬ ‫‪3‬‬ ‫وهى وظيفة تمارس قبل ارتكاب الجريمة وبعدها من أجل تحذير الكافة من السقوط في براثن اإلجرام ‪.‬كما أن‬ ‫هذا الرأي ال يصدق حال تقرير جزاء جنائي لحماية حق لم يتولد عن قاعدة غير جنائية‪ ،‬كما هو الشأن بصدد‬ ‫جرائم العدوان على الحق في الحياة‪ ،‬أو في سالمة الجسم‪ ،‬أو العرض‪ ،‬فال شك أن في هذا الوضع يكون نشوء‬ ‫الحق وعقابه جنائيا خالصا‪ ،‬ويكون نص التجريم هو مصدر عدم المشروعية‪ ،‬ال كما يقول "بندنج" أن النص‬ ‫الجنائي الذي يقرر الجزاء يفترض ضمنا وجود قاعدة قانونية غير عقابية لم يصرح بها المشرع‪.‬‬ ‫ولدينا أن لقانون العقوبات استقالليته وطابعه الذاتي في عالقاته مع فروع القانون األخرى‪ ،‬دون أن نقصد بتلك‬ ‫الذاتية إعالن "صيحة حرب" ضد فروع القانون األخرى‪ ،‬ذلك أن ثبوت الذاتية لقانون العقوبات هو أمر مستمدة‬ ‫من طبيعة الدور الذي يقوم به هذا الفرع في تنظيم الحياة في المجتمع‪ ،4‬دون أن يتعارض ذلك مع اتساقه وتعاونه‬ ‫مع غيره من فروع القانون من أجل كفالة نظام قانوني عام متكامل قادر على تنظيم ما يتوالد داخل المجتمع من‬ ‫روابط‪.‬ودليلنا في ذلك أن قانون العقوبات يحمي المصالح األساسية للمجتمع اإلنساني‪ ،‬وليست المصالح الفردية‪،‬‬ ‫فهو يحمي أمن الدولة‪ ،‬والحق في الحياة‪ ،‬والحق في سالمة الجسم‪ ،‬والحق في صيانة العرض‪ ،‬والحق في الشرف‬ ‫واالعتبار‪ ،‬وهي حقوق ال ينظمها فرع بعينه من فروع القانون ولكن تستخلص من النظام القانوني في مجموعه‪،‬‬ ‫واستأثر بالعقاب عليها فرع قانون العقوبات‪ ،‬لذا تسمى بالقواعد الجنائية الخالصة ‪.Règles purement pénales‬كما‬ ‫أن هذا الفرع حين يتدخل بحماية حق تولد عن فرع قانوني أخر فإنه ال يحمى هذا الحق لتحقيق ذات الهدف الذي‬ ‫يرمي إليه هذا الفرع األخير‪ ،‬فالقانون المدني حين يحمي الملكية فإن ذلك يكون بغية تحقيق مصلحة فردية‪ ،‬أما‬ ‫قانون العقوبات حين يحمي الملكية بالعقاب على السرقة والنصب واإلتالف‪...‬الخ فما ذلك إال لتأمين الدور الذي‬ ‫تلعبه الملكية كمصلحة اجتماعية‪.5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪R. Garraud, op. cit., p. 208 ; ; G. Vidal et J. Magnol, op. cit., p. 75.‬‬ ‫‪ 2‬في عرض هذ ا الرأي‪ ،‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.10-9‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪T. Delogu, op. cit., p. 188.‬‬ ‫‪ 4‬في ذات المعنى‪ ،‬الغريب‪ ،‬محمد عيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ 5‬الصيفي‪ ،‬عبد الفتاح‪ ،‬القاعدة الجنائية ‪ ،‬بيروت ‪ ،1967 ،‬ص‪ 32‬وما بعدها‪ ،‬عبيد‪ ،‬حسنين‪ ،‬فكرة المصلحة في قانون العقوبات‪ ،‬المجلة الجنائية القومية‪،‬‬ ‫ع‪ ،2‬يوليو ‪ ،1974‬ج‪ ،17‬رقم ‪ ،1‬ص‪ 237‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪R. Merle et A. Vitu, op. cit., p. 214 et s.‬‬ ‫‪-5-‬‬ ‫يضاف إلى ذلك أن نطاق حماية قانون العقوبات يختلف عن نطاق حماية القوانين األخرى غير العقابية حتى إذا لم‬ ‫يدخل تعديلا على مدلول النظام الذي استمده من قانون آخر‪ ،‬فقد يقصر قانون العقوبات حمايته على جزء من‬ ‫المصلحة التي تنظمها القوانين األخرى‪ ،‬أو يقصرها على وسائل معينة لالعتداء عليها‪ ،‬بمعنى أن قانون العقوبات‬ ‫ينفرد بذاتيته في تحديد مفاهيم وحدود الحقوق المقررة في فروع أخرى من القانون‪.1‬فالمشرع الجنائي ال يحمي‬ ‫ملكية العقار على نفس النحو الذي يحمي به ملكية المنقول‪ ،‬وال يحمي ملكية المنقول ضد كل صور االعتداء‬ ‫عليها‪ ،‬وإنما يجعل نطاق حمايته مقتصرا على صور معينة‪ ،‬فمدى حماية حق الملكية من الناحية الجنائية يختلف‬ ‫عن مدى حمايتها من الناحية المدنية‪.‬‬ ‫ذات األمر يقال حين يحظر القانون المدني الغش أو التدليس ويعتبره من أسباب البطالن فإن ذلك ال يكون في‬ ‫ذات النطاق الذي يحظره قانون العقوبات‪ ،‬الذي يعطي للتدليس – في مادة النصب ‪ -‬مفهوما أضيق من ذلك‬ ‫المعروف في القانون المدني‪.2‬كذلك حين يعطى قانون العقوبات لإلكراه مفهوما أضيق مما هو مقرر في القانون‬ ‫المدني كسبب للبطالن‪ ،‬قاصرا العقاب على اإلكراه الذي يبلغ حدا من القوة والتهديد‪.‬عالوة على ذلك فإن القانون‬ ‫المدني يهتم فقط باألفعال التي ترتب ضرر ا للغير‪ ،‬في حين أن قانون العقوبات ينظر إلى األفعال في ذاتها ولو لم‬ ‫يترتب عليها ضرر‪ ،‬ومن هنا جاء عقابه على الشروع في كثير من الجرائم ولو أوقف أو خاب مسعى الجاني في‬ ‫تحقيق ما بدء في تنفيذه (م‪ 45.‬عقوبات)‪.‬‬ ‫وتتجلى ذاتية قانون العقوبات في أوضح صورها في الحالة التي يدخل فيها هذا الفرع تعديلا على مفهوم النظام‬ ‫الذي استمده من فرع قانوني آخر‪.‬ويتضح لنا ذلك حال المقارنة بين مفهوم الموظف العام في جريمة الرشوة‬ ‫وذلك المفهوم الذي يستقر لدى فقه القانون اإلداري‪ ،‬إذا نلحظ أن قانون العقوبات قد تبنى مفهوما أعم وأشمل من‬ ‫ذلك ا لذي تقرره في هذا الفرع األخير حين أسبغ صفة الموظف العام على أشخاص ليست لهم هذه الصفة في‬ ‫القانون اإلداري‪. 3‬وكذا الحال في شأن جريمة إصدار الشيك بدون رصيد‪ ،‬إذا ليست للشيك في قانون العقوبات‬ ‫عين داللتها في القانون التجاري‪ ،‬إذا ال يشترط لوقوع هذه الجريمة أن يستوفي الشيك شروط صحته المنصوص‬ ‫عليها في القانون التجاري‪ ،‬وإنما يكفي أن يكون شيكا بحسب الظاهر ولو كان باطلا وفقا لما استقر عليه فقه‬ ‫القانون التجاري‪.4‬‬ ‫هذا األمر بذاته استقر عليه القضاء الجنائي في شأن عقود األمانة‪ ،‬فالمقرر أن للقاضي أن يرتكن إلى العقد الذي‬ ‫بم وجبه تم تسليم الشيء من المجني عليه في تقرير إدانة المتهم عن جريمة التبدد‪ ،‬ولو مع ثبوت بطالنه‪ ،‬سواء‬ ‫أكان البطالن مطلقا لعيب في شكل العقد أو لمخالفه موضوعه أو سببه للنظام العام أو حسن اآلداب‪ ،‬أو كان‬ ‫البطالن نسبيا لعدم اكتمال أهلية المتعاقد أو لتوافر عيب من عيوب الرضاء‪.5‬يفهم من ذلك أنه إذا كان قانون‬ ‫العقوبات يشترط لوقوع جريمة خيانة األمانة وجود رابطة عقدية سابقة على التسليم تجمع كل من الجاني‬ ‫والمجني عليه‪ ،‬فان المفهوم الجنائي لتلك الرابطة ال يتماثل مع المفهوم المقرر لها في القانون المدني‪ ،‬إذ يكفي من‬ ‫الناحي ة العقابية ثبوت وجود العقد ولو من الناحية الشكلية كي يتحقق تسليم الحيازة الناقصة كمفترض لجريمة‬ ‫خيانة األمانة‪ ،‬مستقلا كل ذلك عن تكامل أركان هذا العقد وصحتها‪.‬‬ ‫وال ينال من هذا التوجه‪ ،‬كون قانون العقوبات قد يساعد على تنفيذ عقد غير مشروع‪ ،‬وقد تستند عدم مشروعيته‬ ‫لمخالفته للنظام العام أو حسن اآلداب‪ ،‬ذلك أن القانون الجنائي ‪ -‬خالفا للقانون المدني ‪ -‬حينما يتدخل بالحماية‬ ‫الجنائية في مجال خيانة األمانة ال يهدف من ذلك حماية مصلحة خاصة بأحد طرفي العقد (ضمان تنفيذ االلتزام‬ ‫المتولد عن العقد)‪ ،‬أو بمعني أخر ال يعاقب علي اإلخالل المدني بتنفيذ العقد‪ ،‬وإنما يعاقب علي االعتداء علي‬ ‫‪ 1‬حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫‪ 2‬راجع مؤلفنا‪ ،‬أصول القسم الخاص في قانون العقوبات‪ ،‬جرائم االعتداء على األموال‪ ،‬السرقة والنصب وخيانة األمانة‪ ،2004-2003 ،‬ص‪ 158‬وما‬ ‫بعدها‪.‬‬ ‫‪ 3‬وزير‪ ،‬عبد العظيم‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬ج‪ ،1‬جرائم الرشوة والعدوان على المال العام‪ ،‬ط‪ ،2004 ،3‬ص‪ 25‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 4‬نقض ‪ 6‬فبراير ‪ ،1962‬مجموعة أحكام النقض‪ ،‬س‪ ،13‬رقم ‪ ،3‬ص‪.124‬‬ ‫‪Cass. Crim. 9 oct. 1940, S. 1942, I, p. 149, note Hugueney ; Crim. 11 janv. 1966, Bull. crim., n°7; 17 fév. 1966, Bull.‬‬ ‫‪crim., n°541 ; add. Frenisy, Des effets attachés par les juridictions répressives aux actes nuls au regard du droit‬‬ ‫‪civil et du droit commercial, th. Paris 1959, p. 12 et s ; G. Levasseur, Des effets en droit pénal des actes nuls ou‬‬ ‫‪illégaux d’autres disciplines, RSC. 1957, p. 25.‬‬ ‫‪ 5‬راجع مؤلفنا سالف الذكر‪ ،‬ص‪ 241‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪-6-‬‬ ‫ملكية محله وكذا حماية الثقة التعاقدية واالئتمان الذي أفترضه المجني عليه في الجاني حينما سلمه ماله بناء على‬ ‫العقد‪.‬وال شك أن العدوان على الملكية وعلى الثقة يتحقق صحت الرابطة بين الجاني والمجني عليه أم بطلت‪.1‬‬ ‫من جماع ما تقدم يظهر أن قانون العقوبات ليس محض قانون عقابي ألفرع القانون األخرى‪ ،‬بل هو فرع يحمي‬ ‫حقوقا ومصالحا مستمدة من قوانين أخرى بما يتفق وأهدافه الذاتية التي تنحو نحو تحقيق المصلحة االجتماعية‪،‬‬ ‫بحيث ال يكون ثمة حرج من المعاقبة علي االعتداءات التي تمس مركزا قانونيا مخالفا من وجهة نظر هذه‬ ‫األفرع‪.‬وهذا ما كشف عنه قضاء النقض حين قضى بأن‪" :‬قانون العقوبات قانون جزائي له نظام قانوني مستقل‬ ‫عن غيره من النظم القانونية األخرى‪ ،‬وله أهدافه الذاتية إذ يرمي من وراء العقاب إلى الدفاع عن أمن الدولة‪،‬‬ ‫ومهمته األساسية حماية المصالح الجوهرية فيها‪ ،‬فهو ليس مجرد نظام قانوني تقتصر وظيفته على خدمة األهداف‬ ‫التي تعنى بها تلك النظم"‪.2‬‬ ‫ونقر في النهاية أن ذاتية قانون العقوبات ال تنهدم لمجرد أن هذا الفرع قد أقر فرع قانوني أخر على االلتزام‬ ‫بحدود معينة بشأن أحد المفاهيم القانونية‪ ،‬أو لمجرد اشتراط قانون العقوبات توافر وضع قانوني معين يحكمه‬ ‫قانون غير عقابي مع التزام المعنى الذي يقصده هذا الفرع األخير بشأن هذا الوضع‪ ،‬كما هو الشأن في التزام‬ ‫قانون العقوبات بالمفهوم الذي تسبغه قوانين األحوال الشخصية على رابطة الزوجية المتطلبة كشرط لقيام جريمة‬ ‫الزنا عامة في القانون المصري‪ ،‬فالحق أن هذا ال يعبر بحال عن تبعية قانون العقوبات لفرع قانوني أخر بقدر ما‬ ‫يعبر عن وحدة النظام القانوني الذي يجب أن تتسق أجزاءه ومضامينه‪.3‬‬ ‫‪.3‬ثالثا‪ :‬قانون العقوبات والقواعد الخلقية‪:‬‬ ‫قد تكون األخالق ‪ Morales‬أخالقا فردية‪ ،‬تهدف إلى تحسين السلوك الفردي وتتطلب من الفرد أن يتفق نشاطه‬ ‫الظاهري وباطنه المكنون مع قيم ومبادئ معينة‪ ،‬وقد تمتد األخالق لتأخذ بعدا مجتمعيا‪ ،‬تستهدف إزكاء روح‬ ‫التضامن االجتماعي‪ ،‬وتستوجب أن يتطابق سلوك الفرد مع ما تقتضيه المصلحة العامة‪.4‬وال تبدو صلة القانون‬ ‫عامة ‪ -‬وقانون العقوبات خاصة ‪ -‬باألخالق إال في الدائرة الثانية التي تتعانق وتتكامل فيها كال النوعين من‬ ‫القواعد ‪ -‬القواعد القانونية والخلقية ‪ -‬من أجل تحقيق التوافق السلوكي للفرد مع مجتمعه‪ ،‬األمر الذي كان يظهر‬ ‫جليا في بدايات نشأة قانون العقوبات حيث كانت قواعده تمثل اعتداء على قاعدة خلقية‪ ،‬وحيث كان ال يعاقب إال‬ ‫على ما يستحق االستهجان االجتماعي واللوم األخالقي‪ ،‬وبحيث تبدو فاعلية الجزاء الجنائي فيما يسبغه على‬ ‫المحكوم عليه من احتقار واستنكار بيئته االجتماعية‪.5‬‬ ‫غير أن دائرة التالقي بين الفرعين لم تعد تامة‪ ،‬حيث اتسع نطاق قانون العقوبات وانفصل شيئا فشيئا عن‬ ‫األخالق‪ ،‬كي يقتصر فقط على تجريم األفعال واالمتناعات التي يخصها المشرع بالنص الجنائي‪ ،‬ولو لم يتوافق‬ ‫هذا التجريم مع األخالق الفردية أو المجتمعية السائدة في الدولة‪.6‬فقانون العقوبات ال يمكنه أن يفرض واجبات‬ ‫خلقية على األفراد لمجرد تحسين سلوكهم الفردي والمجتمعي ما لم يكن انتهاك هذه الواجبات ينطوي على عدوان‬ ‫على مصلحة اجتماعية جديرة بالحماية الجنائية‪.‬وبعبارة أخري‪ ،‬فإن المشرع لم يعد يتدخل إال لتجريم األفعال‬ ‫التي تشكل خطرا حقيقيا ومباشرا على مصلحة مجتمعية‪ ،‬األمر الذي يلحظ معه أن دائرة قانون العقوبات صارت‬ ‫أضيق بكثير من دائرة القواعد األخالقية‪ ،‬بحيث قد ال يتالقى التكييف القانوني للفعل مع ما تسبغه عليه األخالق‬ ‫من تكييف‪.‬فالكذب مع منافاته لما تستوجبه قواعد األخالق‪ ،‬إال أن القانون ال يمد إليه يد التجريم إال إذا تخذ‬ ‫مظهرا معينا‪ ،‬كما لو اتخذ صورة اليمين الكاذبة ‪،‬أو الشهادة الزور‪ ،‬أو التزوير‪ ،‬أو النصب‪ ،‬أو البالغ الكاذب‪ ،‬أو‬ ‫القذف في حق شخص معين‪.‬كما أن هتك العرض بالرضا ‪ -‬وإن كان في ذاته أمر تستهجنه األخالق ‪ -‬إال أن‬ ‫‪ 1‬نقض ‪ 24‬مايو ‪ ،1937‬مجموعة القواعد القانونية‪ ،‬ج‪ ،4‬رقم ‪ ،87‬ص‪. 74‬وقد جاء في هذا الحكم أن عدم مشروعية العقد أو بطالنه ال يعفي المؤتمن‬ ‫من رد المال الذي تسلمه بمقتضاه‪.‬فإذا كانت الواقعة أن امرأة قد رغبت في أن تتخذ منزلا للدعارة السرية‪ ،‬ولعلمها أن مالكة المنزل ال تقبل تأجره لهذا‬ ‫الغرض لجأت إلى شخص وكاشفته بحقيقة أمرها ليستأجر المسكن باسمه لتتخذه هي لتنفيذ غرضها‪ ،‬ودفعت له مبلغا من المال على ذمة األجرة‪ ،‬فلم‬ ‫يستأجر المسكن واختلس المبلغ لنفسه فهذا الفعل يكون جريمة خيانة أمانة وذلك رغم بطالن عقد الوكالة الذي بموجبه تم تسليم المال من المجني عليها‬ ‫لعدم مشروعية سببه‪.‬‬ ‫‪Cass. Crim 18 fév. 1937, D. 1937, I, p. 56 ; Crim. 12 mai 1964, Bull. crim., n°161 ; Crim. 1er fév. 1972, Bull. crim,‬‬ ‫‪n°38 ; Crim. 22 oct. 1974, JCP. 1975, II, 18072.‬‬ ‫‪ 2‬نقض ‪ 6‬مارس ‪ ،1972‬مجموعة أحكام النقض‪ ،‬س‪ ،23‬رقم ‪.70‬‬ ‫‪ 3‬د‪.‬محمود نجيب حسني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.9-8‬‬ ‫‪T. Delogu, op. cit., p. 231.‬‬ ‫‪ 4‬سرور‪ ،‬أحمد فتحي‪ ،‬أصول قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،1971-1970 ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ 5‬د‪.‬فخري أبو سيف مبروك‪ ،‬األخالق كمصدر من مصادر القاعدة القانونية‪ ،‬مجلة البحوث القانونية واالقتصادية‪ ،‬حقوق المنصورة‪.1982 ،‬‬ ‫‪ 6‬عبيد‪ ،‬رءوف‪ ،‬مبادئ القسم العام من التشريع العقابي‪ ،1979 ،‬ص‪.42‬‬ ‫‪-7-‬‬ ‫كثيرا من المدونات العقابية‪ ،‬التي خلعت عنها ثوب الشريعة‪ ،‬ال تجرمه إال إذا كان سن المجني عليه أقل حد‬ ‫معين‪ ،‬ذات األمر ينطبق بشأن الزنا‪ ،‬الذي ترهن كثير من المدونات المتعارضة مع الشريعة تجريمه على‬ ‫الحاالت التي يقع فيها عدوانا على واجب اإلخالص الزوجي من أحد طرفي العالقة الجنسية‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد تتسع دائرة قانون العقوبات لتكن أرحب من دائرة األخالق‪ ،‬وذلك حين يتدخل قانون‬ ‫العقوبات لتجريم أفعال أو امتناعات ال تبدو صلتها باألخالق واضحة وجلية‪ ،‬مثال ذلك تجريم بعض األفعال‬ ‫المرورية‪ ،‬والجرائم البيئية‪ ،‬وجرائم الصيد‪ ،‬وجرائم النقد‪ ،‬والجرائم الضريبية والجمركية‪ ،‬وتجريم البناء على‬ ‫األراضي الزراعية‪ ،‬أو البناء خارج خط التنظيم‪ ،‬أو تجاوز االرتفاعات المقررة‪ ،‬أو االمتناع عن اإلدالء بالصوت‬ ‫االنتخابي‪ ،‬أو االمتناع عن دعوة الجمعية العمومية للشركة لإلنعقاد‪.‬فهذه األنماط السلوكية ال تعد في حقيقتها‬ ‫منافية لألخالق‪ ،‬غير أن المشرع قد أسبغ التجريم عليها‪ ،‬لما في ذلك من حماية لمصلحة مجتمعية يراها جديرة‬ ‫بالحماية الجنائية‪.‬‬ ‫بيد أن التباين بين قواعد قانون العقوبات والقواعد الخلقية ال ينفي أن بين الفرعين ‪ -‬كان وما يزال ‪ -‬بعض رابط‬ ‫‪ ،‬يظهر ذلك بوضوح في أن جل ما يجرمه المشرع من أفعال أو امتناعات ماسة بالمصلحة االجتماعية يغلب أن‬ ‫يتنافر مع ما ترسمه األخالق من ضوابط سلوكية‪ ،‬وهو الحال حين جرم المشرع أفعال القتل واالغتصاب‬ ‫والسرقة والنصب وخيانة األمانة‪...‬الخ‪.‬‬ ‫وفي هذا المقام قد يصدق قول بعض فقهاء المدرسة الوضعية بأن للجريمة إلى جانب مضمونها القانوني مضمونا‬ ‫اجتماعيا أخالقيا يعلو على االختالفات التشريعية من مجتمع إلى آخر وفي المجتمع الواحد من زمان إلى زمان‬ ‫آخر‪ ،‬وأن من متطلبات التجريم توافر ما يسمى بعدم المشروعية المادية أو الموضوعية فوق توافر عدم‬ ‫المشروعية النصية أو الجنائية‪.‬أي أن الجريمة ال تتواجد فقط لمجرد وجود تعارض بين السلوك أو العدوان وبين‬ ‫النص أو القاعدة القانونية‪ ،‬وإنما مبعث تواجد الجريمة هو تعارض الفعل مع مشاعر الرحمة واإليثار واألمانة‬ ‫التي تفرضها األخالق اإلنسانية لدى كافة األمم‪.‬هذا التعارض يتوحد بين كل المجتمعات أيا كان االختالف‬ ‫التشريعي بينها زمانا ومكانا‪.1‬‬ ‫حينما قام‬ ‫كما قد يصدق هنا – على نحو ما – التقسيم الذي قال به قطب المدرسة الوضعية جاروفالو‬ ‫‪Garofalo‬‬ ‫بتقسيم الجرائم إلى جرائم طبيعية ‪ Délits naturels‬وأخرى مصطنعة ‪ Délits artificiels‬أو اتفاقية ‪Délits‬‬ ‫‪ ،conventionnels‬قاصدا باألولى‪ ،‬تلك االنتهاكات التي تعارفت كافة المجتمعات المتمدينة على تجريمها وتقرير‬ ‫جزاء جنائي لها‪ ،‬لمساسها بالقدر من األخالق اإلنسانية المشتركة مهما تبدل الزمان والمكان‪.‬أما األخرى‪ ،‬فهي‬ ‫جرائم خلقها المشرع ذاته استجابة العتبارات تتعلق بتنظيم المجتمع وتطوره‪ ،‬بعيدا عن القواعد الخلقية‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يجعلها متنوعة من بلد إلى آخر‪ ،‬وفي البلد الواحد من زمان إلى آخر‪ ،‬ومنها ‪ -‬كما سلف البيان ‪ -‬الكثير من‬ ‫الجرائم االقتصادية وجرائم قانون األعمال‪ ،‬كجرائم سوق األوراق المالية وجرائم الشركات والجرائم العمالية‬ ‫وكالجرائم الجمركية والضريبية والبيئية وجرائم النقد‪ ،‬ومنها أيضا جرائم المرور‪...‬الخ‪.‬ويقترب من ذلك الفقيه‬ ‫اإليطالي جرسبيني ‪ ،Grispigni‬الذي قسم بدوره الجرائم إلى طبيعية‪ ،‬وفيها يخالف السلوك قاعدة جنائية إلى جانب‬ ‫قاعدة أخالقية‪ ،‬وإلى جرائم غير طبيعية ‪ -‬أو كما سماها بمجرد الخلق السياسي ‪ - Mera creazione politica‬وفيها‬ ‫تقتصر مخالفة السلوك على القاعدة الجنائية فقط‪.2‬‬ ‫على أن التأثير الذي تباشره القواعد األخالقية على قانون العقوبات يبدو حين نستكشف تدرج الجزاء الجنائي من‬ ‫حيث الجسامة وفقا لدرجة االنتهاك غير األخالقي على المصلحة محل الحماية الجنائية‪ ،‬وكذلك عند بحث مالئمة‬ ‫اختيار بعض األسباب كي يجعلها المشرع موانعا للعقاب‪ ،‬مثل زواج الخاطف بمن خطفها (م‪ 291.‬عقوبات قبل‬ ‫إلغائها)‪ ،‬أو أعذارا مخففة‪ ،‬مثل قتل الزوج لزوجته ومن يزني بها عند ضبطهما متلبسين بالزنا (م‪237.‬‬ ‫عقوبات)‪ ،‬وتجاوز حدود الدفاع الشرعي بحسن نية (م‪ 251.‬عقوبات)‪.3‬‬ ‫‪ 1‬راجع مؤلفنا‪ ،‬الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬سالف الذكر‪ ،‬ص‪ 32‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 2‬في نقد تقسيما جاروفالو وجرسبيني‪ ،‬مؤلفنا‪ ،‬الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬سالف الذكر‪ ،‬الموضع السابق‪.‬‬ ‫‪ 3‬سرور‪ ،‬أحمد فتحي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،19‬الغريب‪ ،‬محمد عيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪P. Savy-Casard, Influences des faits sociaux, et notamment la prépondérance de certain traditions religieuses ou‬‬ ‫‪morales, sur la politique suivie en matière pénale, Revue pénitentiaire, 1964, p. 10 et s.‬‬ ‫‪-8-‬‬ ‫‪.4‬رابعا‪ :‬قانون العقوبات والمبادئ الدينية‪:‬‬ ‫ما من شك أن الصلة بين قانون العقوبات والدين تعود إلى فترات بعيدة من التاريخ اإلنساني‪ ،‬حتى ليمكننا‬ ‫القول أن اإلنسان حيوان متدين ‪.Animal religieux‬وتظهر هذه الصلة جلية في امتزاج الحق في العقاب في‬ ‫المراحل األولى ‪ -‬وقبل نشوء الدولة ‪ -‬بالطابع الديني‪ ،‬حيث كان ينظر للعقوبة على أنها محاولة السترضاء‬ ‫اآللهة‪ ،‬عن طريق إنزال العذاب بالجاني‪ ،‬بحسبانه قربانا يقدم لآللهة‪.‬فهذا العذاب هو وحده الكفيل بتطهير نفس‬ ‫الجاني اآلثمة وحماية المجتمع من غضب األرباب‪.‬كما غلب بالمثل على التجريم الصبغة الدينية بتجريم أفعال‬ ‫السحر والشعوذة واإللحاد والهرطقة وتدنيس أماكن العبادة‪ ،‬والعقاب عليها بأقسى العقوبات‪ ،‬انتقاما ممن أراد أن‬ ‫يهدم الدعائم الدينية للمجتمع‪.‬‬ ‫على أن الحقبة التي عمت فيها المسيحية أرجاء اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬واتخاذها دينا رسميا لها كانت من أوثق‬ ‫مراحل التاريخ داللة عما بين الدين والنظام الجنائي من صالت‪.‬فمن ناحية‪ ،‬كان لهذه الديانة أثرها على شق‬ ‫الجزاء حين نادت ‪ -‬بحسبانها ديانة عمادها الرحمة والتسامح ‪ -‬بالتخفيف من قسوة العقوبات تحت شعار أن‬ ‫"الكنيسة تفزعها الدماء المراقة" ‪ ،Ecclésia abhorrât sanguine‬ومناداتها بعدالة الجزاء والمساواة فيه بين الناس‪،‬‬ ‫األمر الذي كانت تنكره بعض الشرائع‪ ،‬والتي كانت تخص األسياد بعقوبات تختلف عما يطبق على العبيد‬ ‫(كاإلعدام مثال الذي خصص كعقوبة للعامة من الناس وللعبيد)‪.‬كما أنه بفضل الدراسات الكنسية بدأت العقوبة‬ ‫تستند إلى مبدأ التكفير عن الخطيئة‪ ،‬المتمثلة في الجريمة‪.‬هذا التكفير لم يكن يستهدف االنتقام من الجاني‪ ،‬بل فقط‬ ‫محاولة تطهير نفسه وتهذيبه وإصالحه‪.‬من هنا كان بداية ظهور األساس اإلصالحي والتهذيبي للجزاء الجنائي‪،‬‬ ‫األمر الذي استوجب تعزيز الدراسات التي تهتم بشخص المجرم والعوامل الداخلية للنفس اآلثمة‪.‬لذا فال عجب أن‬ ‫ظهور مفاهيم المسئولية الفردية‪ ،‬واإلثم الجنائي‪ ،‬والخطأ واإلسناد‪ ،‬كانت ترجع باألساس إلى الفكر الكنسي‪.‬‬ ‫إال أن هذه اآلثار اإليجابية للفكر الكنسي قد الحقتها بعض اآلثار السلبية‪ ،‬التي كدرت صفو تلك الفترة من حياة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬مردها جمع رجال الكنيسة بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية‪ ،‬وإدخالهم في عداد الجرائم كل ما يمس‬ ‫المصالح الدينية‪ ،‬والعقاب عليها بأشد وأبشع العقوبات‪ ،‬حتى ولو كان األمر ال يخرج عن كونه نوع من الفكر‬ ‫اإلنساني‪.‬فظهر ما نسميه في أيامنا هذه اإلرهاب الفكري تحت مسميات عديدة كالهرطقة ‪ ،L’hérésie‬والزندقة ‪La‬‬ ‫‪ ،blasphème‬وانتهاك المحرمات ‪.Le sacrilège‬كما اتخذ الدين في تلك الفترة ستارا للتخلص من الخصوم‬ ‫السياسيين والمفكرين الذين يحفزون العامة على الخروج على سلطة الكنيسة‪ ،‬األمر الذي أضعف دعوات بعض‬ ‫رجال الكنيسة ومفكري النهضة للتخفيف من قسوة العقوبات‪.‬‬ ‫ولقد استمر الحال هكذا أبان العصور الوسطى وظهور الملوك الذين يستندون في حكمهم إلى مبدأ التفويضي‬ ‫اإللهي‪ ،‬والذين لجئوا لتدعيم حكمهم إلى إضفاء المزيد من القسوة على العقوبات‪ ،‬واستخدام أبشع الوسائل في‬ ‫تن فيذها‪.‬فجعلت عقوبة اإلعدام وبتر األعضاء عقوبة لجرائم الخيانة وعدم الوالء للملك والهروب من الجيش‪،‬‬ ‫وكلها جرائم تهدف إلى تدعيم سلطان الدولة والحكم‪.‬ولهذا غلب في مجال العقاب طابع الردع على طابع‬ ‫اإلصالح‪ ،‬األمر الذي أدى إلى تطبيق العقوبة أحيانا على صغار السن وعلى المكره وعلى المجانين والحيوانات‬ ‫وجثث الموتى‪ ،1‬بل وتوارى مبدأ المساواة الذي حاولت المسيحية تدعيمه‪.‬ففي تلك الفترة كانت العقوبات تختلف‬ ‫باختالف المركز االجتماعي للجاني‪ ،‬وكذلك تختلف وسيلة التنفيذ‪.‬كل هذا كان يدعمه ما يتمتع به القضاة من‬ ‫سلطة مطلقة في التجريم والعقاب‪.‬‬ ‫واستمرت تلك الرابطة بين قانون العقوبات والدين قوية في ظل النظام القانوني الذي رسمت معالمه الشريعة‬ ‫اإلسالمية الغراء‪ ،‬والذي يهيمن على سياسة التشريع في العديد من الدول إلى اآلن‪ ،‬منها باألخص المملكة العربية‬ ‫السعودية والجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪.‬أما فيما خال هاتين األخيرتين تقريبا‪ ،‬فقد طغى النظم التشريعي‬ ‫الغربي‪ ،‬حتى غدا المعين الذي منه تستمد منظومة القوانين في البلدان العربية واإلسالمية‪ ،‬األمر الذي خفت معه‬ ‫تأثير أحكام الدين على النظام القانوني برمته‪ ،‬ولم يعد فيما يخص قانون العقوبات ثمة تالقي واضح بينه وبين‬ ‫أحكام الدين‪ ،‬اللهم إال في المبادئ التي يعتبر اإلخالل بها ضارا أو مهددا للمصلحة االجتماعية‪ ،‬ويظهر هذا‬ ‫الملمح جلي فيما يكفله قانون العقوبات من حماية للعقائد الدينية على تنوعها بحسبانها حق دستوري ومصلحة‬ ‫اجتماعية ( م‪ 161-160.‬عقوبات)‪ ،‬وكذا في تشديده للعقاب على السرقة إذا وقعت في أحد المحالت المعدة‬ ‫للعبادة (م‪ 317.‬أولا عقوبات)‪.‬‬ ‫‪ 1‬وهو األمر الذي عرف في القرن الخامس عشر في فرنسا‪.‬راجع‬ ‫‪Esmien, Histoire du droit français, Paris, 1925, p. 33 et s.‬‬ ‫‪-9-‬‬ ‫أما ما دون ذلك فيخرج عن نطاق التجريم‪ ،‬مهما كانت صلته بموجبات الدين‪.‬فالصدق وإن كان واجب ديني إال‬ ‫أن اإلخالل به يخرج عن دائرة النظام الجنائي‪ ،‬طالما لم يتخذ هذا اإلخالل أحد المظاهر المنصوص عليها قانونا‪،‬‬ ‫كما في تجريم التزوير أو النصب‪.‬كما يظهر التباعد بين الفرعين في خلو مدونات العقوبات التي نسجت أحكامها‬ ‫على غرار المدونات الغربية من أية جزاءات على عدم ممارسة شعائر الديانة التي يدين بها الشخص أو على‬ ‫عدم انتماء الشخص لدين ما من األديان‪.‬وتبدو الدائرة أكثرة بعدا حين نلحظ أن قانون العقوبات ال يعنى بالنوايا‬ ‫والمقاصد‪ ،‬متى لم تخرج إلى حيز التنفيذ بأفعال أو امتناعات تمثل اعتداء على المصلحة االجتماعية التي يحميها‬ ‫المشرع‪ ،‬األمر الذي تتجاوزه أحكام الدين فتأخذ في اعتبارها السرائر وما تخفي الصدور‪.‬‬ ‫جملة القول أن التأثير المتبادل بين الفرعين ال ينتج أثره إال حال ظهور مصلحة اجتماعية يحميها القانون‪ ،‬لكونها‬ ‫مصلحة جديرة بالحماية‪ ،‬ال لكونها تتصل بأحكام الدين‪.‬‬ ‫‪.5‬خامسا‪ :‬تطور قوانين العقوبات العربية‪:1‬‬ ‫كان النظام الجنائي اإلسالمي هو المعتمد في كافة أنحاء شبه جزيرة العرب حتى أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫رغم أنها كانت خاضعة للنفوذ التركي‪ ،‬ذلك أن الدولة العثمانية لم تتدخل في تنظيم القضاء إال في مكة المكرمة‪،‬‬ ‫حيث كانت تقوم بندب قضائها‪ ،‬وبالتالي كانت أحكامهم مرتبطة بمشيخة اإلسالم في اآلستانة‪.‬وفيما عدا مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬كانت كل منطقة في شبه الجزيرة العربية مستقلة عن األخرى من حيث تطبيق أحكام المذاهب‬ ‫الشرعية‪. 2‬وظل الحال هكذا إلى أن بدأت عوارض الضعف والقصور تستشري في أواخر عهود الدولة العثمانية‬ ‫وفسد حكام البالد واستبدوا بأحكام الشريعة‪ ،‬وأصبحت إرادة الحاكم هي المرجع في جميع الشئون بما في ذلك‬ ‫شئون العقاب‪.3‬‬ ‫ومع منتصف القرن التاسع عشر لجأ حكام البالد اإلسالمية إلى مصدر آخر في التجريم والعقاب أال وهو‬ ‫التشريعات الغربية وخاصة القانونين الفرنسي واإلنجليزي‪ ،‬وما استمد منهما‪.4‬وكان أول تشريع مستمد من‬ ‫القانون الفرنسي هو القانون العثماني المسمى "قانون الجزاء العثماني" الصادر سنة ‪ ،1840‬ثم قانون سنة ‪1858‬‬ ‫بذات االسم‪ ،‬وقد طبق هذا القانون على بعض البالد العربية التي كانت خاضعة لتبعية الحكم العثماني‪.‬وقد‬ ‫استثنت من ذلك مصر التي كانت تخضع في ذلك الوقت إلى التشريعات التي أصدرها الوالي العثماني محمد علي‬ ‫الذي كان يجمع في يده كافة السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية‪.‬وكذا فقد استثنت ليبيا‪ ،‬التي ظلت مقترنة‬ ‫بأحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬إلى أن خضعت لسلطة االحتالل اإليطالي‪ ،‬فأبطل العمل بالشريعة وأخضعها لقانون‬ ‫العقوبات اإليطالي‪ ،‬ثم أصدر االحتالل البريطاني عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية أول قانون عقوبات ليبي سنة‬ ‫‪.1947‬‬ ‫وقد ظل هذا القانون العثماني سائدا في بعض البالد العربية إلى أن تخلصت منه وذلك بصدور قوانين للعقوبات‬ ‫متحررة من التبعية التشريعية التي فرضتها ظروف االحتالل التركي‪ ،‬غير أن هذا االحتالل أدى إلى تأثر قوانين‬ ‫البالد العربية‪ ،‬والتي كانت داخلة في نفوذ الدولة العثمانية‪ ،‬بالقانون الفرنسي الذي كان مصدرا لقانون الجزاء‬ ‫العثماني‪.‬‬ ‫‪ 1‬لمزيد من التفصيل راجع‪ ،‬الشاوي‪ ،‬توفيق‪ ،‬محاضرات في التشريع الجنائي في الدول العربية‪ ،‬مطبوعات معهد الدراسات العربية العالية‪،1954 ،‬‬ ‫جميل‪ ،‬حسين‪ ،‬نحو قانون عقابي موحد للبالد العربية‪ ،‬محاضرات لقسم الدراسات القانونية بمعهد الدراسات العربية العالية‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬مصطفى‪،‬‬ ‫محمود‪ ،‬أصول قانون العقوبات في الدول العربية‪ ، 1970 ،‬عوض‪ ،‬محمد محي الدين‪ ،‬نحو توحيد القوانين الجنائية في البالد العربية‪ ،‬مجلة جامعة‬ ‫القاهرة فرع الخرطوم‪ ،‬ع‪ ،1974 ،5‬ص‪ 8‬وما بعدها‪ ،‬سرور‪ ،‬أحمد فتحي‪ ،‬القسم العام‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 39‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 2‬وق د ظل الحال على ذلك إلى أن وحد الملك عبد العزيز رحمه اهلل المملكة تحت لواء الشريعة‪ ،‬وأصدر أمرا سنة ‪ 1345‬هـ (‪1926‬م) بجعل مذهب‬ ‫اإلمام أحمد بن حنبل المذهب الرسمي للقضاء في جميع أنحاء البالد‪ ،‬بما في ذلك قضاء مكة‪.‬ولما كانت هناك فروقا جوهرية بين اآلراء الفقهية داخل‬ ‫المذهب الواحد‪ ،‬فقد اقتضى األمر إصدار قرار المراقبة القضائية في المحرم سنة ‪1347‬هـ (‪ 1928‬م) والذي يقضي بأن تكون األحكام طبقا للمفتى به‬ ‫من مذهب اإلمام أحمد بن حنبل واعتماد المحاكم في سيرها على شرح "المنتهى" وشرح "اإلقناع" فيما اتفقا فيه أو انفرد به أحدهما فهو المتبع‪ ،‬وما‬ ‫اختلفا فيه فالعمل بما في "المنتهى"‪.‬وإذا لم يجد القاضي نصا في الشروح المذكورة طلب نصها في كتاب المذهب التي هي أبسط منها وقضى بالراجح‪.‬‬ ‫كما أشار القرار المذكور إلى أهم المراجع المعتمدة من فقه المذهب الحنبلي‪.‬غير أن هذا القرار أجاز من ناحية أخرى للمحاكم‪ ،‬إذا رأت أن تطبيق‬ ‫المفتى به من مذهب اإلمام أحمد يؤدي إلى مشقة ومخالفة لمصلحة العموم‪ ،‬االستناد إلى المذاهب األخرى‪.‬وقد استلزم األمر الملكي الصادر في ‪ 20‬من‬ ‫ربيع األول سنة ‪ 1349‬هـ‪ ،‬الستناد المحكمة إلى المذاهب األخرى إجماع آراء أعضائها‪.‬راجع الصيفي‪ ،‬عبد الفتاح‪ ،‬األحكام العامة للنظام الجزائي في‬ ‫ضوء أنظمة المملكة العربية السعودية‪ ،‬محاضرات بكلية العلوم اإلدارية‪ ،‬الرياض‪ ،1987-1986 ،‬ص‪ 6‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 3‬السعيد‪ ،‬السعيد مصطفى‪ ،‬األحكام العامة في قانون العقوبات‪ ،1957 ،‬ص‪ 25‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 4‬غير أن الفقه اإلسالمي – ف ضلا عن تطبيقه في إحدى البلدان العربية وهى المملكة العربية السعودية ‪ -‬قد ترك بصمته في التشريعات الجنائية المستوحاة‬ ‫من الغرب وظل مصدرا تاريخيا وفقهيا لكثير من المبادئ المعمول بها في النظم الجنائية وخاصة فيما يتعلق بالمسئولية وما يتصل بها‪ ،‬وليس أدل على‬ ‫ذلك من المادة ‪ 60‬عقوبات مصري التي تقرر سببا عاما من أسباب اإلباحة مبني على استعمال بنية سليمة لحق مقرر بمقتضى الشريعة‪.‬‬ ‫‪-10-‬‬ ‫أما البلدان التي لم تقع تحت نفوذ الدولة العثمانية‪ ،‬فقد ظلت أحكام الشريعة اإلسالمية مطبقة فيها‪.‬وهذا شأن‬ ‫السودان حتى كان االحتالل اإلنجليزي‪ ،‬فصدر سنة ‪ 1899‬أول قانون للعقوبات السوداني مستمدا من قانون‬ ‫العقوبات الهندي الصادر سنة ‪ 1860‬الذي تأثر بدوره بالقانون اإلنجليزي وببعض أحكام القانون الفرنسي‪.‬وكذا‬ ‫شأن بالد المغرب األقصى‪ ،‬التي ظل النظام الجنائي اإلسالمي سائدا فيها‪ ،‬حتى بسط االحتالل الفرنسي نفوذه‬ ‫فأدى بتلك البالد إلى تحولها عن الشريعة اإلسالمية والتأثر بالقانون الفرنسي‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من استرداد الدول العربية الستقاللها السياسي‪ ،‬الذي مكنها من تعديل قوانين عقوباتها بما يتالءم‬ ‫ومصالحها المجتمعية الذاتية‪ ،‬إال أن تلك الدول ظلت بعيدة عن تحقيق االستقالل التشريعي والفقهي‪ ،‬فالحق أن‬ ‫قوانين تلك الدول وفقهها المعاصر ما يزال متأثرا لدرجة غير قليلة – وإلى اآلن ‪ -‬بالمصدر التاريخي لهذه‬ ‫‪1‬‬ ‫القوانين‪ ،‬وعلى األخص المصدرين الفرنسي واإلنجليزي‪.‬وإلى المصدر الفرنسي مالت قوانين لبنان وسوريا‬ ‫واألردن‪ 2‬والعراق‪ 3‬وليبيا‪ 4‬وتونس‪ 5‬والمغرب‪ 6‬والجزائر‪ 7‬والكويت‪.8‬بينما مالت قوانين كل من السودان‪ 9‬ودولة‬ ‫اليمن‪ 10‬إلى المصدر اإلنجليزي‪ ،‬مع الخروج بعض الشيء على النهج األنجلوسكسوني الذي يعتمد في األصل‬ ‫على العرف وأحكام القضاء كمصدر من مصادر القانون دون التشريع المكتوب‪.‬‬ ‫‪.6‬سادسا‪ :‬تطور قانون العقوبات المصري‪:‬‬ ‫يمكننا من أجل استعراض التطور الذي مر به قانون العقوبات المصري حتى وقتنا الحالي‪ ،‬أن نقسم هذا‬ ‫التطور إلى مراحل ثالثة‪:‬‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬هي التي تبدأ منذ الفتح اإلسالمي في العام الثامن عشر للهجرة (‪640‬م) إلى منتصف القرن‬ ‫الخامس عشر‪ ،‬وف يها كانت األحكام الجنائية جميعها مستمدة من الشريعة اإلسالمية بأحكامها المختلفة والتي تتنوع‬ ‫فيها الجرائم والعقوبات إلى جرائم حدود وجرائم قصاص وجرائم التعازير‪.11‬‬ ‫أما المرحلة الثانية‪ :‬فهي التي تبدأ في منتصف القرن الخامس عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر وفيها حدث‬ ‫المزج في بداية المرحلة بين أحكام الشريعة اإلسالمية والقوانين الوضعية ‪.‬ففي منتصف القرن الخامس عشر‬ ‫قامت الدولة العثمانية بإلغاء الحدود الشرعية ثم أصدرت عام ‪ 1840‬ما يسمى بقانون الجزاء العثماني األول‬ ‫المستمد من القانون الفرنسي لعام ‪ 1810‬ثم تال ذلك عام ‪ 1851‬بأن صدر قانون الجزاء العثماني الثاني المستمد‬ ‫بكامله من قانون العقوبات الفرنسي المعدل في عام ‪ 1832‬المعروف باسم قانون نابليون‪.‬‬ ‫وقد تفردت مصر في عهد محمد علي بإصدارها العديد من القوانين الجنائية الخاصة‪ ،‬منها في عام ‪ 1830‬ما‬ ‫عرف باسم قانون الفالحة‪ ،‬الذي حدد الكثير من الجرام المتصلة بالزراعة وحياة الريف‪ ،‬وكذا في عام ‪ 1837‬ما‬ ‫عرف باسم "السياسية نامة"‪ ،‬الذي ضم الجرائم المتصلة بالوظائف األميرية‪ ،‬وقانون عمليات الجسور عام‬ ‫‪ ،1842‬وقانون سياسة الالئحة سنة ‪.1844‬وما أن كثرت القوانين‪ ،‬حتى جمعت كلها في قانون موحد عام‬ ‫‪ 1‬أصدرت لبنان في مارس من عام ‪ 1943‬مرسوم بقانون العقوبات‪ ،‬تبعها في عام ‪ 1949‬صدور أول قانون عقوبات سوري منقولا بدوره عن القانون‬ ‫اللبناني‪.‬والجدير بالمالحظة أ‪ ،‬القانونين اللبناني والسوري قد أبديا تأثرا واضح بالقانون السويسري فيما يتعلق بموضوع التدابير االحترازية‪.‬راجع‬ ‫حسني‪ ،‬محمود نجيب‪ ،‬شرح قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬بيروت‪.1968 ،‬‬ ‫‪ 2‬أصدرت األردن في عام ‪ 1951‬أو قانون عقوبات لها‪ ،‬والذي استبدل بقانون أخر عام ‪ 1960‬متأثرا إلى حد كبير بالقانون اللبناني‪.‬‬ ‫‪ 3‬صدر في عام ‪ 1918‬أول قانون عقوبات بغدادي متأثرا بقانون الجزاء العثماني وقانون العقوبات المصري لعام ‪ 1904‬وبمشروع برونيوت لعام‬ ‫‪ ،1917‬إلى أن صدر في عام ‪ 1969‬قانون عقوبات عراقي جديد مقتبس عن مشروع قانون العقوبات المصري لعام ‪.1966‬راجع‪ ،‬خفاجي‪ ،‬أحمد‬ ‫رفعت‪ ،‬لمحات في قانون العقوبات العراقي الجديد‪ ،‬مجلة القضاة‪ ،‬ع‪ ،1970 ،6‬ص‪ 76‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 4‬بعد استقالل ليبيا أصدرت قانون عقوبات جديد لعام ‪ 1953‬ليحل محل قانون العقوبات لعام ‪ 1947‬والذي كانت قد أصدرته قوات االحتالل البريطاني‪.‬‬ ‫وهذا القانون الجديد قد نحا إلى اقتباس العديد من أحكام قانون العقوبات المصري وكذا قانون العقوبات اإليطالي‪.‬‬ ‫‪ 5‬أصدرت تونس أول قانون عقوبات لها عام ‪ 1913‬تحت مسمى المجلة الجنائية متأثرا بشكل ما بالقانون العثماني والفرنسي واإليطالي‪.‬‬ ‫‪ 6‬في أغسطس من عام ‪ 1913‬تقرر تطبيق قانون العقوبات الفرنسي على المغرب ذاته‪ ،‬إلى أن صدر في أكتوبر عام ‪ 1953‬أول قانون عقوبات مغربي‬ ‫تحت أسم القانون الجنائي منقولا برمته عن القانون الفرنسي‪ ،‬إلى أن صدر في نوفمبر عام ‪ 1962‬قانون عقوبات جديد لم يفلح في خلع عباءة القانون‬ ‫الفرنسي عن حركة التشريع والفقه المغربي‪.‬‬ ‫‪ 7‬بوصف أن الجزائر كانت تعتبر أبان االحتالل الفرنسي جزء من اإلقليم الفرنسي لذا طبق االحتالل قانون عقوباته‪ ،‬إلى أن صدر في يونيو من عام‬ ‫‪ 1961‬أول قانون عقوبات جزائري متأثرا في جل أحكامه بالفقه الفرنسي‪.‬‬ ‫‪ 8‬أصدرت الكويت في أعقاب استقاللها قانون عقوباتها لعام ‪ 1960‬والذي أبدى تأثرا واضحا بالقانون المصري والسوري ذوي األصول الفرنسية‪.‬‬ ‫‪ 9‬بعد سنوات من العمل بأول قانون عقوبات سوداني لعام ‪ 1899‬أصدرت السودان قانون عقوبات جديد عام ‪ 1925‬محتفظا بمصدره اإلنجليزي‪.‬‬ ‫‪ 10‬يعتمد قانون العقوبات اليمني عل ى أحكام قانون عقوبات عدن الذي كان مأخوذا بدوره عن القانون الهندي ذو األصل اإلنجليزي‪.‬‬ ‫‪ 11‬لمزيد من التفصيل‪ ،‬أبو زهرة‪ ،‬محمد‪ ،‬الجريمة والعقوبة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،1976 ،‬عودة‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬التشريع الجنائي اإلسالمي‬ ‫مقارنا بالقانون الوضعي‪ ،‬دار الطباعة الحديثة‪ ، 1984 ،‬شلتوت‪ ،‬محمود‪ ،‬المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مطبعة األزهر‪ ،‬بدون‬ ‫تاريخ‪ ،‬بهنسي‪ ،‬أحمد فتحي‪ ،‬المسئولية الجنائية في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مؤسسة الحلبي‪.1969 ،‬‬ ‫‪-11-‬‬ ‫‪ 1848‬فيما عرف باسم قانون المنتخبات‪ ،‬جامعا بين أحكام الشريعة اإلسالمية في جرائم النفس وما دون النفس‬ ‫إلى جانب األحكام الوضعية المستمدة من القوانين األوروبية خاصة قوانين العقوبات الفرنسية‪.‬وقد سار على ذات‬ ‫النهج الوالة من بعد محمد علي‪ ،‬مثال ذلك ما صدر في عام ‪ 1855‬في عهد الخديوي محمد سعيد‪ ،‬فيما عرف‬ ‫باسم قانون الجزاء الهمايوني‪ ،‬والذي جمع بين أحكام الشريعة اإلسالمية (خاصة أحكام القصاص والدية)‬ ‫واألحكام الوضعية‪.‬‬ ‫والبادي على سياسة التجريم والعقاب في تلك المرحلة أنها لم تأخذ بالمبادئ التي بدأت تترسخ في القوانين الجنائية‬ ‫ا ألوروبية‪ ،‬كمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬ومبدأ المسئولية الشخصية‪ ،‬ومبدأ المساواة أمام القانون ‪ ،‬فقد كانت‬ ‫سياسة التجريم والعقاب أداة لتدعيم النظام الطبقي والحكم التسلطي السائد آنذاك‪.1‬‬ ‫ثم تأتي المرحلة الثالثة‪ :‬وهي المرحلة التي تبدأ أواخر القرن التاسع عشر وتمتد إلى وقتنا الحاضر‪.‬وفيها تم‬ ‫إبطال العمل بأحكام الشريعة اإلسالمية في المجال الجنائي‪ ،‬واستمدت كافة األحكام العقابية من القوانين الوضعية‬ ‫األوروبية‪.‬وتبدأ هذه المرحلة بعام ‪ ،1875‬والذي أنشئت فيه المحاكم المختلطة‪ ،‬والتي كانت تختص باألجانب‬ ‫المقيمين في مصر‪ ،‬وقد وضع من أجل عمل هذه المحاكم قانون عقوبات خاص عرف باسم "قانون العقوبات‬ ‫المختلط"‪ ،‬وقانون إجراءات خاص عرف باسم "قانون تحقيق الجنايات"‪.‬وقد بدأ تطبيق هذين القانونين عام‬ ‫‪ ،1876‬واللذين استمدا من القوانين الفرنسية‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1883‬أنشئت محاكم خاصة بالوطنيين من المصريين‪ ،‬عرفت باسم المحاكم األهلية‪ ،‬كي تحل محل‬ ‫المحاكم الشرعية‪.‬وقد وضع من أجل عمل هذه المحاكم قانون عقوبات أطلق عليه "قانون العقوبات األهلي"‪،‬‬ ‫صدر في ‪ 13‬نوفمبر ‪ ،1883‬وفي ذات التاريخ صدر قانون تحقيق الجنايات األهلي‪.‬وقد استمد المشرع أحكام‬ ‫هذين القانونين من قانون العقوبات واإلجراءات الجنائية المختلط‪.‬ومن ثم يصبح المصدر الحقيقي لكل من قانون‬ ‫العقوبات واإلجراءات األهلي هو القانون الفرنسي ولكن بطريق غير مباشر‪.‬‬ ‫وقد عني قانون العقوبات األهلي لعام ‪ 1883‬باألخذ باالتجاهات الجنائية الحديثة التي كانت سائدة آنذاك‪ ،‬ومنها‬ ‫قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬ومبدأ شخصية المسئولية الجنائية والجزاء الجنائي‪ ،‬وكذا مبدأ المساواة أما‬ ‫القانون‪.‬كما أكد هذا القانون على أن تستهدف العقوبة غايات جديدة أهمها اإلصالح والتأهيل‪ ،‬بعد أن كان االنتقام‬ ‫هو الهدف األوحد للعقوبة‪.‬‬ ‫ولم يكن ليغيب عن المشرع أن يؤكد في صدر القانون ‪ -‬المادة األولى منه ‪ -‬على دور الشريعة اإلسالمية‪ ،‬في‬ ‫كون أن هذا القانون لن يخل تطبيقه بحق مقرر لألفراد بمقتضى الشريعة اإلسالمية الغراء‪.‬إذ كانت للشريعة ‪-‬‬ ‫في ذلك الوقت‪ -‬مكانة عالية في الصدور‪ ،‬وكانت لوقت قريب محلا للتطبيق في كافة الشئون‪.‬فقد جاء في المادة‬ ‫األولى ما نصه‪" :‬من خصائص الحكومة أن تعاقب على الجرائم التي تعاقب على الجرائم التي تقع على أفراد‬ ‫الناس بسبب ما يترتب عليها من تكدير الراحة العمومية وكذلك على الجرائم التي تحصل ضد الحكومة مباشرة‪،‬‬ ‫وبناء على ذلك قد تعينت في هذا القانون درجات العقوبة التي لألولياء شرعا تقديرها‪.‬وهذا بدون إخالل في أي‬ ‫حال من األحوال بالحقوق المقررة لكل شخص بمقتضى الشريعة اإلسالمية الغراء"‪.‬‬ ‫وقد دفعت الضمانات التي قررها كلا من قانون العقوبات واإلجراءات الجنائية وكذا االعتدال في العقوبة إلى‬ ‫تجرؤ بعض األ فراد للخروج على أحكامهما‪ ،‬فكثرت جرائم العصابات المسلحة‪ ،‬مما دفع المشرع إلصدار قوانين‬ ‫خاصة يخرج فيها على األحكام الجنائية المقرر في قانون العقوبات وقانون تحقيق الجنايات األهلي‪.‬ولتطبق هذه‬ ‫القوانين الخاصة شكل ما يسمى "قومسيونات التحقيق" ‪ -‬أي لجان التحقيق ‪ -‬في ‪ 14‬أكتوبر ‪ 1884‬في مديريات‬ ‫الوجه البحري‪ ،‬وفي ‪ 12‬أبريل ‪ 1885‬في مديريات الوجه القبلي‪ ،‬كي تتولى التحقيق والمحاكمة في الجنايات‬ ‫الخطيرة دون التقيد باألحكام المقررة في قانون تحقيق الجنايات األهلي‪ ،‬ومن قبيل ذلك ?

Use Quizgecko on...
Browser
Browser